‹إن لم يبنِ يهوه البيت . . .›
«رغم اننا قد نجول في وسط الملذات والقصور، لا مكان كالبيت، مهما كان متواضعا.» — جون هاوارد پاين
لا يهم اين تسكنون، فأنتم على الارجح تردِّدون فكرة هذه الكلمات. فأساليب السكن وطرائق البناء تختلف كثيرا. اكواخ من الطين والقضبان، سقائف خشبية، منازل من الاسمنت مركبة من اجزاء جاهزة — وتبدو القائمة بلا نهاية. والبعض يشعرون انهم في بيتهم في كوخ من العشب تماما كما يشعر الآخرون في منازل اكثر متانة. فلماذا الامر كذلك؟
ان شعور المرء بالراحة، كونه مكتفيا، يتوقف بشكل رئيسي على الرفقة التي يلازمها. (امثال ١٨:٢٤) وعلى الرغم من كل التألق والفتنة اللذين لدى العالم ليقدمهما، فان البيت هو المكان الذي يريد المرء غريزيا ان يلجأ اليه من اجل السلام والسلوى. ولكن اذ نحكم بحسب التقارير التي تتعلق بالحياة البيتية العصرية لا يوجد ضمان بأن المرء سيجد دائما السلام والسلوى في البيت. والى حد كبير فإن اولئك الذين يعيشون معكم — عائلتكم — يمكنهم إما ان يشاركوكم في سلامكم او ان يفسدوه. فما هو، اذاً، سر بناء بيت سعيد سلمي؟
بناء البيت
«إن لم يبنِ (يهوه) البيت فباطلا يتعب البناؤون،» يقول العدد الاول من المزمور ١٢٧ . وأولئك الذين يشاركون في تشييد ابنية من اجل عبادة الاله الحقيقي، يهوه، يجدون هذا صحيحا. وعلى الرغم من ان عمّالا مهرة يتطوَّعون بوقتهم وجهودهم لاجل البناء السريع لقاعات الملكوت الرائعة، فإن بركة يهوه هي التي تضمن النجاح. وحتى المشاهدون يمكنهم غالبا ان يروا ان شيئا استثنائيا يعمل. مثلا، ثمة مجلة اخبرت عن احد هذه المشاريع في كولتشستر، انكلترا، استعملت العنوان «يهوه ينصب السقف.»
ومن ناحية ثانية، فإن النجاح في مساعٍ غير مشاريع البناء الحرفية يعتمد ايضا على بركة يهوه. تأملوا في كلمات سليمان في العدد الثالث من المزمور ١٢٧: «هوذا البنون ميراث من عند (يهوه) ثمرة البطن اجرة.» فيهوه هو ايضا بنَّاء لا مثيل له في ما يتعلق بالعائلات، والوالدون لديهم الامتياز الرائع للكينونة رفقاءه العمال، او عمالا معاونين.a (عبرانيين ١١:١٠) فكيف يمكن للوالدين المسيحيين ان يستفيدوا من امتياز المشاركة هذه ويبنوا عائلة سعيدة سلمية بنجاح، عائلة تجلب الاكرام للخالق، يهوه اللّٰه؟
بناء عائلي ناجح
ان احد العناصر الضرورية في البناء الناجح هو التصميم المعماري السليم، او برنامج العمل. ولبناء مسبّحين للّٰه احداث، لا يوجد برنامج عمل افضل من كلمته الموحى بها، الكتاب المقدس. (٢ تيموثاوس ٣:١٦، ١٧) «ربِّ الولد في طريقه فمتى شاخ ايضا لا يحيد عنه،» كتب سليمان. (امثال ٢٢:٦) وطريقه هو طريق يهوه، وعندما يتبعها الوالدون يقدمون لصغارهم امكانية النمو الى الصيرورة خداما امناء للّٰه.
والبناء السليم يتطلب مواد بناء سليمة. وأحد الزائرين الافريقيين الى اوروبا وجد من الصعب التصديق ان بعض الابنية التي رآها عمرها مئات السنين. لقد كانت مفاجأة له رؤية المواد التي تدوم طويلا المستعملة في هذه الابنية. ومن ناحية اخرى، عندما يقلِّل البناؤون المواد، كثيرا ما تكون النتائج مفجعة، وحتى مميتة. وهذا يمكن ان يكون صحيحا ايضا في تربية الاولاد.
