مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • عالم التسلية الأخَّاذ
    استيقظ!‏ ١٩٩٢ | تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ٨
    • عالم التسلية الأخَّاذ

      هوليوود!‏ اينما كنتم تعيشون في العالم،‏ من المرجح ان يعيد هذا الاسم الى الذهن افكارا عن السينما والتسلية.‏ واذ تُدعى بطرائق متنوعة عاصمة العالم للتسلية ومدينة التبهرج،‏ لا يكاد مكان آخر يرادف الى هذا الحد حرفة الاستعراضات كضاحية لوس انجلوس،‏ كاليفورنيا،‏ هذه.‏ انها تبدو حتما مركز العالم للتألق والروعة.‏ وكما قال احد الكتَّاب،‏ «ان الصورة الذهنية لهوليوود بصفتها مبتدعة المشاهد الخيالية المبهرجة للافلام السينمائية صارت عالمية.‏»‏

      التسلية —‏ عمل تجاري كبير

      ولكن ليس مجرد الصورة الذهنية لهوليوود هو ما انتشر عالميا؛‏ فـ‍ «هوليوود» هي عمل تجاري تصديري ضخم يحيط بالكرة الارضية.‏ وفي الواقع،‏ بحسب مجلة تايم،‏ تكون التسلية الانتاج التصديري الاكبر للولايات المتحدة بعد المعدات الجوية الفضائية.‏ وهذه الصناعة تدِرُّ مئات البلايين من الدولارات الاميركية كل سنة،‏ وجزء ضخم —‏ نحو ٢٠ في المئة —‏ يأتي من البلدان الاخرى.‏

      تكسب الولايات المتحدة دخلا من ٣٥ في المئة من سوق مبيعات كتب العالم،‏ ٥٠ في المئة من ايرادات تسجيلاته،‏ ٥٥ في المئة من ايرادات افلامه السينمائية وأشرطته الڤيديوية البيتية على السواء،‏ ومن ٧٥ الى ٨٥ في المئة من ايرادات تلفزيوناته.‏

      ومقابل هذه الثروة الضخمة،‏ تقدِّم هوليوود التسلية للعالم.‏ والعالم ليس سعيدا دائما بذلك —‏ فأكثر من بلد تذمر من تسلطية الثقافة الاجتماعية الاميركية،‏ اذ ان احداث هذه البلدان يهجرون الثقافة الاجتماعية المحلية لمصلحة الافكار والعادات الاميركية البرَّاقة المستوردة.‏ لكنَّ ذلك لا يعني ان التسلية تأتي فقط من الولايات المتحدة.‏ فبلدان كثيرة لديها صناعتها الخاصة للتسلية —‏ الافلام السينمائية،‏ التلفزيونات،‏ التسجيلات،‏ الكتب،‏ الالعاب الرياضية،‏ وهلم جرا.‏

      التسلية —‏ الى ايّ حد هي سهلة اليوم

      بصرف النظر عمن يقدِّم التسلية او مَن يجب ان يقدِّمها للعالم،‏ فالجدير بالملاحظة هو ان التسلية نفسها سهلة المنال جدا ومتوافرة جدا اليوم بحيث يجب علينا ان نتعامل مع وضع متغيِّر كليا يمكن ان يشبه ثورة.‏ ولإيضاح ذلك:‏ لو عشتم قبل قرن،‏ كم مرة كان سيقدِّم لكم فنَّانون مدرَّبون موهوبون التسلية؟‏ حتى ولو عشتم في اغنى البلدان،‏ لكنتم قاسيتم على الارجح حرمانا من التسلية في اعين كثيرين من جيل اليوم.‏ مثلا،‏ لكنتم قاسيتم عناء السفر لحضور اوپرا او حفلة موسيقية سِمفونية.‏ أما اليوم فنستمع الى انظمة صوتية مجسّمة stereos قابلة للحمل تُصدر ايّ نوع موجود من الموسيقى،‏ او نرتمي على متَّكإ وسيع وبلمسة زرّ نتسلَّى بكل نوع تقريبا يمكن تخيله من الاداء.‏

      في ايّ بلد متقدِّم،‏ يمكنكم ان تجدوا في بيوت كثيرة على الاقل تلفزيونا واحدا،‏ جهاز ڤيديو،‏ وجهاز اسطوانات متراصَّة او آلة تسجيل،‏ بالاضافة الى ادوات الكترونية اخرى.‏ وبعض الاولاد يكبرون وأجهزة التلفزيون في ارجاء البيت مألوفة تقريبا كالمرايا.‏ وفي البلدان الاقل تقدُّما،‏ لدى الكثير من القرى والاحياء مركزه المحلي للتلفزيون حيث يحتشد الناس في الامسيات ليتسلَّوا.‏ لقد صار التلفزيون هاجس الجنس البشري.‏ وساعات الفراغ يجري ملؤها بالمزيد والمزيد من اشكال التسلية.‏

