-
«جعلتُ كلامي في فمك»رسالة من اللّٰه بفم ارميا
-
-
الفصل الاول
«جعلتُ كلامي في فمك»
١، ٢ لمَ نثق بما نقرأه في الكتاب المقدس؟
«يوجد صديق ألصق من الاخ». (ام ١٨:٢٤) هل تلمس صحة هذه الكلمات الملهمة؟ ان الصديق الحقيقي كلامه موثوق في نظرك. ولا بد انك تصدقه اذا قدم لك اطراء او اطلعك على مخططاته. وعندما يلفت انتباهك الى امر يحتاج الى تعديل، فالارجح انك تتقبل ملاحظته برحابة صدر وتعمل بها. فصديقك هذا يبرهن على مرّ السنين انه يريد مصلحتك، حتى حينما يسدي اليك النصائح. فهو يتمنى لك الافضل في الحياة. وأنت تسعى الى معاملته بالمثل كي تدوم صداقتكما.
٢ من نواحٍ عديدة، ترى مثل هذا الصديق الحقيقي في الرجال الذين استخدمهم اللّٰه لكتابة اسفار الكتاب المقدس. فأنت لا تتردد في تصديق كلامهم، وتعرف تمام المعرفة انه يؤول الى خيرك. وهذا ما كان يُفترض ان يشعر به الاسرائيليون القدماء حيال ‹الاشخاص الذين تكلموا من قبل اللّٰه مسوقين بروح قدس›. (٢ بط ١:٢٠، ٢١) وأحد هؤلاء الاشخاص هو ارميا الذي دوّن اكبر سفر نبوي، اضافة الى المراثي وسفرَين آخرَين في الكتاب المقدس.
٣، ٤ كيف ينظر البعض الى سفرَي ارميا والمراثي، ولمَ نظرتهم مغلوطة؟ اوضحوا.
٣ ولكن لعلك تلاحظ ان بعض قرّاء الكتاب المقدس يرون ان كتابات ارميا لا تخصّهم. فهم يظنون ان سفرَي ارميا والمراثي كناية عن تحذيرات قوية وتكهنات مشؤومة ليس إلا. فهل هذا الظن في محله؟
٤ لا ننكر طبعا ان ارميا قدّم نصائح وتنبيهات واضحة ومباشرة. لكنك تعرف ان الصديق الحقيقي يفعل ذلك احيانا. حتى يسوع قوّم بصراحة اصدقاءه الرسل حين اعربوا عن مواقف خاطئة. (مر ٩:٣٣-٣٧) الا ان رسالته الاساسية بعثت الرجاء والفرح في النفوس، مظهرة السبيل الى نيل رضى اللّٰه والتمتع بالسعادة الى الابد. (مت ٥:٣-١٠، ٤٣-٤٥) كذلك هي كتابات ارميا التي تعدّ جزءا من «كل الاسفار المقدسة» النافعة ‹للتقويم›. (٢ تي ٣:١٦) فمع انه كشف بوضوح نظرة يهوه الى الذين ادعوا خدمته واستحقوا ان يحصدوا عواقب طرقهم الشريرة، فقد ضمّن سفرَيه ارميا والمراثي رسالة رجاء وأظهر كيف لنا ان ننعم بمستقبل زاخر بالبركات. وتفوّه ايضا بنبوات عما سيفعله اللّٰه انسجاما مع قصده، نبوات نحن اليوم معنيون مباشرة بإتمامها. كما نجد في ثنايا هذَين السفرَين عبارات تبنينا وتشجعنا. — اقرأ ارميا ٣١:١٣، ٣٣؛ ٣٣:١٠، ١١؛ المراثي ٣:٢٢، ٢٣.
٥ كيف تفيدنا كتابات ارميا؟
٥ وتؤثّر كتابات ارميا في سعادتنا الآن بين شعب اللّٰه وآمالنا بمستقبل مشرق. اليك مثلا معشر اخوتنا الموحَّد. فإرميا يعلّمنا كيف نقوّي اواصر اخوّتنا ونطبّق نصيحة الرسول بولس: «ايها الاخوة، افرحوا، كونوا مصلَحين، تعزَّوا، فكّروا فكرا واحدا، وعيشوا بسلام. وإله المحبة والسلام سيكون معكم». (٢ كو ١٣:١١) ويرتبط ايضا ما دوّنه النبي ارتباطا مباشرا بالرسالة التي نكرز بها. فرغم اننا نخبر الآخرين عن الايام الاخيرة ونحذّرهم من نهاية هذا النظام الوشيكة، يغلب على رسالتنا الطابع الايجابي اذ انها تمنح السامعين اساسا للرجاء. اضف الى ذلك ان كتابات ارميا تنفعنا كثيرا بطرائق عملية. فحياتنا والرسالة التي ننادي بها شبيهتان الى حد كبير بحياته ورسالته. ولفهم هذا كله، لنتأمل في خلفية وتعيين هذا النبي المثالي الذي قال له اللّٰه: «ها قد جعلتُ كلامي في فمك». — ار ١:٩.
٦، ٧ ماذا يؤكد لنا ان اللّٰه ابدى اهتماما بإرميا، وأية احوال عمّت يهوذا عندما وُلد؟
٦ ان اي زوجين ينتظران مولودا تراودهما خواطر كثيرة حوله، مثل: ‹اية شخصية يتحلى بها؟ وماذا تكون اهتماماته ومهنته وإنجازاته في الحياة؟›. لا شك ان افكارا كهذه جالت في بال والدَيك، وفي بال والدَي ارميا ايضا. الا ان حالة ارميا كانت استثنائية. لماذا؟ لأن خالق الكون بأسره اهتم بشكل خاص بحياته وعمله. — اقرأ ارميا ١:٥.
٧ نعم، استخدم اللّٰه معرفته المسبقة قبل ان يبصر ارميا النور. فهو ابدى اهتماما خصوصيا بصبي كان سيولد لعائلة كهنوتية تسكن شمال اورشليم. وقد وُلد هذا الصبي في اواسط القرن السابع قبل الميلاد حين كانت يهوذا في حالة مزرية بسبب تصرفات الملك منسى الفظيعة. (انظر الصفحة ١٩.) فمنسى فعل الشر في عيني يهوه خلال معظم فترة حكمه التي دامت ٥٥ سنة. وحذا حذوه ابنه آمون. (٢ مل ٢١:١-٩، ١٩-٢٦) غير ان تغيرا جذريا حدث في يهوذا باعتلاء يوشيا العرش خلفا لآمون. فهذا الملك طلب يهوه. وبعد مرور ١٨ سنة على ملكه، كان قد طهّر الارض من الصنمية. ولا بد ان ذلك اسعد والدَي ارميا. فابنهما نال تعيينه من اللّٰه خلال حكم يوشيا. — ٢ اخ ٣٤:٣-٨.
اية اسباب تدفعنا الى التأمل في سفرَي ارميا والمراثي؟
اللّٰه يختار ناطقا بلسانه
٨ اي مهمة أُوكلت الى ارميا، وماذا كان رد فعله؟
٨ لا نعرف كم كان عمر ارميا حين قال له اللّٰه: «جعلتك نبيا للامم». فلعله ناهز الـ ٢٥، وهي السن التي تخوّل الكاهن ان ينخرط في اولى مراحل خدمته. (عد ٨:٢٤) في كل الاحوال، اجاب ارميا: «آه ايها السيد الرب يهوه! ها اني لا اعرف ان اتكلم، لأني صبي». (ار ١:٦) فقد شعر بالتردد معتقدا ربما انه اصغر او اقل كفاءة من ان ينهض بمسؤوليات النبي الثقيلة ويخطب في الناس علنا.
٩، ١٠ في اية ظروف نال ارميا تفويضه، وكيف تبيّن مع الوقت ان تعيينه صعب جدا؟
٩ نال ارميا تفويضه فيما كان الملك يوشيا يستأصل العبادة الباطلة المقيتة ويروّج العبادة الحقة. وسواء كان هناك تواصل دائم بينهما او لا، سادت آنذاك اجواء مؤاتية تسهّل على النبي الحقيقي اتمام تعيينه. وخدم ايضا النبيان صفنيا وناحوم في بداية حكم يوشيا على يهوذا.a هذا بالاضافة الى النبية خلدة التي انبأت بقدوم اوقات عصيبة. وقد شهد ارميا تلك الاوقات خلال سني حياته. (٢ مل ٢٢:١٤) فصديقاه عبد ملك وباروخ عملا احيانا على انقاذه من الموت المحتّم او حمايته من اعدائه الراغبين في الانتقام منه.
١٠ فكيف تشعر اذا وكّلك اللّٰه بصفتك نبيا ايصال رسالة قوية؟ (اقرأ ارميا ١:١٠.) تأمل مثلا في احدى الرسائل التي لزم ان يعلنها ارميا. فسنة ٦٠٩ قم، كانت الجيوش البابلية تزحف نحو اورشليم. فأمِل الملك صدقيا بالحصول على بشائر خير من اللّٰه بفم ارميا. لكنّ النبي نقل اليه رسالة مختلفة. — اقرأ ارميا ٢١:٤-٧، ١٠.
انسان مثلنا
١١ لماذا ربما استصعب ارميا اتمام تعيينه، وماذا ساهم في تهدئة مخاوفه؟
١١ تخيّل ان علينا مثل ارميا اعلان رسائل تتضمّن احكاما قاسية وتشهيرا لاذعا ضد ملوك اشرار، كهنة فاسدين، وأنبياء دجالين. لكنّ اللّٰه سيدعمنا مثلما دعم هذا النبي الشاب. (ار ١:٧-٩) فقد وضع يهوه ثقته في ارميا، مشدّدا اياه بالكلمات التالية: «جعلتك اليوم مدينة حصينة وعمود حديد وأسوار نحاس على كل الارض، تجاه ملوك يهوذا ورؤسائها وكهنتها وشعب الارض. فيحاربونك ولا يقوَون عليك، ‹لأني معك›، يقول يهوه، ‹لأنقذك›». — ار ١:١٨، ١٩.
١٢ اية قواسم مشتركة تجمع بيننا وبين ارميا؟
١٢ ولا يحسب احد ان ارميا تمتع بقدرات خارقة. فقد كان انسانا مثلنا. واللافت ايضا انه مرّ بأوضاع شبيهة بأوضاعنا مع انه عاش في حقبة مختلفة. فهو احتك بأناس مختلفين من حوله، مثلما نحتك نحن بأشخاص من شتى الاجناس في حياتنا اليومية وفي الجماعة. وهذا يعني ان في وسعنا الاستفادة من ارميا الذي كان على غرار النبي ايليا «انسانا بمثل مشاعرنا». (يع ٥:١٧) فلنرَ ماذا يمكننا ان نتعلم منه.
١٣، ١٤ لمَ قد يهتم المسيحيون بما كابده ارميا على يد فشحور كما تُظهر الصورة في الصفحة ١٠؟
١٣ مَن منا لا يواجه تقلّبات الحياة من حين الى آخر؟ هذا ما حدث مع ارميا. ففي احدى المناسبات، تهجّم عليه كاهن بارز يدعى فشحور ووضعه في المقطرة. فظل طوال ساعات محبوسا في اطار خشبي بحيث قُيّدت على الارجح قدماه ويداه ورقبته، ما اجبره على البقاء في وضعية ملتوية وموجعة للغاية. وفضلا عن مكابدته العذاب الاليم، اضطر الى احتمال وابل الهزء والسخرية من مقاوميه. فهل تظن ان بإمكانك الصمود في وجه الاستهزاء الماكر والتعذيب الجسدي؟ — ار ٢٠:١-٤.
١٤ نظرا الى معاناة ارميا، لا عجب انه قال: «ملعون اليوم الذي وُلدت فيه! . . . لماذا من الرحم خرجت لأرى الكدّ والحزن، وتفنى في الخزي ايامي؟». (ار ٢٠:١٤-١٨) كما يتضح، ذاق النبي طعم اليأس والاحباط. فهل وقعت يوما فريسة التثبط وصرت تشكّك في قيمتك كإنسان، اهمية عملك، وجدوى استمرارك في خدمة اللّٰه؟ كل الذين تساورهم احاسيس كهذه سينتفعون عندما يفهمون اختبارات ارميا فهما اعمق ويعرفون كيف انتهت به الامور.
ما اللافت في ان يهوه اختار ارميا نبيا له؟ وأية قواسم مشتركة تجمع بيننا وبينه؟
١٥ كيف تفيدنا المعرفة ان ارميا عانى تقلّبات في المزاج؟
١٥ ان تعابير اليأس التي نقرأها في ارميا ٢٠:١٤-١٨ تلي مباشرة كلماته عن تسبيح يهوه والترنيم له. (اقرأ ارميا ٢٠:١٢، ١٣.) فهل تشعر احيانا ان مزاجك يتقلّب بسرعة، فترى نفسك تارة تطفر فرحا وتارة اخرى تغرق في دوامة من الحزن؟ ان تفحّص ما مرّ به ارميا يفيدنا جميعا. فالاحاسيس التي تملّكته احاسيس طبيعية قد تتملّكنا نحن ايضا. لذا لا شك اننا سنحصد فوائد جمّة من التأمل في تصرفات وردود فعل هذا الرجل الذي استخدمه الخالق مرارا كثيرة كناطق بلسانه. — ٢ اخ ٣٦:١٢، ٢١، ٢٢؛ عز ١:١.
١٦ مَن يعنيهم وضع ارميا العائلي؟
١٦ وثمة سبب آخر يدفع البعض الى مشاطرة ارميا مشاعره، ألا وهو وضعه العائلي. فاللّٰه اعطاه وصية غير اعتيادية وربما صعبة: ان يبقى عازبا. (اقرأ ارميا ١٦:٢.) فما السبب، وما تأثير ذلك فيه؟ كيف تمسّ هذه الوصية الاخوة والاخوات الذين لم يتزوجوا بعد إما باختيارهم او بحكم الظروف؟ وهل من رسالة تحملها كلمات يهوه هذه الى الشهود المتزوجين الذين لديهم اولاد؟ وهل ينتفع منها ايضا الذين ليس لهم «بنون وبنات»؟
١٧ ماذا نتعلم من كلمات النبي المدونة في ارميا ٣٨:٢٠؟
١٧ من الجدير بالذكر ان ارميا حث في احدى المراحل ملك يهوذا الحاكم قائلا: «أطِع قول يهوه في ما اكلّمك به، فيكون لك خير وتحيا نفسك». (ار ٣٨:٢٠) تزودنا هذه الرواية بإرشاد رائع حول علاقاتنا بالآخرين. وهذا يشمل تعاملنا مع الذين لا يسيرون الآن في طرق يهوه، ولكن قد نساعدهم على ذلك. كما ان ما فعله ارميا مع طائعي يهوه آنذاك مثال لنا اليوم. حقا، ما اكثر الدروس التي نتعلمها من ارميا!
ماذا في طيّات هذا الكتاب؟
١٨، ١٩ بأية طرائق يمكن درس سفرَي ارميا والمراثي؟
١٨ سيساعدك هذا الكتاب ان تتمعّن في سفرَي ارميا والمراثي وتستخلص منهما العبر. كتب الرسول بولس بالوحي: «كل الاسفار المقدسة موحى بها من اللّٰه ونافعة للتعليم، والتوبيخ، والتقويم، والتأديب في البر». (٢ تي ٣:١٦) وهذا ينطبق على السفرَين المذكورَين آنفا.
١٩ طبعا، يمكن معالجة هذين السفرَين والاستفادة منهما بطرائق مختلفة. مثلا، قد يدرسهما المرء عددا فعددا بغية فهم خلفية ومعنى كل عدد. او يمكن ان يركز على ايجاد التناظرات بين الافراد والوقائع الوارد ذكرهم في السفرَين وبين ما يماثلهم عصريا من اشخاص او تطورات. (قارن ارميا ٢٤:٦، ٧؛ ١ كورنثوس ٣:٦.) ومن الممكن ايضا ان يطّلع على الخلفية التاريخية للاحداث المسطّرة فيهما. (ار ٣٩:١-٩) وفي الواقع، ان الحصول على نبذة تاريخية ضروري للاستفادة من الدرس. لذا فإن الفصل ٢ بعنوان «ارميا يخدم في ‹آخر الايام›» سيعطينا لمحة عن الحقبة التي عاش خلالها النبي ويبيّن لنا كيف وجّه اللّٰه الامور.
٢٠ اي منحى يتّخذه هذا الكتاب في معالجة سفرَي ارميا والمراثي؟
٢٠ لكنّ هذا الكتاب يتّخذ منحى مختلفا في معالجة سفرَي ارميا والمراثي. فهو ينتهج طريقة تُظهر انهما هدية من اللّٰه لمساعدتنا على العيش كمسيحيين حقيقيين اليوم. (تي ٢:١٢) وسنتفاجأ حين نرى كم يحويان من معلومات «نافعة للتعليم». فهما يزودان مشورة وأمثلة عملية تؤهلنا وتجهزنا لمجابهة تحديات الحياة، سواء كنا عزابا، متزوجين، شيوخا، فاتحين، ارباب عائلات، ربات منازل، او تلاميذ في المدرسة. نعم، سيجد كل منا في هذين السفرَين الملهمَين عونا إلهيا يجعله «مجهزا . . . لكل عمل صالح». — ٢ تي ٣:١٧.
٢١ لمَ نحن متشوّقون الى درس هذا الكتاب؟
٢١ بينما تتأمل كل فصل في هذا الكتاب، ابحث عن نقاط تفيدك واسعَ الى تطبيقها. ولا شك ان سفرَي ارميا والمراثي يثنّيان على كلمات بولس: «كل ما كُتب من قبل كُتب لإرشادنا، حتى باحتمالنا وبالتعزية من الاسفار المقدسة يكون لنا رجاء». — رو ١٥:٤.
اية امور تفيدنا في حياتنا اليومية يمكننا تعلّمها من سفرَي ارميا والمراثي؟
-
-
ارميا يخدم في «آخر الايام»رسالة من اللّٰه بفم ارميا
-
-
الفصل الثاني
ارميا يخدم في «آخر الايام»
١، ٢ (أ) اية رؤيا شاهدها ارميا تمحورت حولها اعلاناته النبوية؟ (ب) لمَ تهمنا رسائل ارميا؟
سأل اللّٰه نبيّه الشاب المعيّن حديثا: «ماذا ترى؟». فأجاب قائلا: «ارى قِدرا واسعة يُنفخ في نارها، وفمها متحوّل عن الشمال». شكّلت هذه الرؤيا محور اعلانات ارميا النبوية. (اقرأ ارميا ١:١٣-١٦.) فالقِدر المجازية كان يُنفخ في نارها لا لإطفاء لهيبها بل لزيادة تأججها. نعم، اراد يهوه الانباء ان المصائب ستنسكب من القِدر على ارض يهوذا، مثل سائل حارق، جراء تفشي الخيانة فيها. ولمَ كان فم القدر موجّها نحو الجنوب؟ لأن المصائب آتية من الشمال، اذ ان بابل ستجتاح يهوذا من تلك الجهة. وهذا ما حصل بالفعل. فقد شهد ارميا خلال خدمته النبوية انسكاب ويلات متعاقبة من القدر الحامية تُوّجت بدمار اورشليم.
٢ صحيح ان بابل ولّت ايامها، الا ان رسائل ارميا النبوية لا تزال مفيدة لنا. لماذا؟ لأننا نعيش في «آخر الايام» التي يدّعي فيها كثيرون انهم مسيحيون، غير انهم لا يحظون لا هم ولا كنائسهم برضى اللّٰه. (ار ٢٣:٢٠) ولكن على نسق ارميا، لا نكرز نحن الشهود برسالة تعلن الدينونة فحسب بل تمنح الرجاء ايضا.
٣ (أ) كيف هو تنظيم المواد في سفر ارميا؟ (ب) ما الهدف من الفصل ٢ في هذا الكتاب؟
٣ لم يسجل ارميا الوقائع لدى حدوثها. فمن المرجح انه املى روايته على كاتبه في المرحلة الاخيرة من مهمته النبوية. (ار ٢٥:١-٣؛ ٣٦:١، ٤، ٣٢) ولا يتبع سفره ترتيبا زمنيا في سرد المعلومات لأن اجزاء كثيرة منه منظمة بحسب المواضيع. لذا يحسن بك ان تأخذ لمحة عن خلفية سفرَي ارميا والمراثي التاريخية وتسلسل الاحداث فيهما. لاحظ الخط الزمني في الصفحة ١٩. فحين تعرف مَن حكم يهوذا في كل فترة من الفترات، وتطّلع في بعض الحالات عما كان يدور داخلها وحولها، تتوضح لك اقوال ارميا وأفعاله وتجني فوائد اكبر من الرسائل التي نقلها الى شعب اللّٰه.
خدمة ارميا في اطارها التاريخي
٤-٦ اية احداث مرّ بها شعب اللّٰه قديما خلال العقود التي سبقت عمل ارميا كنبي؟
٤ تنبّأ ارميا خلال مرحلة زاخرة بالاضطرابات، مرحلة شهدت تنافسا على النفوذ والسيطرة بين اشور وبابل ومصر. فقبل ٩٠ سنة ونيّف من ابتداء مهمة ارميا النبوية، اوقعت اشور الهزيمة بمملكة اسرائيل الشمالية ذات العشرة اسباط وساقت كثيرين من اهلها الى السبي. آنذاك، دافع يهوه عن اورشليم وملكها الامين حزقيا ضد الهجوم الاشوري. فأنت تتذكر دون شك كيف قتل عجائبيا ٠٠٠,١٨٥ من جنود الاعداء. (٢ مل ١٩:٣٢-٣٦) وبعد موت حزقيا، ملك ابنه منسى ٥٥ سنة. وأغلب الظن ان ارميا وُلد خلال هذه الفترة التي خضعت فيها يهوذا لسلطة اشور السياسية. — ٢ اخ ٣٣:١٠، ١١.
٥ ونقرأ في ثاني سفرَي الملوك اللذين دوّنهما ارميا ان منسى اعاد بناء المرتفعات التي دمرها ابوه، وأقام مذابح للبعل وجند السموات حتى في هيكل يهوه. كما اراق الكثير من الدماء البريئة وقدّم ابنه محرقة لإله باطل. وبالإجمال، «أكثر [منسى] من فعل الشر في عيني يهوه». لذا قضى اللّٰه ان يسقي اورشليم ويهوذا من نفس الكأس المرة التي تجرعتها السامرة وإسرائيل. (٢ مل ٢١:١-٦، ١٢-١٦) وبعد موت منسى، لم يقلع ابنه آمون عن ممارسات ابيه الصنمية. لكنّ الاحوال سرعان ما تبدلت. فبعد سنتين، قُتل آمون واعتلى العرش عام ٦٥٩ قم ابنه يوشيا بعمر ٨ سنوات.
٦ وفي عهد يوشيا الذي استمر ٣١ سنة، اخذت بابل تفوق اشور قوة. فرأى يوشيا في ذلك فرصة لتحرير يهوذا من الهيمنة الاجنبية. وبخلاف ابيه وجدّه، خدم يهوه بأمانة وقام بإصلاحات دينية جوهرية. (٢ مل ٢١:١٩–٢٢:٢) ففي السنة الـ ١٢ من ملكه، قوّض المرتفعات والسواري المقدسة وكسّر المنحوتات الدينية الباطلة في كل ارجاء مملكته، وأمر بعد ذلك بترميم هيكل يهوه. (اقرأ ٢ اخبار الايام ٣٤:١-٨.) ومن الجدير بالذكر ان ارميا تسلّم تفويضه كنبي للّٰه في السنة الـ ١٣ من حكم هذا الملك (٦٤٧ قم).
كيف كنا سنشعر لو خدمنا انبياء في زمن ارميا؟
٧، ٨ (أ) كيف اختلف عهد الملك يوشيا عن عهد منسى وآمون؟ (ب) اي نوع من الاشخاص كان يوشيا؟ (انظر الاطار في الصفحة ٢٠.)
٧ اثناء ترميم الهيكل في السنة الـ ١٨ من حكم يوشيا الصالح، وجد رئيس الكهنة «سفر الشريعة». وبعدما قرأه كاتب الديوان على يوشيا بطلب منه، ادرك الملك معاصي شعبه، التمس ارشاد يهوه من النبية خلدة، وحث رعاياه على حفظ وصايا اللّٰه. ومن جملة ما قالته له خلدة ان يهوه سيجلب «بلية» على اهل يهوذا نتيجة عدم امانتهم، انما لن يرى هو هذه البلية مدى حياته لأنه اتخذ موقفا جيدا من العبادة النقية. — ٢ مل ٢٢:٨، ١٤-٢٠.
٨ وقد سعى الملك يوشيا جاهدا لمحو كل مظاهر الصنمية الاخرى. حتى انه وصل في حملته الى منطقة شغلتها في ما مضى مملكة اسرائيل الشمالية، فقوّض المرتفعة والمذبح في بيت ايل. كما نظّم احتفالا ضخما بعيد الفصح. (٢ مل ٢٣:٤-٢٥) وكم فرّح ذلك قلب ارميا النبي! ولكن تبيّن ان من الصعب حمل الشعب على تغيير طرقهم. فمنسى وآمون كانا قد عوّداهم عبادة الاصنام المنحطة، ما جعل روحياتهم في الحضيض. لذا رغم اصلاحات يوشيا، دفع اللّٰه ارميا الى القول ان آلهة يهوذا عادلت مدنها في الكثرة. فالشعب كان اشبه بزوجة خائنة، اذ تركوا يهوه وزنوا روحيا مع آلهة غريبة. اعلن ارميا: «وضعتم مذابح للصنم المخزي على عدد شوارع اورشليم، مذابح للايقاد للبعل». — اقرأ ارميا ١١:١-٣، ١٣.
٩ اية احداث على صعيد الامم الاخرى وسمت السنوات الاخيرة من ملك يوشيا؟
٩ لم يُعر اليهود رسائل ارميا اي انتباه. وبقيت الامم المحيطة تتنافس في بسط سيادتها على المنطقة. فعام ٦٣٢ قم، اخضع تحالف من البابليين والماديين العاصمة الاشورية نينوى. وبعد ثلاث سنوات، قاد فرعون نخو ملك مصر جيشه شمالا لمساندة الاشوريين في ورطتهم. فقام يوشيا، لأسباب لا يفصح عنها الكتاب المقدس، باعتراض سبيل المصريين في مجدو، لكنه أُصيب بجروح مميتة. (٢ اخ ٣٥:٢٠-٢٤) فأية تغييرات سياسية ودينية طرأت على يهوذا جراء هذا الحادث المؤسف؟ وأية تحديات جديدة جابهها ارميا؟
المناخ الديني يتغير
١٠ (أ) لمَ نقول ان الاوقات التي تلت موت يوشيا شبيهة بأوقاتنا؟ (ب) كيف يفيدنا تفحص مثال ارميا؟
١٠ تخيّل كم تألم ارميا دون ريب لموت يوشيا! فبقلب يفطره الحزن رثى هذا الملك الصالح. (٢ اخ ٣٥:٢٥) وقد سببت هذه الفاجعة اضطرابا وجزعا في يهوذا. وزاد الامر سوءا عدم الاستقرار السائد حولها. فالقوى المتزاحمة، مصر وأشور وبابل، كانت تبذل كل ما في وسعها لتضع يدها على المنطقة. هذا وإن المناخ الديني في يهوذا تغيّر برحيل يوشيا. فبموته انتهى نظام حكم سهّل على ارميا عموما اتمام خدمته وابتدأ نظام آخر عامله بمنتهى العدائية. وفي ايامنا هذه، يمرّ العديد من اخوتنا بتغيير مماثل. فبعد ان ينعموا نسبيا بحرية العبادة، يُحظر عملهم ويقاسون الاضطهاد. ويُحتمل ان يواجه كثيرون منا الظروف عينها عما قريب. فكيف يؤثّر ذلك فينا؟ وماذا يلزم ان نفعل كي نحافظ على استقامتنا؟ لنبقِ هذين السؤالين في بالنا فيما نتعلم عن التحديات التي تخطاها ارميا بنجاح.
١١ ماذا حدث في يهوذا بعد موت يوشيا؟
١١ إثر موت يوشيا، نصّب سكان يهوذا ابنه يهوآحاز ملكا على اورشليم. ولم يحكم يهوآحاز الذي دُعي ايضا شلوم سوى ثلاثة اشهر. ففيما كان فرعون نخو متجها نحو الجنوب بعد محاربة البابليين، عزله عن منصبه وأخذه الى مصر، وأعلن ارميا انه «لا يرجع بعد». (ار ٢٢:١٠-١٢؛ ٢ اخ ٣٦:١-٤) وملّك نخو عوضا عنه ابنا آخر ليوشيا هو يهوياقيم الذي مارس الصنمية عوض ان ينهج نهج والده الصالح ويواصل اصلاحاته. — اقرأ ٢ ملوك ٢٣:٣٦، ٣٧.
١٢، ١٣ (أ) كيف كان المناخ الديني في يهوذا بداية حكم يهوياقيم؟ (ب) كيف عامل القادة الدينيون اليهود النبي ارميا؟
١٢ وفي بداية حكم يهوياقيم، امر يهوه ارميا ان يذهب الى الهيكل ويدين بالفم الملآن ابناء يهوذا على شرهم. فقد اعتبروا الهيكل بمثابة تعويذة تمدهم بالحماية. لكنّ يهوه كان سيهجر هيكله إن لم يكفّوا عن ‹السرقة، والقتل، والزنى، والحلف زورا، والايقاد للبعل، والسير وراء آلهة اخرى›. وسيتخلى ايضا عن المرائين الذين يؤدون العبادة فيه، تماما كما هجر المسكن في شيلوه ايام رئيس الكهنة عالي. كما ‹ستصير ارض يهوذا خرابا›. (ار ٧:١-١٥، ٣٤؛ ٢٦:١-٦)a فكّر كم لزم ان يتسلح ارميا بالشجاعة لإعلان هذه الرسالة. فعلى الارجح انه نادى بها علانية في حضرة اشخاص بارزين ونافذين. على نحو مماثل اليوم، يشعر بعض اخوتنا وأخواتنا انهم بحاجة الى الشجاعة للاشتراك في شهادة الشوارع ومخاطبة الاثرياء والمرموقين. ولكن لنا ملء الثقة ان يهوه يعيننا مثلما اعان ارميا. — عب ١٠:٣٩؛ ١٣:٦.
١٣ وماذا كان موقف القادة الدينيين من كلام ارميا في ظل الظروف الدينية والسياسية السائدة في يهوذا؟ يخبر هو نفسه ان «الكهنة والانبياء وكل الشعب امسكوه، قائلين: ‹انك تموت موتا!›». وأكدوا وهم يحتدمون غيظا: «هذا الرجل يستحق حكم الموت». (اقرأ ارميا ٢٦:٨-١١.) لكنّ اعداء النبي لم يقووا على تنفيذ كلامهم. فيهوه وقف الى جانبه وخلّصه من ايديهم. وإرميا من جهته لم يسمح لتهديداتهم وكثرة عددهم ان تدخل الخوف الى قلبه. انت ايضا ينبغي الا ترتاع في وجه المقاومة.
كيف اختلف حكم منسى وآمون عن حكم يوشيا؟ وماذا نتعلم من نجاح ارميا في النهوض بتعيينه الصعب؟
«اكتب . . . كل الكلام»
١٤، ١٥ (أ) ما هو العمل الذي شرع فيه ارميا وكاتبه باروخ في السنة الرابعة ليهوياقيم؟ (ب) اي نوع من الاشخاص كان يهوياقيم؟ (انظر الاطار في الصفحة ٢٥.)
١٤ في السنة الرابعة ليهوياقيم، طلب يهوه من ارميا ان يكتب جميع الكلام الذي كلّمه به من ايام يوشيا. فأملى النبي على كاتبه باروخ كل ما تسلّمه من اللّٰه خلال السنوات الـ ٢٣ المنصرمة. وقد نالت رسائل دينونته من حوالي ٢٠ ملكا ومملكة. ثم اوصى ارميا باروخ ان يقرأ الدرج بصوت عالٍ في بيت يهوه. وبأي هدف؟ قال يهوه: «لعلّ مَن هم من بيت يهوذا يسمعون بكل البلية التي افكر ان اصنعها بهم، فيرجعوا كل واحد عن طريقه الرديء، فأغفر ذنبهم وخطيتهم». — ار ٢٥:١-٣؛ ٣٦:١-٣.
١٥ وحين قرأ رسمي في البلاط الدرج على يهوياقيم، مزّقه الملك ورماه في النار. ثم امر باعتقال ارميا وباروخ، «لكنّ يهوه خبأهما». (اقرأ ارميا ٣٦:٢١-٢٦.) وبما ان يهوياقيم اظهر موقفا رديئا جدا، اعلن يهوه على لسان نبيّه ان هذا الملك سوف «يُدفن دفن حمار» اذ ‹يُجرّ ويُطرح خارج ابواب اورشليم›. (ار ٢٢:١٣-١٩) فهل تظن ان هذه الكلمات ما كانت لتتم على اعتبار انها نبوة تصويرية مبالغ فيها؟
١٦ اية رسالة ايجابية نادى بها ارميا؟
١٦ صحيح ان ارميا نقل رسائل شجب وإدانة، الا انه لم يكن نبي شؤم. فقد اذاع ايضا رسالة مفعمة بالرجاء قائلا ان يهوه سيخلّص بقية اسرائيل من اعدائهم ويردّهم الى ارضهم حيث يسكنون آمنين. وسيقطع مع شعبه عهدا «جديدا» يبقى «الى الدهر» ويكتب شريعته في قلوبهم. كما سيغفر ذنبهم ولا يذكر خطيتهم بعد. اضف الى ذلك ان متحدرا من داود سيقوم و «يُجري العدل والبر في الارض». (ار ٣١:٧-٩؛ ٣٢:٣٧-٤١؛ ٣٣:١٥) كانت هذه النبوات الرائعة ستتم على مرّ العقود والقرون المقبلة، حتى انها ستشهد اتماما يؤثّر في حياتنا ويمنحنا الامل بمستقبل ابدي مشرق. ولكن لنعد الآن الى ايام ارميا حيث يواصل اعداء يهوذا صراعهم لبسط هيمنتهم على المنطقة. — اقرأ ارميا ٣١:٣١، ٣٣، ٣٤؛ عبرانيين ٨:٧-٩؛ ١٠:١٤-١٨.
نفوذ بابل يتعاظم
١٧، ١٨ اية تطورات حصلت خلال السنوات الاخيرة من حكم يهوياقيم وصدقيا؟
١٧ سنة ٦٢٥ قم، خاضت بابل ومصر معركة فاصلة في كركميش قرب نهر الفرات على بعد نحو ٦٠٠ كيلومتر شمال اورشليم. فأوقع الملك نبوخذنصر هزيمة نكراء بجيوش فرعون نخو، منهيا بذلك النفوذ المصري في المنطقة. (ار ٤٦:٢) وأحكم قبضته على يهوذا مجبرا يهوياقيم ان يصير خادما له. ولكن بعد ثلاث سنوات تمرد يهوياقيم. (٢ مل ٢٤:١، ٢) فما كان من نبوخذنصر الا ان زحف بجيشه الى يهوذا سنة ٦١٨ قم وحاصر اورشليم. تصوّر كم كانت عصيبة تلك الايام حتى بالنسبة الى نبي اللّٰه ارميا! وخلال الحصار، يبدو ان يهوياقيم لقي حتفه.b فحلّ محله ابنه يهوياكين الذي استسلم للبابليين بعدما ملك على يهوذا ثلاثة اشهر فقط. نتيجة ذلك، جرّد نبوخذنصر اورشليم من ثرواتها وأخذ الى السبي يهوياكين، امه وزوجاته، الشرفاء وعائلاتهم، وجبابرة يهوذا وصنّاعها. وكان بين المسبيين دانيال، حننيا، ميشائيل، وعزريا. — ٢ مل ٢٤:١٠-١٦؛ دا ١:١-٧.
١٨ ثم اسند نبوخذنصر المُلك الى ابن آخر ليوشيا هو صدقيا الذي كان آخر الملوك الارضيين في السلالة الداودية. وقد انتهى حكمه بدمار اورشليم وهيكلها سنة ٦٠٧ قم. (٢ مل ٢٤:١٧) ولكن خلال عهده الذي دام ١١ سنة، عصفت بيهوذا توترات اجتماعية وسياسية شديدة. لذا وجب على ارميا ان يثق ثقة مطلقة بإلهه الذي عيّنه نبيا.
١٩ ماذا كان رد فعل معاصري ارميا ازاء رسالته، ولمَ يهمنا ذلك؟
١٩ ضع نفسك مكان ارميا. فمن ايام يوشيا، واكب هذا النبي الخضّات السياسية وتدهور حالة شعب اللّٰه الروحية. لكنه عرف ان الامور كانت ستزداد سوءا. قال له ابناء مدينته: «لا تتنبأ باسم يهوه، لئلا تموت بيدنا». (ار ١١:٢١) حتى حين تحققت نبواته، اكد له اليهود: «الكلمة التي كلّمتنا بها باسم يهوه لا نسمع لك فيها». (ار ٤٤:١٦) الا ان حياة الناس كانت في خطر، كما هي اليوم. وبما انك تنادي مثل ارميا برسالة مصدرها يهوه، فستتعزز غيرتك للخدمة حين ترى كيف حمى يهوه نبيّه خلال الفترة التي انتهت بسقوط اورشليم.
ماذا نتعلم من موقف ارميا اثناء حكم يهوياقيم؟ وأية نبوة بارزة لإرميا يؤثّر اتمامها في حياتنا؟
سلالة حاكمة تعيش ايامها الاخيرة
٢٠ لمَ كان حكم صدقيا هو الاصعب على ارميا؟ (انظر الاطار في الصفحة ٢٩.)
٢٠ لعلّ سني حكم صدقيا كانت الاصعب على ارميا خلال عمله كنبي. فهذا الملك «فعل ما هو شر في عيني يهوه» على غرار كثيرين من سابقيه. (ار ٥٢:١، ٢) وإذ كان تحت نير البابليين، جعله نبوخذنصر يحلف باسم يهوه ان يظل خاضعا لملك بابل. غير انه تمرد في نهاية المطاف. فراح اعداء ارميا يمارسون ضغطا شديدا على النبي كي يؤيد هذا التمرد. — ٢ اخ ٣٦:١٣؛ حز ١٧:١٢، ١٣.
٢١-٢٣ (أ) اي رأيَين متضاربَين نشآ في يهوذا خلال عهد صدقيا؟ (ب) كيف عومل ارميا بسبب موقفه، ولمَ يفيدنا ذلك؟
٢١ في بداية عهد صدقيا كما يتضح، قدِم الى اورشليم رسل من ملوك ادوم، موآب، عمون، صور، وصيدون، وفي نيتهم ربما اقناع الملك بالانضمام الى تحالف ضد نبوخذنصر. غير ان ارميا حثه الا يخرج عن طاعة بابل. وانسجاما مع ذلك، اعطى الرسل انيارا مظهرا ان على الامم التي يمثّلونها ان تخدم هي الاخرى البابليين. (ار ٢٧:١-٣، ١٤)c لكنّ هذا الموقف لم يرق الشعب. وزاد الطين بلة النبي الدجال حننيا. فقد اكد على الملإ باسم اللّٰه ان نير بابل سينكسر. غير ان يهوه تنبأ على فم ارميا بموت حننيا في غضون سنة. وهذا ما حصل فعلا. — ار ٢٨:١-٣، ١٦، ١٧.
٢٢ وهكذا، انقسم الرأي في يهوذا بين الخضوع لبابل والثورة عليها. ولكن سنة ٦٠٩ قم، اختار صدقيا ان يتمرد ملتمسا الامدادات العسكرية من مصر. فوجب على ارميا ان يجاهد للصمود في وجه الهستيريا القومية التي استحوذت على مناصري التمرد. (ار ٥٢:٣؛ حز ١٧:١٥) وبغية قمع الثورة، عاد نبوخذنصر بجيوشه الى يهوذا واجتاح جميع مدنها وحاصر اورشليم مجددا. فأخبر ارميا صدقيا ورعاياه في تلك المرحلة الحرجة ان اورشليم ستسقط في يد البابليين. ومَن يبقى داخلها ينتظره الموت، اما مَن يهرب الى الكلدانيين فينجو بحياته. — اقرأ ارميا ٢١:٨-١٠؛ ٥٢:٤.
٢٣ عندئذ، زعم رؤساء يهوذا ان ارميا متضامن مع البابليين. وحين انكر هذا الكلام، ضربوه وجعلوه في بيت السجن. (ار ٣٧:١٣-١٥) مع ذلك، لم يلطّف ارميا رسالة يهوه، ما حدا بالرؤساء الى اقناع صدقيا بالقضاء عليه. فأخذوه وألقوه في جب ماء فارغ حيث كان يُحتمل ان يهلك في الطين الاسود المنتن. غير ان عبد ملك، رجلا حبشيا يخدم في بيت الملك، خلّصه من الموت. (ار ٣٨:٤-١٣) ان ما حدث مع ارميا له نظير في ازمنتنا العصرية. فكم من مرة يتعرّض خدام يهوه للخطر لأن ضميرهم يمنعهم من التورط في النزاعات السياسية! حقا، يمكن لتجربة ارميا ان تقوّي عزيمتك على مجابهة المحن والتغلب عليها.
٢٤ صفوا ما جرى سنة ٦٠٧ قم.
٢٤ عام ٦٠٧ قم، سقطت اورشليم اخيرا بعدما نجح البابليون في خرق اسوارها. فأحرق جيش نبوخذنصر هيكل يهوه، هدم اسوار المدينة، وذبح اشراف يهوذا. ولما هرب صدقيا، ادركته قوة من الجيش وأحضرته الى نبوخذنصر الذي ذبح بنيه على مرأى منه، ثم اعمى عينيه وأخذه مقيّدا الى بابل. (ار ٣٩:١-٧) وهكذا تحققت كلمات ارميا النبوية عن يهوذا وأورشليم. غير ان نبي اللّٰه لم يفرح بمصيبة شعبه بل بكى متأسفا على بلواهم. وينعكس حزنه العميق هذا في سفر المراثي الذي يلمس بتعابيره المؤثّرة صميم قلوبنا.
