-
الحساسية لمواد كيميائية متعددة — داء غامضاستيقظ! ٢٠٠٠ | آب (اغسطس) ٨
-
-
الحساسية لمواد كيميائية متعددة — داء غامض
كان منزل پام يقع في منطقة سكنية تحيط بها حقول القطن. وكانت الطائرات ترش الحقول قانونيا بمبيدات الاعشاب ومبيدات الآفات، وغالبا ما كان الهواء يحمل الفضلات الكيميائية الى المنازل المجاورة بما فيها منزل پام.
بدأت پام تعاني صداعا وغثيانا شديدين، وتدهورت صحتها. ومع مرور الوقت، صارت تتأثر بمواد لم يكن لها ظاهريا علاقة بمبيدات الآفات: العطور، مزيلات الروائح، غسول الجسم، مواد التنظيف، الطلاء، سجّادة جديدة، دخان السجائر، معطِّرات الجو، ومواد اخرى. وهذه الاعراض هي من الاعراض الناجمة عموما عن داء محيِّر يدعى الحساسية لمواد كيميائية متعددة.a
اوضحت پام لمجلة استيقظ!: «عندما اتعرض للمواد الكيميائية الشائع استعمالها، يصيبني تعب شديد وكذلك تيهان، دوار، وغثيان. ينتفخ جسمي وبين الحين والآخر اعاني ضيقا في النفس، نوبات هلع يرافقها بكاء يتعذر علي ضبطه، خفقان قلب، ازديادا في سرعة النبض، وتمتلئ رئتاي بالسائل. وقد ادّى ذلك الى اصابتي بذات الرئة».
فيما تختلف الاعراض التي ترافق هذه الحساسية باختلاف الاشخاص، فهي تشمل الصداع، التعب الشديد، ألما في العضلات، ألما في المفاصل، الاكزيما، الطفح الجلدي، اعراضا تشبه اعراض الانفلوَنزا، الربو، مشكلة في الجيوب الأنفية، القلق، الكآبة، ضعفا في الذاكرة، صعوبة في التركيز، أرقا، عدم انتظام في نبضات القلب، نفخة، غثيانا، تقيُّؤا، مشاكل في الامعاء، واختلاجات. طبعا، ان العديد من هذه الاعراض يمكن ان تسببه ايضا امراض اخرى.
الحساسية لمواد كيميائية متعددة — مشكلة تتفاقم
في الولايات المتحدة، تذكر استطلاعات شملت مجموعات مختلفة من الناس ان ما يتراوح بين ١٥ و ٣٧ في المئة من السكان يعتبرون انفسهم حساسين جدا للمواد والروائح الكيميائية الشائعة، مثل دخان السيارات، دخان السجائر، الطلاء الجديد، السجادات الجديدة، والعطور. لكنَّ ٥ في المئة فقط او اقل، حسب سن المجموعات التي شملها الاستطلاع، قالوا ان التشخيص كشف اصابتهم بالحساسية لمواد كيميائية متعددة. وثلاثة ارباع هذا العدد تقريبا هم نساء.
ويذكر كثيرون ممَّن يعانون هذا الداء ان مبيدات الآفات والمذيبات هي السبب. فالمنتجان كلاهما شائعان في البيئة وخصوصا المذيبات. والمذيبات هي مواد طيَّارة (سريعة التبخر) تنثر او تذيب مواد اخرى. وهي موجودة في الطلاء، الورنيش، المواد اللاصقة، مبيدات الآفات، ومحاليل التنظيف.
وفي المقالتين التاليتين، سنتحدث اكثر عن الحساسية لمواد كيميائية متعددة، ونناقش المساعدة المتوفرة لمَن يعانون هذه الحالة. وسنرى كيف يمكن للمصابين وغير المصابين بهذه الحساسية ان يتعاونوا لجعل الحياة امتع لمن يعانونها.
[الحاشية]
a رغم استعمالنا عبارة «حساسية لمواد كيميائية متعددة» في هذه المقالات، يمكن الاشارة الى هذا الداء بعبارات عديدة اخرى مثل: «الاعتلال البيئي» و «متلازمة الحساسية المفرطة للمواد الكيميائية». وتشير كلمة «حساسية» هنا الى تأثر المرء بكميات من المواد الكيميائية لا تؤثر ظاهريا في معظم الاشخاص.