      فهل هنالك خطأ في ذلك؟‏ وهل هنالك اية اخطار في التسلية العصرية؟‏ ام ان فيض التسلية في يومنا انما يعني وفرة تسبب الحيرة؟‏ دعونا نلقي نظرة متزنة على عالم التسلية الأخَّاذ.‏

  • نظرة متزنة الى التسلية
    استيقظ!‏ ١٩٩٢ | تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ٨
    • نظرة متزنة الى التسلية

      ‏«العمل المتواصل بدون لعب للترويح عن النفس،‏ يجعل المرء بليدا.‏» هذه العبارة مألوفة جدا اليوم بحيث يكون من السهل ان نغفل عن مدى صحتها.‏ وفي الواقع،‏ «العمل المتواصل بدون لعب للترويح عن النفس» يمكن ان يسبب للمرء امورا اسوأ بكثير من جعله بليدا.‏ فيمكن ان يجعله عاملا قسريا مستثنيا كل شيء آخر.‏

      تأملوا،‏ على سبيل المثال،‏ في مشكلة نشأت في اليابان،‏ بلد معروف بصرامته في اعتبار العمل مزية ادبية.‏ فالمستخدَمون غالبا ما يجري التوقع منهم ان يعملوا وقتا اضافيا كل ليلة وفي نهايات الاسابيع.‏ ذكرت ماكلينز،‏ مجلة اخبارية كندية،‏ ان العامل الياباني العادي يصرف ٠٨٨‏,٢ ساعة في العمل كل سنة،‏ بالمقارنة مع ٦٥٤‏,١ للعامل الكندي العادي.‏ ولكن،‏ ذكرت المجلة:‏ «لزم الشركات اليابانية ان تكافح ضد مشكلة اخرى:‏ هي المستخدَمون الذين لاقَوا كاروشي،‏ او الموت بسبب الإجهاد.‏ فقد اخبرت صحف عن حالات رجال في اربعيناتهم أُصيبوا بنوبات قلبية وسكتات دماغية بعد ان عملوا ١٠٠ يوم من دون يوم عطلة.‏» ولزم وزارة العمل اليابانية ايضا ان تبدأ بحملة اعلانية،‏ زاخرةٍ بقوافٍ متناغمة جذابة،‏ لحثّ الشعب على اخذ عُطَل نهايات الاسابيع والاستراحة.‏ فيا له من تباين مع بعض البلدان الغربية،‏ حيث يلزم اقناع الشعب بالعمل اسبوعا كاملا!‏

      فوائد اللعب

      ومع ذلك،‏ على نحو ملائم،‏ يعتبر الخبراء عموما ان العمل القسري اعتلال،‏ وليس فضيلة.‏ فالمرء يحتاج الى اللعب —‏ وليس فقط عندما يكون فتى؛‏ فالراشدون بالاضافة الى الاولاد لديهم هذه الحاجة نفسها.‏ ولماذا؟‏ ماذا يستفيد الناس من وقت الفراغ،‏ او من اللعب؟‏ ثمة كتاب دراسي عن الموضوع اعدَّ قائمة:‏ «التعبير عن الذات،‏ العِشرة،‏ اندماج العقل والجسم او التكامل،‏ الصحة الجسدية،‏ التنوُّع او التغيير غير العشوائي اللازم في البرنامج المقيَّد بالعمل،‏ الراحة والاسترخاء،‏ الفرصة لمحاولة فعل شيء جديد وللالتقاء بأناس جدد،‏ لبناء علاقات،‏ لتوحيد العائلة،‏ لنكون على صلة بالطبيعة،‏ .‏ .‏ .‏ ولمجرد الشعور بأننا بخير دون تحليل السبب.‏ كل ذلك هو بين الفوائد التي يجدها الناس في وقت فراغهم.‏»‏

      خصص علماء الاجتماع كتبا كثيرة لموضوع وقت الفراغ واللعب،‏ وهم يوافقون على ان وقت الفراغ ضروري للفرد والمجتمع على السواء.‏ ولكن،‏ من المؤكد ان لا احد يفهم طبيعة الانسان افضل من خالق الجنس البشري.‏ فكيف يشعر بشأن هذا الموضوع؟‏