ارميا يتنبأ وسط بقية من يهوذا
٢٥، ٢٦ (أ) اية احداث تلت سقوط اورشليم؟ (ب) ماذا كان رد فعل معاصري ارميا حيال رسالته عقب سقوط اورشليم؟
٢٥ ماذا حلّ بإرميا فيما راحت هذه الاحداث المثيرة تنجلي؟ لقد كان النبي محبوسا بتحريض من رؤساء اورشليم. الا ان البابليين المنتصرين عاملوه بلطف وحرروه من اسره. وفي وقت لاحق، حدث ان أُخذ مع اليهود المسوقين الى السبي، ولكن أُطلق سراحه مجددا. فخدمته للّٰه لم تنتهِ بعد، اذ كان ينتظره عمل بين الناجين. في تلك الاثناء، كان نبوخذنصر قد عيّن جدليا واليا على مدن يهوذا. ووعد الباقين من الشعب بالسلام والطمأنينة ما داموا يخدمونه. غير ان بعض اليهود الناقمين اغتالوا جدليا. (ار ٣٩:١٣، ١٤؛ ٤٠:١-٧؛ ٤١:٢) وفي حين حث ارميا بقية يهوذا ان يظلوا ساكنين في الارض وألا يخافوا ملك بابل، نعته قادتهم بالكذب وهربوا الى مصر مصطحبينه هو وباروخ معهم بالقوة. الا ان ارميا تنبأ ان نبوخذنصر سيجتاح مصر ايضا ويُخضعها ويبلي لاجئي يهوذا اشد بلوى. — ار ٤٢:٩-١١؛ ٤٣:١-١١؛ ٤٤:١١-١٣.
٢٦ مرة اخرى، لم يصغِ شعب يهوذا الى تنبؤات ابن بلدهم، نبي اللّٰه الحقيقي. لماذا؟ حاجّوا قائلين: «منذ كففنا عن الايقاد ‹لملكة السموات› وسكب السكائب لها، اعوزنا كل شيء، وفنينا بالسيف والمجاعة». (ار ٤٤:١٦، ١٨) كم تعكس هذه الكلمات تردي حالة معاصري ارميا الروحية! من جهة ثانية، كم نتشجع حين نعرف ان باستطاعة الانسان الناقص البقاء امينا ليهوه حتى لو احاط به اشخاص غير امناء!
٢٧ ماذا نعرف عن السنوات الاخيرة من حياة ارميا كنبي؟
٢٧ يعود تاريخ آخر حدث سجله ارميا الى سنة ٥٨٠ قم التي شهدت اطلاق سراح يهوياكين من السجن على يد اويل مرودخ خليفة نبوخذنصر. (ار ٥٢:٣١-٣٤) ولا بد ان ارميا كان قد صار آنذاك بعمر ٩٠ سنة تقريبا. ومع اننا لا نملك معلومات موثوقة حول نهاية حياته، فالارجح انه عاش سنواته الاخيرة في مصر حيث مات امينا بعد حوالي ٦٧ سنة من الخدمة الخصوصية ليهوه. فإرميا خدم في السراء والضراء، خلال سنوات رُوّجت فيها العبادة الحقة وأخرى كثيرة تفشّى فيها الارتداد. وفي حين اصغت اليه قلة من الشعب، رفضت الغالبية رسائله وعاملته بعدائية شديدة. ولكن هل يعني ذلك انه فشل في انجاز مهمته؟ قطعا لا. فيهوه قال له من البداية: «يحاربونك ولا يقوَون عليك، ‹لأني معك›». (ار ١:١٩) واليوم، نحن ننجز كشهود ليهوه تعيينا شبيها بتعيين ارميا. لذا نتوقع ان نلقى ردود فعل مماثلة. (اقرأ متى ١٠:١٦-٢٢.) فماذا نتعلم من نبي اللّٰه هذا؟ وكيف لنا ان نتمّم خدمتنا؟ لنتأمل معا في هذين السؤالين.
ماذا حلّ بصدقيا ورعاياه الذين رفضوا رسالة ارميا؟ وكيف تنظرون الى ارميا؟
a ان التشابه بين ارميا ٧:١-١٥ و ٢٦:١-٦ حدا بالبعض الى الاستنتاج ان كلا المقطعَين يشيران الى الحادثة عينها.
b تقول دانيال ١:١، ٢ ان يهوياقيم أُسلم الى يد نبوخذنصر في السنة الثالثة. ويبدو انها السنة الثالثة من تبعيته لبابل. وهذا قد يعني انه مات خلال الحصار الذي حقق اخيرا الغاية منه. ولكن ما من دليل في الكتاب المقدس يؤكد ما قاله يوسيفوس ان نبوخذنصر قتل يهوياقيم وطرح جثته خارج اسوار اورشليم دون ان يدفنه دفنا لائقا. — ار ٢٢:١٨، ١٩؛ ٣٦:٣٠.
c ان الاشارة الى يهوياقيم في ارميا ٢٧:١ قد تكون خطأ في النسخ لأن العددين ٣ و ١٢ يشيران الى صدقيا.
-
-
‹قلْ لهم هذه الكلمة›رسالة من اللّٰه بفم ارميا
-
-
الفصل الثالث
‹قلْ لهم هذه الكلمة›
١ (أ) كيف يشبه النبي ارميا يسوع؟ (ب) لمَ يجب ان نتمثل بإرميا في خدمتنا؟
يسوع المسيح هو مثالنا الاعلى في الكرازة بالبشارة. ولكن من الجدير بالملاحظة ان بعض الذين عرفوه في القرن الاول قرنوه بالنبي ارميا. (مت ١٦:١٣، ١٤) فهذا النبي تلقّى، على غرار يسوع، وصية إلهية بالكرازة. امره اللّٰه في احدى المناسبات: «تقول لهم هذه الكلمة: ‹هكذا قال يهوه›». (ار ١٣:١٢، ١٣؛ يو ١٢:٤٩) كما انه اعرب خلال خدمته عن صفات شبيهة بصفات يسوع.
٢ لمَ لا يختلف الناس اليوم عن اليهود زمن ارميا؟
٢ ولكن قد يقول بعض الشهود: ‹وضعنا مختلف عن وضع ارميا. فهو خدم كمتحدث باسم اللّٰه وسط امة منتذرة، اما نحن فنكرز اليوم لأشخاص لا يعرف معظمهم يهوه›. هذا صحيح. غير ان اغلب اليهود في زمن ارميا كانوا قد صاروا ‹جهّالا› وأداروا ظهورهم للاله الحقيقي. (اقرأ ارميا ٥:٢٠-٢٢.) لذا لزم ان يغيّروا طرقهم كي يؤدوا ليهوه عبادة مقبولة. بشكل مماثل، على الناس اليوم — سواء كانوا مسيحيين او لا — ان يتعلموا مخافة يهوه ويمارسوا العبادة الحقة. فلنرَ كيف لنا من خلال مثال ارميا ان نخدم الاله الحقيقي ونساعد الناس على السير في الحق.
«يهوه . . . مسّ فمي»
٣ اية ايماءة ذات مغزى صدرت عن اللّٰه تجاه ارميا في بداية خدمته، وكيف شعر النبي حيالها؟
٣ عندما بدأ ارميا خدمته النبوية، سمع هذه الكلمات: «تذهب الى كل من ارسلك اليهم، وتتكلم بكل ما آمرك به. لا تخف من وجوههم، ‹لأني انا معك لأنقذك›، يقول يهوه». (ار ١:٧، ٨) ثم صدرت عن اللّٰه إيماءة غير متوقعة. يخبرنا ارميا: «مدّ يهوه يده ومسّ فمي. وقال يهوه لي: ‹ها قد جعلت كلامي في فمك. انظر، قد وكّلتك هذا اليوم على الامم وعلى الممالك›». (ار ١:٩، ١٠) ومن ذلك الحين فصاعدا، عرف ارميا انه يتكلم بلسان اللّٰه القادر على كل شيء.a وأخذت غيرته للخدمة المقدسة تنمو يوما بعد يوم مستمدا الدعم الكامل من إلهه. — اش ٦:٥-٨.
٤ ارووا اختبارات تُظهر كيف يعرب البعض عن غيرة متقدة للكرازة.
٤ صحيح ان يهوه لا يمسّ حرفيا ايًّا من خدامه اليوم، لكنه يبث فيهم بواسطة روحه رغبة قوية في الكرازة بالبشارة. فكثيرون منهم يتّقدون حماسة وغيرة. اليك مثال ماروخا في اسبانيا التي تعاني شللا في ذراعيها وساقيها منذ اكثر من ٤٠ سنة. فبما ان الكرازة من باب الى باب صعبة عليها، تبحث عن طرائق اخرى لتظل نشيطة في الخدمة. فهي تلجأ مثلا الى كتابة الرسائل بحيث تملي على ابنتها ما تريد قوله. وفي احد الاشهر، كثّفت هي و «سكرتيرتها» جهودهما وبعثتا ما يزيد عن ١٥٠ رسالة كل منها مرفق بنشرة. وبفضل مساعيهما الدؤوبة هذه، دخلت البشارة الى معظم المنازل في قرية مجاورة. قالت ماروخا لابنتها: «إن وصلت احدى رسائلنا الى يد شخص مستقيم القلب، باركنا يهوه بدرس في الكتاب المقدس». وكتب شيخ محلي: «اشكر يهوه على اخوات مثل ماروخا يعلّمن الآخرين ان يقدّروا قيمة الامور المهمة حقا في الحياة».
٥ (أ) هل بقي ارميا غيورا في الخدمة رغم اللامبالاة؟ (ب) كيف يمكننا المحافظة على حماسة ملتهبة للكرازة بالبشارة؟
٥ في ايام ارميا، ‹لم تُسرّ› اكثرية سكان اورشليم بحق اللّٰه. فهل كفّ النبي عن الكرازة متأثرا بلامبالاتهم؟ على العكس. ذكر قائلا: «امتلأت من سخط يهوه. اعيَيت من الامساك». (ار ٦:١٠، ١١) فكيف تحافظ كإرميا على حماسة ملتهبة للخدمة؟ احدى الطرائق هي التفكير مليا في امتيازك النفيس ان تمثّل الاله الحقيقي. فأنت تعرف ان الاشخاص البارزين في هذا العالم يعيّرون اسم اللّٰه. وتعرف ايضا كيف يخدع القادة الدينيون الناس في مقاطعتك، مثلما فعل الكهنة ايام ارميا. (اقرأ ارميا ٢:٨، ٢٦، ٢٧.) بالمقابل، ان بشارة الملكوت التي تكرز بها هي فعلا تعبير عن رحمة اللّٰه نحو البشر. (مرا ٣:٣١، ٣٢) نعم، يساعدك التأمل في هذه الحقائق ان تحافظ على غيرتك للمناداة بالبشارة ومساعدة المشبهين بالخراف.
٦ اية تحديات صعبة اعترضت سبيل ارميا؟
٦ لكنك توافق على الارجح ان بقاءك غيورا في الخدمة المسيحية ليس سهلا على الدوام. حتى ارميا واجه تحديات هائلة خلال خدمته ليهوه. فقد قاومه الانبياء الكذبة، ويمكنك ان تقرأ في الاصحاح ٢٨ من سفره كيف وقف احدهم في وجهه. كما ان اغلب الناس لم يعيروا رسالته اذنا صاغية، هذا عدا عن شعوره احيانا بشيء من الوحدة. (ار ٦:١٦، ١٧؛ ١٥:١٧) ولا ننسَ كذلك انه تعرّض اكثر من مرة لخطر الموت على يد اعدائه. — ار ٢٦:١١.
لمَ يمكننا الاتكال على يهوه في التغلب على التحديات التي نواجهها اثناء الكرازة بالبشارة؟
«قد فاجأتني، يا يهوه»
٧، ٨ كيف «فاجأ» اللّٰه ارميا بطريقة عادت عليه بالفائدة؟
٧ خلال احدى المراحل، افضى ارميا بمكنونات قلبه الى اللّٰه منزعجا من الاستهزاءات والاهانات التي عانى منها يوما بعد يوم. فبأي معنى برأيك «فاجأ» يهوه نبيّه الامين كما يرد في ارميا ٢٠:٧، ٨؟ — اقرأها.
٨ «فاجأ» اللّٰه نبيّه بطريقة ايجابية عادت عليه بالفائدة. فإرميا شعر ان المقاومة كانت شرسة جدا لدرجة انه ما عاد يستطيع بقوته الخاصة اتمام تعيينه المعطى من اللّٰه. غير انه اتمّ هذا التعيين بفضل دعم ومساعدة الاله القادر على كل شيء. وعليه، يمكن القول ان يهوه امدّه بطاقة هائلة مبرهنا انه اشد قوة منه ومن مشاعر البشر السلبية. فحين ظن رجل اللّٰه ان عزيمته خارت وراودته رغبة في الاستسلام، اعمل يهوه قوته فيه بحيث ‹تفاجأ› بما قدر على انجازه. نعم، بيّن اللّٰه انه اقوى من ضعفات ارميا. فهذا النبي تمكن من مواصلة كرازته رغم اللامبالاة والرفض والعنف.
٩ كيف نستمد الشجاعة من ارميا ٢٠:١١؟
٩ لقد وقف يهوه الى جانب ارميا وسانده «كجبار مهيب». (ار ٢٠:١١) انت ايضا يدعمك اللّٰه كي تظل غيورا للعبادة الحقة ولا تتراخى في خدمتك مهما واجهت من عراقيل. أبقِ في بالك ان يهوه، حسبما تنقل احدى الترجمات العبارة اعلاه، يقف قربك ويقوّيك «كمحارب جبار». — ترجمة تفسيرية.
١٠ علامَ نحن مصممون حين نتعرض للمقاومة؟
١٠ والرسول بولس شدّد على هذه الفكرة حين شجع المسيحيين الذين واجهوا المقاومة قائلا: «اسلكوا كما يحق لبشارة المسيح، حتى . . . اسمع اموركم، انكم ثابتون في روح واحد، وتناضلون بنفس واحدة جنبا الى جنب في سبيل ايمان البشارة، وغير مرتاعين في شيء من مقاوميكم». (في ١:٢٧، ٢٨) وعلى غرار ارميا والمسيحيين في القرن الاول، بإمكانك بل عليك ان تجعل اللّٰه الكلي القدرة عونك ومعتمدك في الخدمة. وإن سخر منك البعض او هاجموك، فتذكّر انه ممسك بيدك وقادر ان يملأك قوة، مثلما فعل مع ارميا ويفعل مع الكثير من اخوتنا اليوم. فتضرّعْ اليه طالبا دعمه، وثِقْ انه سيستجيب صلاتك. فقد ‹يفاجئك› انت ايضا اذ يساعدك ان تطرد الخوف من قلبك وتواجه العقبات بجرأة. نعم، ستقوى على انجاز امور لم تتخيّلها قط. — اقرأ اعمال ٤:٢٩-٣١.
١١، ١٢ (أ) اية تعديلات قد نقوم بها بغية التحدث الى عدد اكبر من الناس في الخدمة؟ (ب) اية فرص للخدمة في منطقتنا نستوحيها من الصورة في الصفحة ٣٩؟
١١ ويعلّمنا مثال ارميا في الخدمة طرائق شتى لنزيد فعاليتنا كخدام للبشارة. فبعد ان امضى اكثر من ٢٠ سنة في الخدمة كنبي ليهوه، ذكر قائلا: «ما برحت اكلّمكم، مبكّرا ومكلّما، فلم تسمعوا». (ار ٢٥:٣) تُظهر هذه الكلمات ان ارميا اعتاد ان يباشر خدمته في اول النهار. فأي درس عملي نتعلمه من خدمته الامينة؟ في جماعات كثيرة، يصحو عدد من الناشرين باكرا ليقصدوا الناس في محطات الباص والقطار. وفي المناطق الريفية، يخصص العديد من الشهود ساعات الصباح الاولى لزيارة المزارعين وغيرهم ممّن يبكّرون الى اعمالهم. فهل تخطر لك طرائق اخرى تطبق بها انت شخصيا هذا الدرس؟ ما رأيك مثلا في الاستيقاظ قبل وقت كافٍ يتيح لك حضور اجتماع خدمة الحقل من بدايته؟
١٢ طبعا، ان الكرازة من باب الى باب بعد الظهر او في المساء غالبا ما تؤدي الى نتائج رائعة في مناطق كثيرة. حتى ان بعض الناشرين يكرزون ليلا، اذ يزورون العاملين في محطات الوقود والمطاعم والمحلات التي تفتح ابوابها ٢٤ ساعة في اليوم. فهل تعدّل برنامجك بحيث تكرز في اوقات يُرجح فيها ان تجد الناس في بيوتهم او في اماكن اخرى؟
لمَ نحن واثقون من دعم يهوه فيما ننادي برسالته؟
١٣، ١٤ (أ) كيف يفيدنا مثال ارميا في مجال الزيارات المكررة؟ (ب) لمَ من المهم ان نكون اشخاصا يُعتمد عليهم في عقد الزيارات المكررة؟
١٣ في بعض المناسبات، اوصى يهوه ارميا ان يذيع رسائله النبوية عند ابواب الهيكل وبوابات اورشليم. (ار ٧:٢؛ ١٧:١٩، ٢٠) فبهذه الطريقة، اوصل النبي كلمة يهوه الى اعداد غفيرة من الناس. وبما ان كثيرين — بمَن فيهم وجهاء المدينة وتجارها ورجال اعمالها — اعتادوا المرور عبر البوابة عينها، فلربما تحدث ارميا الى بعضهم اكثر من مرة محاولا مساعدتهم على فهم ما سمعوه منه قبلا. فماذا نتعلم من ذلك عن عقد الزيارات المكررة للمهتمين؟
١٤ عرف ارميا ان حياة الناس اعتمدت على عمله كنبي للّٰه. فحين مُنع ذات يوم من التحدث اليهم، ارسل صديقه باروخ ليقوم مقامه. (اقرأ ارميا ٣٦:٥-٨.) فكيف نقتدي به في هذا الخصوص؟ هل نفي بوعدنا ان نرجع لزيارة صاحب البيت؟ وهل ندبّر بديلا عنا في حال تعذّر علينا الالتزام بموعد زيارة مكررة او درس في الكتاب المقدس؟ قال يسوع: «كلمتكم نعم فلتعنِ نعم». (مت ٥:٣٧) حقا، ان الوفاء بوعودنا هو على قدر كبير من الاهمية لأننا نمثّل إلها يحب الصدق والترتيب. — ١ كو ١٤:٣٣، ٤٠.
هل تعدّل برنامجك وأساليبك في الكرازة كي تقدّم الشهادة لعدد اكبر من الناس؟
١٥، ١٦ (أ) كيف يتبع كثيرون مثال ارميا لتوسيع خدمتهم؟ (ب) اي درس نتعلمه من الشاهدة في تشيلي كما تُظهر الصورة في الصفحة ٤٠؟
١٥ شجع ارميا اليهود في بابل موجّها اليهم رسالة عن ‹كلمة يهوه الصالحة› التي وعدت بردّهم الى ارضهم. (ار ٢٩:١-٤، ١٠) واليوم، يمكننا استخدام الرسائل والهاتف كي ننشر على نطاق واسع ‹الكلمة الصالحة› عما سيفعله يهوه قريبا. فهل فكرت في استعمال هاتين الطريقتين لمساعدة اقاربك وغيرهم ممن يقطنون في اماكن بعيدة او يصعب التواصل معهم؟
١٦ ان ناشري الملكوت الذين يتمثلون بإرميا في اتمام خدمته على اكمل وجه غالبا ما يجنون نتائج رائعة. ثمة شاهدة في تشيلي كرزت لامرأة كانت تغادر محطة القطار النفقي. فسُرّت المرأة برسالة الكتاب المقدس ووافقت على اجراء مناقشات في بيتها. لكنّ الشاهدة لم تدون عنوانها. فصلّت الى يهوه طلبا للمساعدة مدركة ان عليها تنمية اهتمام هذه المرأة. وفي اليوم التالي، رجعت الى محطة القطار في نفس الساعة. فالتقت المرأة مجددا وحرصت هذه المرة على اخذ عنوانها. ثم زارتها في منزلها لتساعدها على فهم الاسفار المقدسة. فماذا نتعلم من ذلك؟ نحن نعرف ان احكام اللّٰه ستباغت عالم الشيطان عما قريب. ولكن هناك فسحة امل للذين يتوبون ويؤمنون بالبشارة. (اقرإ المراثي ٣:٣١-٣٣.) فلنعرب عن اقتناعنا بهذه الفكرة باذلين جهودا دؤوبة في تغطية مقاطعتنا.
هل تبذل الجهد اللازم لملاحقة كل اهتمام تجده في المقاطعة؟
«لعلهم يسمعون ويرجعون كل واحد عن طريقه الرديء»
١٧ كيف نسير على خطى ارميا في الكرازة للناس في مقاطعتنا؟
١٧ لم يشأ يهوه ان يخسر شعبه حياتهم. فقبل نحو عشر سنوات من دمار اورشليم، منح المسبيين في بابل رجاء بفم ارميا، قائلا: «اجعل عيني عليهم للخير، وأردّهم الى هذه الارض. وأبنيهم ولا اهدمهم، وأغرسهم ولا استأصلهم». لذا استطاع ارميا ان يقول لكل منهم: «يوجد رجاء لمستقبلك». (ار ٢٤:٦؛ ٢٦:٣؛ ٣١:١٧) فقد تطلّع النبي الى الناس من منظار اللّٰه. وكرز لهم باهتمام اصيل ناقلا اليهم حضّ يهوه: «ارجعوا، رجاء، كل واحد عن طريقه الرديء، وأصلحوا اعمالكم». (ار ٣٥:١٥) فهل تفكر في طرائق تبدي من خلالها اهتماما شخصيا عميقا بالناس في مقاطعتك؟
١٨، ١٩ (أ) اية نظرة ينبغي ان نجتنبها فيما نكرز بالبشارة؟ (ب) اي موقف يجب ان نتبناه احتذاء بإرميا؟
١٨ ان محبة ارميا الشديدة للناس لم تبرد على الاطلاق. حتى عندما دُمرت اورشليم، أشفق عليهم ورقّ قلبه لهم. (اقرإ المراثي ٢:١١.) فمع ان اليهود هم وحدهم الملومون على هذه البلية، لم يشمت ارميا بهم بل حزن اشد الحزن على مصابهم. على نحو مشابه، لا يجب ان نؤدي عمل الشهادة بطريقة آلية، اي بدافع الواجب فقط. بالاحرى، لتبرهن جهودنا في الخدمة كم نحب إلهنا الرائع ونحب الناس الذين خُلقوا على صورته.
هل تُظهر للناس انك مهتم بخيرهم؟
١٩ فما من امتياز او منصب في العالم يضاهي شرف الشهادة للاله الحقيقي! وهذا ما شعر به ارميا عندما كتب: «وُجد كلامك فأكلته. فصارت لي كلمتك بهجة وفرحا لقلبي؛ لأن اسمك دُعي عليّ يا يهوه». (ار ١٥:١٦) وفيما نكرز بالبشارة، قد يقدِم المزيد والمزيد من الاشخاص على معرفة ومحبة الاله الذي يدينون له بحياتهم. ولا شك اننا سنساهم في تحقيق ذلك حين نخدم بغيرة ومحبة احتذاء بإرميا.
بالنظر الى مثال ارميا، اية طرائق تنوون شخصيا تجربتها في المستقبل بغية نشر ‹كلمة يهوه الصالحة›؟
a غالبا ما استخدم يهوه، كما في هذه الحالة، رسلا ملائكيين ليتكلموا ويتصرفوا كما لو انه هو الذي يتكلم ويتصرف. — قض ١٣:١٥، ٢٢؛ غل ٣:١٩.
-
-
حذارِ من القلب الغدار!رسالة من اللّٰه بفم ارميا
-
-
الفصل الرابع
حذارِ من القلب الغدار!
١، ٢ لمَ من الصعب ان نعرف حالة قلبنا المجازي على حقيقتها؟
تخيّل انك استيقظت باكرا ذات صباح وشعرت وأنت ممدد في السرير بألم حاد في صدرك وضيق في النفس. فرحت تتساءل: ‹أيُعقل انها نوبة قلبية؟›. ان استبعاد الفكرة لن يفيدك، فعليك اتخاذ اجراء دونما تأخير. لذا تطلب سيارة اسعاف تقلّك الى المستشفى حيث يعاينك الطبيب بدقة وربما يجري لك فحصا لعضلة القلب. فالتشخيص الفوري والعلاج المناسب قد يعنيان حياتك او موتك.
٢ وماذا عن قلبك المجازي؟ قد لا يكون سهلا ان تعرف حالته الحقيقية. لماذا؟ نقرأ في الكتاب المقدس: «القلب اشدّ غدرا من كل شيء، وهو يستميت الى غايته. فمَن يقدر ان يعرفه؟». (ار ١٧:٩) اذًا، يمكن لقلبنا ان يخدعنا ويوهمنا ان صحتنا الروحية جيدة، في حين يلاحظ الآخرون اشارات تحذيرية ويشعرون بالقلق علينا. ولكن لمَ يخدعنا قلبنا؟ لأن لدينا ميولا خاطئة تغلبنا احيانا، كما ان الشيطان ونظام الاشياء هذا قد يحجبان عنا حالة قلبنا الحقيقية. فماذا نتعلم من ارميا وشعب يهوذا في زمنه عن اهمية تفحص قلبنا؟
٣ ماذا يؤلّه كثيرون اليوم؟
٣ اظهرت غالبية شعب يهوذا ان قلوبهم تعاني خللا روحيا. فقد انصرفوا عن الاله الحق الوحيد وعبدوا آلهة كنعانية دون ادنى احساس بوخز الضمير. فتحداهم يهوه قائلا: ‹اين آلهتكم التي صنعتم لأنفسكم؟ فلتقم إن كان في وسعها ان تخلّصكم في وقت بليتكم. فإن آلهتكم قد صارت على عدد مدنكم›. (ار ٢:٢٨) طبعا، نحن لسنا نعبد آلهة صنمية. لكنّ احد المعاجم يعرّف الكلمة «إله» بأنها «شخص او شيء فائق القيمة». فكثيرون في العالم يؤلّهون العمل او الصحة او العائلة، فيما يولي آخرون اهمية فائقة للرياضة او المشاهير او التكنولوجيا او السفر او الاعراف والتقاليد. وهم يخصصون لهذه الامور مساحة كبيرة من حياتهم على حساب علاقتهم بالخالق. فهل يمكن ان يصح ذلك في المسيحيين الحقيقيين، كما حدث مع شعب يهوذا ايام ارميا؟
حين يخدعنا قلبنا الغدار
٤ ما مدى صدق الذين قالوا: «اين كلمة يهوه؟ فلتأتِ»؟
٤ سيثير اهتمامَك على الارجح سياقُ الآية التي تذكر ان القلب غدار. فالناس اخذوا يقولون: «اين كلمة يهوه؟ فلتأتِ». (ار ١٧:١٥) ولكن هل كانوا صادقين في كلامهم؟ لاحظ كيف استهل ارميا اصحاحه السابع عشر هذا: «خطية يهوذا مكتوبة بقلم من حديد، منقوشة برأس من ألماس على لوح قلبهم». فإحدى مشاكلهم الرئيسية كانت انهم ‹اتكلوا على الانسان وجعلوا البشر ذراعهم، وعن يهوه تحوّل قلبهم›، وذلك بخلاف اقلية اتكلت على اللّٰه طلبا للارشاد والبركات. — ار ١٧:١، ٥، ٧.
٥ ماذا كان موقف ابناء شعب ارميا من توجيهات يهوه؟
٥ وقد بانت قلوب الاكثرية على حقيقتها في موقفهم من كلام اللّٰه. (اقرأ ارميا ١٧:٢١، ٢٢.) على سبيل المثال، قضت الشريعة ان يرتاح المرء يوم السبت من مزاولة اعماله الاعتيادية ويخصصه للنشاطات الروحية. لذا ما كان على ابناء شعب ارميا ان يبيعوا ويشتروا او ينجزوا اعمالهم يوم السبت. لكنّ تصرفاتهم كشفت عن حالة قلبهم. فهم «لم يسمعوا ولم يميلوا اذنهم، بل راحوا يقسّون عنقهم لئلا يسمعوا ولئلا يقبلوا تأديبا». فمع انهم عرفوا شريعة اللّٰه، ضربوا بها عرض الحائط فاعلين ما يحلو لهم يوم السبت. — ار ١٧:٢٣؛ اش ٥٨:١٣.
٦، ٧ (أ) اي تفكير غير حكيم قد يسترسل فيه المسيحي متجاهلا مشورة صف العبد الامين؟ (ب) ماذا يمكن ان يؤثّر على حضورنا الاجتماعات؟
٦ صحيح اننا لا نحفظ اليوم شريعة السبت، انما ثمة عبرة نستخلصها من موقف هؤلاء الاشخاص. (كو ٢:١٦) فنحن تخلينا عن مساعينا الانانية والدنيوية رغبة منا في فعل مشيئة اللّٰه. وندرك ان من الحماقة ارضاء خالقنا بطريقة تخدم مصالحنا. ولا بد اننا نعرف كثيرين يركزون على فعل مشيئة اللّٰه وينعمون دون ريب بالراحة والانتعاش. اذًا، كيف يمكن لقلوبنا ان تضلنا؟
٧ ربما يظن المسيحي خطأ ان قلبه يستحيل ان يخدعه، شأنه في ذلك شأن عديدين زمن ارميا. مثلا، ربما يحاجّ في نفسه: ‹عليّ ان احصل على وظيفة وأتمسك بها حتى اعيل عائلتي›. وهذا التفكير طبيعي. ولكن ماذا لو ذهب الى ابعد من ذلك قائلا: ‹يلزم ان احصّل تعليما اضافيا كي احظى او احتفظ بوظيفة محترمة›؟ وبما ان هذه الفكرة ايضا تبدو منطقية، فقد يستنتج: ‹تغيرت الاحوال اليوم، فأنا لن استطيع تدبر اموري والبقاء في وظيفتي ما لم اتعلم في كلية او جامعة›. فما اسهل ان يبدأ المرء بالتقليل من اهمية المشورة الحكيمة والمتزنة التي يزودها صف العبد الامين الفطين عن التعليم الاضافي ويروح يتغيب عن الاجتماعات! ويَظهر ان آراء وأفكار العالم في هذا المجال تقولب البعض رويدا رويدا. (اف ٢:٢، ٣) فلا عجب ان يحذّرنا الكتاب المقدس: «لا تدعوا العالم حولكم يضغطكم في قالبه». — رو ١٢:٢، ترجمة فيلپس.a
اسأل نفسك: ‹هل خدعني قلبي بحيث صرت اتغيب عن الاجتماعات؟›
٨ (أ) بمَ قد يتباهى المسيحي؟ (ب) لمَ لا يكفي نيل معرفة سطحية عن اللّٰه وتعاملاته؟
٨ نحن نعلم ان بعض اخوتنا اليوم، على غرار مسيحيين في القرن الاول، يعيشون حياة رغيدة وربما هم اشخاص معروفون في مجتمعهم. فكيف ينبغي ان يشعروا حيال انجازاتهم، وكيف يجب ان نتطلع اليهم؟ زود يهوه الجواب بواسطة ارميا. (اقرأ ارميا ٩:٢٣، ٢٤.) فالحكمة تقضي ان يتجنب المرء التباهي بإنجازاته ويعي ان معرفة المتسلط الكوني هي المسعى الاهم في الحياة. (١ كو ١:٣١) ولكن علامَ تنطوي حيازة المعرفة والبصيرة عن يهوه؟ في ايام ارميا، عرف الشعب اسم اللّٰه. وعلموا ايضا بما فعله مع اسلافهم عند البحر الاحمر، خلال دخول الامة الى ارض الموعد، في زمن القضاة، وأثناء حكم الملوك الامناء. لكنهم لم يدركوا مَن هو يهوه حقا ولا آمنوا به ايمانا اصيلا. مع ذلك، قالوا: ‹نحن ابرياء. لقد ارتد غضب اللّٰه عنا›. — ار ٢:٣٥.
لمَ من المهم ان ندرك ان قلبنا غدار؟ وكيف نتفحص قلبنا ونعرف نظرة فاحص القلوب العظيم الينا؟
كيف يصوغنا يهوه
هل تسمح ليهوه ان يصوغك؟
٩ لمَ تغيير الموقف القلبي ليس امرا مستحيلا، وكيف يمكن تحقيق ذلك؟
٩ وجب على اليهود الذين نقل اليهم ارميا رسالة اللّٰه ان يغيّروا موقفهم القلبي. ولم يكن هذا الامر مستحيلا. فقد قال اللّٰه عن الذين كانوا سيعودون من السبي: «اعطيهم قلبا ليعرفوني، اني انا يهوه. فيكونون شعبي، وأنا اكون إلههم؛ لأنهم يرجعون اليّ». (ار ٢٤:٧) ان تغييرا كهذا متاح اليوم ايضا. وفي وسعنا تحسين حالة قلبنا الروحية باتباع ثلاث خطوات اساسية: الدرس الشخصي الجدي لكلمة اللّٰه، نيل فهم واضح عن تأثيرها في حياتنا، وتطبيق ما نتعلمه. فبخلاف معاصري ارميا، نحن نريد ان يتفقد فاحص القلوب العظيم حالة قلبنا. ويمكننا بدورنا ان نمتحن قلبنا على ضوء الكتاب المقدس، مبقين في بالنا اعمال يهوه الحبية من اجلنا. (مز ١٧:٣) فكم من الحكمة ان نفعل ذلك!
١٠، ١١ (أ) لمَ ذهب ارميا الى بيت الخزاف؟ (ب) ماذا يحدد كيف يصوغ يهوه الناس؟
١٠ يصوغ الشيطان الناس بحيث يضغطهم جميعا في قالب واحد، اما اللّٰه فيصوغهم آخذا كل فرد بعين الاعتبار. ويتضح ذلك مما حدث مع ارميا. فذات يوم، اوصاه اللّٰه بالذهاب الى بيت الخزاف، فإذا به يعمل على دولابه. ولما فسد الاناء الذي كان يصنعه، عاد بكل بساطة وشكّل بالطين الطري اناء آخر. (اقرأ ارميا ١٨:١-٤.) فلمَ طُلب من النبي مراقبة هذه العملية، وماذا نتعلم من اختباره؟
١١ اراد يهوه ان يُظهر لإرميا وإسرائيل انه قادر على قولبة الناس والامم كيفما يشاء. لكنه بخلاف الخزافين البشر، لا يرتكب الاخطاء ولا يخرب اعتباطيا اعمال يديه. فهو يحدد طريقة تعامله مع الناس على اساس رد فعلهم عندما يصوغهم. — اقرأ ارميا ١٨:٦-١٠.
١٢ (أ) كيف تصرف يهوياقيم عندما حاول يهوه ان يصوغه؟ (ب) اي درس نتعلمه من الرواية عن يهوياقيم؟
١٢ فكيف اذًا يصوغ يهوه الافراد؟ ان وسيلته الرئيسية اليوم هي الكتاب المقدس. فالمرء الذي يقرأ كلمة اللّٰه ويتجاوب معها يكشف عن معدن جيد، ما يُفسح المجال للّٰه ان يصوغه. بالتباين مع ذلك، لنتأمل في مثال الملك يهوياقيم الذي يبيّن ان الناس زمن ارميا لم يدعوا يهوه يصوغهم في شؤون الحياة اليومية. فقد امرتهم الشريعة ‹الا يغبنوا اجيرا›، لكنّ الملك فعل العكس تماما مستغلا رفقاءه الاسرائيليين باعتبارهم يدًا عاملة رخيصة كي يبني لنفسه «بيتا وسيعا». (تث ٢٤:١٤؛ ار ٢٢:١٣، ١٤، ١٧) ومع ان اللّٰه حاول صوغ يهوياقيم بواسطة كلمته التي نقلها انبياؤه، سار هذا الملك وراء ميل قلبه الغدار قائلا: «لن اطيع»، ولم يحِد عن الطريق الذي سلكه منذ صباه. لذا اعلن اللّٰه انه سوف «يُدفن دفن حمار، مجرورا ومطروحا، خارج ابواب اورشليم». (ار ٢٢:١٩، ٢١) فكم من الحماقة ان نتبنى موقفا كهذا ونقول: ‹هذا انا ولن اتغير›! صحيح ان اللّٰه لا يوفد اليوم انبياء مثل ارميا، غير انه يزودنا بالارشاد مستخدما صف العبد الامين الفطين لمساعدتنا على معرفة وتطبيق مبادئ الكتاب المقدس. وتتناول هذه المبادئ جوانب مختلفة من حياتنا اليومية مثل اللباس والهندام، والموسيقى والرقص خلال حفلات الزفاف والمناسبات الاجتماعية الاخرى. فهل نسمح لكلمة اللّٰه ان تصوغنا؟
١٣، ١٤ (أ) لمَ وافق الشعب في اورشليم على اعتاق عبيدهم العبرانيين؟ (ب) كيف انكشفت قلوب مالكي العبيد على حقيقتها؟
١٣ اليك مثالا آخر. ذكرنا سابقا ان البابليين نصّبوا صدقيا على عرش يهوذا ملكا تابعا لهم. لكنه تمرد عليهم متجاهلا نصيحة اللّٰه على لسان ارميا. (ار ٢٧:٨، ١٢) فما كان منهم الا ان حاصروا اورشليم. عندئذ خطر للملك ورؤسائه ان ينفّذوا احد مطالب الشريعة التماسا لرضى اللّٰه. وبما ان صدقيا كان يعلم ان الشريعة قضت بإعتاق العبيد العبرانيين في السنة السابعة من عبوديتهم، قطع عهدا بإطلاقهم احرارا. (خر ٢١:٢؛ ار ٣٤:١٤) تخيّل: في خضم الحصار، بدا مناسبا على حين غرة ان يحرر الشعب عبيدهم! — اقرأ ارميا ٣٤:٨-١٠.
١٤ ولكن في وقت لاحق، اتت قوة عسكرية مصرية لنجدة اورشليم، فرفع البابليون الحصار. (ار ٣٧:٥) وماذا فعل الذين حرروا عبيدهم؟ عادوا وأخضعوهم خدما وجواري. (ار ٣٤:١١) فعمَّ تكشف هذه الحادثة؟ حين احدق الخطر باليهود، سارعوا الى حفظ الشرائع الالهية وكأن ذلك يعوّض عن عصيانهم السابق. ولكن حين زال الخطر رجعوا الى طرقهم القديمة. فرغم انهم تظاهروا بقبول روح الشريعة، اظهرت تصرفاتهم اللاحقة انهم لم يريدوا في صميم قلوبهم اطاعة كلمة اللّٰه او السماح لها بصوغ افعالهم.
اي درس عملي نتعلمه مما كتبه ارميا عن الخزاف؟ وكيف يصوغنا يهوه اليوم؟
دع يهوه يصوغ شخصيتك
١٥ الى اي حد تودون ان يصوغكم يهوه؟ اوضحوا.
١٥ من خلال جماعات يهوه حول العالم، نتعلم مبادئ الكتاب المقدس حول مسألة ما، مثل كيف نتصرف حين يضايقنا احد اخوتنا. (اف ٤:٣٢) فقد نسلّم بصواب وحكمة مشورة الكتاب المقدس، ولكن هل نحن كالطين الليّن ام الصلب؟ هل ندع يهوه يصوغنا ونتجاوب معه؟ اذا تحلّينا بقلب طيّع، نصير اشخاصا افضل اذ ان الخزاف العظيم سيجبلنا آنية نافعة جديرة باستعماله. (اقرأ روما ٩:٢٠، ٢١؛ ٢ تيموثاوس ٢:٢٠، ٢١.) فلنحرص الا ننمّي موقفا قلبيا شبيها بموقف يهوياقيم ومالكي العبيد، ولنقبل بالاحرى ان يصوغنا يهوه لغرض كريم.
١٦ اية حقيقة مهمة ادركها ارميا؟
١٦ من الجدير بالذكر ان اللّٰه صاغ ارميا. فماذا كان موقفه؟ نتبيّن الجواب من النبي نفسه حين اعترف: «ليس لإنسان يمشي ان يوجّه خطواته». ثم ما لبث ان توسل قائلا: «قوّمني يا يهوه». (ار ١٠:٢٣، ٢٤) فيا ايها الحدث، هل تقتدي بإرميا؟ لا شك ان قرارات كثيرة تنتظرك في المستقبل. وبعض رفاقك يفضّلون ‹ان يوجّهوا خطواتهم› بأنفسهم. فهل تلتجئ الى اللّٰه طالبا ارشاده عند اتخاذ القرارات؟ هل تعترف بتواضع كإرميا بعجز البشر عن توجيه خطواتهم؟ تذكّر ان اللّٰه يصوغك إن انت التمست ارشاده.
١٧-١٩ (أ) لمَ ذهب ارميا في رحلة طويلة الى الفرات؟ (ب) كيف كان يمكن ان توضع طاعة ارميا على المحك؟ (ج) ماذا كان الهدف من الحادثة المتعلقة بالحزام؟
١٧ اقتضى تعيين ارميا الاذعان لتوجيهات اللّٰه. فلو كنت مكانه، فهل تطيع كافة الارشادات المعطاة لك؟ في احدى المراحل، امره يهوه ان يجلب حزاما من كتان ويلبسه ويسافر الى الفرات. فإذا استعنت بخريطة تجد انه اجتاز نحو ٥٠٠ كيلومتر ليصل الى وجهته. وهناك، كان عليه ان يخفي الحزام في شق صخر، ثم يقطع مجددا كل تلك المسافة رجوعا الى اورشليم. وبعد فترة من الوقت، طلب منه اللّٰه الذهاب ثانية الى الفرات لإحضار الحزام. (اقرأ ارميا ١٣:١-٩.) وهذا يعني انه سافر ما مجموعه ٠٠٠,٢ كيلومتر تقريبا، وهي مسافة طويلة لا يصدق نقاد الكتاب المقدس انه قطعها سائرا على قدميه شهرا تلو الآخر.b (عز ٧:٩) ولكن هذا ما فعله ارميا مذعنا لتوجيهات اللّٰه.
١٨ تخيّل النبي وهو يشق دربه بصعوبة في جبال يهوذا، ولعله عبر بعد ذلك صحراء قاحلة متجها نحو الفرات. وكل هذا العناء لمجرد اخفاء حزام من كتان! هذا عدا عن ان غيابه الطويل اثار دون شك فضول جيرانه. وحين عاد، لم يكن الحزام بحوزته. فطلب منه اللّٰه لاحقا القيام مجددا بتلك الرحلة الطويلة كي يستعيد الحزام الذي اصبح تالفا و «لا يصلح لشيء». فكّر كم كان سهلا ان يقول النبي في نفسه: ‹تجاوزت الامور حدها. فأنا لا ارى داعيا لهذه المشقة›. ولكن بما انه سمح للّٰه بصوغ شخصيته، فلم تصدر عنه ردة الفعل هذه. فهو لم يتذمر بل نفّذ اوامر يهوه بحذافيرها.
لمَ ينبغي ان نذعن لإرشادات يهوه حتى لو لم نفهمها كاملا؟
١٩ ولم يوضح له اللّٰه مغزى طلبه هذا الا بعد الرحلة الثانية. فهذه الحادثة مكّنت النبي من نقل رسالة قوية من اللّٰه الذي اعلن: «هذا الشعب الرديء الذي يأبى اطاعة كلامي ويسير في عناد قلبه، سائرا وراء آلهة اخرى يخدمها ويسجد لها، يصير ايضا مثل هذا الحزام الذي لا يصلح لشيء». (ار ١٣:١٠) فيا لها من طريقة رائعة علّم بها يهوه شعبه! فطاعة ارميا القلبية في امور بدت قليلة الاهمية لعبت دورا في محاولات يهوه لبلوغ قلوب شعبه. — ار ١٣:١١.