-
-
عندما تمرضكم المواد الكيميائيةاستيقظ! ٢٠٠٠ | آب (اغسطس) ٨
-
-
عندما تمرضكم المواد الكيميائية
هنالك اوجه عديدة محيِّرة للحساسية التي تسببها مواد كيميائية متعددة. ولذلك من البديهي ان تختلف آراء الاطباء بشأن طبيعة هذه الحالة. فبعضهم يعتقد السبب جسديا والبعض الآخر نفسيا؛ وآخرون يشيرون الى العاملين الجسدي والنفسي معا. ويقترح بعض الاطباء ان هذه الحساسية قد تمثّل مجموعة من عدة امراض.a
يقول مرضى كثيرون ان سبب اصابتهم بالداء هو تعرضهم دفعة واحدة لكمية كبيرة من مادة سامة مثل مبيد للآفات. ويشير آخرون الى التعرض المتكرر او المزمن لكميات اقل من السموم. وعندما يُصاب الاشخاص بهذه الحساسية تظهر عليهم اعراض مختلفة تسببها مواد كيميائية متعددة لا يبدو انها تمت بصلة بعضها الى بعض ولم تكن سابقا لتزعجهم، مثل العطور ومواد التنظيف. ومن هنا اتت عبارة «الحساسية لمواد كيميائية متعددة». تأملوا مثلا في حالة جويس.
التقطت جويس قمل الرأس من المدرسة، فرُشَّ رأسها بمبيد للآفات. اثر ذلك تدهورت صحتها، ولم تعد تقوى على تحمل مواد كيميائية كثيرة لم تكن تؤثر فيها سابقا، كمواد التنظيف المنزلي، معطِّرات الجو، العطور، مستحضرات غسل الشعر، والبنزين. تقول جويس: «تنتفخ عيناي بحيث تصير الرؤية صعبة، وتلتهب جيوبي الأنفية فتسبب لي صداعا وغثيانا شديدين يمرضانني عدة أيام . . . وقد أُصبت بذات الرئة مرارا وتكرارا حتى تعبت رئتاي وصارتا كرئتي شخص يدخن منذ ٤٠ سنة — وأنا لم ادخن قط!».
اما التعرض المزمن لمعدل اقل من السموم، والذي أُدرج ايضا كسبب للاصابة بهذا الداء، فقد يحدث خارج او داخل الاماكن المغلقة. وفي الواقع، ادّى في العقود الاخيرة الازدياد السريع للامراض التي سببها تلوّث الهواء داخل الاماكن المغلقة الى ابتكار عبارة «متلازمة الابنية المريضة».
متلازمة الابنية المريضة
ظهرت متلازمة الابنية المريضة في سبعينات الـ ١٩٠٠ عندما استُبدل الكثير من المنازل، المدارس، والمكاتب ذات التهوية الطبيعية بأبنية مغلقة بإحكام ومزودة بمكيفات هواء من اجل المحافظة على الطاقة. وغالبا ما تُستعمل في هذه الابنية ومفروشاتها مواد عازلة، خشب معالَج، مواد لاصقة طيّارة، اقمشة وسجادات اصطناعية.
والكثير من هذه المواد، وخصوصا عندما يكون جديدا، يُطلِق في الهواء المعاد تمريره عبر المكيّفات نسبا قليلة من المواد الكيميائية التي يُحتمل ان تكون مؤذية، مثل الفورمالديهايد. وتزيد السجادات المشكلة تفاقما لأنها تمتص مختلف مواد التنظيف والمذيبات ثم تطلقها بعد ذلك في الهواء على مدى فترة طويلة من الزمن. يقول كتاب التعرض للمواد الكيميائية — كميات قليلة ومخاطر كبيرة (بالانكليزية): «ان اكثر ملوِّثات الهواء انتشارا داخل الابنية هي الابخرة التي تطلقها مختلف المذيبات». ويذكر الكتاب ايضا ان «المذيبات»، في المقابل، «هي بين اكثر المواد الكيميائية التي يعتبرها المرضى المصابون بالحساسية للمواد الكيميائية سبب علتهم».
