-
هل تحتاج فعلا الى التمارين الرياضية؟استيقظ! ٢٠٠٥ | ايار (مايو) ٢٢
-
-
هل تحتاج فعلا الى التمارين الرياضية؟
«زاوِل الرياضة مرتين في الاسبوع لتحافظ على لياقتك. مارِس التمارين الرياضية ٣٠ دقيقة يوميا. تجنَّب الكحول لتحمي نفسك من السرطان. تناوَل المشروبات الكحولية للحد من خطر اصابتك بمرض القلب. هل تشعر بالحيرة من كثرة النصائح التي تسمعها؟ فقد تقرأ اليوم في وسائل الاعلام نصيحة صحية ثم تسمع عكسها بعد اسبوع. . . . لماذا لا يتفق العلماء في ما بينهم؟ كيف يُعقل ان تكون القهوة ضارة اليوم، ونافعة بعد اسبوع؟». — باربرا برايم، دكتورة في التربية، بروفسورة في الدراسات الرياضية.
غالبا ما يختلف الخبراء على مسائل التغذية والصحة. ويجد الناس انفسهم في معظم الاحيان حائرين امام الكم الهائل من النصائح حول ما يجب عليهم فعله او تجنبه ليبقوا بصحة جيدة. لكن يبدو ان هنالك اجماعا بين العلماء على الحاجة الى النشاط البدني المعتدل. فإذا اردت ان تنعم بصحة افضل، فعليك ممارسة التمارين الرياضية بانتظام!
لقد صارت قلة الحركة البدنية مشكلة خطيرة في ازمنتنا، وخصوصا في البلدان الصناعية. فلعقود خلت كان الناس في تلك البلدان يقومون باعمال تتطلب مجهودا شاقا، سواء في الزراعة، الصيد، او البناء. طبعا، غالبا ما كان لهذا المجهود الجسدي المضني لمجرّد تحصيل لقمة العيش أثر سلبي في صحة اسلافنا، حتى انه ساهم في تقصير حياتهم. فبحسب دائرة المعارف البريطانية، «كان متوسط العمر المتوقَّع في اليونان او روما القديمة نحو ٢٨ سنة». بالمقارنة، قُدِّر معدّل العمر في البلدان المتقدمة في اواخر القرن العشرين بنحو ٧٤ سنة. فما الذي احدث هذا التغيير؟
التكنولوجيا — نعمة ام نقمة؟
يتمتع الناس اليوم نسبيا بصحة افضل وبحياة اطول من الذين عاشوا منذ قرون. ومردّ ذلك جزئيا الى الثورة التكنولوجية. فقد غيرت الاختراعات الحديثة طريقة قيامنا بالعديد من الامور، حتى انها سهَّلت علينا الكثير من الاعمال الشاقة. بالاضافة الى ذلك، قطع الطب اشواطا كبيرة في محاربة الامراض، مما حسَّن صحة معظم الناس اليوم. لكنّ في ذلك مفارقة تثير الاستغراب.
ففي حين ان التكنولوجيا الحديثة أدّت الى تحسين الصحة، فقد جعلت ايضا شريحة كبيرة من سكان العالم يتحولون تدريجيا الى نمط حياة متسم بقلة الحركة. توضح الجمعية الاميركية للقلب في تقرير لها صدر حديثا بعنوان احصائيات الامراض القلبية الوعائية حول العالم (بالانكليزية) ان «التحول الاقتصادي، التمدن، التصنيع، والعولمة تسبِّب تغييرات في انماط الحياة تساهم في ازدياد مرض القلب». ويورد التقرير «الخمول والنظام الغذائي غير الصحي» بين اهم العوامل المسبِّبة لمرض القلب.
منذ ٥٠ سنة ليس اكثر، كان العامل الكادح في بلدان كثيرة يكدّ بعرق جبينه وراء ثوره ومحراثه، ثم يركب دراجته قاصدا المصرف في البلدة، وينجز بيده في الامسيات اية تصليحات لازمة في بيته. اما احفاده اليوم فيعيشون عيشة مختلفة كل الاختلاف. فالعامل اليوم يجلس امام جهاز الكمبيوتر معظم النهار، ويستقل سيارته الى معظم الاماكن التي يريد الذهاب اليها، ويقضي امسياته امام شاشة التلفزيون.
