ظلال قاتمة فوق الغابة المطيرة
اذا نظرتَ الى غابة الأمازون المطيرة من الجو، بدت لك وكأنها بساط زغِب ترامت اطرافه وحافظ على خضرته ورونقه الاصلي كما كان في ايام أورِيانا عندما اكتشف الغابة. أما على الارض، فيما تسير بصعوبة في الغابة الحارة والرطبة، محاولا تفادي الحشرات التي يبلغ حجمها حجم الثدييات الصغيرة، فستجد انك لا تعرف اين ينتهي الواقع ويبدأ الخيال. فما يبدو شكله كأوراق الشجر يتحول الى فراشات، والنبتات المعترشة الى افاعٍ، وقطع الخشب الجاف الى قواضم جافلة تهرب بأقصى سرعة. ففي غابة الأمازون، لا يزال الواقع يختلط بالخيال.
«اغرب وأجمل ما في الامر،» كما يلاحظ احد المراقبين، «هو ان الأمازون في حقيقته مثير كأساطيره.» وكم هو مثير فعلا! تخيَّل غابة تعادل مساحتها مساحة اوروپا الغربية. املأها بأكثر من ٠٠٠,٤ نوع مختلف من الاشجار. زيِّنها بجمال اكثر من ٠٠٠,٦٠ نوع من النباتات المزهرة. اصبغها بالألوان المشرقة لـ ٠٠٠,١ نوع من الطيور. زخرفها بـ ٣٠٠ نوع من الثدييات. أفعمها بطنين ربما مليونَي نوع من الحشرات. والآن يمكنك ان تفهم لماذا كل مَن يصف غابة الأمازون المطيرة ينتهي الى استعمال كلمات تصفها بأنها ‹الاجمل،› ‹الاغنى،› وغير ذلك. واستعمال تعابير مقارنة مثل ‹غابة الامازون اجمل من› او ‹اغنى من› لا يوفي هذه الغابة المدارية المطيرة الاكبر على الارض حقَّها — نظرا الى غناها بالحياة الحيوانية والنباتية التي تعجُّ بها.
‹الموتى الاحياء› المعزولون
قبل تسعين سنة وصف الكاتب الهزلي الاميركي مارك توَين هذه الغابة الرائعة بأنها «ارض ساحرة، ارض غنية جدا بالروائع المدارية، ارض حالِمة حيث تستحق كل الطيور والزهور والحيوانات ان تكون في متحف، وحيث يبدو ان القاطور والتمساح والسعدان تتنعم بالراحة كما لو انها في حديقة حيوانات.» واليوم، اتخذت ملاحظات توَين الطريفة منحى جديا. فقد تصير المتاحف وحدائق الحيوانات قريبا الموطن الوحيد الباقي لعدد متزايد من الروائع المدارية في الأمازون. ولماذا؟
لا يخفى ان السبب الرئيسي هو قطع الانسان لأشجار غابة الأمازون المطيرة، مدمِّرا بالتالي الموطن الطبيعي للنباتات والحيوانات في المنطقة. ولكن بالاضافة الى التدمير الواسع النطاق لهذه المواطن، هنالك اسباب اخرى اكثر غموضا تحوِّل الانواع النباتية والحيوانية، مع انها لا تزال حيَّة، الى «موتى احياء.» وبكلمات اخرى، يعتقد الخبراء ان لا شيء يمكن ان يحُول دون انقراض هذه الانواع.
وأحد هذه الاسباب هو العزل. فالمسؤولون الحكوميون الذين يهتمون بالحفاظ على البيئة قد يحظرون قطع الاشجار في مساحة من الغابة ليضمنوا بقاء الانواع الحيوانية والنباتية حيَّة هناك. لكنَّ المساحات المعزولة عن باقي الغابة تهدِّد وجود هذه الانواع. ويقدِّم كتاب حماية الغابات المدارية — واجب دولي ذو اولوية بارزة (بالانكليزية) هذا المثل ليوضح لماذا المساحات الصغيرة المعزولة لا تدعم الحياة وقتا طويلا.