٢٠ لمَ قد تحيّر طاعتنا البعض، ولكن بمَ نحن واثقون؟
٢٠ صحيح انه لا يُطلب منك اليوم السير مئات الكيلومترات لتساهم في ايصال عبرة إلهية، لكنك تتبع على الارجح مسلكا مسيحيا يحيّر جيرانك وزملاءك او يدفعهم الى انتقادك ايضا. ويشمل ذلك لباسك وهندامك، خياراتك المتعلقة بالتعليم والعمل، حتى نظرتك الى المشروبات الكحولية. فهل انت عاقد العزم مثل ارميا على العيش وفق ارشاد اللّٰه؟ فقد تقدّم للآخرين شهادة حسنة من خلال قراراتك الناجمة عن سماحك للّٰه ان يصوغ قلبك. في كل الاحوال، ان اطاعتك توجيه اللّٰه المدون في كلمته وقبولك الارشاد بواسطة صف العبد الامين هما لخيرك الابدي. فبذلك تسير على مثال ارميا عوض ان يسيّرك قلبك الغدار. فصمم اذًا ان تفسح المجال ليهوه ان يقولبك كما يشاء. دعه يصوغك اناء كريما جديرا باستعماله الى الابد.
لمَ من المهم ان نحارب الضغوط التي يسببها لنا الشيطان، قلبنا الناقص، والعالم من حولنا؟
a بحسب ترجمة انكليزية للكتاب المقدس على الانترنت (Bible NET) صدرت عام ٢٠٠٥، تُنقل هذه الآية الى: «لا تكونوا على شبه العالم». وتوضح حاشيتها ان التشبه بالعالم «يحدث جزئيا بطريقة لاشعورية. ولكن في الوقت عينه، . . . قد يكون عن وعي وإدراك. لذا يرجح جدا ان يحصل بالطريقتين معا».
b يرى البعض ان ارميا لم يسافر الى الفرات بل قصد مكانا قريبا. ولماذا؟ يذكر احد العلماء: «جلّ ما يهدف اليه اصحاب هذا الانتقاد هو ان يوفروا على النبي عناء السفر مرتين من اورشليم الى الفرات».
-
-
مَن هم اصدقاؤك؟رسالة من اللّٰه بفم ارميا
-
-
الفصل الخامس
مَن هم اصدقاؤك؟
١، ٢ (أ) اية تحديات يواجهها المسيحيون خلال تعاملهم مع مَن حولهم؟ (ب) كيف نستفيد من اختيار ارميا للاصدقاء؟
ماذا تفعل اذا دعاك احد الجيران او الزملاء في العمل او المدرسة الى حضور حفلة عيد ميلاد؟ كيف تتصرف إن سألك رب عملك ان تكذب او ترتكب فعلة مخالفة للقانون؟ وماذا لو طلبت منك السلطات الحكومية تأدية نشاطات سياسية او عسكرية؟ يُرجح ان ضميرك سيثنيك عن القيام بأي من هذه الامور حتى لو عرّضك ذلك للهزء او المعاملة السيئة.
٢ سنرى في هذا الفصل ان ارميا غالبا ما وجد نفسه امام تحديات مماثلة. لذا سينفعك دون شك ان تعرف بمَن احتكّ النبي خلال سنوات خدمته. فالبعض حاولوا تثبيط عزيمته لئلا يتمّم تعيينه. ومع انه اضطر الى التواصل معهم بعض الشيء، فهو حتما لم يخترهم اصدقاء له. بالمقابل، من المفيد ان تتعرف بأصدقائه الحقيقيين الذين امدوه بالدعم وقووا تصميمه على البقاء امينا. نعم، بإمكاننا ان نتعلم الكثير من ارميا عن اختيار العشراء.
مع مَن تبني صداقاتك؟
٣ ماذا اراد صدقيا من ارميا، وكيف تصرف النبي؟
٣ طلب الملك صدقيا مشورة ارميا في اكثر من مناسبة قبل دمار اورشليم، آملا بالحصول على رسائل تبشر بالخير حول مستقبل مملكته. فهو اراد ان يسمع من النبي ان اللّٰه سيتدخل وينقذ يهوذا من اعدائها. لذا توسل اليه من خلال مبعوثَيه: «من فضلك، اسأل يهوه من اجلنا؛ لأن نبوخذرصر ملك بابل يحاربنا. لعلّ يهوه يصنع معنا بحسب جميع اعماله العجيبة، فينصرف عنا». (ار ٢١:٢) غير ان الملك لم يشإ اتباع ارشاد اللّٰه بالاستسلام لبابل. وقد شبّهه احد العلماء «بمريض يزور الطبيب مرة بعد مرة اطمئنانا على صحته، لكنه ليس مستعدا لتناول الدواء الموصوف له». وماذا فعل ارميا؟ كان بإمكانه الفوز باستحسان صدقيا لو تملّقه وأسمعه ما يريد. فلمَ اذًا لم يغيّر رسالته ويهوّن الامر على نفسه؟ لأن يهوه سبق فأمره ان ينادي بسقوط اورشليم. — اقرأ ارميا ٣٢:١-٥.
٤ اي قرار نواجهه بشأن بناء الصداقات مع الآخرين، مثل زملاء العمل؟
٤ انت تشبه ارميا من بعض النواحي. فلا ريب انك تحتكّ بالجيران ورفقاء العمل او المدرسة. ولكن هل تذهب الى ابعد من ذلك وتبني معهم صداقات حتى لو اظهروا عدم اهتمام بسماع واتباع وصايا اللّٰه؟ لم يكن في وسع ارميا ان يتجنب صدقيا تماما، فهو كان الملك حتى لو رفض الاصغاء لمشورة اللّٰه. غير انه ما كان ملزما بمجاراة طريقة تفكيره الخاطئة او كسب رضاه. طبعا، لو لبّى ارميا رغبات صدقيا لأمطره بالهدايا والامتيازات الاخرى. الا انه رفض الانقياد لأي ضغط او اغراء بهدف التقرب اليه. ولماذا؟ لأنه كان مصمما كل التصميم ان يظل على موقفه الذي اوصاه يهوه باتخاذه. من هنا، ليسأل كل منا نفسه على ضوء مثال ارميا: ‹هل أنتقي اصدقاء يشجعونني على البقاء وليا للّٰه؟›. لا شك انك لا تستطيع قطع كل علاقاتك بالذين لا يخدمون اللّٰه، مثل الجيران او الزملاء في العمل او المدرسة. (١ كو ٥:٩، ١٠) لكنك تدرك ان مخالطتهم اكثر من اللازم تدفعك لا محالة الى المسايرة على حساب صداقتك مع اللّٰه.
هل تعاشر الذين يستخفون بكلمة اللّٰه؟
٥، ٦ ماذا فعل البعض لإسكات ارميا؟
٥ ليس صدقيا الوحيد الذي حاول الضغط على ارميا. فثمة كاهن يدعى فشحور «ضرب» النبي ربما ٣٩ جلدة. (ار ٢٠:٢؛ تث ٢٥:٣) ولقي ارميا المعاملة عينها على يد عدد من رؤساء يهوذا الذين ضربوه ثم وضعوه في «بيت القيود». فاحتُجز في زنزانة اياما كثيرة وعاش اوضاعا مزرية للغاية حتى انه خشي الموت هناك. (اقرأ ارميا ٣٧:٣، ١٥، ١٦.) وبعدما أُطلق سراحه فترة من الوقت، حرّض رؤساء آخرون صدقيا على قتله زاعمين انه يضعف معنويات جيوش يهوذا، ما ادى الى رميه في جبّ موحل. (ار ٣٨:١-٤) صحيح انه أُنقذ من تلك الميتة الفظيعة، لكنّ هذه الاحداث تُظهر كيف شكك الكثيرون في كلام نبي اللّٰه وانقلبوا عليه، هم الذين يُفترض ان يميّزوا هويته ويدركوا خطأ تصرفاتهم.
٦ ولم يقتصر اعداء ارميا على السلطات الرسمية. ففي احدى المناسبات، انزعج من كلامه رجال من اهل مدينته عناثوث — ربما كانوا جيرانه — وتوعدوا بقتله إن لم يتوقف عن التنبؤ. (ار ١١:٢١) لكنه لم يكترث بهم لأنه اختار مصادقة يهوه لا الجيران. وثمة معاصرون آخرون له لم يكتفوا بالتهديد الشفهي. فذات مرة، وضع النبي نيرا على عنقه، كمثال حي، ليحث اليهود ان يجعلوا اعناقهم تحت نير ملك بابل ويبقوا بالتالي احياء. فما كان من النبي الدجال حننيا الا ان نزع النير الخشبي عن عنق ارميا وكسره، مدعيا ان يهوه قال: «سأكسر نير ملك بابل». غير انه مات في السنة عينها، وأنت تعرف اي نبي تبيّن انه الاصدق. (ار ٢٨:١-١١، ١٧) وبعدما دُمرت اورشليم كما سبق وحذّر ارميا، رفض يوحانان وقادة في الجيش اطاعة وصية اللّٰه بالبقاء في ارض يهوذا قائلين للنبي: «انت متكلم بالكذب. لم يرسلك يهوه إلهنا قائلا: ‹لا تدخلوا الى مصر›». حتى انهم تحدوا يهوه واصطحبوا معهم ارميا وباروخ الى مصر. — ار ٤٢:١–٤٣:٧.
اي نوع من الاشخاص اضطر ارميا الى التعامل معهم؟ وماذا نتعلم من مثاله؟
٧ اي تحدٍّ قد يؤثّر على امانتنا ليهوه؟
٧ سنوات مرّت وإرميا محاط بأشخاص مقاومين استخفوا بكلمة اللّٰه. فماذا فعل؟ كان من السهل ان يتقبل معاشرة الذين لم يحترموا اللّٰه وكلمته، فهو عاش في وسطهم والتقاهم في كل مكان. وماذا عنك؟ لا بد انك تتواصل الى حد ما مع اشخاص يشبهونهم. فهل تتخذهم اصدقاء لك سواء قاوموك انت وإلهك بضراوة او بدوا في غاية اللطف والتهذيب؟ أمن الحكمة ان تمضي الوقت مع اناس لا يحملون نبوات اللّٰه محمل الجد؟ لو كان ارميا مكانك، أفيُعقل ان يصادق الذين ينكرون بنمط حياتهم حق كلمة اللّٰه او يجعلون البشر متّكَلهم؟ (٢ اخ ١٩:٢) لقد بيّن اللّٰه لإرميا بكل وضوح عواقب الاتكال على الانسان لا عليه. (اقرأ ارميا ١٧:٥، ٦.) فهل تراه صائبا ان تتبع هذا المسلك؟
٨ اية تحديات يواجهها المسيحيون في بلدكم؟
٨ يشعر بعض المسيحيين ان دعوة زبائنهم الى الولائم او الاستجمام معهم يفتح لهم بابا لترويج اعمالهم او بضائعهم. ولكن ألا يعرّضهم ذلك لمعاشرات فاسدة ومخاطر اخرى مثل الكلام البذيء والاسراف في الشرب؟ هذا يفسّر لمَ يفضّل مسيحيون كثيرون يواجهون هذه الحالة ان يتجنبوا المعاشرات الرديئة، حتى لو فوّتوا على انفسهم ارباحا او نجاحات محتملة في نظر العالم. من جهة اخرى، قد لا يتردد رب العمل او الموظفون في غش الزبائن والاحتيال عليهم، اما المسيحيون الحقيقيون فلا يتأثرون بمَن حولهم ولا يتصرفون مثلهم. صحيح ان تبنّي موقف ثابت في مسائل كهذه ليس سهلا في بعض الاحيان، ولكن كم نحن شاكرون ليهوه على امثلة كالنبي ارميا الذي التصق بمسلك منحه ضميرا صالحا، والاهم علاقة جيدة باللّٰه!
٩ اي خطر يكمن في اتباع المسلك الذي درج عليه الناس؟
٩ ان مواقف ارميا وقناعاته جعلته هدفا لسخرية عدد من رفقائه اليهود. (ار ١٨:١٨) مع ذلك، كان مستعدا ان يبدو مختلفا عمّن اتبعوا «المسلك الذي درج عليه الناس». (ار ٨:٥، ٦) حتى انه آثر احيانا ‹الجلوس وحده› على التعرض لمعاشرات سيئة ومصادقة اشخاص يضعفون روحياته. (اقرأ ارميا ٩:٤، ٥؛ ١٥:١٧.) وماذا عنك؟ ان المسلك الدارج اليوم، كما في زمن ارميا، هو عدم الامانة للّٰه. لذا يجب على خدام يهوه توخي الحذر دوما في مسألة اختيار الاصدقاء. وهذا ما فعله ارميا الذي حظي بعشراء جيدين دافعوا عنه وزودوه بالدعم. فمَن كان هؤلاء العشراء؟ ستفيدك كثيرا معرفة الجواب عن هذا السؤال.
مَن كان اصدقاء ارميا؟
١٠، ١١ (أ) على اي اساس اختار ارميا اصدقاءه؟ (ب) مَن كان اصدقاء ارميا، وأية اسئلة تنشأ بخصوصهم؟
١٠ مع مَن كان ارميا سينمّي الصداقات؟ بتوجيه من يهوه، ادان النبي مرارا وتكرارا الاشرار، المخادعين، الظالمين، العنفاء، غير المبالين، والفاسدين ادبيا، اي كل الذين تخلوا عن العبادة النقية وانغمسوا في الصنمية مرتكبين بذلك الزنى الروحي. لذا حث ارميا ابناء شعبه: «ارجعوا كل واحد عن طريقه الرديء، وأصلحوا طرقكم وأعمالكم». (ار ١٨:١١) حتى بعد دمار اورشليم، لم يغيّر ارميا مقياسه في اختيار الاصدقاء بل انتقى الذين قدّروا «ألطاف يهوه الحبية» و «مراحمه» و ‹أمانته›. (مرا ٣:٢٢-٢٤) فهو لم يُرد ان يصاحب سوى خدام امناء ليهوه. — اقرأ ارميا ١٧:٧.
١١ ونحن نعرف عددا من اصدقاء ارميا وعشرائه اللصيقين الذين ناصروه ودافعوا عنه، امثال عبد ملك، باروخ، سرايا، وأبناء شافان. لذا قد نتساءل: ‹اية شخصيات تحلى بها هؤلاء الرجال؟ اية علاقة جمعتهم بإرميا؟ كيف كانوا اصدقاء صالحين؟ وكيف ساعدوا النبي ان يحافظ على استقامته؟›. لنتأمل في اجوبة هذه الاسئلة ونرَ ما نتعلمه منها.
١٢ (أ) اية قواسم مشتركة جمعت بين ارميا وباروخ وفقا للصورة في الصفحة ٥٨؟ (ب) مَن كان سرايا، وماذا نعرف عنه؟
١٢ كان باروخ بن نيريا كما يتضح صديق ارميا الاحم. فقد املى عليه النبي اعلانات يهوه موكلا اليه بثقة مسؤولية تدوينها، ثم كلّفه قراءة الدرج الذي كتبه، بداية امام الشعب ثم على مسامع رؤساء يهوذا. (ار ٣٦:٤-٨، ١٤، ١٥) فلا شك ان باروخ شاطر ارميا ايمانه واقتناعه بتحقق كلمات اللّٰه النبوية. كما جمعت بين هذين الرجلين قواسم مشتركة اخرى خلال سنوات يهوذا الـ ١٨ الاخيرة المليئة بالاضطرابات. فهما امضيا وقتا طويلا يعملان جنبا الى جنب على التعيين الالهي نفسه، واجها كلاهما الصعوبات واضطرا الى الاختباء من اعدائهما، ونالا تشجيعا شخصيا من يهوه. ويبدو ان باروخ وُلد في عائلة بارزة من عائلات الكتبة في يهوذا. فالاسفار المقدسة تدعوه «كاتب الديوان»، وأخوه سرايا كان رسميا رفيع المقام. وعلى غرار باروخ، عاون سرايا لاحقا ارميا في ايصال احكام يهوه النبوية. (ار ٣٦:٣٢؛ ٥١:٥٩-٦٤) ولا بد ان النبي تقوّى وتشجع بابنَي نيريا هذين اللذين اظهرا استعدادا للعمل معه يدا بيد خلال تلك الاوقات العصيبة. انت ايضا يمكنك ان تستمد القوة والتشجيع من الذين يعملون الى جانبك بأمانة في خدمة يهوه.
ماذا نتعلم من قرارات ارميا بشأن اختيار الاصدقاء؟
١٣ كيف برهن عبد ملك انه صديق ارميا بكل معنى الكلمة، بناء على الصورة في الصفحة ٦٣؟
١٣ حظي ارميا بصديق مميز آخر هو عبد ملك. فحين اراد الرؤساء الحانقون قتله برميه في جب فارغ، لم يجسر احد على الدفاع عنه سوى شخص اجنبي هو عبد ملك الحبشي الذي كان خصيّا، اي رسميا، في بيت الملك صدقيا. ففيما كان هذا الملك جالسا في باب بنيامين، اقترب منه عبد ملك علنا واستأذنه بشجاعة في انقاذ النبي من الجب الموحل. ثم اخذ معه ٣٠ رجلا، متوقعا ربما ان يعرقل اعداء ارميا مهمته. (ار ٣٨:٧-١٣) صحيح اننا لا نعرف الى اي حد عاشر عبد ملك وإرميا واحدهما الآخر، ولكن بما ان كليهما كانا صديقَي يهوه، فمن المنطقي الاستنتاج ان علاقة متينة ربطت بينهما. وقد ادرك عبد ملك ان ارميا كان نبي يهوه. كما تجرأ وقال ان الرؤساء ‹اساءوا› الى النبي، وأعرب ايضا عن استعداد للمجازفة بمنصبه في سبيل فعل الصواب. نعم، كان عبد ملك رجلا صالحا. حتى ان يهوه نفسه اكد له: «اني انقذك في [يوم بلية اورشليم] . . . لأنك اتكلت عليّ». (اقرأ ارميا ٣٩:١٥-١٨.) فما اروع هذا التأكيد الذي ناله عبد ملك! أفلا تود مصادقة شخص كهذا؟!
١٤ ماذا نعرف عن عائلة شافان وعلاقتها بإرميا؟
١٤ ومن اصدقاء ارميا ايضا ثلاثة من ابناء شافان وأحد احفاده. وقد انتمى هؤلاء الى عائلة رفيعة المقام اذ ان شافان شغل سابقا منصب كاتب الملك يوشيا. ففي اول مرة حاول فيها اعداء ارميا قتله، «كانت يد اخيقام بن شافان مع ارميا، لئلا يُسلم الى ايدي الشعب». (ار ٢٦:٢٤) وكان لأخيقام اخ اسمه جمريا. وبينما قرأ باروخ احكام اللّٰه علانية، سمعه ميخايا بن جمريا ونقل كلامه الى ابيه وسائر الرؤساء. فما كان منهم الا ان نصحوا ارميا وباروخ بالاختباء خوفا من رد فعل يهوياقيم. ولما رفض هذا الملك الرسالة الالهية، كان جمريا بين الذين توسلوا اليه لئلا يُحرق الدرج. (ار ٣٦:٩-٢٥) كما عهد ارميا الى ابن آخر لشافان، ألعاسة، بنقل رسالة نبوية الى اليهود المسبيين في بابل. (ار ٢٩:١-٣) وهكذا، نعِم ارميا بصداقة اربعة اشخاص من عائلة واحدة بسطوا له جميعا يد المساعدة. فكّر كم قدّر النبي دون شك هؤلاء الرجال. فصداقته معهم لم تقم على اساس تشابه اذواقهم في الطعام والشراب او استمتاعهم بنفس الهوايات وأشكال الاستجمام، بل استندت الى شيء اهم بكثير.
انتقِ اصدقاءك بحكمة
١٥ اي مثال جيد رسمه ارميا في اختيار الاصدقاء؟
١٥ ماذا نتعلم من تعاملات ارميا مع معاصريه الاشرار والصالحين على السواء؟ رأينا ان الملك ورؤساء عديدين وأنبياء دجالين وقادة في الجيش ضغطوا عليه كي يغيّر رسالته، لكنه ابى ان يداريهم. وموقفه هذا لم يحببه اليهم، غير انه لم يعبأ بمصادقتهم. فيهوه ظل على الدوام صديقه الالصق. حتى لو كانت امانته للّٰه ستكلفه عداوة عدد من الاشخاص، فقد اعرب عن استعداده لدفع هذا الثمن. (اقرإ المراثي ٣:٥٢-٥٩.) ولكن كما تبيّن معنا، ليس ارميا الشخص الوحيد الذي صمم على خدمة يهوه.
١٦، ١٧ (أ) اية مساعدة ينالها خادم يهوه من صديق جيد؟ (ب) اين نجد افضل الاصدقاء ايًّا كان البلد الذي نعيش فيه؟
١٦ اعتُبر عبد ملك صديقا جيدا لأنه آمن بيهوه واتكل عليه. وهو تحلى بشجاعة كبيرة بحيث تصرّف بحزم وأنقذ حياة ارميا. باروخ ايضا امضى عن طيب خاطر وقتا طويلا مع النبي وساعده على نقل رسائل يهوه. واليوم، تضم الجماعة المسيحية اصدقاء محبين وداعمين على غرار عبد ملك وباروخ. على سبيل المثال، تقدّر كاميرون، فاتحة عادية عمرها ٢٠ سنة، التأثير الايجابي الذي تركته فيها فاتحة اخرى اسمها كارا. تقول كاميرون: «شجعتني كارا بمثالها وكلامها على ابقاء يهوه اولا في حياتي». ومع انهما كانتا تعيشان بعيدتين احداهما عن الاخرى، ظلت كارا تتصل بكاميرون او تراسلها بانتظام لتطمئن على احوالها وتتبادل معها التشجيع. تتذكر كاميرون: «كانت كارا على علم بكافة ظروفنا العائلية. فهي عرفت ما حدث مع اختي وكم آلمني تمردها وتخليها عن الحق. لذا وقفت الى جانبي طوال تلك الفترة العصيبة. وأنا لا اعرف ما كان سيحلّ بي لولا مساعدتها وتأثيرها الايجابي. فعلا، كانت كارا عونا رائعا لي».
١٧ انت كذلك يمكنك ايجاد اصدقاء جيدين في الجماعة المسيحية، سواء كانوا في مثل سنك او لا. فإخوتك وأخواتك يشاطرونك ايمانك، قيمك، محبتك ليهوه، ورجاءك للمستقبل، ويمرّون على الارجح بنفس محنك وشدائدك. وهم يعملون معك كتفا الى كتف في الخدمة المسيحية. ويبعثون فيك القوة والامل حين تكابد المشقات مثلما تفعل معهم انت ايضا. كما انهم يفرحون لفرحك في خدمة يهوه. ولا شك ان صداقات كهذه تدوم الى ابد الآبدين. — ام ١٧:١٧؛ ١٨:٢٤؛ ٢٧:٩.
١٨ ماذا نتعلم من اختيار ارميا للاصدقاء؟
١٨ ان الدرس الذي نستمده من اختيار ارميا للاصدقاء واضح وضوح الشمس: لا يمكننا ان نعاشر اشخاصا تتعارض معتقداتهم مع تعاليم الكتاب المقدس دون ان نساير في قناعاتنا. والعمل بانسجام مع هذه الحقيقة التي يستحيل انكارها لا يقلّ اهمية اليوم عما كان عليه زمن ارميا. فكي يتمّم النبي تعيينه بأمانة مظلَّلا ببركة يهوه، كان مستعدا ان يتميّز عن غالبية معاصريه. أفلا يصح ذلك في حالتك انت ايضا؟ فإرميا انتقى عشراء آمنوا ايمانه وأعانوه على انجاز تفويضه. نعم، في وسع كل المسيحيين الامناء التعلم من ارميا عن اختيار الاصدقاء بحكمة. — ام ١٣:٢٠؛ ٢٢:١٧.
كيف نتبع مثال ارميا في تحديد مَن نختارهم او لا نختارهم اصدقاء لنا؟
-
-
«أطِع قول يهوه»رسالة من اللّٰه بفم ارميا
-
-
الفصل السادس
«أطِع قول يهوه»
١، ٢ ما هو غالبا موقف الذين يتبعون «المسلك الذي درج عليه الناس»، ولمَ ينبغي ان نتميّز عنهم؟
الطاعة فكرة غير محببة في عالم اليوم. فكثيرون لا يكترثون في قراراتهم وتصرفاتهم بأبسط الخطوط الارشادية. بل يتبعون نمط التفكير القائل: ‹افعلْ ما يحلو لك› او ‹المهم ان تنجو بفعلتك›. وترى ذلك حين يخالف السائقون اشارات المرور، ينتهك المستثمرون الانظمة المالية، ويكسر المسؤولون القوانين التي ساهموا هم في سنّها. وهذا الاندفاع الى اتباع «المسلك الذي درج عليه الناس»، مع انه مسلك خاطئ ومؤذٍ، شاع ايام ارميا ايضا. — ار ٨:٦.
٢ لكنك تدرك ان على الذين يرغبون في نيل رضى اللّٰه الكلي القدرة الا ينقادوا وراء «المسلك الذي درج عليه الناس». ومن الجدير بالذكر ان ارميا اوضح الفرق بين الذين «لم يطيعوا قول يهوه» والذين ارادوا اطاعته. (ار ٣:٢٥؛ ٧:٢٨؛ ٢٦:١٣؛ ٣٨:٢٠؛ ٤٣:٤، ٧) من هنا، على كل منا افراديا ان يتفحص نفسه في هذا الخصوص. لماذا؟ لأن هجمات الشيطان التي تستهدف استقامة العباد الحقيقيين باتت اشرس من اي وقت مضى. فإبليس اشبه بحية تتربص بفريستها لتلدغها على حين غرة لدغة قد تودي بحياتها. ولكن إن صممنا على اطاعة قول يهوه، ابعدنا خطر هذه الحية عن انفسنا. فكيف نقوّي تصميمنا على البقاء طائعين؟ لنرَ كيف تفيدنا كتابات ارميا في هذا الصدد.
الاله الذي ندين له بطاعتنا
٣ لمَ يستحق يهوه طاعتنا؟
٣ لمَ يستحق يهوه طاعتنا التامة؟ كشف ارميا عن احد الاسباب حين وصف اللّٰه بأنه «صانع الارض بقوته، مثبّت المعمورة بحكمته». (ار ١٠:١٢) فيهوه هو المتسلط على الكون بأسره. لذا ينبغي ان نخافه اكثر من سائر الحكام اجمعين. وله مطلق الحق ان يطلب منا الاذعان لوصاياه الحكيمة لأنها حقا لخيرنا الابدي. — ار ١٠:٦، ٧.
ان شرب «المياه الحية» المزودة من يهوه يقوّي عزمك على الطاعة
٤، ٥ (أ) اية حقيقة تعلّمها اليهود خلال فترات القحط؟ (ب) كيف بدّد سكان يهوذا «المياه الحية» التي اغدقها يهوه عليهم؟ (ج) كيف لنا ان نشرب «المياه الحية» المزودة من اللّٰه؟
٤ غير ان يهوه ليس الحاكم الكوني فحسب، بل هو داعم حياتنا ايضا. واليهود زمن ارميا لمسوا لمس اليد صحة هذه الحقيقة. فالناس في ارض مصر اعتمدوا الى حد كبير على مياه نهر النيل. اما شعب اللّٰه في ارض الموعد، فاتكلوا بشكل رئيسي على الامطار الموسمية التي اعتادوا تخزينها في آبار حُفرت في الارض. (تث ١١:١٣-١٧) ووحده يهوه كان قادرا ان يهب او يحبس المطر اللازم لترطيب التربة وجعلها صالحة لإنتاج الثمر. لذا عاش اليهود العصاة ايام ارميا فترات قحط متكررة تركت حقولهم وكرومهم عطشى وجففت آبارهم وأجبابهم من الماء. — ار ٣:٣؛ ٥:٢٤؛ ١٢:٤؛ ١٤:١-٤، ٢٢؛ ٢٣:١٠.
٥ وفي حين قدّر هؤلاء اليهود قيمة المياه الحرفية، رفضوا «المياه الحية» التي اغدقها يهوه عليهم حين كسروا شريعته عمدا واتكلوا على التحالفات مع الامم المحيطة. فحصدوا عواقب وخيمة على غرار مَن يحفظ المطر الشحيح في جب مشقق لا يمسك الماء. (اقرأ ارميا ٢:١٣؛ ١٧:١٣.) ولا شك اننا لا نريد اتباع مسلك مماثل يجلب علينا بلاء عظيما. فيهوه مستمر في تزويدنا بوفرة من الارشاد المؤسس على كلمته الملهمة. لكنّ هذه الكلمة، اي «المياه الحية»، لن تفيدنا ما لم ندرسها بانتظام ونسعَ الى العيش بموجبها.
٦ (أ) ماذا كان موقف الملك صدقيا من اطاعة يهوه؟ (ب) لمَ برأيكم لم يتصف هذا الملك بالحكمة؟
٦ فيما دنا يوم حساب يهوذا، ازدادت اهمية اطاعة اللّٰه اكثر فأكثر. ففي حال اراد اليهود كأفراد الحصول على رضى يهوه وحمايته، وجب عليهم ان يتوبوا ويطيعوه من جديد. وقد واجه هذه المسألة الملك صدقيا الذي لم يكن حازما في فعل الصواب. فحين اعلمه الرؤساء العاملون معه برغبتهم في قتل ارميا، لم يمتلك ما يكفي من الشجاعة لرفض طلبهم. وكما تبيّن معنا في الفصل السابق، نجا النبي من محاولة القتل هذه بمساعدة عبد ملك، وترجى لاحقا صدقيا ان ‹يطيع قول يهوه›. (اقرأ ارميا ٣٨:٤-٦، ٢٠.) فمن الواضح ان خير الملك توقف على اتخاذه قرارا مهما: هل يطيع اللّٰه ام لا؟
لمَ كان مناسبا ان يحث ارميا اليهود مرارا وتكرارا على اطاعة اللّٰه؟
اطاعة يهوه امر ملح للغاية
٧ في اية حالات توضع طاعتنا تحت الامتحان؟
٧ ان الطاعة اليوم مهمة بقدر ما كانت عليه زمن ارميا. فإلى اي حد انت عاقد العزم على اطاعة يهوه؟ مثلا، إن دخلت سهوا موقعا اباحيا على الانترنت، فهل تواصل تصفحه ام تقاوم هذا الاغراء وتسارع الى الخروج منه؟ وماذا لو دُعيت الى مواعدة شخص غير مؤمن في العمل او المدرسة؟ أتقوى على رفض هذا العرض؟ وما القول في مطبوعات ومواقع المرتدين؟ هل تثير فضولك ام تشعر بالاشمئزاز منها؟ في هذه الحالات وغيرها، أبقِ في بالك الكلمات المدونة في ارميا ٣٨:٢٠.
٨، ٩ (أ) لمَ من الحكمة ان نصغي الى الشيوخ عندما يحاولون ارشادنا؟ (ب) كيف ينبغي للمرء ان ينظر الى مساعي الشيوخ المتكررة لمساعدته؟
٨ لطالما حضّ يهوه شعبه بفم ارميا قائلا: «ارجعوا، رجاء، كل واحد عن طريقه الرديء، وأصلحوا اعمالكم». (ار ٧:٣؛ ١٨:١١؛ ٢٥:٥؛ اقرأ ارميا ٣٥:١٥.) بشكل مماثل اليوم، يبذل الشيوخ المسيحيون كل ما في وسعهم لمساعدة رفقائهم المؤمنين الذين يحيط بهم خطر روحي. فإذا حدث ان اسدوا اليك مشورة بشأن تجنب مسلك غير حكيم او خاطئ، فأصغِ الى مشورتهم لأنهم يهدفون مثل ارميا الى ابعادك عن الخطر.
٩ وقد يذكّرك الشيوخ بمبادئ من الاسفار المقدسة سبقوا وناقشوها معك. فلا تحسب ان تكرار المشورة امر هيّن، لكنه يمسي اصعب بكثير اذا اعرب الشخص الذي يحتاج الى المساعدة عن موقف مماثل ليهود كثيرين نصحهم ارميا. حاول ان تعتبر مساعي الشيوخ المستمرة تعبيرا عن محبة يهوه. وفكّر ايضا ان ارميا ما كان ليكرر تحذيراته لو وجد آذانا صاغية. لذلك، ان تطبيق المشورة على الفور يجنّب المرء سماعها اكثر من مرة.
أصغِ الى الشيوخ حين يحاولون مساعدتك
يهوه يغفر ولكن ليس تلقائيا
١٠ لمَ لا يغفر يهوه الخطايا تلقائيا؟
١٠ لا يمكننا مهما حاولنا ان نطيع يهوه على اكمل وجه في نظام الاشياء هذا. لذا كم نشكره على استعداده للصفح عن ذنوبنا! غير ان يهوه لا يعفو تلقائيا عن اخطائنا. لماذا؟ لأن الخطية بغيضة في عينيه. (اش ٥٩:٢) فهو يريد ان يتأكد اننا جديرون بغفرانه.
١١ لمَ يستحيل ان يفلت المرء من عواقب الخطايا السرية؟
١١ كما رأينا، اعتاد يهود عديدون زمن ارميا عصيان اللّٰه وبالتالي استغلال صبره ورحمته. فهل يمكن لأي من خدام اللّٰه اليوم ان يفعل مثلهم؟ نعم، اذا تجاهل مذكرات يهوه وشرع يمارس الخطية. في بعض الحالات، يخطئ المرء امام اعين الجميع، كما حين يقدِم على الزواج فيما هو او الشخص الآخر ليس حرا للتزوج. ولكن حتى لو ارتكب خطية ما في السر، يعرّض نفسه للخطر. فهو يعيش حياة مزدوجة معتقدا ان احدا لن يكتشف امره. لكنّ الحقيقة هي ان يهوه ينفذ الى العقول والقلوب ويرى ما وراء الابواب الموصدة. (اقرأ ارميا ٣٢:١٩.) فأي اجراء ينبغي اتخاذه في حال عصى المرء حقا احدى وصايا اللّٰه؟
١٢ اي اجراء يتخذه الشيوخ احيانا من اجل حماية الجماعة؟
١٢ مثلما ازدرى يهود كثيرون بمساعدة يهوه التي قدّمها مرة بعد مرة من خلال ارميا، قد لا يعرب المذنب بخطية خطيرة عن التوبة رافضا مساعدة الشيوخ. في هذه الحالة، ينبغي للشيوخ تطبيق ارشاد الاسفار المقدسة ان يفصلوا الخاطئ عن الجماعة بهدف حمايتها. (١ كو ٥:١١-١٣؛ انظر الاطار «العيش بلا شريعة» في الصفحة ٧٣.) ولكن هل يعني ذلك ان لا امل له على الاطلاق باستعادة رضى إلهه؟ قطعا لا. فمع ان الاسرائيليين تمردوا فترة طويلة، ناشدهم اللّٰه قائلا: «ارجعوا ايها البنون المرتدون، فأشفي ارتدادكم». (ار ٣:٢٢)a فيهوه يدعو الخطاة الى الرجوع اليه حتى انه يأمرهم بذلك.
لمَ من الحكمة ان نلتمس غفران اللّٰه حين نرتكب الاخطاء؟
أطِع يهوه بالرجوع اليه
١٣ ماذا يجب ان يدرك المرء قبل الرجوع الى يهوه؟
١٣ اذا اراد المرء الرجوع الى اللّٰه، فعليه حسبما اشار ارميا ان يسأل نفسه: ‹ماذا فعلت؟›. ثم يلزم ان يتقبل الجواب، مهما كان صريحا، على ضوء مقاييس الاسفار المقدسة. الا ان اليهود غير التائبين على عهد ارميا تفادوا طرح هذا السؤال. فقد رفضوا الاعتراف بجسامة خطاياهم، لذا لم يستطع يهوه مسامحتهم. (اقرأ ارميا ٨:٦.) بالمقابل، يعي التائب الحقيقي ان عدم اطاعته يهوه جلب التعيير على اسمه والجماعة المسيحية. وهو يشعر ايضا بحزن عميق لأنه ربما تسبب بأذية اشخاص ابرياء. فعليه ان يعرف ان يهوه لن يقبل طلبه بالغفران ما لم يدرك كل عواقب تصرفاته الخاطئة. مع ذلك، لا تتوقف استعادة رضى اللّٰه عند هذا الحد.
١٤ كيف للمرء ان ‹يرجع الى يهوه›؟ (اشملوا الاطار «ما هي التوبة؟».)
١٤ ان التائب بحق يفحص دوافعه ورغباته وعاداته. (اقرإ المراثي ٣:٤٠، ٤١.) فهو يحدد مواطن الضعف لديه، ربما في الصداقات مع الجنس الآخر، استعمال الكحول او التبغ، استخدام الانترنت، او في التعاملات التجارية. وكما تنظف ربة البيت حتى الزوايا المخفية في مطبخها لتبقي منزلها نظيفا وصحيا، كذلك على التائب ان يبذل غاية جهده كي «ينظف» افكاره وتصرفاته المحجوبة عن اعين الآخرين. فيجب ان ‹يرجع الى يهوه› بإتمام مطالبه والعمل بانسجام مع مقاييسه. وهذا ما لم يفعله عدد من اليهود زمن ارميا الذين لم يرجعوا الى يهوه بكل قلبهم بل «بالكذب». فقد تظاهروا بالتوبة انما لم يغيّروا قط حياتهم او مواقفهم القلبية. (ار ٣:١٠) بالتباين، لا يحاول مَن يلتمس الغفران بصدق ان يضحك على يهوه والجماعة. فليس هدفه مجرد انقاذ ماء وجهه او استئناف معاشرة اقاربه والآخرين في الحق، بل الاقلاع عن آثامه مرة وإلى الابد واستحقاق غفران اللّٰه ورضاه.
١٥ كيف تكون صلوات الشخص التائب بحق؟
١٥ ولا تكتمل التوبة الا بالصلاة. ففي الازمنة القديمة، كان من الشائع ان يرفع الناس ايديهم نحو السماء اثناء الصلاة. واليوم، حين يصلي التائب الحقيقي، ‹يرفع قلبه مع يديه الى اللّٰه› حسبما ذكر ارميا. (مرا ٣:٤١، ٤٢) فشعوره بالندم يحفزه على السلوك بانسجام مع التماسه الغفران. فهو يقدّم صلوات صادقة نابعة من صميم قلبه.
‹ليتني اصغيت الى الشيوخ!›
١٦ لمَ الرجوع الى اللّٰه خطوة صائبة؟
١٦ مما لا شك فيه ان على الخاطئ الذي يسلّم حقا بخطاياه ان يتغلب على كبريائه كي يرجع الى يهوه. ولكن لا ننسَ هذه الحقيقة الجوهرية: يهوه يريد ان يعود الخطاة اليه. فحين يرى اسفا حقيقيا في قلوبهم، ‹تجيش› في قلبه مشاعر رقيقة لأنه يحب ان يغفر لكل مَن يتوب عن معاصيه، كما غفر للاسرائيليين الذين عادوا من السبي. (ار ٣١:٢٠) فكم نطمئن حين نعرف ان اللّٰه يخبئ سلاما ورجاء للذين يطيعونه! (ار ٢٩:١١-١٤) فبإمكان هؤلاء استعادة مكانهم بين صفوف خدام اللّٰه المخلصين.
في الطاعة حماية
١٧، ١٨ (أ) مَن كان الركابيون؟ (ب) بمَ عُرف الركابيون كما تُظهر الصورة في الصفحة ٧٧؟
١٧ ان طاعة يهوه طاعة تامة مسلك آمن يحمينا من الاذى. ويتضح ذلك من مثال الركابيين ايام ارميا. فقبل اكثر من قرنين، اعطاهم سلفهم القيني يهوناداب، الذي ناصر ياهو بولاء، عددا من الوصايا الصارمة منها الامتناع عن شرب الخمر. ومع انه مات منذ زمن بعيد، ظل الركابيون يعملون بوصاياه. فذات مرة، امتحنهم ارميا وأخذهم الى غرفة طعام في الهيكل ووضع امامهم خمرا ليشربوا. لكنهم قالوا: «لا نشرب خمرا». — ار ٣٥:١-١٠.
١٨ فإذا كان الركابيون حريصين على اطاعة سلفهم الميت منذ فترة طويلة، فكم بالاحرى العباد الحقيقيون ينبغي ان يكونوا اشد حرصا على اطاعة وصايا الاله الحي! فتصميم الركابيين على الطاعة اثّر في يهوه وميّزهم بشكل صارخ عن اليهود العصاة. لذا وعدهم اللّٰه بالحماية من البلية الآتية. بناء على هذه الرواية، أليس من المنطقي ان يتوقع شعب يهوه الطائع نيل حمايته خلال الضيق العظيم؟ — اقرأ ارميا ٣٥:١٩.
لمَ تُعتبر التوبة عن خطية خطيرة وجها مهما للطاعة؟ وكيف يتفادى المرء الحاجة الى التوبة اذا اطاع اللّٰه؟
يهوه لا يترك طائعيه
١٩ اية حماية نحظى بها إن اطعنا كلام اللّٰه؟
١٩ لم يصن يهوه شعبه في الماضي فقط. فهو مستمر حتى اليوم في حماية طائعيه من المخاطر الروحية. فعلى غرار الاسوار العالية التي حمت المدن قديما من الهجوم، تُبعد شريعة اللّٰه الخطر عن الذين يدرسونها ويعملون بها على الدوام. فهل تبقى داخل الاسوار الروحية مطبّقا قواعد اللّٰه الادبية؟ تأكد ان التوفيق يحالفك إن فعلت ذلك. (ار ٧:٢٣) وتشهد اختبارات كثيرة على صحة هذه الحقيقة. — انظر الاطار «اطاعة يهوه تمنح الحماية».
٢٠، ٢١ (أ) ممّ نحن واثقون فيما نخدم يهوه؟ (ب) ماذا كان رد فعل الملك يهوياقيم حيال رسالة اللّٰه بواسطة ارميا؟
٢٠ طبعا، يصعّب عليك المقاومون خدمة اللّٰه سواء كانوا افرادا في عائلتك، زملاء لك في العمل او المدرسة، او عاملين لدى السلطات. ولكن ثق انك متى أطعت اقوال يهوه في كل الظروف، امدّك بالدعم حتى في احلك الاوقات. تذكّر انه وعد ارميا بمساندته في وجه المقاومة العنيفة، وقد وفى بوعده. (اقرأ ارميا ١:١٧-١٩.) وإحدى المرات التي لمس فيها النبي بوضوح دعم اللّٰه كانت في عهد الملك يهوياقيم.
