-
ألم اطلاق الاولاد في سبيلهماستيقظ! ١٩٩٨ | كانون الثاني (يناير) ٢٢
-
-
ألم اطلاق الاولاد في سبيلهم
«كان زوجي قد حذَّرني يومَ وُلد الطفل الاول قائلا: ‹ان تربية الاولاد، يا حبيبتي، هي مشوار طويل ندفع فيه الاولاد الى الانطلاق في سبيلهم›». — نحن وأولادنا — كتاب بقلم والدين للوالدين، بالانكليزية.
معظم الوالدين يبتهجون — بل يطيرون فرحا — حين يولد ولدهم الاول. ورغم كل المشقات، المشاكل، الآلام، التثبُّطات، والهموم التي ترافق الابوّة، يمكن ان يكون الاولاد مصدر فرح كبير. فقبل نحو ثلاثة آلاف سنة، ذكر الكتاب المقدس: «الاولاد هبة من الرب؛ انهم بركة حقيقية». — مزمور ١٢٧:٣، الترجمة الانكليزية الحديثة.
لكنَّ الكتاب المقدس ينبِّه الى هذا الواقع الحقيقي: «يترك الرجل اباه وأمه». (تكوين ٢:٢٤) فلأسباب عديدة يغادر بشكل عام الاولاد الكبار البيت، مثلا، لمتابعة الدراسة او السعي وراء مهنة، لتوسيع خدمتهم المسيحية، او للزواج. لكنَّ هذا الواقع يحزّ كثيرا في نفس بعض الوالدين. فهم يسمحون للجهود الطبيعية التي يبذلها اولادهم للاستقلال بأن تولّد فيهم — على حد تعبير احدى الكاتبات — «شعورا بالاهانة، الاستياء، الارتباك، الخطر، او النبذ». وغالبا ما يُترجَم ذلك عمليا الى نزاع وتوتُّر عائليَّين لا نهاية لهما. ولأن بعض الوالدين يرفضون فكرة مغادرة اولادهم البيت يوما ما، يفشلون في إعدادهم لمرحلة الرشد. ويمكن ان تكون عاقبة هذا الاهمال وخيمة: راشدين غير مهيَّئين لتدبير شؤون بيت، او الاعتناء بعائلة، او حتى العثور على عمل والبقاء فيه.
قد يحزّ الفراق اكثر في نفس الوالدين المتوحدين. تقول والدة متوحدة تدعى كارِن: «تربطني بابنتي علاقة حميمة؛ فقد نمت بيننا صداقة حقيقية. وحيثما ذهبت، كنت آخذها». وهذه العلاقات الحميمة بين الوالدين والاولاد شائعة في الأُسَر ذات الوالد المتوحد. لذلك لا يُستغرب ان يكون لفكرة فقدان هذه العلاقة الحميمة اثر ساحق في النفس.
لكنَّ كتاب سِمات العائلة السليمة (بالانكليزية) يذكّر الوالدين قائلا: «هذه هي سُنّة الحياة العائلية: تربية طفل غير مستقل ليصير راشدا ذا كيان خاص». ثم يحذِّر قائلا: «ينشأ الكثير من المشاكل في العائلات بسبب عدم قدرة الوالدين على اطلاق اولادهم في سبيلهم».
وماذا عنكم؟ هل انتم اب او أمّ؟ اذا كان الامر كذلك، فهل انتم مستعدون لليوم الذي ستضطرون فيه الى اطلاق اولادكم في سبيلهم؟ وماذا عن اولادكم؟ هل تُعِدّونهم ليعيشوا حياتهم بشكل مستقل؟
-
-
تعلُّم اطلاقهم في سبيلهماستيقظ! ١٩٩٨ | كانون الثاني (يناير) ٢٢
-
-
تعلُّم اطلاقهم في سبيلهم
كتب المرنم الملهم في الكتاب المقدس: «كسهام بيد جبار هكذا ابناء الشبيبة». (مزمور ١٢٧:٤) والسهم لا يبلغ هدفه مصادفةً، بل يجب ان يُصوَّب بدقة. وبطريقة مماثلة، قد لا يبلغ الاولاد هدف الصيرورة راشدين يتحمّلون المسؤولية دون توجيه ابوي. يناشد الكتاب المقدس قائلا: «ربِّ الولد في طريقه فمتى شاخ ايضا لا يحيد عنه». — امثال ٢٢:٦.