غالبا ما تتألف الانواع الشجرية المدارية من اشجار ذكرية وأنثوية. ولكي تتكاثر، تنال المساعدة من الخفافيش التي تحمل اللقاح من الازهار الذكرية الى الانثوية. وطبعا، لا تتم عملية التلقيح اذا كانت الاشجار تنمو خارج نطاق طيران الخفافيش. فإذا كانت المسافة بين الشجرة الذكرية والشجرة الانثوية كبيرة جدا — كما يحدث غالبا عندما تحيط بهذه المساحات المعزولة مساحة شاسعة من الارض المحروقة — فلن يستطيع الخفاش قطع تلك المسافة. وتتحول الاشجار، كما يقول التقرير، الى «‹ميت حي› لأن تكاثرها على المدى الطويل لم يعد ممكنا.»
هذه الصلة بين الاشجار والخفافيش هي واحدة فقط من العلاقات التي تؤلف المجتمع الأمازوني الطبيعي. وبكلمات بسيطة، تشبه غابة الأمازون منزلا كبيرا يوفِّر الطعام والمأوى لتنوُّع من الكائنات المختلفة واحدها عن الآخر انما المرتبطة بعلاقات وثيقة متبادلة. ولتفادي التزاحم، يعيش سكان الغابة المطيرة في طوابق مختلفة، البعض قرب ارض الغابة والبعض الآخر في الظُّلة. وجميع السكان يعملون، ويتواصل العمل على مدار الساعة — البعض في النهار والبعض الآخر في الليل. وإذا لم يحُلْ شيء دون تأدية كل الانواع لوظيفتها، يعمل هذا المجتمع المعقد من النباتات والحيوانات الأمازونية بطريقة سلسة.
لكنَّ النظام البيئي في الأمازون (وكلمة بيئة تعني «منزل») هشّ. فحتى لو اقتصر تدخُّل الانسان في شؤون هذه الغابة على استغلال بعض الانواع، ينعكس ضرره على كل طوابق المنزل، اي الغابة. ويقدِّر نورمان مايرز، وهو من انصار المحافظة على البيئة، ان انقراض نوع نباتي واحد يمكن ان يؤدي مع الوقت الى موت ٣٠ نوعا حيوانيا. وبما ان معظم الاشجار المدارية تعتمد بدورها على الحيوانات لكي تنشر لها بزورها، فإن قضاء الانسان على الانواع الحيوانية يؤدي الى انقراض هذه الاشجار. (انظر الاطار «العلاقة بين اشجار وسمكة.») وكما هي الحال في العزل، يؤدي فصم العلاقات الى إدراج اعداد اكبر فأكبر من الانواع في الغابة في قائمة ‹الموتى الاحياء.›
قطْع قليل، اضرار قليلة؟
يبرِّر البعض ازالة الاشجار من مساحات صغيرة بالقول ان الغابة ستتعافى وستُنبت في البقعة الخالية من الاشجار طبقة جديدة من النباتات الخضراء كما يغطي جسمنا الجرح في الاصبع بطبقة جديدة من الجلد. فهل هذا صحيح؟ ليس تماما.
صحيح طبعا ان الغابة تنمو من جديد اذا ترك الانسان البقعة المقطوعة الاشجار وشأنها فترة طويلة، لكنه صحيح ايضا ان الطبقة النباتية الجديدة لن تكون مثل الغابة الاصلية كما ان النسخة الرديئة المصوَّرة بواسطة آلة تصوير المستندات لا تماثل تماما النسخة الطباعية الواضحة. لقد قامت إيما ڤييرا، وهي عالمة نبات برازيلية، بدراسة لمساحة واسعة من غابة في الأمازون عادت ونمت بعد ان قُطعت اشجارها قبل قرن، فوجدت انه من الـ ٢٦٨ نوعا من الاشجار التي كانت تنمو في الغابة القديمة، ٦٥ نوعا فقط تؤلف اليوم الغابة الجديدة. وتقول عالمة النبات ان الفرق نفسه يصحّ في الانواع الحيوانية في المنطقة. ومع ان ازالة الاحراج لا تحوِّل الغابات الخضراء الى صحارٍ حمراء كما يدّعي البعض فإنها تحوِّل غابة الأمازون المطيرة الى نسخة سيئة عن الاصل.