ووفقا لإحدى الدراسات، كان الحطابون السويديون في الماضي يحرقون نحو ٠٠٠,٧ وحدة حرارية كل يوم وهم يقطعون الاشجار وينقلون الاخشاب، اما اليوم فليس على نظرائهم إلّا ان يشرفوا على المعدّات المتطورة وهي تؤدي عنهم معظم الاعمال الشاقة. وفي حين كانت معظم الطرقات في الماضي تُشَقّ وتُصان بأيدي عمّال يعملون بمعاولهم ورفوشهم، تتولّى اليوم الجرافات وغيرها من المعدات الثقيلة هذه المهمة الشاقة حتى في البلدان النامية.
وفي بعض انحاء الصين، تُستبدل الدراجات الهوائية بشكل متزايد بالدراجات النارية الخفيفة التي اصبحت وسيلة التنقل المفضّلة. وفي الولايات المتحدة حيث ٢٥ في المئة من كل الرحلات لا يتعدى طولها كيلومترا واحدا او اثنين، تُستخدم السيارات في ٧٥ في المئة من الحالات لقطع هذه المسافات القصيرة.
بالاضافة الى ذلك، ادّت التكنولوجيا الحديثة الى نشوء جيل من الاولاد القليلي الحركة. وتذكر احدى الدراسات انه مع تطوُّر العاب الفيديو التي «تغدو ممتعة اكثر وحقيقية اكثر، يقضي الاولاد . . . المزيد من الوقت امام الشاشة». وقد جرى التوصل الى استنتاجات مماثلة بشأن مشاهدة التلفزيون وغير ذلك من انواع التسلية التي لا تتطلب من الاولاد اي حركة تُذكر.
مخاطر قلة الحركة
تتسبب قلة المجهود البدني بالعديد من المشاكل في الصحة الجسدية والعقلية والعاطفية. مثلا، ذكرت مؤخرا احدى وكالات الصحة في بريطانيا: «بالمقارنة مع الاولاد النشاطى، من المحتمل ان يواجه الاولاد القليلو الحركة نقصا اكبر في احترامهم لذاتهم، مزيدا من القلق ومستويات اعلى من الاجهاد. ويُحتمل اكثر ان يقع هؤلاء الاولاد في شرك التدخين وتعاطي المخدرات. كما ان الموظفين القليلي الحركة يتغيبون عن العمل اكثر من الموظفين النشاطى. وبالاضافة الى ذلك، يخسر الاشخاص القليلو الحركة مع تقدم السن القوة والليونة اللازمتَين للقيام بالنشاطات اليومية. فيفقد الكثير منهم استقلاليتهم وتتراجع صحتهم العقلية».
توضح كورا كرايڠ، رئيسة المعهد الكندي لبحوث الصحة وأنماط الحياة، ان «الكنديين لم يعودوا يمارسون نشاطا جسديا في عملهم بقدر ما كانوا يفعلون في السابق . . . فقد انخفض مستوى النشاط الاجمالي». وتذكر صحيفة ڠلوب آند ميل الكندية (بالانكليزية): «نحو ٤٨ في المئة من الكنديين يعانون مشكلة الوزن الزائد، بمَن فيهم ١٥ في المئة يعانون السمنة». وتضيف الصحيفة ان ٥٩ في المئة من الراشدين في كندا هم قليلو الحركة. ويحذر الطبيب ماتي اوسيتوپا من جامعة كيوپيو بفنلندا من ان «حالات الداء السكري من النمط ٢ تزداد بسرعة حول العالم بسبب ازدياد السمنة وأنماط الحياة المتسمة بقلة الحركة».
وتشير دراسة حديثة في هونغ كونغ انه بين الذين تبلغ اعمارهم ٣٥ سنة فما فوق، يمكن نسب ٢٠ في المئة من كل الوفيات الى قلة النشاط البدني. وخلصت الدراسة التي اشرف عليها البروفسور تاي-هينڠ لام من جامعة هونغ كونغ ونُشرت سنة ٢٠٠٤ في مجلة علم الاوبئة (بالانكليزية) الى ان «مخاطر عدم النشاط الجسدي تفوق مخاطر تدخين التبغ» بين الصينيين الساكنين في هونغ كونغ. ويتكهّن الباحثون ان سائر انحاء الصين «ستشهد نسبة كبيرة مماثلة من الوفيات» بسبب قلة النشاط البدني.
