-
وكانوا يسمُّون ذلك تسليةاستيقظ! ١٩٩٧ | ايار (مايو) ٢٢
-
-
وكانوا يسمُّون ذلك تسلية
كان الجو في المدرَّج مشحونا بالاثارة. فقد احتشد عشرات الآلاف لمشاهدة احد اكثر العروض حماسة في روما القديمة. وكانت الرايات والورود والمُوَشَّيات الملوَّنة تزيِّن الحلبة بشكل جميل، ومن النوافير يتدفق ماء معطَّر، فيعبق الهواء بروائح ذكية خفيفة. وكان الاثرياء يرتدون ابهى ملابسهم، وثرثرة الجمع تقطعها قهقهات عالية. لكنَّ جو الحشد المرِح هذا كان سيتباين مع مشهد الرعب الذي سيمرُّ لاحقا.
فبعد قليل علا صوت نفخ الابواق الرومانية (تيوبا) المشؤوم ايذانا لاثنين من المجالِدين بالدخول للمبارزة. وثار جنون الجمع حين بدأ المتباريان يجرِّحان واحدهما الآخر بضربات سيفهما بوحشية شديدة. ولم يكن وقْع السيفين يُسمع جيدا بسبب هتافات المشاهدين التي تصمّ الآذان. وفجأة، وبحركة سريعة، نجح احد المتحاربَين في طرح خصمه ارضا. فصار الآن مصير المصارع الذي على الارض بيد المتفرِّجين. فإذا لوَّحوا بمناديلهم، بقي حيا. وبإشارة واحدة من أباهمهم، امر الحشد — بمن فيه النساء والفتيات — بتوجيه الضربة القاضية. وبعد لحظات جُرَّت الجثة الهامدة الى خارج ارض الحلبة، وقُلب التراب الملطَّخ بالدم بواسطة المجارف، ونُثر رمل جديد، وتهيأ الجمع لمتابعة بقية حمّام الدم.
بالنسبة الى كثيرين من العائشين في روما القديمة، كان ذلك تسلية. «وحتى اكثر معلّمي الاخلاق صرامة لم يثيروا ايّ اعتراض على هذا الابتهاج بسفك الدم،» كما يقول كتاب روما: السنوات الالف الاولى (بالانكليزية). وكانت لعبة المجالدة شكلا واحدا فقط من اشكال التسلية المنحطة التي كانت روما تقدِّمها. فقد كانت تُقدَّم ايضا معارك بحرية واقعية لتسلية جمهور متعطش الى الدم. حتى تنفيذ الاعدام كان يُجرى علنا، وفيه كان المجرم المحكوم عليه يُربَط الى خشبة وتلتهمه وحوش برية مجوَّعة.
أما الذين لم يُرضِ اذواقهم سفك الدماء فقد قدَّمت لهم روما تشكيلة من المسرحيات. وفي المهازل المسماة «المَيْم» — وهي تمثيليات مستقاة من الحياة اليومية — «كان الزنى والعلاقات الغرامية المحورَين الرئيسيين،» كما كتب لوتڤيخ فريدْلانْدر في كتاب الحياة والآداب الرومانية في ظل الامبراطورية الباكرة (بالانكليزية). «وكانت اللغة المستعملة مليئة بالاساليب المبتذلة في التعبير، والكلام الفكاهي بذيئا، مع الكثير من الحركات الوجهية السيئة، الايماءات الفاحشة، وقبل كل شيء، الرقصات الفاضحة على انغام الناي الافرنجية.» وبحسب دائرة المعارف البريطانية الجديدة (بالانكليزية)، «هنالك دليل على ان اعمال زنى كانت تمثَّل فعلا على مسرح ‹المَيْم› في زمن الامبراطورية الرومانية.» لقد كان هنالك سبب وجيه ليقول فريدْلانْدر ان «المَيْم» هو «اكثر المهازل فحشا بشكل صريح لِما يتضمنه من فساد ادبي وقذارة،» وأضاف: «كانت المشاهد الاكثر فسقا تلاقي اكبر استحسان.»a
وماذا عن اليوم؟ هل تغيَّر ذوق الانسان في التسلية؟ تأملوا في الادلّة المناقَشة في المقالة التالية.
