مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • ع٩٩ ٢٢/‏٨ ص ١٨-‏٢٣
  • خدمة اللّٰه في وجه الموت

لا تتوفر فيديوات للجزء الذي اخترته.‏‏

عذرًا، حصل خطأ عند تشغيل الفيديو.‏

  • خدمة اللّٰه في وجه الموت
  • استيقظ!‏ ١٩٩٩
  • العناوين الفرعية
  • مواد مشابهة
  • مُباركٌ بنيل ثقافة جيدة
  • حركة دينية جديدة
  • سَجني الاول
  • اللقاء المُنتظر
  • الحوادث التي سبقت المعمودية
  • تجدد الاضطهاد
  • تسع سنوات من العذاب
  • الحرية،‏ ولكن السجن مجددا
  • اخلاء سبيلنا مع استمرار الاضطهاد
  • وأخيرا،‏ حرية الكرازة!‏
  • الجزء ٤ —‏ شهود الی اقصی الارض
    شهود يهوه —‏ منادون بملكوت اللّٰه
  • من مجاهِد سياسي الى مسيحي حيادي
    استيقظ!‏ ٢٠٠٢
  • كان اللّٰه معينا لنا
    استيقظ!‏ ١٩٩٩
  • من الفقر المدقع الى الغنى الوفير
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ١٩٩٩
المزيد
استيقظ!‏ ١٩٩٩
ع٩٩ ٢٢/‏٨ ص ١٨-‏٢٣

خدمة اللّٰه في وجه الموت

كما رواه جْواوْن مَنْكوكا

في ٢٥ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٦١،‏ أوقف جنود اجتماعنا المسيحي في لواندا،‏ أنڠولا.‏ ألقوا القبض على ثلاثين شخصا منا وجرونا الى السجن حيث أُشبعنا ضربا مبرحا لدرجة ان الجنود كانوا يعودون الينا كل نصف ساعة ليروا هل مات احد منا.‏ وسُمع البعض منهم يقولون انه لا بد ان يكون الهنا حقيقيا لأننا نجونا جميعا.‏

بعد هذا الضرب الذي تلقيناه،‏ بقيتُ في سجن سان پاولو خمسة اشهر.‏ بعد ذلك،‏ وطوال السنوات التسع التالية،‏ نُقلت من سجن الى آخر،‏ معانيا المزيد والمزيد من الضرب،‏ الحرمان،‏ والاستجوابات.‏ وبُعيد اطلاق سراحي سنة ١٩٧٠،‏ اعتُقلت مرة اخرى وأُرسلت هذه المرة الى معسكر الموت الفظيع في سان نيكولاو،‏ المعروفة اليوم باسم بنتيابا.‏ واحتُجزت هناك سنتين ونصفا.‏

قد تتساءلون لماذا زُجَّ بي،‏ مع اني مواطن مطيع للقوانين،‏ في السجن لمجرد اني اتحدث الى الآخرين عن معتقداتي المؤسسة على الكتاب المقدس،‏ وأين تعلمتُ للمرة الاولى عن بشارة ملكوت اللّٰه.‏

مُباركٌ بنيل ثقافة جيدة

وُلدت في تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٢٥ قرب بلدة ماكيلا دو زومبو،‏ في شمال أنڠولا.‏ وعندما مات والدي سنة ١٩٣٢،‏ ارسلتني امي لأعيش مع اخيها في الكونڠو البلجيكي (‏جمهورية الكونڠو الديموقراطية اليوم)‏.‏ لم يكن ذلك ما تمنت فعلا القيام به،‏ لكنها لم تكن قادرة على اعالتي.‏

كان خالي معمدانيا،‏ وشجعني على قراءة الكتاب المقدس.‏ ورغم انني صرت عضوا في كنيسته،‏ لم يُشبع ما تعلمته جوعي الروحي،‏ كما انه لم يحثني على خدمة اللّٰه.‏ ومن ناحية اخرى،‏ ارسلني خالي الى المدرسة وساعدني على تلقي ثقافة جيدة.‏ وبين الامور التي تعلمتها،‏ تعلمت ان اتكلم اللغة الفرنسية.‏ ولاحقا،‏ تعلمت ايضا اللغة الپرتغالية.‏ وبعد ان تركت المدرسة،‏ حصلت على وظيفة كعامل لاسلكي في محطة اللاسلكي المركزية في ليوپولدڤيل (‏كينشاسا اليوم)‏.‏ ثم تزوجت بعمر ٢٠ سنة بماريا پوڤا.‏