فهل هذا القلق مبرَّر؟ هل صحيح ان قلة النشاط البدني يمكن ان تؤذي صحتنا اكثر من التدخين؟ من المعروف عموما ان الاشخاص القليلي الحركة، اذا ما قورنوا بالاشخاص النشاطى، يعانون عادةً ضغط دم اكثر ارتفاعا، وهم اكثر عرضة للاصابة بالسكتة الدماغية، النوبات القلبية، ترقُّق العظم، وبعض انواع السرطان، ويُحتمل اكثر ان يعانوا السمنة.a
وتذكر صحيفة ذا وول ستريت جورنال (بالانكليزية): «في جميع قارات الارض، حتى في المناطق التي يتفشى بها سوء التغذية، يزداد عدد الاشخاص الذين يعانون الوزن الزائد او السمنة بنسبة مقلقة. ومردّ ذلك الى السبب نفسه الذي يؤدي الى ظاهرة الوزن الزائد التي تجتاح الولايات المتحدة: الغذاء الغني بالسعرات الحرارية ونمط الحياة المتسم بقلة الحركة». وهذه الفكرة يؤيِّدها الطبيب ستيفان روسنر، وهو بروفسور في معهد كارولينسكا في العاصمة السويدية ستوكهولم، حتى انه يدّعي: «ما من بلد حول العالم لا يشهد مشكلة ازدياد السمنة».
مشكلة عالمية
يتضح مما تقدم ان حيازة برنامج للنشاط البدني المعتدل امر ضروي للمحافظة على صحة جيدة. ولكن رغم المخاطر المعروفة لقلة الحركة، لا تمارس شريحة كبيرة من سكان الارض اي نشاط بدني يُذكر. فبحسب الاتحاد العالمي للقلب فإن ٦٠ الى ٨٥ في المئة من سكان العالم، «وخصوصا الفتيات والنساء، ليس لديهم نشاط بدني كافٍ ليجنوا منه الفوائد الصحية». وتدّعي هذه المنظمة ان «نحو ثلثَي الاولاد ايضا لا يمارسون نشاطات بدنية بشكل كافٍ للاستفادة صحيا». وفي الولايات المتحدة، يقدَّر ان نحو ٤٠ في المئة من الراشدين هم قليلو الحركة، ونحو نصف الاحداث الذين تتراوح اعمارهم بين ١٢ و ٢١ سنة لا يمارسون بانتظام اية نشاطات تتطلب مجهودا بدنيا قويا.
وفي موازاة ذلك، أُجريت دراسة لمعرفة مدى انتشار انماط الحياة المتسمة بقلة الحركة في ١٥ بلدا اوروبيا. وقد تبيَّن ان نسبة قليلي الحركة تتراوح بين ٤٣ في المئة في السويد و ٨٧ في المئة في البرتغال. وتصل نسبة السكان القليلي الحركة في مدينة سان باولو البرازيلية الى ٧٠ في المئة تقريبا. تقول منظمة الصحة العالمية: «ان المعلومات المجموعة من الاستطلاعات الصحية حول العالم متشابهة على نحو لافت للنظر». ولذلك لا عجب ان يموت نحو مليوني شخص كل سنة لأسباب مرتبطة بقلة الحركة.
يعتبر خبراء الصحة حول العالم هذا الوضع مقلقا. لذلك بدأت الوكالات الحكومية حول العالم ببرامج متنوعة لتوعية العامة بفوائد النشاط الرياضي المعتدل. وتأمل اوستراليا، الولايات المتحدة، واليابان ان يزداد مستوى النشاط البدني بين مواطنيها بنسبة ١٠ في المئة بحلول سنة ٢٠١٠. وتأمل اسكتلندا ان يمارس ٥٠ في المئة من سكانها الراشدين النشاط البدني بانتظام بحلول سنة ٢٠٢٠. ويوضح تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية ان «البلدان الاخرى التي تركز الاهتمام على برامجها الوطنية لزيادة النشاط البدني هي المكسيك، البرازيل، جامايكا، نيوزيلندا، فنلندا، روسيا الاتحادية، المغرب، فيتنام، جنوب افريقيا، وسلوفينيا».
غير ان المسؤولية الرئيسية للاعتناء بصحتك تقع على عاتقك انت، مهما كانت الجهود التي تبذلها الحكومات والهيئات الصحية. فاسأل نفسك: ‹هل اقوم بما يكفي من النشاط البدني؟ هل امارس الرياضة بشكل كافٍ؟ وإذا كان جوابي لا، فماذا يمكنني فعله لأغيِّر نمط حياتي المتسم بقلة الحركة؟›. ستظهر لك المقالة التالية كيف يمكنك زيادة مستوى نشاطك البدني.
[الحاشية]
a تزيد قلة النشاط البدني بشكل كبير خطر الاصابة ببعض الامراض المهدِّدة للحياة. مثلا، وفقا للجمعية الاميركية للقلب، «تضاعف [قلة النشاط البدني] خطر الاصابة بمرض القلب، وتزيد احتمال الاصابة بفرط ضغط الدم بنسبة ٣٠ في المئة. كما انها تضاعف احتمال الموت بالمرض القلبي الوعائي والسكتة الدماغية».