وبالاضافة الى ذلك، حتى لو قُطعت مساحات صغيرة من الغابة فهذا يؤدي غالبا الى هلاك الكثير من النباتات والحيوانات التي تنمو، تزحف، وتتسلق في ذلك الحيّز عينه من الغابة وليس في آخر. مثلا، وجد باحثون في إكوادور ٠٢٥,١ نوعا نباتيا في منطقة تبلغ مساحتها ٧,١ كيلومترا مربعا (١٠/٧ الميل المربع) من الغابة المدارية. وأكثر من ٢٥٠ نوعا منها لا ينمو في ايّ مكان آخر على الارض. «وكمثال محلي لذلك،» كما يقول عالم البيئة البرازيلي روجيريو ڠريبل، «لدينا الـ سويم-دي-كولَيرا،» وهو سعدان صغير جميل يبدو وكأنه يرتدي قميص «تي-شيرت» ابيض. «لم يبقَ منه إلا القليل في بقعة صغيرة في الغابة قرب ماناوس في وسط الأمازون، لكنَّ تدمير هذا الموطن الصغير،» كما يقول الدكتور ڠريبل، «سيمحو هذا النوع من الوجود الى الابد.» القَطْع قليل، لكنَّ الاضرار هائلة.
«البساط» الاخضر يتقلص
غير ان الخطر الادهى على غابة الأمازون المطيرة يأتي من الازالة الشاملة للاحراج. فعمال شقّ الطرقات وقطع الاشجار والتعدين وكثيرون غيرهم يسبِّبون تقلّص «بساط» الغابة، ماحين من الوجود انظمة بيئية بكاملها في طرفة عين.
وفي حين ان هنالك تفاوتا كبيرا في تحديد الارقام الدقيقة للمعدل السنوي لتدمير الغابات في البرازيل — علما بأن التقديرات المتحفظة تذكر انه يبلغ ٠٠٠,٣٦ كيلومتر مربع (٠٠٠,١٤ ميل مربع) في السنة — يمكن ان تكون النسبة الاجمالية للجزء المدمَّر من غابة الأمازون المطيرة حتى الآن قد بلغت اكثر من ١٠ في المئة، مساحة اكبر من المانيا. وأخبرت المجلة الاسبوعية البرازيلية البارزة ڤيجا (بالپرتغالية) ان البلاد اجتاحها في سنة ١٩٩٥ نحو ٠٠٠,٤٠ حريق في الغابة اشعلها مزارعون يعتمدون اسلوب «هشِّم وأحرِق» لزراعة الارض — اكثر من السنة السابقة بخمس مرات. ان الزخم الذي يُضرِم به الانسان النار في الغابة، كما تحذِّر ڤيجا، يجعل اجزاء من الأمازون تبدو مثل «جحيم عند التخوم الخضراء.»
الانواع تختفي — وإن يكن؟
ربَّ سائل يقول: ‹ولكن هل نحن بحاجة الى كل هذه الانواع التي تبلغ الملايين؟› نعم، نحن بحاجة اليها، كما يؤكد ادوارد ا. ويلسون، احد انصار المحافظة على البيئة، من جامعة هارڤرد. يقول ويلسون: «بما اننا نعتمد على الانظمة البيئية العاملة لتنقية مياهنا وإخصاب تربتنا وخلق الهواء الذي نتنفَّسه، فمن الواضح ان التنوُّع الحيوي ليس شيئا ليُتخلص منه بلا مبالاة.» ويقول كتاب الناس، النباتات، وبراءات الاختراع (بالانكليزية): «يتوقف بقاء البشر على استفادتهم من التنوُّع الوراثي الوافر. فإذا اختفى التنوُّع، نختفي بسرعة نحن ايضا.»