فيما يبدو ان معظم الناس قادرون على التكيف مع البيئة داخل هذه الابنية، تظهر على البعض اعراض بدءا من الربو ومشاكل اخرى في مجرى التنفس الى الصداع والشعور بالكسل. وتختفي هذه الاعراض عموما عندما يترك المصابون هذه البيئة. لكن في بعض الحالات، «قد يصاب الاشخاص بالحساسية لمواد كيميائية متعددة»، كما تقول المجلة الطبية البريطانية ذا لانست. لكن لمَ يمرض البعض بسبب المواد الكيميائية في حين لا يتأثر البعض الآخر؟ انه لسؤال وجيه اذ يصعب على بعض الاشخاص غير المصابين تفهم حالة الذين يصابون بهذا الداء.
كلٌّ منا فريد
يحسن بنا ان نتذكر ان كل واحد منا يتأثر بشكل يختلف عن الآخر عندما يتعرض لشتى العوامل سواء كانت مواد كيميائية، جراثيم، او ڤيروسات. وكيفية تأثرنا هذه تتعلق بتركيبنا الوراثي، عمرنا، جنسنا، حالتنا الصحية، الادوية التي ربما نتناولها، مرض نعانيه، وعوامل متعلقة بنمط الحياة مثل الافراط في شرب الكحول، التدخين، وتعاطي المخدرات.
ففي ما يتعلق بالعقاقير، مثلا، يحدد تكوينكم الفريد «هل سينفع العقار او لا والتأثيرات الجانبية التي قد تنتج» كما تقول مجلة العالِم الجديد (بالانكليزية). وبعض هذه التأثيرات الجانبية قد تكون خطيرة، وقد تؤدي حتى الى الموت. فعادة، تتخلص الپروتينات المدعوة انزيمات من المواد الكيميائية الغريبة، كالمواد الكيميائية الموجودة في العقاقير والمواد الملوِّثة التي تمتصها اجسامنا خلال النشاطات اليومية. لكن اذا كان في هذه الانزيمات «المنظِّفة» عيب، ربما بسبب الوراثة، ضرر سابق سبَّبته السموم، او نظام غذائي سيِّئ، يمكن ان تتراكم المواد الكيميائية الغريبة في الجسم وتبلغ مستويات خطرة.b
وتشبَّه الحساسية لمواد كيميائية متعددة بمجموعة اضطرابات دموية متعلقة بالانزيمات تدعى اضطرابات داء الپرفيريّة. فغالبا ما يتأثر المصابون ببعض انواع الپرفيريّة والمصابون بالحساسية لمواد كيميائية متعددة بطريقة مماثلة حين يتعرضون للمواد الكيميائية، من دخان المركبات الآلية الى العطور.
العقل ايضا يتأثر
احدى المصابات بالحساسية لمواد كيميائية متعددة اخبرت استيقظ! ان بعض المواد الكيميائية الشائعة الاستعمال تجعلها تشعر بأنها مخدَّرة. قالت: «اعاني تغييرات في شخصيتي — أصبح غضبى، متوترة، خائفة، كسولة، وأُستفز بسرعة. . . . ويمكن ان تدوم هذه الاعراض من ساعات قليلة الى ايام عديدة». بعد ذلك تشعر بأعراض جسدية شبيهة بتلك التي يخلّفها الافراط في شرب الكحول وتعاني الكآبة بدرجات متفاوتة.
وهذه التأثيرات مألوفة لدى الاشخاص المصابين بالحساسية لمواد كيميائية متعددة. تقول الطبيبة كلوديا ميلر: «يخبر اكثر من اثني عشر بلدا عن اصابة اشخاص بمشاكل نفسية جرى التأكد انها نتيجة تعرضهم لمواد كيميائية، سواء كان تعرضا لمبيد حشرات او معاناة [متلازمة] الابنية المريضة. . . . نحن نعلم ان العمال الذين يتعرضون للمذيبات يزيد احتمال اصابتهم بنوبات الهلع والكآبة. . . . لذلك ينبغي ان ننتبه جيدا ونتذكر ان الدماغ ربما هو اكثر اعضاء الجسم تأثرا بالمواد الكيميائية اذا تعرض لها».