٢١ فقلة هم حكام اسرائيل الذين قاوموا بعنف الناطقين باسم اللّٰه مثل يهوياقيم. ويتضح ذلك مما فعله بالنبي يوريا، احد معاصري ارميا. فقد امر هذا الملك الشرير بمطاردته وإحضاره من بلد آخر، ثم ارداه قتيلا. (ار ٢٦:٢٠-٢٣) وفي السنة الرابعة من حكمه، اوصى يهوه ارميا ان يكتب كل الكلام الذي كلّمه به حتى ذلك الحين، ويقرأه لاحقا بصوت عالٍ في الهيكل. فحصل يهوياقيم على درج النبي وأمر احد الرسميين ان يقرأه عليه. وفيما راح يسمعه، مزّقه ورمى به في النار قطعة قطعة مع ان بعض الرؤساء توسلوا اليه الا يفعل. ثم ارسل رجالا لاعتقال ارميا وباروخ، «لكنّ يهوه خبأهما». (ار ٣٦:١-٦؛ اقرأ ارميا ٣٦:٢١-٢٦.) فهو لم يسمح له بإيذاء هذين الرجلين الامينين.
٢٢، ٢٣ كيف يدعم اللّٰه طائعيه حسبما يُظهر اختبار احدى الشاهدات في آسيا الوسطى؟
٢٢ اليوم ايضا، يستطيع يهوه ان يخبئ خدامه من الخطر حين يرى ذلك مناسبا. ولكن في اغلب الاحيان، يسلّحهم بالشجاعة والحكمة كي يطيعوه ويواصلوا الكرازة بالبشارة. اليك مثال امرأة سندعوها ڠيولِستان تعيش في آسيا الوسطى. فهذه الام المتوحدة التي تربي اربعة اولاد تحظى بعون يهوه. فطوال فترة من الوقت، كانت الشاهدة الوحيدة في منطقة شاسعة حيث تقاوم السلطات الكرازة بالملكوت. وبما ان الجماعة الاقرب اليها تبعد نحو ٤٠٠ كيلومتر، فهي نادرا ما تتمتع بعشرة المسيحيين الناضجين. ولكن رغم المقاومة والمشاكل الاخرى، تكرز ڠيولِستان من بيت الى بيت وتجد الكثير من المهتمين. وبحسب تقرير حديث، تعقد هذه الاخت دروسا في الكتاب المقدس مع ما مجموعه ٢٠ شخصا وتهتم بفريق متزايد من خراف يهوه.
٢٣ مثلما قوّى يهوه ارميا وڠيولِستان وشهودا آخرين، لن يتأخر عن مساعدتك انت وغيرك من خدامه الطائعين. لذا اعقد العزم على اطاعته حاكما هو لا الناس. عندئذ لن تعيقك المقاومة والعقبات الاخرى عن تسبيح الاله الحق الوحيد علانية في مقاطعتك. — ار ١٥:٢٠، ٢١.
٢٤ كيف تفيدنا الطاعة اليوم؟
٢٤ حقا، يستحيل ان ننعم بالفرح والاكتفاء الحقيقيين إن عشنا باستقلال عن خالقنا. (ار ١٠:٢٣) لذا بعد التأمل في ما كتبه ارميا عن الطاعة، هل تفكر كيف لك ان تدع يهوه يوجّه خطواتك الى حد اكمل؟ فوصاياه هي المرشد الوحيد للعيش حياة تطفح بالسعادة والنجاح. يحثنا يهوه: «اطيعوا قولي . . . لكي يحالفكم التوفيق». — ار ٧:٢٣.
كيف نطبق ما تعلمناه من سفر ارميا عن الطاعة كي نقوّي علاقتنا باللّٰه؟
a وجّه يهوه هذه الكلمات الى مملكة اسرائيل الشمالية التي كان قد مضى على سبي اهلها حوالي ١٠٠ سنة حين نقل ارميا هذه الرسالة. وقد اعترف ارميا ان هذه الامة لم تعرب عن التوبة حتى ايامه. (٢ مل ١٧:١٦-١٨، ٢٤، ٣٤، ٣٥) مع ذلك، كان في وسع الافراد استعادة رضى اللّٰه والرجوع من السبي.
-
-
«سأروي النفس المتعبة»رسالة من اللّٰه بفم ارميا
-
-
الفصل السابع
«سأروي النفس المتعبة»
١ اية بركة في العالم الجديد تتشوقون اليها انتم شخصيا؟
«العالم الجديد». اية بركات تخطر لك حين تسمع هذه العبارة؟ لعلك تتوق الى التمتع بجسم كامل ووفرة من الطعام المغذي، او تتشوق الى اللعب مع الحيوانات المسالمة او العيش في مسكن آمن. ولا بد ان في وسعك الاشارة الى آيات الكتاب المقدس التي تبني عليها آمالك هذه. ولكن لا تغب عن بالك هذه البركة الرائعة: حيازة صحة روحية وعاطفية جيدة. فمن دونها سرعان ما تفقد كل الافراح الاخرى بهجتها.
٢، ٣ اية بركة مميزة تعدنا بها كلمات ارميا؟
٢ حين اوحى اللّٰه الى ارميا ان ينبئ بعودة اليهود من بابل، بيّن اهتمامه بمشاعرهم. قال لأمّته: «تتزينين بعد بدفوفك، وتخرجين في رقص الضاحكين». (اقرأ ارميا ٣٠:١٨، ١٩؛ ٣١:٤، ١٢-١٤.) ثم تفوّه بكلمات قد تُحدث اثرا بالغا في نفسك: «سأروي النفس المتعبة، وأشبع كل نفس ذائبة». وبحسب ترجمة الكتاب المقدس على الانترنت المشار اليها في فصل سابق (Bible NET)، يُنقل هذا الوعد الى: «سأسدّ كل حاجات المنهكين وأنعش كاملا النفوس الخائرة». — ار ٣١:٢٥.
٣ فما اروع هذا الرجاء! فيهوه يقول انه سيروي او يسدّ كل حاجات المتعبين والمثبطين. وهو يفي دوما بوعوده. وتمنحنا كلمات ارميا هذه الثقة بأن اللّٰه سيسدّ حاجاتنا ورغباتنا نحن ايضا. حتى انها تُظهر لنا كيف نظل اقوياء ومتفائلين رغم ايامنا العصيبة. وتزودنا كذلك بطرائق عملية نشجع بها الآخرين وننعش نفوسهم المتعبة.
٤ لمَ نتفهم مشاعر ارميا؟
٤ أدخل هذا الوعد التعزية والامل الى قلب ارميا، ويصح الامر نفسه فينا ايضا. لمَ نقول ذلك؟ ورد في الفصل ١ من هذا الكتاب ان ارميا كان، على غرار النبي ايليا، «انسانا بمثل مشاعرنا». (يع ٥:١٧) حاول ان تتذكر مجرد بضعة اسباب دفعته الى الشعور احيانا بالحزن او حتى بشيء من الكآبة؟ وفيما تراجع هذه الاسباب، تخيّل احاسيسك لو مررت بظروف مماثلة وفكّر لمَ يمكن لهذه الظروف ان تثبطك. — رو ١٥:٤.
٥ ما هو احد اسباب تثبط ارميا؟
٥ يُعزى احد اسباب تثبط ارميا الى اهل مدينته الام، عناثوث، التي كانت تقع على بعد بضعة كيلومترات شمال شرق اورشليم. فالنبي تربّى في هذه المدينة اللاوية حيث كان لديه معارف وربما اقارب ايضا. لكنّ كلمات يسوع ان ليس لنبي كرامة في وطنه انطبقت على ارميا. (يو ٤:٤٤) ‹فأهل عناثوث› لم يكفِهم الا يبالوا برسالته ويزدروا به، بل ‹طلبوا نفسه› حسبما ذكر اللّٰه ذات مرة. فقد توعدوه بعدائية: «لا تتنبأ باسم يهوه، لئلا تموت بيدنا». تصوّر اية مشاعر اعترت النبي وهو يتلقى تهديدا من جيرانه وربما اقاربه الذين يُفترض ان يصطفوا الى جانبه! — ار ١:١؛ ١١:٢١.
٦ اذا كنا نواجه المقاومة في العمل او غيره، فكيف نستفيد من تجربة ارميا مع «اهل عناثوث»؟
٦ اذا كنت تتعرض لضغوط من الجيران، زملاء المدرسة، رفقاء العمل، او حتى من بعض افراد العائلة، فتشجَّع بما فعله يهوه مع ارميا. فقد قال آنذاك انه ‹سيفتقد› اهل عناثوث الذين كانوا يقاومون نبيّه. (اقرأ ارميا ١١:٢٢، ٢٣.) ولا شك ان كلمات اللّٰه المطمئنة ساعدت ارميا ان يتغلب على اي تثبط احسّ به نتيجة هذه المقاومة. وفي وقت لاحق، افتقد اللّٰه فعلا ‹اهل عناثوث جالبا بلية عليهم›. ففي حال كنت تمرّ بظرف مشابه، فتأكد ان يهوه يرى كل شيء و ‹سيفتقد› المقاومين يوما ما. (مز ١١:٤؛ ٦٦:٧) وإن ‹عكفت على› الالتصاق بتعاليم الكتاب المقدس وفعلت الصواب، ساعدتَ بعض المقاومين على تجنب البلية التي ستحلّ بهم ما لم يغيّروا موقفهم. — ١ تي ٤:١٦.
ماذا يدل في سفر ارميا ان اللّٰه يهتم بمشاعر شعبه، وكيف قوّى ذلك من عزيمة النبي؟
ماذا يسبب التثبط؟
٧، ٨ اي تعذيب جسدي عاناه ارميا، وكيف اثّر فيه؟
٧ لم يواجه ارميا تهديدات شفهية فحسب. فذات مرة، آذاه رجل بارز في اورشليم هو الكاهن فشحور.a فحين سمعه يتفوّه بنبوة إلهية، ‹ضربه وجعله في المقطرة›. (ار ٢٠:١، ٢) ويعني ذلك على الارجح اكثر بكثير من مجرد صفعة على الوجه. فالبعض يستنتجون ان فشحور امر بضرب النبي حتى ٤٠ ضربة او جلدة. (تث ٢٥:٣) وبينما كان ارميا يتألم وجعا، لعلّ الناس اخذوا يسخرون منه ويشتمونه ويبصقون عليه ايضا. لكنّ محنته لم تنتهِ هنا. فقد ابقاه فشحور في «المقطرة» طوال الليل. وتشير الكلمة العبرانية المستخدمة ان جسمه اتخذ وضعية ملتوية. نعم، أُجبر ارميا بمنتهى القساوة على قضاء ليلة مضنية مقيّدا على الاغلب في اطار خشبي.
٨ فكيف اثّرت هذه المعاملة في النبي؟ عبّر عن حزنه قائلا للّٰه: «صرت ضحكة طوال اليوم». (ار ٢٠:٣-٧) حتى انه فكّر للحظة ان يتوقف عن التكلم باسم إلهه. لكنك تعرف انه ما كان لينفّذ فكرته هذه. فالرسالة الالهية الموكلة اليه كانت ‹كنار متقدة قد حُبست في عظامه›، لذا واصل خدمته كناطق بلسان يهوه. — اقرأ ارميا ٢٠:٨، ٩.
٩ لمَ يفيدنا التأمل في اختبار ارميا؟
٩ نجد في هذه الرواية عونا كبيرا لنا في حال كنا نواجه الاستهزاء الماكر من اقاربنا، جيراننا، او زملائنا في العمل او المدرسة. فلا يلزم ان نتفاجأ اذا تركتنا هذه المقاومة احيانا مثبطين بعض الشيء. ويمكن ان يساورنا هذا الشعور ايضا اذا تعرضنا لتعذيب جسدي نتيجة ممارستنا العبادة الحقة. لنتذكر ان الانسان الناقص ارميا تأثر بما حصل معه، أوَلسنا بمثل مشاعره؟ لكننا نعرف انه استعاد فرحه وثقته بنفسه بفضل مساعدة اللّٰه. فقد رفض السماح لليأس والاحباط ان يتملّكاه الى ما لا نهاية، وهو بذلك مثال لنا. — ٢ كو ٤:١٦-١٨.
١٠ ماذا يخبرنا الكتاب المقدس عن مزاج ارميا؟
١٠ في بعض الاحيان، عانى ارميا تقلبات ملحوظة في مزاجه. فهل يجسّد النبي حالتك؟ هل تكون متفائلا وإيجابيا، ثم ما تلبث ان تخيّم عليك سحابة من التشاؤم والحزن؟ لاحظ كيف عبّر النبي عن ابتهاجه وتفاؤله في ارميا ٢٠:١٢، ١٣. (اقرأها.) فبعد العذاب الذي كابده على يد فشحور، فرح لأنه كان مثل «فقير» أُنقذ من «يد فاعلي السوء». انت ايضا لا بد انك تشعر احيانا بسعادة غامرة ورغبة في الترنيم ليهوه، ربما لأنك أُنقذت من مشكلة ما او بسبب حدث سعيد في حياتك او خدمتك المسيحية. فكم رائعة هي هذه المشاعر! — اع ١٦:٢٥، ٢٦.
كيف يمكن للمقاومة او السخرية ان تؤثّر في مشاعرنا؟
١١ كيف يساعدنا ارميا اذا كنا نعاني تقلبات في المزاج؟
١١ ولكن قد يتبدل مزاجك مثل ارميا جراء النقص البشري. فبعدما هتف النبي «رنموا ليهوه»، انتابه اسى عميق وربما سالت الدموع من عينيه. (اقرأ ارميا ٢٠:١٤-١٦.) فمعنوياته كانت محطمة جدا بحيث تساءل عن جدوى مجيئه الى الدنيا. حتى انه ذكر في غمرة حزنه ان الرجل الذي بشّر بولادته ملعون ويستحق مصير سدوم وعمورة. ولكن هل ظل ارميا غارقا في دوامة اليأس والحزن؟ وهل استسلم لهذه الاحاسيس معتقدا ان عليه التكيّف معها مدى حياته؟ كلا. بالاحرى، سعى جاهدا الى التغلب عليها ونجح في مسعاه هذا. ويتضح ذلك مما نقرأه في سفره بعد هذه الحادثة. فالرئيس فشحور، وليس الكاهن، حمل اليه استفسارا من الملك صدقيا حول الحصار الذي ضربه البابليون على اورشليم. فما كان من ارميا الا ان اعلن بكل جرأة حكم يهوه ونتيجة الحصار. (ار ٢١:١-٧) فمن الواضح انه استمر في الخدمة نبيا للّٰه.
١٢، ١٣ ماذا عسانا نفعل لنتغلب على التغيرات الملحوظة في مزاجنا؟
١٢ في ايامنا هذه، يعاني بعض خدام اللّٰه تقلبات في مزاجهم، ربما لأسباب صحية ناتجة مثلا عن ارتفاع مستويات الهرمونات او اختلال التوازن الكيميائي الحيوي. وفي مثل هذه الحالات، يمكن لطبيب كفؤ ان يصف العلاج المناسب للتخفيف من حدة هذه التقلبات. (لو ٥:٣١) غير ان ما يمرّ به معظمنا لا يندرج تحت هذه الخانة. فمشاعر الابتهاج او الكآبة التي قد تخالجنا ليست مفرطة او غير طبيعية. فأغلب المشاعر السلبية جزء من حياتنا البشرية الناقصة، ويمكن ان تستحوذ علينا جراء الارهاق او فقدان عزيز على قلبنا. في ظروف كهذه، لنتذكر ان مزاج ارميا تغيّر احيانا لكنه حافظ على رضى اللّٰه. لذا كي نتغلب على مشكلتنا، ربما علينا ان نعدّل روتيننا بحيث ننال قسطا اكبر من الراحة، او نمنح انفسنا فسحة من الوقت لنتعزى إثر خسارة مؤلمة. ولكن من المهم جدا الا ننقطع عن حضور الاجتماعات المسيحية والاشتراك بانتظام في النشاطات الثيوقراطية. فهذان عاملان اساسيان للمحافظة على اتزاننا الروحي وفرحنا في خدمة اللّٰه. — مت ٥:٣؛ رو ١٢:١٠-١٢.
١٣ اذًا، سواء كانت كآبتك حالة عرضية نادرة او جزءا من تقلبات مستمرة في مزاجك، يمكنك ان تستمد قوة معنوية من تجربة ارميا. فكما ذكرنا، ذاق النبي احيانا طعم اليأس والاحباط. لكنه لم يسمح للتثبط بأن يبعده عن الاله الذي يحبه ويخدمه بأمانة. فحين جازاه مقاوموه شرّا عن خيره، التجأ الى يهوه واتكل عليه. (ار ١٨:١٩، ٢٠، ٢٣) فاعقد العزم ان تقتدي بمثال ارميا الجيد. — مرا ٣:٥٥-٥٧.
اذا انتابنا احيانا شعور بالحزن او التثبط، فكيف نطبق ما تعلمناه من سفر ارميا؟
كيف تنعش النفوس المتعبة؟
١٤ كيف نال ارميا تشجيعا خصوصيا؟
١٤ يحسن بنا ان نتأمل كيف نال ارميا التشجيع وكيف شجع هو بدوره ‹النفوس المتعبة›. (ار ٣١:٢٥) لقد حظي هذا النبي بتشجيع خصوصي من يهوه. فكّر كم ترتفع معنوياتك حين تسمع يهوه يقول لك: «جعلتك اليوم مدينة حصينة . . . فيحاربونك ولا يقوَون عليك، ‹لأني معك›، يقول يهوه، ‹لأنقذك›». (ار ١:١٨، ١٩) فلا عجب اذًا ان يشير ارميا الى إلهه قائلا: «يا يهوه، قوّتي ومعقلي وملجإي في يوم الشدة». — ار ١٦:١٩.
١٥، ١٦ كيف لنا ان نشجع الآخرين بالنظر الى الطريقة التي قوّى بها يهوه نبيّه؟
١٥ لاحظ ان يهوه قال لإرميا: «اني معك». ألا تستوحي من هذه العبارة كيف لك ان تساعد شخصا يحتاج الى التشجيع؟ فقد تعرف ان اخا او اختا او ربما احد الاقارب وقع فريسة التثبط، ولكن هل تلعب دورا فاعلا في مساعدته؟ لعلّ الطريقة الاكثر نفعا في حالات كثيرة هي ان تكون الى جانب الشخص المتضايق لا اكثر، كما فعل اللّٰه مع ارميا. وحين تجد الوقت مناسبا، أنعِش نفسه بكلمات مشجعة ولكن دون ان تكثر منها. فخير الكلام ما قلّ ودلّ، ولا سيما اذا انتقيت عبارات مطمئنة وبناءة. ولا داعي ان تستعمل ألفاظا منمّقة، بل اختر كلمات بسيطة تعكس اهتمامك ومحبتك ومودتك المسيحية. فكلمات كهذه لها وقع كبير في نفوس المكتئبين. — اقرأ امثال ٢٥:١١.
١٦ ناشد ارميا يهوه قائلا: «اذكرني يا يهوه، وافتقدني». وماذا حصل جراء ذلك؟ يروي النبي: «وُجد كلامك فأكلته. فصارت لي كلمتك بهجة وفرحا لقلبي». (ار ١٥:١٥، ١٦) بشكل مشابه، قد يحتاج الشخص المكروب النفس ان تلتفت اليه وتوليه رعايتك الحبية. طبعا، لن يصل ما تقوله الى مصاف كلام يهوه. ولكن في وسعك ان تضمّن حديثك بعضا من كلامه. فالتعابير الصادقة والقلبية والمؤسسة على الكتاب المقدس قادرة فعلا على ادخال الفرح الى قلب الشخص الحزين. — اقرأ ارميا ١٧:٧، ٨.
١٧ اي درس مهم نتعلمه مما فعله ارميا مع صدقيا ويوحانان؟
١٧ لاحظ ان ارميا تشجع من اللّٰه وشجع بدوره الآخرين. كيف ذلك؟ في احدى المراحل، كشف له صدقيا عن خوفه من اليهود الذين تحالفوا مع البابليين. فشدد النبي من عزيمة الملك وحثه على اطاعة يهوه كي يحصد نتيجة ايجابية. (ار ٣٨:١٩، ٢٠) في مناسبة اخرى، بعدما دُمرت اورشليم وظل في الارض مجرد بقية من اليهود، فكّر القائد العسكري يوحانان بأخذهم الى مصر. غير انه استشار ارميا اولا. فأصغى اليه النبي ثم صلّى الى يهوه. وفي وقت لاحق، بلّغه جواب يهوه المشجع ان من الافضل اتباع الارشاد الالهي بالبقاء في الارض. (ار ٤٢:١-١٢) في كلتا الحالتين، اعار ارميا اذنا صاغية قبل ان يتكلم. فكم هو مهم الاصغاء عند تشجيع الآخرين! لذا دع الشخص المثبط يفتح قلبه، أصغِ الى مخاوفه وهواجسه، وكلِّمه كلاما منعشا ومقوّيا حين ترى ذلك مناسبا. صحيح انك لن تُعطى كشفا إلهيا تساعد به المكتئبين، ولكن بإمكانك ان تحدثهم بأفكار ايجابية من كلمة اللّٰه، افكار تركز على ما يخبئه لنا المستقبل. — ار ٣١:٧-١٤.
١٨، ١٩ اي اسلوب لتشجيع الآخرين يتضح في الروايتين عن الركابيين وعبد ملك؟
١٨ مثلما لم يقبل صدقيا ويوحانان نصيحة ارميا المشجعة، كذلك اليوم قد لا تترك كلماتك اثرا في البعض. فلا تتثبط او تستسلم. فثمة مَن تجاوبوا مع تشجيع ارميا، ولا بد ان كثيرين سيتجاوبون معك انت ايضا. فكّر في الركابيين، هذا الفريق من القينيين الذين جمعتهم صداقة باليهود لسنوات كثيرة. فقد اعطاهم سلفهم يهوناداب عددا من الوصايا، من جملتها الامتناع عن شرب الخمر باعتبارهم متغربين في الارض. وخلال هجوم البابليين، اخذهم ارميا الى غرفة طعام في الهيكل ووضع امامهم خمرا حسبما اوصاه اللّٰه. لكنهم ظلوا طائعين لسلفهم، بالتباين مع الاسرائيليين الذين عصوا اللّٰه، وأبوا ان يشربوا الخمر. (ار ٣٥:٣-١٠) فنقل اليهم النبي كلمات مديح من يهوه ووعدًا منه بشأن مستقبلهم. (اقرأ ارميا ٣٥:١٤، ١٧-١٩.) فلمَ لا تتبع هذا الاسلوب عند منح التشجيع، اي ان تمدح الآخرين حين ترى سبيلا الى ذلك؟
١٩ فعل ارميا الامر عينه مع عبد ملك الحبشي الذي كان كما يتضح رسميا في بلاط الملك صدقيا. فعندما طرح رؤساء يهوذا النبي ظلما في جب موحل وتركوه حتى يموت، لجأ عبد ملك الى صدقيا الذي سمح له بإنقاذه. وفعلا، خلّص هذا الرجل الاجنبي ارميا مع انه كان يُحتمل ان يلقى مقاومة عنيفة. (ار ٣٨:٧-١٣) وبما ان تصرفه هذا نفّر على الارجح الرؤساء منه، فلربما ساوره القلق بشأن مستقبله. غير ان ارميا لم يقف متفرجا، راجيا ان يتخطى عبد ملك مخاوفه بمفرده. بل حرص ان ينقل اليه كلمات مشجعة عن البركات المستقبلية التي خبأها له اللّٰه. — ار ٣٩:١٥-١٨.
٢٠ ماذا نريد ان نفعل لإخوتنا الصغار والكبار على السواء؟
٢٠ حقا، يتضمن سفر ارميا روايات رائعة تعلّمنا كيف نطبق شخصيا حضّ الرسول بولس لإخوتنا في تسالونيكي: «واظبوا على تعزية بعضكم بعضا وبناء بعضكم بعضا . . . ولتكن نعمة ربنا يسوع المسيح معكم». — ١ تس ٥:١١، ٢٨.
اية دروس من ارميا تنوون تطبيقها فيما تسعون الى تشجيع النفوس المتعبة؟
a خلال حكم صدقيا، عاش رجل آخر اسمه فشحور، وهو رئيس ناشد الملك قتل ارميا. — ار ٣٨:١-٥.
-
-
هل تتبع مسلك حياة ارميا؟رسالة من اللّٰه بفم ارميا
-
-
الفصل الثامن
هل تتبع مسلك حياة ارميا؟
١، ٢ لمَ من المنطقي الاهتمام بخير الافراد والعائلات على السواء؟
بعدما حث يشوع الاسرائيليين ان يختاروا اي إله يخدمون، ذكر قائلا: «اما انا وبيتي فنخدم يهوه». (يش ٢٤:١٥) فيشوع صمم ان يحافظ على ولائه للّٰه وكان متأكدا ان عائلته ستحذو حذوه. بعد سنوات طويلة، وفيما دنا دمار اورشليم، نصح ارميا الملك صدقيا بالاستسلام للبابليين كي ‹يحيا هو وأهل بيته›. (ار ٣٨:١٧) غير ان الملك اتخذ قرارا سيئا انعكس سلبا عليه هو وزوجاته وبنيه. فقد ذُبح ابناؤه على مرأى منه ثم أُعميت عيناه وسيق اسيرا الى بابل. — ار ٣٨:١٨-٢٣؛ ٣٩:٦، ٧.
٢ اذا تأملنا في الكلمات بالحروف المائلة اعلاه، نجد ان هناك شخصا معنيّا مباشرة بالمسألة. فكل رجل راشد يتحمّل مسؤولية تصرفاته امام اللّٰه. ولكن أُتي كذلك على ذكر عائلته، وهذا امر منطقي لأن معظم الاسرائيليين تزوجوا وأسسوا عائلات. ولا تزال العائلة ركنا اساسيا في حياة المسيحيين ايضا. ويتضح ذلك مما نقرأه في الكتاب المقدس وندرسه في الاجتماعات عن الزواج، تنشئة الاولاد، والاحترام ضمن العائلة. — ١ كو ٧:٣٦-٣٩؛ ١ تي ٥:٨.
وصية خارجة عن المألوف
٣، ٤ كيف اختلف وضع ارميا عن الغالبية، ولمَ عاد ذلك عليه بالفائدة؟
٣ اختار ارميا ان يخدم يهوه بأمانة فنجا بحياته من دمار اورشليم. لكنّ خياره هذا لم ينعكس على اية عائلة لأن وضعه الشخصي كان مختلفا عن الغالبية. (ار ٢١:٩؛ ٤٠:١-٤) فقد امره اللّٰه الا يتزوج او ينجب الاولاد او يشترك في اوجه مألوفة من الحياة اليهودية آنذاك. — اقرأ ارميا ١٦:١-٤.
٤ لكنّ ارميا عاش في مجتمع يعتبر الزواج وإنجاب الاولاد امرين بديهيين. فمعظم الرجال اليهود تبنوا نمط الحياة هذا مبقين بذلك ارض اسلافهم ضمن عائلتهم والسبط الذي انتموا اليه.a (تث ٧:١٤) فلمَ طُلب من النبي ان يشذّ عن القاعدة؟ نظرا الى اتيان اوقات عصيبة، اوصاه اللّٰه الا يشارك اليهود افراحهم وأتراحهم الاعتيادية. فأمره الا يعزّي النائحين او يأكل على مائدتهم بعد انتهاء المأتم، او يحضر الاعراس اليهودية البهيجة. فهذه الولائم والافراح كانت ستبطل عما قريب. (ار ٧:٣٣؛ ١٦:٥-٩) وباتباع ارميا هذا المسلك، اضفى مصداقية على رسالته وأبرز خطورة الدينونة الآتية. وقد استمر على هذا المنوال الى ان حلّت البلية اخيرا. تخيّل مشاعر الذين اضطروا الى اكل لحوم غيرهم من البشر او الذين رأوا احباءهم جيفا مطروحة في الشوارع. (اقرأ ارميا ١٤:١٦؛ مرا ٢:٢٠.) اما ارميا الاعزب فلم تدعُ حاله الى الشفقة. ففي حين أُبيدت عائلات بأكملها نتيجة الحصار الذي دام ١٨ شهرا وما تأتى عنه من مجازر، لم يعانِ النبي من خسارة رفيقة زواج او ولد في الموت.
٥ ما علاقة المسيحيين بالارشادات المدونة في ارميا ١٦:٥-٩؟
٥ ولكن هل نحن ملزمون اليوم بتطبيق ما يرد في ارميا ١٦:٥-٩؟ كلا، فكلمة اللّٰه تحث المسيحيين ‹ان يعزّوا الذين هم في ضيقة ايًّا كان نوعها› و ‹يفرحوا مع الفرحين›. (٢ كو ١:٤؛ رو ١٢:١٥) حتى يسوع حضر حفل زفاف وشاطر الناس افراحهم. مع ذلك، لا ننسَ ان نظام الاشياء الشرير هذا تنتظره تطورات خطيرة. وقد يعاني المسيحيون المشقة والحرمان. لذا شدد يسوع على اهمية ان نكون مستعدين لفعل كل ما يلزم بغية المحافظة على احتمالنا وأمانتنا، تماما مثل اخوتنا الذين هربوا من اليهودية في القرن الاول. من هذا المنطلق، نستنتج ان العزوبة والزواج وإنجاب الاولاد كلها قرارات تحتاج الى تفكير عميق. — اقرأ متى ٢٤:١٧، ١٨.
٦ مَن يفيدهم التأمل في الارشاد الذي اعطاه اللّٰه لإرميا؟
٦ فما اهمية الوصية الالهية التي نهت ارميا عن الزواج والانجاب؟ كيف يستفيد منها المسيحيون الاولياء الذين هم غير متزوجين او ليس لهم اولاد؟ ولمَ ينبغي حتى للمسيحيين المتزوجين والذين لديهم اولاد ان يتأملوا في هذا الجانب من حياة النبي؟
٧ اية حقائق تستحق ان نوليها تفكيرنا حين نتأمل في الوصية التي امرت ارميا بالبقاء دون اولاد؟
٧ لنبحث اولا في منع ارميا من انجاب الاولاد. نحن نعرف ان يسوع لم يوصِ أتباعه بالبقاء دون اطفال، ولكن من الجدير بالذكر انه اعلن «الويل» على الحوامل واللواتي يعتنين بأولادهن عند مجيء الضيق على اورشليم من سنة ٦٦ الى ٧٠ بم. فلا بد ان اوضاعهن صعّبت عليهن بشكل خاص اجتياز تلك الفترة العصيبة. (مت ٢٤:١٩) واليوم، يكمن امامنا ضيق اعظم. وهذه الحقيقة المهمة ينبغي ان يأخذها في الحسبان الازواج المسيحيون الذين يفكرون في انجاب الاولاد. فهم يوافقون دون شك ان ازمنتنا الحرجة تزداد صعوبة يوما بعد يوم. هذا وإن ازواجا كثيرين يعترفون كم شاقة وعسيرة تنشئة اولاد يَبقون في طريق الحياة خلال نهاية النظام الحاضر. اذًا، صحيح ان قرار الانجاب يعود الى الزوجين نفسيهما، ولكن يحسن بهما التفكير جديا في حالة ارميا. والآن، لنتأمل في الوصية التي امرته بعدم الزواج.
اية وصية خارجة عن المألوف أُعطيت لإرميا، وأية حقائق ينبغي ان نوليها اهتمامنا حين نتأمل في هذه الوصية؟
تمثّل بإرميا في استغلال عزوبتك
٨ لمَ الزواج ليس ضروريا لإرضاء اللّٰه؟
٨ لم يقصد اللّٰه بمنع ارميا من التزوج وضع قاعدة ليتبعها جميع خدامه. فما من خطإ في الزواج، ويهوه اسس هذه العلاقة ليملأ الارض بالناس ويمنح الازواج اكتفاء وفرحا غامرين. (ام ٥:١٨) مع ذلك، لم يقدِم الجميع زمن ارميا على هذه الخطوة. فلربما عاشر شعبَ اللّٰه آنذاك عدد من الخصيان.b ووُجد دون شك ارامل من الرجال والنساء. فإرميا لم يكن العابد الحقيقي الوحيد الذي لم يحظَ بشريكة حياة. طبعا، هناك سبب منعه من التزوج، كما هي حال بعض المسيحيين اليوم.
٩ اية مشورة ملهمة تتعلق بالزواج ينبغي لنا التأمل فيها جديا؟
٩ صحيح ان مسيحيين كثيرين يتزوجون، ولكن ثمة مَن يبقون عزابا. وأنت تعلم ان يسوع لم يتزوج، وهو قال ان بعض تلاميذه سيمتلكون موهبة العزوبة بحيث «يفسحون مجالا» لها في عقولهم وقلوبهم. وشجع الذين يستطيعون فعل ذلك ان يظلوا دون زواج. (اقرأ متى ١٩:١١، ١٢.) لذا من اللائق ان نمدح، لا ان نغيظ، مَن يختار العزوبة لأجل انجاز المزيد في خدمة اللّٰه. طبعا، تحتّم الظروف على البعض العيش دون رفيق زواج على الاقل فترة من الوقت. فربما لم يعثروا على شريك مسيحي مناسب، وهم يُمدحون لأنهم مصممون على الالتصاق بمقياس اللّٰه بالتزوج «في الرب فقط». (١ كو ٧:٣٩) كما ان عددا من خدام اللّٰه خسروا رفقاء دربهم وأصبحوا ارامل.c ولكن يجب الا ينسى العزاب البتة ان اللّٰه يهتم بهم اهتماما عميقا (وكذلك يسوع). — ار ٢٢:٣؛ اقرأ ١ كورنثوس ٧:٨، ٩.
١٠، ١١ (أ) ماذا ساعد ارميا على العيش حياة مثمرة كعازب؟ (ب) كيف تبرهن الاختبارات العصرية ان بإمكان العزاب العيش حياة زاخرة بالمكافآت؟
١٠ استمد ارميا الدعم من اللّٰه خلال عزوبته. كيف ذلك؟ تذكّر انه وجد المسرة في كلمة يهوه. ولا شك ان هذه الكلمة قوّته وطمأنته على مرّ العقود فيما ركز على اتمام خدمته المعيّنة من اللّٰه. كما حرص على تجنب معاشرة الذين قد يسخرون منه لأنه لم يتزوج. فكان مستعدا ان ‹يجلس وحده› على ان يخالط اشخاصا مثل هؤلاء. — اقرأ ارميا ١٥:١٧.
١١ واليوم، يقتدي بمثال ارميا الجيد الكثير من الاخوة والاخوات العزاب، صغارا في السن كانوا او كبارا. فالاختبارات تُظهر كم هو مفيد ان ينشغل العزاب كاملا بخدمة اللّٰه، مغنين حياتهم بالنشاطات الروحية المفيدة. على سبيل المثال، توضح شاهدة تخدم في جماعة ناطقة باللغة الصينية: «ان خدمة الفتح توجّه حياتي كعازبة. فأنا اعيش حياة مفعمة بالنشاط تجنبني الشعور بالوحدة. وأشعر بالاكتفاء في نهاية كل يوم حين افكر كم تساعد خدمتي الناس الذين ألتقيهم، وهذا ما يجعل قلبي يطفح بالفرح». وتذكر فاتحة عمرها ٣٨ سنة: «اظن ان سرّ السعادة يكمن في القدرة على الاستمتاع بالأوجه الايجابية لأي وضع تجد نفسك فيه». كما تعبّر اخت غير متزوجة في جنوب اوروبا عن رأيها بصراحة: «صحيح ان حياتي لم تتخذ تماما المنحى الذي اردته، لكنني سعيدة وسأبذل كل ما في وسعي لأحافظ على فرحي».
١٢، ١٣ (أ) ما هي النظرة الواقعية الى العزوبة والزواج؟ (ب) اية حقائق حول العزوبة يبرزها بولس من خلال حياته ونصائحه؟
١٢ وهل يُعقل ان حياة ارميا لم تتخذ المنحى الذي اراده؟ ربما، ولكن لا بد انه ميّز بحكمة ان هذا الشعور راود ايضا كثيرين ممّن تزوجوا ورُزقوا بأولاد. تؤكد فاتحة في اسبانيا ذلك قائلة: «انا اعرف ازواجا سعداء وآخرين تعساء، وهذا ما يقنعني ان سعادتي لا تتوقف على الزواج». فلا شك اذًا ان تجربة ارميا، وهي واحدة من آلاف، تثبت ان العيش حياة مثمرة وسعيدة ليس مستحيلا على العزاب. ويؤيد هذه الفكرة الرسول بولس الذي كتب: «اقول لغير المتزوجين والارامل: انه حسن لهم ان يبقوا كما انا». (١ كو ٧:٨) صحيح ان بولس ربما كان ارملا حين كتب هذه الكلمات، لكنه في كل الاحوال لم يكن متزوجا حين انجز ما انجزه في الخدمة الارسالية. (١ كو ٩:٥) أفليس من المنطقي القول ان عزوبته كانت نعمة من النعم؟ فقد اتاحت له «المواظبة على خدمة الرب دون التهاء» محققا بالتالي الكثير من النتائج الجيدة. — ١ كو ٧:٣٥.
١٣ كما اضاف بولس بالوحي ان المتزوجين «سيكون لهم ضيق في جسدهم». ثم دوّن بتوجيه من اللّٰه هذه الحقيقة المهمة: «مَن كان راسخا في قلبه . . . ان يحفظ بتوليته، فحسنا يفعل. وعليه فمَن يتخلى عن بتوليته بالزواج يفعل حسنا، ولكن مَن لا يتخلى عنها بالزواج يفعل احسن». (١ كو ٧:٢٨، ٣٧، ٣٨) ورغم ان ارميا لم يقرأ قط هذه الكلمات، يبرهن مسلك حياته طوال عشرات السنين ان العزوبة لا تقف عائقا امام العيش حياة مانحة للاكتفاء في خدمة اللّٰه. على العكس، انها تساهم الى حد كبير في التمتع بحياة نافعة جدا تتمحور حول العبادة الحقة. لا تنسَ ان الملك صدقيا، مع انه كان متزوجا، لم يصغِ الى مشورة ارميا فخسر حياته، في حين اتخذ النبي الاعزب خيارات جنّبته هذا المصير.
ماذا نتعلّم من بقاء ارميا عازبا طوال عشرات السنين؟
أنعِشْ فتنتعش
١٤ ماذا تؤكد العلاقة بين عائلة أكيلا وبولس؟
١٤ ذكرنا سابقا ان اغلب الرجال والنساء زمن ارميا تزوجوا وكوّنوا عائلات. وصحّ الامر عينه في ايام بولس. ولكن لا شك ان معظم المسيحيين الذين لديهم عائلات لم يتمكنوا من الخدمة خارج البلاد مثل بولس، انما كان باستطاعتهم فعل الكثير حيث يعيشون. وشمل ذلك تقديم الدعم والمساعدة للاخوة والاخوات العزاب. تذكّر انه عند وصول بولس الى كورنثوس، استقبله أكيلا وبريسكلا في بيتهما وعملا معه في صنعتهم المشتركة. ولم يتوقف الامر عند هذا الحد. فالصداقة التي بنتها عائلة أكيلا مع بولس انعشت دون ريب قلبه وروحه. فلا بد انهم تناولوا معا وجبات مسرة وتمتعوا برفقة واحدهم الآخر في مناسبات اخرى. وهل سنحت لإرميا فرص كهذه؟ صحيح انه استغل عزوبته في خدمة اللّٰه، لكنه لم يعش حياة ناسك. فقد كان في وسعه ان ينعم بدفء المحبة ضمن عائلات خدام اللّٰه المخلصين مثل عائلتَي باروخ وعبد ملك. — رو ١٦:٣؛ اقرأ اعمال ١٨:١-٣.
١٥ كيف للعائلات المسيحية ان تكون دعما كبيرا للمسيحيين غير المتزوجين؟
١٥ واليوم، يستفيد المسيحيون العزاب من رفقة اخوتهم السارة، كالتي حظي بها بولس في عائلة أكيلا. فهل تسعى انت وعائلتك الى معاشرة غير المتزوجين؟ عبّرت احدى الاخوات عما في قلبها قائلة: «لقد هجرتُ العالم ولا ارغب ابدا في الرجوع اليه. غير اني ما زلت اشعر بالحاجة الى الاهتمام والمحبة. وأنا اصلي الى يهوه ان يهيئ لنا نحن العزاب المزيد من الطعام الروحي والافكار المشجعة. نحن لا نحب ان يتجاهل الآخرون وجودنا بصفتنا عزابا، ولسنا جميعا متلهفين للزواج. انما يبدو احيانا اننا وحيدون في هذه الحياة. اني اعرف ان يهوه موجود دوما الى جانبنا، ولكن حين نحتاج الى شخص نتحدث اليه، هل نجده ضمن عائلتنا الروحية؟». مع ان هذا الشعور ينتاب البعض احيانا، فإن آلاف الاخوة والاخوات العزاب يردّون بالايجاب على هذا السؤال. فهم يتمتعون بعلاقات حبية ضمن جماعاتهم. ولا يقتصر اصدقاؤهم على الذين في مثل سنهم. فبما انهم يحبّون معاشرة الآخرين، يفرحون بصداقة اشخاص من مختلف الاعمار بمَن فيهم الكبار او الاحداث في العائلات المسيحية.
١٦ اية امور بسيطة ننعش من خلالها المسيحيين غير المتزوجين في جماعاتنا؟
١٦ بشيء من التفكير المسبق، في وسعك ان تكون مصدر انتعاش للاخوة والاخوات غير المتزوجين حين تشملهم من حين الى آخر بنشاطات عائلتك، مثل حضور امسية العبادة العائلية. وما رأيك ان تدعوهم الى تناول وجبة طعام؟ فهذه الدعوة قد تعني لهم اكثر بكثير من الاستمتاع بطبق لذيذ. يمكنك ايضا ان تأخذ موعدا مع احد العزاب للذهاب في الخدمة. او تطلب منه مساعدتك انت وعائلتك في انجاز بعض الاعمال في قاعة الملكوت او مرافقتك احيانا في التسوق. اضف الى ذلك ان بعض العائلات تصطحب احد الارامل او الفاتحين العزاب في رحلتها الى حضور محفل او لقضاء عطلة جميلة. ومما لا شك فيه ان معاشرة كهذه تنعش كل الاطراف.