حركة دينية جديدة

في تلك السنة عينها،‏ اي سنة ١٩٤٦،‏ صرت متأثرا بقائد جوقة مرتلين معمداني،‏ وهو رجل أنڠولي ذو ثقافة عالية.‏ كان هذا الرجل يتوق الى تعليم وترقية الناس العائشين في شمال أنڠولا والذين يتكلمون الكيكونڠو.‏ وكان بحوزته ترجمة پرتغالية للكراس الانكليزي بعنوان:‏ ‏«الملكوت،‏ رجاء العالم»،‏ الذي اصدرته جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس،‏ وكان شهود يهوه يوزعونه.‏

ترجم قائد جوقة المرتلين هذا الكراس الى الكيكونڠو واستخدمه لإدارة مناقشات اسبوعية في الكتاب المقدس مع فريق منا نحن الأنڠوليين العاملين في الكونڠو البلجيكي.‏ وبعد مدة،‏ كتب قائد جوقة المرتلين رسالة الى المركز الرئيسي لجمعية برج المراقبة في الولايات المتحدة وحصل على المزيد من المطبوعات.‏ لكنّ المعلومات التي كان ينقلها الينا كانت ممزوجة بتعاليم الكنيسة.‏ لذلك لم اتمكن من التمييز بوضوح بين المسيحية الحقة والتعاليم غير المؤسسة على الاسفار المقدسة التي للعالم المسيحي.‏

لكنني لاحظت ان رسالة الكتاب المقدس التي تحتويها مطبوعات جمعية برج المراقبة مختلفة تماما عن كل ما سمعته في الكنيسة المعمدانية.‏ على سبيل المثال،‏ تعلمت ان الكتاب المقدس يعلق اهمية كبيرة على اسم اللّٰه الشخصي،‏ يهوه،‏ وأن المسيحيين الحقيقيين يطلقون على نحو ملائم الاسم شهود يهوه على انفسهم.‏ (‏مزمور ٨٣:‏١٨؛‏ اشعياء ٤٣:‏١٠-‏١٢‏)‏ وعلاوة على ذلك،‏ طفح قلبي بالفرح اذ علمت ان الكتاب المقدس يعد الذين يخدمون يهوه بأمانة بحياة ابدية على ارض فردوسية.‏ —‏ مزمور ٣٧:‏٢٩؛‏ كشف ٢١:‏٣-‏٥‏.‏

ورغم ان معرفتي لحق الكتاب المقدس كانت محدودة،‏ شعرت كالنبي ارميا الذي لم يستطع ان يكبت رغبته المتقدة في التكلم عن الهه يهوه.‏ (‏ارميا ٢٠:‏٩‏)‏ فرافقني اعضاء من فريقنا لدرس الكتاب المقدس في الكرازة من بيت الى بيت.‏ حتى انني عقدت اجتماعات عامة في فناء بيت خالي،‏ مستخدما دعوات مطبوعة لدعوة الناس.‏ وقد بلغ عدد الحضور في احدى المرات ٧٨ شخصا.‏ وهكذا تشكلت حركة دينية جديدة تحت اشراف قائد جوقة المرتلين الانڠولي.‏

سَجني الاول

لم اكن اعلم ان اي نشاط يمتُّ بصلة الى جمعية برج المراقبة محظور في الكونڠو البلجيكي.‏ لذلك اعتُقل البعض منا في ٢٢ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٤٩.‏ وقبل محاكمتنا،‏ تكلم اليَّ القاضي على انفراد محاولا ان يرتب اطلاق سراحي،‏ لأنه علم انني موظف حكومي.‏ لكن للحصول على حريتي،‏ كان عليَّ ان اتخلى عن الحركة التي تشكلت نتيجة عمل كرازتنا،‏ فرفضت.‏

