-
تطوُّر بنية الهيئةشهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
والاخ رصل لم يكن مهتما بتأسيس ترتيب آخر، وكان يقاوم بشدة المساهمة بأية طريقة في الطائفية الموجودة بين المدَّعين المسيحية.
وفي الوقت نفسه، قدَّر كاملا حاجة خدام الرب الى الاجتماع معا، انسجاما مع المشورة في العبرانيين ١٠:٢٣-٢٥. وسافر شخصيا ليزور ويبني قرَّاء برج المراقبة وليجمعهم مع آخرين في منطقتهم ممَّن لهم التفكير نفسه. وفي وقت باكر من السنة ١٨٨١ طلب من اولئك الذين يعقدون اجتماعات قانونية ان يُشعِروا مكتب برج المراقبة بمكان انعقادها. ورأى قيمة ابقائهم على اتصال احدهم بالآخر.
لكنَّ الاخ رصل شدَّد انهم لا يحاولون تأسيس «هيئة ارضية.» وعوضا عن ذلك، كما قال، «نحن نلتصق فقط بتلك الهيئة السماوية — ‹مكتوبين في السموات.› (عبرانيين ١٢:٢٣؛ لوقا ١٠:٢٠.)» وبسبب تاريخ العالم المسيحي الدنيء، كانت الاشارة الى «هيئة كنسية» عادةً تذكِّر المرء بالطائفية، هيمنة رجال الدين، والعضوية على اساس الالتصاق بتعليم وضعه مجمع ديني. ولذلك، عند الاشارة الى انفسهم، شعر الاخ رصل بأن الاصطلاح «معشر» هو افضل.
وكان يدرك جيدا ان رسل المسيح قد شكَّلوا الجماعات وعيَّنوا الشيوخ في كل منها. لكنه اعتقد ان المسيح كان حاضرا ثانية، ولو كان بشكل غير منظور، وأنه يوجِّه شخصيا الحصاد الاخير لاولئك الذين سيكونون وارثين معه. ونظرا الى الظروف، شعر الاخ رصل في بادئ الامر بأنه خلال وقت الحصاد ليست هنالك حاجة الى ترتيب الشيوخ الذي كان موجودا في الجماعات المسيحية للقرن الاول.
إلا ان الاخ رصل، اذ نما عدد تلاميذ الكتاب المقدس، ادرك ان الرب يدير الامور بطريقة تختلف عما كان يتوقعه هو نفسه. فكان يلزم تعديل في وجهة النظر. ولكن على ايّ اساس؟
سدّ الحاجات الباكرة للمعشر النامي
خُصِّصت برج المراقبة عدد ١٥ تشرين الثاني ١٨٩٥ (بالانكليزية) بكاملها تقريبا لموضوع «بلياقة وبحسب ترتيب.» وباخلاص، اعترف الاخ رصل هناك: «كان لدى الرسل الكثير ليقولوه للكنيسة الباكرة في ما يتعلق بالترتيب في محافل القديسين؛ وكما يظهر كنا الى حد ما مهملين لهذه المشورة الحكيمة، شاعرين بأنها ذات اهمية ثانوية نوعا ما، لان الكنيسة قريبة جدا من نهاية مسلكها والحصاد هو وقت فرز.» فماذا دفعهم الى اتخاذ نظرة جديدة الى هذه المشورة؟
ادرجت تلك المقالة اربعة ظروف: (١) اتَّضح ان التطوُّر الروحي للافراد يختلف من واحد الى آخر. فكانت هنالك تجارب، محن، مصاعب، ومخاطر لم يكن الجميع مستعدين بالتساوي لمواجهتها. وهكذا، كانت هنالك حاجة الى نظار حكماء وفُطُن، رجال خبرة ومقدرة، يهتمون عميقا بالاعتناء بالخير الروحي للجميع ولديهم الكفاءة لارشادهم في الحق. (٢) تبيَّن ان الرعية بحاجة الى الحماية من ‹الذئاب بثياب الحملان.› (متى ٧:١٥) وكان يلزم تحصينهم بمساعدتهم على احراز معرفة شاملة للحق. (٣) اظهر الاختبار انه اذا لم يكن هنالك ايّ ترتيب لتعيين شيوخ يصونون الرعية فسيستولي البعض على هذا المركز ويعتبرون الرعية خاصتهم. (٤) بدون ترتيب منظَّم قد يجد الافراد الاولياء للحق خدماتهم غير مرغوب فيها بسبب نفوذ اشخاص قليلين يخالفونهم في الرأي.
على ضوء ذلك قالت برج المراقبة: «لا نتردد في ان نوصي الكنائسc في كل مكان، سواء كانت اعدادها كبيرة او صغيرة، بالمشورة الرسولية ان يختاروا في كل فرقة شيوخا من بينهم لكي ‹يُطعموا› الرعية و ‹يُشرفوا› عليها.» (اعمال ١٤:٢١-٢٣؛ ٢٠:١٧، ٢٨) واتَّبعت الجماعات المحلية هذه المشورة السليمة من الاسفار المقدسة. فصارت هذه خطوة مهمة في تأسيس بنية الجماعة انسجاما مع ما كان موجودا في ايام الرسل.
ومن ناحية اخرى، انسجاما مع الطريقة التي فهموا بها الامور آنذاك، كان اختيار الشيوخ، والشمامسة لمساعدتهم، يجري عن طريق تصويت الجماعة. وكل سنة، او اكثر اذا لزم الامر، كان يجري التأمل في مؤهلات اولئك الذين يمكن ان يخدموا، ويجري التصويت. وكان ذلك من حيث الاساس اجراء ديموقراطيا، انما تضبطه قيود مصمَّمة لتعمل كوقاية. فجرى حث الجميع في الجماعة ان يراجعوا بعناية المؤهلات من الاسفار المقدسة ويعبِّروا بالتصويت، لا عن رأيهم الخاص، بل عما اعتقدوا انه مشيئة الرب. وبما ان اولئك «المكرَّسين كاملا» وحدهم كان لهم الحق في التصويت، اعتُبِر تصويتهم الجماعي، عندما يكون موجَّها من كلمة الرب وروحه، تعبيرا عن مشيئة الرب في المسألة. وعلى الرغم من ان الاخ رصل ربما لم يكن مدركا ذلك كاملا، قد تكون توصيته بهذا الترتيب متأثرة الى حد ما ليس فقط بتصميمه على تجنُّب ايّ تشابه مع صف رجال دين مرفَّع بل ايضا بخلفيته كمراهق في الكنيسة الجماعية.