      خلافا لما يبدو ان البعض يعتقدونه،‏ ليس الكتاب المقدس ضد المرح والاستجمام.‏ فهو يقول لنا ان يهوه اله سعيد وانه يتوقع من خدامه ان يكونوا سعداء ايضا.‏ (‏مزمور ١٤٤:‏١٥ب؛‏ ١ تيموثاوس ١‏:‏١١‏،‏ ع‌ج‏)‏ وفي الجامعة ٣:‏١-‏٤‏،‏ نعلم أنه «للضحك وقت» و«للرقص وقت.‏» والكلمة العبرانية التي تقابل «الضحك» هنا هي ذات علاقة بالكلمات التي تدل على «اللعب.‏» والسفر نفسه للكتاب المقدس يقول لنا انه «ليس للانسان خير من ان يأكل ويشرب ويُري نفسه خيرا في تعبه.‏» —‏ جامعة ٢:‏٢٤‏.‏

      واليوم،‏ ان احدى الطرائق الشائعة اكثر للتمتع بوقت الفراغ هي ان نتسلَّى،‏ ان نستريح ونتمتع بعرض لمواهب الآخرين.‏ وذلك ليس بالامر الجديد كليا.‏ فالكتاب المقدس يُظهر انه لآلاف السنين يجد الناس متعة في مشاهدة الآخرين يرقصون،‏ يغنون،‏ يعزفون على آلات موسيقية،‏ او يتنافسون في الالعاب الرياضية.‏

      وبصفتها شكلا من الاستجمام،‏ يمكن للتسلية ان تكون مفيدة جدا لنا.‏ فمَن لا يجد متعة في براعات رياضي ماهر،‏ رشاقة الحركات السَّلسلة لراقصة باليه،‏ تشويق الترقُّب الذي يجعل الشخص مشدودا الى فيلم سينمائي عن مغامرات جيدة غير محفوفة بالمخاطر،‏ او اللحن الايقاعي الذي يبقى في الذهن لوقت طويل بعد توقف الموسيقى؟‏ ولا شك في ان معظمنا تمتع بالاسترخاء مع كتاب جيد،‏ مقلِّبين الصفحات بأكثر سرعة فيما صرنا مستغرقين في قصة حسنة السَّرد.‏

      ان تسلية كهذه يمكن ان تجعلنا نسترخي،‏ ويمكن ان تفعل اكثر من ذلك.‏ فيمكن ايضا ان تنشِّطنا،‏ تنعشنا،‏ تؤثر فينا،‏ تجعلنا نضحك —‏ وتثقِّفنا ايضا.‏ فالمؤلَّفات،‏ مثلا،‏ يمكن ان تعلِّمنا الكثير عن الطبيعة البشرية.‏ وأعمال شيكسپير مثال واضح لهذا الامر.‏

      اخطار التسلية

      ولكن،‏ من اجل امتلاك نظرة متزنة الى تسلية اليوم لا بد ان نعترف بأخطارها وأيضا بفوائدها.‏ فالكثير يقال عن التأثير المُفسد للتسلية،‏ ولكن عموما يمكن ان تُقسم الاخطار الى فئتين رئيسيتين:‏ الكمية والنوعية،‏ المقدار الضخم للتسلية المتوافرة ومحتواها.‏ دعونا اولا نتأمل في النوعية.‏

      نحن نعيش في ازمنة قاتمة،‏ ما يدعوه الكتاب المقدس «ازمنة حرجة صعبة المعالجة.‏» (‏٢ تيموثاوس ٣:‏١‏،‏ ع‌ج‏)‏ وما لا يثير الدهشة هو ان تسلية اليوم تعكس صورة عصرنا،‏ وغالبا في ابشع اوجهه.‏ فالعنف السادي،‏ الفساد الادبي الفاضح،‏ وأحطّ ردود الفعل البشرية —‏ كالتمييز العنصري —‏ كلها تجد طريقها الى التسلية الشائعة،‏ ملوِّثة اياها الى درجات مختلفة.‏ وفي الطرف الاقصى للسلسلة،‏ ان ما يجب ان يكون تسلية ليس سوى فن اباحي وفحش.‏ تأملوا في بعض الامثلة.‏

      الافلام السينمائية:‏ في مهرجان هوليوود للجوائز الكبرى،‏ جوائز الاوسكار،‏ كان ثلاثة من الرجال الذين رُشِّحوا لفئة «افضل ممثِّل» هذه السنة قد قاموا بدور قتلة مضطربين عقليا،‏ كلهم يرتكبون القتل بوضوح تام على الشاشة.‏ وكما يقال،‏ ان واحدا من الممثلين يقتطع بالعضّ قطعة ثخينة من وجه امرأة فيما يغتصبها.‏ ومن الناحية المالية،‏ ان احد الاعمال الناجحة الكبرى للسنة كان فيلما سينمائيا يُدعى الغريزة الاساسية.‏ وبحسب المجلات النقدية،‏ يلطِّف هذا الاسم الفيلم.‏ فالفيلم يُفتتح بمشهد جنسي غير متحفظ خلاله تطعن المرأة عشيقها المقيَّد تكرارا بمخرز ثلج،‏ ناثرة الدم عليها كلها.‏