نعم، ان تأثير تدمير الانواع لا يقف عند قطْع الاشجار وتعريض وجود الحيوانات للخطر ومضايقة السكان الاصليين. (انظر الاطار «العنصر البشري.») فتقلّص الغابات يمكن ان يؤثر فيك. فكّر في هذا: مزارع في موزمبيق يقطع سوق المنيهوت، أُمّ في اوزبكستان تتناول حبة لتحديد النسل، صبي جريح في ساراييڤو يُعطى مادة المورفين، او زبونة في متجر في نيويورك تتمتع بشذا عطر غريب — جميع هؤلاء الاشخاص، كما يذكر معهد پانوس، يستعملون منتجات اصلها من الغابة المدارية. وهكذا فإن الغابة القائمة تخدم الناس حول العالم — بمن فيهم انت.
لا ولائم، انما لا مجاعات
صحيح انه لا يمكن لغابة الأمازون المطيرة ان تُولِم للعالم بأسره وليمة حافلة، ولكن يمكنها ان تساعد على الحؤول دون وقوع مجاعة عالمية. (انظر الاطار «خرافة خصوبة الارض.») كيف؟ بدأ الانسان في السبعينات يزرع على نطاق واسع بعض ضروب النباتات التي انتجت محاصيل هائلة جدا. ومع ان هذه النباتات الغزيرة الانتاج ساهمت في إطعام ٥٠٠ مليون شخص اضافي، هنالك مشكلة في الامر. فبما انه ليس لديها تنوُّع وراثي، فهي ضعيفة وعرضة للامراض. ويمكن لڤيروس ان يقضي على الجزء الاكبر من المحصول الغزير لبلد ما، الامر الذي يؤدي الى مجاعة.
لذلك، من اجل انتاج محاصيل اقوى وتفادي حصول مجاعة، تشجع الآن منظمة الاغذية والزراعة (الفاو) التابعة للامم المتحدة على «استعمال تشكيلة اوسع من المواد الوراثية.» وهنا يأتي دور الغابة المطيرة وسكانها الاصليين.
بما ان الغابات المدارية تؤوي اكثر من نصف الانواع النباتية في العالم (بما فيها نحو ٦٥٠,١ نوعا يمكن ان تكون محاصيل غذائية)، فالمشتل الأمازوني هو المكان المثالي لأيّ باحث يفتش عن انواع نباتية برية. وبالاضافة الى ذلك، يعرف سكان الغابات كيف يستفيدون من هذه النباتات. مثلا، لا ينتج هنود الكاياپو في البرازيل ضروبا جديدة من المحاصيل فحسب، بل يحفظون ايضا عيِّنات منها في منحدرات التلال التي تصير مثل بُنوك للمورِّثات. وبتهجين النبات — بين المحاصيل البرية والمحاصيل غير البرية انما السريعة التأثر بالامراض — تزداد قوة ومقاومة محاصيل الانسان الغذائية. وهذه التقوية ضرورية جدا، كما تقول الفاو، لأنه «يجب ان يزداد انتاج الطعام ٦٠٪ في السنوات الـ ٢٥ التالية.» ومع ذلك، لا تزال الجرافات التي تهشِّم الغابات تتغلغل اكثر فأكثر في عمق غابة الأمازون المطيرة.
وما هي العواقب؟ ان تدمير الانسان للغابة المطيرة يماثل كثيرا التهام المزارع حبوب الذرة التي ينوي زرعها — فهو يسدّ جوعه الحالي ولكنه يعرِّض مخزون الطعام المستقبلي للخطر. وقد حذَّرت مؤخرا مجموعة من الخبراء بالتنوُّع الحيوي قائلة: «ان حفظ التنويع المتبقي للمحاصيل وتطويره مسألة مهمة والجميع حول العالم معنيّون بها.»