عند الحبل ينال الاولاد ميراثا تناسليا يتميز بالنقص بسبب الخطية. (مزمور ٥١:٥) وبكلمات اخرى، يكون لديهم عيب من البداية. والوالدون المسيحيون يجب ان يُبطلوا ذلك ببذل الجهد لبناء صفات ثابتة تقوية في ذريتهم. (١ كورنثوس ٣:١٠-١٥) وإن لم يجرِ فعل ذلك، فمهما عمل الوالدون بكد في المجالات الاخرى، كتزويد ابنائهم وبناتهم بأفضل الطعام، اللباس، والمأوى، ستكون جهود بنائهم بدون فائدة.
ولهذا السبب فان النصح الالهي للوالدين، وخصوصا الآباء، هو: «ربّوا [الاولاد] بتأديب الرب وانذاره.» (افسس ٦:٤) وتأديب يهوه وانذاره يشمل افضل برامج العمل ومواد البناء. واستعمالها سيؤدي الى فوائد ابدية لكامل العائلة.
التدريب العملي
على الرغم من افضل التصاميم الموضوعة، هنالك دائما ازمات غير متوقعة في اثناء سير ايّ بناء. وعلى نحو مماثل، فإن الوالدين يجب ان يتعلَّموا ان يتوقعوا مشاكل غير منتظرة في الحياة اليومية لاعضاء العائلة وأن يكونوا مستعدين لمعالجتها. فكيف يمكن فعل ذلك؟
ان الاتصال الجيد بين الوالدَيْن حيوي. وعندما يناقش الاب والام معا بروح الصلاة تقدُّم الصغار يجدان مجالات حيث يكون المديح ملائما ومجالات اخرى حيث يلزم «بنيان» اكثر. وحالما يجري تحديد الضعفات هذه يمكن للوالدَيْن ان يعملا معا ويتخذا الخطوات المناسبة لمعالجتها.
ولكن ربما لديكم عائلة كبيرة، ويمكن ان تتساءلوا: ‹كيف يمكننا ان نكيِّف جهودنا وفق حاجات كل ولد من اولادنا الكثيرين؟› لِمَ لا تمنحون التدريب العملي بحيث يتمكن اولادكم من ان يساعد احدهم الآخر؟ فالمهنيون المبتدئون يخدمون سنوات في تعلّم المهارات الى جانب حِرفيين بارعين. وربما في درسكم العائلي يمكنكم ان تحاولوا الطلب من اولادكم المراهقين ان يوضحوا امورا معيَّنة للاولاد الاصغر سنا. والاستقامة، اختيار الاصدقاء، مقاومة التأثيرات الرديئة في المدرسة، وهلم جرّا، هي مواضيع يستطيع الاولاد الكبار والصغار على حد سواء التحدث عنها جيدا. وبتحديد مشاريع الحياة الواقعية هذه للاولاد الاكبر يمكنكم المساعدة على تدريبهم لينمّوا قوى ادراكهم ومقدرتهم التعليمية فيما يعلِّمون الاصغر سنا ما يحتاجون الى معرفته. (عبرانيين ٥:١٤) وهذا له فائدة اضافية، فائدة تنمية صلة عائلية حقيقية بين الاشقاء.
وربما تكون عائلتكم صغيرة بولد واحد فقط. وحينئذ تكون لديكم فرص كثيرة لتعرفوا وتفهموا صغيركم. ولكن احذروا من خطر افساد ولدكم بجعله محور اهتمامكم كثيرا. وأنتم ثلاثة، أليس كذلك؟ فافعلوا الامور معا. وهذا سيعلِّمه الاتصال بالآخرين وتحويل انتباهه الى الخارج، مانعين اياه بالتالي من الصيرورة انانيا.