[الاطار في الصفحة ٤]
كلفة عدم الحركة
يقلق العديد من الحكومات والهيئات الصحية بشأن العبء المالي الذي تسببه للمجتمع قلة النشاط البدني.
● اوستراليا في هذا البلد تبلغ النفقات الصحية المرتبطة بقلة النشاط البدني نحو ٣٧٧ مليون دولار اميركي سنويا.
● كندا بحسب الاتحاد العالمي للقلب، تكبَّدت كندا في سنة واحدة فقط اكثر من بليوني دولار اميركي لتغطية النفقات الصحية «التي يمكن نسبها الى قلة النشاط البدني».
● الولايات المتحدة خلال سنة ٢٠٠٠، تكبَّدت الولايات المتحدة مبلغا خياليا قدره ٧٦ بليون دولار اميركي لتغطية النفقات الصحية المرتبطة بشكل مباشر بقلة النشاط البدني.
[الاطار/الصور في الصفحة ٥]
الاولاد بحاجة الى النشاط البدني
وجدت دراسات حديثة ان عددا متزايدا من الاولاد يفتقرون الى النشاط البدني المنتظم. وتنتشر قلة الحركة بين البنات اكثر منها بين الصبية. ويبدو انه مع ازدياد عمر الاولاد، يخف مستوى نشاطهم البدني. وإليك بعض الطرائق الكثيرة التي يستفيد بها الاولاد من النشاط البدني المنتظم:
● تنمية عظام وعضلات قوية ومفاصل سليمة
● وقاية من الوزن الزائد والسمنة
● وقاية من مشاكل ارتفاع ضغط الدم او تأخير حدوثها
● وقاية من الداء السكري من النمط ٢
● ازدياد احترام الذات وتجنب القلق والتوتر
● اكتساب نمط حياة نشيط يجنِّبهم الصيرورة خاملين في سن الرشد
[الاطار/الصورة في الصفحة ٦]
صحة افضل للمسنين
يُقال انك كلما كبرتَ في السن، صرت مهيّأ اكثر للاستفادة من اتِّباع برنامج معتدل للتمارين الرياضية. رغم ذلك يحجم عدد كبير من المسنين عن ممارسة النشاطات البدنية بانتظام خوفا من الاصابة بأذى او بعارض صحي. طبعا من الافضل ان يستشير الاكبر سنا طبيبهم قبل البدء ببرنامج من النشاط البدني المجهِد. لكنّ الخبراء يعتقدون ان النشاط الجسدي يمكن ان يحسّن بشكل ملحوظ نوعية الحياة عند كبار السن. وفي ما يلي بعض النواحي التي يمكن ان يستفيد منها كبار السن عندما يمارسون التمارين بانتظام:
● اليقظة الذهنية
● التوازن والليونة
● الصحة العاطفية
● سرعة التعافي من المرض او الاصابات
● وظائف الجهاز الهضمي والكبد
● العمليات الكيميائية والفيزيائية في الخلايا
● الجهاز المناعي
● كثافة العظم
● مستوى النشاط
-
-
هل تمارس الرياضة بشكل كافٍ؟استيقظ! ٢٠٠٥ | ايار (مايو) ٢٢
-
-
هل تمارس الرياضة بشكل كافٍ؟
«لا يوجد الآن ولا في المدى المنظور دواء يمكن ان يمنح الصحة الدائمة مثل مزاولة الرياضة البدنية بانتظام مدى الحياة».
كتب هذه العبارة عام ١٩٨٢ الدكتور والتر بورز الثاني، وهو بروفسور يدرّس الطب في احدى الجامعات. وكثيرا ما وردت هذه الكلمات في السنوات الـ ٢٣ الماضية على لسان الكثير من الخبراء والهيئات الصحية في الكتب والمجلات وصفحات الانترنت. فعلى ما يبدو، لا تزال نصيحة الدكتور بورز مقبولة وصحيحة الى اليوم. لذلك من المفيد ان نسأل انفسنا: ‹هل امارس الرياضة بشكل كافٍ؟›.