رغم ان التعرض للمواد الكيميائية يمكن ان يؤدي الى مشاكل نفسية، يعتقد اطباء كثيرون ان العكس صحيح ايضا، اي ان المشاكل النفسية يمكن ان تساهم في الاصابة بالحساسية لمواد كيميائية متعددة. ان الطبيبة ميلر المذكورة آنفا والدكتور نيكولاس آشفورد يعتقدان اعتقادا راسخا ان اسباب هذه الحساسية جسدية، ورغم ذلك يعترفان ان «الحوادث الاجتماعية النفسية مثل الطلاق او موت رفيق الزواج، يمكن ان تعوق عمل الجهاز المناعي وقد تجعل بعض الاشخاص حساسين اكثر من غيرهم لكميات قليلة من المواد الكيميائية. ولا ريب ان العلاقة بين النظامين النفسي والفيزيولوجي معقدة». والطبيبة شيري روجرز، التي تعتقد هي ايضا ان الاسباب الجسدية هي وراء هذا الداء، تذكر ان «الاجهاد يجعل المرء حساسا اكثر للمواد الكيميائية».
فهل هنالك ما يمكن للمصابين بهذه الحساسية ان يفعلوه لتحسين صحتهم او على الاقل تخفيف اعراضهم؟
مساعدة المصابين
رغم انه ما من علاج معروف لهذا الداء، فقد استطاع مرضى كثيرون ان يخففوا اعراضهم، واستطاع آخرون متابعة حياتهم بشكل شبه طبيعي. فما الذي ساعدهم على التغلب على هذه المشكلة؟ يقول البعض انهم استفادوا باتباع نصيحة طبيبهم، وهي ان يتجنبوا قدر المستطاع المواد الكيميائية التي تسبب لهم الاعراض.c تذكر جودي التي تعاني هذا المرض ان هذه النصيحة تنجح في حالتها. ففيما كانت تستعيد عافيتها بعد اصابتها بڤيروس إپشتاين-بار، افرطت في التعرض لمبيد آفات داخل منزلها فأصيبت بالتالي بالحساسية لمواد كيميائية متعددة.
تؤثر في جودي اصناف كثيرة من المواد الكيميائية المنزلية شأنها شأن الكثيرين المصابين بالحساسية لمواد كيميائية متعددة. لذلك تنظف وتغسل بالصابون الصِّرف وبيكربونات الصودا. وهي تجد الخلّ فعالا جدا كمنعِّم للقماش. ولا يوجد في خزانة ملابسها وغرفة نومها سوى الاقمشة المصنوعة من مواد طبيعية. كما ان زوجها لا يضع ثيابه الآتية من المصبغة في خزانتهما حتى تكون قد تهوَّت عدة أسابيع في مكان مهوًّى جيدا.
طبعا، في عالم اليوم قد لا يتمكن المصابون بهذه الحساسية من تجنب التعرض لكل المواد الكيميائية التي تسبب المشاكل. تقول مجلة طبيب العائلة الاميركية (بالانكليزية): «ان الاعاقة الرئيسية التي تسببها الحساسية لمواد كيميائية متعددة هي انعزال المريض وانسحابه من المجتمع في محاولة لتجنب المواد الكيميائية». وتنصح المقالة المرضى ان يعملوا ويختلطوا بالمجتمع، ويزيدوا نشاطهم تدريجيا، وذلك تحت اشراف طبي. وفي الوقت نفسه، ينبغي ان يحاولوا السيطرة على نوبات الهلع وخفقان القلب بتعلم الاسترخاء وضبط التنفس. والهدف هو مساعدة المرضى على التكيّف تدريجيا مع المواد الكيميائية التي يتعرضون لها عوض الغاء هذه المواد كاملا من حياتهم.
طريقة اخرى للمعالجة هي اخذ قسط واف من النوم العميق. دايڤيد، الذي كان مصابا بالحساسية لمواد كيميائية متعددة وشُفي تقريبا منها، يعزو جزءا من شفائه الى النوم في غرفة يدخلها الكثير من الهواء المنعش. ويجد ارنست وزوجته لورين، وكلاهما مصابان بهذه الحساسية، ان «قسطا وافيا من النوم العميق يساعد كثيرا على تحمل المواد الكيميائية التي لا مفر من التعرض لها خلال اليوم».