وعندما ناقش مجلد الفجر الالفي بعنوان الخليقة الجديدة (الصادر في السنة ١٩٠٤) ثانية بالتفصيل دور الشيوخ والطريقة التي بها يجب اختيارهم، وُجِّه انتباه خصوصي الى الاعمال ١٤:٢٣. والفهرسان اللذان جمعهما جيمس سترونڠ وروبرت يونڠ أُشير اليهما كمرجعين للفكرة ان العبارة «عيَّنا لهم شيوخا» (مج) يجب ترجمتها «انتخبا لهم شيوخا برفع الايدي.»d حتى ان بعض ترجمات الكتاب المقدس تقول ان الشيوخ ‹عُيِّنوا بالتصويت.› (الترجمة الحرفية للكتاب المقدس لواضعه يونڠ؛ الكتاب المقدس المؤكد لواضعه رذرهام) ولكن مَن كان يجب ان يقوم بذلك التصويت؟
وتبنّي الفكرة ان التصويت يجب ان تقوم به الجماعة ككل لم يعطِ دائما النتائج المرجوَّة. فالمصوِّتون وجب ان يكونوا اشخاصا «مكرَّسين كاملا،» وبعض الذين انتُخِبوا بلغوا حقا مؤهلات الاسفار المقدسة وخدموا بتواضع اخوتهم. لكنَّ التصويت غالبا ما كان يعكس التفضيل الشخصي عوضا عن كلمة اللّٰه وروحه. وهكذا، في هالي، المانيا، عندما لم يحصل بعض الاشخاص الذين اعتقدوا انهم يجب ان يكونوا شيوخا على المراكز التي ارادوها، سبَّبوا خلافا خطيرا. وفي بارمن، المانيا، كان بين المرشحين في السنة ١٩٢٧ رجال قاوموا عمل الجمعية، وكان هنالك صياح ليس بقليل خلال رفع الايدي وقت الانتخاب. لذلك كان من الضروري التعديل الى اقتراع سري.
وقديما في السنة ١٩١٦، قبل سنين من هذه الاحداث، كتب الاخ رصل باهتمام عميق: «تسود حالة مروِّعة في بعض الصفوف عندما يجري الانتخاب. فخدام الكنيسة يحاولون ان يكونوا حكاما، دكتاتوريين — حتى انهم احيانا يتولَّون مركز عريف الاجتماع بالهدف الظاهر للتأكد انهم وأصدقاءهم الاحماء سيُنتخبون كشيوخ وشمامسة. . . . ويحاول البعض بهدوء استغلال الصف باجراء الانتخاب في وقت مؤاتٍ على نحو خصوصي لهم ولأصدقائهم. ويسعى آخرون الى ملء الاجتماع بأصدقائهم، مدخلين غرباء معروفين اقل، لا يفكِّرون في الحضور قانونيا في الصف، لكنهم يأتون فقط بمقتضى الصداقة للتصويت لاحد اصدقائهم.»
فهل كان يلزمهم ان يتعلَّموا كيفية معالجة الانتخابات وفق الاساليب الديموقراطية بنعومة اكثر، ام انه كان هنالك شيء من كلمة اللّٰه لم يفهموه بعد؟
التنظيم للكرازة بالبشارة
في مرحلة باكرة جدا ادرك الاخ رصل ان احدى المسؤوليات الاهم الملقاة على عاتق كل فرد من افراد الجماعة المسيحية هي عمل التبشير. (١ بطرس ٢:٩) وأوضحت برج المراقبة انه ليس فقط على يسوع وحده بل على جميع أتباعه الممسوحين بالروح انطبقت الكلمات النبوية لاشعياء ٦١:١، وهي: «(يهوه) مسحني لأبشِّر،» او كما تنقل ترجمة الملك جيمس اقتباس يسوع لهذا المقطع، «مسحني لأكرز بالانجيل.» — لوقا ٤:١٨.
قديما في السنة ١٨٨١، نشرت برج المراقبة المقالة «مطلوب ٠٠٠,١ كارز.» وكان ذلك مناشدة لكل عضو في الجماعة ان يستعمل ما استطاع من الوقت (نصف ساعة، ساعة، او اثنتين، او ثلاثا) للاشتراك في نشر حق الكتاب المقدس. والرجال والنساء الذين لم تكن لديهم عائلات تعتمد عليهم والذين كان بامكانهم اعطاء النصف او اكثر من وقتهم لعمل الرب على وجه الحصر جرى تشجيعهم ان يشرعوا في العمل كمبشرين موزعين جائلين للمطبوعات. وكان العدد يختلف كثيرا من سنة الى سنة، ولكن بحلول السنة ١٨٨٥ كان هنالك نحو ٣٠٠ يشتركون في هذا العمل كموزعين جائلين للمطبوعات. واشترك آخرون ايضا انما على نطاق محدود اكثر. وأُعطيت الاقتراحات للموزعين الجائلين للمطبوعات حول كيفية الشروع في عملهم. لكنَّ الحقل كان واسعا، وفي البداية على الاقل، كانوا يختارون مقاطعتهم الخاصة وينتقلون من منطقة الى اخرى وفي اغلب الاحيان كما كان يبدو انه الافضل لهم. ثم عندما يلتقون في المحافل كانوا يصنعون التعديلات اللازمة لتنسيق جهودهم.
وفي السنة نفسها التي بدأت فيها خدمة الموزعين الجائلين للمطبوعات، طبع الاخ رصل عددا من الكراريس للتوزيع المجاني. وكان البارز بينها طعام للمسيحيين المفكرين، الذي وُزِّع منه ٠٠٠,٢٠٠,١ في الاشهر الاربعة الاولى. والعمل المشمول بترتيب الطبع والتوزيع هذا كان السبب لتشكيل جمعية برج مراقبة زيون للكراريس للاعتناء بالتفاصيل اللازمة. وللحيلولة دون تعطيل العمل في حال موته، ولتسهيل معالجة الهبات التي كانت ستُستخدم في العمل، سجَّل الاخ رصل الجمعية شرعيا، وصارت مسجَّلة رسميا في ١٥ كانون الاول ١٨٨٤. فأوجد ذلك الوكالة الشرعية اللازمة.