[الحاشية]
a في بعض الاحيان كان يُنفَّذ حكم إعدام على المسرح لإضفاء الواقعية على الانتاج المسرحي. يذكر كتاب حضارة روما (بالانكليزية): «كان من الشائع ان يحلّ مجرم محكوم عليه بالموت محلّ الممثل عند الحدث المأساوي الاخير.»
-
-
ماذا حلَّ بالتسلية؟استيقظ! ١٩٩٧ | ايار (مايو) ٢٢
-
-
ماذا حلَّ بالتسلية؟
كيف امكن الرومان القدماء، الذين يُفترض انهم كانوا في أوج تحضُّرهم، ان يعتبروا ألم رفقائهم البشر وسيلة للتسلية؟ ان «التفسير الوحيد لذلك هو التوق الى حوافز جديدة وأقوى للاثارة،» كما يكتب ڠيرْهارت أُولْهورن في كتاب صراع المسيحية والوثنية (بالانكليزية). «فبعد ان صار الناس مشبَعين بكل انواع المتع الممكنة، اخذوا يسعون وراء . . . اثارة لم يعودوا يجدونها في اماكن اخرى.»
واليوم ايضا يُعرب اناس كثيرون عن «توق الى حوافز جديدة وأقوى للاثارة.» صحيح انهم لا يجتمعون لمشاهدة المجازر الواقعية او الفسق، لكنَّ التسلية التي يختارونها تكشف عن تهوُّس مماثل بالعنف والجنس. تأملوا في بعض الامثلة.
الافلام. في السنوات الاخيرة اظهر صانعو الافلام «تفضيلا لما يُعتبر غير صائب،» كما يؤكد الناقد السينمائي مايكل مَدْڤَد. ويضيف: «يبدو ان الفكرة المتَّبعة في صناعة الافلام هي ان تصوير الوحشية والاختلال العقلي يستحق اهتماما خصوصيا واحتراما جدّيا اكثر من اية محاولات لنقل صفات النُّبل او الصلاح.»
وتُجبر منافسة التلفزيون صانعي الافلام على بذل كل جهد مستطاع تقريبا لجذب الناس الى دُور السينما. يقول رئيس احد استديوات الافلام: «نحن بحاجة الى افلام قوية، افلام ذات وقْع شديد، افلام تتفوق على البرامج التي يشاهدها الناس على التلفزيون.» ويضيف: «لا يعني ذلك ان هدفنا هو عرض مشاهد الدم والاحشاء واللغة [البذيئة]، ولكن هذا ما يلزم اليوم لإطلاق فيلم.» نعم، كثيرون لم يعد يصدمهم حتى اعنف مشاهد العنف السينمائية. يقول المخرج السينمائي آلن ج. پاكولا: «صارت لدى الناس مناعة ضد مشاهد العنف. فعدد القتلى ازداد اربعة اضعاف، وقوة الانفجارات تضاعفت كثيرا، والناس لا يصدمهم ذلك. لقد صارت عندهم شراهة الى الاحساس بالاثارة الوحشية.»
التلفزيون. صارت المشاهد الجنسية الفاضحة على التلفزيون امرا شائعا في انحاء كثيرة من العالم، بما فيها أوروپا والبرازيل واليابان. ومُشاهِد التلفزيون العادي في اميركا يرى بالمَشاهد او بالكلام نحو ٠٠٠,١٤ اشارة جنسية في سنة واحدة. ويذكر فريق ابحاث انه «لا يوجد دليل على ان ازدياد المواضيع الجنسية وصراحتها سيتوقفان.» ويضيفون: «ان المواضيع التي كانت تُعتبر محرَّمة كسفاح القربى والسادية-الماسوشية والبهيمية صارت وسيلة تدرُّ ارباحا كثيرة خلال عرضها في الفترة المسائية.»