ان التحوُّل من حالة الاعتماد على الغير في مرحلة الطفولة الى حالة الاستقلال في مرحلة الرشد لا يمكن ان يجري بين ليلة وضحاها. فمتى ينبغي ان يبدأ الوالدون بتدريب اولادهم ان يكونوا مستقلّين؟ ذكّر الرسول بولس حدثا يدعى تيموثاوس: «انك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة ان تحكّمك للخلاص بالايمان الذي في المسيح يسوع». (٢ تيموثاوس ٣:١٥) تخيلوا هذا: لقد بدأت أمّ تيموثاوس تمنحه التدريب الروحي حين كان لا يزال طفلا!
فإذا كان ممكنا ان يستفيد الاطفال الصغار من التدريب الروحي، أفليس منطقيا ان يُمنح الاولاد في اسرع وقت ممكن التدريب اللازم لمرحلة الرشد؟ احدى الطرائق لذلك هي تعليمهم تحمُّل المسؤولية، تعليمهم اتخاذ قراراتهم الخاصة.
تعليم الاولاد تحمُّل المسؤولية
كيف يمكنكم ان تشجّعوا اولادكم على تحمُّل المسؤولية؟ ثمة زوجان يدعيان جاك ونورا يتذكران عن ابنتهما: «تعلمت في اول مشيها ان تأخذ الجوارب او الاشياء الصغيرة الى غرفة نومها وتضعها في الدرج المناسب. وتعلمت ايضا ان تضع اللُّعب والكتب في اماكنها». هذه البدايات صغيرة، لكنَّ الطفلة كانت تتعلم اتخاذ قرارات مسؤولة.
وربما يمكن ائتمان الولد على مسؤوليات اثقل نوعا ما وهو يكبر. فقد سمح آبْرا وأنيتا لابنتهما باقتناء كلب. وكانت الصغيرة مسؤولة عن الاعتناء بالكلب، وحتى عن دفع المال من مصروفها الخاص لتربيته. ان تدريب الاولاد على إتمام مسؤولياتهم يتطلب الصبر. لكنَّ المسألة تستحق العناء، وهي تساهم في نموّهم العاطفي.
والاعمال المنزلية تتيح هي ايضا فرصة تعليم الاولاد تحمُّل المسؤولية. ان بعض الوالدين يعفون الاولاد تقريبا من الواجبات العائلية، معتبرين انهماكهم فيها مصدر ازعاج اكثر منه مساعدة. ويريد آخرون ان يعيش اولادهم ‹حياة افضل من التي عاشوها›. وهذا التحليل خاطئ. فالكتاب المقدس يقول: «مَن دلل عبده منذ صباه وجده في آخِر الامر عاصيا». (امثال ٢٩:٢١، الترجمة اليسوعية الجديدة) والمبدأ في هذه الآية ينطبق طبعا على الاولاد. ومن المحزن ان يبلغ الحدث سن الرشد ولا يكون «عاصيا» فحسب بل ايضا عاجزا عن إتمام ابسط الواجبات المنزلية.
كان من الشائع، في ازمنة الكتاب المقدس، ان يوكَّل الاحداث على اعمال منزلية. مثلا، اشترك يوسف الحدث، وهو بعمر غضّ يبلغ ١٧ سنة، في مسؤولية رعي قطعان العائلة. (تكوين ٣٧:٢) ولم يكن ذلك عملا سهلا، لأن قطعان ابيه كانت كبيرة. (تكوين ٣٢:١٣-١٥) وبما ان يوسف كبر وصار قائدا قويا، فمن المحتمل جدا ان يكون هذا التدريب الباكر قد ساهم كثيرا في سبك شخصيته بشكل ايجابي. وداود، الذي صار ملكا على اسرائيل، اؤتمن هو ايضا على رعي قطعان عائلته وهو صغير. — ١ صموئيل ١٦:١١.