واذ نشأت الحاجة، أُسِّست مكاتب فروع لجمعية برج المراقبة في بلدان اخرى. فكان الاول في لندن، انكلترا، في ٢٣ نيسان ١٩٠٠. والآخر في أَلْبِرفِلت، المانيا، في السنة ١٩٠٢. وبعد سنتين، في الجانب الآخر من الارض، نُظِّم فرع في مَلبورن، اوستراليا. وفي وقت هذه الكتابة، كان هنالك ٩٩ فرعا حول العالم.
وعلى الرغم من ان الترتيبات التنظيمية اللازمة لتزويد كميات من مطبوعات الكتاب المقدس كانت قيد التطوُّر، ففي البداية تُرِك للجماعات ان تعدّ اية ترتيبات محلية للتوزيع العام لتلك المواد. وفي رسالة بتاريخ ١٦ آذار ١٩٠٠ ذكر الاخ رصل كيف كان ينظر الى المسألة. وتلك الرسالة، الموجهة الى «ألكساندر م. ڠراهام، والكنيسة في بوسطن، ماساتشوستس،» قالت: «كما تعلمون جميعا، ان نيتي الواضحة هي ان اترك لكل فرقة من شعب الرب ادارة شؤونهم الخاصة، بحسب تمييزهم الخاص، مقدِّما الاقتراحات، ليس بقصد التدخل، بل على سبيل النصح فقط.» وشمل ذلك ليس فقط اجتماعاتهم بل ايضا الطريقة التي بها يواصلون خدمتهم للحقل. وهكذا، بعد تقديم المشورة العملية للاخوة، اختتم بالتعليق: «هذا مجرد اقتراح.»
تطلَّبت بعض النشاطات توجيها اكثر تحديدا من قبل الجمعية. ففي ما يتعلق بعرض «رواية الخلق المصوَّرة،» تُرِك لكل جماعة ان تقرِّر ما اذا كانت مستعدة وقادرة ان تستأجر مسرحا او تسهيلا آخر للعرض المحلي. ولكن كان من الضروري ان تُنقل التجهيزات من مدينة الى مدينة، وكان يجب اعداد البرامج؛ ولذلك زوَّدت الجمعية من هذه النواحي توجيها مركزيا. وجرى تشجيع كل جماعة على حيازة لجنة للرواية للاعتناء بالترتيبات المحلية. لكنَّ المشرف الذي ترسله الجمعية كان يمنح الانتباه الدقيق للتفاصيل بغية التيقن ان كل شيء يسير بنعومة.
واذ انقضت السنتان ١٩١٤ ثم ١٩١٥، كان اولئك المسيحيون الممسوحون بالروح ينتظرون بشوق شديد اتمام رجائهم السماوي. وفي الوقت نفسه جرى تشجيعهم على البقاء مشغولين بخدمة الرب. ورغم انهم اعتبروا وقتهم الباقي في الجسد قصيرا جدا، صار واضحا انه لمواصلة الكرازة بالبشارة بترتيب كان يلزم توجيه اكثر مما عندما كانوا يُعَدّون بمئات قليلة. وبعد ان صار ج. ف. رذرفورد الرئيسَ الثاني لجمعية برج المراقبة بوقت قصير، اتخذ هذا التوجيه اوجها جديدة. وعدد ١ آذار ١٩١٧ (بالانكليزية) من برج المراقبة اعلن انه، من ذلك الحين فصاعدا، سيعيِّن مكتب الجمعية كل المقاطعة التي سيخدمها الموزعون الجائلون للمطبوعات والعمال الرعويونe في الجماعات. وحيثما اشترك عمال محليون وموزعون جائلون للمطبوعات على السواء في خدمة حقل كهذه في مدينة او منطقة، كانت المقاطعة تقسَّم في ما بينهم بواسطة لجنة اقليمية معيَّنة محليا. وقد ساهم هذا الترتيب في توزيع بارز حقا لـ السر المنتهي في غضون اشهر قليلة في ١٩١٧-١٩١٨. وكان ذلك قيِّما ايضا في تحقيق توزيع سريع لـ ٠٠٠,٠٠٠,١٠ نسخة من تشهير قوي للعالم المسيحي في نشرة ابرزت الموضوع «سقوط بابل.»
وبعد ذلك بوقت قصير جرى اعتقال اعضاء هيئة مديري الجمعية، وفي ٢١ حزيران ١٩١٨ حُكم عليهم بالسجن ٢٠ سنة. فبلغت الكرازة بالبشارة مرحلة جمود فعلي. فهل كان ذلك الوقتَ الذي سيتحدون فيه اخيرا مع الرب في المجد السماوي؟
بعد اشهر قليلة انتهت الحرب. وفي السنة التالية أُطلق سراح رسميي الجمعية. وكانوا لا يزالون في الجسد. ولم يحصل ما توقعوه، لكنهم استنتجوا انه لا بد ان يكون للّٰه عمل بعدُ ليقوموا به هنا على الارض.
لقد اجتازوا قبل وقت قليل امتحانات قاسية لايمانهم. ولكن في السنة ١٩١٩ شدَّدتهم برج المراقبة بدروس مثيرة من الاسفار المقدسة حول المحور «مباركون هم الشجعان.» وهذه تبعتها المقالة «فرص للخدمة.» لكنَّ الاخوة لم يتصوروا التطوُّرات التنظيمية الواسعة التي كانت ستحدث خلال العقود التالية.
المثال اللائق للرعية
قدَّر الاخ رذرفورد ان المثال اللائق للرعية امر حيوي بغية استمرار العمل في التقدم بترتيب وبطريقة موحَّدة مهما كان الوقت قصيرا. فقد وصف يسوع أتباعه كخراف، والخراف تتبع راعيها. طبعا، يسوع نفسه هو الراعي الصالح، لكنه يستخدم ايضا شيوخا كرعاة معاونين لشعبه. (١ بطرس ٥:١-٣) وهؤلاء الشيوخ يجب ان يكونوا رجالا يشتركون هم انفسهم في العمل الذي عيَّنه يسوع ويشجعون الآخرين على ذلك. ويجب ان يملكوا بشكل اصيل روح التبشير. ولكن، عند توزيع السر المنتهي، تقاعس بعض الشيوخ؛ حتى ان البعض كانوا صرحاء تماما في تثبيط الآخرين عن الاشتراك.