١٧-١٩ (أ) لمَ يلزم ان يعرب الاولاد عن المحبة والاتزان عند الترتيب للاهتمام بوالديهم المسنين او المرضى؟ (ب) اي درس عملي نتعلمه من حرص يسوع على الاعتناء بأمه؟
١٧ ان الاهتمام بالوالدين المسنين مجال آخر ينبغي فيه مراعاة الاخوة والاخوات غير المتزوجين. ففي ايام يسوع، كان يهود بارزون يتجنّبون بدهاء الاعتناء بآبائهم وأمهاتهم. فقد ادعوا ان اتمام الواجبات الدينية التي فرضوها هم انفسهم له الاولوية على واجباتهم المعطاة من اللّٰه تجاه والديهم. (مر ٧:٩-١٣) غير ان اهمال الوالدين ليس له مكان في العائلات المسيحية. — ١ تي ٥:٣-٨.
١٨ ولكن لنفرض ان لدى الاب والام المسنَّين عددا من الاولاد احدهم غير متزوج. فهل يُعتبر هذا الاعزب تلقائيا المسؤول الاول عن الاهتمام بهما؟ تكتب اخت من اليابان: «احب ان اتزوج، لكني لا استطيع اتخاذ هذه الخطوة لأني اعتني بوالدَي. انا واثقة ان يهوه يعرف كم هي مجهدة رعاية الوالدين ويحسّ بوجع القلب الذي يعانيه العزاب». من المحتمل ان لهذه الاخت اخوة وأخوات متزوجين قرروا دون استشارتها إلقاء حمل والدَيهم عليها وحدها. ومن الجدير بالذكر ان ارميا ايضا كان لديه اخوة لم يعاملوه بإنصاف. — اقرأ ارميا ١٢:٦.
١٩ لا شك ان يهوه يتفهم العزاب ويشعر معهم حين يمرّون بظروف صعبة. (مز ١٠٣:١١-١٤) لكنّ الوالدين المسنين او المرضى ليسوا من مسؤولية اولادهم العزاب فقط. حتى لو ترك بعض الاولاد البيت وأسسوا عائلات، فلا يلغي ذلك روابط المودة والحنو التي تجمعهم بوالديهم، ولا يعفيهم من واجبهم المسيحي ان يقدّموا المساعدة عند الحاجة. فنحن نعرف ان يسوع، حتى وهو يلفظ انفاسه الاخيرة، لم ينسَ التزامه نحو امه واتخذ اجراء ليهتم احد بها. (يو ١٩:٢٥-٢٧) ولا يزود الكتاب المقدس قواعد مفصلة تحدد ادوار كل الاولاد في الاهتمام بوالديهم المسنين او المرضى، ولا يشير ايضا ان لغير المتزوجين تلقائيا حصة اكبر من غيرهم في منح الرعاية. ففي هذا الموضوع الحساس، ينبغي لكل الاطراف المعنية التفاهم على التفاصيل بعقلانية مراعين واحدهم الآخر ومبقين في بالهم المثال الذي رسمه يسوع في الاهتمام بأمه.
٢٠ كيف تشعرون حيال معاشرة غير المتزوجين في جماعتكم؟
٢٠ انبأ ارميا بالوحي: «لا يعلّمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد اخاه، قائلين: ‹اعرفوا يهوه!›؛ لأنهم جميعهم سيعرفونني». (ار ٣١:٣٤) صحيح ان هذه الكلمات تنطبق بشكل اساسي على الممسوحين، ولكن من حيث المبدأ، يتمتع كل شعب اللّٰه الآن برفقة رائعة في الجماعة المسيحية بما فيها من اخوة وأخوات غير متزوجين. ولا ريب اننا نود جميعا تبادل الانتعاش مع هؤلاء العزاب ورؤيتهم يواصلون السير في طريق الحياة.
كيف لنا ان ننعش الاخوة والاخوات غير المتزوجين وننتعش نحن بدورنا؟
a في الاسفار العبرانية الاصلية، لا توجد كلمة محددة تقابل «اعزب».
b خاطب اشعيا نبويا الخصيان الحرفيين في ايامه الذين اشتركوا اشتراكا محدودا في العبادة التي قدّمها الاسرائيليون. فقد انبأ انهم سينالون بسبب طاعتهم «شيئا افضل من البنين والبنات»: «اسما دهريا» في بيت اللّٰه. — اش ٥٦:٤، ٥.
c قد يعيش آخرون وحدهم لأن رفقاء زواجهم، ربما اشخاصا غير مؤمنين، اختاروا الهجر او الطلاق الشرعي.
-
-
لا «تطلب لك عظائم»رسالة من اللّٰه بفم ارميا
-
-
الفصل التاسع
لا «تطلب لك عظائم»
١، ٢ (أ) اية مشكلة واجهها باروخ في السنة الرابعة ليهوياقيم؟ (ب) كيف ساعد يهوه باروخ؟
تملّك باروخ، كاتب ارميا الامين، شعور بالاعياء والتثبط. حدث ذلك في السنة الرابعة لحكم الملك الشرير يهوياقيم، اي نحو ٦٢٥ قم. وفي تلك السنة، طلب ارميا من كاتبه ان يدون في درج كتاب كل الكلام الذي كلّمه به يهوه بشأن اورشليم ويهوذا طوال السنوات الـ ٢٣ التي مضت على تسلّمه تفويض الخدمة كنبي. (ار ٢٥:١-٣؛ ٣٦:١، ٢) ولم يقرأ باروخ محتويات هذا الدرج على مسامع اليهود الا في السنة التالية. (ار ٣٦:٩، ١٠) ولكن لمَ كان متعبا وحزينا؟
٢ تأوّه باروخ: «ويل لي؛ لأن يهوه قد زاد حزنا على وجعي! قد اعيَيت من تنهدي». انت ايضا لا بد انك تئنّ احيانا من الاعياء، إما بصوت مسموع او في قلبك. وأيًّا كانت الطريقة التي أنّ بها باروخ، سمع يهوه تنهداته. ففاحص قلوب البشر عرف ما وراء اضطرابه، فقوّمه بلطف بواسطة ارميا. (اقرأ ارميا ٤٥:١-٥.) ولكن ربما تتساءل لمَ شعر باروخ بكل هذا الاعياء. أبسبب تعيينه ام لأن ظروفا صعبة احاطت بإنجاز هذا التعيين؟ لا هذا ولا ذاك. لقد كان قلبه اصل المشكلة. فهذا الكاتب ‹طلب لنفسه عظائم›. فماذا كانت هذه العظائم؟ اي وعد ناله من يهوه إن هو قبِل مشورته وإرشاده؟ وماذا نتعلم من تجربته؟
ماذا كانت هذه ‹العظائم›؟
٣ ماذا كان اصل مشكلة باروخ الروحية؟
٣ عرف باروخ دون شك ما هي ‹العظائم› التي طلبها لنفسه. وقد ادرك ان «عيني [اللّٰه] على طرق الانسان، وهو يرى كل خطواته». (اي ٣٤:٢١) فشعوره ان لا «مكان راحة» لديه وهو يسجل كلمات ارميا النبوية لم يكن سببه التعيين نفسه، بل نظرته الشخصية الى ما بدا عظيما، اي افكار وتأملات قلبه. فبما انه بات مأخوذا بطلب ‹العظائم›، غابت عن باله الامور الاكثر اهمية، تلك المرتبطة بفعل مشيئة اللّٰه. (في ١:١٠) وتُبرز ترجمة العالم الجديد معنى الفعل المستخدَم في ارميا ٤٥:٥ اذ تنقله الى «لا تزال تطلب»، ما يوحي ان ما مرّ به باروخ لم يكن فكرة خاطفة لمعت في رأسه وحسب. فهو كان مستمرا في طلب ‹العظائم› حين حذّره يهوه ان يكفّ عن ذلك. فهذا الكاتب الامين راح يقوم بدوره في اتمام مشيئة اللّٰه وفي الوقت عينه يتحرق لتحقيق «عظائم» لنفسه.
٤، ٥ لمَ قد تكون الشهرة والجاه من ‹العظائم› التي طلبها باروخ، ولمَ كان تحذير يهوه في محله؟
٤ لعلّ الشهرة والجاه كانا من العظائم التي استأثرت باهتمام باروخ. صحيح انه خدم كاتبا لدى ارميا، ولكن يبدو انه لم يشغل هذه الوظيفة عند النبي فقط. ففي ارميا ٣٦:٣٢ يقال انه «كاتب الديوان». وتشير الادلة الاثرية ان هذا اللقب أُعطي للرسميين الرفيعي المستوى في البلاط الملكي. وفي الواقع، حمل اللقب عينه «أليشاماع» الذي ذُكر اسمه بين رؤساء يهوذا. وهذا يدل ان باروخ بصفته زميلا لأليشاماع مُنح ايضا حق الدخول الى «غرفة طعام كاتب الديوان» في «بيت الملك». (ار ٣٦:١١، ١٢، ١٤) فلا بد اذًا انه كان رسميا مثقفا في البلاط الملكي. اضف الى ذلك ان اخاه سرايا شغل مركز ضابط التموين لدى الملك صدقيا ورافقه في رحلة مهمة الى بابل. (اقرأ ارميا ٥١:٥٩.) وبحكم هذه الوظيفة، يُرجح ان سرايا تولى مسؤولية تأمين المؤن والمنامة للملك خلال اسفاره، وهي وظيفة مرموقة دون شك.
٥ من هنا نفهم لمَ قد يستحوذ الاعياء والتثبط على شخص بمكانة باروخ الرفيعة فيما اخذ يخطّ رسائل الدينونة ضد يهوذا الواحدة تلو الاخرى. ويُحتمل ايضا ان دعمه نبي اللّٰه عرّض مركزه وعمله للخطر. فكّر كذلك في ما كان سيحدث حين يهدم يهوه ما بناه، حسبما نقرأ في ارميا ٤٥:٤. ‹فالعظائم› التي طمح اليها باروخ، أكانت الحصول على المزيد من الامتيازات في البلاط الملكي ام السعي وراء الازدهار المادي، كلها كانت ستتبخر في الهواء. اذًا في حال كان هذا الكاتب يطلب مركزا آمنا في النظام اليهودي الفاني آنذاك، امتلك يهوه سببا وجيها ليكبت ميله هذا.
٦، ٧ في حال شملت ‹العظائم› التي طلبها باروخ الممتلكات المادية، فمصير مَن كان سيلقى؟
٦ من جهة اخرى، لربما شملت ‹العظائم› التي طلبها باروخ الرغبة في العيش حياة رغيدة. فالامم المحيطة بيهوذا اعتمدت الى حد بعيد على ممتلكاتها وثرواتها. فقد اتكلت موآب على ‹اعمالها وكنوزها›، وكذلك عمون. كما قال ارميا بوحي من يهوه ان بابل كانت «وافرة الكنوز». (ار ٤٨:١، ٧؛ ٤٩:١، ٤؛ ٥١:١، ١٣) لكنّ الحقيقة هي ان اللّٰه اصدر دينونته على هذه الامم.
٧ بناء عليه، اذا كانت الاملاك والثروات هي ما تاق اليه باروخ، فأنت تدرك لمَ تدخّل يهوه وأعاده الى صوابه. فحين ‹مدّ اللّٰه يده على› اليهود، تحولت بيوتهم وحقولهم ملكا لأعدائهم. (ار ٦:١٢؛ ٢٠:٥) تخيّل انك احد العائشين في اورشليم ايام باروخ. وقد سمعت ان معظم ابناء بلدك، بمَن فيهم الرؤساء والكهنة والملك نفسه، يفكرون في صدّ اجتياح البابليين. لكنك عرفت برسالة ارميا التي نصحت الشعب ان ‹يخدموا ملك بابل ويحيوا›. (ار ٢٧:١٢، ١٧) فهل كانت حيازة الكثير من الممتلكات الثمينة في المدينة ستسهّل عليك اطاعة الارشاد الالهي؟ وهل كانت مشاعرك حيال هذه الممتلكات ستدفعك الى العمل بتحذير ارميا ام اتباع مسلك الغالبية؟ في الواقع، كل المقتنيات القيّمة في يهوذا وأورشليم، حتى التي في الهيكل، نُهبت وأُخذت الى بابل. لذا ما كان السعي وراء المكاسب المادية ليجدي نفعا. (ار ٢٧:٢١، ٢٢) فهل في ذلك عبرة لنا؟
كيف قوّم يهوه بلطف ميل باروخ الى طلب ‹العظائم›؟ ولمَ تشعرون ان قبول التقويم من اللّٰه تصرُّف حكيم؟
«اعطيك نفسك غنيمة»
٨، ٩ لمَ هو امر لافت ان باروخ ربح نفسه غنيمة؟
٨ تأمل الآن في هذه الفكرة: اية فائدة كان سيجنيها باروخ إن اطاع ارشاد اللّٰه؟ زوده يهوه ضمانة اكيدة: «اعطيك نفسك غنيمة». (اقرأ ارميا ٤٥:٥.) فالذين نجوا بحياتهم كانوا قليلين نسبيا. وقد اقتصروا على الذين اطاعوا التوجيه الالهي بالهرب الى الكلدانيين، اي الاستسلام لهم. (ار ٢١:٩؛ ٣٨:٢) ولكن ربما يتساءل البعض: ‹هل كان ذلك كل ما حصلوا عليه مكافأة على طاعتهم؟›.
٩ حسنا، تصوّر وضع اورشليم خلال الحصار البابلي. فهذه المدينة راحت تحتضر رويدا رويدا بعدما ذاقت الامرّين من الحصار. بالتباين، قُلبت سدوم في لحظة اذا جاز التعبير. لذا يمكن القول ان دمارها كان اخف وطأة من دمار اورشليم. (مرا ٤:٦) وقد دوّن باروخ النبوة التي تحدثت عن موت سكان يهوذا بالسيف والمجاعة والوبإ. ثم رأى اتمام هذه الكلمات بأم عينه. فمخازن اورشليم فرغت من الطعام. وكم هاله دون شك ان الامهات «الحنائن» بطبعهن طبخن وأكلن اولادهن! (مرا ٢:٢٠؛ ٤:١٠؛ ار ١٩:٩) ولكن رغم هذه الاوضاع المتأزمة، بقي باروخ على قيد الحياة. نعم، وسط كل هذا الاضطراب والهيجان، كانت الحياة بحد ذاتها غنيمة، مثل المكافأة التي ينالها المنتصرون بعد المعركة. ومن الواضح ان باروخ قبِل واتبع المشورة الالهية بالكفّ عن طلب ‹العظائم›. ففاز برضى يهوه كما يشهد على ذلك بقاؤه حيّا يُرزق. — ار ٤٣:٥-٧.
هل تطلب ‹العظائم›؟
١٠، ١١ ماذا نستفيد شخصيا من رواية باروخ؟
١٠ مع ان باروخ انشغل بفعل مشيئة اللّٰه، صارع فترة من الوقت توقه الى ‹العظائم›. ولكن لمّا حذّره يهوه من الخطر، تفادى كارثة روحية ونجا من الموت الحرفي. فهل يُعقل ان نمرّ بمثل تجربته؟ أيمكن لرغبات تكمن في اعماق قلبنا ان تغوينا او ربما تستحوذ علينا حتى ونحن نشاطى في خدمة يهوه؟
١١ ذكرنا سابقا ان صنع اسم شهير بين اليهود ربما شكّل اغراء حقيقيا لباروخ. فلعله فكّر: ‹هل اتمكن من الحفاظ على مركزي بصفتي «كاتب الديوان»؟ وهل اترقى الى منصب اعلى؟›. وماذا عنا اليوم؟ ليسأل كل واحد نفسه: ‹هل اطمح ربما في قلبي الى تحقيق نجاح باهر في مهنة عالمية، الآن او في المستقبل القريب؟›. كما يحسن بكل من الاحداث المسيحيين ان يتأمل في هذا السؤال: ‹هل يمكن لأمور قد يؤمّنها التعليم العالي، مثل الجاه والامن المادي، ان تغريني بطلب «عظائم» لنفسي؟›.
١٢ كيف طلب احد الاخوة عظائم ليهوه، وما رأيكم في قراره؟
١٢ حصل اخ يخدم الآن في المركز الرئيسي العالمي على منحة جامعية بعمر ١٥ سنة. لكنه رفضها مخيّبا آمال اساتذته وفضّل الانخراط في عمل الفتح. مع ذلك، لم يخمد قط حبه للتعلم. فعندما عُيّن مرسلا في جزيرة منعزلة، لزم ان يتعلم لغة ينطق بها اكثر بقليل من ٠٠٠,١٠ شخص. وبما انه لم يتوفر قاموس بهذه اللغة، بدأ يُعدّ قائمة بكلماتها. وبمرور الوقت، أتقن اللغة وطُلبت منه ترجمة بعض مطبوعاتنا المسيحية. وفي وقت لاحق، مهّدت قائمته لإصدار اول قاموس بتلك اللغة. قال ذات مرة امام حضور ضخم في احد المحافل: «لو اني قبلت المنحة الجامعية، لجلبتْ كل انجازاتي الاكاديمية المجد لي انا شخصيا. لكني لا املك اية مؤهلات دنيوية، لذا لا يُنسب اليّ الفضل في ما فعلته. فالشكر كله ليهوه». (ام ٢٥:٢٧) فما رأيك في القرار الذي اتخذه هذا الاخ بعمر ١٥ سنة؟ لقد حظي على مرّ السنين بامتيازات عديدة بين شعب اللّٰه. وما القول فيك؟ كيف تنوي استعمال مواهبك؟ هل انت مصمم على استغلالها لتسبيح يهوه ام لطلب مجدك الخاص؟
١٣ لمَ يجب على بعض الوالدين التأمل في التحدي الذي جابهه باروخ؟
١٣ في هذا السياق، ثمة خطر آخر ينبغي الحذر منه: طلب ‹العظائم› من اجل او من خلال اشخاص نحبّهم ولنا تأثير عليهم. فأنت تعرف على الارجح والدين ليسوا في الحق جلّ همهم ان يحرز اولادهم نجاحات اكثر منهم، او يصيروا اشخاصا يتباهون بهم في المجتمع. فلعلك سمعت احدهم يقول: «لا ارغب ان يكدح اولادي مثلي» او «اريد ان يتعلم اولادي في الجامعة كي تتيسر امورهم في الحياة». ان هذه المشاعر يمكن ان تساور الوالدين المسيحيين ايضا. فهم قد لا يطلبون «عظائم» لأنفسهم، ولكن هل من الممكن ان يسعوا اليها عن طريق ابنائهم او بناتهم؟ فعلى غرار باروخ الذي ربما أُغوي بطلب البروز عبر منصبه او وظيفته، يُحتمل ان يتوق الوالدون في اعماقهم الى بلوغ ذلك عبر انجازات اولادهم. ولكن أيُعقل ان يخفى هذا الامر عن «فاحص القلوب» الذي ميّز حالة باروخ؟ طبعا لا. (ام ١٧:٣) أفلا ينبغي لنا اذًا، اسوة بداود، ان نسأل يهوه ان يمتحن افكارنا الداخلية؟ (اقرأ مزمور ٢٦:٢؛ ارميا ١٧:٩، ١٠.) فقد يستخدم وسائل مختلفة، مثل هذه المناقشة عن باروخ، لينبّهنا من خطر طلب ‹العظائم›.
كيف يُحتمل ان باروخ طلب ‹العظائم›؟ وما هو الدرس الذي نتعلمه؟
فخّ التعلق ‹بالنفائس›
١٤، ١٥ كيف للغنى المادي ان يصبح من ‹العظائم› بالنسبة الينا؟
١٤ لنتعمق الآن في احتمال ان تكون ‹العظائم› التي طلبها باروخ هي الثروة والغنى. فكما لاحظنا آنفا، لو كان هذا الكاتب شديد التعلق بمقتنياته وأملاكه في يهوذا، لما استسهل على الارجح اطاعة الوصية الالهية بالاستسلام للكلدانيين. فأنت تعرف ان الغني غالبا ما يتكل على ‹نفائسه› من اجل الحماية، غير ان الكتاب المقدس يؤكد ان حماية كهذه هي «في تصوّره» فقط. (ام ١٨:١١) لذا من الحكمة ان يذكّر جميع خدام يهوه انفسهم بالنظرة المتزنة الى الامور المادية كما ترد في كلمة اللّٰه. (اقرأ امثال ١١:٤.) مع ذلك، قد يحاجّ البعض: ‹لمَ لا نتمتع ولو قليلا بما يقدّمه العالم؟›.
١٥ ان التعلق بالممتلكات قد يجعل المسيحي يتحسر على امور هي جزء من نظام الاشياء الزائل، وهذا فخّ لم يقع فيه ارميا وباروخ. وبعد قرون، حضّ يسوع العائشين يوم «يُكشف عن ابن الانسان» قائلا: «اذكروا زوجة لوط». فكم هو مناسب ان يُشجَّع المسيحيون: ‹اذكروا ارميا وباروخ›! (لو ١٧:٣٠-٣٣) فإذا كنا مولعين بالممتلكات المادية، يصعب علينا تطبيق كلمات يسوع هذه. ولكن لا ننسَ ان باروخ نظر جديا الى تحذير اللّٰه وربح بالتالي حياته.
١٦ اسردوا حالة تُظهر كيف ابقى خدام اللّٰه الامور المادية في مكانها الصحيح.
١٦ تأمل مثال الاخوة في رومانيا خلال الحكم الشيوعي. ففيما اقتحم عملاء الدولة منازل الشهود، استولوا احيانا على مقتنياتهم الشخصية، ولا سيما تلك الصالحة للبيع. (مرا ٥:٢) فتحت نظام الحكم هذا، كان العديد من الاخوة والاخوات مستعدين لخسارة ممتلكاتهم. حتى ان البعض تركوا وراءهم املاكا ومقتنيات حين أُجبروا على الانتقال الى مكان آخر. الا انهم حافظوا على استقامتهم امام يهوه. فإذا واجهت امتحانا كهذا، فهل تسمح لشغفك بالامور المادية ان يعيقك عن البقاء وليا للّٰه؟ — ٢ تي ٣:١١.
١٧ كيف كان اثنان من معاصري ارميا وباروخ عونا كبيرا لهما؟
١٧ من الجدير بالملاحظة ان ارميا وباروخ استمدا الدعم من نبيَّين عاصراهما. فصفنيا تنبأ خلال حكم يوشيا وقتما خدم ارميا نبيا. فماذا كان رأي ارميا في الكلمات التي نجدها في صفنيا ١:١٨؟ (اقرأها.) أوَلا تتوقع انه نقل هذه النبوة الملهمة الى باروخ؟ والنبي الآخر هو حزقيال الذي أُخذ اسيرا الى بابل سنة ٦١٧ قم. فبما ان عددا من رسائله ارتبط مباشرة باليهود الذين بقوا في موطنهم، فأغلب الظن ان ارميا عرف بأقواله وأفعاله، والعكس بالعكس. وهذا يشمل ما هو مدون في حزقيال ٧:١٩. (اقرأها.) وكما استفاد ارميا وباروخ من هذه النبوات الملهمة، كذلك نحن ايضا. فالناس سيصرخون الى آلهتهم لتنقذهم في يوم يهوه، ولكن لا آلهتهم ولا ثرواتهم ستقوى على انقاذهم. — ار ٢:٢٨.
هل تربح «نفسك غنيمة»؟
١٨ «نفس» مَن يريد كل منا ان يربح غنيمة، وكيف عسانا نفعل ذلك؟
١٨ لا يغب عن بالنا ان الغنيمة التي يعدنا بها يهوه هي ‹نفوسنا›. حتى لو هلك قلة من خدامه الامناء بسبب الاضطهاد الذي قد يحدث خلال «الضيق العظيم» حين تنقلب قرون الوحش السياسية على الدين، فهم فعليا لن يخسروا حياتهم الى الابد. فاللّٰه ضمِن ان يُحيي ‹نفوسهم› مجددا كي يتمتعوا «بالحياة الحقيقية» في العالم الجديد. (رؤ ٧:١٤، ١٥؛ ١ تي ٦:١٩) ولكن لنا ملء الثقة ان معظم خدام اللّٰه الذين يبرهنون عن امانتهم في تلك الفترة سيعبرون الضيق العظيم. فعندما تأتي البلية على الامم، ما من خادم امين يكون بين «قتلى يهوه». — ار ٢٥:٣٢، ٣٣.
اختر ما هو قيّم ونفيس حقا (قارن الصورة في الصفحة ٤٦.)
١٩ كيف لمثالَي ارميا وباروخ ان يقوّيا تصميمنا على تجنب طلب «عظائم» لأنفسنا؟
١٩ قد يصاب البعض بخيبة امل حين يفكرون انهم لن يربحوا سوى ‹نفوسهم› غنيمة، ولكن لا يجب ان يشعروا كذلك على الاطلاق. تذكّر انه فيما كان الناس في اورشليم يموتون جوعا، حفظ يهوه ارميا حيا. فالملك صدقيا حجزه في باحة الحرس وأمر ان «يُعطى رغيف خبز كل يوم من شارع الخبازين، الى ان انقطع كل الخبز من المدينة». (ار ٣٧:٢١) وهكذا ظل النبي على قيد الحياة. نعم، في وسع يهوه استخدام شتى الوسائل ليزود شعبه ما يحتاجون اليه للبقاء احياء. وهو سيفعل ذلك حتما لأن رجاءهم بالحياة الابدية اكيد. ومثلما كفّ باروخ عن ‹طلب العظائم› ونجا من دمار اورشليم، لنتطلع قدما الى النجاة من هرمجدون كي نسبّح يهوه ‹بنفوسنا› التي سنربحها غنيمة الى ابد الآبدين.
لمَ من الحكمة اليوم الا نطلب ‹العظائم› بل ان نسعى الى ربح ‹نفوسنا› غنيمة؟
-
-
هل تسأل يوميا «اين يهوه»؟رسالة من اللّٰه بفم ارميا
-
-
الفصل العاشر
هل تسأل يوميا «اين يهوه»؟
١، ٢ (أ) كيف كانت حالة اليهود الروحية زمن ارميا؟ (ب) ماذا كان يُفترض ان يفعل شعب يهوذا بشأن حالتهم الروحية؟
انهمرت الدموع من عيني ارميا. فقد تملّكه الحزن على حالة شعبه آنذاك والمستقبل القاتم الذي كان ينتظرهم بحسب النبوات. فتمنى لو ان رأسه ملآن بالمياه وعينيه ينبوع دموع ليبكي دونما توقف. ولم تكن مشاعر حزنه في غير محلها. (ار ٩:١-٣؛ اقرأ ارميا ٨:٢٠، ٢١.) فشعب يهوذا استمروا في رفض الشريعة الالهية ولم يطيعوا قول يهوه، جالبين بالتالي البلية على انفسهم. — ار ٦:١٩؛ ٩:١٣.
٢ فهؤلاء اليهود لم يهمهم حقا رأي يهوه في مسلكهم. فقد احبوا سماع قادتهم الدينيين يطمئنونهم ان كل شيء على ما يرام. (ار ٥:٣١؛ ٦:١٤) فكانوا اشبه بمرضى يفتشون عن طبيب يخفف عنهم، انما يتجاهل الاعراض الخطيرة الظاهرة عليهم. ولكن أليس منطقيا ان تُشخَّص حالة المصاب بمرض شديد تشخيصا دقيقا كي يتلقى العلاج قبل فوات الاوان؟ في الواقع، وجب على اليهود زمن ارميا ان يبحثوا عن تقييم صادق لحالتهم الروحية. فكان يُفترض ان يسألوا «اين يهوه؟». — ار ٢:٦، ٨.
٣ (أ) كيف كان بإمكان اليهود الاجابة عن السؤال «اين يهوه»؟ (ب) ماذا كانت احدى الطرائق التي طلب اليهود من خلالها يهوه؟
٣ ان سؤال اليهود «اين يهوه؟» عنى طلب توجيهه في القرارات الكبيرة والصغيرة على السواء. الا انهم في ذلك الوقت لم يكلّفوا انفسهم هذا العناء. ولكن بعد دمار اورشليم ورجوعهم من بابل، ‹طلبوا يهوه› و ‹بحثوا عنه› فوجدوه وعرفوا طرقه. (اقرأ ارميا ٢٩:١٣، ١٤.) فكيف بلغوا هذا الهدف؟ احدى الطرائق كانت رفع صلوات مخلصة اليه من اجل نيل الارشاد. وهذا ما سبق وفعله الملك داود الذي سأل اللّٰه: «طرقك يا يهوه عرّفني، سبلك علّمني». (مز ٢٥:٤) لاحظ الدعوة التي وجّهها سامع الصلاة عبر ارميا في السنة العاشرة من حكم الملك صدقيا، قائلا: «ادعني فأجيبك وأخبرك بعظائم وأمور عسيرة الفهم لم تعرفها». (ار ٣٣:٣) فلو دعا الملك والامة المرتدة يهوه اللّٰه، لكشف لهم امورا «عسيرة الفهم» عن دمار اورشليم وردّها بعد ٧٠ سنة.
٤، ٥ بأية طريقتين اخريين طلب اليهود يهوه؟
٤ ثمة طريقة ثانية استطاع اليهود طلب يهوه من خلالها، ألا وهي التنقيب في صفحات التاريخ والتأمل في تعاملاته مع شعبه. فبذلك استعادوا في اذهانهم ما حاز رضاه وما اثار سخطه. وكان في متناول ايديهم كتابات موسى وعدد من السجلات التاريخية الموحى بها فضلا عن حوليّات ملوك اسرائيل ويهوذا. فتأملهم في كل هذه المراجع وإصغاؤهم الى انبياء اللّٰه الحقيقيين اوصلاهم الى جواب السؤال «اين يهوه؟».
٥ اما الطريقة الثالثة لطلب يهوه فكانت الاستفادة من تجاربهم الشخصية وتجارب الآخرين. طبعا، لم يعنِ ذلك انهم تعلّموا كل شيء بالتجربة والخطإ، لكنهم استفادوا من تفحص سيرتهم في الماضي والتأمل في نظرة يهوه الى تصرفاتهم. فقد كانوا يقظين ومنتبهين، لذا عرفوا رأي اللّٰه في مسلكهم. — ام ١٧:١٠.
٦ اي تشجيع نستمده من مثال ايوب؟
٦ لنطبق الآن هذه الافكار في ايامنا. هل تسأل دوما «اين يهوه؟» عندما تتخذ قرارا ما او تختار مسلكا معيّنا في الحياة؟ يشعر البعض انهم يقصّرون احيانا في الاخذ برأي يهوه. فإذا صحّ ذلك فيك بطريقة او بأخرى، فلا تحزن او تتثبط. حتى الاب الجليل الامين ايوب خاض صراعا في هذا الخصوص. فمن كثرة الضغوطات والشدائد التي ألمّت به، صار اهتمامه متمحورا حول ذاته. فقال له أليهو مذكرا اياه بميل الانسان عموما: «لم يقل احد: ‹اين اللّٰه صانعي العظيم؟›». (اي ٣٥:١٠) ثم شجعه ان ‹يولي انتباهه لأعاجيب اللّٰه›. (اي ٣٧:١٤) فقد لزم ان يتأمل ايوب اعمال يهوه الجبارة المتجلية في الخليقة وفي تعاملاته مع البشر. وهكذا فهِم طرق اللّٰه من خلال اختباره الخاص. فبعدما تخطى محنته وعدّل طريقة تفكيره بمساعدة إلهه، اعترف قائلا: «تكلّمت من غير ان افهم بأمور عجيبة تفوقني، ولا اعرفها. قد سمعت عنك سماع الاذن، اما الآن فإني اراك بأمّ عيني». — اي ٤٢:٣، ٥.
٧ ماذا سنناقش في هذا الفصل بناء على الصورة في الصفحة ١١٦؟
٧ من جهة اخرى، واظب ارميا على طلب يهوه وتمكّن من ايجاده. فطوال عقود من الخدمة الامينة، ظل يسأل «اين يهوه؟» بخلاف ابناء بلده. وسنرى في هذا الفصل كيف يعلّمنا مثاله ان نطلب يهوه ونجده بواسطة الصلاة، الدرس، والتجارب الشخصية. — ١ اخ ٢٨:٩.
ماذا يعني السؤال «اين يهوه»؟ وبأية طرائق كان في وسع اليهود زمن ارميا ان يطرحوا هذا السؤال؟
ارميا التفت الى يهوه في الصلاة
٨ في اية ظروف صلّى ارميا الى اللّٰه؟
٨ طوال السنين التي خدم فيها ارميا ناطقا بلسان اللّٰه في امة يهوذا، طلب يهوه من خلال صلواته القلبية. فقد التفت اليه حين لزم ان ينادي برسائل غير مستحبّة، لمّا شعر برغبة في الاستسلام، وعندما نشأت لديه اسئلة محيرة. فأجابه اللّٰه عن اسئلته وأرشده كيف يواصل عمله. اليك امثلة على ذلك.
٩ (أ) كيف عبّر ارميا عن نفسه في ارميا ١٥:١٥، ١٦، وكيف تجاوب يهوه معه؟ (ب) لمَ من المهم ان نعبّر عن مشاعرنا في الصلاة؟
٩ حين عُهد الى ارميا ذات مرة ان ينادي برسالة دينونة، راح الجميع يسبّونه. فطلب من اللّٰه ان يذكره. تأمل في صلاته المدونة في ارميا ١٥:١٥، ١٦ حيث عبّر عن عذابه وحزنه، ثم وصف مشاعره حيال المساعدة الالهية التي تلقّاها. (اقرأها.) فعندما وجد كلام اللّٰه ووضعه في فمه، اذا جاز التعبير، أشرق وجهه وابتهج. فيهوه ساعده ان يقدّر امتياز حمل اسمه وإعلان رسالته. وقد ادرك ارميا بوضوح نظرة اللّٰه الى هذين الامتيازين. فماذا نتعلم من ذلك؟
١٠ ماذا فعل يهوه حين قال النبي انه لن يتكلم باسمه بعد؟
١٠ في مناسبة اخرى، قال ارميا انه لن يتكلم بعد باسم يهوه بعدما ضربه الكاهن فشحور بن إمير. فكيف خفف اللّٰه من انزعاجه الذي افصح عنه في الصلاة؟ (اقرأ ارميا ٢٠:٨، ٩.) لا يخبرنا الكتاب المقدس انه استجابه متحدثا اليه من السماء. لكنّ كلمة اللّٰه اصبحت كنار متقدة قد حُبست في عظامه، فلم يسعه الا ان يعلنها. نعم، حين كشف ارميا بصدق عن احاسيسه امام اللّٰه وسمح لما يعرفه عن مشيئته بالتأثير فيه، اندفع الى الاستمرار في انجاز العمل الموكل اليه.
١١، ١٢ كيف نال ارميا جوابا عن سؤاله حول نجاح الاشرار الظاهري؟
١١ شغل سؤال محيّر بال ارميا حين رأى نجاح الاشرار. (اقرأ ارميا ١٢:١، ٣.) وهو لم يقصد اطلاقا التشكيك في بر يهوه، بل اراد جوابا على ‹شكواه› ليس الا. وبيّنت صراحته هذه ان علاقة وثيقة ربطته باللّٰه، تماما مثل علاقة الولد بأبيه المحب. فإرميا تساءل لمَ عاش يهود كثيرون حياة مزدهرة رغم كونهم اشرارا. وهل حصل على جواب شافٍ؟ لقد اكد له يهوه انه سيستأصل الاشرار. (ار ١٢:١٤) وفيما رأى النبي كيف عالج اللّٰه المسائل التي رفعها اليه في الصلاة، توطدت دون شك ثقته بالعدل الالهي. ومن المؤكد انه صار يُكثر من الصلاة مفضيا بدخائل نفسه الى ابيه السماوي.
١٢ قرابة نهاية حكم صدقيا، وفيما كان البابليون يحاصرون اورشليم، تحدث ارميا عن يهوه قائلا: «عيناك مفتوحتان على جميع طرق بني البشر، لتعطي كل واحد على حسب طرقه وعلى حسب ثمر اعماله». (ار ٣٢:١٩) فقد ادرك النبي موقف يهوه من العدل: انه يراقب افعال كل واحد ويسمع صلوات خدامه الحارة. ومع الوقت، كان خدامه هؤلاء سيرون المزيد من الادلة انه يعطي «كل واحد على حسب طرقه وعلى حسب ثمر اعماله».
١٣ لمَ نحن واثقون من تحقق مشيئة اللّٰه؟
١٣ قد لا تخالجنا اية شكوك حول عدل يهوه وحكمته في انجاز مشيئته الآن وفي المستقبل. مع ذلك، من المفيد ان نتأمل في اختبار ارميا ونعبّر في صلواتنا عن مشاعرنا القلبية. فهذا يرسخ ثقتنا بيهوه وبأن قصده سيتم لا محالة. حتى لو لم نفهم كاملا في الوقت الحاضر لمَ تسير الامور بطريقة ما، او لمَ تتقدم مشيئة يهوه بوتيرة معيّنة، فلنخبره في صلواتنا اننا واثقون من امساكه بزمام الامور. فمشيئته ستتحقق بالطريقة الامثل والسرعة الانسب في نظره. وهذا واقع اكيد لا مجال للشك فيه. فلنسأل دوما «اين يهوه؟» بمعنى ان نسعى بروح الصلاة الى فهم مشيئته ورؤية الادلة على اتمامها. — اي ٣٦:٥-٧، ٢٦.
اية طمأنة ننالها مما حصل مع ارميا حين طلب يهوه في الصلاة؟
ارميا غذّى قلبه بالمعرفة
١٤ كيف نعرف ان ارميا نقّب في صفحات تاريخ شعب اللّٰه؟
١٤ ادرك ارميا جيدا ان السؤال «اين يهوه؟» تطلّب نيل ‹المعرفة› عن اللّٰه. (ار ٩:٢٤) فلا بد انه درس تاريخ شعب اللّٰه فيما اخذ يعدّ السفرين المعروفين اليوم بملوك الاول والثاني. فقد اتى على ذكر «سفر اخبار سليمان»، «سفر اخبار الايام لملوك اسرائيل»، و «سفر اخبار الايام لملوك يهوذا». (١ مل ١١:٤١؛ ١٤:١٩؛ ١٥:٧) ونتيجة درسه هذا، فهِم كيف تصرف يهوه في مختلف الظروف. وعرف ايضا ماذا كان يرضيه وكيف نظر الى قرارات البشر. فضلا عن ذلك، كان باستطاعته الرجوع الى الكتابات الملهمة المتوفرة في زمنه، كالتي خطّها موسى، يشوع، صموئيل، داود، وسليمان. فلا شك اذًا ان ارميا اطّلع على كتابات الانبياء الذين سبقوه وعاصروه. فكيف استفاد من درسه الشخصي هذا؟
١٥ كيف انتفع ارميا من التعمّق في نبوة ايليا؟
١٥ دوّن ارميا الرواية عن ايزابل الشريرة، زوجة اخآب ملك السامرة. وتضمنت روايته اعلان ايليا ان الكلاب ستأكل تلك المرأة في كرم نابوت اليزرعيلي. (١ مل ٢١:٢٣) ولا بد انك تعرف انه بعد ١٨ سنة تقريبا، وانسجاما مع كلمات ايليا، رُميت ايزابل من احدى النوافذ، داستها خيل ياهو، وأكلتها الكلاب. (٢ مل ٩:٣١-٣٧) ومن المؤكد ان تعمُّق ارميا في هذه النبوة وإتمامها حتى بأدق تفاصيلها قوّى ايمانه بكلمة اللّٰه. وفي الواقع، واظب هذا النبي على خدمته بفضل ايمانه الذي بناه بدرس اعمال يهوه في الماضي.
١٦، ١٧ لمَ استطاع ارميا ان يثابر على تحذير الملكَين الشريرين يهوياقيم وصدقيا؟
١٦ لنأخذ مثالا آخر. ماذا ساعد ارميا برأيك الا يتوقف، رغم تعرّضه للاضطهاد، عن تحذير الملكَين الشريرين يهوياقيم وصدقيا؟ احد الاسباب الرئيسية ان يهوه جعله «مدينة حصينة وعمود حديد وأسوار نحاس». (ار ١:١٨، ١٩) ولكن لا ننسَ هذه الحقيقة المهمة. فالنبي سبق وأجرى بحثا موسّعا حول ملوك سابقين حكموا يهوذا وإسرائيل. فهو الذي كتب ان منسى «بنى مذابح لكل جند السموات في دارَي بيت يهوه»، أمرّ ابنه بالنار، وأراق دما بريئا كثيرا جدا. (٢ مل ٢١:١-٧، ١٦؛ اقرأ ارميا ١٥:٤.) لكنه عرف حتما انه حين تواضع هذا الملك امام يهوه وصلّى اليه دون انقطاع، «استجاب له» وردّه الى ملكه. — اقرأ ٢ اخبار الايام ٣٣:١٢، ١٣.
١٧ ومع ان ارميا لم يورد في كتاباته كيف رحم يهوه منسى، من الجدير بالذكر ان هذا الملك مات قبل نحو ١٥ سنة فقط من تسلّم النبي تعيينه. لذا لا بد ان ارميا علم بما حدث حين تاب منسى عن شروره السابقة. وبتأمله كيف غيّر مسلكه الفظيع وحاز اخيرا رضى يهوه، ادرك كم هو مهم ان يحث يهوياقيم وصدقيا على طلب رحمة اللّٰه ولطفه الحبي. فيهوه مستعد ان يسامح حتى الملك المشهور بترويج الصنمية وإراقة الدماء. تخيّل انك مكان ارميا. هل كانت قصة منسى ستحفزك ان تثابر على تحذير ملوك اشرار آخرين؟
ارميا تعلّم من التجارب
١٨ اي درس تعلّمه ارميا من مثال يوريا، ولماذا تجيبون هكذا؟
١٨ لا شك ان ارميا استفاد خلال خدمته النبوية من تجارب معاصريه. وأحدهم كان النبي يوريا الذي تنبأ ضد اورشليم ويهوذا في عهد يهوياقيم. لكنّ هذا النبي خاف وهرب الى مصر حين طلب الملك قتله. فما كان من الملك الا ان ارسل رجالا وراءه وأحضره من هناك، ثم قضى على حياته. (ار ٢٦:٢٠-٢٣) فهل تعتقد ان ارميا تعلّم درسا من اختبار يوريا؟ بما انه واظب على حضّ اليهود، حتى في منطقة الهيكل، محذرا اياهم من دينونتهم الوشيكة، فهذا يثبت انه اتعظ بما حدث ليوريا. فقد ظل يكرز بجرأة، ويهوه لم يتخلَّ عنه. فهو الذي دفع اخيقام بن شافان الى حماية نبيّه الشجاع من الخطر. — ار ٢٦:٢٤.