وماذا يتعلم الوالدون اليوم من ذلك؟ وكِّلوا اولادكم على اعمال منزلية ذات معنى. وبصرف الوقت وبذل الجهد وإظهار الصبر، يمكنكم ان تعلّموا اولادكم ان يشتركوا في التنظيف، الطبخ، الاعتناء بالحديقة، وإصلاح البيت والسيارة. صحيح ان الكثير من ذلك يعتمد على عمر الولد وطاقته، ولكن حتى الاولاد الصغار يمكنهم عادةً ان ‹يساعدوا البابا على اصلاح السيارة› او ‹يساعدوا الماما على الطبخ›.
ويتطلب تعليم الاعمال المنزلية ايضا ان يمنح الوالدون اولادهم اثمن هبة: وقتهم. وقد سُئل زوجان، لديهما ولدان، عن سرّ نجاحهما في تربية ولديهما. فأجابا: «انه الوقت الوقت الوقت».
التقويم الحبي
عندما ينجز الاولاد الاعمال المعيَّنة لهم بشكل جيد، او على الاقل عندما يبذلون الجهد لإنجازها، شجِّعوهم بإغداق كلمات المدح المخلصة عليهم! (قارنوا متى ٢٥:٢١.) طبعا، نادرا ما ينجز الاولاد الاعمال بدرجة الكفاءة نفسها كالراشدين. وعندما يُسمح للاولاد باتخاذ قراراتهم الخاصة، غالبا ما يخطئون. ولكن احترزوا من ردود الفعل المبالَغ فيها! ألا تخطئون انتم الراشدين في اتخاذ بعض القرارات؟ فلمَ لا تصبرون على ولدكم حين يخطئ؟ (قارنوا مزمور ١٠٣:١٣.) أبقوا احتمال ارتكاب الاخطاء واردا. واعتبروها جزءا من عملية التعلّم.
يذكر المؤلفان مايكل شولمَن وإيڤا ماكلِر: «ان الاولاد الذين يعامَلون بطريقة ودّية لا يخافون من ان يعاقَبوا لأنهم تصرَّفوا من عندهم». لكنَّ «اولاد الوالدين الباردين او القساة يخافون من القيام بأيِّ عمل تقريبا من تلقاء انفسهم، بما في ذلك الاعمال المفيدة، لأنهم يخشون ان يجد والدوهم خطأً ما في ما فعلوه، فينتقدوهم او يعاقبوهم». ينسجم هذا التعليق مع تحذير الكتاب المقدس الموجَّه الى الوالدين: «لا تغيظوا اولادكم لئلا يفشلوا». (كولوسي ٣:٢١) لذلك عندما لا تكون جهود الولد على قدر ما توقعتموه، لمَ لا تمدحونه على الاقل لأنه حاول؟ وشجِّعوه على فعل الافضل في المرة التالية. دعوه يعرف ان تقدُّمه يُفرحكم. وأكدوا له حبّكم.
طبعا، التقويم ضروري احيانا. وقد يتجلى ذلك خصوصا في سني المراهقة، حين يسعى الاحداث الى ترسيخ هويتهم الخاصة وإلى ان يكونوا مقبولين كأفراد لهم شخصيتهم. لذلك من الحكمة ان ينظر الوالدون الى هذه المحاولات لتحقيق الاستقلال بعين التفهُّم ولا يفسِّروها دائما على انها تمرُّد.
من المعروف ان الاحداث ميّالون الى التصرُّف دون سابق تفكير او الى الانقياد ‹للشهوات الشبابية›. (٢ تيموثاوس ٢:٢٢) لذلك فإن عدم وضع حدود للسلوك الشبابي يمكن ان يضرّ الولد عاطفيا، لأنه لن يتعلم ضبط النفس وتأديب الذات. يحذر الكتاب المقدس: «الصبي المطلَق الى هواه يُخجِل امه». (امثال ٢٩:١٥) لكنَّ التأديب الملائم، المزوَّد بطريقة حبية، مفيد ويعدّ الحدث لمتطلبات مرحلة الرشد وضغوطها. ينصح الكتاب المقدس: «مَن يمنع عصاه يمقت ابنه ومَن احبه يطلب له التأديب». (امثال ١٣:٢٤) ولكن تذكروا ان قوام التأديب هو التعليم والتدريب لا المعاقبة. و ‹العصا› هنا تشير على الارجح الى العصا التي يستخدمها الرعاة لتوجيه قطعانهم. (مزمور ٢٣:٤) وهي رمز الى التوجيه الحبي لا الى الوحشية القاسية.