اتُّخذت خطوة بالغة الاهمية نحو تصحيح هذا الوضع في السنة ١٩١٩ عندما بدأت مجلة العصر الذهبي بالصدور. وهذه كانت ستصير اداة فعَّالة لاعلان ملكوت اللّٰه بصفته الحل الدائم الوحيد لمشاكل الجنس البشري. فكل جماعة ترغب في الاشتراك في هذا النشاط دُعيت ان تطلب من الجمعية ان تسجِّلها بصفتها «هيئة خدمة.» ثم عيَّنت الجمعية مديرا، او مدير خدمة كما صار معروفا، غير خاضع للانتخاب السنوي.f وبصفته الممثل المحلي للجمعية، كان سينظِّم العمل، يعيِّن المقاطعة، ويشجع الجماعة على الاشتراك في خدمة الحقل. وهكذا، الى جانب الشيوخ والشمامسة المنتخَبين ديموقراطيا، ابتدأ يعمل نوع آخر من الترتيب التنظيمي، نوع يعترف بسلطة التعيين من خارج الجماعة المحلية ويشدِّد اكثر على الكرازة ببشارة ملكوت اللّٰه.g
خلال السنوات التي تلت، أُعطي عمل المناداة بالملكوت زخما هائلا، كما لو انه بقوة لا تقاوَم. فالحوادث في السنة ١٩١٤ وما بعدها اوضحت ان النبوة العظمى التي يصف فيها الرب يسوع المسيح اختتام النظام القديم كانت تختبر الاتمام. وعلى ضوء ذلك، في السنة ١٩٢٠، بيَّنت برج المراقبة ان هذا، كما أُنبئ في متى ٢٤:١٤، هو الوقت للمناداة بالبشارة عن «نهاية نظام الاشياء القديم وتأسيس ملكوت المسيَّا.»h (متى ٢٤:٣-١٤) وبعد حضور محفل تلاميذ الكتاب المقدس في سيدر پوينت، اوهايو، في السنة ١٩٢٢، غادر المندوبون والشعار يرنّ في آذانهم: «أَعلنوا، أَعلنوا، أَعلنوا، الملك وملكوته.» ودور المسيحيين الحقيقيين صار اوضح ونال تشديدا اكثر ايضا في السنة ١٩٣١، عند تبنّي الاسم شهود يهوه.
صار واضحا ان يهوه عيَّن لخدامه عملا يمكنهم جميعا ان يشتركوا فيه. وكان هنالك تجاوب حماسي. فكثيرون صنعوا تعديلات رئيسية في حياتهم لتخصيص وقتهم الكامل لهذا العمل. وحتى بين اولئك الذين خصَّصوا مجرد جزء من الوقت، صرف عدد كبير اياما كاملة في خدمة الحقل في نهايات الاسابيع. واذ تجاوبوا مع التشجيع الوارد في برج المراقبة و Informant (المخبر) في السنتين ١٩٣٨ و ١٩٣٩، سعى كثيرون من شهود يهوه آنذاك بضمير حي الى تخصيص ٦٠ ساعة شهريا لخدمة الحقل.
وبين اولئك الشهود الغيارى كان هنالك كثيرون من خدام يهوه المتواضعين المخلصين الذين كانوا شيوخا في الجماعات. ولكن في بعض الاماكن، خلال عشرينات الـ ١٩٠٠ وأوائل ثلاثينات الـ ١٩٠٠، كانت هنالك ايضا مقاومة كبيرة لفكرة اشتراك كل فرد في خدمة الحقل. وكثيرا ما كان الشيوخ المنتخَبون ديموقراطيا صرحاء تماما في معارضة ما تقوله برج المراقبة عن مسؤولية الكرازة للناس خارج الجماعة. ورفْض الاصغاء الى ما يقوله روح اللّٰه، بواسطة الاسفار المقدسة، للجماعة في هذه المسألة اعاق تدفق روح اللّٰه في تلك الفرق. — رؤيا ٢:٥، ٧.
اتُّخذت الاجراءات في السنة ١٩٣٢ لتصحيح هذا الوضع. ولم تكن نقطة الاهتمام الرئيسي ما اذا كان بعض الشيوخ البارزين يمكن ان يستاءوا او ما اذا كان بعض المقترنين بالجماعات يمكن ان ينسحبوا. لكنَّ رغبة الاخوة كانت ارضاء يهوه وفعل مشيئته. ولهذه الغاية، ابرز العددان ١٥ آب و ١ ايلول (بالانكليزية) من برج المراقبة في تلك السنة الموضوع «هيئة يهوه.»
اظهرت هذه المقالات بالتحديد ان جميع الذين هم حقا جزء من هيئة يهوه سيقومون بالعمل الذي تقول كلمته انه يجب القيام به خلال فترة الوقت هذه. وأيَّدت المقالات النظرة ان الكينونة شيخا مسيحيا ليست منصبا يمكن ان يُنتخَب المرء له ولكنها حالة يجري بلوغها بالنمو الروحي. وشُدِّد خصوصا على صلاة يسوع ان يكون «جميع» أتباعه «واحدا» — في اتحاد مع اللّٰه والمسيح، وبالتالي متحدين واحدهم بالآخر في فعل مشيئة اللّٰه. (يوحنا ١٧:٢١) وبأية نتيجة؟ اجابت المقالة الثانية ان «كل فرد من البقية يجب ان يكون شاهدا لاسم يهوه اللّٰه وملكوته.» ولم يكن الاشراف ليُعهَد فيه الى ايٍّ من الذين يفشلون او يرفضون ان يفعلوا ما يمكنهم فعله بشكل معقول للاشتراك في الشهادة العلنية.
وعند اختتام درس هذه المقالات، دُعيت الجماعات الى اصدار قرار يشير الى موافقتها. وهكذا أُلغي الانتخاب الجماعي السنوي للرجال ليكونوا شيوخا وشمامسة. وفي بلفاست، ايرلندا الشمالية، كما في اماكن اخرى، ترك بعض «الشيوخ المنتخَبين» السابقين معاشرة الجماعة؛ والافراد الآخرون الذين شاركوهم في نظرتهم مضوا معهم. فنتج عن ذلك نقص في عدد المقترنين بالجماعة ولكن تقوية لكامل الهيئة. وأولئك الذين بقوا كانوا اناسا على استعداد لتحمل مسؤولية الشهادة المسيحية. وعوضا عن انتخاب الشيوخ، اختارت الجماعات — اذ كانت لا تزال تستخدم الاساليب الديموقراطية — لجنة خدمةi مؤلَّفة من رجال ناضجين روحيا يشتركون بنشاط في الشهادة العلنية. وأعضاء الجماعة انتخبوا ايضا عريفا للاشراف على اجتماعاتهم اضافة الى كاتب وأمين صندوق. وكان جميع هؤلاء رجالا من الشهود النشاطى ليهوه.