والتغذية الجيدة، طبعا، هي ضرورية دائما للمحافظة على الصحة واستعادتها. لقد اعتُبرت في الواقع «العنصر الاكثر اهمية للعناية والمحافظة على الصحة». ولكي يتمكن الجسم من استعادة عافيته قدر المستطاع، يلزم ان تعمل اجهزته بفعالية. وتناول مكمِّلات غذائية قد يكون مساعدا.
تساهم التمارين الرياضية ايضا في حيازة صحة جيدة. اضيفوا الى ذلك انه عندما تعرقون تساعدون جسمكم على التخلص من السموم عبر جلدكم. ومن المهم ايضا امتلاك موقف عقلي جيد وروح الفكاهة، وأن تكونوا محبوبين وتحبوا الآخرين. وفي الواقع، «الحب والضحك» هي الوصفة التي تعطيها احدى الطبيبات لكل مرضاها المصابين بالحساسية لمواد كيميائية متعددة. نعم، ان «القلب الفرحان يطيِّب الجسم». — امثال ١٧:٢٢.
لكن التمتع برفقة سعيدة ومُحبَّبة يمكن ان يكون مشكلة مهمة لمَن يعانون الحساسية لمواد كيميائية متعددة، اذ انهم لا يتحملون العطور، مواد التنظيف، مستحضرات ازالة الرائحة، وغيرها من المواد الكيميائية التي يتعرَّض لها معظمنا في نشاطاتنا اليومية. فماذا يفعل المصابون بهذه الحساسية في هذه الظروف؟ وما يضاهي ذلك اهمية هو ماذا يمكن ان يفعله الآخرون لمساعدة الذين يعانون هذا الداء. ستناقش المقالة التالية هاتين المسألتين.
[الحواشي]
a ليست استيقظ! مجلة طبية، وهذه المقالات عن الحساسية لمواد كيميائية متعددة لا تهدف الى ترويج اية نظرة طبية. انها تنقل ببساطة آخر المستجدات وما وجد بعض الاطباء والمرضى من امور مساعدة في مواجهة هذا المرض. وتعترف استيقظ! انه ما من اجماع بين الاطباء على اسباب هذه الحساسية، طبيعتها، او المعالجات والبرامج العديدة المقترحة ليتبعها المرضى.
b احد الامثلة الشائعة لعوز الانزيم يشمل انزيم اللاكتاز. فالذين يعانون مشكلة عوز اللاكتاز لا يستطيعون امتصاص اللاكتوز الموجود في الحليب، ويمرضون حين يشربونه. وآخرون لديهم عوز الانزيم الذي يستقلب التيرامين، مادة كيميائية موجودة في الجبنة وغيرها من الاطعمة. ويؤدي ذلك الى احتمال اصابتهم بصداع الشقيقة عندما يتناولون هذه الاطعمة.
c ان الذين يعتقدون انهم مصابون بالحساسية لمواد كيميائية متعددة ينبغي ان ينشدوا المساعدة المختصة من طبيب مشهود له. فليس من الحكمة ان تصنعوا تغييرات جذرية وربما مكلفة في نمط حياتكم دون ان تخضعوا اولا لفحص طبي شامل. فيمكن ان تُظهر الفحوص ان مجرد تعديل بسيط في نظامكم الغذائي او نمط حياتكم قد يخفف اعراضكم او حتى يزيلها.
[الاطار/الصورة في الصفحة ٧]
هل تحتاجون الى كل هذه المواد الكيميائية؟
ينبغي ان يخفف كلٌّ منا تعرضه للمواد الكيميائية المحتمل ان تكون سامة. وهي تشمل المواد الكيميائية التي نحتفظ بها في البيت. يقول كتاب التعرض للمواد الكيميائية (بالانكليزية): «يبدو ان ملوِّثات الهواء في الاماكن المغلقة هي من اقوى مسببات الحساسية للمواد الكيميائية. فداخل الاماكن المغلقة يتشكَّل مزيج معقد يحتوي على نسب منخفضة من مئات المواد الكيميائية العضوية الطيَّارة».d
لذلك اسألوا انفسكم هل تحتاجون فعلا الى كل المواد الكيميائية التي تستعملونها وخصوصا مبيدات الآفات والمنتجات التي تحتوي على مذيبات طيَّارة. هل جربتم البدائل غير السامة؟ وإذا اضطررتم الى استعمال مادة كيميائية يُحتمل ان تكون خطرة فلا تستعملوها ابدا دون اتخاذ كل التدابير الوقائية اللازمة. بالاضافة الى ذلك، ضعوها في مكان آمن بعيدا عن متناول الاولاد وحيث لا تسبِّب الابخرة التي قد تطلقها اي اذى. وتذكروا انه حتى المواد الكيميائية الموضوعة في اوعية مغلقة بإحكام قد تسرب بعض الابخرة.