التعليم النافع في الحياة
ان التوجيه الابوي ضروري جدا من ناحية تعليم الولد. فاهتموا بمسألة التعليم الدراسي الذي يتلقاه ولدكم. ساعدوه على اختيار المقرَّرات المدرسية الملائمة وعلى اتخاذ قرار مسؤول بشأن ما اذا كانت ستلزمه اية ثقافة اضافية.a
وأهمّ تعليم هو التعليم الروحي طبعا. (اشعياء ٥٤:١٣) فالاولاد بحاجة الى القيم الالهية ليعيشوا في عالم الراشدين. ويجب ان تُدرَّب ‹قوى ادراكهم›. (عبرانيين ٥:١٤) لذلك يمكن ان يلعب الوالدون دورا كبيرا في هذا الشأن. والعائلات بين شهود يهوه يشجَّعون على عقد درس منتظم في الكتاب المقدس مع اولادهم. وعلى مثال أمّ تيموثاوس التي كانت تعلّمه الاسفار المقدسة من الطفولية، يقوم الوالدون الشهود ايضا بتعليم اولادهم الصغار.
ثمة والدة متوحدة تدعى باربرا تجعل الدرس العائلي في الكتاب المقدس وقتا ممتعا للغاية لأولادها. «في ذلك المساء اتأكد ان يتناول الاولاد وجبة طعام لذيذة تتبعها حلوى يحبونها. وأُسمعهم كسيتات ألحان الملكوت لأخلق الجوّ الملائم. وبعد صلاة افتتاحية، ندرس عادةً مجلة برج المراقبة. ولكن اذا كانت هنالك حاجة خصوصية، أستخدم مطبوعات مثل اسئلة يطرحها الاحداث — اجوبة تنجح».b ووفقا لباربرا، يساعد درس الكتاب المقدس اولادها على «معرفة وجهة نظر يهوه من الامور».
نعم، ما من عطية تُقدَّم للولد اعظم من معرفة كلمة اللّٰه، الكتاب المقدس، وفهمها. فهي قادرة على ‹اعطاء الجهال ذكاء والشاب معرفة وتدبرا›. (امثال ١:٤) وبهذا السلاح يدخل الحدث مرحلة الرشد وهو قادر على مواجهة ضغوط وأوضاع جديدة.
ومع ذلك، يُحدِث رحيل الاولاد تغيُّرا كبيرا في نمط حياة معظم الوالدين. أما كيف يمكنهم ان يواجهوا بنجاح مغادرة اولادهم البيت، فهذا ما ستناقشه مقالتنا التالية.
-
-
العيش بسعادة في بيت غادره الاولاداستيقظ! ١٩٩٨ | كانون الثاني (يناير) ٢٢
-
-
العيش بسعادة في بيت غادره الاولاد
اعترفت أمّ: «بالنسبة الى كثيرين منا، يشكّل الفراق الاخير صدمة مهما استعددنا له جيدا». نعم، فمع ان مغادرة الولد امر محتوم، قد لا يكون التعامل مع المسألة سهلا جدا عندما يحين وقت الرحيل. يقول اب عن رد فعله بعد ان ودَّع ابنه: «لأول مرة في حياتي . . .، بكيت أحرّ بكاء».
يترك رحيل الاولاد في حياة والدين كثيرين فراغا كبيرا، جرحا مفتوحا. وتنتاب البعض مشاعر شديدة من الوحدة والالم والخسارة نتيجة فقدانهم الاتصال اليومي بأولادهم. وقد لا يكون الوالدون وحدهم مَن يعاني مشقّة التكيُّف. يذكّرنا زوجان يدْعيان ادوارد وأڤريل: «اذا كان هنالك اولاد آخرون لم يغادروا البيت بعد، فسيشعر هؤلاء ايضا بالخسارة». وما هي نصيحة هذين الزوجين؟ «امنحوهم وقتكم وتفهُّمكم. فهذا سيساعدهم على التكيُّف».