واذ عُهِد الآن في الاشراف على الجماعة الى رجال يهتمون لا بالمركز الشخصي بل بالقيام بعمل اللّٰه — الشهادة لاسمه وملكوته — ويرسمون مثالا جيدا باشتراكهم فيه، تَقدَّم العمل بنعومة اكثر. ومع انهم لم يعرفوا ذلك آنذاك، كان هنالك الكثير لفعله، شهادة اوسع مما جرى تقديمه سابقا، تجميع لم يتوقعوه. (اشعياء ٥٥:٥) ومن الواضح ان يهوه كان يعدّهم لذلك.
ابتدأ قليلون من ذوي الرجاء بالحياة الابدية على الارض يعاشرونهم.j لكنَّ الكتاب المقدس سبق وأنبأ بتجميع جمع كثير بقصد حفظهم عبر الضيقة العظيمة القادمة. (رؤيا ٧:٩-١٤) وفي السنة ١٩٣٥ جرى ايضاح هوية هذا الجمع الكثير. والتغييرات في اختيار النظار خلال ثلاثينات الـ ١٩٠٠ جهَّزت الهيئة على نحو افضل للاعتناء بعمل تجميعهم، تعليمهم، وتدريبهم.
بالنسبة الى معظم شهود يهوه، كان العمل الموسَّع هذا تطوُّرا مثيرا. واتخذت خدمتهم للحقل معنى جديدا. لكنَّ البعض لم يكونوا تواقين الى الكرازة. فامتنعوا عن الاشتراك فيها، وحاولوا تبرير خمولهم بالمحاجّة انه لن يجري تجميع جمع كثير إلا بعد هرمجدون. لكنَّ الغالبية رأوا فرصة جديدة للاعراب عن ولائهم ليهوه ومحبتهم لرفيقهم الانسان.
وكيف تلاءم الذين هم من الجمع الكثير مع بنية الهيئة؟ لقد أُظهر لهم الدور الذي عيَّنته كلمة اللّٰه لـ «القطيع الصغير» من الممسوحين بالروح، فعملوا بسرور وفق هذا الترتيب. (لوقا ١٢:٣٢-٤٤) وتعلَّموا ايضا انه، كالمسيحيين الممسوحين بالروح، لديهم مسؤولية الاشتراك في البشارة مع الآخرين. (رؤيا ٢٢:١٧) وبما انهم ارادوا ان يكونوا رعايا ارضيين لملكوت اللّٰه، يجب ان يأتي هذا الملكوت اولا في حياتهم، ويجب ان يكونوا غيورين في اخبار الآخرين عنه. ولكي ينطبق عليهم وصف الكتاب المقدس لأولئك الذين سيُحفظون عبر الضيقة العظيمة الى نظام اللّٰه الجديد، يجب ان يكونوا اشخاصا «يصرخون بصوت عظيم قائلين الخلاص لالهنا الجالس على العرش وللخروف.» (رؤيا ٧:١٠، ١٤) وفي السنة ١٩٣٧، اذ ابتدأت اعدادهم تنمو وصارت غيرتهم للرب ظاهرة، دُعوا ايضا الى المساعدة على حمل ثقل المسؤولية في الاشراف على الجماعة.
ولكن، جرى تذكيرهم بأن الهيئة هي ليهوه، لا لأيّ انسان. ولم يكن ليوجد انقسام بين بقية الممسوحين بالروح والذين هم من الجمع الكثير من الخراف الاخر. فكان يجب ان يعملوا معا كاخوة وأخوات في خدمة يهوه. وكما قال يسوع، «لي خراف اخر ليست من هذه الحظيرة ينبغي ان آتي بتلك ايضا فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة وراع واحد.» (يوحنا ١٠:١٦) وواقع هذا الامر صار يتضح.
حدثت تطوُّرات مذهلة في الهيئة في فترة من الوقت قصيرة نسبيا. ولكن هل كان هنالك شيء اكثر يلزم القيام به لكي تُدار شؤون الجماعات بانسجام تام مع طرائق يهوه كما هي مبيَّنة في كلمته الموحى بها؟
هيئة ثيوقراطية
«الثيوقراطية» تعني «حكم اللّٰه.» فهل كان ذلك نوع الحكم الذي ساد الجماعات؟ أليس انهم لم يعبدوا يهوه فقط بل تطلعوا ايضا اليه من اجل توجيه شؤونهم الجماعية؟ وهل عملوا كاملا وفق ما قاله عن هذه الامور في كلمته الموحى بها؟ ان مقالة «الهيئة» المؤلَّفة من جزءين التي ظهرت في برج المراقبة ١ و ١٥ حزيران ١٩٣٨ (بالانكليزية)، ذكرت بالتحديد: «ان هيئة يهوه ليست ديموقراطية على الاطلاق. فيهوه هو الاسمى، وحكومته او هيئته هي ثيوقراطية كاملا.» غير انه في الجماعات المحلية لشهود يهوه في ذلك الوقت كانت الاجراءات الديموقراطية لا تزال تُستخدم في اختيار معظم الافراد الموكول اليهم الاشراف على الاجتماعات وخدمة الحقل. فالتغييرات الاضافية كانت ملائمة.
ولكن ألم تُشِر الاعمال ١٤:٢٣ الى ان الشيوخ في الجماعات يجب تعيينهم في المنصب ‹بمدّ اليد› كما في التصويت؟ ان اولى مقالتي برج المراقبة هاتين بعنوان «الهيئة» اعترفت بأن هذه الآية أُسيء فهمها في الماضي. فلم تكن التعيينات تجري بين مسيحيي القرن الاول ‹بمدّ اليد› من جهة جميع اعضاء الجماعة. ولكن أُظهر ان الرسل والممنوحين السلطة منهم هم الذين ‹مدّوا ايديهم.› وكان ذلك يجري ليس بالاشتراك في تصويت الجماعة بل بوضع ايديهم على الافراد الاكفاء. وكان ذلك رمزا الى التثبيت، الموافقة، او التعيين.k والجماعات المسيحية الاولى كانت احيانا توصي برجال اكفاء، لكنَّ الاختيار الاخير او الموافقة كان يجري بواسطة الذين كُلِّفوا مباشرة من قِبَل المسيح، او بواسطة الممنوحين السلطة من قِبَل الرسل. (اعمال ٦:١-٦) ولفتت برج المراقبة الانتباه الى واقع انه فقط في رسالتين الى ناظرَين مسؤولَين (تيموثاوس وتيطس) اعطى الرسول بولس، تحت توجيه الروح القدس، ارشادات لتعيين النظار. (١ تيموثاوس ٣:١-١٣؛ ٥:٢٢؛ تيطس ١:٥) ولم تتضمن اية من الرسائل الموحى بها الموجَّهة الى الجماعات مثل هذه الارشادات.