      الموسيقى:‏ خضعت مؤخرا موسيقى الراپ والهِڤي مِتَل لنقد متزايد بسبب مشاكل مماثلة في المحتويات.‏ فالاغاني التي تمجِّد الانحطاط الجنسي والاساءة الى النساء،‏ العنف والكراهية نحو العروق المتنوِّعة ورجال الشرطة،‏ وحتى عبادة الشيطان كلها وُجدت بين تسجيلات الراپ والهِڤي مِتَل.‏ وفي بعض المناطق،‏ يلزم ان تحمل التسجيلات المتضمنة مواد غير متحفظة كهذه بطائق تحذيرية.‏ ولكن كما اعترف حسبما يقال فنان الراپ المعروف بـ‍ Ice-T،‏ انه يضع كلمات مثيرة للاشمئزاز في اغانيه لكسب بطاقة كهذه؛‏ انها تضمن اغراء الفضولي.‏ فنجم الروك پرِنس تغنَّى بحسنات العلاقات الجنسية المحرَّمة بين الاخ والاخت.‏ وفي اغلب الاحيان،‏ تضفي اشرطة الڤيديو الموسيقية على مثل هذا الفساد الادبي المُطبِق بُعدا بصريا اضافيا.‏ والشريط الڤيديوي للنجمة الشعبية مادونا برِّروا حبي نال شهرة سيئة السمعة لسبب تصويره الماسوشية السادية ونشاط مضاجعة النظير.‏ وحتى الـ‍ MTV،‏ القناة التلفزيونية الاميركية المعروف بأنها تبث احيانا اشرطة ڤيديوية فاسدة ادبيا من دون تردُّد،‏ رفضت ان تبث هذا الشريط.‏

      الكتب:‏ تأملوا في امثلة قليلة جُمعت من آخر مجلات نقدية للكتب.‏ فكتاب الاميركي المضطرب العقل يفصِّل الاعمال الرهيبة لقتَّال يمارس امورا مروِّعة بأجساد ضحاياه يعجز عنها الوصف،‏ بما في ذلك اكل لحم البشر.‏ ويدور الصوت حول محادثة هاتفية طويلة واحدة يثير خلالها رجل وامرأة لم يلتقيا قط واحدهما الآخر جنسيا بكلام شهواني.‏ ويتتبَّع الطير الكاسر المغامرات الجنسية المنحرفة لاثنين من الخِناث في القرن السادس،‏ اناس لهم صفات جنسية لكلا الجنسين.‏ والقصص الرومانسية عموما تؤيِّد وتمجِّد العهارة والزنا.‏ والكتب الهزلية،‏ التي كانت غير مؤذية الى حد ما في ما مضى،‏ غالبا ما تُبرز الآن مواضيع مصوَّرة عن الجنس،‏ العنف،‏ وعلم الغيب.‏

      الالعاب الرياضية:‏ ان المناشدات من اجل منع الملاكمة تستمر.‏ وعلى الرغم من الدليل الاضافي على ان كل ضربة قاضية تسبب ضررا دماغيا يستحيل شفاؤه،‏ فإن الجوائز المالية الضخمة وملايين المشاهدين يستمرون في اغراء المقاتلين على الدخول الى الحلبة.‏ وحرفيا ضُرب مئات الملاكمين حتى الموت بهذه الطريقة.‏

      ولكن هنالك ألعاب رياضية اخرى لها معدَّلات موت اعلى.‏ فليس غير مألوف ان نقرأ عن العنف الذي يندلع في ميادين اللعب او بين المشاهدين.‏ والشغب الذي تهيِّجه القومية او «روح الفريق» المُساء توجيهها يقتل المئات في الملاعب حول العالم.‏ ومصارعة الثيران،‏ التي تدعوها الصحيفة الاسبوعية الالمانية دِي تسايت «على الارجح الحدث الرياضي الاكثر وحشية الذي بقي حتى الازمنة العصرية،‏» ازدادت شعبيتها مؤخرا في اسپانيا وفرنسا الجنوبية.‏ وبعد ان نطح ثورٌ مصارعَ الثيران الشهير البالغ من العمر ٢١ سنة هوسيه كوبايْرو في قلبه،‏ حُمل البطل الصريع لاحقا في تابوته حول حلبة لمصارعة الثيران في مدريد على صوت هتاف ٠٠٠‏,١٥ معجب مفتون.‏ وقد أُعيد عرض مشهد موته على التلفزيون الاسپاني مرارا وتكرارا.‏

