وجهة نظر الكتاب المقدس
كيف يكون المرء مواطنا صالحا؟
بعد الحرب العالمية الثانية، كثيرون من الناس الذين كانوا يعتبرون انفسهم مواطنين صالحين ومطيعين للقانون جرت محاكمتهم وإدانتهم بجرائم الحرب. وكان بينهم رسميون عسكريون رفيعو المنصب، علماء، ومهنيون آخرون. وقد حاول بعض هؤلاء المجرمين تبرير افعالهم، فأوضحوا انهم كانوا، ببسيط العبارة، يطيعون الاوامر كما يُتوقّع ان يفعل ايّ مواطن صالح. فمفهومهم الخاص لدور المواطن الصالح قادهم الى ارتكاب جرائم فظيعة بحق الانسانية.
ومن ناحية اخرى، ثمة اشخاص يتجاهلون سلطة الدولة. فالبعض يرفضون علنا السلطة الحكومية، فيما يكون آخرون مستعدين لانتهاك القانون ما دام القبض عليهم بعيد الاحتمال. طبعا، قليلون هم الذين ينكرون ضرورة إطاعة السلطة اذ بدونها تعمّ الفوضى والتشويش. لكنّ السؤال هو: الى ايّ حد ينبغي ان يصل المرء في اتمام الواجبات المدنية وإطاعة القانون؟ تأملوا في بعض المبادئ الاساسية التي ساعدت مسيحيي القرن الاول على امتلاك نظرة متّزنة الى مسؤولياتهم تجاه الدولة.
خضوع المسيحي للسلطات
كان مسيحيو القرن الاول يخضعون طوعا للأنظمة والقوانين التي تفرضها ‹السلطات الفائقة› اي القوى الحاكمة في ذلك الوقت. (روما ١٣:١) وكان المسيحيون يعتقدون انه من الصواب «ان يكونوا خاضعين للحكومات والسلطات طائعين اياهم بوصفهم حكاما». (تيطس ٣:١) فرغم ادراكهم انّ المسيح هو ملكهم السماوي، كانوا ايضا رعايا لحكامهم البشر مطيعين للقانون، ولم يشكلوا ايّ تهديد لأمن الدولة. وفي الواقع جرى تشجيعهم ان ‹يكرموا الملك› دائما. (١ بطرس ٢:١٧) وقد شجع الرسول بولس ايضا المسيحيين: «من ثم اطلب، اوّل كل شيء، ان تُقام تضرعات، وصلوات، وتوسّلات، وتشكرات، بشأن شتّى الناس، بشأن الملوك وجميع ذوي المناصب؛ لكي نستمر في قضاء حياة سكينة وهدوء بكل تعبّد للّٰه ورصانة». — ١ تيموثاوس ٢:١، ٢.
كان مسيحيو القرن الاول يدفعون بضمير حي كل الضرائب المتوجبة عليهم رغم انّ ذلك كان في بعض الاحيان عبئا مرهقا. فقد اتبعوا التوجيه الموحى به الذي قدمه الرسول بولس في هذه المسألة: «أدّوا للجميع حقوقهم الواجبة: الضريبة لمن يطلب الضريبة». (روما ١٣:٧) فمن وجهة نظر تلاميذ يسوع، كانت الحكومة الرومانية وموظفوها يحكمون بسماح من اللّٰه، وكانوا بمثابة ‹خدام اللّٰه العامّين›، بمعنى انهم زوّدوا مقدارا من السلام والاستقرار في المجتمع. — روما ١٣:٦.
‹مستعدون لكل عمل صالح›
جرى تشجيع مسيحيي القرن الاول على قبول الواجبات المدنية التي تفرضها الدولة. ويسوع المسيح نفسه نصح تلاميذه ان يكونوا مستعدّين احيانا لفعل اكثر من الحد الادنى الذي توجبه السلطات المدنية. قال: «إن سخّرك ذو سلطة ميلا، فاذهب معه ميلين». (متى ٥:٤١) وباتّباع هذه النصيحة، اظهر المسيحيون انهم لم يرغبوا في نيل فوائد العيش في مجتمع متحضّر دون اعطاء شيء بالمقابل. فقد كانوا دائما «مستعدّين لكل عمل صالح». — تيطس ٣:١؛ ١ بطرس ٢:١٣-١٦.