اذًا كيف كانت ستُجرَى التعيينات آنذاك للخدمة في الجماعات؟ ان تحليل برج المراقبة للتنظيم الثيوقراطي اظهر من الاسفار المقدسة ان يهوه عيَّن يسوع المسيح ‹رأسا . . . للجماعة›؛ أنه عندما رجع المسيح بصفته السيد، عهد الى ‹عبده الامين الحكيم› في مسؤولية الاشراف «على جميع امواله»؛ أن العبد الامين الحكيم هذا مؤلَّف من كل الافراد الموجودين على الارض الذين مُسِحوا بالروح القدس ليكونوا وارثين مع المسيح والذين يخدمون باتحاد تحت توجيهه؛ وأن المسيح يستخدم صف العبد هذا بصفته وكالته في تزويد الاشراف اللازم على الجماعات. (كولوسي ١:١٨، عج؛ متى ٢٤:٤٥-٤٧؛ ٢٨:١٨) فمن واجب صف العبد ان يطبق بروح الصلاة الارشادات المذكورة بوضوح في كلمة اللّٰه الموحى بها، مستخدما اياها ليقرِّر مَن هم اكفاء لمراكز الخدمة.
وبما ان الوكالة المنظورة التي كان المسيح سيستخدمها هي العبد الامين الحكيم (ووقائع التاريخ العصري التي جرى التأمل فيها سابقا تُظهر ان هذا «العبد» يستخدم جمعية برج المراقبة كأداة شرعية)، اوضحت برج المراقبة ان الاجراء الثيوقراطي يقتضي ان تُجرى تعيينات الخدمة بواسطة هذه الوكالة. وكما اعترفت الجماعات في القرن الاول بالهيئة الحاكمة في اورشليم، كذلك اليوم لن تزدهر الجماعات روحيا دون اشراف مركزي. — اعمال ١٥:٢-٣٠؛ ١٦:٤، ٥.
ولكن للنظر الى الامور في علاقتها الصحيحة، لُفِتَ الانتباه الى انه عندما تشير برج المراقبة الى «الجمعية،» يعني ذلك، لا مجرد الاداة الشرعية، بل هيئة المسيحيين الممسوحين التي شكَّلت واستخدمت هذا الكيان الشرعي. وهكذا عنى التعبير العبدَ الامين الحكيم مع هيئته الحاكمة.
وحتى قبل نشر مقالتَي برج المراقبة بعنوان «الهيئة» في السنة ١٩٣٨، عندما نمت الجماعات في لندن، نيويورك، شيكاڠو، ولوس انجلوس الى حد انه صار مستحسنا تقسيمها الى فرق اصغر، طلبت الى الجمعية ان تعيِّن جميع خدامها. وعدد ١٥ حزيران ١٩٣٨ (بالانكليزية) من برج المراقبة دعا الآن كل الجماعات الاخرى ان تتخذ اجراء مماثلا. ولهذه الغاية جرى اقتراح القرار التالي:
«نحن، فرقة شعب اللّٰه المأخوذ على اسمه، والموجودين الآن في . . . . . . . . . . . .، نعترف بأن حكومة اللّٰه هي ثيوقراطية محض وأن المسيح يسوع هو في الهيكل وهو مسؤول ويضبط كاملا هيئة يهوه المنظورة، وكذلك غير المنظورة، وأن ‹الجمعية› هي الممثل المنظور للرب على الارض، ولذلك نطلب الى ‹الجمعية› ان تنظِّم هذه الفرقة للخدمة وتعيِّن مختلف الخدام فيها، لكي نعمل جميعا معا في سلام، برّ، انسجام ووحدة تامة. ونرفق بهذه الوثيقة قائمة بأسماء الاشخاص في هذه الفرقة الذين يبدون لنا اكثر نضجا والذين يبدون بالتالي الأنسب لملء المراكز الخصوصية المعيَّنة للخدمة.»l
وافقت تقريبا كل جماعات شهود يهوه بسرعة على ذلك. وأولئك القليلون الذين امتنعوا سرعان ما توقفوا كليا عن الاشتراك في المناداة بالملكوت وبالتالي لم يعودوا شهودا ليهوه.
فوائد التوجيه الثيوقراطي
من الواضح انه لو كان ممكنا ان تقرَّر التعاليم، مقاييس السلوك، واجراءات التنظيم او الشهادة محليا، لفقدت الهيئة سريعا هويتها ووحدتها. وكان يمكن ان ينقسم الاخوة بسهولة نتيجة الاختلافات الاجتماعية، الثقافية، والقومية. ومن ناحية اخرى، كان التوجيه الثيوقراطي سيضمن وصول الفوائد الناجمة عن التقدم الروحي الى كل الجماعات حول العالم دون عائق. وهكذا كانت ستوجد الوحدة الحقيقية التي صلَّى يسوع ان تسود بين أتباعه الحقيقيين، وسيُنجز كاملا عمل التبشير الذي اوصى به. — يوحنا ١٧:٢٠-٢٢.
ولكنَّ البعض ادَّعوا انه بتأييد هذا التغيير التنظيمي كان ج. ف. رذرفورد يسعى الى كسب سيطرة اعظم على الشهود وأنه استخدم هذه الوسيلة لتوطيد سلطته. فهل كانت الحال كذلك؟ لا شك في ان الاخ رذرفورد كان رجلا ذا قناعات قوية. وقد تكلَّم جهارا بقوة ودون مسايرة دفاعا عما آمن بأنه الحق. وكان يمكن ان يكون فظًّا تماما في معالجة الحالات عندما يرى ان الناس مهتمون بنفسهم اكثر مما بعمل الرب. لكنَّ الاخ رذرفورد كان متواضعا بشكل اصيل امام اللّٰه. وكما كتب لاحقا كارل كلاين، الذي صار عضوا في الهيئة الحاكمة في السنة ١٩٧٤: «ان صلوات الاخ رذرفورد في العبادة الصباحية . . . حبَّبته اليَّ. ورغم انه كان يتمتع بصوت قوي، كان يبدو عند مخاطبته اللّٰه كصبي صغير يتحدث الى ابيه. فيا للعلاقة البديعة بيهوه التي كشَفها ذلك!» كان الاخ رذرفورد مقتنعا تماما في ما يتعلق بهوية هيئة يهوه المنظورة، وسعى الى التيقن انه ما من انسان او فريق من الناس يمكن ان يعيق الاخوة محليا عن نيل الفائدة الكاملة من الطعام الروحي والتوجيه الذي كان يهوه يزوِّده لخدامه.