ولننتبه ايضا الى ما نضعه على جلدنا او يقع عليه. فمواد كيميائية كثيرة بما فيها العطور تمر عبر الجلد الى مجرى الدم، مما يفسر استعمال اللصوق الجلدية كإحدى الوسائل لإعطاء العقاقير. لذلك اذا وقعت مادة كيميائية سامة على جلدكم، فإن «اول وأسرع علاج هو غسل الجلد جيدا لازالة المادة الكيميائية عنه»، كما يقول كتاب مُتعَب او مسمَّم؟ (بالانكليزية).
كثيرون من المصابين بالحساسية لمواد كيميائية متعددة هم حساسون للعطور. فـ ٩٥ في المئة من المواد الكيميائية المستعملة فيها هي مركبات اصطناعية مستخرجة من البترول. ومن المقومات المستخدمة في العطور: الأسِتون، الكافور، البنزَلديهايد، الإيثانول، ڠاما ترپِنين، والكثير من المواد الكيميائية الاخرى. وتُنشر المخاطر الصحية التي ترافق هذه المواد في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، من قبل وكالة حماية البيئة. ويصح الامر ايضا في المواد الكيميائية المستعملة في معطِّرات الجو. تقول رسالة العافية لجامعة كاليفورنيا في بركلي (بالانكليزية) انه عندما يدرس علماء البيئة معطِّرات الجو فهم «يدرسونها كملوِّثات لا كمحسِّنات للهواء». فمعطِّرات الجو لا تستأصل الروائح الكريهة بل تطغى عليها.
ويذكر كتاب مخاطر مدروسة (بالانكليزية) ان «احد اهم مبادئ علم السُّموم [هو ان] كل المواد الكيميائية سامة اذا ما تعرضنا لها في ظروف معينة».
[الحاشية]
d نوقشت طرائق المحافظة على منزلكم آمنا من عدة انواع من المواد المحتمل ان تكون سامة في عدد ٢٢ كانون الاول (ديسمبر) ١٩٩٨ من مجلة استيقظ!.
-
-
مساعدة المصابين بالحساسية لمواد كيميائية متعددةاستيقظ! ٢٠٠٠ | آب (اغسطس) ٨
-
-
مساعدة المصابين بالحساسية لمواد كيميائية متعددة
ان المصابين بحساسية للمواد الشائعة سواء كانت ماء الكولونيا او مواد تنظيف لا يعانون مشكلة طبية فحسب بل اجتماعية ايضا. فالبشر بطبيعتهم اجتماعيون، لكنَّ الحساسية لمواد كيميائية متعددة تؤدي بكثيرين ممّن هم عادة ودودون ومرحون الى الانطواء على انفسهم. تقول شيلي المصابة بهذه الحساسية: «في الماضي واجهت مشاكل صحية اخرى. لكنَّ هذه المشكلة هي الاسوأ. وأسوأ ما فيها الانعزال».
من المؤسف ان المصابين بالحساسية لمواد كيميائية متعددة يُنظر اليهم احيانا كأشخاص غريبي الاطوار. وأحد الاسباب، طبعا، هو ان هذه الحساسية هي ظاهرة معقدة لم يستطع العالم استيعابها بعد. لكن الافتقار الى المعرفة عن هذا الداء ليس سببا لنسيء الظن بالمصابين به. تقول مجلة طبيب العائلة الاميركية (بالانكليزية): «هؤلاء المرضى يتألمون حقا بسبب اعراضهم».
فعوض النظر شزرا الى المصابين بالحساسية لأن مرضهم محيّر وصعب الفهم، يتبع الاشخاص الحكماء المبدأ المذكور في امثال ١٨:١٣: «مَن يجيب عن امر قبل ان يسمعه فله حماقة وعار». فكم يكون من الافضل ان نعرب عن المحبة لكل المرضى دون تمييز، كما فعل المسيح! ولن نندم ابدا اذا اظهرنا مثل هذه المحبة، مهما كانت الاكتشافات التي سيبينها الطب في المستقبل.