ووفقا لكتاب التفرُّج على اميركا (بالانكليزية)، هنالك سبب لفورة التساهل في التلفزيون. يذكر: «الجنس مربح. . . . فحين اكتشفت شبكات التلفزة وشركات الانتاج ان عدد المشاهدين الذين يرضيهم ذلك اكبر من الذين تجرح احساسهم، زادت احتمال الربح من برامجها بالسماح بخرق محرَّمات اكثر فأكثر بطريقة اكثر صراحة من قبل.»
ألعاب الڤيديو. لقد مهَّد عصر ألعاب الڤيديو البريئة نسبيا مثل پاك-مان ودونكي كونڠ الطريق لعصر جديد من الالعاب السادية المخيفة. وتصف الپروفسورة مارشا كيندر هذه الالعاب بأنها «اسوأ من التلفزيون او السينما.» فهي تترك «الانطباع ان الوسيلة الوحيدة للتحكم في الامور هي العنف.»
وبسبب القلق العام من هذه المسألة، تستعمل شركة اميركية بارزة نظاما تصنيفيا لألعاب الڤيديو التي تنتجها. واللعبة التي تحمل عبارة «17-MA» — التي تشير الى ان هذه اللعبة «الناضجة mature» غير ملائمة لمَن هم دون الـ ١٧ — يمكن ان تتضمن عنفا شديدا، مواضيع جنسية، وكلمات بذيئة. ولكن يخشى البعض ان يكون تصنيف لعبة ما بأنها «ناضجة» حافزا على زيادة جاذبيتها. يقول شاب يحب ألعاب الڤيديو: «لو كنت في الـ ١٥ من العمر ورأيت لعبة عليها ملصق مكتوب عليه 17-MA، لَسعيت الى الحصول عليها بأيّ ثمن.»
الموسيقى. تؤكد مجلة تقوم بفحص محتويات الاغاني الرائجة انه في نهاية سنة ١٩٩٥، كانت ١٠ ألبومات فقط من الألبومات الـ ٤٠ التي احتلت المرتبة الاولى خالية من الكلام البذيء او من الاشارات الى المخدِّرات او العنف او الجنس. وتخبر صحيفة سانت لويس پوست ديسپاتش (بالانكليزية) ان «الاغاني التي في متناول مَن هم دون سنِّ المراهقة تصدم المرء جدا، وكثير منها يعبِّر عن رفض صريح لكل القيم،» مضيفة ان «[الاغاني] التي تجذب بعض المراهقين مشحونة بالغضب واليأس وتولّد الشعور بأن العالَم والمستمع الى هذه الاغاني محكوم عليهما بالهلاك.»
وثمة انواع من موسيقى الروك والراپ (مثل death metal و grunge” rock“ و gangsta” rap“) تتلذَّذ بالعنف كما يبدو. ووفقا لتقرير في صحيفة سان فرانسيسكو كرونيكل (بالانكليزية)، «كثيرون من ذوي الاطّلاع في مجال التسلية يتوقعون ان تحتل قريبا الفرق الاكثر اخافة المراكز العالية للشهرة.» وصارت الاغاني التي تمجِّد الغضب والموت شائعة اليوم في أوروپا وأوستراليا واليابان. صحيح ان بعض الفرق تحاول تبنّي رسالة ألطف، لكنَّ هذه الصحيفة تذكر ان «البراهين تشير الى ان الاغاني البريئة لا تجد سوقا كبيرة لها.»
اجهزة الكمپيوتر. لهذه الآلات القيِّمة الكثير من الاستعمالات الجيدة. لكنَّ البعض يستعملها ايضا لنشر مواد فاسقة. مثلا، تخبر مجلة ماكلينز (بالانكليزية) ان هذه المواد تشمل «صوَرا ونصوصا عن كل شيء، من الاشياء الغريبة المثيرة جنسيا الى البغاء الى مضاجعة الاولاد — مواد تصدم راشدين كثيرين، فضلا عن اولادهم.»
المطبوعات. تفيض كتب شعبية كثيرة بالجنس والعنف. وثمة هوس حديث في الولايات المتحدة وكندا أُطلق عليه اسم «القصص الروائية الصادمة» — قصص رعب مخيفة موجَّهة الى احداث يبلغ عمر فئة منهم ثماني سنوات فقط. وتؤكد ديانا وست في مجلة نيويورك تيتشر (بالانكليزية) ان هذه الكتب «تجرِّد الصغار جدا في السن من الاحاسيس، مما يعيق النشاط الفكري حتى قبل ان يبدأ.»