      من المسلَّم به ان هذه هي حالات شاذة،‏ وهي لا تعني ان كل تسلية في بعض هذه الانواع المختلفة هي رديئة.‏ ولكنَّ النظرة المتزنة الى التسلية لا بد ان تعترف بأن هذه الحالات الشاذة موجودة وأنها شائعة.‏ ولماذا؟‏ حسنا،‏ هل لاحظتم يوما ما ان ما بدا حالة شاذة قبل سنوات يبدو الآن غير مثير ومملا للناس؟‏ فالحالات الشاذة يجري قبولها تدريجيا من قِبَل اغلبية الناس؛‏ والناس يعتادون عليها.‏ فعلى ماذا تعتادون انتم؟‏

      مسألة الكمية

      ولكن،‏ حتى لو كانت التسلية طاهرة تماما،‏ لا تزال هنالك مسألة الكمية الضخمة.‏ فصناعة التسلية تُنتج فيضا هائلا من المواد.‏ وفي الولايات المتحدة،‏ مثلا،‏ جرى اصدار اكثر من ٠٠٠‏,١١٠ كتاب مختلف في سنة ١٩٩١ وحدها.‏ فاذا كنتم تستطيعون ان تقرأوا كتابا من اوله الى آخره كل يوم،‏ يلزمكم اكثر من ٣٠٠ سنة لتقرأوا مجرد كتب سنة واحدة!‏ وصناعة الافلام الاميركية تُنتج ما يزيد كثيرا على ٤٠٠ فيلم سينمائي في السنة،‏ وبلدان كثيرة تستوردها وتُنتج افلامها السينمائية الخاصة ايضا.‏ والصناعة الهندية تُنتج مئات الافلام باللغة الهندية كل سنة.‏ ومَن يمكنه ان يحصي التسجيلات الموسيقية،‏ الاسطوانات المتراصَّة،‏ والاشرطة التي تصدر كل سنة؟‏ ثم هنالك التلفزيون.‏

      في بعض البلدان المتقدِّمة،‏ هنالك عشرات القنوات المتوافرة في التلفزيون —‏ المحطات الكبلية،‏ قنوات الاقمار الاصطناعية،‏ والبث المتواصل.‏ ويعني ذلك ان سيل التسلية الدائم يمكن ان يتدفق الى البيت ٢٤ ساعة في اليوم.‏ الالعاب الرياضية،‏ الموسيقى،‏ الدراما،‏ الكوميديا،‏ الخيال العلمي،‏ عروض المقابلات،‏ الافلام السينمائية،‏ وكلها بلمسة زرّ.‏ ومع جهاز الڤيديو تصير ايضا آلاف الافلام السينمائية متوافرة،‏ الى جانب عدد لا يحصى من الاشرطة الڤيديوية التي تعلِّم كيفية فعل الامور،‏ الاشرطة الڤيديوية الموسيقية،‏ وأيضا الاشرطة التعليمية عن الطبيعة،‏ التاريخ،‏ والعلم.‏

      ولكن اين هو الوقت لكل هذه التسلية؟‏ قد تتمكن التكنولوجيا من ان تقدِّم لنا اعجوبة التسلية الفورية —‏ تخيَّلوا مدى ذهول موزار لو سمع احدى سمفونياته من خلال نظام صوتي مجسّم قابل للحمل!‏ لكنَّ التكنولوجيا لا يمكنها ان تخلق الوقت الذي يتطلبه اطلاق العنان لكل هذه المتع.‏ وفي الواقع،‏ في بعض البلدان حيث التكنولوجيا متطورة جدا،‏ هنالك اتجاه الى توافر وقت فراغ اقل،‏ بدلا من ان يكون اكثر.‏

      وهكذا اذا سمحنا لها،‏ يمكن للتسلية بسهولة ان تبدِّد وقت فراغنا كله.‏ ويجب ان نتذكر ان التسلية هي شكل واحد فقط من الاستجمام،‏ وهي عادةً النوع الاكثر سلبية.‏ ومعظمنا يحتاج ايضا الى الخروج والقيام بأمر فعال اكثر،‏ الى المشاركة بدلا من مجرد الجلوس والتسلّي.‏ فهنالك النزه للقيام بها،‏ الرفقاء الجياد للتمتع معهم،‏ والالعاب لممارستها.‏