نباتات قد تكون مفيدة
ادخل الآن الى «صيدلية» الغابة وانظر كيف ان مصير الانسان متعلق بالنباتات المدارية المعترشة وغيرها. مثلا، تُستعمل القلوانيات المستخرَجة من النباتات الأمازونية المعترشة كمُرخِيات عضلية قبل العمليات الجراحية؛ ٤ من ٥ اولاد مصابين بابيضاض الدم (اللوكيميا) يمكن ان يعيشوا مدة اطول، وذلك بفضل المواد الكيميائية الموجودة في العناقية الوردية، وهي زهرة تنمو في الغابات. وتزوِّد الغابة ايضا الكينين المستعمل لمحاربة الملاريا، الديجيتاليس المستعمل لمعالجة قصور القلب، والديوسْجنين المستعمل في حبوب تحديد النسل. وتبيَّن ان نباتات اخرى يمكن ان تكون مفيدة في محاربة الأيدز والسرطان. يقول تقرير للامم المتحدة: «لقد سُجِّل في الأمازون وحدها ٠٠٠,٢ نوع من النباتات التي يستخدمها السكان الاصليون كأدوية والتي يمكن استعمالها في تركيب المستحضرات الطبية.» وتقول دراسة اخرى ان ٨ من كل ١٠ اشخاص حول العالم يلجأون الى النباتات الطبية لمعالجة امراضهم.
لذلك من المنطقي ان ننقذ النباتات التي تنقذنا، كما يقول الدكتور فيليپ م. فيرنْسايد. «ان خسارة الغابة الأمازونية تُعتبر تراجعا محتمَلا خطيرا في الجهود المبذولة لإيجاد علاجات للسرطان البشري. . . . والفكرة القائلة ان الانجازات الباهرة في الطب الحديث تسمح لنا بالاستغناء عن جزء كبير من هذه الانواع،» كما يضيف، «تعبِّر عن اعتداد بالنفس قد تكون عاقبته مميتة.»
ومع ذلك يواصل الانسان اهلاك الحيوانات والنباتات بسرعة تفوق سرعة اكتشافها وتصنيفها علميا. ويجعلك ذلك تتساءل: ‹لماذا تتواصل ازالة الاحراج؟ هل يمكن تغيير مجرى الامور؟ هل لغابة الأمازون المطيرة مستقبل؟›
[الاطار في الصفحة ٨]
خرافة خصوبة الارض
ان فكرة خصوبة تربة الأمازون، كما تذكر مجلة كاونْتِرْپارت (بالانكليزية)، هي «خرافة تصعب ازالتها.» ففي القرن الـ ١٩، وصف المستكشف الكسندر فون هَمبولْت الأمازون بـ «أهراء العالم.» وبعد قرن كان للرئيس الاميركي ثيودور روزڤلت رأي مماثل، اذ اعتقد ان الأمازون تعد بانتاج زراعي جيد. كتب: «من المؤكد ان ارضا غنية وخصبة كهذه لا يمكن ان يُسمح بتركها غير مستغَلّة.»