يستنتج البعض خطأ انهم ليسوا بحاجة الى التمارين الرياضية لأن وزنهم ليس زائدا. طبعا، ان الاشخاص الذين يعانون الوزن الزائد او السمنة يمكن ان يستفيدوا كثيرا من برنامج منتظم للتمارين الرياضية. لكن حتى لو لم يكن وزنك زائدا، فمن المرجّح ان تتحسن صحتك بشكل عام وتتجنب امراضا خطيرة، كبعض انواع السرطان، إن زدتَ مستوى نشاطك البدني. كما ان الدراسات الحديثة تظهر ان النشاط البدني يمكن ان يخفف من القلق، حتى انه قد يحول دون اصابتك بالكآبة. فكثيرون من النحفاء يعانون الضغط الفكري او العاطفي، امراض القلب والاوعية، الداء السكري، وغيرها من الاوضاع الصحية التي تزداد سوءا بسبب قلة التمارين الرياضية. لذلك، سواء كان وزنك زائدا ام لا، فمن الافضل لك ان تزيد مستوى نشاطك البدني إذا كان نمط حياتك يتسم بقلة الحركة.
ما هو نمط الحياة المتسم بقلة الحركة؟
كيف تعرف ان مستوى نشاطك البدني جيد؟ هنالك آراء مختلفة حول كيفية تعريف نمط الحياة المتسم بقلة الحركة. إلّا ان معظم خبراء الصحة يوافقون على مقاييس عامة تنطبق على غالبية الناس. وهنالك تعريف تستخدمه عدة هيئات صحية يمكن بموجبه ان تعتبر نمط حياتك قليل الحركة اذا كنتَ (١) لا تتمرَّن او لا تمارس نشاطا يتطلب مجهودا بدنيا مدة ٣٠ دقيقة على الاقل ثلاث مرات في الاسبوع، (٢) لا تتنقل من مكان الى آخر اثناء الاستجمام، (٣) نادرا ما تمشي اكثر من ١٠٠ متر في اليوم، (٤) تبقى جالسا معظم الوقت خلال النهار او (٥) تقوم بعمل لا يتطلب سوى القليل من النشاط الجسماني.
فهل تمارس الرياضة بشكل كافٍ؟ اذا اجبت بلا، يمكنك ان تبدأ بالتغيير من الآن. لكنك قد تعترض: ‹لا وقت لديّ!›. فربما تكون تعبا جدا عندما تستيقظ في الصباح. وفي بداية النهار تكاد لا تجد الوقت لتجهِّز نفسك للذهاب الى العمل. ثم بعد نهار طويل قد تشعر من جديد انك تعب جدا ولديك امور كثيرة لفعلها، فلا تقوم بالتمارين.
وقد تكون بين الكثيرين ممن يبدأون بالتمارين ثم لا يلبثون ان يتوقفوا بعد ايام قليلة لأنهم يجدون ان التمارين متعبة جدا، حتى انهم يشعرون بالتوعك بعد القيام بها. وهنالك آخرون يتجنبون القيام بالتمارين لأنهم يظنون ان البرنامج الجيد للياقة البدنية ينبغي ان يشمل نظاما مجهِدا يشمل رفع الاثقال، الركض فترات طويلة كل يوم عدة كيلومترات، وجلسات مدروسة لشدّ الجسم وتليين العضلات. — انظر الاطار بعنوان: «رفع الاثقال وتليين العضلات».
علاوة على ذلك، ان مزاولة الرياضة لها بعض التكاليف، وقد يتصوَّر المرء انها ملبِّكة ايضا. فلممارسة الهرولة، يحتاج المرء الى ثياب ملائمة وحذاء مريح. وللقيام بتمارين القوة، يحتاج الى اوزان او بعض المعدات الخصوصية. أضِف الى ذلك ان الاشتراك في نادٍ رياضي مكلف، ويمكن ان يستهلك الذهاب اليه الكثير من الوقت. لكنّ هذه العوامل الآنفة الذكر لا ينبغي ان تمنعك من حيازة حياة نشيطة وجني الفوائد الصحية المتأتية عن ذلك.
ضع اهدافا معقولة
الخطوة الاولى اذا كنت تريد البدء ببرنامج للتمارين هي عدم وضع اهداف غير معقولة. ابدأ رويدا رويدا، ثم زِد من صعوبة التمارين ومدتها تدريجيا. فقد أدرك العلماء مؤخرا فائدة النشاط البدني الخفيف او المعتدل، وهم يوصون بأن يزيد قليلو الحركة نشاطهم تدريجيا. مثلا، توصي رسالة العافية لجامعة كاليفورنيا في بركلي (بالانكليزية)، وهي رسالة اخبارية تصدرها تلك الجامعة حول التغذية، اللياقة البدنية، وتخفيف التوتر: «ابدأ بزيادة نشاطك بضع دقائق كل يوم حتى تصل الى ٣٠ دقيقة. وحاول الالتزام بهذا النمط معظم ايام الاسبوع، إن لم يكن طيلة ايام الاسبوع كما هو مفضّل». وتوضح الرسالة ان «كل ما عليك فعله هو امور عادية، مثل المشي وصعود السلالم. لكن قُم بذلك عدة مرات وزِد قليلا المدة او السرعة او كلتيهما معا».