١٩ ماذا ادرك ارميا حين رأى مواظبة يهوه على ارسال انبياء الى شعبه؟
١٩ كما ان ارميا تعلّم من تجربته الخاصة عندما استخدمه يهوه في تحذير شعبه. ففي السنة الرابعة للملك يهوياقيم، امره يهوه بكتابة كل الكلام الذي كلّمه به من ايام يوشيا حتى ذلك الوقت. وما سبب هذا التوجيه الالهي؟ تحريض الافراد على الرجوع عن فعل الشر ونيل الغفران. (اقرأ ارميا ٣٦:١-٣.) حتى ان ارميا، الذي كان يستيقظ باكرا لينقل رسائل اللّٰه التحذيرية، توسل ايضا الى الشعب كي يتوقفوا عن ممارسة المكرهات. (ار ٤٤:٤) فمن الواضح انه ادرك من تجربته الخاصة ان رأفة اللّٰه هي التي دفعته الى ارسال انبياء الى شعبه. أوَلم يزرع ذلك في قلبه هو ايضا شعورا بالرأفة والحنان؟ (٢ اخ ٣٦:١٥) لذلك لا عجب انه قال بعدما نجا من دمار اورشليم: «مِن ألطاف يهوه الحبية اننا لم نفنَ، لأن مراحمه لن تنتهي. جديدة هي كل صباح». — مرا ٣:٢٢، ٢٣.
كيف استفاد ارميا دون شك من تفحص تعاملات اللّٰه في الماضي والتأمل في تجاربه هو والآخرين؟ وماذا نتعلّم من ذلك؟
هل تسأل شخصيا كل يوم «اين يهوه»؟
٢٠ كيف نقتدي بإرميا في طلب يهوه؟
٢٠ حين تتخذ القرارات كل يوم، هل تحرص ان تطلب مشيئة اللّٰه، اي تسأل «اين يهوه»؟ (ار ٢:٦-٨) لطالما التفت ارميا، بعكس اليهود في زمنه، الى إلهه الكلي القدرة طالبا مساعدته على تمييز الطريق الصحيح. فكم من الحكمة ان يقتدي كل منا بمثاله ويستشير يهوه يوميا عند اتخاذ القرارات!
٢١ كيف تساعدنا الصلاة في خدمتنا، كما حين نلتقي شخصا يبدي ردة فعل قاسية؟
٢١ لا نقصد هنا مجرد القرارات الكبيرة او التي تُحدث انعطافة مهمة في الحياة. لنفرض مثلا انك قررت الاشتراك في خدمة الحقل في يوم معيّن. فتستيقظ في صباح ذلك اليوم وترى السماء ملبدة بالغيوم، فتخفّ حماستك للكرازة. ثم تفكر ان مقاطعتك غُطّيت تكرارا وتتذكر ان بعض اصحاب البيوت صدّوك بلطف زائف او وقاحة شديدة. فهل يخطر لك في هذا الوقت الباكر من النهار ان تسأل في الصلاة «اين يهوه»؟ هذا يساعدك ان تتأمل في جمال الرسالة التي تحملها وتدرك بشكل اعمق ان مناداتك بها اتمام لمشيئة اللّٰه. وقد تشعر بعد ذلك ان كلمة يهوه صارت بهجة وفرحا لقلبك، كما كانت لإرميا. (ار ١٥:١٦، ٢٠) وإذا التقيت خلال الخدمة شخصا ابدى ردة فعل قاسية او لجأ الى التهديد والوعيد، فهل تعبّر مجددا عن مشاعرك ليهوه في الصلاة؟ لا تنسَ ان في وسعه تزويدك بالروح القدس كي تتصرف بالطريقة المناسبة، فتطغى رغبتك في اعلان رسالته على اية مشاعر سلبية. — لو ١٢:١١، ١٢.
٢٢ لمَ تُعاق بعض الصلوات؟
٢٢ ولكن لنبقِ في بالنا ان بعض الصلوات تُعاق ولا تصل الى يهوه. (اقرإ المراثي ٣:٤٤.) فهو لم يُصغِ الى صلوات اليهود المتمردين لأنهم ‹حوّلوا آذانهم عنه› واستمروا يتعدون على الشريعة. (ام ٢٨:٩) يعلّمنا ذلك درسا واضحا تعلّمه ارميا ايضا: إن لم يعمل المرء بمقتضى صلواته، يخيب امل اللّٰه فيه وقد يتوقف بالتالي عن سماع تضرعاته. وبالطبع، نحن لا نريد ان يصمّ يهوه أذنيه عن صلواتنا مهما كان الثمن.
٢٣، ٢٤ (أ) اي امر هو ضروري لمعرفة مشيئة يهوه؟ (ب) كيف نحصد فوائد اكبر من الدرس الشخصي؟
٢٣ بالاضافة الى تقديم الصلوات المخلصة، يلزم ان نواظب على الدرس الشخصي. فهو مفتاح رئيسي لمعرفة مشيئة يهوه. وفي هذا المجال، نحن اكثر حظوة من ارميا لأن في متناولنا الكتاب المقدس بكامله. وعلى غرار النبي الذي اجرى بحثا معمّقا كي يخطّ روايته التاريخية الملهمة، يمكنك ان تغوص في كلمة اللّٰه وتبحث عن الارشاد الالهي سائلا «اين يهوه؟». فبسعيك الى تعلّم مشيئته، تتكل عليه وتصير حتما «كشجرة مغروسة على المياه، ترسل عند مجرى الماء اصولها». — اقرأ ارميا ١٧:٥-٨.
٢٤ وفيما تقرأ وتتفكر في الاسفار المقدسة، حاول ان تستشف كيف يريدك يهوه ان تتصرف في مختلف الاوضاع. ابحث عن المبادئ التي تودّ استذكارها وتطبيقها في حياتك. وأثناء قراءتك الروايات التاريخية، وصايا اللّٰه ومبادئه، والاقوال الحكيمة في كلمته، تأمل كيف ينبغي لما تقرأه ان يؤثّر في قراراتك اليومية. فحين تسأل «اين يهوه؟»، يبيّن لك إلهنا المحب من خلال كلمته المكتوبة السبيل الى معالجة حتى احلك الظروف. حقا، ستجد ان الكتاب المقدس يلقي الضوء على «امور عسيرة الفهم لم تعرفها» او تدركها قط. — ار ٣٣:٣.
٢٥، ٢٦ لمَ تفيدنا الاختبارات؟
٢٥ علاوة على ذلك، في وسعك التفكير مليا في اختباراتك انت والآخرين. فقد تجد ان البعض ما عادوا يتكلون على يهوه، كما فعل يوريا. (٢ تي ٤:١٠) وتأملك في تجاربهم يساعدك ان تتعظ بمسلكهم وتتجنب نهايتهم المأساوية. استذكر ايضا كيف يتعامل يهوه معك بلطف حبي، مبقيا في بالك ان ارميا كذلك قدّر مراحم يهوه ورأفته. ومهما تأزم وضعك، فلا تحسب ان العليّ لا يبالي بأمرك، بل هو مهتم بك مثلما اهتم بإرميا.
٢٦ وفيما تطّلع على تعاملات يهوه مع الافراد في زمننا هذا، تدرك انه يزود الارشاد يوميا بشتى الوسائل. اليك اختبار اخت شابة في اليابان اسمها أكي. فبينما كانت ترافق زوجة ناظر الدائرة في خدمة الحقل، افصحت لها عن شعورها ان يهوه ليس راضيا عن خدمتها وأنه سيرفضها عما قريب مع انها تبذل جهدها في خدمته. فقالت مشيرة الى كلمات يسوع في سفر الرؤيا: «احسّ ان يهوه يوشك ان يتقيأني من فمه، لكني اتوسل اليه ان يمنحني بعض الوقت». فتطلعت زوجة ناظر الدائرة في عينيها وشجعتها قائلة: «لم اشعر ولا مرة انك اخت فاترة روحيا». ففكرت أكي مطوّلا في هذه الكلمات المطمئنة. وفي الواقع، ما من اشارة دلّت حقا ان يهوه نظر اليها يوما بهذه الطريقة. بعد ذلك، صلّت الى يهوه: «ارسلني حيثما تريد وسأفعل ما تشاء». نحو تلك الفترة، زارت أكي بلدا آخر ضمّ فريقا يابانيا صغيرا احتاج الى شخص يتكلم اليابانية كي يبقى ويخدم معهم. وبما ان أكي وُلدت في هذا البلد، سهُل عليها الانتقال اليه. ولكن اين كانت ستسكن؟ عرضت عليها اخت ان تقيم معها بعدما انتقلت ابنتها الى مكان آخر. عبّرت أكي: «بدا الامر وكأن قطع احجيّة الصور المقطوعة تأخذ مكانها الصحيح. فيهوه كان يفتح الطريق امامي».
٢٧ لمَ من المهم ان نسأل «اين يهوه؟» قبل فعل اي امر؟
٢٧ في جعبة العديد من اخوتنا وأخواتنا اختبارات لمسوا فيها شخصيا توجيه يهوه، ربما خلال قراءتهم الكتاب المقدس او قيامهم بالدرس الشخصي. انت ايضا قد تمرّ باختبارات مماثلة. وينبغي لهذه كلها ان تقوّي علاقتك بيهوه وتدفعك ان تصلي اليه بانتظام وحرارة اكثر من قبل. ثِق انه سيدلّك على الطريق الصحيح إن انت سألت يوميا «اين يهوه؟». — اش ٣٠:٢١.
ماذا يعني لكم شخصيا السؤال «اين يهوه»؟ وبأية طرائق يمكننا طلب ارشاده؟
-
-
«رعاة بحسب قلبي»رسالة من اللّٰه بفم ارميا
-
-
الفصل الحادي عشر
«رعاة بحسب قلبي»
١، ٢ (أ) ماذا قد يحدث اذا لم يحمِ الراعي قطيعه؟ (ب) علامَ انطوى عمل الراعي في ازمنة الكتاب المقدس؟
هيروياسو صبي صغير يعيش في اليابان. في احد الايام، احضرت امه كبشا ونعجة الى البيت. فأحاطهما برعايته، وأخذت النعجة تلد له حمَلين كل عام. وبحلول الوقت الذي اصبح فيه هيروياسو بعمر ١٢ سنة، كان القطيع قد صار يضم ١٢ او ١٣ خروفا. يتذكر هيروياسو: «فيما كنت في سريري ذات صباح، سمعت الخراف تثغو. فلم اتفقدها في الحال. ولمّا خرجت اخيرا لأراها، شاهدت مجموعة ذئاب تجري مبتعدة عن حملاني التي طُرحت ارضا ممزَّقة الاحشاء. فرحت ابحث كالمجنون عن النعجة الام، ووجدتها بين الحياة والموت تسبح في بركة من الدم. وحده الكبش نجا من هذه المأساة. وكم انسحق قلبي حزنا! لقد كان يُفترض ان اسارع الى نجدة الخراف حالما سمعت صوتها. فهي كانت ضعيفة وعاجزة امام الذئاب».
٢ في ازمنة الكتاب المقدس، عرف الجميع بشكل عام علامَ انطوى عمل الراعي. فهو كان يقود خرافه الى مراعٍ خصيبة ويتأكد انها تغذت جيدا. ولزم ان يحميها من الحيوانات المفترسة ويبحث عن الشاردة منها. (١ صم ١٧:٣٤-٣٦) واعتاد ايضا ان يُربضها بأمان وسلام. وكان يساعد النعاج على الولادة ثم يهتم بالحملان الصغيرة. لذا استخدم العديد من كتبة الكتاب المقدس، من بينهم ارميا، فكرة الراعي للاشارة الى الشخص المفوَّض اليه الاهتمام بالآخرين، إما بوصفه حاكما او ناظرا روحيا.
٣ إلامَ اشار ارميا حين استعمل الكلمتين ‹راعٍ› و ‹يرعى›؟
٣ يظن البعض في الجماعة المسيحية ان عمل الشيوخ كرعاة يقتصر على زيارة الاخوة بهدف مساعدتهم وتشجيعهم. ولكن عندما استعمل ارميا الكلمتين ‹راعٍ› و ‹يرعى›، طبّقهما على كل اوجه العلاقة بين نظار يهوذا والشعب. ففي كثير من الاحيان، ادان اللّٰه الرؤساء والانبياء والكهنة في يهوذا لأنهم كانوا رعاة اردياء لم يهتموا بخير عامة الناس. (ار ٢:٨) فقد اساءوا معاملة ‹غنمهم›، اضلوها، وأهملوها ساعين بأنانية وراء مصالحهم الخاصة. نتيجة ذلك، صار شعب اللّٰه مهملا روحيا الى اقصى الدرجات. لذا اعلن يهوه ‹الويل› على هؤلاء الرعاة الزائفين، وأكد لشعبه انه سيعطيهم رعاة محبين ويقظين يزودونهم بحماية حقيقية. — اقرأ ارميا ٣:١٥؛ ٢٣:١-٤.
٤ مَن يعتنون اليوم برعية اللّٰه، وبأي روح يعملون؟
٤ شهد وعد اللّٰه هذا اتماما رئيسيا في يسوع، رئيس رعاة غنم يهوه، الذي اصبح رأس الجماعة المسيحية. فهو دعا نفسه «الراعي الفاضل» لأنه اعرب عن رأفة اصيلة تجاه خرافه. (يو ١٠:١١-١٥) واليوم، يهتم يهوه برعيته الارضية بواسطة رعاة معاونين يضمّون اخوة ممسوحين من صف العبد الامين الفطين ورجالا متفانين من ‹الجمع الكثير›. (رؤ ٧:٩) ويبذل هؤلاء الرعاة جهدهم للتمثل بيسوع في اظهار روح التضحية بالذات. فهم يسعون اقتداء به الى اطعام الجماعة روحيا والسهر عليها. فويل لمَن يتجاهل حاجات اخوته، يسود عليهم، او يعاملهم بقسوة او عجرفة! (مت ٢٠:٢٥-٢٧؛ ١ بط ٥:٢، ٣) من هنا ينشأ السؤالان: عمَّ يبحث يهوه في الرعاة المسيحيين اليوم؟ وماذا نتعلم من كتابات ارميا عن المواقف والدوافع اللائقة التي ينبغي ان توجّه الشيوخ فيما ينهضون بمسؤولياتهم؟ سنتبيّن الاجوبة فيما نناقش الآن ثلاثة من ادوارهم: منح الحماية والاهتمام، التعليم داخل وخارج الجماعة، والقضاء في المسائل الروحية.
منح الحماية والاهتمام
٥-٧ (أ) كيف يتوقع يهوه ان يهتم الرعاة بخرافه، ولماذا؟ (ب) كيف يُظهر الشيوخ محبة حقيقية لإخوتهم، بمَن فيهم الذين شردوا عن الرعية؟
٥ دعا الرسول بطرس يهوه ‹راعي نفوسنا وناظرها›. (١ بط ٢:٢٥) فما هي نظرة يهوه الى ‹خرافه›؟ نجد جوابا عن هذا السؤال بالعودة الى ايام ارميا. فبعدما انتقد يهوه الرعاة السيئين الذين بدّدوا الرعية وأهملوها، قال انه ‹سيجمع› خرافه ويردّها الى مراعيها. ووعد ان يقيم لها رعاة صالحين «يرعونها» بحق ويحرصون على حمايتها من الاعداء المفترسين. (ار ٢٣:٣، ٤) نعم، ان خراف يهوه كانت ولا تزال ثمينة في عينيه. فهو دفع ثمنا باهظا من اجل خيرها الابدي. — ١ بط ١:١٨، ١٩.
٦ لذا يجب على النظار المسيحيين، اسوة بالرعاة الحرفيين، الا يتهاونوا ابدا في الاعتناء بجماعاتهم. فإذا كنت تخدم شيخا، فهل انت متيقظ لأية اشارات او اعراض ربما تبدو على اخوتك، وهل انت مستعد لمساعدتهم على الفور؟ كتب الملك سليمان الحكيم: «اعرف حق المعرفة حال غنمك، واجعل قلبك على قطعانك». (ام ٢٧:٢٣) صحيح ان هذه الآية تلقي الضوء على اجتهاد ودأب الرعاة الحرفيين، ولكن يمكن تطبيقها من حيث المبدأ على اهتمام الرعاة الروحيين بالجماعة. من ناحية اخرى، هل تحارب ايها الشيخ اي ميل في قلبك الى التسلط على اخوتك؟ ان تحذير بطرس من ‹السيادة على مَن هم ميراث اللّٰه› يثبت ان وقوع الشيخ في هذا الشرك وارد جدا. اذًا، كيف للراعي الروحي ان ‹يُربِض الغنم› كما يرد في ارميا ٣٣:١٢؟ (اقرأها.) ليبقِ في باله ان الوالدين المتوحدين، الارامل، العائلات التي تضم اولادا للزوج او الزوجة، المسنين، والاحداث قد يحتاجون بشكل خاص الى الاهتمام والمساعدة.
٧ وعلى مثال الراعي الحرفي، يلزم احيانا ان يفتش رعاة الجماعة عمّن شردوا عن الرعية لسبب او لآخر ويقدّموا لهم العون. وهذا يستدعي تحلّيهم بالتواضع والتضحية بالذات. فعليهم ان يصرفوا الوقت في الاعتناء بصبر بحاجات الذين اؤتمنوا عليهم. لذا يحسن بكل من الرعاة ان يسأل نفسه بصراحة: ‹الى اي حد اسعى الى تشجيع وبناء الآخرين عوض ادانتهم او انتقادهم؟ وهل ارغب بصدق ان اتحسن في هذا المجال؟›. في بعض الاحيان، يبذل الشيوخ جهودا متكررة بهدف مساعدة اخ او اخت على رؤية الامور من منظار اللّٰه. فإذا تردد هذا الشخص في قبول مشورة الاسفار المقدسة (لا آراء الشيوخ الشخصية)، فليتذكر الشيوخ ما فعله يهوه، راعينا وناظرنا الاسمى، مع شعبه المتمرد. فهو ‹لم يبرح يكلّمهم› بصبر ويحاول اعادتهم الى صوابهم. (ار ٢٥:٣-٦) صحيح ان غالبية شعب اللّٰه اليوم لا يمارسون الاخطاء، ولكن حين تلزم المشورة ينبغي للشيوخ تقديمها احتذاء بيهوه.
٨ كيف يقتدي الرعاة الروحيون بمثال ارميا؟
٨ مع وجود بصيص امل برجوع رفقاء ارميا اليهود الى يهوه، صلّى النبي من اجلهم قائلا: «اذكر وقوفي امامك لأتكلم عنهم بالخير، لأردّ سخطك عنهم». (ار ١٨:٢٠) تُبيّن هذه الكلمات ان النبي بحث عن الصلاح في اخوته ولم يسئ الظن بهم. واليوم، على النظار المسيحيين فعل الامر عينه ما دام لم يتوفر دليل واضح يثبت ان الشخص مصمم على فعل الشر دون توبة. فعلى غرار ارميا، يحسن بهم ان يمدحوا الآخرين على اعمالهم الصالحة ويصلّوا معهم ومن اجلهم. — مت ٢٥:٢١.
اي وعد قطعه اللّٰه بواسطة ارميا بشأن الرعاة الروحيين؟ وكيف يمكن للنظار المسيحيين منح الحماية والاهتمام؟
«يزودونكم بالمعرفة»
٩، ١٠ لمَ يُطلب من الرعاة الجيدين (شيوخ الجماعة) ان يكونوا معلمين؟
٩ انسجاما مع ارميا ٣:١٥، تُلقى على عاتق الشيوخ مسؤولية ‹تزويد المعرفة والبصيرة›، اي التعليم. (١ تي ٣:٢؛ ٥:١٧) وقد وعد يهوه شعبه ان الرعاة الصالحين سيؤدون هذا الدور. وشجع اليهود ان يقبلوا تعليم نبيّه ارميا الهادف الى تأديبهم. (اقرأ ارميا ٦:٨.) فمثلما تحتاج الخراف الى التغذية كي تبقى سليمة معافاة، كذلك يحتاج شعب اللّٰه الى الطعام والارشاد من الاسفار المقدسة ليظلوا اصحاء روحيا.
١٠ وفي مسألة التعليم، يقوم الشيوخ بدور مزدوج. فهم يعلّمون الاخوة داخل الجماعة ويساعدون ايضا الذين ليسوا بعد مسيحيين حقيقيين. وبالنسبة الى الفئة الاخيرة، ليبقِ الشيوخ في بالهم ان احد الاسباب الرئيسية لوجود الجماعة المسيحية هو الكرازة ببشارة ملكوت اللّٰه. لذا يلزم ان يكون الرعاة مبشرين غيورين. (ار ١:٧-١٠) فبذلك يتمّمون مسؤوليتهم امام اللّٰه ويرسمون مثالا رائعا لإخوتهم. فيا ايها الشيخ، ألا تجد ان الكرازة بانتظام مع مختلف الاخوة والاخوات في الجماعة تمنحك الفرصة لتحسين مقدراتهم التعليمية ومقدراتك انت ايضا؟ لا تنسَ ان اخذك القيادة بغيرة في عمل الخدمة يمد الاخوة بزخم قوي، ما يساهم في تقدم الجماعة بكاملها.
١١، ١٢ علامَ ينبغي ان يركز الشيخ الذي يريد ان يكون راعيا جيدا؟
١١ وكي يمنح الشيوخ الاخوة طعاما روحيا مفيدا، يجب ان يؤسسوا تعليمهم في الجماعة على الكتاب المقدس. وهذا يعني انهم لن يصبحوا معلمين فعالين إن لم يدرسوا كلمة اللّٰه باجتهاد. قارن هذه الفكرة بكلمات ارميا التي اوضحت سبب عدم كفاءة قادة شعبه: «حَمُق الرعاة، ويهوه لم يطلبوا. من اجل ذلك لم يعملوا ببصيرة، وتبدّدت كل رعيتهم». (ار ١٠:٢١) فالذين يُفترض ان يعلّموا الشعب لم يتّبعوا مبادئ الاسفار المقدسة ولا طلبوا اللّٰه. لذا لم توجّه الحكمة الحقيقية اعمالهم. وقد شجب ارميا بشدة الانبياء المزعومين الذين لم يعلّموا كلام اللّٰه. — اقرأ ارميا ١٤:١٤، ١٥.
١٢ ولكن بخلاف هؤلاء الرعاة المخادعين، يدرس النظار المسيحيون اليوم مثال يسوع ويسيرون على خطاه. وهكذا يرعون الرعية بحكمة. ومع انه ليس سهلا ان يتّبعوا برنامجا ثابتا للدرس في ظل المسؤوليات الكثيرة التي تستهلك وقتهم واهتمامهم، حريّ بكل منهم ان يسأل نفسه: ‹هل انا مقتنع كل الاقتناع ان تعليمي لن يكون مفيدا وصحيحا وزاخرا بالمعرفة والبصيرة ما لم أبنِه على كلمة اللّٰه وإرشاد صف العبد الامين الفطين؟›. فإذا شعرت ايها الشيخ انك ما عدت منتظما في درسك الشخصي، فماذا عساك فعله كي تتجنب افعال الرعاة الزائفين زمن ارميا؟
١٣ ماذا ساعد ارميا ان يكون معلّما كفؤا، وماذا يتعلم منه الرعاة المسيحيون اليوم؟
١٣ ان احد العوامل التي جعلت ارميا فعالا جدا في التعليم هو استعمال الايضاحات بإرشاد من يهوه. مثلا، ما كان سامعوه لينسوا ابدا كيف كسر وعاء من فخار على الارض ليبيّن ان اورشليم وشعبها سيُسحقون بالطريقة عينها. (ار ١٩:١، ١٠، ١١) وفي مناسبة اخرى، صنع نيرا خشبيا وجعله على عنقه رمزا الى خضوع شعبه لعبودية ملك بابل القاسية. (ارميا الاصحاحان ٢٧-٢٨) صحيح ان اللّٰه لا يطلب من الشيوخ اليوم تأدية ادوار تمثيلية لإيضاح الافكار، ولكن ألا تشعر بالتقدير حين تجدهم يزيّنون تعليمهم بالايضاحات والاختبارات المناسبة؟ فالامثلة والصور الكلامية الملائمة والمدروسة بعناية تترك اثرا كبيرا وتحفز على العمل.
١٤ (أ) ما اساس اشارة ارميا الى ‹البلسان في جلعاد›؟ (ب) كيف يعزز الشيوخ المسيحيون خير اخوتهم الروحي؟
١٤ كم نشكر اللّٰه على التعليم المزود بواسطة الرعاة المسيحيين! ففي ايام ارميا، رأى النبي حاجة شعبه الى الشفاء الروحي، فسأل: «أليس من بلسان في جلعاد، ام ليس من طبيب هناك؟». (ار ٨:٢٢) لقد وُجد بلسان حرفي في جلعاد الواقعة شرق نهر الاردن. فهذا الزيت العطر اشتهر بمنافعه الطبية وغالبا ما استُخدم في تسكين الآلام وشفاء الجراح. ولكن بالمقابل، لم يوجد شفاء روحي. لماذا؟ اوضح ارميا: «الانبياء يتنبأون بالكذب، والكهنة يقهرون الناس بحسب طاقة ايديهم. وشعبي هكذا احب». (ار ٥:٣١) وما القول اليوم؟ ألا توافق ان هناك حتما ‹بلسانا في جلعاد›، اي في جماعتك؟ نعم، يمكن تشبيه البلسان الشافي بالمساعدة التي يمنحها الشيوخ حين يوجّهون الاخوة بمحبة الى مبادئ الاسفار المقدسة، يبنونهم ويشجعونهم، ويصلّون معهم ومن اجلهم. — يع ٥:١٤، ١٥.
اي اوجه للتعليم الذي يزوده شيوخ جماعتكم تقدّرونها بشكل خاص؟ وماذا يجعل تعليمهم فعالا؟
«هكذا قال يهوه»
١٥، ١٦ لمَ من المهم الانتباه للخراف الحرفية والروحية على السواء؟
١٥ تخيّل فرحة الراعي الحرفي حين يرى، بعد ساعات طويلة من الجهود المضنية، حملانا سليمة تبصر النور. ولكن كي تنمو هذه الحملان، يعرف الراعي حاجتها الى الرعاية والاهتمام ويدرك اهمية حصولها على الغذاء الملائم. كما انه يحرص على نظافتها وصحتها. فالبعض منها يولد بأذناب طويلة قد تمسّ الارض وتتلوث بالسماد والاوساخ. لذا يقصّر الراعي الاذناب بكل براعة مجنِّبا حملانه الالم قدر المستطاع. على نحو مماثل، يحيط الرعاة الروحيون الخراف، اي اعضاء الجماعة، باهتمامهم الحبي. (يو ٢١:١٦، ١٧) ويبتهجون برؤية المهتمين يتخذون خطوات للسير في الحق. وهم يريدون ايضا ان تتغذى كل الخراف، الصغيرة والكبيرة، بالطعام الروحي وتنعم بصحة روحية جيدة. لذلك لا يتراخون في رعاية افراد الجماعة، حتى انهم يتدخلون لمصلحتهم عند اللزوم. وهذا يشمل دون شك تذكيرهم بما ‹قاله يهوه›، اي ما تعلّمه الاسفار المقدسة. — ار ٢:٢، ٥؛ ٧:٥-٧؛ ١٠:٢؛ تي ١:٩.
١٦ ومثلما احتاج ارميا الى الشجاعة ليعلن رسالة اللّٰه، كذلك نظار الجماعة اليوم ولا سيما في الحالات التي تقتضي تقديم النصح لأحد الاخوة بهدف حمايته. مثلا، قد يتدخل الراعي الروحي ليمنع ‹حملا حديث الولادة› او ‹خروفا› معتمدا منذ فترة من التلوث بقذارة عالم الشيطان. ومع ان هذا الشخص ربما لم يلتمس المشورة اصلا، أيُعقل ان يراه الراعي المحب على حافة الخطر ويقف مكتوف اليدين؟ طبعا لا. وهو لن يستخف ايضا بالمسألة وكأن كل شيء على ما يرام، في حين يبدو واضحا ان قدم الشخص توشك ان تزل وقد يخسر بالتالي سلامه مع يهوه. — ار ٨:١١.
١٧ متى وكيف يولي الراعي احد الخراف اهتماما خصوصيا؟
١٧ اذا حدث ان أُغوي خروف غير حذر بالابتعاد عن القطيع، يهبّ الراعي اليقظ الى نجدته وإعادته الى بر الامان. (اقرأ ارميا ٥٠:٦، ٧.) بشكل مشابه، يضطر الشيخ احيانا الى التكلم بحزم ومحبة مع الذين يسيرون بأرجلهم نحو الخطر. فقد يلاحظ مثلا ان اخا وأختا مخطوبَين يمضيان الوقت معا دون مرافق في اماكن تسهّل عليهما الاستسلام لعواطفهما. فيسعى هذا الشيخ اللطيف والمتفهم الى مساعدتهما على تفادي اوضاع كهذه. وفي حين يحرص على عدم اتهامهما، فهو يلقي الضوء على حالات يُحتمل ان تؤدي الى مسلك يبغضه يهوه. فعلى غرار ارميا، يدين الشيوخ الامناء ما يدينه يهوه. وهكذا يقتدون بإلهنا الذي لم يكن قاسيا، بل ترجى شعبه من خلال نبيّه قائلا: «لا تفعلوا مثل هذه المكرهة التي ابغضها». (ار ٥:٧؛ ٢٥:٤، ٥؛ ٣٥:١٥؛ ٤٤:٤) فهل تقدّر حقا الاهتمام الذي يُظهره الرعاة المحبون لأفراد الجماعة؟
١٨ اية نتائج مشجعة تسفر عنها جهود الرعاة الروحيين؟
١٨ بالطبع، لم يصغِ الجميع الى مشورة ارميا. لكنّ البعض فعلوا ومنهم باروخ، رفيقه وكاتبه، الذي وجّه اليه النبي في وقت من الاوقات نصيحة قوية. (ار ٤٥:٥) وماذا كانت النتيجة؟ حاز باروخ رضى اللّٰه ونجا من دمار اورشليم. واليوم، يتشجع الشيوخ بالنتائج الايجابية التي تنجم عن مساعدتهم الرفقاء المؤمنين، ما يدفعهم الى ‹المثابرة على الوعظ والتعليم› المنقذَين للحياة. — ١ تي ٤:١٣، ١٦.
التأديب «باعتدال»
١٩، ٢٠ اية مسؤولية تُلقى على عاتق الشيوخ عند التعامل مع الخطاة؟
١٩ يلعب النظار ايضا دور القضاة في الجماعة. ففي بعض المناسبات، يعالجون قضايا اشخاص يمارسون الخطية عمدا محاولين مساعدتهم على التوبة. فيهوه حث الخطاة بلطف وصراحة ان يتركوا طرقهم الشريرة. (ار ٤:١٤) اما اذا لم يهجر المرء مسلكه الخاطئ، فعلى النظار ان يتخذوا اجراء لحماية الرعية من اي تأثير مفسد ربما يتسلل اليها. فالاسفار المقدسة توصي بطرد هذا الشخص من الجماعة. ويتوقع يهوه من الشيوخ الالتصاق بالعدل الالهي في حالات كهذه. وقد رسم الملك يوشيا الصالح مثالا رائعا في ذلك. فهو «دافع عن البائس والفقير في دعواهما»، متمثلا بمحبة اللّٰه للعدل. لذا استطاع يهوه ان يسأل بشأن ما فعله يوشيا: «أليست هذه معرفتي؟». وبما ان هذا الملك اجرى العدل والبر، فقد «كان له خير». أفلا يزداد شعورك بالامان عندما يسعى شيوخ جماعتك الى الاقتداء بمثال يوشيا؟ — ار ٢٢:١١، ١٥، ١٦.
٢٠ وكن على ثقة ان يهوه يؤدب الخطاة «باعتدال». (ار ٤٦:٢٨) لذا يعمل الشيوخ على نصح رفقائهم المؤمنين او حضّهم او توبيخهم وفقا للظروف والموقف الذي يعربون عنه. وربما يضطرون ايضا الى فصل خاطئ غير تائب. في هذه الحالة، لا يصلّون علنا من اجل هذا الشخص المستمر في فعل الخطإ، فلا جدوى من ذلك.a (ار ٧:٩، ١٦) غير انهم يتمثلون باللّٰه عندما يوضحون للمفصول كيف له ان يسترد رضى إلهه. (اقرأ ارميا ٣٣:٦-٨.) فرغم ان الفصل قد يكون اجراء مؤلما، نحن واثقون ان مقاييس اللّٰه بارة وعادلة ولخيرنا جميعا. — مرا ١:١٨.
٢١ كيف ينبغي ان تكون حالة رعية اللّٰه، وكيف تساهمون شخصيا في تحقيق ذلك؟
٢١ حين يلمّ رعاة الجماعة بالمقاييس الالهية الملهمة ويطبّقونها، تنعم الرعية بوفرة من الغذاء والصحة والحماية. (مز ٢٣:١-٦) وما تعلمناه من ارميا عن المواقف والدوافع، اللائقة وغير اللائقة على السواء، يفيد النظار المسيحيين فيما يتمّمون المسؤولية الثقيلة الموكلة اليهم ان يهتموا بخراف اللّٰه. لذا ليسأل كل منا نفسه: ‹هل اقدّر دوما الترتيب الذي وضعه يهوه لتعليم وقيادة وحماية شعبه، وذلك من خلال دعم الرعاة الذين «يرعون» الجماعة بحق ويزودونها «بالمعرفة والبصيرة»؟›. — ار ٣:١٥؛ ٢٣:٤.
اية حالات تتطلب من النظار التصرف بشجاعة؟ وماذا يتوقع يهوه من الشيوخ حين يقومون بدور القضاة؟
-
-
«أليست هذه معرفتي؟»رسالة من اللّٰه بفم ارميا
-
-
الفصل الثاني عشر
«أليست هذه معرفتي؟»
١، ٢ لماذا لم يكن من الحكمة ان يشرع يهوياقيم في بناء قصر له؟
شرع الملك يهوياقيم يبني بيتا فخما يُبهر البصر. غرفه فسيحة تتوزع أقلّه على طابقين، ونوافذه عريضة تعبر من خلالها اشعة دافئة ونسمات عليلة تنعش الملك وعائلته. اما جدرانه فكانت ستُغشّى بألواح الأرز الشذي من لبنان وتُدهن بالمغرة، طلاء مستورد يضفي على القصر من الداخل لمسة حمراء رائعة يطلبها اصحاب المقامات الرفيعة في الامم الاخرى. — ار ٢٢:١٣، ١٤.
٢ كان هذا المشروع باهظ التكاليف. ولم تستطع خزينة الدولة آنذاك تغطية نفقاته بعدما استنزفتها كما يبدو المستلزمات الدفاعية والجزية التي فرضتها مصر. (٢ مل ٢٣:٣٣-٣٥) الا ان يهوياقيم وجد حلّا لذلك. فقد قلّل من كلفة قصره الجديد بالامتناع عن اعطاء عمال البناء اجورهم. نعم، عاملهم يهوياقيم معاملة العبيد مستغلا عرقهم وكدحهم لمنفعته الشخصية.
٣ ما الفرق بين يهوياقيم وأبيه، ولماذا؟
٣ ادان اللّٰه يهوياقيم على انانيته من خلال النبي ارميا.a فذكّره ان اباه الملك يوشيا اظهر لطفا فائقا وسخاء جزيلا حيال الطبقة العاملة والفقراء، حتى انه دافع عنهم في دعاويهم امام القضاة. لذا سأل يهوه يهوياقيم لافتا انتباهه الى اعتناء يوشيا بالمساكين: «أليست هذه معرفتي؟». — اقرأ ارميا ٢٢:١٥، ١٦.
٤ لمَ من المهم ان نعرف يهوه؟
٤ مع تدهور الاحوال في عالم الشيطان، نحن بحاجة الى المساعدة والحماية اللتين يغدقهما يهوه على الذين يعرفونه معرفة وثيقة. وهذا يتطلب ان نقترب اليه اكثر من اي وقت مضى، ونعكس صفاته الرائعة كي ننجح في الكرازة بالبشارة. ولكن قد تتساءل: ‹كيف للمسيحي ان يعرف يهوه مثلما عرفه الملك يوشيا؟›.
ماذا يعني ان نعرف اللّٰه؟
٥، ٦ (أ) اي اثر يتركه الاب الصالح في اولاده؟ (ب) بالتباين مع يهوياقيم، كيف ينبغي ان تؤثّر فينا معرفة طرق يهوه؟
٥ فكّر كيف يمكن للاب الصالح ان يترك اثرا في صغاره. مثلا، حين يلاحظون انه يحسن الى المحتاجين، يُحتمل جدا ان يتصفوا هم انفسهم بالكرم والسخاء. ورؤيته يعامل امّهم بمحبة واحترام تعلّمهم على الارجح ان يراعوا مشاعر الجنس الآخر. وعندما يسمعون ان والدهم معروف بعدله وأمانته في المسائل المالية، يندفعون الى التحلي بالعدل والامانة في حياتهم. اذًا، كلما عرف الاولاد طرق ابيهم وصفاته، قويت رغبتهم وهم يكبرون في معاملة الغير على مثاله.
٦ على نحو مشابه، اذا اراد المسيحي ان يعرف يهوه مثل يوشيا، فلا يكفي ان يعترف بأنه المتسلط الكوني. فمن خلال قراءته الكتاب المقدس، يتعلم كيف يعامل اللّٰه الآخرين، ثم يسعى الى الاقتداء به. ويعمق ايضا شعوره بالمحبة تجاه ابيه السماوي ويصبح اكثر قدرة على التمثل بشخصيته. بالمقابل، ان مَن يتجاهل شرائع اللّٰه ومذكراته، رافضا بالتالي اي تأثير له في حياته، لن يتمكن من معرفته معرفة لصيقة. فهو يشبه يهوياقيم الذي رمى في النار الكلمة التي قالها يهوه بفم ارميا. — اقرأ ارميا ٣٦:٢١-٢٤.
تفاوتَ يهوياقيم ويوشيا في رد فعلهما حيال كلام اللّٰه
٧ لمَ يجب ان نعرف يهوه على غرار الملك يوشيا؟
٧ اذًا، لا غنى لنا عن معرفة يهوه حق المعرفة اذا اردنا ان ننجح في الخدمة المقدسة وننعم بالحياة في العالم الجديد. (ار ٩:٢٤) فلنتفحص الآن بعضا من صفاته التي كشف عنها ارميا في كتاباته. وفيما تتأمل فيها، فكّر كيف لك شخصيا ان تعرف اللّٰه وتقتدي به على غرار الملك يوشيا.
لمَ نقول ان الملك يوشيا عرف يهوه عن كثب؟ وماذا يعني ان نعرف يهوه مثله؟
«لطفه الحبي الى الدهر!»
٨ ما هو اللطف الحبي؟
٨ ان صفة اللطف الحبي، او محبة الولاء، التي يتحلى بها اللّٰه غنية جدا بالمعاني حتى ان لغات كثيرة تفتقر الى كلمة واحدة توفيها حقها. فبحسب احد قواميس الكتاب المقدس، تجمع الكلمة العبرانية المستعملة بين القوة والثبات والمحبة. ويضيف هذا المرجع قائلا: «ان اي توضيح لهذه العبارة لا يغطي الصفات الثلاث مجتمعة يخسر شيئا من ثقله وغناه». وعليه، فإن الذي يُظهر اللطف الحبي ليس مجرد انسان لطيف. فهو يهتم بالآخرين اهتماما عميقا، باذلا قصارى جهده في مساعدتهم على اشباع حاجاتهم ولا سيما الروحية منها. ودافعه الرئيسي الى التصرف بهذه الطريقة غير الانانية هو رغبته في ارضاء اللّٰه القادر على كل شيء.
٩ ماذا برهنت تعاملات يهوه مع الاسرائيليين؟
٩ وكي نلمّ بكل معاني عبارة «اللطف الحبي» الواردة في الكتاب المقدس، ما علينا سوى تفحص تعاملات يهوه مع عباده الحقيقيين على مرّ العصور. فهو حمى وأطعم الاسرائيليين خلال تيهانهم في البرية ٤٠ سنة. وفي ارض الموعد، اقام لهم قضاة لإنقاذهم من اعدائهم وردّهم الى العبادة الحقة. وبما انه بقي الى جانب امّته في السراء والضراء طوال كل تلك القرون، قال لها: «محبة الى الدهر احببتكِ. لذلك جذبتكِ باللطف الحبي». — ار ٣١:٣.b
١٠ كيف يُظهر يهوه اللطف الحبي في مسألة الصلاة، كما يتضح مما حدث مع اليهود في بابل؟
١٠ واليوم، لا يزال اللّٰه يبسط لطفه الحبي بطرائق تفيد عباده. تأمل في مسألة الصلاة. فيهوه يصغي الى جميع الصلوات المخلصة، غير انه يولي صلوات خدامه المنتذرين انتباها خصوصيا. حتى لو بقينا نتضرع اليه سنة تلو الاخرى بشأن المشاكل عينها، لا ينفد صبره ولا يتعب من الاستماع الينا. فذات مرة، بعث من خلال ارميا رسالة الى مجموعة من اليهود الاسرى في بابل الذين كانوا يبعدون اكثر من ٨٠٠ كيلومتر عن الهيكل وعن عائلاتهم وأصدقائهم في يهوذا. فهذه المسافة الطويلة التي فصلتهم عن الهيكل لم تحل دون سماعه التماسات الرضى وتعابير التسبيح التي تفوّهوا بها. فكّر كم تشجعوا حين نقل اليهم النبي الكلمات المدونة في ارميا ٢٩:١٠-١٢. (اقرأها.) وهذه الكلمات تشجعك انت ايضا حين ترفع صلوات حارة الى اللّٰه.
١١، ١٢ (أ) ماذا خبأ يهوه لسكان اورشليم؟ (ب) اية مساعدة متاحة للشخص الذي نال التأديب؟
١١ ان نظرة يهوه الايجابية الى المستقبل دليل آخر على لطفه الحبي. تأمل في هذه الفكرة: اي مستقبل كان ينتظر سكان اورشليم مع اقتراب دمارها واستمرارهم في التمرد الذي كان في الواقع تمردا على اللّٰه؟ ربما الموت جوعا او قتلا بسيف محارب بابلي، او في احسن الاحوال السبي فترة طويلة في ارض غريبة الى ان يدركهم الموت. غير ان يهوه خبأ ‹كلمة صالحة› تمنح الامل للذين تابوا وغيّروا حياتهم. فقد وعد ان ‹يفتقدهم›، اي ان يردّهم من بابل البعيدة «الى هذا المكان»، الى موطنهم. (ار ٢٧:٢٢) وعندئذ كانوا سيهتفون: «احمدوا يهوه الجنود؛ لأن يهوه صالح، لأن لطفه الحبي الى الدهر!». — ار ٣٣:١٠، ١١.
١٢ ولطف يهوه الحبي هذا يزود التشجيع اليوم لمَن يمرّون بظروف أليمة من وجهة نظر بشرية، مثل الذين كانوا جزءا من الجماعة المسيحية لكنهم نالوا التأديب اللازم. فقد ينتابهم احساس قوي بالذنب ويشعرون بالتردد في معاشرة شعب اللّٰه من جديد. وربما يتساءلون إن كان يهوه سيغفر لهم ذات يوم ويرحب بهم ثانية في كنف الجماعة. الا ان لدى اللّٰه الكلي القدرة ‹كلمة صالحة› لكل هؤلاء: في وسعهم نيل المساعدة لصنع التغييرات الضرورية في تفكيرهم وتصرفاتهم. وما قرأناه في الفقرة السابقة يمكن من حيث المبدأ ان ينطبق عليهم. فيهوه ‹سيردّهم الى مكانهم› بين صفوف شعبه السعيد. — ار ٣١:١٨-٢٠.