وبعد قضاء شهرين ونصف في السجن،‏ قررت السلطات ارسال الانڠوليين منا الى بلدنا.‏ لكن عند عودتنا الى انڠولا،‏ كانت سلطات الاستعمار الپرتغالية مرتابة ايضا في نشاطاتنا،‏ وعمدت الى تقييد حريتنا.‏ ثم جاء اعضاء اضافيون من الكونڠو البلجيكي،‏ وبلغ عددنا اخيرا اكثر من ٠٠٠‏,١ شخص في كل انحاء أنڠولا.‏

ومع الوقت،‏ انضم الى حركتنا هذه اتباع القائد الديني البارز سيمون كيمبانڠو.‏ لكنهم لم يكونوا مهتمين بدرس مطبوعات جمعية برج المراقبة،‏ لأنهم كانوا يؤمنون ان شرح الكتاب المقدس لا يمكن ان يحصل الا من خلال وسيط ارواحي.‏ وأيدَّت اغلبية اعضاء حركتنا هذه الفكرة،‏ بمن فيهم قائد جوقة المرتِّلين الذي كان آنذاك لا يزال يُعتبر قائدنا.‏ فصليت بحرارة طالبا من يهوه ان يجعلنا على اتصال بممثل حقيقي لجمعية برج المراقبة.‏ وكنت آمل ان يقنع ذلك كامل اعضاء حركتنا بأهمية قبول حق الكتاب المقدس ونبذ الممارسات غير المؤسسة على الاسفار المقدسة.‏

استاء بعض اعضاء الحركة من عمل الكرازة الذي كان يقوم به البعض منا.‏ فبلَّغوا السلطات عنا واتهمونا بأننا قواد حركة سياسية.‏ ونتيجة لذلك،‏ جرى اعتقال عدد منا في شباط (‏فبراير)‏ ١٩٥٢،‏ وكان بين المعتقلين كارلوس اڠوشتينيو كادي وسالا راموس فيلِمون.‏ وحُبسنا في زنزانة لا شبابيك لها.‏ لكنَّ حارسا وديا جلب لنا الطعام من زوجاتنا،‏ بالاضافة الى آلة كاتبة فتمكنا من طبع المزيد من كراريس جمعية برج المراقبة.‏

بعد ثلاثة اسابيع نُفينا الى باييا دوس تيڠرش،‏ منطقة قاحلة في جنوب أنڠولا.‏ ورافقتنا زوجاتنا الى هناك.‏ وحُكم علينا بأربع سنوات من الاشغال الشاقة في شركة لصيد الاسماك.‏ لم يكن في باييا دوس تيڠرش ميناء لمراكب الصيد،‏ لذلك كان على زوجاتنا ان يخضن الماء ذهابا وإيابا من الصباح حتى هبوط الليل لنقل احمال السمك الثقيلة من المراكب.‏

والتقينا في معسكر السجن هذا اعضاء آخرين من حركتنا وحاولنا ان نقنعهم بالاستمرار في درس الكتاب المقدس.‏ لكنهم فضلوا اتِّباع توكو،‏ قائد جوقة المرتِّلين.‏ وصاروا لاحقا يُعرفون بالتوكويين.‏

اللقاء المُنتظر

خلال وجودنا في باييا دوس تيڠرش،‏ اكتشفنا عنوان فرع روديسيا الشمالية (‏زامبيا اليوم)‏ لجمعية برج المراقبة وكتبنا اليه رسالة نطلب فيها المساعدة.‏ أُرسلت رسالتنا هذه الى فرع جنوب افريقيا الذي راسلنا مستفسرا كيف صرنا مهتمين بحق الكتاب المقدس.‏ ثم أُعلم المركز الرئيسي لجمعية برج المراقبة في الولايات المتحدة بنا،‏ وأُعدت ترتيبات لإرسال ممثل خصوصي ليتصل بنا.‏ كان هذا الممثل جون كوك،‏ مرسل لديه سنوات كثيرة من الخبرة في البلدان الاجنبية.‏

بعد وصول الاخ كوك الى أنڠولا،‏ انتظر اسابيع عديدة قبل ان تسمح له السلطات الپرتغالية بزيارتنا.‏ فوصل الى باييا دوس تيڠرش في ٢١ آذار (‏مارس)‏ ١٩٥٥،‏ وسُمح له بالبقاء معنا خمسة ايام.‏ كان شرحه للكتاب المقدس مقنعا جدا،‏ وتأكدت انه يمثل هيئة يهوه اللّٰه الحقيقية الوحيدة.‏ وفي اليوم الاخير من زيارته،‏ القى الاخ كوك خطابا عاما بعنوان:‏ «بشارة الملكوت هذه».‏ كان مجموع الحاضرين ٨٢ شخصا،‏ بمن فيهم المسؤول الاداري الاعلى في باييا دوس تيڠرش.‏ وحصل كلّ من الموجودين على نسخة مطبوعة من الخطاب.‏