وينبغي ان يركز المبتدئون على الانتظام في التمارين لا على كثافتها وصعوبتها. وحالما تزداد قوتك وقدرتك على الاحتمال، يمكنك زيادة شدة التمرين. ويمكن تحقيق ذلك اذا اضفت الى برنامجك فترات اطول من النشاطات الاكثر إجهادا، مثل المشي السريع، الهرولة، صعود السلالم، او ركوب الدراجة الهوائية. بعد ذلك، لكي يصير برنامجك شاملا، يمكنك اضافة القليل من تمارين رفع الاثقال وبعض تمارين شد الجسم وتليين العضل. لكنّ خبراء صحيين كثيرين ما عادوا يؤيِّدون فكرة: «لا فائدة من غير مشقة» في التمارين الرياضية. فلكي تخفف من خطر الاصابة بأذى، ولتجنب الإجهاد والتثبط اللذين غالبا ما يؤديان الى التوقف عن مزاولة الرياضة، لا ترهق نفسك بالتمارين.
كُن منتظما
قد يُسرّ الاشخاص الذين يبدو ان لا وقت لديهم للنشاط البدني بما توصي به رسالة العافية السابق ذكرها. فهي توضح ان «الفترات القصيرة من التمارين خلال النهار لها فائدة تراكمية. وهذا يعني ان الفوائد التي يجنيها المرء من بذل مجهود على ثلاث فترات مدة كلٍّ منها ١٠ دقائق توازي تقريبا الفوائد التي تعطيها فترة واحدة طولها ٣٠ دقيقة». وبالتالي، اذا اردتَ ان تجني الفوائد الصحية، فلستَ مضطرا الى القيام بالتمارين الشاقة لفترات طويلة. تخبر مجلة الجمعية الطبية الاميركية ان الباحثين وجدوا ان «النشاط الخفيف او المعتدل يساهم، مثله مثل النشاط المجهِد، في التخفيف من خطر الاصابة بداء القلب الاكليلي».
لكنّ الامر الاساسي هو الانتظام في التمارين. وبالنظر الى ذلك، لِمَ لا تفحص روزنامتك وتعيِّن اياما وأوقاتا محددة لمزاولة التمارين؟ ومتى ثابرت بضعة اسابيع على برنامج التمارين هذا، فقد تجد على الارجح انه صار جزءا طبيعيا من حياتك. وحالما تبدأ بالاستفادة صحيا، قد تصير متشوقا الى فترات النشاط البدني هذه.
النشاط ينتج صحة جيدة
مع ان ٣٠ دقيقة من النشاط البدني يوميا يمكن ان تكون كافية لإفادتك صحيا، ينصح الاطباء الآن بفترة اطول، إذ يوصون بما مجموعه ٦٠ دقيقة من النشاط الجسماني كل يوم لكي تحافظ على صحة قلبك وشرايينك الى الحد الاقصى. وهنا ايضا يمكنك تطبيق هذه النصيحة عن طريق القيام بعدة فترات قصيرة من التمارين الرياضية موزعة على طول النهار. توضح مجلة طبيب العائلة الكندي (بالانكليزية) ان «التوصيات الحالية تشدد على ضرورة القيام بما مجموعه ٦٠ دقيقة من النشاط كل يوم. ويبدو ان هنالك بعض الفوائد الصحية التي يجنيها المرء من النشاط البدني بغضّ النظر عن طريقة تقسيم الفترات». وتذكر هذه المجلة الطبية ايضا: «في حين ان دراسات عديدة اظهرت ان النشاط المجهِد يؤدي الى التخفيف من خطر الموت عامة، ينصبّ التركيز حاليا على تشجيع النشاط المعتدل».
النقطة الجوهرية في كل ما تقدَّم هي ان جسمك مصمَّم للحركة وللقيام بالنشاط البدني المنتظم. فنمط الحياة المتسم بقلة الحركة يضرّ صحتك. ولا يوجد اي فيتامين او دواء او طعام او عملية جراحية يمكن ان يعوِّض عن حاجتك الدائمة الى النشاط والحركة. ولا يمكننا ان ننكر ان برنامج التمارين الملائم يحتاج الى الوقت، سواء كانت التمارين معتدلة ام مجهِدة، او قمتَ بها خلال فترات قصيرة او طويلة. فكما تخصص الوقت للطعام والنوم، كذلك من المهم ان تخصص الوقت للنشاط البدني. ويتطلب ذلك تأديب الذات وحسن التنظيم.