١٣ كيف يشجعنا الدعم الذي ناله ارميا من يهوه؟
١٣ بما ان يهوه وافر اللطف الحبي، فهو يدعم ايضا خدامه الامناء بولاء. ففي هذه الايام الاخيرة من عالم الشيطان، نحن واثقون انه سيسند ويحمي كل الذين يطلبون ملكوته اولا. تذكّر ان ارميا اتكل عليه من اجل نيل الطعام والحماية خلال ايام اورشليم الاخيرة. وهو لم يخذله ولا مرة واحدة. (ار ١٥:١٥؛ اقرإ المراثي ٣:٥٥-٥٧.) فإذا كنت تتعرض لضغط شديد ايًّا كان نوعه، فتأكد ان يهوه لا ينسى اعمالك الولية. فلطفه الحبي يدفعه الى مدّك بالقوة والمساعدة كي تحتمل محنتك او تتخطاها. — قارن المراثي ٣:٢٢.
اي وجه من لطف يهوه الحبي يقرّبكم اليه اكثر؟ ولمَ تشعرون على هذا النحو؟
«حيّ هو يهوه في . . . العدل»
١٤ اية مظالم ترونها في الآونة الاخيرة؟
١٤ يضيّع البعض سنوات من عمرهم في السجن عقابا على جرائم لم يرتكبوها. وتثبُت براءة آخرين بعد ان يُنفَّذ فيهم حكم الاعدام. وفي بعض البلدان، يضطر الوالدون البؤساء الى بيع اولادهم عبيدا من اجل تأمين لقمة خبز للعائلة. فكيف تشعر حين تسمع بهذه المظالم؟ وما هو برأيك شعور يهوه؟ يذكر الكتاب المقدس بوضوح ان يهوه يريد محو كل اسباب الالم. وما من احد غيره قادر على ذلك. فكم تعزّي هذه الحقيقة الفقراء والابرياء! فإله العدل يتخذ خطوات لفكّ ضيقهم وإراحتهم من عذابهم. — ار ٢٣:٥، ٦.
١٥، ١٦ (أ) اية حقيقة عن يهوه ابرزها ارميا؟ (ب) لمَ يمكننا الوثوق بقوانين اللّٰه ووعوده؟
١٥ في ايام ارميا، ادرك البعض صفة العدل السامية في شخصية اللّٰه. فقد ذكر النبي مثلا انه اذا تاب الاسرائيليون عن خطاياهم، فسيقولون تأكيدا على تغيير حالتهم القلبية: «حيّ هو يهوه في الحق والعدل والبر!». (ار ٤:١، ٢) وهذه الكلمات صحيحة كل الصحة لأن لا مكان للظلم في قصد يهوه. ولكن هناك ادلة اخرى تبرهن ان إلهنا يحب العدل.
١٦ فيهوه دون ريب صادق ويفي بكلامه، بعكس اناس كثيرين يخلفون بوعودهم. حتى قوانين الطبيعة التي سنّها لفائدتنا نحن البشر لا تبطل ولا تتغير. (ار ٣١:٣٥، ٣٦) اضف الى ذلك ان بإمكاننا الاعتماد على وعوده وقراراته القضائية لأنها دوما لخيرنا. — اقرإ المراثي ٣:٣٧، ٣٨.
١٧ (أ) ماذا يفعل يهوه عند القضاء؟ (ب) لمَ يمكننا الوثوق بطريقة الشيوخ في معالجة قضايا الجماعة؟ (انظر الاطار «يقضون ليهوه» في الصفحة ١٤٨.)
١٧ وتتجلى صفة العدل الالهية عند القضاء. فيهوه يتجاوز ما يظهر للعيان وينفذ الى الباطن ليحيط بالحقائق كاملة. وباستطاعته ايضا تمييز الدوافع. فإذا كان الاطباء اليوم قادرين على استعمال تقنيات ومعدات متخصصة لمعاينة قلب المريض وتقييم حالته، او للتحقق من عمل الكلى التي تنقي الدم، فكم بالاحرى يهوه قادر ان يسبر غور الانسان! فهو يتفحص قلبه وكليتيه المجازية، اي دوافعه وعواطفه الاعمق. وهكذا يعرف ماذا دعاه الى التصرف بطريقة معيّنة وما هو شعوره حيال تصرفاته. كما ان اللّٰه القادر على كل شيء لا تُربكه كثرة التفاصيل التي يسفر عنها فحصه الدقيق. فبما انه يفوق اكثر القضاة البشر بصيرة وحكمة، يستعمل كل المعلومات بطريقة صائبة ومتزنة قبل اصدار حكمه على المرء. — اقرأ ارميا ١٢:١أ؛ ٢٠:١٢.
١٨، ١٩ كيف تؤثّر فينا معرفة صفة العدل الالهية؟
١٨ بناء على ذلك، لديك اساس راسخ للثقة بيهوه حتى لو وخزك ضميرك احيانا نتيجة اخطاء اقترفتها في السابق. لا يغب عن بالك ابدا ان يهوه ليس مدّعيا عامّا يبحث بعزم وإصرار عن سبب لمعاقبتك، بل هو قاضٍ متعاطف يرغب في الوقوف الى جانبك. فإذا كنت تشعر بالانزعاج من ماضيك او بسبب اساءة ارتكبها احد ما في حقك، فألقِ على يهوه «خصومات» نفسك، اي صراعاتك العاطفية، لتتمكن من طرح المسألة وراء ظهرك.c وهو سيساعدك ان تدرك كم يقدّر مداومتك على الخدمة المقدسة. — اقرإ المراثي ٣:٥٨، ٥٩.
١٩ طبعا، يرغب إله العدل الكامل ان يتحلى الذين يطلبون رضاه بهذه الصفة. (ار ٧:٥-٧؛ ٢٢:٣) وإحدى الوسائل المهمة التي تعرب من خلالها عن العدل الالهي هي الكرازة بالبشارة دون تحامل. كذلك عندما تحرص على عقد الزيارات المكررة والدروس البيتية، تعكس بطريقة مفيدة مقياس العدل السامي الذي يتبناه اللّٰه. فهو يشاء ان يتعلم عنه شتى الناس وينالوا الخلاص. (مرا ٣:٢٥، ٢٦) فيا له من امتياز رائع ان تعمل مع يهوه وتعكس عدله فيما تقوم بهذا العمل المنقذ للحياة!
كيف يُدخل عدل يهوه الراحة الى قلوبنا؟ وكيف عسانا نساعد الآخرين حين نقتدي بعدله؟
«لن احفظ الغضب الى الدهر»
٢٠ (أ) اية فكرة ابرزها ارميا بخصوص تعامل اللّٰه مع شعبه؟ (ب) ما العلاقة بين غفران يهوه وشعوره ‹بالاسف›؟ (انظر الاطار «بأي معنى ‹يتأسف› يهوه؟».)
٢٠ يرى كثيرون ان سفرَي ارميا والمراثي لا يحويان سوى احكام تدين الشرور والمظالم. غير ان هذه النظرة تتجاهل ما يرد فيهما من دعوات مشجعة الى نيل الغفران وجّهها يهوه الى شعبه. فقد حثهم: «ارجعوا كل واحد عن طريقه الرديء، وأصلحوا طرقكم وأعمالكم». وحضّهم ارميا في مناسبة اخرى: «اصلحوا طرقكم وأعمالكم، وأطيعوا قول يهوه إلهكم، فيتأسف يهوه على البلية التي تكلم بها عليكم». (ار ١٨:١١؛ ٢٦:١٣) ولا يزال يهوه مستمرا في مسامحة كل الذين يندمون بصدق على افعالهم ويتوقفون عن ممارساتهم الخاطئة.
٢١ إلامَ يسعى يهوه حين يسامح الخاطئ؟
٢١ لكنّ يهوه لا يكتفي بالحديث عن الغفران بل يدعم كلامه بالافعال. فقد استخدم ارميا ليحضّ شعبه قائلا: «ارجعي ايتها المرتدة اسرائيل . . . لن احوّل وجهي ضدكم . . . لن احفظ الغضب الى الدهر». (ار ٣:١٢) فيهوه لا يلازمه اي شعور بالغضب او المرارة تجاه الشخص الذي نال منه السماح. على العكس، انه يرغب في اصلاح العلاقة المتضررة رغم ارتكاب الخطإ. فمتى تاب الخاطئ توبة حقيقية والتمس الغفران، ‹يُرجعه› يهوه اليه ويمنحه رضاه وبركته. (ار ١٥:١٩) وينبغي لهذه الحقيقة المطمئنة ان تحفز كل البعيدين الآن عن الاله الحقيقي على الرجوع اليه. أفلا توافق ان غفران يهوه يقرّبنا منه اكثر؟ — اقرإ المراثي ٥:٢١.
٢٢، ٢٣ ماذا ينبغي ان يكون هدفنا حين نقتدي بيهوه في مسألة الغفران؟
٢٢ هل تقتدي بيهوه اذا ضايقك احد بكلام فظ او تصرف طائش؟ حين اخطأ اليهود قديما الى اللّٰه، قال انه ‹سيطهّر› الذين صفح عن معاصيهم. (اقرأ ارميا ٣٣:٨.) وهو يطهّرهم بمعنى انه يطوي صفحة الماضي مانحا التائبين بداية جديدة في خدمته. طبعا، لا يعني نيل غفران اللّٰه ان المرء يتطهّر من النقص الموروث ويصير بالتالي كاملا بلا خطية. لكننا نتعلم درسا مما قاله اللّٰه عن تطهير البشر: لنسعَ الى التغاضي عن الخطإ او الاساءة التي ارتكبها شخص بحقنا، ما يعني مجازيا ان نطهّر صورته في قلبنا. فكيف ذلك؟
٢٣ لنفرض ان احدا اهدى اليك تحفة نفيسة. فهل تسارع الى رميها اذا اتسخت او تلطخت بالبقع؟ على الارجح لا. فأغلب الظن انك ستنكبّ على تنظيفها من الاوساخ محاولا ازالة البقع ايضا. فأنت تريد استرجاع جمالها وروعتها. تطبيقا لهذا المثل، ابذل جهدك في التخلص من اي ضغينة او انزعاج تشعر به حيال الذي اساء اليك. حارب الميل الى التفكير مطولا في الكلمات او التصرفات المؤلمة. وفيما تنجح في نسيانها، تُطهّر صورة الشخص في قلبك وما لك معه من ذكريات. وحين يصبح قلبك نظيفا من الافكار السلبية تجاهه، لن تتردد في احياء صداقتكما الحميمة التي بدا انها ضاعت الى الابد.
٢٤، ٢٥ اية فوائد نجنيها حين نعرف يهوه مثل الملك يوشيا؟
٢٤ لقد تفحصنا بعضا من صفات يهوه وتعاملاته التي نتعلم عنها حين نعرفه معرفة لصيقة. والفوائد التي نجنيها شخصيا من معرفته عن كثب، مثل الملك يوشيا، تمنحنا دافعا قويا الى عبادته بطريقة ترضيه. فنحن مثلا سنعيش حياة تزيّنها السعادة التي هي وجه آخر من شخصيته.
٢٥ وتغني هذه المعرفة ايضا علاقاتنا بالآخرين. فعندما نعمل على اظهار اللطف الحبي والعدل والغفران اسوة بيهوه، تترسخ صداقاتنا بالاخوة في الجماعة ويعمق تقديرنا لها. هذا وإننا سنلمس تحسّنا في مقدراتنا التعليمية فيما نعود لزيارة المهتمين ونعقد دروسا تقدمية في الكتاب المقدس. وسيشعر المهتمون ان نمط حياتنا المسيحي هو افضل طريق للحياة. وهكذا، نصبح مجهزين اكثر لمساعدتهم على عبادة يهوه بطريقة مقبولة، اي السير في «الطريق الصالح». — ار ٦:١٦.
اية رسالة تحملها الينا المراثي ٥:٢١؟
b ينقل الكتاب المقدس الانكليزي الجديد كلمات يهوه هذه الى: «احببتكِ كثيرا منذ القدم، وأنا باقٍ على اهتمامي بكِ».
c اذا انهمك اخ او اخت في مسلك ينتهك انتهاكا فاضحا شرائع اللّٰه، ينبغي اعلام شيوخ الجماعة بالامر كي يعالجوا المسألة ويزودوا المساعدة المؤسسة على الاسفار المقدسة. — يع ٥:١٣-١٥.
-
-
«قد فعل يهوه ما قصد»رسالة من اللّٰه بفم ارميا
-
-
الفصل الثالث عشر
«قد فعل يهوه ما قصد»
١ ماذا قال ارميا عن نبوات يهوه بعدما تمّ دمار اورشليم؟
نزل الدمار بأورشليم. فنيران البابليين التهمت ابنيتها وبيوتها. وترددت في ارجائها اصداء صرخات الذين ماتوا ذبحا بالسيف. كان ارميا على علم بمصيرها هذا، فقد توالت الاحداث تماما كما سبق وأنبأ اللّٰه. لذا تنهد قائلا: «قد فعل يهوه ما قصد». حقا، كان سقوط اورشليم فاجعة من الفواجع. — اقرإ المراثي ٢:١٧.
٢ اية نبوة قيلت قبل قرون شهد ارميا اتمامها؟
٢ شهد ارميا اتمام نبوات كثيرة نُقلت الى شعب اللّٰه، منها نبوة قديمة قيلت بفم موسى. فقبل قرون خلت، بيّن موسى للاسرائيليين ان اطاعة اللّٰه تجلب «البركة» وعصيانه «اللعنة». غير ان يهوه اراد الافضل لهم، ان ينعموا بالبركات. اما اذا اختاروا عصيانه، فكانت ستحلّ بهم لعنات فظيعة. فقد حذّرهم موسى ان الذين يتجاهلون يهوه ويقاومونه سوف «يأكلون لحم بنيهم ولحم بناتهم»، كلمات كررها ارميا لاحقا. (تث ٣٠:١٩، ٢٠؛ ار ١٩:٩؛ لا ٢٦:٢٩) ولكن لربما تساءل بعض الاسرائيليين: ‹أيُعقل ان يحدث هذا الامر البشع؟›. في الواقع، تحققت هذه النبوة خلال الحصار البابلي حين راح الناس يتلوّون من الجوع. ذكر ارميا: «ايدي النساء الحنائن طبخت اولادهن. صاروا خبز تعزية حين انهارت بنت شعبي». (مرا ٤:١٠) فيا لها من مأساة مريعة!
٣ لمَ اوفد اللّٰه انبياء الى شعبه؟
٣ طبعا، لم يقصد يهوه بتفويض انبياء مثل ارميا مجرد التحذير من دينونة مقبلة. فهو اراد ان يتبع شعبه مسلك الامانة من جديد، اي ان يتوب الخطاة عن معاصيهم. اوضح عزرا هذه الفكرة قائلا: «مرة بعد اخرى، ارسل اليهم يهوه إله آبائهم عن يد رسله لأنه ترأف على شعبه وعلى مسكنه». — ٢ اخ ٣٦:١٥؛ اقرأ ارميا ٢٦:٣، ١٢، ١٣.
٤ كيف شعر ارميا حيال الرسالة التي نقلها؟
٤ على غرار يهوه، احسّ ارميا بالرأفة تجاه ابناء بلده. ويتضح ذلك مما قاله قبل سقوط اورشليم. فهذه الكارثة الوشيكة اوقعت الجزع والاضطراب في قلبه. فلو اصغى الشعب الى رسالته وأطاعوها، لوفّروا على انفسهم هذه المصيبة. تخيّل اية مشاعر ساورته فيما اخذ ينقل رسالة اللّٰه. هتف قائلا: «وا احشائي، وا احشائي! توجعني جدران قلبي جدا. يجيش قلبي فيّ. لا استطيع السكوت؛ لأن نفسي قد سمعت صوت القرن، نفير الحرب». (ار ٤:١٩) فإرميا لم يستطع ان يلزم الصمت فيما البلية تلوح في الافق.
لمَ كان ارميا راسخ الثقة بالنبوات؟
٥ لمَ كان ارميا متأكدا من الرسالة التي كرز بها؟
٥ ماذا جعل ارميا متأكدا من تحقق كلماته النبوية؟ (ار ١:١٧؛ ٧:٣٠؛ ٩:٢٢) يُعزى السبب الى ايمانه القوي ودرسه الاسفار المقدسة التي عرف منها ان يهوه هو إله النبوات الصادقة. فالتاريخ يشهد لقدرته على الإنباء بأحداث بدت مستحيلة من وجهة نظر بشرية، مثل تحرير الاسرائيليين من العبودية في مصر. فقد كان ارميا مطّلعا على الرواية في سفر الخروج وكذلك على كلام يشوع، احد شهود العيان، الذي ذكر لرفقائه الاسرائيليين: «انتم تعلمون بكل قلوبكم وبكل نفوسكم انه لم تسقط كلمة واحدة من جميع الكلام الصالح الذي كلّمكم به يهوه إلهكم. الكل تمّ لكم. لم تسقط منه كلمة واحدة». — يش ٢٣:١٤.
٦، ٧ (أ) لمَ ينبغي ان نهتم بنبوات ارميا؟ (ب) ماذا يساعدنا ان نثق بالرسالة التي ننادي بها؟
٦ فلمَ ينبغي ان تولي نبوات ارميا اهتمامك؟ لأسباب عدة. اولا، وثق النبي بمصداقية كلام يهوه ثقة مبنية على اساس راسخ. ثانيا، اوحى اليه اللّٰه بنبوات تتم في ايامنا، فيما ستتحقق اخرى في وقت لاحق. وثالثا، كان ارميا نبيا مميزا بدليل انه تفوّه بعدد كبير من الاعلانات الالهية، مناديا بها بحماسة متقدة. يذكر احد العلماء: «اذا قارنّا ارميا بسائر الانبياء، نجده في منزلة لا تُضاهى». فقد ادى هذا النبي دورا بارزا في تعاملات اللّٰه مع شعبه بحيث ان بعض الذين سمعوا يسوع وهو يتكلم ظنوه النبي ارميا. — مت ١٦:١٣، ١٤.
٧ انت تعيش مثل ارميا في ازمنة تشهد تحقق نبوات هامة في الكتاب المقدس. لذا عليك، اسوة به، ان تظل متأكدا من صدق وعود اللّٰه. (٢ بط ٣:٩-١٤) فكيف تبلغ هذا الهدف؟ بالمواظبة على بناء ثقتك بالمصداقية التامة لكلمة اللّٰه النبوية. لذلك سنراجع في هذا الفصل نبوات نقلها ارميا ورأى اتمامها، نبوات تمّت في وقت لاحق، وأخرى تمسّك مباشرة الآن وتؤثّر في مستقبلك. فاستفد من هذه المناقشة وعزّز ثقتك بكلام يهوه النبوي كي يقوى اقتناعك بأنه ‹سيفعل ما قصد›. — مرا ٢:١٧.
لمَ ارسل اللّٰه انبياء الى شعبه؟ ولمَ نحن متأكدون من صحة النبوات عن الدمار الوشيك؟
نبوات ذكرها ارميا ورأى اتمامها
٨، ٩ ما هي احدى مزايا الكتاب المقدس؟
٨ يحاول عديدون استطلاع خفايا المستقبل، امثال علماء الاقتصاد، السياسيين، العرّافين، والخبراء في الارصاد الجوية. ولا شك انك تدرك كم هو صعب التنبؤ بدقة بما قد يحدث بعد ايام او اسابيع قليلة. الا ان النبوات الدقيقة سمة بارزة تميّز الكتاب المقدس. (اش ٤١:٢٦؛ ٤٢:٩) فكل نبوات ارميا لم تخفق البتة، سواء تحدثت عن المستقبل القريب او البعيد. والكثير منها تناول مصير افراد وشعوب. فلنستعرض اولا بضع نبوات حصلت خلال حياة هذا النبي.
٩ مَن في وسعه اليوم ان يعرف مشهد العالم بعد سنة او اثنتين؟ على سبيل المثال، أيستطيع اي محلِّل في الشؤون الدولية ان يتكهن بدقة عن حدوث تشكيلات جديدة في انظمة الحكم الحالية؟ على الارجح لا. اما ارميا فأنبأ بوحي إلهي عن توسّع دائرة نفوذ بابل. فهذه الدولة، حسبما ذكر، كانت «كأس ذهب» سيسكب يهوه بواسطتها سخطه على يهوذا والكثير من المدن والشعوب المجاورة، اذ انها كانت ستُخضعهم لعبوديتها. (ار ٥١:٧) وهذا ما رآه ارميا ومعاصروه يتمّ بحذافيره. — قارن ارميا ٢٥:١٥-٢٩؛ ٢٧:٣-٦؛ ٤٦:١٣.
١٠ ماذا انبأ يهوه بشأن اربعة من ملوك يهوذا؟
١٠ اخبر يهوه بفم ارميا ايضا عن مصير اربعة من ملوك يهوذا. فأنبأ ان يهوآحاز، او شلوم، احد ابناء الملك يوشيا، سيؤخذ الى السبي ولن يعود ابدا الى يهوذا. (ار ٢٢:١١، ١٢) وقد تمّ ذلك. (٢ مل ٢٣:٣١-٣٤) وأعلن ان يهوياقيم، خليفة يهوآحاز، ‹سيُدفن دفن حمار›. (ار ٢٢:١٨، ١٩؛ ٣٦:٣٠) ومع ان الكتاب المقدس لا يحدد كيف مات يهوياقيم او ماذا حلّ بجثته، فهو يُظهر ان ابنه يهوياكين تولى الحكم من بعده خلال الحصار. كما ذكر ارميا ان يهوياكين (المعروف ايضا بالاسمين كُنيا ويكُنيا) سيُسبى الى بابل ويموت هناك. (ار ٢٢:٢٤-٢٧؛ ٢٤:١) وهذا ما حدث بالضبط. وماذا عن الملك الاخير صدقيا؟ انبأ النبي انه سيُسلم الى يد اعدائه الذين لن يترأفوا به. (ار ٢١:١-١٠) فهل صحّت هذه الكلمات؟ بعدما قبض الاعداء على صدقيا، ذبحوا بنيه على مرأى منه، اعموا عينيه، وأخذوه الى بابل حيث مات. (ار ٥٢:٨-١١) نعم، كل هذه النبوات حصلت بالتمام والكمال.
١١ مَن كان حننيا، وماذا انبأ يهوه بخصوصه؟
١١ ونقرأ في الاصحاح الـ ٢٨ من سفر ارميا انه خلال حكم صدقيا، نقض النبي الدجال حننيا اعلان يهوه بفم ارميا المتعلق بهيمنة البابليين على اورشليم. فقد زعم، متجاهلا كلام اللّٰه، ان نير العبودية الذي فرضه نبوخذنصر على يهوذا والامم الاخرى سينكسر. ولكن بإرشاد من يهوه، كشف ارميا كذب حننيا، اكد ان امما كثيرة ستخدم البابليين، وأعلم النبي الدجال بموته في غضون سنة. وهكذا حصل. — اقرأ ارميا ٢٨:١٠-١٧.
١٢ ماذا كان رد فعل غالبية معاصري ارميا حيال نبوته الرئيسية؟
١٢ اما النبوة الرئيسية التي نادى بها ارميا فتناولت دمار اورشليم. فمرة بعد اخرى، حذّر النبي من سقوط المدينة ما لم يُقلع اليهود عن الصنمية والظلم والعنف. (ار ٤:١؛ ١٦:١٨؛ ١٩:٣-٥، ١٥) لكنّ كثيرين من معاصريه رأوا ان اهلاك المدينة هو من رابع المستحيلات. فالهيكل كان موجودا على ارضها. فهل يُعقل ان يسمح يهوه بتدمير هذا المكان المقدس؟ غير انك تعرف ان يهوه لا يكذب. فقد فعل تماما ما قصد. — ار ٥٢:١٢-١٤.
ايها الوالدون، استخدموا مثال الركابيين وعبد ملك وباروخ في بناء ايمان اولادكم
١٣ (أ) لمَ ايامنا شبيهة بأيام ارميا؟ (ب) لمَ ينبغي ان تهمنا الوعود التي قطعها اللّٰه للبعض زمن ارميا؟
١٣ ان شعب اللّٰه اليوم في وضع شبيه بوضع اوليائه ايام ارميا. فنحن نعرف ان يهوه سيُنزل البلية عما قريب بكل مَن يرفضون الاصغاء الى تحذيراته. مع ذلك، يمكننا ان نتشجع بوعوده النبوية، على غرار اليهود الذين التصقوا بالعبادة النقية زمن ارميا. فالركابيون مثلا ظلوا امناء ليهوه ولوصايا سلفهم، فنالوا وعدا بالنجاة من دمار اورشليم. وقد نجوا بالفعل. وربما يشهد على ذلك ورود الاسم «ملْكيا بن ركاب» في وقت لاحق، رجل ساعد في ترميم اورشليم ايام الوالي نحميا. (نح ٣:١٤؛ ار ٣٥:١٨، ١٩) ومثال آخر هو عبد ملك الذي اكد له يهوه خلاصه من الدمار لأنه اتكل عليه ودعم ارميا. (ار ٣٨:١١-١٣؛ ٣٩:١٥-١٨) ولا ننسَ باروخ، رفيق النبي، الذي وعده اللّٰه ان ‹يعطيه نفسه غنيمة›. (ار ٤٥:١، ٥) فأي استنتاج تتوصل اليه بعدما رأيت تحقق هذه النبوات؟ كيف سيتعامل معك يهوه اذا بقيت امينا له؟ — اقرأ ٢ بطرس ٢:٩.
كيف اثّرت مصداقية نبوات اللّٰه في عبد ملك، باروخ، والركابيين؟ وما هو شعوركم تجاه هذه النبوات؟
نبوات تمّت في وقت لاحق
١٤ لمَ نبوة اللّٰه عن بابل جديرة بالملاحظة؟
١٤ انبأ اللّٰه ان نبوخذنصر لن يجتاح يهوذا فحسب بل مصر ايضا. (ار ٢٥:١٧-١٩) الا ان هذه الفكرة بدت مستبعدة جدا. فمصر آنذاك تمتعت بالقوة والنفوذ، حتى انها كانت تُحكم قبضتها على يهوذا. (٢ مل ٢٣:٢٩-٣٥) ولكن اليك ما حدث. بعد سقوط اورشليم، خططت بقية من اليهود لمغادرة ارض يهوذا بحثا عن الامن والسلام في مصر. فنبّههم يهوه من ذلك ووعد بمباركتهم إن بقوا في ارضهم، اما اذا تجاهلوا قوله وهربوا الى هناك، فكان سيدركهم سيف البابليين الذي يخافونه. (ار ٤٢:١٠-١٦؛ ٤٤:٣٠) وفي حين لم يذكر ارميا في كتاباته انه رأى غزو البابليين لمصر، فالامر المؤكد هو ان اللاجئين الاسرائيليين تفاجأوا بإتمام نبوات يهوه حين قهرت بابل مصر في اوائل القرن السادس قبل الميلاد. — ار ٤٣:٨-١٣.
١٥، ١٦ كيف تحققت نبوة اللّٰه عن تحرير شعبه من البابليين؟
١٥ تحدث ارميا كذلك عن نهاية بابل نفسها، مخبرا بدقة عن سقوطها المفاجئ قبل حوالي مئة سنة. فأنبأ ‹بجفاف› المياه التي كانت تزودها بالحماية وبأن جبابرتها لن يقاتلوا دفاعا عنها. (ار ٥٠:٣٨؛ ٥١:٣٠) وتحققت هاتان النبوتان بالتفصيل حين حوّل الماديون والفرس مياه نهر الفرات، عبروا قاع النهر، ثم دخلوا المدينة وأخذوا البابليين على حين غرة. كما تفوّه ارميا بنبوة مهمة اخرى قائلا ان هذه المدينة الجبارة ستصبح خربة ولن تُعمر ابدا. (ار ٥٠:٣٩؛ ٥١:٢٦) وفي الواقع، تؤكد بابل المهجورة حتى هذا اليوم ان النبوات الالهية دقيقة كل الدقة.
١٦ اعلن يهوه ايضا على لسان ارميا ان شعبه كانوا سيخدمون البابليين ٧٠ سنة، ثم يردّهم الى ارضهم. (اقرأ ارميا ٢٥:٨-١١؛ ٢٩:١٠.) وقد وثق دانيال ثقة تامة بهذه النبوة واستخدمها ليحدد متى ينتهي «خراب اورشليم». (دا ٩:٢) وكيف تحققت نبوة الرد هذه؟ ذكر عزرا: «لكي تتم كلمة يهوه بفم ارميا، نبّه يهوه روح كورش ملك فارس»، الذي اوقع الهزيمة ببابل، كي يُرجع اليهود الى موطنهم. (عز ١:١-٤) وهناك، كان العائدون سيفرحون وينعمون بالسلام ويردّون العبادة النقية كما سبق فأنبأ ارميا. — ار ٣٠:٨-١٠؛ ٣١:٣، ١١، ١٢؛ ٣٢:٣٧.
١٧ اوضحوا كيف ان كلمات ارميا عن ‹البكاء› في الرامة ربما تشير الى مناسبتين مختلفتين.
١٧ اضف الى ذلك ان ارميا دوّن نبوات حدثت في المستقبل البعيد. ذكر: «هكذا قال يهوه: ‹صوت يُسمع في الرامة، ندب وبكاء مرّ؛ راحيل تبكي على ابنائها. قد ابت ان تتعزى عن ابنائها، لأنهم ليسوا بموجودين›». (ار ٣١:١٥) بعد دمار اورشليم سنة ٦٠٧ قم، يبدو ان الاسرى اليهود تجمّعوا في مدينة الرامة الواقعة على بعد نحو ٨ كيلومترات شمال اورشليم، ولعلّ بعضهم قُتلوا هناك. لذا يُحتمل ان هذه الاحداث تمّمت النبوة اتماما اوليا، وكأن راحيل اخذت تبكي على خسارة «ابنائها». ولكن بعد اكثر من ستة قرون، قتل الملك هيرودس الصبيان في بيت لحم. وأوضح متى في انجيله ان كلمات ارميا انبأت عن مشاعر الالم والمرارة جراء هذه المجزرة. — مت ٢:١٦-١٨.
اين هم الادوميون اليوم؟
١٨ كيف تمّت نبوة اللّٰه عن أدوم؟
١٨ ثمة نبوة اخرى ايضا تمّت في القرن الاول للميلاد. فقد تنبأ اللّٰه بواسطة ارميا ان أدوم كانت احدى الامم التي ستشرب كأس الغزو البابلي. (ار ٢٥:١٥-١٧، ٢١؛ ٢٧:١-٧) غير ان النبوة لم تتوقف عند هذا الحد. فأدوم كانت ستصبح مثل سدوم وعمورة، اي ستُهجر الى الابد وتُمحى من الوجود. (ار ٤٩:٧-١٠، ١٧، ١٨) وهذا ما حصل بالضبط. ابحث اليوم عن الكلمتين «أدوم» و «الادوميون»، فهل تجدهما في الخرائط الحديثة؟ كلا، فليس لهما ذكر الا في الكتب التي تتمحور حول الكتاب المقدس والتاريخ القديم، او في الخرائط التي تصوّر تلك الحقبات. فالمؤرخ فلاڤيوس يوسيفوس يروي ان الادوميين أُجبروا على اعتناق الديانة اليهودية في القرن الثاني قبل الميلاد. ومع دمار اورشليم سنة ٧٠ بم، اختفوا كأمة لها كيان قومي.
١٩ ماذا يكشف سفر ارميا عن قدرة اللّٰه على اتمام النبوات؟
١٩ كما ترى، يزخر سفر ارميا اصحاحا تلو الآخر بنبوات عن شعوب وأفراد مختلفين. وقد تحققت فعلا غالبية تلك النبوات. وهذه الحقيقة بحد ذاتها تجعل سفر ارميا جديرا باهتمامك ودرسك. فهي تؤكد لك ان إلهك العظيم يهوه فعل وسيفعل ما قصد. (اقرأ اشعيا ٤٦:٩-١١.) ولا بد ان ذلك يقوّي ثقتك بما ينبئ به الكتاب المقدس. وفي الواقع، ثمة نبوات لإرميا يؤثّر اتمامها فيك الآن وفي المستقبل. فلنتفحص بعضا منها في الجزء الاخير من هذا الفصل.
اية نبوات تمّت بعد موت ارميا، وما اهمية ذلك بالنسبة الينا؟
نبوات تؤثّر في حياتك
٢٠-٢٢ لمَ يمكن القول ان بعض نبوات الكتاب المقدس، بما فيها نبوات في سفر ارميا، لها اكثر من اتمام واحد؟ اوضحوا.
٢٠ قد يكون لنبوات في الكتاب المقدس اكثر من اتمام واحد. ويصحّ ذلك في الجواب الذي اعطاه يسوع لتلاميذه عن ‹علامة حضوره واختتام نظام الاشياء›. (مت ٢٤:٣) فجوابه شهد اتماما اوليا بين السنتين ٦٦ و ٧٠ بم. ولكن من الواضح انه سيتمّ بعد من بعض النواحي خلال ‹الضيق العظيم› الآتي على كامل النظام الشرير هذا، ضيق «لم يحدث مثله منذ بدء العالم الى الآن، ولن يحدث ثانية». (مت ٢٤:٢١) على نحو مماثل، تمّ عدد من نبوات ارميا بشكل مبدئي سنة ٦٠٧ قم، ولكن كان لها اتمام ثانٍ بعد وقت طويل، كما لاحظنا في النبوة التي تصف «راحيل تبكي على ابنائها». (ار ٣١:١٥) وفي الحقيقة، تفوّه ارميا بتنبؤات تشير الى زمننا هذا وإتمامها يؤثّر فيك شخصيا.
٢١ نتبيّن ذلك في سفر الرؤيا. فبوحي من اللّٰه، اشار الرسول يوحنا الى نبوات سبق وذكرها ارميا عن نهاية بابل سنة ٥٣٩ قم. فهذا السفر يحوي تناظرات بين تلك الحادثة القديمة وما هو محتوم ان يحصل على نطاق اوسع. وإحدى نبوات ارميا التي تمّت في الازمنة العصرية تتعلق بسقوط امبراطورية عظيمة: الامبراطورية العالمية للدين الباطل، «بابل العظيمة». (رؤ ١٤:٨؛ ١٧:١، ٢، ٥؛ ار ٥٠:٢؛ ٥١:٨) فقد كان على شعب اللّٰه ان ‹يخرجوا منها› لئلا يلقوا مصيرها. (رؤ ١٨:٢، ٤؛ ار ٥١:٦) وأوضحت النبوة ان مياه هذه المدينة — التي ترمز الى سكانها، اي مؤيديها — كانت ‹ستجف وتنضب›. — ار ٥١:٣٦؛ رؤ ١٦:١٢.
٢٢ وننتظر في المستقبل تحقق نبوة اخرى. فقد وعد اللّٰه ان يُنزل انتقامه ببابل العظيمة على اساءتها معاملة شعبه. فهو ‹سيجازيها بحسب كل ما فعلت›. (ار ٥٠:٢٩؛ ٥١:٩؛ رؤ ١٨:٦) وكل الاماكن حيث تبسط بابل العظيمة نفوذها ستصبح بمعنى مجازي مقفرة ومهجورة. — ار ٥٠:٣٩، ٤٠.
٢٣ اي رد روحي انبأ به ارميا جرى في القرن العشرين؟
٢٣ انت تعرف ان لنبوات ارميا وجها ايجابيا ايضا. فقد تنبأ عن رد العبادة الحقة على الارض في ازمنتنا العصرية. فتحرير الاسرى اليهود من مدينة بابل القديمة ناظره تحرير شعب اللّٰه من بابل العظيمة بعدما تأسس الملكوت في السماء. فبمعنى روحي، رد يهوه شعبه الى العبادة النقية، ما ادى الى اعرابهم عن الشكر وتهلّلهم فرحا. وهو يبارك جهودهم في مساعدة الآخرين على تبني عبادته وتزويدهم بالطعام الروحي الجيد. (اقرأ ارميا ٣٠:١٨، ١٩.) كما انك تعرف من اختبارك الشخصي كيف ينفّذ يهوه وعده ان يزود شعبه بالرعاة، اي برجال ناضجين روحيا يهتمون حقا بالرعية ويحيطونها بالحماية. — ار ٣:١٥؛ ٢٣:٣، ٤.
٢٤ اية كلمات قوية قالها ارميا ننتظر حدوثها في المستقبل؟
٢٤ في الماضي، حملت كلمات يهوه بفم ارميا وعدا بمستقبل افضل للامناء، وتحذيرا من الهلاك للذين لم يصونوا علاقتهم به. والامر مماثل اليوم. فنحن نعي تماما التحذير الذي تتضمنه الكلمات التالية: «يكون قتلى يهوه في ذلك اليوم من اقصى الارض الى اقصى الارض. لا يُندبون ولا يُجمعون ولا يُدفنون. فيصيرون كالزبل على وجه الارض». — ار ٢٥:٣٣.
٢٥ ما هي المسؤولية الملقاة على عاتق شعب اللّٰه اليوم؟
٢٥ نعم، نحن نعيش مثل ارميا في ازمنة حرجة، ورد فعل الناس حيال رسالة يهوه هو مسألة حياة او موت. صحيح اننا لسنا انبياء يوحى اليهم ان يضيفوا الى كلام الحق الاكيد المسطر في الكتاب المقدس، لكننا مفوّضون ان نكرز ببشارة الملكوت كل الايام حتى اختتام نظام الاشياء. (مت ٢٨:١٩، ٢٠) ولا شك اننا لا نريد ان ‹نسرق كلمات يهوه› مخفين عن الناس ما سيحدث. (اقرأ ارميا ٢٣:٣٠.) بل نحن مصممون الا ننتقص من قوة كلماته وتأثيرها. وبما ان الكثير من النبوات التي نادى بها ارميا تحققت، فهذا يؤكد لنا ان التي لم تتحقق بعد جديرة تماما بثقتنا. اذًا لنخبر الناس ان اللّٰه سيفعل حتما ‹ما قصد وما امر به منذ ايام القدم›. — مرا ٢:١٧.
نحن لا ‹نسرق كلمات يهوه› مخفين عن الناس ما سيحدث
٢٦ اي وعد سنناقشه في الفصل التالي؟
٢٦ لن يكتمل تفحصنا لمهمة ارميا ورسالته الا بالاطلاع على وعد يهوه العظيم بقطع ‹عهد جديد› مع شعبه، عهد تُكتب شرائعه في قلوبهم. (ار ٣١:٣١-٣٣) وسنناقش في الفصل التالي هذا الوعد وإتمامه وتأثيرهما المباشر عليك.
اية نبوات في سفر ارميا تمّت في الازمنة العصرية؟ وكيف تشعرون بشأن التي لم تتحقق بعد؟
-
-
العهد الجديد يعود عليك بالبركاترسالة من اللّٰه بفم ارميا
-
-
الفصل الرابع عشر
العهد الجديد يعود عليك بالبركات
١ اي مهمة مزدوجة تمّمها ارميا؟
اوكل يهوه الى ارميا مهمة مزدوجة: ان ‹يستأصل ويقوّض ويهلك ويهدم›، ثم ان ‹يبني ويغرس›. فأنجز النبي الجزء الاول من تعيينه حين شهّر شرور اليهود المتكبرين وأعلن دينونة اللّٰه عليهم وكذلك على بابل. الا ان نبواته تضمنت ايضا نظرة مشرقة الى المستقبل. فقد انبأ ببناء وغرس ما قصد اللّٰه ان يبنيه ويغرسه. فهو تحدث مثلا عن رد اليهود الى موطنهم، متمما بذلك الجزء الثاني من تعيينه. — ار ١:١٠؛ ٣٠:١٧، ١٨.
٢ لمَ عاقب يهوه شعبه، وإلى اي حد؟
٢ لم تعنِ مناداة ارميا بالرد ان اللّٰه كان سيلين في التعامل مع شعبه او يساير في مقياسه للعدل. فهو كان سينفّذ دينونته في اليهود العصاة. (اقرأ ارميا ١٦:١٧، ١٨.) ففي ايام ارميا، قلة في اورشليم ‹عملوا بالعدل› و ‹طلبوا الامانة›. لذا نفد صبر يهوه عليهم قائلا: «قد مللت التأسف». (ار ٥:١؛ ١٥:٦، ٧) فهؤلاء اليهود كانوا قد «رجعوا الى ذنوب آبائهم الاولين، الذين أبوا ان يطيعوا» كلامه. كما انهم اثاروا غضبه بارتكابهم الزنى الروحي مع آلهة باطلة. (ار ١١:١٠؛ ٣٤:١٨) نتيجة ذلك، كان يهوه سيقوّمهم ويعاقبهم «باعتدال» لعلّ البعض يعودون الى رشدهم ويرجعون اليه. — ار ٣٠:١١؛ ٤٦:٢٨.
٣ لمَ ينبغي ان نتأمل في النبوة عن العهد الجديد؟
٣ استخدم اللّٰه ارميا للإنباء بتدبير فوائده طويلة الامد وواسعة النطاق، ألا وهو العهد الجديد. ولدينا اسباب كثيرة تدعونا الى التركيز على هذا الجانب المبهج من كتابات ارميا النبوية. فالعهد الجديد كان سيحلّ محل العهد الذي قطعه اللّٰه مع الاسرائيليين بعد خروجهم من مصر، وكان موسى وسيطه. (اقرأ ارميا ٣١:٣١، ٣٢.) وبما ان يسوع المسيح تحدث عن هذا العهد حين اسس عشاء الرب، فهو حتما يستأهل اهتمامنا. (لو ٢٢:٢٠) كما ان الرسول بولس اقتبس نبوة ارميا عن العهد الجديد في رسالته الى العبرانيين وشدّد على اهميته. (عب ٨:٧-٩) ولكن ما هو العهد الجديد بالضبط؟ لمَ نشأت الحاجة اليه؟ مَن يدخلون فيه، وكيف تستفيد شخصيا من بركاته؟ لنرَ معا الاجوبة عن هذه الاسئلة.