نعم، عجَلة الحياة ستواصل دورانها. وإذا كان عليكم ان تهتموا بأولادكم الباقين — هذا ان لم نذكر عملكم او واجباتكم المنزلية — فلا تسمحوا للحزن بأن يهدَّكم. لذلك دعونا نتأمل في بعض الطرائق لإيجاد السعادة رغم مغادرة اولادكم البيت.
ركّزوا على الجانب الايجابي
طبعا، اذا شعرتم بالحزن او الوحدة، ورغبتم في البكاء او الافصاح عن مشاعركم لصديق متعاطف، فلا تترددوا! يقول الكتاب المقدس: «الغم في قلب الرجل يحنيه والكلمة الطيبة تفرِّحه». (امثال ١٢:٢٥) فأحيانا يمكن ان يُريكم الآخرون الامور من منظار مختلف. مثلا، ينصح زوجان يدْعيان ڤالديمار وماريان: «لا تنظروا الى المسألة وكأنكم خسرتموهم، بل وكأنكم نجحتم في تحقيق الهدف». فيا لها من طريقة ايجابية للنظر الى الامور! يقول زوجان يدْعيان رودولف وهيلدا: «نحن سعيدان لأننا تمكّنّا من تربية ابنائنا ليصيروا راشدين مسؤولين».
هل كنتم تجاهدون لتربية ولدكم «بتأديب الرب وإنذاره»؟ (افسس ٦:٤) حتى لو كان الامر كذلك، فقد تستمر مشاعر القلق تنتابكم بشأن رحيله. لكنَّ الكتاب المقدس يؤكد للذين يربّون ولدهم بهذه الطريقة انه «متى شاخ ايضا لا يحيد عنه». (امثال ٢٢:٦) ألا ينتابكم شعور عميق بالرضا حين ترون ولدكم يتجاوب بشكل مؤات مع تدريبكم؟ قال الرسول يوحنا عن عائلته الروحية: «ليس لي فرح اعظم من هذا ان اسمع عن اولادي انهم يسلكون بالحق». (٣ يوحنا ٤) وربما يمكنكم ان تعربوا عن مشاعر مماثلة بشأن رحيل ولدكم.
ولكن لا يتجاوب جميع الاولاد بشكل مؤات مع التدريب المسيحي. فإذا كانت هذه حال ولدكم البالغ، فلا يعني ذلك انكم والدون فاشلون. ولا حاجة بكم الى لوم انفسكم ما دمتم قد بذلتم جهدكم لتربيته في طريق التقوى. أدركوا ان ولدكم الراشد يحمل حمله الخاص من المسؤولية امام اللّٰه. (غلاطية ٦:٥) تمسّكوا بالامل انه ربما يعيد في النهاية التفكير في اختياراته وأن ‹السهم› سيصيب اخيرا الهدف الذي صُوِّب نحوه. — مزمور ١٢٧:٤.
انتم والدون وتبقون والدين
في حين ان رحيل ولدكم يعني ان تغييرا جذريا قد حدث، فهذا لا يُنهي دوركم كوالدين. يقول الاختصاصي في الصحة العقلية هاورد هلپِرْن: «انتم والدون الى يوم مماتكم، ولكن يجب ان يتخذ العطاء والتربية معنى جديدا».
اعترف الكتاب المقدس منذ وقت طويل بأن الدور الابوي لا يتوقف لمجرد ان الولد كبر. تقول الامثال ٢٣:٢٢: «اسمع لأبيك الذي ولدك ولا تحتقر امك اذا شاخت». نعم، فحتى عندما ‹يشيخ› الوالدون ويبلغ اولادهم مرحلة الرشد، يمكن ان يبقى للوالدين تأثير كبير في حياة اولادهم. طبعا، يلزم صنع بعض التعديلات. فجميع العلاقات بحاجة الى اعادة تكييف من وقت الى آخر لإبقائها منعشة ومرضية. وبما ان اولادكم كبروا الآن، فاسعوا الى جعل علاقتكم بهم على مستوى راشدين. وما يثير الاهتمام هو ان الدراسات تشير الى ان العلاقة بين الوالد والولد غالبا ما تتحسن حين يغادر الاولاد البيت! فعندما يواجِه الاولاد بأنفسهم ضغوط الحياة الحقيقية، غالبا ما يبتدئون يرون والديهم بمنظار جديد. يقول رجل الماني يدعى هارتْموت: «الآن صرت افهم والديَّ اكثر، وصرت اعرف لماذا كانا يقومان بالامور بالطريقة التي قاما بها».