والمزارع الذي لديه الرأي نفسه يجد ان الارض تعطي محصولا جيدا لسنة او اثنتين لأن رماد الاشجار والنباتات المحروقة اخصب التربة. لكنَّ التربة تصير بعد ذلك جدباء. فمع ان النباتات الخضراء الناضرة في الغابة توحي بأن التربة غنية تحتها، فالتربة هي في الواقع نقطة ضعف الغابة. لماذا؟ تحدثت استيقظ! الى الدكتور فلاڤيو ج. لوِيزاوْن، وهو باحث في المعهد الوطني للابحاث في الأمازون وخبير بتربة الغابات المطيرة. وهنا بعض تعليقاته:
‹بخلاف تربة غابات كثيرة اخرى، لا تحصل معظم التربة في حوض الأمازون على المواد المغذية من الاسفل الى الاعلى، اي من الصخر المتفكك، لأن الصخر الأُم ليس غنيا بالمواد المغذية ويقع عميقا جدا تحت السطح. وبدلا من ذلك، تحصل التربة المغسولة على المواد المغذية من الاعلى الى الاسفل، اي من المطر والفضالات النباتية السطحية. لكنَّ قطرات المطر والاوراق المتساقطة بحاجة الى مساعدة لكي تصير مغذية. لماذا؟
‹لا تحتوي مياه المطر المتساقطة على الغابة المطيرة مواد مغذية كثيرة. ولكن عندما ترتطم بالاوراق وتجري على جذوع الاشجار، تلتقط المواد المغذية من الاوراق، الاغصان، الحَزاز، الطحالب، قرى النمل، والغبار. وحين يتغلغل الماء في التربة، يكون قد تحوَّل الى طعام جيد للنبات. وللحؤول دون جريان هذا الطعام السائل الى الجداول، تستخدم التربة «مصيدةً» للمواد المغذية مؤلفة من جذور دقيقة متشابكة ومنتشرة في ارجاء السنتيمترات القليلة الاولى للتربة الفوقية. والدليل على فعّالية هذه «المصيدة» هو ان الجداول التي تتلقى مياه المطر هذه تحتوي على مواد مغذية اقل من تربة الغابة نفسها. لذلك فإن المواد المغذية تصل الى الجذور قبل ان يصل الماء الى الجداول او الانهر.
‹والمصدر الآخر للطعام هو الفضالات النباتية السطحية، وتشمل الاوراق المتساقطة، الاغصان الصغيرة، والثمار. ونحو ثمانية اطنان من الفضالات النافعة تقع على هكتار واحد [أكرَين ونصف] من ارض الغابة كل سنة. ولكن كيف تصل هذه الفضالات الى تحت سطح التربة وتدخل شبكة جذور النباتات؟ هنا يأتي دور الأرَض. فهذه الحشرات تقطع الاوراق على شكل اقراص وتحمل القطع الى قراها الواقعة تحت الأرْض. وهي تعمل بنشاط خصوصا خلال الموسم الممطر، اذ تنقل ٤٠ في المئة من كل الفضالات النباتية للغابة الى تحت الأرْض. وهناك تستخدم الاوراق لصنع حدائق لزراعة الفطر. وهذا الفطر بدوره يحلّل المادة النباتية ويُطلق النتروجين، الفسفور، الكلسيوم، وغيرها من العناصر التي تشكّل غذاء مهما للنباتات.
‹وأية فائدة يجنيها الأرَض من ذلك؟ انه يحصل على الطعام. فهو يأكل الفطر وقد يبتلع ايضا بعض القطع الصغيرة من الاوراق. ثم تعمل العضويات المجهرية في امعاء الأرَض على تحويل الطعام كيميائيا، وهكذا تصير افرازات اجسام هذه الحشرات طعاما غنيا بالمواد المغذية للنباتات. اذًا، هطول الامطار وتكرير المادة العضوية هما اثنان من العوامل التي تُبقي الغابة المطيرة قائمة وتنمو.