ما الداعي الى العهد الجديد؟
٤ ماذا حقق عهد الشريعة؟
٤ كي نفهم العهد الجديد، يلزم اولا ان نعرف القصد من العهد السابق، اي عهد الشريعة. فقد كان الغرض منه تحقيق اهداف مختلفة للامة التي انتظرت نسلا موعودا به يتبارك بواسطته كثيرون. (تك ٢٢:١٧، ١٨) فبقبول الاسرائيليين عهد الشريعة، اصبحوا «ملكا خاصا» للّٰه. ونصّ هذا العهد ان يخدم البعض من سبط لاوي كهنة للامة. فحين ابرم يهوه عهد الشريعة عند جبل سيناء، اتى على ذكر «مملكة كهنة وأمة مقدسة»، غير انه لم يكشف متى وكيف كانت ستتحقق هذه الكلمات. (خر ١٩:٥-٨) ولكن الى ان تشكّلت مملكة الكهنة هذه، بيّن العهد بشكل جليّ عجز الاسرائيليين عن حفظ الشريعة كاملا، مظهرا بالتالي تعدياتهم. لذا وجب عليهم بحسب الشريعة ان يقرّبوا الذبائح بانتظام تكفيرا عن خطاياهم. رغم ذلك، بدا واضحا ان ثمة حاجة الى ذبيحة اعظم بكثير، ذبيحة كاملة تقدَّم مرة وإلى الابد. نعم، كانت هناك حاجة ماسة الى غفران دائم للخطايا. — غل ٣:١٩-٢٢.
٥ لمَ انبأ يهوه بالعهد الجديد؟
٥ من هنا بدأنا نفهم لمَ اوحى اللّٰه الى ارميا ان يتنبأ عن عهد جديد، مع ان عهد الشريعة كان لا يزال ساري المفعول. فهو اراد بدافع محبته ولطفه الا يقصر غفرانه الدائم على امة واحدة. قال من خلال ارميا بشأن الذين سيشملهم العهد الجديد: «اغفرُ ذنبهم، ولا اذكر خطيتهم بعد». (ار ٣١:٣٤) صحيح ان هذا الوعد أُعطي زمن النبي، لكنه يحمل رجاء رائعا للبشر اجمعين. كيف ذلك؟
٦، ٧ (أ) كيف يشعر البعض بشأن حالتهم الخاطئة؟ (ب) لمَ التأمل في العهد الجديد يمدنا بالتشجيع؟
٦ نحن لا نزال اشخاصا ناقصين وغالبا ما نلمس تأثير نقصنا هذا. تأمل في مثال اخ صارع فترة من الوقت عادة شخصية غير لائقة. يذكر: «كان ينتابني شعور رهيب بعد كل انتكاسة. فاعتقدتُ انني لن استطيع مطلقا تصحيح الخطإ الذي ارتكبته. كما انني صرت أستصعب الصلاة، فكنت ابدأ بالقول: ‹يا يهوه، لا ادري إن كنت تصغي الى صلاتي، لكن . . .›». يشعر بعض الذين يمرّون بانتكاسات او يقترفون الاخطاء وكأن ‹غيما› يحول دون وصول صلواتهم الى اللّٰه. (مرا ٣:٤٤) ويحسّ آخرون ان ذكريات اخطائهم الماضية تلاحقهم كظلهم رغم انقضاء سنوات عليها. حتى المسيحيون المثاليون في العادة قد يصدر عنهم كلام يندمون عليه لاحقا. — يع ٣:٥-١٠.
٧ فلا يحسب اي منا انه محصن ضد الانجراف في مسلك خاطئ. (١ كو ١٠:١٢) فالرسول بولس ايضا ادرك انه ارتكب الآثام. (اقرأ روما ٧:٢١-٢٥.) هنا تبرز اهمية العهد الجديد. فأحد اوجهه الرئيسية هو ان اللّٰه لن يذكر الخطايا بعد. فيا لها من بركة لا تقدّر بثمن! ومثلما تشجع ارميا دون شك حين انبأ بهذه الكلمات، كذلك نتشجع نحن فيما نتعلم المزيد عن هذا العهد ونرى كيف لنا الاستفادة منه.
لمَ اسس اللّٰه عهدا جديدا؟
ما هو العهد الجديد؟
٨، ٩ اي ثمن باهظ دفعه يهوه كي يمنح الغفران؟
٨ كلما توثقت معرفتك بيهوه، ادركتَ كم هو لطيف ورحوم تجاه البشر الناقصين. (مز ١٠٣:١٣، ١٤) فعندما تحدث ارميا عن العهد الجديد، ابرز ان يهوه ‹سيغفر الذنوب ولن يذكر الخطايا بعد›. (ار ٣١:٣٤) ولربما تساءل النبي كيف سيمنح يهوه هذا الغفران. ولكن على الاقل، فهم ان العهد الجديد اشار الى وجود اتفاق او عقد بين اللّٰه والبشر. وعلى اساس هذا العهد، كان يهوه سيحقق بطريقة او بأخرى ما اوحى به الى ارميا، بما في ذلك غفران الخطايا. اما التفاصيل الاخرى فكانت ستنجلي حين يكشف اللّٰه المزيد عن قصده الذي يشمل ما سيفعله المسيّا.
٩ لعلك ترى والدين يدللون اولادهم بإفراط او يتجاهلون مسؤولياتهم الابوية تجاههم. فهل يُعقل ان يتصرف يهوه مثلهم؟ قطعا لا. يتضح ذلك مما فعله كي يجعل العهد الجديد ساري المفعول. فعوض ان يلغي الخطايا بكل بساطة، تمّم بدقة مقياسه للعدل وزود الاساس الشرعي للغفران، مقدّما تضحية غالية من اجلنا. ويلقي بولس المزيد من الضوء على هذه الفكرة في معرض كلامه عن العهد الجديد. (اقرأ عبرانيين ٩:١٥، ٢٢، ٢٨.) فقد تحدث عن ‹الفداء›، وقال انه «بدون إراقة دم لا تحصل مغفرة». لكنه لم يقصد دم الثيران والمعزى التي كانت تُقدَّم ذبائح بموجب الشريعة. فالعهد الجديد اصبح نافذ المفعول بواسطة دم يسوع. وعلى اساس هذه الذبيحة الكاملة، يمكن ليهوه ان ‹يغفر الذنوب والخطايا› غفرانا دائما. (اع ٢:٣٨؛ ٣:١٩) ولكن مَن كانوا سيدخلون في العهد الجديد وينالون هذا الغفران؟ ليست الامة اليهودية. فيسوع قال ان اللّٰه سيرفض اليهود الذين كانوا يقرّبون ذبائح حيوانية وفقا للشريعة، ويستبدلهم بأمة اخرى. (مت ٢١:٤٣؛ اع ٣:١٣-١٥) وتبيّن ان هذه الامة هي «اسرائيل اللّٰه» المؤلفة من مسيحيين ممسوحين بالروح القدس. بكلمات بسيطة، كان عهد الشريعة بين اللّٰه وإسرائيل الطبيعي، في حين ان العهد الجديد هو بين اللّٰه وإسرائيل الروحي ويسوع هو وسيطه. — غل ٦:١٦؛ رو ٩:٦.
١٠ (أ) مَن هو ‹الفرخ› الذي أُقيم لداود؟ (ب) كيف يستفيد البشر من هذا ‹الفرخ›؟
١٠ وصف ارميا الشخص الآتي، اي المسيّا، بأنه ‹فرخ› أُقيم لداود. وهذا الوصف في محله. صحيح ان شجرة عائلة داود الملكية قُطعت فيما كان ارميا يخدم نبيا، الا ان ارومتها بقيت. فمع الوقت، وُلد يسوع في سلالة داود. ودُعي «يهوه برنا»، ما يبرز اهتمام يهوه العميق بهذه الصفة. (اقرأ ارميا ٢٣:٥، ٦.) فهو سمح لابنه مولوده الوحيد ان يقاسي الالم على الارض ويموت. ثم استخدم، بانسجام مع بره وعدله، قيمة الذبيحة الفدائية ‹لفرخ› داود هذا كأساس للغفران. (ار ٣٣:١٥) وهكذا فسح المجال للبعض ان ‹يتبرروا للحياة› ويُمسحوا بالروح القدس ويصيروا بالتالي طرفا في العهد الجديد. ولكن ثمة دليل اضافي يبرهن اهتمام اللّٰه بالبر. فقد سمح لآخرين ايضا ليسوا طرفا مباشرا في العهد ان يتمتعوا بفوائده وبركاته كما سنرى في بقية الفصل. — رو ٥:١٨.
تدفعنا «شريعة المسيح» الى خدمة يهوه طوعا
١١ (أ) اين تُكتب شريعة العهد الجديد؟ (ب) لمَ يهتم ‹الخراف الاخر› بشريعة العهد الجديد؟
١١ هل تود ان تعرف اوجها مميزة اخرى للعهد الجديد؟ ان احد الفروقات الرئيسية بينه وبين عهد الشريعة الموسوية هو مكان كتابة كل منهما. (اقرأ ارميا ٣١:٣٣.) فبينما نُقشت الوصايا العشر على لوحَي حجر اختفى اثرهما بمرور الوقت، تنبأ ارميا ان شريعة العهد الجديد ستُكتب في قلوب البشر حيث تبقى على الدوام. والمسيحيون الممسوحون الذين هم طرف في العهد يقدّرون هذه الشريعة حق التقدير. ولكن ماذا عمّن ليسوا معنيين مباشرة بهذا العهد، اي ‹الخراف الاخر› الذين يرجون العيش على الارض الى الابد؟ (يو ١٠:١٦) هؤلاء ايضا يجدون المسرة في شريعة اللّٰه. فهم شبيهون بالغرباء في اسرائيل الذين قبلوا الشريعة الموسوية واستفادوا منها. — لا ٢٤:٢٢؛ عد ١٥:١٥.
١٢، ١٣ (أ) ما هي شريعة العهد الجديد؟ (ب) لمَ الذين هم تحت «شريعة المسيح» لا يُجبرون على خدمة اللّٰه؟
١٢ ولكن ما هي هذه الشريعة التي تُحفر في قلوب الممسوحين؟ انها تُدعى ايضا «شريعة المسيح»، وقد أُعطيت اولا للاسرائيليين الروحيين الذين هم في العهد الجديد. (غل ٦:٢؛ رو ٢:٢٨، ٢٩) ويمكن تلخيصها بكلمة واحدة: المحبة. (مت ٢٢:٣٦-٣٩) وكيف تُكتب في قلوب الممسوحين؟ بشكل اساسي، من خلال درسهم كلمة يهوه واقترابهم اليه في الصلاة. لذلك ينبغي ان يكون هذان الوجهان للعبادة الحقة جزءا لا يتجزأ من حياة كافة المسيحيين الحقيقيين، حتى الذين ليسوا في العهد الجديد ويريدون الاستفادة منه.
١٣ ويُشار الى «شريعة المسيح» بأنها «الشريعة الكاملة، شريعة الحرية» و «شريعة شعب حر». (يع ١:٢٥؛ ٢:١٢) ففي حين ان كثيرين وُلدوا خاضعين للشريعة الموسوية، ما من احد يُولد في العهد الجديد او تحت حكم شريعة المسيح. فكل الذين يختارون اطاعة هذه الشريعة لا يُجبرون على خدمة اللّٰه. بالاحرى، يفرحون حين يعرفون ان شريعته تُكتب في القلوب، وأن بركات العهد الدائمة التي انبأ بها ارميا متاحة للبشر اليوم.
كيف اتاح اللّٰه الغفران بواسطة العهد الجديد؟ وكيف نتعلم عن الشريعة التي تُكتب في القلوب؟
المستفيدون من العهد الجديد
١٤ مَن يستفيدون من العهد الجديد؟
١٤ حين علم البعض ان ٠٠٠,١٤٤ شخص فقط يدخلون في العهد الجديد، ظنوا ان فوائده محصورة فيهم. ولعلهم فكروا بهذه الطريقة لأن وحدهم الممسوحين يتناولون من الرمزين خلال الذكرى السنوية لموت المسيح، حيث يمثّل الخمر ‹الدم الذي للعهد›. (مر ١٤:٢٤) ولكن تذكّر ان الذين في العهد الجديد هم شركاء مع يسوع بصفته «نسل» ابراهيم الذي به ستتبارك جميع الامم. (غل ٣:٨، ٩، ٢٩؛ تك ١٢:٣) من هنا نستنتج ان يهوه، على اساس العهد الجديد، سينفّذ وعده بمباركة كل البشر بواسطة «نسل» ابراهيم.
١٥ اي دور منبإ به سيؤديه الممسوحون؟
١٥ ان يسوع المسيح، الجزء الرئيسي من نسل ابراهيم، يخدم كرئيس كهنة. وهو زود الذبيحة الكاملة التي تتيح غفران الخطايا والذنوب. (اقرأ عبرانيين ٢:١٧، ١٨.) الا ان اللّٰه تحدث منذ ايام الاسرائيليين عن «مملكة كهنة وأمة مقدسة». (خر ١٩:٦) وبما ان الكهنة آنذاك تحدروا من سبط والملوك من سبط آخر، فكيف كانت ستتشكل هذه الامة المؤلفة من ملوك كهنة؟ وجّه الرسول بطرس رسالته الاولى الى اشخاص قُدّسوا بالروح. (١ بط ١:١، ٢) وأشار اليهم بأنهم «كهنوت ملكي، امة مقدسة، شعب اقتناء». (١ بط ٢:٩) بناء على ذلك، سيخدم الممسوحون في ظل العهد الجديد كهنة معاونين للمسيح. تأمل كم هي مشجعة هذه الفكرة. فنحن نعاني يوميا من تأثيرات الخطية التي لا تزال ‹تملك› علينا. وهؤلاء الكهنة المعاونون هم اساسا بشر مثلنا. (رو ٥:٢١) لذا سيتفهمون مشاعرنا حين نقترف الاخطاء ويتأكّلنا الاحساس بالذنب. وسيتعاطفون معنا هم ويسوع المسيح فيما نسعى الى التغلب على ميولنا الخاطئة.
١٦ اي تشجيع يستمده ‹الجمع الكثير› من الرؤيا ٧:٩، ١٤؟
١٦ في الرؤيا ٧:٩، ١٤، يرى الرسول يوحنا ‹الجمع الكثير لابسين حللا بيضاء›، ما يشير الى حيازتهم موقفا طاهرا امام اللّٰه. واليوم، يُجمَع افراد هذا الفريق الذين يرجون النجاة من «الضيق العظيم». فهم يتمتعون الى حد ما بموقف بار امام يهوه حتى في الوقت الحاضر، اذ يتبررون كأصدقاء له. (رو ٤:٢، ٣؛ يع ٢:٢٣) ويا لها من بركة رائعة! فإذا كنت من الجمع الكثير، فثق ان اللّٰه مستعد ان يدعمك فيما تجاهد للبقاء طاهرا في عينيه.
١٧ بأي معنى لا ‹يذكر› يهوه الخطايا بعد؟
١٧ وماذا يحلّ بخطايا الذين يرضى عنهم اللّٰه؟ كما تبيّن سابقا، قال يهوه على لسان ارميا: «اغفرُ ذنبهم، ولا اذكر خطيتهم بعد». (ار ٣١:٣٤) فمثلما يسامح اللّٰه الممسوحين على اساس ذبيحة يسوع، كذلك يغفر ذنوب الجمع الكثير على الاساس عينه: ‹الدم الذي للعهد›. لكنّ قول ارميا ان يهوه لن ‹يذكر› الخطايا بعد لا يشير ان اللّٰه سيفقد ذاكرته ولن يستطيع بالتالي استرجاع الآثام. بل يعني انه يطرح الخطية وراء ظهره حين يقدّم التأديب اللازم ويصفح عن الخاطئ التائب. تأمل في الملك داود الذي زنى مع بثشبع وقتل زوجها اوريا. فهو نال التأديب وحصد عواقب افعاله. (٢ صم ١١:٤، ١٥، ٢٧؛ ١٢:٩-١٤؛ اش ٣٨:١٧) الا ان اللّٰه لم يحاسبه على هذه الخطايا مرة اخرى في المستقبل. (اقرأ ٢ اخبار الايام ٧:١٧، ١٨.) فاستنادا الى العهد الجديد، متى يتجاوز يهوه عن الخطايا على اساس ذبيحة يسوع فلا يعود يتذكرها اطلاقا. — حز ١٨:٢١، ٢٢.
١٨، ١٩ ماذا يعلّمنا العهد الجديد عن الغفران؟
١٨ بناء على ما سبق، يُبرز العهد الجديد وجها رائعا لتعاملات يهوه مع البشر الخطاة، أكانوا من الممسوحين الذين هم في العهد ام من المسيحيين ذوي الرجاء الارضي. ففي وسعك الثقة ان يهوه لن يذكّر نفسه بخطاياك التي عفا عنها. فأي درس مهم نتعلّمه من هذا العهد؟ ليسأل كل منا نفسه: ‹هل اسعى الى الاقتداء بيهوه فأتجنب نبش الماضي وتذكّر الاساءات التي غفرتها للآخرين؟›. (مت ٦:١٤، ١٥) لا ينطبق ذلك على الاساءات الطفيفة فحسب، بل على الخطيرة ايضا، كما حين يرتكب احد رفيقي الزواج خطية الزنى. فإذا سامح الطرف البريء شريكه التائب، أفليس من الصواب الا ‹يذكر الخطية بعد›؟ طبعا، ليس سهلا على المرء نسيان الاذية، لكنها طريقة مهمة يتمثل من خلالها بيهوه.a
١٩ يمكن تطبيق هذا الدرس ايضا حين يتوب احد المفصولين ويعود الى الجماعة. فماذا لو كان هذا الشخص قد ألحق بنا الخسائر او لطّخ سمعتنا بطريقة ما؟ كيف تؤثّر كلمات ارميا ٣١:٣٤ في طريقة تفكيرنا وتصرفنا معه بعد رجوعه الى كنف الجماعة؟ هل نغفر له ذنبه ولا نعود نتذكر خطأه؟ (٢ كو ٢:٦-٨) في الواقع، ينبغي لكل الذين يقدّرون العهد الجديد ان يحاولوا تطبيق هذا الدرس في حياتهم اليومية.
كيف نطبق الدرس الذي تعلمناه من العهد الجديد عن الغفران؟
بركات العهد الجديد الآن وفي المستقبل
٢٠ كيف يختلف موقفنا عن كثيرين ايام ارميا؟
٢٠ في ايام ارميا، اعتاد يهود كثيرون ان يقولوا: «يهوه لا يحسن ولا يسيء». (صف ١:١٢) فمع انهم كانوا يعرفون يهوه وصفاته الى حد ما، اعتقدوا انه لن يتخذ اي اجراء ولن يتوقع منهم العيش بمقتضى مقاييسه. لكنك تعرف ان ما من شيء الا ويراه اللّٰه. ولا بد انك تخافه خوفا متسما بالاحترام ولا تريد حتما ان تخطئ اليه. (ار ١٦:١٧) ولكن في الوقت عينه، انت تدرك ان يهوه اب محب يلاحظ اعمالك الصالحة سواء رآها الآخرون او لا. — ٢ اخ ١٦:٩.
كل الذين يخدمون اللّٰه بأمانة سينعمون ببركاته في المستقبل
٢١، ٢٢ لماذا ما عدنا بحاجة ان يُقال لنا «اعرفوا يهوه»؟
٢١ توضح هذه الكلمات وجها مهما للعهد الجديد: «اجعلُ شريعتي في داخلهم، وأكتبها في قلوبهم. وأكون إلههم . . . ولا يعلّمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد اخاه، قائلين: ‹اعرفوا يهوه!›؛ لأنهم جميعهم سيعرفونني». (ار ٣١:٣٣، ٣٤) يُظهر الممسوحون على الارض اليوم ان شريعة اللّٰه في داخلهم. فهم يحبّون الحقائق المسطرة فيها ولا يتكلون على تعاليم البشر. كما ينقلون بفرح معرفة الكتاب المقدس الى الذين يؤلفون الجمع الكثير. وهكذا، صار ذوو الرجاء الارضي ايضا يعرفون يهوه ويحبّونه. فهم يطيعون ارشاده طوعا ويثقون بوعوده. ومن المرجح ان هذه الكلمات تصحّ فيك. فأنت تعرف يهوه معرفة وثيقة وتربطك به علاقة لصيقة. فما اروع هذه البركة!
٢٢ وكيف اصبحت علاقتك بيهوه قوية؟ لا شك انك تتذكر اوقاتا لمست فيها استجابته لصلواتك. وهذه الاختبارات عمّقت تقديرك له ولمزاياه. ولعلك شعرت بدعمه حين خطرت لك آية ساعدتك على تخطي محنة ما. فانظر الى مناسبات كهذه بإعزاز وتقدير. وفيما تداوم على درس كلمته، تنمو معرفتك عنه اكثر فأكثر، وهذه بركة لا نهاية لها.
٢٣ كيف تساعدنا معرفة يهوه على التخلص من مشاعر مزعجة لا لزوم لها؟
٢٣ يعود علينا العهد الجديد ببركة اخرى في وسعنا ان ننعم بها الآن. فمعرفة يهوه كإله يبسط الغفران على اساس هذا العهد تساعدنا على التخلص من مشاعر الذنب التي تستأثر بنا. فثمة نساء أجرين عمليات اجهاض قبل ان يعرفن مقاييس اللّٰه. وهنّ يشعرن بالذنب والحزن لأنهن أنهين عمدا حياة طفل كان ينمو في احشائهن. وتساور آخرين احاسيس مماثلة لأنهم قتلوا كثيرين حين كانوا يشتركون في الحروب. ولكن لا ننسَ ان ذبيحة يسوع الفدائية، الركن الاساسي في العهد الجديد، تتيح الغفران للتائبين توبة صادقة. فلنكن متأكدين ان يهوه يطوي صفحة الماضي نهائيا ما إن يتجاوز عن خطايانا. لذا ينبغي الا ندع هذه الخطايا التي غفرها بسخاء تشغل بالنا وتقضّ مضجعنا.
٢٤ اي تشجيع نستمده من كلمات ارميا ٣١:٢٠؟
٢٤ نجد دليلا حيا على غفران اللّٰه في ارميا ٣١:٢٠. (اقرأها.) فقبل عقود من زمن ارميا، عاقب يهوه مملكة اسرائيل الشمالية ذات العشرة اسباط (التي يمثّلها افرايم، السبط الابرز) على ارتكابهم الصنمية، سامحا بسبيهم على يد الاشوريين. لكنه كان شديد التعلق بهم وأظهر لهم المودة والحنان. فقد ظل يعزّهم مثل «ولد محاط بالحنو». فكان حين يفكر فيهم، ‹تجيش› احشاؤه عليهم، اي يتأثر في اعماقه اشتياقا اليهم. أفلا تُظهر هذه الرواية المدونة في سياق الكلام عن العهد الجديد كم يهوه سمح ورحب الصدر حيال التائبين عن مسلكهم الخاطئ؟
٢٥ لمَ نحن ممتنون ليهوه على العهد الجديد؟
٢٥ ان وعد يهوه بغفران الخطايا من خلال العهد الجديد سيتمّ اتماما كاملا عند نهاية حكم المسيح الالفي. ففي ذلك الوقت، سيكون يسوع المسيح والكهنة المعاونون الـ ٠٠٠,١٤٤ قد رفعوا البشر الامناء الى الكمال. وبعد الامتحان النهائي، يصبح هؤلاء البشر بكل معنى الكلمة اعضاء في عائلة يهوه الكونية. (اقرأ روما ٨:١٩-٢٢.) فبعد ان ظلت خليقة يهوه البشرية تئن لقرون تحت وطأة الخطية، ستنال آنذاك «الحرية المجيدة لأولاد اللّٰه»، الحرية من الخطية والموت. فما اكثر البركات التي يغدقها علينا ترتيب العهد الجديد الحبي! فبواسطة ‹الفرخ› الذي أُقيم لداود، بإمكاننا ان ننعم بفوائد هذا العهد الآن وإلى الابد ونتمتع ‹بالبر في الارض›.
كيف يعود علينا العهد الجديد بالبركات الآن وفي المستقبل؟
a يتضح استعداد اللّٰه للغفران في ما فعله هوشع مع جومر. انظر التعليقات على هوشع ٢:١٤-١٦ في كتاب أبقِ يوم يهوه في ذهنك، الصفحات ١٢٨-١٣٠.
-
-
«لا استطيع السكوت»رسالة من اللّٰه بفم ارميا
-
-
الفصل الخامس عشر
«لا استطيع السكوت»
١ لماذا لم يستطع ارميا وأنبياء آخرون التزام الصمت؟
«اسمعوا كلمة يهوه». دوّت كلمات ارميا هذه في شوارع وساحات اورشليم بدءا من سنة ٦٤٧ قم. حتى حين دُمرت المدينة بعد ٤٠ سنة، كرر النبي الحضّ عينه بكل غيرة وحماسة. (ار ٢:٤؛ ٤٢:١٥) فاللّٰه الكلي القدرة ارسل انبياء الى اليهود آملا ان يسمعوا مشورته ويتوبوا. وكما تبيّن سابقا في هذا الكتاب، كان ارميا عنوانا للنبي المجتهد في خدمته. قال له اللّٰه حين اعطاه تعيينه: «قم وكلّمهم بكل ما آمرك انا به. لا ترتع منهم البتة». (ار ١:١٧) ومع ان النبي صرف الكثير من الوقت والجهد في عمله وعانى ألما جسديا وعاطفيا، لم يتراخَ عن انجاز تفويضه. فقد قال: «يجيش قلبي فيّ. لا استطيع السكوت». — ار ٤:١٩.
٢، ٣ (أ) كيف اقتدى تلميذان ليسوع بالنبي ارميا؟ (ب) لمَ يجب علينا اتباع مثال ارميا؟
٢ بإتمام ارميا تعيينه النبوي، رسم مثالا رائعا لخدام آخرين ليهوه عاشوا في حقبة لاحقة. (يع ٥:١٠) فبُعيد يوم الخمسين سنة ٣٣ بم، اعتقلت السلطات اليهودية الرسولين بطرس ويوحنا وأمرتهما بالتوقف عن الكرازة. ولا بد انك تعرف رد فعلهما. فقد قالا: «لا نقدر ان نكف عن التكلم بما رأينا وسمعنا». (اع ٤:١٩، ٢٠) وبعدما هددتهما السلطات بمعاملة اسوأ في المرة التالية، اطلقت سراحهما. فماذا فعل هذان الرجلان الامينان؟ واصلا بكل عزم الكرازة بالبشارة.
٣ هل لاحظت كيف تعكس كلمات بطرس ويوحنا في اعمال ٤:٢٠ حماسة ارميا المتقدة؟ أولستَ مصمما مثلهم على ‹عدم السكوت› بصفتك خادما ليهوه اللّٰه في هذه الايام الاخيرة الحاسمة؟ سنرى في هذا الفصل كيف لنا ان نتسلح بمثل شجاعة ارميا كي نستمر في المناداة بالبشارة رغم الاحوال المتردية حولنا.
ثابرْ رغم اللامبالاة
٤ ماذا كان الموقف الشائع في اورشليم قديما؟
٤ نحن مقتنعون ان وعد اللّٰه بمستقبل رائع في ظل حكم ابنه هو افضل خبر على الاطلاق. لكنّ كثيرين اليوم لسان حالهم ما قاله عدد من اليهود لإرميا: «الكلمة التي كلّمتنا بها باسم يهوه لا نسمع لك فيها». (ار ٢٩:١٩؛ ٤٤:١٦) ومثلما كانت قلة الاكتراث سائدة زمن ارميا، كذلك هي في ايامنا. فغالبا ما يلقى خدام يهوه رد الفعل القائل: «لست مهتما». ويمكن لهذه اللامبالاة المستفحلة بين الناس ان تُفتر غيرة ناشري الملكوت. فما العمل اذا كانت قلة الاهتمام في مقاطعتك تضعف حماسة البعض في جماعتك او حماستك انت شخصيا؟
٥ (أ) كيف فكّر ارميا حيال لامبالاة الناس؟ (ب) لمَ الذين لا يكترثون بالبشارة هم في خطر كبير؟
٥ تأمل كيف فكّر ارميا لئلا يتأثر بشعب يهوذا اللامبالين في غالبيتهم. ففي بداية خدمته النبوية، اعطاه يهوه لمحة عن الدينونة الالهية القادمة. (اقرأ ارميا ٤:٢٣-٢٦.) فأدرك النبي ان حياة الآلاف كانت متوقفة على سماعهم كلامه والعمل بموجبه. ينطبق الامر عينه على الناس في زمننا، بمَن فيهم الذين في مقاطعتك. قال يسوع عن «ذلك اليوم» الذي فيه سيُنزل اللّٰه دينونته بالعالم الشرير الحاضر: «يأتي على جميع الساكنين على وجه الارض كلها. فابقوا مستيقظين، متضرعين في كل وقت، لكي تتمكنوا من الافلات من كل هذا المحتوم ان يكون، ومن الوقوف امام ابن الانسان». (لو ٢١:٣٤-٣٦) أفلا يتضح من هذه الكلمات ان الذين يرفضون البشارة بقلة اكتراث هم في خطر كبير؟
٦ لمَ ينبغي ان نمضي بعزم في الكرازة حتى للذين بالكاد يهتمون برسالتنا؟
٦ بالمقابل، حين تتحول لامبالاة البعض الى اهتمام فيصغون الى كلمة يهوه ويتجاوبون معها، يحصدون بركات لا تُقدّر بثمن. فاللّٰه يفسح لهم المجال ان ينجوا من الهلاك ويدخلوا عالمه الجديد. هكذا كانت الحال من بعض النواحي ايام ارميا. فقد كان في وسع سكان يهوذا الافلات من البلية. (اقرأ ارميا ٢٦:٢، ٣.) وهذا ما دفع ارميا الى حثهم طوال عشرات السنين ان ‹يسمعوا ويرجعوا›، اي يصغوا الى كلمة الاله الحقيقي. صحيح اننا لا نعرف كم شخصا تابوا وغيروا حياتهم تجاوبا مع شهادة النبي، غير ان البعض فعلوا ذلك. ويحذو حذوهم كثيرون في الوقت الحاضر. ففيما نثابر على الكرازة بالبشارة، غالبا ما نسمع عن اشخاص معاندين لانت قلوبهم وقبلوا الحق. (انظر الاطار «من اللامبالاة الى الاهتمام» في الصفحة ١٨٤.) أفلا يحفزنا ذلك على البقاء نشاطى في خدمتنا المنقذة للحياة؟
لمَ نحن مصممون على الكرازة بالبشارة رغم اللامبالاة؟
اذية المقاومين وقتية
٧ كيف حاول الاعداء ايقاف عمل ارميا؟
٧ ان احد الاوجه البارزة لخدمة ارميا هو ان المقاومين حاولوا تكرارا تحطيمه وإيقاف عمله. فالانبياء الكذبة نقضوا كلامه علانية. (ار ١٤:١٣-١٦) وفيما جاب شوارع اورشليم، وجّه اليه المارة كلمات مهينة وهزأوا به. (ار ١٥:١٠) وثمة اعداء له حاكوا مؤامرات للتشكيك في مصداقيته. (ار ١٨:١٨) كما راح آخرون يتهامسون عليه في كل مكان بهدف تشويه سمعته وإبعاد مستقيمي القلوب عن الحقائق الالهية التي كرز بها. (مرا ٣:٦١، ٦٢) فهل استسلم النبي؟ قطعا لا. بل داوم باجتهاد على الكرازة بكلمة اللّٰه. فكيف استطاع ذلك؟
٨ كيف صمد ارميا في وجه جهود المقاومين المكثفة ضده؟
٨ كانت الثقة بيهوه سلاح ارميا الرئيسي في وجه كل اشكال المقاومة. ففي بداية خدمته، نال وعدا من اللّٰه بالدعم والحماية. (اقرأ ارميا ١:١٨، ١٩.) فوثق بهذا الوعد، ويهوه لم يخيّب امله اطلاقا. فكان كلما ضغط المقاومون عليه ولجأوا الى وسائل اكثر عنفا وصرامة، ينمو في الجرأة والشجاعة والاحتمال. لاحظ كيف استفاد من هذه الصفات اثناء خدمته.
٩، ١٠ بالنظر الى الحادثتين اعلاه، كيف يشجعنا مثال ارميا على الاتصاف بالجرأة؟
٩ في احدى المناسبات، احضر الكهنة والانبياء المرتدون النبي ارميا امام رؤساء يهوذا مطالبين بقتله. فهل اخافته تهديداتهم وألزمته الصمت؟ كلا. بل دحض تهمهم دحضا تاما ونجا من الموت. — اقرأ ارميا ٢٦:١١-١٦؛ لو ٢١:١٢-١٥.
١٠ وفي مناسبة اخرى، سمعه الكاهن البارز فشحور يتفوّه برسالة قوية. فوضعه في المقطرة، ثم اطلقه في اليوم التالي معتقدا انه سيكف عن الكلام بعدما تعلّم درسا قاسيا. الا ان النبي، الذي كان يعاني ألما شديدا دون شك، جابه فشحور مباشرة معلنا دينونة يهوه عليه. نعم، حتى التعذيب لم يُسكت صوت ارميا. (ار ٢٠:١-٦) فما السبب؟ يخبرنا هو نفسه: «يهوه معي كجبار مهيب. من اجل ذلك يعثر مضطهديّ ولا يقوَون». (ار ٢٠:١١) فالنبي لم يرتعد خوفا حتى في وجه المقاومين العنفاء لأنه كان راسخ الثقة بإلهه. انت ايضا يمكنك ان تنمي مثل هذه الثقة بيهوه.
١١، ١٢ (أ) كيف احتكم ارميا الى المنطق حين قاومه حننيا؟ (ب) اية فائدة نجنيها من تمالك انفسنا «عندما تحصل اساءة»؟
١١ ولكن لنبقِ في بالنا ان ارميا لم يكن شخصا متطرفا. فهو احتكم الى المنطق عند مواجهة المقاومين مدركا متى لزم ان ينسحب. تأمل مثلا في ما فعله مع حننيا. فبعدما نقض هذا النبي الدجال كلمة يهوه النبوية علنا، أنّبه ارميا وأوضح كيف يمكن تمييز النبي الحقيقي. وكان نبي يهوه آنذاك يضع نيرا خشبيا على عنقه رمزا الى خضوع الشعب لنير بابل، فلجأ حننيا الى العنف وكسر النير. ولعله كان سيلحق بإرميا اذية اكبر. فماذا فعل النبي؟ «مضى . . . في طريقه». نعم، غادر ارميا المكان. وفي وقت لاحق، وجّهه يهوه ان يعود ويخبر حننيا ان اليهود سيخضعون لعبودية ملك بابل وأنه سيموت خلال سنة. — ار ٢٨:١-١٧.
١٢ فأية عبرة نستخلصها من هذه الرواية الملهمة؟ اثناء الكرازة، يحسن بنا ان نقرن جرأتنا بالتمييز السليم. فإذا رفض احد اصحاب البيوت مناقشتنا المؤسسة على الاسفار المقدسة واستشاط غضبا، او هدد باللجوء الى العنف، فلنستأذن بلباقة وننتقل الى بيت آخر. فلا داعي ان نخوض جدالا حاميا مع اي شخص كان حول بشارة الملكوت. فحين نتمالك انفسنا «عندما تحصل اساءة»، نفسح المجال لصاحب البيت ان يقبل سماع الحق في فرصة اخرى. — اقرأ ٢ تيموثاوس ٢:٢٣-٢٥؛ ام ١٧:١٤.
لمَ من المهم جدا ان نثق بيهوه فيما نكرز بالبشارة؟ ولمَ ينبغي ان نوازن بين الجرأة والتمييز السليم؟
«لا تخف»
١٣ لمَ قال يهوه لإرميا «لا تخف»، ولماذا ينبغي ان نتأمل في هذا التشجيع؟
١٣ تأثر العباد الحقيقيون بالاحوال المرعبة التي سادت اورشليم قبل دمارها سنة ٦٠٧ قم. لذا انت تدرك لمَ قال يهوه لإرميا: «لا تخف». (ار ١:٨؛ مرا ٣:٥٧) وأوصاه ان ينقل هذه العبارة المشجعة الى آخرين ايضا. (اقرأ ارميا ٤٦:٢٧.) فما هو الدرس الذي نتعلمه؟ في وقت النهاية الخطر هذا، قد يساورنا الخوف من حين الى آخر. فهل نصغي الى يهوه الذي يقول لكل منا: «لا تخف»؟ رأينا سابقا في هذا الكتاب كيف ساند اللّٰه ارميا خلال تلك الاوقات المخيفة. فلنراجع باختصار ما حدث ونرَ ماذا نستفيد.
١٤، ١٥ (أ) في اي وضع خطر وجد ارميا نفسه؟ (ب) كيف وفى يهوه بوعده ان يحمي ارميا؟
١٤ بينما احكم البابليون قبضتهم على اورشليم، اشتد الجوع على الناس. وسرعان ما افتقر كثيرون الى الطعام. (ار ٣٧:٢١) وهذا ما مرّ به ارميا الذي، فضلا عن احساسه بالجوع، حُبس في مكان كان يُحتمل ان يلقى فيه حتفه. فقد رماه رؤساء يهوذا في جب عميق مليء بالطين المنتن بعدما ضغطوا على الملك صدقيا الضعيف الارادة ان يذعن لرغبتهم في قتله. وفيما بدأ النبي يغرق في الوحل، ادرك ان لا منفذ له من هذه الميتة. فلو وجدت نفسك في وضع كهذا، أفما كنت ستشعر بالخوف؟ — ار ٣٨:٤-٦.
١٥ كان ارميا انسانا مثلنا، لكنه وثق بوعد يهوه انه لن يتخلى عنه ابدا. (اقرأ ارميا ١٥:٢٠، ٢١.) وهل كافأه يهوه على ثقته؟ نعم بكل تأكيد. فقد دفع عبد ملك الى تحدي الرؤساء وإنقاذ النبي. فبإذن من صدقيا، اصعده عبد ملك من الجب مخلّصا اياه من الموت. — ار ٣٨:٧-١٣.
١٦ من اية اخطار خلّص يهوه خادميه الوليّين؟
١٦ حتى بعد افلات ارميا من هذه الميتة، ظل الخطر محدقا به. فحين توسل عبد ملك الى صدقيا من اجله، قال ان النبي سوف «يموت [في الجب] جوعا، اذ ليس بعد خبز في المدينة». (ار ٣٨:٩) فالطعام شحّ كثيرا في اورشليم بحيث راح الناس يأكلون لحوم البشر. الا ان يهوه تدخّل مجددا وأنقذ نبيّه، وأعطى عبد ملك من خلاله ضمانة بالحماية. (ار ٣٩:١٦-١٨) فإرميا لم ينسَ تأكيد اللّٰه: «انا معك لأنقذك». (ار ١:٨) وبما ان الاله الكلي القدرة حرس هذين الرجلين الوليّين، فلا الجوع ولا الاعداء كانا سيفتكان بهما. فقد نجوَا من الموت في تلك المدينة المحكوم عليها بالهلاك. وماذا نستخلص من ذلك؟ يهوه وعد بالحماية وتمم وعده كاملا. — ار ٤٠:١-٤.
١٧ لمَ ينبغي ان نثق بوعد يهوه ان يحمي خدامه؟
١٧ ان اتمام نبوة يسوع عن اختتام نظام الاشياء يتقدم نحو ذروته دون اي عائق. فعما قريب، ستحدث «آيات في الشمس والقمر والنجوم، وعلى الارض كرب امم لا تدري اين المنفذ . . . في حين ان الناس يُغشى عليهم من الخوف وترقّب ما يأتي على المسكونة». (لو ٢١:٢٥، ٢٦) صحيح اننا لا ندري كيف ستحصل هذه الآيات وتُوقع الرعب في قلوب كثيرين، ولكن علينا مهما حدث الا نشكّ ابدا في قدرة يهوه ورغبته في انقاذ شعبه، اما الذين لا يحوزون رضاه فسيلقون مصيرا مختلفا. (اقرأ ارميا ٨:٢٠؛ ١٤:٩.) حتى لو بدا ان خدامه في وضع ميؤوس منه شبيه بوضع ارميا في قعر الجب المظلم والبارد، فهو قادر ان يخلّصهم. فستنطبق عليهم الكلمات التي وجّهها الى عبد ملك: «‹أنجّيك نجاة فلا تسقط بالسيف، وتكون لك نفسك غنيمة؛ لأنك اتكلت عليّ›، يقول يهوه». — ار ٣٩:١٨.
كلمات موجّهة اليك انت شخصيا
١٨ (أ) اية كلمات غيّرت حياة ارميا؟ (ب) ماذا تعني لكم شخصيا وصية اللّٰه في ارميا ١:٧؟
١٨ قال يهوه لإرميا: «تذهب الى كل من ارسلك اليهم، وتتكلم بكل ما آمرك به». (ار ١:٧) تغيرت حياة ارميا تغيرا جذريا حين سمع هذه الوصية من اللّٰه. فمن تلك اللحظة فصاعدا، اصبح شغله الشاغل اعلان «كلمة يهوه». وترد هذه العبارة مرات كثيرة في صفحات سفره. وفي الاصحاح الاخير، يروي النبي كيف سقطت اورشليم وسُبي ملكها الاخير صدقيا. فمن الواضح انه استمر يعلّم شعب يهوذا ويحضّهم على اطاعة يهوه الى ان بيّنت الاحداث ان عمله اكتمل.
١٩، ٢٠ (أ) لمَ يمكننا التمثل بإرميا في الخدمة؟ (ب) ما العلاقة بين عمل الكرازة والشعور بالفرح والاكتفاء؟ (ج) كيف اثّر فيكم تفحص سفرَي ارميا والمراثي؟
١٩ ثمة اوجه شبه عديدة بين تعيين ارميا وخدمة شهود يهوه العلنية اليوم. فعلى غرار النبي، نحن نخدم الاله الحق في وقت دينونة. ومع ان لدينا مسؤوليات اخرى تأخذ من وقتنا وطاقتنا، فإن الكرازة بالبشارة هي اهم عمل نقوم به على الاطلاق في نظام الاشياء هذا. فمن خلالها، نرفّع اسم اللّٰه العظيم ونعترف بسلطته وحقه المطلق كمتسلط كوني. (اقرإ المراثي ٥:١٩.) كما اننا نبرهن بواسطة هذا العمل عن محبتنا العميقة للناس اذ نساعدهم ان يعرفوا الاله الحق وما يطلبه منهم في الحياة. — ار ٢٥:٣-٦.
٢٠ قال ارميا بشأن التفويض الذي ناله من يهوه: «صارت لي كلمتك بهجة وفرحا لقلبي؛ لأن اسمك دُعي عليّ يا يهوه إله الجنود». (ار ١٥:١٦) ان هذا الشعور بالفرح والاكتفاء متاح اليوم لكل الذين تدفعهم قلوبهم الى التحدث عن اللّٰه. فلنثابر اذًا على المناداة برسالة يهوه اقتداء بإرميا.
كيف يساعدنا مثالا ارميا وعبد ملك على الاتصاف بالشجاعة؟ وأي صفة من صفات ارميا تودون التحلي بها فيما تكرزون بالبشارة؟
-