ومع ان الاخ رذرفورد خدم طوال ٢٥ سنة كرئيس لجمعية برج المراقبة وخصَّص كل طاقته لترويج عمل الهيئة، إلا انه لم يكن قائدا لشهود يهوه، ولم يُرِدْ ان يكون كذلك. وفي محفل في سانت لويس، ميسوري، في السنة ١٩٤١، قبيل موته، تكلم عن مسألة القيادة، قائلا: «اريد ان يعرف ايّ من الغرباء هنا ما هو رأيكم في ان يكون رجل قائدا لكم، حتى لا ينسوا. فكلما نشأ شيء وابتدأ ينمو يقولون ان هنالك رجلا قائدا له أتباع كثيرون. فاذا كان هنالك ايّ شخص من هذا الحضور يعتقد انني انا، هذا الرجل الواقف هنا، هو قائد شهود يهوه، فليقل نعم.» كان التجاوب صمتا مؤثِّرا خرقته فقط «لا» تأكيدية من افراد عديدين من الحضور. وتابع الخطيب: «واذا كنتم انتم الموجودين هنا تعتقدون انني مجرد واحد من خدام الرب، وأننا نعمل معا كتفا الى كتف في وحدة، خادمين اللّٰه وخادمين المسيح، فقولوا نعم.» وبصوت مدوٍّ واحد اجاب الحضور بـ «نعم!» حاسمة. وفي الشهر التالي تجاوب الحضور في انكلترا بالطريقة نفسها تماما.
في بعض المناطق جرى الشعور سريعا بفوائد التنظيم الثيوقراطي. وفي اماكن اخرى استغرق الامر مدة اطول؛ والذين لم يبرهنوا انهم خدام ناضجون متواضعون عُزلوا في حينه، وآخرون عُيِّنوا.
ومع ذلك، اذ ترسَّخت الاجراءات الثيوقراطية بشكل اكمل، ابتهج شهود يهوه باختبار ما أُنبئ به مسبقا في اشعياء ٦٠:١٧. يقول يهوه هنا، مستخدما تعابير مجازية لتصوير الاحوال المتحسنة التي كانت ستوجد بين خدام اللّٰه: «عوضا عن النحاس آتي بالذهب وعوضا عن الحديد آتي بالفضة وعوضا عن الخشب بالنحاس وعوضا عن الحجارة بالحديد وأجعل وكلاءك سلاما وولاتك برا.» لا يصف ذلك ما كان البشر سيفعلونه بل بالاحرى ما كان اللّٰه نفسه سيفعله والفوائد التي كان خدامه سينالونها اذ يذعنون لها. فيجب ان يسود السلام في وسطهم. ويجب ان تكون محبة البر القوة التي تدفعهم الى الخدمة.
من البرازيل كتبت مود يولي، زوجة ناظر الفرع، الى الاخ رذرفورد: «ان المقالة ‹الهيئة› في عددي ١ و ١٥ حزيران [١٩٣٨، بالانكليزية] من برج المراقبة تدفعني الى التعبير بكلمات قليلة لك، انت الذي يستخدم يهوه خدمته الامينة، عن شكري ليهوه على الترتيب البديع الذي اعدَّه لهيئته المنظورة، كما ورد في هذين العددين من برج المراقبة. . . . يا لها من راحة ان نرى نهاية ‹الحكم الذاتي›، بما في ذلك ‹حقوق المرأة› والاجراءات الاخرى غير المؤسسة على الاسفار المقدسة التي اخضعت بعض الاشخاص للآراء المحلية والحكم الفردي، بدلا من [يهوه اللّٰه ويسوع المسيح]، الامر الذي جلب التعيير على اسم يهوه. صحيح انه فقط ‹منذ عهد قريب اشارت الجمعية الى الجميع في الهيئة بصفتهم «خداما»›، لكنني الاحظ انه قبل ذلك الوقت بسنين عديدة اعترفتَ في مراسلاتك لاخوتك بأنك ‹اخوكم وخادمكم، بنعمته›.»
وفي ما يتعلق بهذا التعديل التنظيمي ذكر تقرير الفرع في الجزر البريطانية: «كان التأثير الجيد لذلك مدهشا تماما. فالوصف الشعري والنبوي لذلك في اشعياء الاصحاح الستين مفعم بالجمال ولكن دون مبالغة. وكل مَن هو في الحق كان يتكلم عنه. وكان الموضوع الرئيسي للمحادثة. فسادَ شعور عام بالانتعاش — استعداد للمضيّ قُدُما في معركة هادفة. واذ ازداد التوتر العالمي، كثر الفرح بالحكم الثيوقراطي.»
-
-
تطوُّر بنية الهيئةشهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
[الاطار في الصفحة ٢٠٧]
لماذا التغيير؟
عندما سُئل عن تغيير رأيه في اختيار الشيوخ في مختلف فرق شعب الرب اجاب ت. ت. رصل:
«اولا ابادر الى التأكيد لكم انني لم ادَّعِ قط العصمة من الخطإ. . . . ونحن لا ننكر النمو في المعرفة، وأننا نرى الآن في ضوء مختلف قليلا مشيئة الرب في ما يختص بالشيوخ او القادة في مختلف فرق شعبه الصغيرة. وغلطتنا في الرأي كانت في توقع الكثير جدا من الاخوة الاعزاء الذين، اذ اتوا باكرا الى الحق، صاروا القادة الطبيعيين لهذه الفرق الصغيرة. وكانت النظرة المثالية اليهم التي اتخذناها باعزاز هي ان معرفة الحق ستؤثر فيهم تأثيرا يتسم بالتواضع الشديد، جاعلة اياهم يقدِّرون عدم اهميتهم، وأن كل ما يعرفونه ويتمكنون من عرضه للآخرين كان بوصفهم ناطقين بلسان اللّٰه ولأنه يستخدمهم. وكانت آمالنا المثالية ان يصير هؤلاء امثلة للرعية بكل معنى الكلمة؛ وأنه في حال جلبت عناية الرب الى الفرقة الصغيرة واحدا او اكثر من الاخوة ذوي الكفاءة المساوية، او الاكثر كفاءة، لعرض الحق، ان تقودهم روح المحبة الى اعتبار احدهم الآخر، وبالتالي مساعدة وحثّ احدهم الآخر على الاشتراك في خدمة الكنيسة، جسد المسيح.