‹من السهل ان ترى ماذا يحدث عندما تقطع اشجار الغابة وتحرقها. فلا يعود هنالك ظُلّة تعترض سبيل المطر او طبقة من الفضالات النباتية لتُكَرَّر. وعوضا عن ذلك، تضرب الامطار الغزيرة التربة الجرداء مباشرة بقوة كبيرة، فتصير التربة قاسية نتيجةً لوقع المطر. وفي الوقت نفسه، يزيد ضوء الشمس، الذي يقع مباشرة على التربة، درجة حرارة السطح ويرصُّ التربة. والنتيجة هي ان مياه المطر تجري الآن فوق الارض، فلا تغذي التربة بل الانهر. ونقص المواد المغذية في الارض المقطوعة الاشجار والمحروقة قد يكون كبيرا حتى ان المجاري المائية قرب المناطق المقطوعة الاشجار تعاني فرطا في المواد المغذية، الامر الذي يعرِّض حياة الانواع المائية للخطر. لذلك من الواضح ان الغابة، اذا تُركت وشأنها، قادرة على اعالة نفسها، لكنَّ تدخُّل الانسان لا يجلب إلا الكوارث.›
[الاطار/الصورة في الصفحة ٧]
العنصر البشري
ان الاخلال بالنظام البيئي وإزالة الاحراج لا يؤذيان النباتات والحيوانات فحسب بل البشر ايضا. فنحو ٠٠٠,٣٠٠ هندي، بقية من الـ ٠٠٠,٠٠٠,٥ هندي الذين كانوا يسكنون منطقة الأمازون في البرازيل، لا يزالون يتعايشون مع بيئة غابتهم. ويتعرض الهنود اكثر فأكثر للمضايقة من قِبل قاطعي الاشجار والباحثين عن الذهب وغيرهم، وكثيرون من هؤلاء يعتبرون الهنود «عقبات في طريق التطور.»
وهنالك ايضا الكابوكْلو، شعب قوي متحدِّر من خليط من البيض والهنود استقر اجدادهم بأمازونيا قبل ١٠٠ سنة تقريبا. وهذا الشعب، الذي يعيش على طول الانهر في مساكن صغيرة قائمة على ركائز، ربما لم يسمع قط بعبارة «علم البيئة،» لكنهم يعيشون من خيرات الغابة دون ان يدمِّروها. ومع ذلك، يتأثر وجودهم اليومي بسيول المهاجرين الجدد الذين يدخلون موطنهم، الغابة.
وفي الواقع، ليس المستقبل مؤكدا لنحو ٠٠٠,٠٠٠,٢ جامع جوز، مستخرج مطاط، صياد، وغيرهم من السكان الاصليين الذين يعيشون بانسجام تام مع دورات الغابة وتكرُّر فيضان الانهر. ويعتقد كثيرون ان الجهود المبذولة للحفاظ على الغابة ينبغي ان تتعدى حماية اشجار الموڠانو وخراف البحر. فينبغي ان تشمل ايضا حماية سكان الغابة البشر.
[الاطار/الصورتان في الصفحة ٩]
العلاقة بين اشجار وسمكة
خلال الموسم الممطر، يفيض نهر الأمازون ويغمر الاشجار التي تنمو في الغابات المنخفضة. وعند ذروة الفيضان، تُثمِر معظم الاشجار في هذه الغابات وتلقي بزورها — ولكن ليس هنالك طبعا قواضم تعيش تحت الماء لتنشر البزور. هنا يأتي دور سمكة التامْباكي (Colonnonea macropomum)، «كسّارة جوز» عائمة تتمتع بحاسة شمّ قوية. ففيما تسبح بين اغصان الاشجار المغمورة، تعرف بالرائحة اية اشجار توشك ان تلقي بزورها. وعندما تقع البزور في الماء، تسحق السمكة القشور بفكيها القويين، تبلع البزور، تهضم الثمرة اللبِّيَّة حولها، وتطرح البزور على ارض الغابة حيث تبدأ بالنمو حين تتراجع مياه الفيضان. وبهذه الطريقة تستفيد السمكة والشجرة. فسمكة التامْباكي تخزن الدهن، والشجرة تتكاثر. وقطْع هذه الاشجار يشكّل خطرا على وجود التامْباكي ونحو ٢٠٠ نوع آخر من الاسماك الآكلة الثمار.
[الصورة في الصفحة ٥]
الخفافيش تحمل اللقاح من الازهار الذكرية الى الانثوية
[مصدر الصورة]
Rogério Gribel
[الصورة في الصفحة ٧]
مشتلك وصيدليتك
[الصورة في الصفحة ٧]
النيران تهدِّد التخوم الخضراء
[مصدر الصورة]
Philip M. Fearnside