طبعا، لا يمكن ان يوجد برنامج للتمارين من غير تعب. لكنّ كل المشقات والتضحيات التي تتكبدها في سبيل المحافظة على نمط حياة مفعم بالنشاط تبدو ثانوية اذا ما قورنت بالمخاطر الصحية التي يسبِّبها نمط الحياة القليل الحركة. فكُن نشيطا، دعِ العرق يتصبَّب منك، وحرِّك عضلاتك قليلا. فالحركة والنشاط هما عماد الصحة السليمة والحياة المديدة!
[الاطار/الصور في الصفحة ٨]
التمارين التي تتطلب مجهودا قويا
في حين ان زيادة النشاطات اليومية بشكل معتدل يمكن ان تجلب فوائد صحية كثيرة، يقول الباحثون ان للتمارين المجهِدة فائدة اكبر. وإليك بعض الخيارات.
ينصح الخبراء الصحيون باستشارة الطبيب قبل البدء ببرنامج للتمارين المجهِدة.
● المشي السريع: هو احدى اسهل الطرائق لممارسة التمارين. فكل ما تحتاج اليه هو حذاء مريح خاص بالمشي، وطريق. لا تتمشَّ على مهل، بل اخطُ خطوات سريعة ومتباعدة. حاول ان تبلغ سرعتك نحو ٤ الى ٩ كيلومترات في الساعة.
● الهرولة: هي بكل بساطة الركض بتمهل. وقد وُصفت الهرولة بأنها افضل طريقة للمحافظة على صحة القلب والشرايين. لكن بما ان الهرولة أشد وطأة على الجسم، فمن المرجّح اكثر ان تسبب الاذى للعضلات والمفاصل. لذلك يلزمك لبس احذية ملائمة، وتليين العضلات، وممارسة الهرولة باعتدال.
● ركوب الدراجة الهوائية: تُعتبر هذه الرياضة من افضل انواع التمارين الرياضية. فعند ركوب الدراجة الهوائية، يحرق جسمك كمية من السعرات الحرارية تصل الى ٧٠٠ وحدة في الساعة. غير ان رياضة ركوب الدراجات، مثلها مثل المشي والهرولة، تمارَس على الطريق. لذلك ينبغي ان تبقى متيقظا اثناء ركوب الدراجة وتأخذ كل الاحتياطات اللازمة لتفادي الحوادث.
● السباحة: يمرّن المرء بالسباحة كل مجموعات العضلات الرئيسية في الجسم. كما ان هذه الرياضة تساعد على إبقاء مفاصلك مرنة، وتعطي قلبك وشرايينك كل الفوائد الصحية التي تعطيها الهرولة. وبما ان السباحة اخف وطأة على الجسم، فغالبا ما توصف للاشخاص الذين يعانون التهاب المفاصل، آلام الظهر، او الوزن الزائد، فضلا عن الحبالى. تجنب السباحة وحدك.
● القفز على الترامبولين: تشمل هذه الرياضة استخدام ترامبولين صغير والقفز المتتابع عليه. ويدّعي مشجّعو هذه الرياضة ان القفز المتكرر يفيد الدورتَين الدموية واللمفية في الجسم، كما انه يزيد من قدرة القلب والرئتين، ويحسِّن حالة العضلات وتناسق حركات اعضاء الجسم والتوازن.
[الاطار/الصورة في الصفحة ٩]
رفع الاثقال وتليين العضلات
توصل العلماء مؤخرا الى الاستنتاج ان برنامج اللياقة البدنية المتوازن ينبغي ان يشمل بعض اشكال تمارين القوة، كرفع الاثقال. وعندما يمارس المرء رياضة رفع الاثقال وفق الاصول، لا ينمّي عضلاته فقط، بل يزيد ايضا من كثافة عظامه ويخفف نسبة الدهون في الجسم.
بالاضافة الى ذلك، يوصي خبراء صحيون كثيرون بممارسة تمارين شد الجسم وتليين العضلات لزيادة مرونة الجسم وتحسين الدورة الدموية. ويساعد تليين العضلات مفاصلك على تأدية شتى انواع الحركات.
لكن تلزم ممارسة رياضتَي رفع الاثقال وتليين العضلات بشكل صحيح لتفادي الاذى. وقد ترغب في تعلّم بعض الخطوط الارشادية الاساسية بقراءة بعض المواد حول الموضوع او باستشارة طبيبك.