«واذ كنا نفكِّر هكذا، استنتجنا ان النصيب الاكبر من النعمة والحق الذي حان وقته الآن والذي يقدِّره شعب الرب المكرَّس كان سيجعله غير ضروري ان يتَّبعوا المسلك الذي رسمه الرسل في الكنيسة الباكرة. وغلطنا كان في الفشل في الادراك ان الترتيبات التي ذكرها الرسل تحت الاشراف الالهي هي اسمى من ايّ شيء يمكن ان يستنبطه الآخرون، وأن الكنيسة ككل ستحتاج الى حيازة القوانين التي اسسها الرسل، الى الوقت الذي فيه، بتغيُّرنا في القيامة، سنتمَّم ونكمَّل ونكون مباشرة مع السيد.
«وغلطنا اتضح لنا تدريجيا، اذ رأينا بين اخوتنا الاعزاء روح التنافس الى حد ما، ومن جهة الكثيرين رغبة في تولِّي قيادة الاجتماعات كمنصب عوضا عن خدمة، وفي استثناء واعاقة الاخوة الآخرين عن النمو كقادة، الاخوة ذوي المقدرة المساوية طبيعيا والمعرفة المساوية للحق والكفاءة في استخدام سيف الروح بمهارة.» — «برج مراقبة زيون،» ١٥ آذار ١٩٠٦، ص ٩٠ (بالانكليزية).
-
-
تطوُّر بنية الهيئةشهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
[الاطار/الصورة في الصفحة ٢١٥]
اسئلة V.D.M.
ان الاحرف .V.D.M تمثِّل الكلمات اللاتينية “، Verbi Dei Minister” او خادم الكلمة الالهية.
في السنة ١٩١٦ اعدَّت الجمعية قائمة بأسئلة حول مسائل من الاسفار المقدسة. وطُلب من اولئك الذين كانوا سيمثِّلون الجمعية كخطباء ان يجيبوا عن كلٍّ من الاسئلة كتابيا. وهذا مكَّن الجمعية من معرفة افكار، آراء، وفهم هؤلاء الاخوة في ما يختص بحقائق الكتاب المقدس الاساسية. وكانت هيئة فاحصة في مكاتب الجمعية تفحص بدقة الاجوبة المكتوبة. والذين يُعتَرف بهم كخطباء اكفاء كان يجب ان ينالوا علامة ٨٥ في المئة او اكثر.
وفي ما بعد سأل كثيرون من الشيوخ، الشمامسة، وتلاميذ الكتاب المقدس الآخرين عما اذا كان بامكانهم الحصول على قائمة الاسئلة. وفي حينه، ذُكر انه من المفيد ان تختار الصفوف كممثِّلين لها الاشخاص الذين تأهلوا فقط بصفتهم V.D.M.
وعندما كانت الجمعية تمنح درجة خادم الكلمة الالهية، لم يكن ذلك يعني ان الفرد قد عُيِّن. فكان ذلك يدلّ ان الهيئة الفاحصة في مكاتب الجمعية قد راجعت التطوُّر العقائدي للشخص، والى حد معقول سمعته، واستنتجت انه اهل لأن يُدعى خادم الكلمة الالهية.
اسئلة الـ V.D.M هي كما يلي:
(١) ماذا كان عمل اللّٰه الخلقي الاول؟
(٢) ما هو معنى الكلمة «لوغوس،» كما تقترن بابن اللّٰه؟ وإلى ماذا تشير الكلمتان الآب والابن؟
(٣) متى وكيف دخلت الخطية الى العالم؟
(٤) ما هو العقاب الالهي للخطاة على الخطية؟ ومَن هم الخطاة؟
(٥) لماذا كان ضروريا ان يصير «لوغوس» جسدا؟ وهل «تجسَّد»؟
(٦) من اية طبيعة كان الانسان المسيح يسوع من الطفولية الى الموت؟
(٧) من اية طبيعة هو يسوع منذ القيامة؛ وما هي علاقته الرسمية بيهوه؟
(٨) ما هو عمل يسوع خلال عصر الانجيل هذا — خلال الفترة الممتدة من يوم الخمسين حتى الوقت الحاضر؟
(٩) ماذا فعل يهوه اللّٰه حتى الآن لعالم الجنس البشري؟ وماذا فعل يسوع؟
(١٠) ما هو القصد الالهي في ما يتعلق بالكنيسة عند اتمامه؟
(١١) ما هو القصد الالهي في ما يتعلق بعالم الجنس البشري؟
(١٢) ماذا سيكون مصير الذين لا سبيل الى تقويمهم اخيرا؟
(١٣) ماذا ستكون المكافأة او البركات التي ستأتي الى عالم الجنس البشري بسبب الطاعة لملكوت المسيَّا؟
(١٤) بأية خطوات يمكن للخاطئ ان يأتي الى علاقة حيوية بالمسيح وبالآب السماوي؟
(١٥) بعد ان يولَد المسيحي من الروح القدس، ما هو مسلكه، حسب الارشاد في كلمة اللّٰه؟
(١٦) هل تحوَّلتَ عن الخطية لتخدم الاله الحي؟
(١٧) هل كرَّستَ كاملا حياتك وكل قواك ومواهبك للرب ولخدمته؟
(١٨) هل رمزتَ الى هذا التكريس بالتغطيس في الماء؟
(١٩) هل تبنَّيتَ نذر جمعية تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم في ما يختص بقداسة الحياة؟
(٢٠) هل قرأتَ بشكل شامل ودقيق المجلدات الستة من دروس في الاسفار المقدسة؟
(٢١) هل استمددتَ الكثير من الاستنارة والفائدة منها؟
(٢٢) هل تعتقد انك تملك معرفة جوهرية ودائمة من الكتاب المقدس ستجعلك اكثر فعَّالية كخادم للرب طيلة ما تبقَّى من حياتك؟
-