تجنبوا التدخل
ولكن يحدث ضرر كبير اذا صرتم تتدخلون في حياة ولدكم الراشد الشخصية. (قارنوا ١ تيموثاوس ٥:١٣.) تقول بأسف امرأة متزوجة تواجه ضغوطا كبيرة من والدَي زوجها: «نحن نحبهما، لكننا نريد ان نحيا حياتنا الخاصة ونتخذ قراراتنا الخاصة». طبعا، لن يقف ايّ والد محب مكتوف اليدين حين يرى ولده الراشد يغرق في المشاكل. ولكن من الافضل عادةً تجنب تقديم نصيحة ابوية لم تُطلب، مهما كانت حكيمة وحسنة النية. ويصحّ ذلك خصوصا بعد ان يتزوج الولد.
قدمت استيقظ! هذه النصيحة سنة ١٩٨٣: «تقبَّلوا دوركم الجديد. فدور الام كمرضعة يتوقف حين يبدأ الطفل بالمشي. وبشكل مماثل، يجب ان تستبدلوا الدور الذي تعزّونه كمعيل بدور مقدِّم النصائح. فاتخاذ القرارات عن ولدكم في مرحلة [الرشد] من الحياة غير ملائم كحمله على التجشؤ او ارضاعه. وهنالك حدود واضحة لدوركم كمقدِّم نصائح. فلا يمكنكم بعد الآن ان تتذرَّعوا بسلطتكم كوالدين. (‹اِفعل هذا لأني اقول لك ان تفعله›.) فيجب ان يُحترم وضع ولدكم كراشد».a
قد لا توافقون على كل القرارات التي يتخذها ولدكم ورفيق زواجه. لكنَّ الاحترام لقدسية الزواج يمكن ان يساعدكم على تخفيف قلقكم وتجنب التطفل غير اللازم. والحقيقة هي انه من الافضل عادةً ترك الازواج والزوجات الشباب يحلّون مشاكلهم شخصيا، وإلا فهنالك خطر الوقوع في مواجهة غير ضرورية حين تقدِّمون نصيحة غير مطلوبة لصهر او كنّة قد يكون، في مرحلة حسّاسة من الزواج، سريع التأثر بالانتقاد. والمقالة في استيقظ! المذكورة آنفا نصحت ايضا: «اسحقوا الميل الى تقديم اقتراحات لا تنتهي ولم تُطلب منكم، فهي قد تحوِّل الصهر او الكنّة الى عدو». ادعموا، ولا تتحكموا. وبالمحافظة على علاقة طيبة، تسهِّلون على ولدكم الاقتراب اليكم اذا كان بحاجة حقا الى نصيحة.
جدِّدوا روابط الزواج
بالنسبة الى كثيرين من الازواج، البيت الذي غادره الاولاد قد يتيح الفرصة ايضا لزيادة السعادة الزوجية. فالوقت والجهد اللذان تتطلبهما التربية الناجحة للاولاد يمكن ان يكونا كبيرين جدا حتى ان الزوجين يهملان علاقتهما واحدهما بالآخر. تقول احدى الزوجات: «الآن، برحيل الاولاد، نحاول كونْراد وأنا ان نتعرَّف واحدنا بالآخر من جديد».
وبما انكم انتهيتم من المسؤوليات اليومية لتربية الاولاد، فقد تجدون الآن وقتا اكثر واحدكم للآخر. لاحظت احدى الامهات: «ان وقت الفراغ الجديد هذا . . . يتيح لنا تركيز انتباه اكبر على ما نحن عليه، والتركيز على التعلّم اكثر عن علاقاتنا، والابتداء بالانخراط في نشاطات تسدّ حاجاتنا». وتضيف: «انه الوقت لتعلّم امور جديدة وصنع تحسينات كبيرة، ومع ان اوقاتا كهذه قد تكون مضطربة، فهي ايضا مفرحة».