[الاطار/الصورة في الصفحة ٩]
العقل السليم في الجسم السليم
لقد وجد العلماء ان النشاط البدني المجهِد يؤثر في عدد من المواد الكيميائية التي تتحكم في المزاج، مثل الدوبامين، النورابينَفرين، والسيروتونين. وربما يفسِّر ذلك لماذا يشعر اناس كثيرون بالانتعاش الذهني بعد التمارين. وتقترح بعض الدراسات ان احتمال الاصابة بالكآبة لدى الاشخاص الذين يمارسون التمارين بانتظام اقل منه لدى قليلي الحركة. وفي حين ان بعض هذه الدراسات غير مؤكد بعد، يوصي اطباء كثيرون بالتمارين كوسيلة لخفض التوتر والقلق.
[الاطار/الصورة في الصفحة ١٠]
بعض النشاطات اليومية التي تساهم في تحسين صحتك
بحسب الدراسات الحديثة، يمكن ان يستفيد قليلو الحركة بمجرد زيادة عدد المرات التي يقومون فيها بالنشاطات اليومية التي تتطلب مجهودا معتدلا. فما رأيك ان تجرب بعض الاقتراحات التالية؟
● يمكنك ان تصعد السلالم بدل ان تستقل المصعد، او اذا استخدمت المصعد، فأوقفه قبل الوصول الى وجهتك ببضعة طوابق واصعد السلم.
● اذا كنت تستخدم وسائل النقل العام، فترجَّل من القطار او الباص قبل عدة محطات وأكمل طريقك سيرا على الاقدام.
● عندما تستقل سيارتك، تعوَّد ركنها على بُعد مسافة من وجهتك. وفي المواقف المؤلفة من عدة طبقات، اختر الطابق الذي يتيح لك استخدام السلالم.
● تمشَّ وأنت تتحادث مع الاصدقاء او اعضاء العائلة. فلا ضرورة للجلوس دائما اثناء المحادثات العادية.
● اذا كان عملك يتطلب منك الجلوس فترات طويلة، فاخلق مجالات تتيح لك العمل وأنت واقف، وحاول اذا سمحت الظروف ان تتنقل اثناء قيامك بوظيفتك.
[الاطار/الصورة في الصفحة ١٠]
هل تشرب كمية كافية من الماء؟
ان عدم شرب كمية كافية من الماء اثناء ممارسة التمارين يمكن ان يكون مؤذيا، إذ يمكن ان يسبب الارهاق، قلة التنسيق في حركات الجسم، وتشنج العضلات. فعندما تمارس التمارين تتعرَّق اكثر، مما يؤدي الى تناقص حجم دمك. وإن لم تعوِّض الماء الذي خسرته بسبب التعرُّق، فسيضطر قلبك الى العمل اكثر لإيصال الدم الى كل انحاء الجسم. ولكي تتجنب التجفاف، يُقترح ان تشرب الماء قبل التمارين، اثناءها، وبعد الانتهاء منها.
[الاطار في الصفحة ١١]
اعتنِ بجسمك، فهو هبة من اللّٰه
يشجعنا الكتاب المقدس ان نقدّر قيمة جسمنا وهبة الحياة التي نتمتع بها. فقد كتب داود، ملك اسرائيل قديما: «صُنعتُ بطريقة تثير الرهبة والعجب». (مزمور ١٣٩:١٤) وكداود، يقدّر المسيحيون الحقيقيون عطية الحياة تقديرا رفيعا. وهم يعتبرون الاعتناء بجسمهم مسؤولية لا يُستهان بها.
منذ نحو ألفَي سنة، أوحى اللّٰه الى الرسول بولس ان يكتب: «ان التدريب الجسدي نافع لقليل، أما التعبد للّٰه فنافع لكل شيء، إذ فيه وعد الحياة الحاضرة والآتية». (١ تيموثاوس ٤:٨) وتظهر كلمات بولس ان هنالك فوائد نجنيها من التمارين الرياضية، إلّا انها قليلة مقارنة بالفوائد الابدية التي تجلبها العلاقة الجيدة باللّٰه. ولذلك يسعى المسيحيون الحقيقيون الى الاتزان في سعيهم الى المحافظة على صحة جيدة، ولا يسمحون ابدا ‹للتدريب الجسدي› بأن يحتل مكانة تفوق مكانة عبادتهم للّٰه.
ويدرك المسيحيون انه كلما كانت صحتهم افضل، أمكنهم ان يظهروا محبتهم للّٰه والقريب بأكثر نشاط. وللمحافظة على صحة جيدة، على المرء ان يكون نشيطا جسديا، يعتني بتغذيته، وينال قسطا وافيا من الراحة. وبما ان المسيحيين الحقيقيين يقدّرون اجسامهم ويعتبرونها هبة من اللّٰه، يحاولون ان يحافظوا على عادات سليمة في هذه النواحي.
-