قام الاخ كوك،‏ خلال فترة وجوده في أنڠولا التي دامت خمسة اشهر،‏ بالاتصال بعدد من التوكويين،‏ بمن فيهم قائدهم.‏ لكن الاغلبية لم تكن مهتمة بالصيرورة شهودا ليهوه.‏ لذا،‏ شعرت انا ورفقائي انه من الضروري ان نوضح موقفنا للسلطات.‏ فكتبنا رسالة رسمية مؤرخة في ٦ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٥٦ وموجهة الى «سعادة حاكم مقاطعة موسامِديش» تشرح موقفنا.‏ وصرحنا في الرسالة انه لم تعد تربطنا اية صلة بأتباع توكو،‏ وانه يجب اعتبارنا «اعضاء في جمعية شهود يهوه».‏ كما طلبنا ايضا ان نُمنح حرية العبادة.‏ لكن بدل ان تُخفف عقوبتنا،‏ مُدِّدت سنتين اضافيتين.‏

الحوادث التي سبقت المعمودية

أُطلق سراحنا اخيرا في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٥٨،‏ ولدى عودتنا الى لواندا وجدنا ان فريقا صغيرا من شهود يهوه قد تشكل في السنة التي سبقت.‏ وقد نظَّم هذا الفريق مرڤين پاسلو،‏ وهو مرسل أُرسل الى أنڠولا ليحل محل جون كوك،‏ إلا انه كان قد رُحِّل قبل وصولنا.‏ ثم في سنة ١٩٥٩ جاء هاري ارنوت،‏ مرسل آخر من شهود يهوه.‏ لكن ما ان ترجل من الطائرة في المطار،‏ حيث كان ثلاثة منا ينتظرون لقاءه،‏ حتى جرى القبض علينا جميعا.‏

أُطلق سراح الاثنين اللذين كانا معي وهما مانويل ڠونسالڤيش وبيرتا تِشيرا،‏ شاهدان پرتغاليان كانا قد اعتمدا مؤخرا،‏ وحُذرا من عقد اي اجتماع في ما بعد.‏ ورُحِّل الاخ ارنوت.‏ أما انا فهُددت بالعودة مجددا الى باييا دوس تيڠرش ما لم اوقع ورقة اعلن فيها انني لم أعد شاهدا.‏ وبعد سبع ساعات من الاستجواب،‏ أُطلق سراحي دون توقيع اية ورقة.‏ وبعد اسبوع تمكنت اخيرا من اخذ خطوة المعمودية،‏ وكذلك صديقاي كارلوس كادي وسالا فيلِمون.‏ واستأجرنا غرفة في موسيكه سامبيزانڠا،‏ احدى ضواحي لواندا،‏ صارت مكان اجتماع اول جماعة لشهود يهوه في أنڠولا.‏

تجدد الاضطهاد

بدأ عدد متزايد من الناس المهتمين يحضرون الاجتماعات.‏ وقد اتى البعض للتجسس علينا،‏ لكنهم تمتعوا بالاجتماعات وصاروا لاحقا شهودا ليهوه!‏ لكنّ المسرح السياسي تبدل،‏ وصار الوضع اشد صعوبة علينا بعد ثورة قومية في ٤ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٦١.‏ ورغم الاكاذيب التي كانت تُشاع عنا،‏ استطعنا ان نحتفل بذكرى موت المسيح في ٣٠ آذار (‏مارس)‏ بعدد حضور بلغ ١٣٠ شخصا.‏