اظهار محبة كالتي اظهرها المسيح
المحبة التي تشبه محبة المسيح هي كالماسة بأوجهها الجميلة المتعددة، فهي تلائم كل مناسبة او حاجة. فعندما يكون صديق مصابا بالحساسية لمواد كيميائية متعددة، ينبغي ان تتقد محبتنا المسيحية معربة عن التقمص العاطفي، سامحة لنا ان نضع انفسنا مكانه. كما ان المحبة «لا تطلب مصلحتها الخاصة»، — او بمعنى آخر، حقوقها الخاصة. فهي تضع صالح الآخرين اولا. وهي تساعدنا ان نكون ‹طويلي الاناة، نصبر على كل شيء، نصدق كل شيء، ونحتمل كل شيء›. ومثل هذه المحبة «لا تفنى ابدا». — ١ كورنثوس ١٣:٤-٨.
ماري ليست مصابة بالحساسية لمواد كيميائية متعددة، لكنَّ بعض اصدقائها مصابون بها. تكتب: «شخصيا، احب العطور. لكنني افضل ألّا اضعها عندما ازور المصابين بالحساسية». فتمثّلا بيسوع، تقول ماري بطريقتها الخاصة: «اريد ان اساعد». (مرقس ١:٤١) وتقول والدة تريڤور الذي أُصيب بهذا الداء في طفولته: «بذل الذين عملت معهم ما في وسعهم ليتكيفوا مع وضع ابني». وتذكر جوي، واحدة من شهود يهوه تعيش في اوستراليا وتعاني هذه الحساسية، انها تلقى تشجيعا من الاصدقاء والاقرباء الذين يزورونها ويظهرون لها انهم يفهمون مشاكلها.
من جهة اخرى، ينبغي على المصابين بهذه الحساسية ان يحاولوا التحلي بالصبر اذا تواجدوا مع اشخاص يضعون العطور. ارنست المذكور في المقالة السابقة يقول لمجلة استيقظ!: «ان مرضنا عبء يجب ان نتحمله. فالآخرون لديهم ايضا مشاكلهم، لذلك نقدِّر مساندتهم لنا في مشاكلنا». نعم ان التماس التعاون بلطف لا فرضه هو السياسة الفضلى. تقول لورين: «عندما يسألني شخص يضع عطرا او ماء الكولونيا لماذا ابدو متعبة، اجيبه بأنني اعاني حساسية للعطور وبأن المشكلة تبدو اسوأ اليوم. وغالبا ما يكون ذلك كافيا لذوي التمييز ليفهموا». طبعا، لا يعني ذلك انكم اذا كنتم تعانون هذه الحساسية لا يمكنكم تذكير اصدقائكم بلطف انكم بحاجة الى مساعدتهم.
ومن وجهة نظر ايجابية، تكتب پام المذكورة سابقا: «كل ما نعانيه اليوم هو مؤقت فقط». ولماذا قالت پام «مؤقت فقط»؟ لأن رجاءها المؤسس على الكتاب المقدس هو ان ملكوت اللّٰه سيخلص الارض قريبا من كل معاناة. حتى انه سيستأصل الموت — امر ينبغي ان يواجهه في نهاية المطاف حتى اكثر الاشخاص صحة. — دانيال ٢:٤٤؛ كشف ٢١:٣، ٤.
وإلى ان يحين ذلك الوقت، كل الذين يعانون مرضا لا علاج له في الوقت الحاضر يمكن ان ينظروا بشوق الى اليوم الذي فيه، تحت ظل حكم ملكوت اللّٰه، ‹لن يقول احد انا مرضت›. (اشعياء ٣٣:٢٤) وفيما نحتمل ما نحتمله من محن في نظام الاشياء الحاضر هذا، فلنجاهد كلنا ان نكون مثل يسوع ونركز على الجائزة الموضوعة امامنا. — عبرانيين ١٢:٢؛ يعقوب ١:٢-٤.
[الاطار/الصورة في الصفحة ٩]
اظهار المحبة واحدنا للآخر
قد تساعدكم مبادئ الكتاب المقدس التالية اذا كان صديق او قريب مصابا بالحساسية لمواد كيميائية متعددة، او اذا كنتم انتم مصابين بها.
«كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا هكذا أنتم أيضا بهم». — متى ٧:١٢.
«تحب قريبك كنفسك». — متى ٢٢:٣٩.
«لنراع بعضنا بعضا للتحريض على المحبة والأعمال الحسنة، غير متخلين عن اجتماعنا، كما هو من عادة البعض، بل مشجعين بعضنا بعضا، وبالأكثر على قدر ما ترون اليوم يقترب». (عبرانيين ١٠:٢٤، ٢٥) نحتاج جميعا الى التشجيع الروحي، وخصوصا عندما نكون مرضى. والجدير بالثناء ان كثيرين من المسيحيين المصابين بهذه الحساسية يبذلون جهدهم ليحضروا اجتماعات الجماعة شخصيا؛ والبعض الآخر ممَّن تكون معاناتهم اقوى يشاركون بواسطة الهاتف. وفي بعض الاحيان، تُفرَد اجزاء في قاعة الملكوت لتكون خالية من العطور للاشخاص المصابين بهذه الحساسية. لكنَّ هذه الطريقة قد لا تكون دائما ممكنة او عملية.
«لا تنسوا فعل الصلاح. . . لأنه بذبائح مثل هذه يرضى اللّٰه». (عبرانيين ١٣:١٦) لاحظوا ان فعل الصلاح هو بمثابة ذبائح تتطلب في اغلب الاحيان تضحيات شخصية. فهل انتم مستعدون للقيام بالتضحيات لمساعدة مصاب بالحساسية لمواد كيميائية متعددة؟ من جهة اخرى، يلزم ان يكون المصابون بهذه الحساسية متعقلين بالنسبة الى ما يتوقعونه من الآخرين. فالشيوخ المسيحيون، مثلا، لا يمكنهم وضع قواعد تتعلق باستعمال العطور وماء الكولونيا، ولا يستطيعون ان يقدموا اعلانات حول الموضوع مرارا وتكرارا. بالاضافة الى ذلك، يأتي الى الاجتماعات المسيحية اشخاص مهتمون جدد وزائرون يضعون العطور — ونحن نرحب بهم. فلا نريد بالتأكيد ان نحرجهم او نجعلهم غير مرتاحين بشأن استعمال العطور.
‹اطلبوا السلام واسعوا في أثره›. (١ بطرس ٣:١١) من الواضح ان المشاكل الصحية لا يجب ان تخسِّر المسيحيين سلامهم. تقول يعقوب ٣:١٧: «أما الحكمة التي من فوق فهي. . . مسالمة، متعقلة،. . . مملوة رحمة». فالاشخاص المسالمون، سواء أكانوا مصابين بهذه الحساسية ام لا، لا يكونون متطرفين او متطلبين في ما يتعلق باستعمال او عدم استعمال المنتجات الكيميائية. كذلك سيتجنب الاشخاص المنطقيون ‹المملوون رحمة› الاصرار على حقهم في وضع العطور اذا ادركوا انها ستؤثر في صحة شخص آخر. وبهذه الطريقة يبرهنون انهم هم ايضا يسعون وراء «السلام» وأنهم ‹صانعو سلام›. — يعقوب ٣:١٨.
من جهة اخرى، ان الموقف المتصلب وغير المنطقي، سواء من جهة الذي يعاني المرض او من الشخص الآخر، يخلق هوة بينهما. ومثل هذا الموقف لا يفيد احدا وقد يؤذي حتى علاقة المرء بخالقه. — ١ يوحنا ٤:٢٠.
يملك المسيحيون طبعا دعما كبيرا — روح يهوه. فبطلبهم القانوني لروح يهوه، ينمون ثماره الرائعة، وخصوصا المحبة التي هي «رباط وحدة كامل». (كولوسي ٣:١٤) وفي الوقت نفسه، يسمحون بصبر لهذا الروح بتنمية الصفات الشبيهة بصفات المسيح في الآخرين. — غلاطية ٥:٢٢، ٢٣.
[الصورة في الصفحة ١٠]
يحتاج الناس المصابون بالحساسية لمواد كيميائية متعددة الى الاصدقاء قدر ما يحتاج اليهم الآخرون
-