لقد احبّوا قريبهم محبة اصيلة وحاولوا ايجاد طرائق لمساعدته. (متى ٢٢:٣٩) وبسبب هذه المحبة والتصاقهم بمقاييس ادبية رفيعة، كان لمسيحيي القرن الاول تأثير جيد في مجتمعهم. وكان لجيرانهم سبب وجيه يجعلهم يُسَرّون بالسكن بجوار شخص مسيحي. (روما ١٣:٨-١٠) وأعرب المسيحيون عن محبتهم بفعل اكثر من مجرد الامتناع عن السوء. فقد جرى تشجيعهم ان يقوموا بما يفيد الآخرين ويخدم مصالحهم، وأن ‹يصنعوا الصلاح [ليس فقط الى الرفقاء المؤمنين بل] الى الجميع›، تماما كما فعل يسوع المسيح. — غلاطية ٦:١٠.
‹اطيعوا اللّٰه حاكما لا الناس›
ولكن كانت هنالك حدود لإطاعتهم السلطات الدنيوية. فما كانوا ليفعلوا ايّ امر يخالف ضميرهم او يؤذي علاقتهم باللّٰه. على سبيل المثال، عندما امرت السلطات الدينية في اورشليم الرسل بأن يوقفوا الكرازة عن يسوع، رفضوا الاذعان لها، وقالوا: «ينبغي ان يُطاع اللّٰه حاكما لا الناس». (اعمال ٥:٢٧-٢٩) وقد رفض المسيحيون بثبات التورّط في عبادة الامبراطور الصنمية. (١ كورنثوس ١٠:١٤؛ ١ يوحنا ٥:٢١؛ كشف ١٩:١٠) وبأية نتائج؟ «تلَت ذلك إدانتهم»، كما يقول المؤرخ ج. م. روبرتس، «لا لكونهم مسيحيين، بل لرفضهم القيام بشيء امر به القانون». — الوجيز في تاريخ العالم (بالانكليزية).
ولكن، في هذه الحالة، ‹لماذا رفضوا القيام بشيء امر به القانون›؟ لقد ادركوا انّ «السلطات الفائقة» كانت تمارس السلطة بسماح من اللّٰه، وبذلك كانت بمثابة «خادم اللّٰه» في المحافظة على القانون والنظام. (روما ١٣:١، ٤) ومع ذلك، كان المسيحيون ينظرون الى شريعة اللّٰه بصفتها اسمى. وكانوا يذكرون انّ يسوع المسيح قد وضع مبدأ متّزنا لمن سيكونون اتباعا له، وهو: «أوفوا اذًا ما لقيصر لقيصر، وما للّٰه للّٰه». (متى ٢٢:٢١) فالتزاماتهم تجاه اللّٰه كان ينبغي ان تُعتبر اهم من مطالب قيصر.
لقد كان ذلك المسلكَ الصائب. وهذا ما اظهرته نتائج فشل كثيرين ممن يدّعون المسيحية في اتّباع هذه المبادئ الرائعة. مثلا، اصبح قادة العالم المسيحي المرتدون، كما يقول المؤرخ العسكري جون كيڠن، «رجالا مطاويع [استُخدِموا] كأدوات للسلطة المدنية، ولا سيما في انشاء القوات العسكرية وصيانتها». وانتهى اتباعهم الى تأييد احد الاطراف في حروب سفكت دماء الملايين من الضحايا الابرياء. ويقول كيڠن: «لم تلقَ شريعة اللّٰه آذانا صاغية عندما ثارت ثائرة الناس».
أما مسيحيو القرن الاول فقد رسموا مثالا بارزا في بلوغ الاتّزان الملائم. فقد كانوا مواطنين صالحين. وأدّوا واجباتهم ومسؤولياتهم المدنية بشكل حسن. ولكنهم التصقوا بثبات بمبادئ الكتاب المقدس الواضحة واتّبعوا ضميرهم المدرّب على الكتاب المقدس في جميع نواحي الحياة. — اشعياء ٢:٤؛ متى ٢٦:٥٢؛ روما ١٣:٥؛ ١ بطرس ٣:١٦.
[الصورة في الصفحة ٢٦]
«أوفوا اذًا ما لقيصر لقيصر»