      اذا كان من الخطإ ان نسمح للتسلية بتبديد وقت فراغنا كله،‏ فكم يكون اسوأ ان ندعها تبدِّد الوقت الذي يجب ان يُخصَّص لالتزامات اسمى،‏ كما لخالقنا،‏ عائلاتنا،‏ عملنا،‏ اصدقائنا!‏ اذًا،‏ من الضروري حتما ان تكون لدينا نظرة متزنة الى التسلية!‏ فكيف نقرِّر اية تسلية هي رديئة لنا،‏ وأيّ مقدار منها هو اكثر مما ينبغي؟‏

      ‏[الصور في الصفحة ٧]‏

      بعض التسلية يمكن ان يؤثر فينا ويثقِّفنا

  • اية تسلية تختارون؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٢ | تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ٨
    • اية تسلية تختارون؟‏

      ان حيازة نظرة متزنة الى التسلية هي امر.‏ واظهار الاتزان في اية تسلية نختارها هو امر آخر تماما.‏ فمن السهل الى حد ما ان نرى ان التسلية لها مكانها الملائم،‏ لكنَّ الكثير منها نفاية ومجرد مضيعة للوقت.‏ ومع ذلك،‏ يجب علينا اتخاذ قرارات يومية —‏ وهي ليست دائما سهلة.‏

      وكما رأينا،‏ ان صناعة التسلية لا تجعل اتخاذ القرارات اسهل.‏ فهنالك عدد كبير محيِّر من الاختيارات،‏ لكنَّ الكتاب المقدس،‏ طوال آلاف السنين،‏ اعطى المستقيمي القلوب الارشاد الذي يحتاجون اليه.‏ والتكنولوجيا الحديثة لا تجعل مبادئ الكتاب المقدس عتيقة الطراز؛‏ على العكس من ذلك،‏ فانها نافعة وضرورية في هذه الاوقات المضطربة اكثر من ايّ وقت مضى.‏ لذلك دعونا نرى كيف يمكننا ان نضع مبادئ كهذه موضع العمل في ما يتعلق بالنطاقين الخَطِرين للتسلية —‏ محتواها والوقت الذي تبدِّده.‏

      ما هي الخطوط الارشادية للكتاب المقدس؟‏

      حدث يقتل نفسه،‏ ويتبيَّن انه كان متأثرا الى حد كبير بموسيقى روك الهِڤي مِتَل التي شجَّعت على الانتحار.‏ فتاة بعمر ١٤ سنة تضرب امها بالهِراوة حتى الموت،‏ ويبدو ان موسيقى الهِڤي مِتَل استحوذت عليها هي ايضا.‏ فتًى بعمر ١٥ سنة يقتل امرأة،‏ ويدَّعي محاميه انه كان متأثرا بأفلام تبرز العنف التعذيبي المروِّع.‏ يبدأ عرض فيلم سينمائي عن عنف العصابات،‏ وينشب عراك عنيف بين فِرَق الاحداث في دار السينما وفي صف المنتظرين لحضور الفيلم.‏

      من الواضح ان محتوى التسلية التي نختارها له بعض التأثير فينا.‏ وقد يصرف بعض الخبراء النظر عن الروايات المذكورة آنفا بصفتها مجرد دليل مؤسس على حوادث فردية.‏ لكنَّ مبادئ الكتاب المقدس تتطرق مباشرة الى المشكلة.‏ على سبيل المثال،‏ تأملوا في هذه الكلمات العميقة المعنى:‏ «المساير الحكماء يصير حكيما ورفيق الجهال (‏الحمقى،‏ ترجمة تفسيرية‏)‏ يُضرّ.‏» (‏امثال ١٣:‏٢٠‏)‏ ألا يعادل بعض التسلية ذلك تماما —‏ السير مع،‏ او معاشرة،‏ اناس حمقى،‏ او عديمي الحس ادبيا؟‏ وعلى نحو مماثل،‏ تقول ١ كورنثوس ١٥:‏٣٣‏،‏ ع‌ج:‏ «لا تضلُّوا.‏ فإن المعاشرات الردية تفسد العادات النافعة.‏» لا يوجد التباس هنا،‏ ولا خبراء بآ‌راء متعارضة يجادلون واحدهم الآخر حول الاحصاءات.‏ انها قانون بسيط عن الطبيعة البشرية.‏ فاذا قمنا قانونيا بمعاشرة اولئك المنحطين ادبيا،‏ فستتضرَّر عاداتنا.‏