في حزيران (‏يونيو)‏،‏ وبينما كنت ادير درس برج المراقبة‏،‏ اوقفت الشرطة العسكرية اجتماعنا.‏ أُطلق سراح النساء والاولاد،‏ فيما اقتيد الرجال الـ‍ ٣٠ الذين كانوا موجودين الى السجن،‏ كما سبق ان ذكرتُ في المقدمة.‏ ضُربنا بالهراوى الخشبية على نحو متواصل مدة ساعتين.‏ وبعد ذلك،‏ بقيت اتقيأ الدم طوال ثلاثة اشهر.‏ كنت متأكدا انني سأموت؛‏ وفي الواقع اكد لي الرجل الذي ضربني انني لن ابقى حيا طويلا.‏ كان معظم الذين ضُربوا اشخاصا جددا،‏ تلاميذ للكتاب المقدس غير معتمدين،‏ لذلك صليت بحرارة من اجلهم طالبا:‏ «يا يهوه،‏ ارعَ خرافك».‏

بمساعدة يهوه لم يمت احد منهم،‏ مما ادهش الجنود.‏ وقد اندفع بعضهم الى تسبيح الهنا الذي مكننا من النجاة،‏ على حد تعبيرهم!‏ وفي آخر الامر،‏ صارت الاغلبية الساحقة من تلاميذ الكتاب المقدس هؤلاء شهودا معتمدين،‏ والبعض منهم اليوم هم شيوخ مسيحيون.‏ وأحدهم،‏ سيلڤيشتره سيماون،‏ هو عضو في لجنة فرع أنڠولا.‏

تسع سنوات من العذاب

كما ذكرتُ في المقدمة،‏ عانيت الامرَّين طوال السنوات التسع اللاحقة وجُررت من سجن الى آخر او من مخيم عمل الزامي الى آخر.‏ وفي كل مكان من هذه الامكنة،‏ تمكنت من الشهادة للسجناء السياسيين الذين اصبح العديد منهم اليوم شهودا معتمدين.‏ وقد سُمح لزوجتي ماريّا ولاولادنا ان يرافقوني.‏

عندما كنا في معسكر العمل الالزامي في سيرپا پينتو،‏ أُلقي القبض على اربعة سجناء سياسيين وهم يحاولون الهرب.‏ فعُذبوا بطريقة وحشية حتى الموت امام كل السجناء لإخافتهم ومنعهم حتى من التفكير في الهرب.‏ وفي ما بعد هددني قائد المعسكر امام ماريّا وأولادنا:‏ «اذا وجدتك تكرز مرة اخرى،‏ فستُقتل بالطريقة نفسها التي قُتل بها اولئك الذين حاولوا الهرب».‏

اخيرا،‏ انتهى بنا المطاف في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٦٦ في ما صار معسكر الموت المريع في سان نيكولاو.‏ وعند وصولنا،‏ صُعقت لدى معرفتي ان قائد المعسكر هو السيد سيد،‏ الرجل الذي ضربني حتى الموت تقريبا في سجن سان پاولو!‏ وكل شهر كان يُقتل بشكل منتظم عدد كبير من الناس،‏ وكانت عائلتي تُجبر على مشاهدة اعمال القتل الوحشية هذه.‏ وبسبب ذلك،‏ عانت ماريّا انهيارا عصبيا لم تُشفَ منه نهائيا حتى اليوم.‏ وأخيرا حصلتُ على اذن بإجلائها مع الاولاد الى لواندا،‏ حيث اهتمت بهم ابنتاي الكبريان تيريزا وجوانا.‏

الحرية،‏ ولكن السجن مجددا

في السنة التالية،‏ اي في ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٧٠،‏ أُطلق سراحي.‏ واجتمعت من جديد بعائلتي وكل الاخوة في لواندا.‏ وقد اغرورقت عيناي بدموع الفرح لدى رؤيتي مدى تقدم عمل الكرازة خلال سنوات غيابي التسع.‏ فعندما أُخذت الى السجن سنة ١٩٦١،‏ كانت الجماعة في لواندا تتألف من اربع فرق صغيرة.‏ أما في ذلك الوقت فكان هنالك اربع جماعات كبيرة منظمة بشكل جيد،‏ يزورها ممثل جائل لهيئة يهوه كل ستة اشهر.‏ كانت فرحتي باستعادة حريتي كبيرة،‏ لكنّ هذه الحرية لم تدم طويلا.‏