وتتناول مجلات هزلية مصوَّرة كثيرة تصدر في هونڠ كونڠ والولايات المتحدة واليابان «مواضيع عن حروب طاحنة وحشية، اكل لحوم البشر، قطع الرؤوس، الشيطانية، الاغتصاب، والبذاءة،» كما تخبر دراسة اعدَّها «التضامن القومي حول عنف التلفزيون.» ويقول الدكتور توماس رادِكي، مدير الابحاث فيه، ان «العنف الشديد والجنس المخزي في هذه المجلات يصدم المرء،» مضيفا ان «ذلك يُظهر كم سمحنا لأنفسنا بأن نصير مجرَّدين من الاحاسيس.»
ضرورة توخي الحذر
من الواضح ان هنالك افتتانا بالجنس والعنف في عالم اليوم، وينعكس ذلك في مجال التسلية. والوضع مماثل لِما وصفه الرسول المسيحي بولس: «الذين اذ هم قد فقدوا الحس اسلموا نفوسهم للدعارة ليعملوا كل نجاسة في الطمع.» (افسس ٤:١٩) لذلك لدى كثيرين اليوم سبب وجيه للبحث عن شيء افضل. فهل انتم كذلك؟ في هذه الحال سيسرُّكم ان تعرفوا انه يمكنكم ان تجدوا تسلية سليمة، كما ستُظهر المقالة التالية.
[الاطار/الصورة في الصفحة ٥]
التلفزيون قد يكون خطرا
كان اول ظهور علني لجهاز التلفزيون في الولايات المتحدة في المعرض الدولي الذي أُقيم في نيويورك سنة ١٩٣٩. وعبَّر صحافي كان حاضرا هناك عن شكوكه بشأن مستقبل هذا الاختراع الجديد. كتب: «المشكلة مع التلفزيون هي انه يجب ان يجلس الناس ويُبقوا اعينهم ملتصقة بالشاشة؛ والعائلة الاميركية العادية ليس لديها الوقت لذلك.»
وكم كان مخطئا! لأنه يقال ان الاميركي العادي، بحلول وقت تخرُّجه من المدرسة، يكون قد قضى وقتا امام التلفزيون اكثر منه امام المعلّم بـ ٥٠ في المئة. وتؤكد الدكتورة مادلين ليڤاين في كتابها مشاهدة العنف (بالانكليزية): «ان الاولاد الذين يكثرون مشاهدة التلفزيون هم، بالمقارنة مع الاولاد الذين يشاهدونه اقل، اكثر عداءً، اكثر تشاؤما، اثقل وزنا، اقل ابداعا، اقل تعاطفا، وأقل كفاءة.»
وما هي نصيحتها؟ «يلزم ان يتعلم الاولاد ان التلفزيون، شأنه شأن اية اداة كهربائية اخرى في البيت، له دور محدد. فنحن لا نترك مجفف الشعر دائرا حين يجفّ شعرنا، ولا نترك جهاز تحميص الخبز دائرا حين يقفز الخبز. فنحن ندرك الاستعمالات المحددة لهذه الادوات الكهربائية ونعرف متى نطفئها. ويلزم ان يعرف اولادنا ذلك ايضا عن التلفزيون.»
[الاطار/الصور في الصفحة ٧]
التسلية حول العالم
طلبت استيقظ! من مراسليها في مختلف انحاء العالم ان يصفوا المنحى الذي تتخذه التسلية حيث هم. وإليكم بعض تعليقاتهم.
المانيا: «للاسف، كثيرون من الوالدين يكونون منهكين جدا بحيث لا يستطيعون تنظيم برامج التسلية لأولادهم، لذلك غالبا ما يعتمد الاحداث واحدهم على الآخر لقضاء وقت طيب. ويعزل البعض انفسهم مع ألعاب الكمپيوتر. ويذهب آخرون الى حفلات رقص تدوم طوال الليل، وفيها يكثر تعاطي المخدِّرات.»
