-
اللّٰه هل هو شخص حقيقي؟برج المراقبة ١٩٨٧ | ١٥ تشرين الاول (اكتوبر)
-
-
اللّٰه هل هو شخص حقيقي؟
«لا بد ان يكون هنالك اله،» صرَّحت الدايلي اكسبرس عدد ١٤ آب ١٩٨١. وكانت الجريدة تخبر عن اهتداء ظاهر لعالمين شهيرين الى الايمان باللّٰه. واقتناعهما الجديد نشأ بعد ان اكتشفا الارجحية الرياضية المدهشة المضادة لظهور الحياة تلقائيا. ولكن ماذا عنى هذان المؤمنان الجديدان عندما قالا «اللّٰه»؟ تعلن الدايلي اكسبرس: «يقترحان ان اللّٰه هو الكون.»
واذا كنتم تؤمنون باللّٰه فما هو مفهومكم عنه؟ هل تنظرون اليه ايضا كذكاء لا يمكن تعريفه، قوة مجردة كلية الوجود، «شيء ما» عظيم؟ ام هل تنظرون اليه كشخص ذكي يمكن تعريفه؟
يجد البعض صعوبة في التفكير في اللّٰه كشخص. حتى انهم قد يشعرون بأن ذلك يحوّله الى مجرد كائن شبيه بالانسان — كما في الصورة الصبيانية لرجل مسن برداء ذي قبعة وبلحية بيضاء طويلة، جالس على سحابة. او كما صوَّر ميكال آنجلو اللّٰه في لوحته الجصية الشهيرة في سقف كنيسة سيستاين — رجل مسن دينامي بعضلات يعوم في الهواء.
حقا، عندما نسمع كلمة «شخص» قد نفكر بطريقة آلية في انسان. مثلا، يعرِّف قاموس وبستر الاممي الجديد الثالث كلمة «شخص» بـ «كائن بشري فردي.» ولكنه ايضا يعرِّف كلمة «شخص» بـ «كائن يتميز بادراك واع، عقلانية، وشعور اخلاقي.» اذاً، يمكن للمرء ان يفكر على نحو صحيح في اللّٰه كشخص دون وصفه كانسان.
ولكن قد يعترض البعض: «ما الفرق بين النظر الى اللّٰه كقوة مجردة او كشخص؟» حسنا، اذا كان اللّٰه مجرد قوة، «شيء ما،» ألا يعني ذلك ان الحياة البشرية هي آلية بطريقة مماثلة؟ وهكذا يتحول الانسان الى «شيء،» الى جزء ثانوي في آلة كبيرة. ولكن اذا كان اللّٰه شخصا ذكيا، ألا يعطي ذلك معنى اعظم للحياة؟ حقا، انه يفسح المجال للحصول على علاقة مع اللّٰه — علاقة ليس بين «شيئين» بل بين شخصين.
من الواضح ان علاقة شخصية مع اللّٰه، علاقة شخص بشخص، مرغوبة الى حد بعيد. ولكن في المقام الاول كيف نعرف ما اذا كان اللّٰه شخصا ام لا؟ واذا كان شخصا، كيف يمكننا الحصول على علاقة كهذه معه؟ دعونا نرى ما يقوله الكتاب المقدس في هذه القضية.
-
-
كيف يمكننا الوصول الى معرفة اللّٰهبرج المراقبة ١٩٨٧ | ١٥ تشرين الاول (اكتوبر)
-
-
كيف يمكننا الوصول الى معرفة اللّٰه
يعتقد بعض الناس ان اللّٰه هو في كل مكان، حاضر في النجوم والكواكب، في قوس قزح، في جناح طائر، وفي ورقة عشب. ولكنّ الكتاب المقدس يعلِّم ان اللّٰه، كشخص، له مكان محدَّد. ففي صلاة الى اللّٰه قال الملك الحكيم سليمان: «فاسمع في السماء مكان سكناك.» وفي اشعياء، احد اسفار الكتاب المقدس، اقتُبس من اللّٰه قوله: «السموات كرسيّي.» — ١ ملوك ٨:٤٩، اشعياء ٦٦:١.
مع ان اللّٰه نفسه ليس حاضرا في خليقته فان سمات شخصيته تنعكس هناك. قال الرسول بولس في رومية ١:٢٠: «اموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته.» وبطريقة مماثلة كتب المرنم الملهم داود: «السموات تحدث بمجد اللّٰه. والفلك يخبر بعمل يديه. يوم الى يوم يذيع كلاما وليل الى ليل يبدي علما.» — مزمور ١٩:١، ٢.
نعم، في ليلة مرصعة بالنجوم انظروا وتأملوا لحظة في الحكمة والقدرة الهائلتين اللازمتين لخلق وصيانة كوننا! (قارنوا اشعياء ٤٠:٢٦.) حقا، ان الخليقة مصدر لا ينضب من المعلومات عن شخصية اللّٰه. والانسان لا يقدر ابدا ان يفهم تماما الشهادة الهائلة المعلنة في ما يتعلق بصفات اللّٰه وخصائصه. يذكِّرنا سفر ايوب: «ها هذه أطراف طرقه وما أخفض الكلام الذي نسمعه منه.» (ايوب ٢٦:١٤) وهنالك مثل سويدي قديم يقول: ‹السيد اعظم من اعماله.› ووفقا لذلك، اذا كانت الخليقة عظيمة لا بد ان يكون اللّٰه اعظم. واذا كانت الخليقة تعرب عن حكمة لا بد ان يكون اللّٰه احكم. واذا كانت الخليقة تُظهر قوة لا بد ان يكون اللّٰه اقوى.