في احد الايام،‏ استدعاني مدير عام شرطة الدولة للتحقيق والدفاع (‏PIDE)‏ التي لم تعد موجودة الآن.‏ وبعد ان تملقني امام ابنتي جوانا،‏ سلمني وثيقة لأوقعها.‏ وكانت الوثيقة بمثابة طلب لاستخدامي كمخبر للـ‍ (‏PIDE)‏،‏ وكانت تعد بمكافآ‌ت مادية كثيرة بالمقابل.‏ وعندما رفضت التوقيع،‏ هُدِّدت بالعودة الى سان نيكولاو حيث لن اعرف في ما بعد معنى الحرية.‏

في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٧١،‏ وبعد اربعة اشهر فقط من الحرية،‏ نُفذت هذه التهديدات.‏ فقد اعتُقلت مجموعة من ٣٧ شيخا مسيحيا من لواندا،‏ وأُرسلوا الى سان نيكولاو.‏ واحتُجزنا هناك حتى آب (‏اغسطس)‏ ١٩٧٣.‏

اخلاء سبيلنا مع استمرار الاضطهاد

سنة ١٩٧٤ أُعلنت الحرية الدينية في الپرتغال،‏ ثم في المقاطعات الپرتغالية عبر البحار.‏ وفي ١١ تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٧٥ استقلت أنڠولا عن الپرتغال.‏ وكم كان مفرحا حقا ان نعقد في شهر آذار (‏مارس)‏ من تلك السنة عينها اول محافلنا الدائرية في ظل الحرية!‏ ولقد تمتعت بامتياز إلقاء الخطاب العام في هذه التجمعات الفرِحة في المدرَّج الرياضي في لواندا.‏

لكنّ الحكومة الجديدة قاومت موقفنا الحيادي،‏ كما ان الحرب الاهلية اندلعت في كل مكان من أنڠولا.‏ وصار الوضع خطرا جدا حتى ان الشهود البيض أُجبروا على مغادرة البلاد.‏ وعُيِّن ثلاثة اخوة محليون،‏ كنت انا بينهم،‏ ليكونوا مسؤولين عن عمل الكرازة في أنڠولا،‏ تحت اشراف فرع الپرتغال لشهود يهوه.‏

وسرعان ما بدأ اسمي يظهر في الصحف ويُبث عبر الراديو.‏ واتُّهمت بأني عميل للإمبريالية الدولية وأنني مسؤول عن رفض الشهود الانڠوليين حمل السلاح.‏ ونتيجة لذلك،‏ استُدعيت للمثول امام الحاكم الاول لمقاطعة لواندا.‏ فشرحت له باحترام موقف شهود يهوه الحيادي حول العالم،‏ الذي هو انعكاس للموقف الذي اتخذه اتباع يسوع المسيح الاوَّلون.‏ (‏اشعياء ٢:‏٤؛‏ متى ٢٦:‏٥٢‏)‏ وعندما ذكرت انني قضيت اكثر من ١٧ سنة في السجون ومعسكرات العمل الالزامي خلال الحكم الاستعماري،‏ قرر عدم اعتقالي.‏

وفي تلك الايام،‏ كانت الخدمة كشاهد ليهوه في أنڠولا تتطلب شجاعة كبيرة.‏ وبما ان بيتي كان مراقبا،‏ كان علينا عدم استخدامه للاجتماعات.‏ لكن كما قال الرسول بولس:‏ ‹من كل وجه كان يُضيَّق علينا،‏ لكن لم نكن محصورين›.‏ (‏٢ كورنثوس ٤:‏٨‏)‏ فلم نصر اطلاقا خاملين في خدمتنا.‏ واستمررت في عمل الكرازة،‏ خادما كناظر جائل ومقويا الجماعات في المقاطعات في بنڠيلا،‏ ويلا،‏ وهوامبو.‏ وفي ذلك الوقت كنت استخدم اسما مستعارا،‏ الاخ فيلمون.‏

في آذار (‏مارس)‏ ١٩٧٨،‏ حُظر عملنا الكرازي مرة اخرى،‏ وعلمت من مصادر موثوقة ان الثوار المتعصبين يخططون لقتلي.‏ فلجأت الى منزل احد الشهود النيجيريين الذي كان يعمل في السفارة النيجيرية في أنڠولا.‏ وبعد شهر،‏ عندما هدأ الوضع،‏ تابعت خدمتي للاخوة كناظر جائل.‏