اسعوا الى الاتحاد العائلي
طبعا، لبناء عائلة، هنالك اكثر بكثير من عقد درس في الكتاب المقدس ومنح المشورة والتأديب. قال سليمان: «ليس للانسان خير من ان يأكل ويشرب ويُري نفسه خيرا في تعبه.» (جامعة ٢:٢٤) ولا شك ان عائلتكم تتمتع بطعامها عندما يجري اعداده بطريقة لذيذة. فهل ترتِّبون ان تتناولوا وجبات طعامكم معا كعائلة؟ ربما لا يكون ذلك دائما ممكنا عندما يكون مختلف اعضاء العائلة في العمل، في المدرسة، او في اشغال اخرى. وعلى الرغم من ذلك، هنالك عادة وجبة واحدة على الاقل في اليوم يمكنكم ان تتناولوها معا كعائلة. فماذا يمكن ان يساهم في جو مفيد على طاولة العائلة؟
يستعمل احد الاخوة المناسبة ليثير سؤالا من الكتاب المقدس ليناقشه كل الحاضرين. وطبعا، يتجنَّب إحراج اولئك الذين ربما لا يعرفون الاجابة. وآخرون يروون اختبارات خدمة الحقل. وبالانتباه الى الامور الروحية تصير اوقات الطعام مناسبات لبنيان كامل العائلة. (انظروا رومية ١٤:١٩.) صحيح انه في بعض انحاء العالم ليست العادة ان يجري التحدث كثيرا في اثناء وجبة الطعام. ومع ذلك فان الجهد الواعي للمحافظة على جو سعيد هو حيوي. تقول الامثال ١٥:١٧: «أكلة من البقول حيث تكون المحبة خير من ثور معلوف ومعه بغضة.»
والاستجمام وتغيير الروتين لهما ايضا مكانهما في حياة العائلة المسيحية. والوالدون الحكماء يستعملون مناسبات كهذه ليبنوا وحدة عائلية ثيوقراطية قوية. كيف؟
بينما يكون سهلا ترك الاحداث يذهبون ويسعون وراء مصالحهم الخاصة هنالك خطر في ذلك. مثلا، كم يمكن ان يكون غير حكيم السماح للصغار بأن يصبحوا متورطين بشدة في الالعاب الرياضية حيث يوجد تهديد للحياة او لعضو في الجسم! (١ تيموثاوس ٤:٨) والى الحد الممكن، اختاروا نشاطات تشمل كل فرد من العائلة. ويمكن للأب ان يطلب آراءهم وأفكارهم ويعيِّن لكل واحد شيئا ليفعله عند الاستعداد لذلك.
وهل يمكنكم كعائلة ان تتَّسعوا في محبتكم وتدْعوا اعضاء آخرين في الجماعة ليشاركوا في افراح عائلتكم؟ ان اعضاء الجماعة الاكبر سنا غالبا ما يتمتعون بالمشاركة في روح العائلة، وخصوصا عندما لا تكون عائلاتهم الخاصة قريبة او عندما لا تحيا بحسب المبادئ المسيحية. (يعقوب ١:٢٧) وفي جماعات كثيرة هنالك عائلات بوالد واحد. وبالاعتبار اللائق للرئاسة الثيوقراطية وبالاحترام للياقة المسيحية يستطيع الشيوخ والآخرون ان يقدِّموا الحماية الروحية لاعضاء عائلات كهذه. (اشعياء ٣٢:١) وكثيرون من ‹اليتامى› قد نموا الى الصيرورة رأس عائلة متزنا نتيجة للاهتمام الحبي الذي جرى اظهاره من قبل راشد مسيحي ناضج. — مزمور ٨٢:٣.
ان بناء بيت مسيحي عمل صعب. ولكن بمساعدة يهوه ستدركون حقا ان ‹البنين ميراث من عند (يهوه) ثمرة البطن اجرة.› (مزمور ١٢٧:١، ٣) ويمكن ان يكونوا مصدر حمد ليس فقط للوالدين المسيحيين بل ايضا لخالقهم، يهوه اللّٰه.
[الحاشية]
a في الواقع، ان الكلمتين العبرانيتين «بناؤون» (العدد ١) و «بنون» (العدد ٣) يُعتقد انهما تأتيان كلتاهما من الجذر الذي يعني «ان يبني.» وعلاوة على ذلك، فإن الكلمة «بيت» في العبرانية يمكن ان تشير إما الى «مكان السكن» او الى «العائلة.» (٢ صموئيل ٧:١١، ١٦؛ ميخا ١:٥) وهكذا فان بناء بيت يرتبط بإنشاء عائلة. وبركة يهوه ضرورية في كلا المشروعين.