الكتاب المقدس — كتاب اللّٰه
وهكذا تعطي الخليقة معلومات كثيرة عن اللّٰه. ولكن هل يمكن لدرس الخليقة ان يخبركم عن اسم اللّٰه؟ وهل يُظهر ما هو القصد وراء الخليقة او لماذا يسمح بالشر؟ ان الاجوبة عن مثل هذه الاسئلة تتطلب اكثر من درس اعمال اللّٰه المادية. ولحسن الحظ اهتم اللّٰه باعلان معلومات كهذه عنه في الكتاب المقدس.
هنا لا يجري تقديم اللّٰه كذكاء مجرد لا يمكن تعريفه، او قوة او قدرة موجودة في كل مكان. ففي اعمال ٣:١٩ (عج) نقرأ عن «شخص يهوه.» وعندما أُقيم ابنه، يسوع المسيح، من الاموات يقول الكتاب المقدس انه دخل الى السماء عينها ليظهر امام «شخص [حرفيا، «وجه»] اللّٰه.» (عبرانيين ٩:٢٤، عج، ترجمة الملكوت ما بين السطور) وبالتاكيد لم يدع يسوع اللّٰه قط قوة عظيمة، ذكاء مطلقا، او ايّ تعبير مجرد آخر عندما تكلم عنه او صلى اليه. وعلى العكس، غالبا ما دعاه أبا سماويا، وهو تعبير يُظهر عمق مودته للّٰه. — متى ٥:٤٨؛ ٦:١٤، ٢٦، ٣٢.
اذاً ليس اللّٰه «شيئا ما» دون اسم ولكنه بالاحرى شخص ذو اسم. يقول المزمور ٨٣:١٨: «ويعلموا أنك اسمك يهوه وحدك العلي على كل الارض.» حقا، ان الكتاب المقدس يستعمل ألقابا او تعابير وصفية للّٰه: «القدير،» «ملك الدهور،» «مخلِّص،» «راع،» «القديم الايام،» «ناظر،» «معلِّم عظيم،» «صانع عظيم،» «الصخر.» (راعوث ١:٢٠؛ ١ تيموثاوس ١:١٧، اشعياء ٤٣:١١، مزمور ٢٣:١، دانيال ٧:٩، ١٣، ٢٢؛ ١ بطرس ٢:٢٥، عج، اشعياء ٣٠:٢٠، عج، ٥٤:٥، عج، تثنية ٣٢:٤) ومن جهة اخرى فان تعابير كهذه تُظهر اوجها اضافية لشخصية اللّٰه، كقدرته الكلية، اهتمامه الحبي بشعبه، وحكمته اللامتناهية.
ولأن اللّٰه شخص فله ايضا ما يحبه وما يكرهه — وحتى مشاعر. فالكتاب المقدس يخبرنا بأنه يحب شعبه (١ ملوك ١٠:٩)، ويفرح بأعماله (مزمور ١٠٤:٣١)، ويكره الصنمية (تثنية ١٦:٢٢)، ويأسف على الشر. (تكوين ٦:٦) وفي ١ تيموثاوس ١:١١ (عج) يُدعى ايضا «الاله السعيد.»
عارفين اللّٰه على نحو حميم
حقا، لا يتسع ايّ عقل بشري للاعلان الكامل لشخصية اللّٰه. «يا لعمق غنى اللّٰه وحكمته وعلمه. ما ابعد احكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء. لان من عرف فكر الرب او من صار له مشيرا.» (رومية ١١:٣٣، ٣٤) ورغم ذلك، بالنسبة الى الشخص المؤمن، يمكن ان يكون اللّٰه حقيقيا كأيّ شخص آخر. والكتاب المقدس يخبرنا بأنه «سار نوح مع اللّٰه،» وكأنما كان يهوه بجانبه. (تكوين ٦:٩) وكان اللّٰه ايضا حقيقيا لموسى بحيث كأنه كان «يرى من لا يُرى.» (عبرانيين ١١:٢٧) وقيل عن ابرهيم انه كان «صديق يهوه.» — يعقوب ٢:٢٣، عج.
وطبعا، اعلن اللّٰه نفسه شخصيا لنوح وابرهيم وموسى. وقد يقول البعض: ‹حسنا، اذا كان اللّٰه يعلن نفسه لي بطريقة شخصية كهذه يكون حقيقيا لي ايضا.› ولكن تذكَّروا انه لم يكن لدى نوح وابرهيم وموسى الكتاب المقدس. ولم يعرفوا عن يسوع المسيح ولا عن عشرات النبوات التي تممها. ونتيجة لذلك لم يكن كل ما اعلنه يسوع المسيح عن اللّٰه معروفا عندهم. ففي مثل هذه الظروف كان ضروريا وملائما ان يصنع اللّٰه اعلانات مباشرة كهذه عن نفسه.
أما اليوم فلدينا الكتاب المقدس ومشهد القرون لاتمام نبوات الكتاب المقدس. ولدينا ايضا سجلات الاناجيل عن حياة وأعمال وأقوال يسوع المسيح. ويقول بولس: «فانه فيه [المسيح] يحل كل ملء اللاهوت جسديا.» (كولوسي ٢:٩) نعم، نحن في وضع يمكِّننا من معرفة اللّٰه بطريقة حميمة لم تكن ممكنة في ايام الآباء. ألا يعوض ذلك كثيرا عن انه لم يعلن نفسه لنا مباشرة؟
-