البرازيل: «صار للبرامج التلفزيونية تأثير مفسِد اكثر فأكثر. وكثيرون من الوالدين يعملون خارج البيت، فيُترك الاولاد غالبا ليتسلوا بالتلفزيون. والاسطوانات المتراصة CD-ROM ذات المواضيع المتعلقة بالغيب وألعاب الڤيديو التي تصوِّر العنف الوحشي صارت شائعة ايضا.»
الجمهورية التشيكية: «منذ سقوط الشيوعية، تغمر البلاد انواع من التسلية لم يُرَ لها مثيل هنا من قبل، بما فيها البرامج التلفزيونية من الغرب ومحلات الفن الاباحي. ويتردد الاحداث الى نوادي الرقص الليلية، نوادي البليارد، والحانات. وغالبا ما يكون للاعلانات المثيرة وضغط النظير تأثير كبير فيهم.»
جنوب افريقيا: «تزدهر هنا حفلات الرقص طوال الليل، وغالبا ما تكون المخدِّرات متوفرة فيها بسهولة.»
السويد: «الحانات والنوادي الليلية مزدهرة في السويد، وغالبا ما يتقاطر المجرمون وتجار المخدِّرات على اماكن كهذه. والتسلية التلفزيونية والڤيديوية مليئة بالعنف والارواحية والفساد الادبي.»
نيجيريا: «تنتشر في انحاء افريقيا الغربية صالات عروض الڤيديو غير المضبوطة. ويأتي الى هذه الاماكن المبتكرة اناس من كل الاعمار، بمن فيهم الاولاد. وتُعرض فيها دائما افلام الرعب والخلاعة. وبالاضافة الى ذلك، من الشائع ان تُبرِز الافلام المنتَجة محليا التي تُبَثّ عبر التلفزيون موضوع الارواحية.»
اليابان: «المجلات الهزلية المصوَّرة هي احدى الوسائل المفضلة لقضاء الوقت لدى الاحداث والراشدين، لكنها غالبا ما تكون حافلة بالعنف والفساد الادبي واللغة البذيئة. والمقامرة شائعة ايضا. والامر المقلق الآخر هو ان بعض الشابات يتصلن بنوادي هاتف معروفة بشكل واسع تؤمِّن للرجال خدمات فاسدة ادبيا. ويتصل بعضهن لمجرد التسلية، في حين ان اخريات يصلن الى حد المواعدة مقابل اجر، مما يؤدي في بعض الحالات الى البغاء.»
-
-
يمكنكم ان تجدوا تسلية سليمةاستيقظ! ١٩٩٧ | ايار (مايو) ٢٢
-
-
يمكنكم ان تجدوا تسلية سليمة
لا يدين الكتاب المقدس مباهج التسلية، ولا يعتبر التمتع بالاستجمام مضيعة للوقت. على العكس، تقول الجامعة ٣:٤ انه «للضحك وقت» و «للرقص وقت.»a وكان شعب اللّٰه في اسرائيل القديمة يتمتع بأنواع مختلفة من التسلية، بما فيها الموسيقى والرقص والالعاب. ويسوع نفسه حضر عرسا كبيرا وأتى في مناسبة اخرى الى «ضيافة كبيرة.» (لوقا ٥:٢٩؛ يوحنا ٢:١، ٢) لذلك ليس الكتاب المقدس ضد قضاء وقت ممتع.
ولكن بما ان الكثير من انواع التسلية اليوم يمجِّد السلوك الذي لا يرضي اللّٰه، ينشأ السؤال: ماذا يمكنكم فعله لتتأكدوا ان المقاييس التي ترسمونها لاختيار التسلية تبقى سليمة؟
كونوا انتقائيين
عند انتقاء نوع التسلية، يحسن بالمسيحيين ان يدعوا مبادئ الكتاب المقدس توجِّههم. مثلا، كتب المرنم الملهم داود: «الرب يمتحن الصدِّيق. أما الشرير ومحب الظلم [«العنف،» عج] فتبغضه نفسه.» (مزمور ١١:٥) وكتب بولس الى الكولوسيين: «أميتوا اعضاءكم التي على الارض الزنا النجاسة الهوى الشهوة الردية الطمع . . . [و]اطرحوا عنكم انتم ايضا الكل الغضب السخط الخبث التجديف الكلام القبيح.» — كولوسي ٣:٥، ٨.