رغم الحظر والحرب الاهلية،‏ تجاوب آلاف الأنڠوليين مع كرازتنا.‏ وبسبب النمو الرائع في عدد الشهود،‏ عُينت لجنة للبلد للاهتمام بعمل الكرازة في أنڠولا،‏ تحت اشراف فرع الپرتغال.‏ وخلال ذلك الوقت،‏ سافرت في مناسبات عديدة الى الپرتغال حيث تلقيت تدريبا قيما من خدام مؤهلين،‏ كما تلقيت العناية الطبية التي كنت بحاجة إليها.‏

وأخيرا،‏ حرية الكرازة!‏

عندما كنت في معسكرات العمل الالزامي،‏ كثيرا ما كان السجناء السياسيون يهزأون بي قائلين انه لن يُطلق سراحي ابدا ما دمت استمر في الكرازة.‏ لكنني كنت اجيب:‏ «لم يحن الوقت بعد ليفتح يهوه الباب،‏ لكنه متى فعل لن يستطيع احد ان يغلقه».‏ (‏١ كورنثوس ١٦:‏٩؛‏ كشف ٣:‏٨‏)‏ وقد فُتح باب الفرصة هذا للكرازة دون قيود على مصراعيه بعد انهيار الاتحاد السوڤياتي سنة ١٩٩١.‏ ففي ذلك الوقت،‏ بدأنا نتمتع بالمزيد من حرية العبادة في أنڠولا.‏ وفي سنة ١٩٩٢،‏ صار عمل شهود يهوه شرعيا بصورة رسمية.‏ وأخيرا،‏ جرى تأسيس فرع لشهود يهوه في أنڠولا سنة ١٩٩٦ وعُينت عضوا في لجنة الفرع.‏

خلال سنوات سجني العديدة،‏ جرى الاعتناء بعائلتي بطريقة او بأخرى.‏ لدينا ستة اولاد،‏ خمسة منهم ما زالوا على قيد الحياة.‏ فحبيبتنا جوانا ماتت في السنة الماضية من السرطان.‏ وأربعة من اولادنا الباقين هم شهود معتمدون،‏ والولد الآخر لم يأخذ خطوة المعمودية بعد.‏

عندما زارنا الاخ كوك سنة ١٩٥٥،‏ كان لدينا كمجموع اربعة انڠوليين يعلنون بشارة ملكوت اللّٰه.‏ أما اليوم فهنالك اكثر من ٠٠٠‏,٣٨ منادٍ بالملكوت في البلد،‏ يعقدون اكثر من ٠٠٠‏,٦٧ درس في الكتاب المقدس كل شهر.‏ وبين الذين يكرزون بالبشارة هنالك كثيرون ممن كانوا يضطهدوننا في السابق.‏ فيا لها من مكافأة!‏ وكم انا شاكر ليهوه على حمايته لي وسماحه بأن اتمم رغبتي المتقدة في ان اعلن كلمته!‏ —‏ اشعياء ٤٣:‏١٢؛‏ متى ٢٤:‏١٤‏.‏

‏[الخريطة في الصفحتين ٢٠،‏ ٢١]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)‏

جمهورية الكونڠو الديموقراطية

كينشاسا

أنڠولا

ماكيلا دو زومبو

لواندا

سان نيكولاو (‏بنتيابا اليوم)‏

موسامِديش (‏ناميبه اليوم)‏

باييا دوس تيڠرش

سيرپا پينتو (‏مينونڠه الآن)‏

‏[مصدر الصورة]‏

Mountain High Maps® Copyright © 1997 Digital Wisdom,‎ Inc.‎

‏[الصورتان في الصفحتين ٢٢،‏ ٢٣]‏

في الاسفل:‏ مع جون كوك سنة ١٩٥٥.‏ سالا فيلِمون هو الى اليسار.‏

الى اليسار:‏ الاجتماع ثانية بجون كوك بعد ٤٢ سنة

‏[الصورة في الصفحة ٢٣]‏

مع زوجتي ماريّا

    المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
    الخروج
    الدخول
    • العربية
    • مشاركة
    • التفضيلات
    • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
    • شروط الاستخدام
    • سياسة الخصوصية
    • إعدادات الخصوصية
    • JW.ORG
    • الدخول
    مشاركة