ويتمتع ازواج وزوجات آخرون بحرية مالية اكبر ايضا. والهوايات والمساعي التي تُركت جانبا يمكن متابعتها الآن. وكثيرون من الازواج والزوجات بين شهود يهوه يستخدمون حريتهم الجديدة للسعي وراء اهتمامات روحية. فثمة اب يدعى هرمان يوضح انه بعدما غادر اولاده البيت، وجّه هو وزوجته اهتمامهما فورا الى استئناف الخدمة كامل الوقت.
اطلاق الوالدين المتوحدين الاولاد في سبيلهم
يمكن ان يستصعب الوالدون المتوحدون مغادرة اولادهم البيت اكثر من غيرهم. توضح ربيكا، وهي أمّ لولدين: «حين يرحل اولادنا، لا يكون هنالك زوج يمنحنا المحبة ويكون رفيق دربنا». فربما كان الوالد المتوحد يجد في اولاده مصدرا للدعم العاطفي. وإذا كانوا يساهمون في تسديد نفقات البيت، فقد يسبِّب رحيلهم مشكلة مالية ايضا.
بعض الوالدات المتوحدات يحسِّنّ وضعهن الاقتصادي بالاشتراك في برامج للتدريب المهني او في مقرَّرات مدرسية سريعة. ولكن كيف يمكن للمرء ان يملأ فراغ الوحدة؟ تقول والدة متوحدة: «الطريقة التي تنجح معي هي ابقاء نفسي مشغولة. وقد يكون ذلك بقراءة الكتاب المقدس، تنظيف بيتي، او مجرد ممارسة المشي السريع او الركض. لكنَّ انجع طريقة لكي اتغلب على الوحدة هي التحدث الى صديقة تتحلى بصفات روحية». نعم، ‹اتَّسعوا› ونمّوا صداقات جديدة ومبهجة. (٢ كورنثوس ٦:١٣) ‹واظبوا الطلبات والصلوات› حين تشعرون بالاستسلام. (١ تيموثاوس ٥:٥) وتأكدوا ان يهوه سيقوِّيكم ويدعمكم في مرحلة التكيُّف الصعبة هذه.
اطلاقهم في سبيلهم بسعادة
مهما يكن وضعكم، فأدركوا ان الحياة لا تنتهي حين يغادر اولادكم البيت. والروابط العائلية لا تتفكك. فالمحبة السليمة الموصوفة في الكتاب المقدس لها قوة جمع الناس، حتى لو كانوا جسديا بعيدين بعضهم عن بعض. ويذكّرنا الرسول بولس ان المحبة «تصبر على كل شيء. المحبة لا تسقط ابدا». (١ كورنثوس ١٣:٧، ٨) فالمحبة غير الانانية التي نمّيتموها في عائلتكم لن تسقط لمجرد ان اولادكم غادروا البيت.
من المثير للاهتمام انه عندما يبدأ الاولاد يشعرون بألم الفراق والحنين الى البيت، او يحسون بضائقة ناجمة عن الضغوط الاقتصادية، غالبا ما يكونون السبّاقين الى معاودة الاتصال. ينصح هانز وإنڠرِت: «دعوا الاولاد يعرفون ان باب بيتكم مفتوح دائما». والزيارات المنتظمة، الرسائل، او المكالمات الهاتفية من حين الى آخر ستساعدكم ان تبقوا على اطلاع على احوالهم. وعلى حد تعبير جاك ونورا: «أظهروا الاهتمام بما يفعلونه دون التدخل في شؤونهم».
عندما يرحل الاولاد من البيت، تتغيَّر حياتكم. ولكن يمكن ان تجعلوا الحياة في بيت غادره الاولاد ناشطة، كثيرة الاشغال، ومانحة الاكتفاء. وتتغيَّر ايضا علاقتكم بأولادكم. ولكن يمكن مع ذلك ان تبقى العلاقة سعيدة ومبهجة. «ان الاستقلال عن الوالدين»، كما يقول الپروفسوران جفري لي وڠاري پيترسون، «لا يعني فقدان المحبة، الولاء، او الاحترام للوالدين. . . . فغالبا ما تدوم الروابط العائلية المتينة مدى الحياة». نعم، لن تتلاشى محبتكم لأولادكم، ولن يتوقف دوركم كوالدين ابدا. ولأنكم احببتم اولادكم الى حدّ اطلاقهم في سبيلهم، فأنتم لم تخسروهم.
-