      ان مبادىء كهذه مساعدة على نحو مساوٍ في ما يتعلق بتأليه الالعاب الرياضية،‏ الافلام السينمائية،‏ التلفزيون،‏ ونجوم الموسيقى.‏ ومع ان النجوم غالبا ما يمجِّدون العنف او الفساد الادبي،‏ في ادائهم وحياتهم الشخصية على السواء،‏ يبدو ايضا ان المعجبين بهم —‏ وخصوصا الاحداث —‏ يحبونهم حتى العبادة.‏ ذكرت مؤخرا صحيفة الاوروپية:‏ «يُظهر علماء الاجتماع انه في المجتمع الذي يصير علمانيا اكثر فأكثر ربما يؤدي النجوم الشعبيون الدور الذي لعبه ذات مرة الدين في حياة احداث كثيرين.‏» ولكن اذكروا ما يقوله المزمور ١٤٦:‏٣‏:‏ «لا تتَّكلوا على الرؤساء ولا على ابن آدم حيث لا خلاص عنده.‏» والامثال ٣:‏٣١ تقول:‏ «لا تحسد الظالم ولا تختر شيئا من طرقه.‏»‏

      والمبدأ الرئيسي الآخر:‏ عند اتخاذ القرارات،‏ يجب ان يتأمل المسيحيون في التأثير الذي يكون لذلك ليس فقط فيهم بل ايضا في الآخرين في الجماعة المسيحية،‏ بمن فيهم ذوو الضمير الحساس اكثر.‏ (‏١ كورنثوس ١٠:‏٢٣-‏٣٣‏)‏ ومن ناحية ايجابية،‏ تساعدنا مبادئ الكتاب المقدس ايضا على وضع مقاييس للتسلية التي منها يمكن ان نختار بأمان.‏ نصح الرسول بولس:‏ «اخيرا ايها الاخوة كل ما هو حق كل ما هو جليل كل ما هو عادل كل ما هو طاهر كل ما هو مُسرّ كل ما صيته حسن إن كانت فضيلة وإن كان مدح ففي هذه افتكروا.‏» —‏ فيلبي ٤:‏٨‏.‏

      ان هذه المبادئ وجَّهت شعب اللّٰه طوال قرون.‏ فالمسيحيون في روما القديمة لم يحتاجوا الى شريعة واضحة معيَّنة تخبرهم بأن مباريات المجالدة،‏ بكل تقتيلها وساديتها،‏ ليست تسلية لائقة.‏ لقد طبَّقوا مبادىء كالمذكورة آنفا وبذلك حموا انفسهم،‏ عائلاتهم،‏ وجماعاتهم.‏

      كيف تختارون

      والمسيحيون الأُصلاء يفعلون الامر نفسه اليوم.‏ فعند اختيار التسلية،‏ يتحقَّقون اولا من محتواها الادبي.‏ كيف؟‏ قبل شراء شريط مسجَّل،‏ على سبيل المثال،‏ ينظرون الى غلافه.‏ كيف يجري الاعلان عن الموسيقى؟‏ هل تعزِّز القيم المنحطة؟‏ الكره؟‏ التمرد؟‏ الغيظ؟‏ الجنس والاغواء؟‏ تكون كلمات الاغاني احيانا متوافرة للتحقق منها.‏ وعلى نحو مماثل،‏ غالبا ما يكون لغُلُف الكتب موجز للمحتويات،‏ وأحيانا تكون المقالات النقدية متوافرة.‏ وبالنسبة الى الافلام السينمائية ايضا،‏ غالبا ما تكون هنالك مقالات نقدية في الصحف والمجلات المحلية.‏ وتقدِّم بعض البلدان انظمة لتصنيف الافلام يمكن ان تساعد على تزويد خطوط ارشادية.‏ وعلى نحو واضح،‏ اذا كان عالم اليوم المنحط يجد تسلية معيَّنة فاضحة جنسيا،‏ فاسدة ادبيا،‏ او تتصف بالعنف الى حد بعيد،‏ فمن الصعب التخيُّل ان يحط المسيحي من مقاييسه ويُدخلها طوعا الى عقله وقلبه.‏

      ومن ناحية اخرى،‏ حذَّر ذات مرة الملك سليمان:‏ «لا تكن بارا كثيرا ولا تكن حكيما بزيادة.‏ لماذا تخرب نفسك.‏» (‏جامعة ٧:‏١٦‏)‏ والبر الذاتي شرك من السهل جدا الوقوع فيه في ما يتعلق بالتسلية.‏ فقد نكون مقتنعين بثبات بشأن اختيار صنعناه،‏ اذ قمنا بوزن مبادئ الكتاب المقدس باعتناء وبروح الصلاة.‏ ومع ذلك،‏ قد نجد ان الآخرين الذين يحيون بموجب المبادئ نفسها يتخذون قرارا مختلفا الى حد ما.‏ فلا تدعوا ذلك يسلبكم الفرح.‏ فكل واحد منا لا بد ان يكون مسؤولا عن اختياراته الخاصة.‏ —‏ غلاطية ٦:‏٤‏.‏