والكثير من التسلية المتوفرة اليوم ينتهك بشكل واضح هذه المشورة الملهمة. ولكن قد يعترض البعض قائلا: ‹انا لا افعل ابدا ما اراه على الشاشة.› وقد يكون هذا صحيحا. ولكن حتى اذا لم تكن تسليتكم دليلا على ما ستكونون عليه، فقد تكشف شيئا عمّا انتم عليه الآن. فيمكن مثلا ان تُظهر انكم من ‹محبّي العنف› او ان افكاركم تشغلها مواضيع ‹الزنا والهوى والطمع والكلام القبيح› او انكم بالمقابل من الذين ‹يبغضون الشر› فعلا. — مزمور ٩٧:١٠.
كتب بولس الى الفيلبيين: «كل ما هو حق كل ما هو جليل كل ما هو عادل [«بار،» عج] كل ما هو طاهر كل ما هو مسر كل ما صيته حسن إن كانت فضيلة وإن كان مدح ففي هذه افتكروا.» — فيلبي ٤:٨.
ولكن هل تعني هذه الآية ان كل فيلم او كتاب او برنامج تلفزيوني ذي حبكة تتناول موضوعا غير بار، ربما جريمة، يُعتبر سيئا بشكل آلي؟ او هل كل البرامج الكوميدية مرفوضة لأنها لا توحي بما هو «جليل»؟ كلا، لأن القرينة تُظهر ان بولس لم يكن يناقش موضوع التسلية بل افكار القلب التي ينبغي ان تركّز على ما يرضي يهوه. (مزمور ١٩:١٤) لكنَّ ما قاله بولس يمكن ان يساعدنا حين ننتقي تسليتنا. فطبقا للمبدإ في فيلبي ٤:٨، يمكن ان نسأل انفسنا: ‹هل التسلية التي انتقيها تجعلني اتأمل في امور غير طاهرة؟› اذا كان الامر كذلك، فعندئذ يلزمنا القيام بالتعديلات.
وعند تقييم التسلية، يجب على المسيحيين ان يجعلوا ‹حلمهم [‹تعقُّلهم،› عج] معروفا عند جميع الناس.› (فيلبي ٤:٥) وهنالك بالتأكيد تسلية متطرفة لا تليق طبعا بالمسيحيين الحقيقيين. وعلاوة على ذلك، ينبغي ان يزن كل فرد الامور بعناية ويتخذ قرارات تُبقي ضميره طاهرا امام اللّٰه والناس. (١ كورنثوس ١٠:٣١-٣٣؛ ١ بطرس ٣:٢١) وليس لائقا ان ندين الآخرين بأمور ثانوية او نفرض قوانين اعتباطية تُملي على الآخرين ما ينبغي فعله.b — رومية ١٤:٤؛ ١ كورنثوس ٤:٦.
دور الوالدين
يلعب الوالدون دورا حيويا في مسألة التسلية. كتب بولس: «إن كان احد لا يعتني بخاصته ولا سيما اهل بيته فقد انكر الايمان وهو شر من غير المؤمن.» (١ تيموثاوس ٥:٨) فعلى الوالدين التزام الاعتناء بأعضاء عائلتهم، ليس من الناحية المادية فحسب بل ايضا من الناحيتين الروحية والعاطفية. ويشمل ذلك صنع برامج للاستجمام السليم. — امثال ٢٤:٢٧.
في بعض الاحيان يُهمَل هذا الجانب من الحياة العائلية. يقول مرسل في نيجيريا: «للأسف، يعتبر بعض الوالدين الاستجمام مضيعة للوقت. وبسبب ذلك تُرك بعض الاولاد دون ارشاد، ووجدوا النوع الخاطئ من الاصدقاء والنوع الخاطئ من التسلية.» فيا ايها الوالدون، لا تدعوا هذا يحدث! تأكدوا ان اولادكم يحصلون على الاستجمام السليم الذي ينعشهم فعلا.
لكنَّ توخي الحذر لازم. فينبغي ألّا يصير المسيحيون ككثيرين اليوم «محبين للّذّات دون محبة للّٰه.» (٢ تيموثاوس ٣:١-٤) نعم، يجب ان تبقى التسلية ضمن حدودها. ويجب ان تنعش المرء، لا ان تسيطر على حياته. لذلك لا يحتاج الاولاد والراشدون الى النوع المناسب من التسلية فحسب بل الى الكمية المناسبة ايضا. — افسس ٥:١٥، ١٦.
تمتعوا بنشاطات اخرى
ان الكثير من التسلية الشائعة يعلّم الناس الخمول بدلا من القيام بنشاط فاعل. خذوا على سبيل المثال التلفزيون. يلاحظ كتاب ما يجب فعله بعد ان تطفئوا التلفزيون (بالانكليزية): «[التلفزيون] بطبيعته يعلّمنا الخمول: فتصير التسلية، وحتى التعلّم، شيئا نتلقاه دون بذل ايّ جهد، وليس بواسطة ابداعنا الفاعل.» طبعا، هنالك مكان حتى للتسلية التي لا تتطلب جهدا. ولكن اذا كانت تستهلك الكثير جدا من وقت الفراغ لدى المرء، فستحرمه من التمتع بفرص مثيرة.
ويصف المؤلف جيري مانْدر، الذي يقول انه «عضو في جيل ما قبل شيوع التلفزيون،» فترات الضجر في طفولته التي كان يمرّ بها من حين الى آخر بالقول: «كان القلق يتبعه. وكان الامر مزعجا جدا، مزعجا الى حد انني كنت اقرر في النهاية ان اتصرف — ان افعل شيئا. فكنت اتصل بصديق، وأخرج من البيت. كنت اشترك في لعبة كرة. كنت اقرأ. كنت افعل شيئا. وإذ ارجع بالذاكرة الى الوراء، ارى ان وقت الضجر، حين ‹لا يكون هنالك شيء لفعله،› كان البئر التي ينفجر منها العمل الابداعي.» واليوم، كما يلاحظ مانْدر، يستعمل الاولاد التلفزيون كعلاج سريع للضجر. ويضيف: «يزيل التلفزيون القلق والابداع الذي يمكن ان يحفزه الضجر.»
وهكذا اكتشف كثيرون ان النشاطات التي تتطلب المشاركة لا الخمول تسرّهم اكثر مما تصوَّروا. فقد وجد البعض ان القراءة بصوت عالٍ مع الآخرين هي مصدر متعة. ويمارس آخرون هوايات، كالعزف على آلة موسيقية او الرسم. ويمكن ايضا تنظيم تجمّعات مفيدة.c (لوقا ١٤:١٢-١٤) والاستجمام في احضان الطبيعة مفيد ايضا. يخبر احد مراسلي استيقظ! في السويد: «تذهب بعض العائلات للتخييم او صيد السمك، تقوم بجولات في الغابات، برحلات في الزوارق، بنُزَه في الجبال، وما الى ذلك. فيبتهج الصغار بها.»
لا ينبغي ان يدهشنا وجود العوامل المفسِدة في التسلية. فقد كتب الرسول بولس ان الناس من الامم ‹يسلكون ببطل ذهنهم.› (افسس ٤:١٧) لذلك من المتوقع ان لا يكون الكثير مما يعتبرونه مسلّيا سوى ارضاء ‹لأعمال الجسد.› (غلاطية ٥:١٩-٢١) ولكن يمكن للمسيحيين ان يدرِّبوا انفسهم على اتخاذ قرارات سليمة في ما يتعلق بنوعية وكمية تسليتهم. ويمكنهم ايضا ان يخططوا للاستجمام كعائلة، حتى انه يمكنهم اختبار نشاطات جديدة تنعشهم وتكوِّن لديهم ذكريات عزيزة للسنين المقبلة. نعم، يمكنكم ان تجدوا تسلية سليمة!
-