      هل المقدار هو اكثر من اللازم؟‏

      ان نظام العالم لل‍قِيَ‍م متجاوز الحد بشكل مروِّع في ما يتعلق بالاولوية التي يخصِّصها لوقت الفراغ.‏ على سبيل المثال،‏ ان افتتاحية حديثة في المجلة التجارية المتنزهات والاستجمام دعت الاستجمام «جوهر العيش.‏» وعلى نحو مماثل،‏ قالت ذا نيويورك تايمز ماڠازين مؤخرا عن ليلة يوم السبت،‏ وقت شائع للاستجمام:‏ «اذا قمتم بعدِّها،‏ فهنالك في حياتنا ايام في الاسبوع اكثر بكثير مما هنالك ليالي يوم سبت،‏ لكنَّ ليلة يوم السبت هي الليلة التي تجعل الحياة ذات معنى.‏» وبعض علماء الاجتماع يُظهرون ان المجتمع في امم العالم الاكثر غنًى مبني الآن على وقت الفراغ،‏ والدين نفسه هو مجرد نشاط اضافي لوقت الفراغ.‏

      لا يندهش المسيحيون بشأن هذه الاولويات المُساء اختيارها.‏ فالكتاب المقدس انبأ قبل وقت طويل انه في هذه «الايام الاخيرة» الحرجة،‏ سيكون الناس «محبين لانفسهم .‏ .‏ .‏ محبين للَّذات دون محبة للّٰه.‏» (‏٢ تيموثاوس ٣:‏١-‏٤‏)‏ لكنَّ مبادئ الكتاب المقدس تساعدنا على وضع اولوياتنا الخاصة في المكان الملائم.‏ وكما قال يسوع،‏ «تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك.‏» (‏مرقس ١٢:‏٣٠‏)‏ لذلك،‏ بالنسبة الى شعب اللّٰه،‏ تأتي محبتهم له اولا في حياتهم.‏ وبعيدا عن تحويل خدمتهم المسيحية الى نشاطٍ لوقت الفراغ،‏ تكون هي اولويتهم الرئيسية.‏ وعملهم الدنيوي ايضا انما يدعم هذه المهنة الاساسية.‏ —‏ متى ٦:‏٣٣‏.‏

      لذلك،‏ في ما يتعلق بالتسلية،‏ لا بد ان يحسب المسيحي النفقة،‏ ان يحدِّد مقدار الوقت الذي ستأخذه بالمقارنة مع مقدار الوقت الذي تستحقه.‏ (‏لوقا ١٤:‏٢٨‏)‏ واذا كان السعي وراء اية تسلية سيعني اهمال الامور المهمة،‏ كالدرس الشخصي او العائلي للكتاب المقدس،‏ الوقت مع الرفقاء المؤمنين،‏ الخدمة المسيحية،‏ او الالتزامات العائلية الضرورية،‏ فهو عندئذ لا يستحق الثمن.‏

      ما تكشفه اختياراتكم عنكم

      ان مقدار الوقت الذي نخصِّصه للتسلية يكشف الكثير عن اولوياتنا،‏ تماما كما يكشف محتوى التسلية التي نختارها الكثير عن آدابنا وصدق انتذارنا.‏ فاختياراتنا تخبر الناس في مجتمعنا ايّ نوع من الناس نحن،‏ اية قيم نؤيِّدها.‏ واختياراتنا تخبر اصدقاءنا،‏ عائلتنا،‏ وجماعتنا ما اذا كنا متزنين او متصلبين،‏ ثابتين او ريائيين،‏ ابرارا او ذوي بر ذاتي.‏

      فدعوا قراراتكم تمثِّل معتقداتكم وقِيَمكم انتم وعائلتكم،‏ اذ تقفون امام الخالق،‏ الذي يفحص قلوبنا ودوافعنا جميعا.‏ تقول عبرانيين ٤:‏١٣‏:‏ «ليست خليقة غير ظاهرة قدامه بل كل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه امرنا.‏» واللّٰه وحده يمكنه ان يعرف جواب السؤال الذي يكمن في صميم هذا الموضوع:‏ هل ترشدنا حقا مبادئه في كل وجه من الحياة؟‏

      ‏[الصورة في الصفحة ٨]‏

      التسلية التي تختارونها تكشف الكثير عنكم وعن عائلتكم

      ‏[الصورة في الصفحة ٩]‏

      هل انتم حذرون بشأن ما تشاهدونه،‏ تسمعونه،‏ وتقرأونه؟‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة