مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • ‏«جعلتُ كلامي في فمك»‏
    رسالة من اللّٰه بفم ارميا
    • الفصل الاول

      ‏«جعلتُ كلامي في فمك»‏

      ١،‏ ٢ لمَ نثق بما نقرأه في الكتاب المقدس؟‏

      ‏«يوجد صديق ألصق من الاخ».‏ (‏ام ١٨:‏٢٤‏)‏ هل تلمس صحة هذه الكلمات الملهمة؟‏ ان الصديق الحقيقي كلامه موثوق في نظرك.‏ ولا بد انك تصدقه اذا قدم لك اطراء او اطلعك على مخططاته.‏ وعندما يلفت انتباهك الى امر يحتاج الى تعديل،‏ فالارجح انك تتقبل ملاحظته برحابة صدر وتعمل بها.‏ فصديقك هذا يبرهن على مرّ السنين انه يريد مصلحتك،‏ حتى حينما يسدي اليك النصائح.‏ فهو يتمنى لك الافضل في الحياة.‏ وأنت تسعى الى معاملته بالمثل كي تدوم صداقتكما.‏

      ٢ من نواحٍ عديدة،‏ ترى مثل هذا الصديق الحقيقي في الرجال الذين استخدمهم اللّٰه لكتابة اسفار الكتاب المقدس.‏ فأنت لا تتردد في تصديق كلامهم،‏ وتعرف تمام المعرفة انه يؤول الى خيرك.‏ وهذا ما كان يُفترض ان يشعر به الاسرائيليون القدماء حيال ‹الاشخاص الذين تكلموا من قبل اللّٰه مسوقين بروح قدس›.‏ (‏٢ بط ١:‏​٢٠،‏ ٢١‏)‏ وأحد هؤلاء الاشخاص هو ارميا الذي دوّن اكبر سفر نبوي،‏ اضافة الى المراثي وسفرَين آخرَين في الكتاب المقدس.‏

      ٣،‏ ٤ كيف ينظر البعض الى سفرَي ارميا والمراثي،‏ ولمَ نظرتهم مغلوطة؟‏ اوضحوا.‏

      ٣ ولكن لعلك تلاحظ ان بعض قرّاء الكتاب المقدس يرون ان كتابات ارميا لا تخصّهم.‏ فهم يظنون ان سفرَي ارميا والمراثي كناية عن تحذيرات قوية وتكهنات مشؤومة ليس إلا.‏ فهل هذا الظن في محله؟‏

      ٤ لا ننكر طبعا ان ارميا قدّم نصائح وتنبيهات واضحة ومباشرة.‏ لكنك تعرف ان الصديق الحقيقي يفعل ذلك احيانا.‏ حتى يسوع قوّم بصراحة اصدقاءه الرسل حين اعربوا عن مواقف خاطئة.‏ (‏مر ٩:‏​٣٣-‏٣٧‏)‏ الا ان رسالته الاساسية بعثت الرجاء والفرح في النفوس،‏ مظهرة السبيل الى نيل رضى اللّٰه والتمتع بالسعادة الى الابد.‏ (‏مت ٥:‏​٣-‏١٠،‏ ٤٣-‏٤٥‏)‏ كذلك هي كتابات ارميا التي تعدّ جزءا من «كل الاسفار المقدسة» النافعة ‹للتقويم›.‏ (‏٢ تي ٣:‏١٦‏)‏ فمع انه كشف بوضوح نظرة يهوه الى الذين ادعوا خدمته واستحقوا ان يحصدوا عواقب طرقهم الشريرة،‏ فقد ضمّن سفرَيه ارميا والمراثي رسالة رجاء وأظهر كيف لنا ان ننعم بمستقبل زاخر بالبركات.‏ وتفوّه ايضا بنبوات عما سيفعله اللّٰه انسجاما مع قصده،‏ نبوات نحن اليوم معنيون مباشرة بإتمامها.‏ كما نجد في ثنايا هذَين السفرَين عبارات تبنينا وتشجعنا.‏ —‏ اقرأ ارميا ٣١:‏​١٣،‏ ٣٣؛‏ ٣٣:‏​١٠،‏ ١١؛‏ المراثي ٣:‏​٢٢،‏ ٢٣‏.‏

      ٥ كيف تفيدنا كتابات ارميا؟‏

      ٥ وتؤثّر كتابات ارميا في سعادتنا الآن بين شعب اللّٰه وآمالنا بمستقبل مشرق.‏ اليك مثلا معشر اخوتنا الموحَّد.‏ فإرميا يعلّمنا كيف نقوّي اواصر اخوّتنا ونطبّق نصيحة الرسول بولس:‏ «ايها الاخوة،‏ افرحوا،‏ كونوا مصلَحين،‏ تعزَّوا،‏ فكّروا فكرا واحدا،‏ وعيشوا بسلام.‏ وإله المحبة والسلام سيكون معكم».‏ (‏٢ كو ١٣:‏١١‏)‏ ويرتبط ايضا ما دوّنه النبي ارتباطا مباشرا بالرسالة التي نكرز بها.‏ فرغم اننا نخبر الآخرين عن الايام الاخيرة ونحذّرهم من نهاية هذا النظام الوشيكة،‏ يغلب على رسالتنا الطابع الايجابي اذ انها تمنح السامعين اساسا للرجاء.‏ اضف الى ذلك ان كتابات ارميا تنفعنا كثيرا بطرائق عملية.‏ فحياتنا والرسالة التي ننادي بها شبيهتان الى حد كبير بحياته ورسالته.‏ ولفهم هذا كله،‏ لنتأمل في خلفية وتعيين هذا النبي المثالي الذي قال له اللّٰه:‏ «ها قد جعلتُ كلامي في فمك».‏ —‏ ار ١:‏٩‏.‏

      الصورة في الصفحة ٦

      ٦،‏ ٧ ماذا يؤكد لنا ان اللّٰه ابدى اهتماما بإرميا،‏ وأية احوال عمّت يهوذا عندما وُلد؟‏

      ٦ ان اي زوجين ينتظران مولودا تراودهما خواطر كثيرة حوله،‏ مثل:‏ ‹اية شخصية يتحلى بها؟‏ وماذا تكون اهتماماته ومهنته وإنجازاته في الحياة؟‏›.‏ لا شك ان افكارا كهذه جالت في بال والدَيك،‏ وفي بال والدَي ارميا ايضا.‏ الا ان حالة ارميا كانت استثنائية.‏ لماذا؟‏ لأن خالق الكون بأسره اهتم بشكل خاص بحياته وعمله.‏ —‏ اقرأ ارميا ١:‏٥‏.‏

      ٧ نعم،‏ استخدم اللّٰه معرفته المسبقة قبل ان يبصر ارميا النور.‏ فهو ابدى اهتماما خصوصيا بصبي كان سيولد لعائلة كهنوتية تسكن شمال اورشليم.‏ وقد وُلد هذا الصبي في اواسط القرن السابع قبل الميلاد حين كانت يهوذا في حالة مزرية بسبب تصرفات الملك منسى الفظيعة.‏ (‏انظر الصفحة ١٩.‏)‏ فمنسى فعل الشر في عيني يهوه خلال معظم فترة حكمه التي دامت ٥٥ سنة.‏ وحذا حذوه ابنه آمون.‏ (‏٢ مل ٢١:‏​١-‏٩،‏ ١٩-‏٢٦‏)‏ غير ان تغيرا جذريا حدث في يهوذا باعتلاء يوشيا العرش خلفا لآمون.‏ فهذا الملك طلب يهوه.‏ وبعد مرور ١٨ سنة على ملكه،‏ كان قد طهّر الارض من الصنمية.‏ ولا بد ان ذلك اسعد والدَي ارميا.‏ فابنهما نال تعيينه من اللّٰه خلال حكم يوشيا.‏ —‏ ٢ اخ ٣٤:‏​٣-‏٨‏.‏

      اية اسباب تدفعنا الى التأمل في سفرَي ارميا والمراثي؟‏

      اللّٰه يختار ناطقا بلسانه

      ٨ اي مهمة أُوكلت الى ارميا،‏ وماذا كان رد فعله؟‏

      ٨ لا نعرف كم كان عمر ارميا حين قال له اللّٰه:‏ «جعلتك نبيا للامم».‏ فلعله ناهز الـ‍ ٢٥،‏ وهي السن التي تخوّل الكاهن ان ينخرط في اولى مراحل خدمته.‏ (‏عد ٨:‏٢٤‏)‏ في كل الاحوال،‏ اجاب ارميا:‏ «آه ايها السيد الرب يهوه!‏ ها اني لا اعرف ان اتكلم،‏ لأني صبي».‏ (‏ار ١:‏٦‏)‏ فقد شعر بالتردد معتقدا ربما انه اصغر او اقل كفاءة من ان ينهض بمسؤوليات النبي الثقيلة ويخطب في الناس علنا.‏

      ٩،‏ ١٠ في اية ظروف نال ارميا تفويضه،‏ وكيف تبيّن مع الوقت ان تعيينه صعب جدا؟‏

      ٩ نال ارميا تفويضه فيما كان الملك يوشيا يستأصل العبادة الباطلة المقيتة ويروّج العبادة الحقة.‏ وسواء كان هناك تواصل دائم بينهما او لا،‏ سادت آنذاك اجواء مؤاتية تسهّل على النبي الحقيقي اتمام تعيينه.‏ وخدم ايضا النبيان صفنيا وناحوم في بداية حكم يوشيا على يهوذا.‏a هذا بالاضافة الى النبية خلدة التي انبأت بقدوم اوقات عصيبة.‏ وقد شهد ارميا تلك الاوقات خلال سني حياته.‏ (‏٢ مل ٢٢:‏١٤‏)‏ فصديقاه عبد ملك وباروخ عملا احيانا على انقاذه من الموت المحتّم او حمايته من اعدائه الراغبين في الانتقام منه.‏

      ١٠ فكيف تشعر اذا وكّلك اللّٰه بصفتك نبيا ايصال رسالة قوية؟‏ (‏اقرأ ارميا ١:‏١٠‏.‏‏)‏ تأمل مثلا في احدى الرسائل التي لزم ان يعلنها ارميا.‏ فسنة ٦٠٩ ق‌م،‏ كانت الجيوش البابلية تزحف نحو اورشليم.‏ فأمِل الملك صدقيا بالحصول على بشائر خير من اللّٰه بفم ارميا.‏ لكنّ النبي نقل اليه رسالة مختلفة.‏ —‏ اقرأ ارميا ٢١:‏​٤-‏٧،‏ ١٠‏.‏

      انسان مثلنا

      ١١ لماذا ربما استصعب ارميا اتمام تعيينه،‏ وماذا ساهم في تهدئة مخاوفه؟‏

      ١١ تخيّل ان علينا مثل ارميا اعلان رسائل تتضمّن احكاما قاسية وتشهيرا لاذعا ضد ملوك اشرار،‏ كهنة فاسدين،‏ وأنبياء دجالين.‏ لكنّ اللّٰه سيدعمنا مثلما دعم هذا النبي الشاب.‏ (‏ار ١:‏​٧-‏٩‏)‏ فقد وضع يهوه ثقته في ارميا،‏ مشدّدا اياه بالكلمات التالية:‏ «جعلتك اليوم مدينة حصينة وعمود حديد وأسوار نحاس على كل الارض،‏ تجاه ملوك يهوذا ورؤسائها وكهنتها وشعب الارض.‏ فيحاربونك ولا يقوَون عليك،‏ ‹لأني معك›،‏ يقول يهوه،‏ ‹لأنقذك›».‏ —‏ ار ١:‏​١٨،‏ ١٩‏.‏

      ١٢ اية قواسم مشتركة تجمع بيننا وبين ارميا؟‏

      ١٢ ولا يحسب احد ان ارميا تمتع بقدرات خارقة.‏ فقد كان انسانا مثلنا.‏ واللافت ايضا انه مرّ بأوضاع شبيهة بأوضاعنا مع انه عاش في حقبة مختلفة.‏ فهو احتك بأناس مختلفين من حوله،‏ مثلما نحتك نحن بأشخاص من شتى الاجناس في حياتنا اليومية وفي الجماعة.‏ وهذا يعني ان في وسعنا الاستفادة من ارميا الذي كان على غرار النبي ايليا «انسانا بمثل مشاعرنا».‏ (‏يع ٥:‏١٧‏)‏ فلنرَ ماذا يمكننا ان نتعلم منه.‏

      ١٣،‏ ١٤ لمَ قد يهتم المسيحيون بما كابده ارميا على يد فشحور كما تُظهر الصورة في الصفحة ١٠؟‏

      ١٣ مَن منا لا يواجه تقلّبات الحياة من حين الى آخر؟‏ هذا ما حدث مع ارميا.‏ ففي احدى المناسبات،‏ تهجّم عليه كاهن بارز يدعى فشحور ووضعه في المقطرة.‏ فظل طوال ساعات محبوسا في اطار خشبي بحيث قُيّدت على الارجح قدماه ويداه ورقبته،‏ ما اجبره على البقاء في وضعية ملتوية وموجعة للغاية.‏ وفضلا عن مكابدته العذاب الاليم،‏ اضطر الى احتمال وابل الهزء والسخرية من مقاوميه.‏ فهل تظن ان بإمكانك الصمود في وجه الاستهزاء الماكر والتعذيب الجسدي؟‏ —‏ ار ٢٠:‏​١-‏٤‏.‏

      الصورة في الصفحة ١٠

      ١٤ نظرا الى معاناة ارميا،‏ لا عجب انه قال:‏ «ملعون اليوم الذي وُلدت فيه!‏ .‏ .‏ .‏ لماذا من الرحم خرجت لأرى الكدّ والحزن،‏ وتفنى في الخزي ايامي؟‏».‏ (‏ار ٢٠:‏​١٤-‏١٨‏)‏ كما يتضح،‏ ذاق النبي طعم اليأس والاحباط.‏ فهل وقعت يوما فريسة التثبط وصرت تشكّك في قيمتك كإنسان،‏ اهمية عملك،‏ وجدوى استمرارك في خدمة اللّٰه؟‏ كل الذين تساورهم احاسيس كهذه سينتفعون عندما يفهمون اختبارات ارميا فهما اعمق ويعرفون كيف انتهت به الامور.‏

      ما اللافت في ان يهوه اختار ارميا نبيا له؟‏ وأية قواسم مشتركة تجمع بيننا وبينه؟‏

      ١٥ كيف تفيدنا المعرفة ان ارميا عانى تقلّبات في المزاج؟‏

      ١٥ ان تعابير اليأس التي نقرأها في ارميا ٢٠:‏​١٤-‏١٨ تلي مباشرة كلماته عن تسبيح يهوه والترنيم له.‏ (‏اقرأ ارميا ٢٠:‏​١٢،‏ ١٣‏.‏‏)‏ فهل تشعر احيانا ان مزاجك يتقلّب بسرعة،‏ فترى نفسك تارة تطفر فرحا وتارة اخرى تغرق في دوامة من الحزن؟‏ ان تفحّص ما مرّ به ارميا يفيدنا جميعا.‏ فالاحاسيس التي تملّكته احاسيس طبيعية قد تتملّكنا نحن ايضا.‏ لذا لا شك اننا سنحصد فوائد جمّة من التأمل في تصرفات وردود فعل هذا الرجل الذي استخدمه الخالق مرارا كثيرة كناطق بلسانه.‏ —‏ ٢ اخ ٣٦:‏​١٢،‏ ٢١،‏ ٢٢؛‏ عز ١:‏١‏.‏

      ١٦ مَن يعنيهم وضع ارميا العائلي؟‏

      ١٦ وثمة سبب آخر يدفع البعض الى مشاطرة ارميا مشاعره،‏ ألا وهو وضعه العائلي.‏ فاللّٰه اعطاه وصية غير اعتيادية وربما صعبة:‏ ان يبقى عازبا.‏ (‏اقرأ ارميا ١٦:‏٢‏.‏‏)‏ فما السبب،‏ وما تأثير ذلك فيه؟‏ كيف تمسّ هذه الوصية الاخوة والاخوات الذين لم يتزوجوا بعد إما باختيارهم او بحكم الظروف؟‏ وهل من رسالة تحملها كلمات يهوه هذه الى الشهود المتزوجين الذين لديهم اولاد؟‏ وهل ينتفع منها ايضا الذين ليس لهم «بنون وبنات»؟‏

      ١٧ ماذا نتعلم من كلمات النبي المدونة في ارميا ٣٨:‏٢٠‏؟‏

      ١٧ من الجدير بالذكر ان ارميا حث في احدى المراحل ملك يهوذا الحاكم قائلا:‏ «أطِع قول يهوه في ما اكلّمك به،‏ فيكون لك خير وتحيا نفسك».‏ (‏ار ٣٨:‏٢٠‏)‏ تزودنا هذه الرواية بإرشاد رائع حول علاقاتنا بالآخرين.‏ وهذا يشمل تعاملنا مع الذين لا يسيرون الآن في طرق يهوه،‏ ولكن قد نساعدهم على ذلك.‏ كما ان ما فعله ارميا مع طائعي يهوه آنذاك مثال لنا اليوم.‏ حقا،‏ ما اكثر الدروس التي نتعلمها من ارميا!‏

      ماذا في طيّات هذا الكتاب؟‏

      ١٨،‏ ١٩ بأية طرائق يمكن درس سفرَي ارميا والمراثي؟‏

      ١٨ سيساعدك هذا الكتاب ان تتمعّن في سفرَي ارميا والمراثي وتستخلص منهما العبر.‏ كتب الرسول بولس بالوحي:‏ «كل الاسفار المقدسة موحى بها من اللّٰه ونافعة للتعليم،‏ والتوبيخ،‏ والتقويم،‏ والتأديب في البر».‏ (‏٢ تي ٣:‏١٦‏)‏ وهذا ينطبق على السفرَين المذكورَين آنفا.‏

      ١٩ طبعا،‏ يمكن معالجة هذين السفرَين والاستفادة منهما بطرائق مختلفة.‏ مثلا،‏ قد يدرسهما المرء عددا فعددا بغية فهم خلفية ومعنى كل عدد.‏ او يمكن ان يركز على ايجاد التناظرات بين الافراد والوقائع الوارد ذكرهم في السفرَين وبين ما يماثلهم عصريا من اشخاص او تطورات.‏ (‏قارن ارميا ٢٤:‏​٦،‏ ٧؛‏ ١ كورنثوس ٣:‏٦‏.‏)‏ ومن الممكن ايضا ان يطّلع على الخلفية التاريخية للاحداث المسطّرة فيهما.‏ (‏ار ٣٩:‏​١-‏٩‏)‏ وفي الواقع،‏ ان الحصول على نبذة تاريخية ضروري للاستفادة من الدرس.‏ لذا فإن الفصل ٢ بعنوان «‏ارميا يخدم في ‹آخر الايام›‏‏» سيعطينا لمحة عن الحقبة التي عاش خلالها النبي ويبيّن لنا كيف وجّه اللّٰه الامور.‏

      ٢٠ اي منحى يتّخذه هذا الكتاب في معالجة سفرَي ارميا والمراثي؟‏

      ٢٠ لكنّ هذا الكتاب يتّخذ منحى مختلفا في معالجة سفرَي ارميا والمراثي.‏ فهو ينتهج طريقة تُظهر انهما هدية من اللّٰه لمساعدتنا على العيش كمسيحيين حقيقيين اليوم.‏ (‏تي ٢:‏١٢‏)‏ وسنتفاجأ حين نرى كم يحويان من معلومات «نافعة للتعليم».‏ فهما يزودان مشورة وأمثلة عملية تؤهلنا وتجهزنا لمجابهة تحديات الحياة،‏ سواء كنا عزابا،‏ متزوجين،‏ شيوخا،‏ فاتحين،‏ ارباب عائلات،‏ ربات منازل،‏ او تلاميذ في المدرسة.‏ نعم،‏ سيجد كل منا في هذين السفرَين الملهمَين عونا إلهيا يجعله «مجهزا .‏ .‏ .‏ لكل عمل صالح».‏ —‏ ٢ تي ٣:‏١٧‏.‏

      الصورة في الصفحة ١٢

      ٢١ لمَ نحن متشوّقون الى درس هذا الكتاب؟‏

      ٢١ بينما تتأمل كل فصل في هذا الكتاب،‏ ابحث عن نقاط تفيدك واسعَ الى تطبيقها.‏ ولا شك ان سفرَي ارميا والمراثي يثنّيان على كلمات بولس:‏ «كل ما كُتب من قبل كُتب لإرشادنا،‏ حتى باحتمالنا وبالتعزية من الاسفار المقدسة يكون لنا رجاء».‏ —‏ رو ١٥:‏٤‏.‏

      اية امور تفيدنا في حياتنا اليومية يمكننا تعلّمها من سفرَي ارميا والمراثي؟‏

  • ارميا يخدم في «آخر الايام»‏
    رسالة من اللّٰه بفم ارميا
    • الفصل الثاني

      ارميا يخدم في «آخر الايام»‏

      ١،‏ ٢ (‏أ)‏ اية رؤيا شاهدها ارميا تمحورت حولها اعلاناته النبوية؟‏ (‏ب)‏ لمَ تهمنا رسائل ارميا؟‏

      سأل اللّٰه نبيّه الشاب المعيّن حديثا:‏ «ماذا ترى؟‏».‏ فأجاب قائلا:‏ «ارى قِدرا واسعة يُنفخ في نارها،‏ وفمها متحوّل عن الشمال».‏ شكّلت هذه الرؤيا محور اعلانات ارميا النبوية.‏ (‏اقرأ ارميا ١:‏​١٣-‏١٦‏.‏‏)‏ فالقِدر المجازية كان يُنفخ في نارها لا لإطفاء لهيبها بل لزيادة تأججها.‏ نعم،‏ اراد يهوه الانباء ان المصائب ستنسكب من القِدر على ارض يهوذا،‏ مثل سائل حارق،‏ جراء تفشي الخيانة فيها.‏ ولمَ كان فم القدر موجّها نحو الجنوب؟‏ لأن المصائب آتية من الشمال،‏ اذ ان بابل ستجتاح يهوذا من تلك الجهة.‏ وهذا ما حصل بالفعل.‏ فقد شهد ارميا خلال خدمته النبوية انسكاب ويلات متعاقبة من القدر الحامية تُوّجت بدمار اورشليم.‏

      ٢ صحيح ان بابل ولّت ايامها،‏ الا ان رسائل ارميا النبوية لا تزال مفيدة لنا.‏ لماذا؟‏ لأننا نعيش في «آخر الايام» التي يدّعي فيها كثيرون انهم مسيحيون،‏ غير انهم لا يحظون لا هم ولا كنائسهم برضى اللّٰه.‏ (‏ار ٢٣:‏٢٠‏)‏ ولكن على نسق ارميا،‏ لا نكرز نحن الشهود برسالة تعلن الدينونة فحسب بل تمنح الرجاء ايضا.‏

      الصورة في الصفحة ١٤

      ٣ (‏أ)‏ كيف هو تنظيم المواد في سفر ارميا؟‏ (‏ب)‏ ما الهدف من الفصل ٢ في هذا الكتاب؟‏

      ٣ لم يسجل ارميا الوقائع لدى حدوثها.‏ فمن المرجح انه املى روايته على كاتبه في المرحلة الاخيرة من مهمته النبوية.‏ (‏ار ٢٥:‏​١-‏٣؛‏ ٣٦:‏​١،‏ ٤،‏ ٣٢‏)‏ ولا يتبع سفره ترتيبا زمنيا في سرد المعلومات لأن اجزاء كثيرة منه منظمة بحسب المواضيع.‏ لذا يحسن بك ان تأخذ لمحة عن خلفية سفرَي ارميا والمراثي التاريخية وتسلسل الاحداث فيهما.‏ لاحظ الخط الزمني في الصفحة ١٩.‏ فحين تعرف مَن حكم يهوذا في كل فترة من الفترات،‏ وتطّلع في بعض الحالات عما كان يدور داخلها وحولها،‏ تتوضح لك اقوال ارميا وأفعاله وتجني فوائد اكبر من الرسائل التي نقلها الى شعب اللّٰه.‏

      خدمة ارميا في اطارها التاريخي

      ٤-‏٦ اية احداث مرّ بها شعب اللّٰه قديما خلال العقود التي سبقت عمل ارميا كنبي؟‏

      ٤ تنبّأ ارميا خلال مرحلة زاخرة بالاضطرابات،‏ مرحلة شهدت تنافسا على النفوذ والسيطرة بين اشور وبابل ومصر.‏ فقبل ٩٠ سنة ونيّف من ابتداء مهمة ارميا النبوية،‏ اوقعت اشور الهزيمة بمملكة اسرائيل الشمالية ذات العشرة اسباط وساقت كثيرين من اهلها الى السبي.‏ آنذاك،‏ دافع يهوه عن اورشليم وملكها الامين حزقيا ضد الهجوم الاشوري.‏ فأنت تتذكر دون شك كيف قتل عجائبيا ٠٠٠‏,١٨٥ من جنود الاعداء.‏ (‏٢ مل ١٩:‏​٣٢-‏٣٦‏)‏ وبعد موت حزقيا،‏ ملك ابنه منسى ٥٥ سنة.‏ وأغلب الظن ان ارميا وُلد خلال هذه الفترة التي خضعت فيها يهوذا لسلطة اشور السياسية.‏ —‏ ٢ اخ ٣٣:‏​١٠،‏ ١١‏.‏

      ٥ ونقرأ في ثاني سفرَي الملوك اللذين دوّنهما ارميا ان منسى اعاد بناء المرتفعات التي دمرها ابوه،‏ وأقام مذابح للبعل وجند السموات حتى في هيكل يهوه.‏ كما اراق الكثير من الدماء البريئة وقدّم ابنه محرقة لإله باطل.‏ وبالإجمال،‏ «أكثر [منسى] من فعل الشر في عيني يهوه».‏ لذا قضى اللّٰه ان يسقي اورشليم ويهوذا من نفس الكأس المرة التي تجرعتها السامرة وإسرائيل.‏ (‏٢ مل ٢١:‏​١-‏٦،‏ ١٢-‏١٦‏)‏ وبعد موت منسى،‏ لم يقلع ابنه آمون عن ممارسات ابيه الصنمية.‏ لكنّ الاحوال سرعان ما تبدلت.‏ فبعد سنتين،‏ قُتل آمون واعتلى العرش عام ٦٥٩ ق‌م ابنه يوشيا بعمر ٨ سنوات.‏

      ٦ وفي عهد يوشيا الذي استمر ٣١ سنة،‏ اخذت بابل تفوق اشور قوة.‏ فرأى يوشيا في ذلك فرصة لتحرير يهوذا من الهيمنة الاجنبية.‏ وبخلاف ابيه وجدّه،‏ خدم يهوه بأمانة وقام بإصلاحات دينية جوهرية.‏ (‏٢ مل ٢١:‏١٩–‏٢٢:‏٢‏)‏ ففي السنة الـ‍ ١٢ من ملكه،‏ قوّض المرتفعات والسواري المقدسة وكسّر المنحوتات الدينية الباطلة في كل ارجاء مملكته،‏ وأمر بعد ذلك بترميم هيكل يهوه.‏ (‏اقرأ ٢ اخبار الايام ٣٤:‏​١-‏٨‏.‏‏)‏ ومن الجدير بالذكر ان ارميا تسلّم تفويضه كنبي للّٰه في السنة الـ‍ ١٣ من حكم هذا الملك (‏٦٤٧ ق‌م)‏.‏

      كيف كنا سنشعر لو خدمنا انبياء في زمن ارميا؟‏

      ٧،‏ ٨ (‏أ)‏ كيف اختلف عهد الملك يوشيا عن عهد منسى وآمون؟‏ (‏ب)‏ اي نوع من الاشخاص كان يوشيا؟‏ (‏انظر الاطار في الصفحة ٢٠‏.‏)‏

      ٧ اثناء ترميم الهيكل في السنة الـ‍ ١٨ من حكم يوشيا الصالح،‏ وجد رئيس الكهنة «سفر الشريعة».‏ وبعدما قرأه كاتب الديوان على يوشيا بطلب منه،‏ ادرك الملك معاصي شعبه،‏ التمس ارشاد يهوه من النبية خلدة،‏ وحث رعاياه على حفظ وصايا اللّٰه.‏ ومن جملة ما قالته له خلدة ان يهوه سيجلب «بلية» على اهل يهوذا نتيجة عدم امانتهم،‏ انما لن يرى هو هذه البلية مدى حياته لأنه اتخذ موقفا جيدا من العبادة النقية.‏ —‏ ٢ مل ٢٢:‏​٨،‏ ١٤-‏٢٠‏.‏

      الجدول في الصفحة ١٩

      ٨ وقد سعى الملك يوشيا جاهدا لمحو كل مظاهر الصنمية الاخرى.‏ حتى انه وصل في حملته الى منطقة شغلتها في ما مضى مملكة اسرائيل الشمالية،‏ فقوّض المرتفعة والمذبح في بيت ايل.‏ كما نظّم احتفالا ضخما بعيد الفصح.‏ (‏٢ مل ٢٣:‏​٤-‏٢٥‏)‏ وكم فرّح ذلك قلب ارميا النبي!‏ ولكن تبيّن ان من الصعب حمل الشعب على تغيير طرقهم.‏ فمنسى وآمون كانا قد عوّداهم عبادة الاصنام المنحطة،‏ ما جعل روحياتهم في الحضيض.‏ لذا رغم اصلاحات يوشيا،‏ دفع اللّٰه ارميا الى القول ان آلهة يهوذا عادلت مدنها في الكثرة.‏ فالشعب كان اشبه بزوجة خائنة،‏ اذ تركوا يهوه وزنوا روحيا مع آلهة غريبة.‏ اعلن ارميا:‏ «وضعتم مذابح للصنم المخزي على عدد شوارع اورشليم،‏ مذابح للايقاد للبعل».‏ —‏ اقرأ ارميا ١١:‏​١-‏٣،‏ ١٣‏.‏

      ٩ اية احداث على صعيد الامم الاخرى وسمت السنوات الاخيرة من ملك يوشيا؟‏

      ٩ لم يُعر اليهود رسائل ارميا اي انتباه.‏ وبقيت الامم المحيطة تتنافس في بسط سيادتها على المنطقة.‏ فعام ٦٣٢ ق‌م،‏ اخضع تحالف من البابليين والماديين العاصمة الاشورية نينوى.‏ وبعد ثلاث سنوات،‏ قاد فرعون نخو ملك مصر جيشه شمالا لمساندة الاشوريين في ورطتهم.‏ فقام يوشيا،‏ لأسباب لا يفصح عنها الكتاب المقدس،‏ باعتراض سبيل المصريين في مجدو،‏ لكنه أُصيب بجروح مميتة.‏ (‏٢ اخ ٣٥:‏​٢٠-‏٢٤‏)‏ فأية تغييرات سياسية ودينية طرأت على يهوذا جراء هذا الحادث المؤسف؟‏ وأية تحديات جديدة جابهها ارميا؟‏

      المناخ الديني يتغير

      ١٠ (‏أ)‏ لمَ نقول ان الاوقات التي تلت موت يوشيا شبيهة بأوقاتنا؟‏ (‏ب)‏ كيف يفيدنا تفحص مثال ارميا؟‏

      ١٠ تخيّل كم تألم ارميا دون ريب لموت يوشيا!‏ فبقلب يفطره الحزن رثى هذا الملك الصالح.‏ (‏٢ اخ ٣٥:‏٢٥‏)‏ وقد سببت هذه الفاجعة اضطرابا وجزعا في يهوذا.‏ وزاد الامر سوءا عدم الاستقرار السائد حولها.‏ فالقوى المتزاحمة،‏ مصر وأشور وبابل،‏ كانت تبذل كل ما في وسعها لتضع يدها على المنطقة.‏ هذا وإن المناخ الديني في يهوذا تغيّر برحيل يوشيا.‏ فبموته انتهى نظام حكم سهّل على ارميا عموما اتمام خدمته وابتدأ نظام آخر عامله بمنتهى العدائية.‏ وفي ايامنا هذه،‏ يمرّ العديد من اخوتنا بتغيير مماثل.‏ فبعد ان ينعموا نسبيا بحرية العبادة،‏ يُحظر عملهم ويقاسون الاضطهاد.‏ ويُحتمل ان يواجه كثيرون منا الظروف عينها عما قريب.‏ فكيف يؤثّر ذلك فينا؟‏ وماذا يلزم ان نفعل كي نحافظ على استقامتنا؟‏ لنبقِ هذين السؤالين في بالنا فيما نتعلم عن التحديات التي تخطاها ارميا بنجاح.‏

      يوشيا آخر ملوك يهوذا الصالحين

      الصورة في الصفحة ٢٠

      اعتلى يوشيا عرش يهوذا بعمر ٨ سنوات بعد موت ابيه آمون.‏ وبعمر ١٥ سنة،‏ بدأ يطلب اللّٰه و «سار في جميع طرق داود ابيه».‏ وعندما اصبح عمره ١٩ سنة،‏ اخذ يطهّر يهوذا وإسرائيل من العبادة الباطلة ويسحق اصنامهم.‏ وشرع يرمم هيكل يهوه وهو ابن ٢٥ سنة.‏ —‏ ٢ مل ٢١:‏١٩–‏٢٢:‏٢؛‏ ٢ اخ ٣٤:‏​٢-‏٨‏.‏

      وخلال عملية الترميم،‏ وُجد سفر الشريعة،‏ على الارجح السفر الاصلي الذي كُتب بيد موسى.‏ ولما قُرئ على يوشيا،‏ تواضع ومزّق ثيابه وبكى امام يهوه.‏ ورتّب ان يُقرأ السفر على مسامع الكهنة واللاويين وكل رعاياه من صغيرهم الى كبيرهم.‏ ثم قطع عهدا،‏ حسبما تذكر الرواية،‏ ان «يتبع يهوه ويحفظ وصاياه .‏ .‏ .‏ من كل قلبه ومن كل نفسه».‏ بعد ذلك،‏ شنّ حملة مكثفة جدا لاستئصال العبادة الباطلة.‏ وأقام ايضا فصحا عظيما ليهوه لم يكن مثله منذ ايام صموئيل.‏ —‏ ٢ اخ ٣٤:‏١٤–‏٣٥:‏١٩‏.‏

      ١١ ماذا حدث في يهوذا بعد موت يوشيا؟‏

      ١١ إثر موت يوشيا،‏ نصّب سكان يهوذا ابنه يهوآحاز ملكا على اورشليم.‏ ولم يحكم يهوآحاز الذي دُعي ايضا شلوم سوى ثلاثة اشهر.‏ ففيما كان فرعون نخو متجها نحو الجنوب بعد محاربة البابليين،‏ عزله عن منصبه وأخذه الى مصر،‏ وأعلن ارميا انه «لا يرجع بعد».‏ (‏ار ٢٢:‏​١٠-‏١٢؛‏ ٢ اخ ٣٦:‏​١-‏٤‏)‏ وملّك نخو عوضا عنه ابنا آخر ليوشيا هو يهوياقيم الذي مارس الصنمية عوض ان ينهج نهج والده الصالح ويواصل اصلاحاته.‏ —‏ اقرأ ٢ ملوك ٢٣:‏​٣٦،‏ ٣٧‏.‏

      ١٢،‏ ١٣ (‏أ)‏ كيف كان المناخ الديني في يهوذا بداية حكم يهوياقيم؟‏ (‏ب)‏ كيف عامل القادة الدينيون اليهود النبي ارميا؟‏

      ١٢ وفي بداية حكم يهوياقيم،‏ امر يهوه ارميا ان يذهب الى الهيكل ويدين بالفم الملآن ابناء يهوذا على شرهم.‏ فقد اعتبروا الهيكل بمثابة تعويذة تمدهم بالحماية.‏ لكنّ يهوه كان سيهجر هيكله إن لم يكفّوا عن ‹السرقة،‏ والقتل،‏ والزنى،‏ والحلف زورا،‏ والايقاد للبعل،‏ والسير وراء آلهة اخرى›.‏ وسيتخلى ايضا عن المرائين الذين يؤدون العبادة فيه،‏ تماما كما هجر المسكن في شيلوه ايام رئيس الكهنة عالي.‏ كما ‹ستصير ارض يهوذا خرابا›.‏ (‏ار ٧:‏​١-‏١٥،‏ ٣٤؛‏ ٢٦:‏​١-‏٦‏)‏a فكّر كم لزم ان يتسلح ارميا بالشجاعة لإعلان هذه الرسالة.‏ فعلى الارجح انه نادى بها علانية في حضرة اشخاص بارزين ونافذين.‏ على نحو مماثل اليوم،‏ يشعر بعض اخوتنا وأخواتنا انهم بحاجة الى الشجاعة للاشتراك في شهادة الشوارع ومخاطبة الاثرياء والمرموقين.‏ ولكن لنا ملء الثقة ان يهوه يعيننا مثلما اعان ارميا.‏ —‏ عب ١٠:‏٣٩؛‏ ١٣:‏٦‏.‏

      الصورة في الصفحة ٢٢

      ١٣ وماذا كان موقف القادة الدينيين من كلام ارميا في ظل الظروف الدينية والسياسية السائدة في يهوذا؟‏ يخبر هو نفسه ان ‏«الكهنة والانبياء وكل الشعب امسكوه،‏ قائلين:‏ ‹انك تموت موتا!‏›».‏ وأكدوا وهم يحتدمون غيظا:‏ «هذا الرجل يستحق حكم الموت».‏ (‏اقرأ ارميا ٢٦:‏​٨-‏١١‏.‏‏)‏ لكنّ اعداء النبي لم يقووا على تنفيذ كلامهم.‏ فيهوه وقف الى جانبه وخلّصه من ايديهم.‏ وإرميا من جهته لم يسمح لتهديداتهم وكثرة عددهم ان تدخل الخوف الى قلبه.‏ انت ايضا ينبغي الا ترتاع في وجه المقاومة.‏

      كيف اختلف حكم منسى وآمون عن حكم يوشيا؟‏ وماذا نتعلم من نجاح ارميا في النهوض بتعيينه الصعب؟‏

      ‏«اكتب .‏ .‏ .‏ كل الكلام»‏

      ١٤،‏ ١٥ (‏أ)‏ ما هو العمل الذي شرع فيه ارميا وكاتبه باروخ في السنة الرابعة ليهوياقيم؟‏ (‏ب)‏ اي نوع من الاشخاص كان يهوياقيم؟‏ (‏انظر الاطار في الصفحة ٢٥‏.‏)‏

      ١٤ في السنة الرابعة ليهوياقيم،‏ طلب يهوه من ارميا ان يكتب جميع الكلام الذي كلّمه به من ايام يوشيا.‏ فأملى النبي على كاتبه باروخ كل ما تسلّمه من اللّٰه خلال السنوات الـ‍ ٢٣ المنصرمة.‏ وقد نالت رسائل دينونته من حوالي ٢٠ ملكا ومملكة.‏ ثم اوصى ارميا باروخ ان يقرأ الدرج بصوت عالٍ في بيت يهوه.‏ وبأي هدف؟‏ قال يهوه:‏ «لعلّ مَن هم من بيت يهوذا يسمعون بكل البلية التي افكر ان اصنعها بهم،‏ فيرجعوا كل واحد عن طريقه الرديء،‏ فأغفر ذنبهم وخطيتهم».‏ —‏ ار ٢٥:‏​١-‏٣؛‏ ٣٦:‏​١-‏٣‏.‏

      ١٥ وحين قرأ رسمي في البلاط الدرج على يهوياقيم،‏ مزّقه الملك ورماه في النار.‏ ثم امر باعتقال ارميا وباروخ،‏ «لكنّ يهوه خبأهما».‏ (‏اقرأ ارميا ٣٦:‏​٢١-‏٢٦‏.‏‏)‏ وبما ان يهوياقيم اظهر موقفا رديئا جدا،‏ اعلن يهوه على لسان نبيّه ان هذا الملك سوف «يُدفن دفن حمار» اذ ‹يُجرّ ويُطرح خارج ابواب اورشليم›.‏ (‏ار ٢٢:‏​١٣-‏١٩‏)‏ فهل تظن ان هذه الكلمات ما كانت لتتم على اعتبار انها نبوة تصويرية مبالغ فيها؟‏

      ١٦ اية رسالة ايجابية نادى بها ارميا؟‏

      ١٦ صحيح ان ارميا نقل رسائل شجب وإدانة،‏ الا انه لم يكن نبي شؤم.‏ فقد اذاع ايضا رسالة مفعمة بالرجاء قائلا ان يهوه سيخلّص بقية اسرائيل من اعدائهم ويردّهم الى ارضهم حيث يسكنون آمنين.‏ وسيقطع مع شعبه عهدا «جديدا» يبقى «الى الدهر» ويكتب شريعته في قلوبهم.‏ كما سيغفر ذنبهم ولا يذكر خطيتهم بعد.‏ اضف الى ذلك ان متحدرا من داود سيقوم و «يُجري العدل والبر في الارض».‏ (‏ار ٣١:‏​٧-‏٩؛‏ ٣٢:‏​٣٧-‏٤١؛‏ ٣٣:‏١٥‏)‏ كانت هذه النبوات الرائعة ستتم على مرّ العقود والقرون المقبلة،‏ حتى انها ستشهد اتماما يؤثّر في حياتنا ويمنحنا الامل بمستقبل ابدي مشرق.‏ ولكن لنعد الآن الى ايام ارميا حيث يواصل اعداء يهوذا صراعهم لبسط هيمنتهم على المنطقة.‏ —‏ اقرأ ارميا ٣١:‏​٣١،‏ ٣٣،‏ ٣٤؛‏ عبرانيين ٨:‏​٧-‏٩؛‏ ١٠:‏​١٤-‏١٨‏.‏

      نفوذ بابل يتعاظم

      ١٧،‏ ١٨ اية تطورات حصلت خلال السنوات الاخيرة من حكم يهوياقيم وصدقيا؟‏

      ١٧ سنة ٦٢٥ ق‌م،‏ خاضت بابل ومصر معركة فاصلة في كركميش قرب نهر الفرات على بعد نحو ٦٠٠ كيلومتر شمال اورشليم.‏ فأوقع الملك نبوخذنصر هزيمة نكراء بجيوش فرعون نخو،‏ منهيا بذلك النفوذ المصري في المنطقة.‏ (‏ار ٤٦:‏٢‏)‏ وأحكم قبضته على يهوذا مجبرا يهوياقيم ان يصير خادما له.‏ ولكن بعد ثلاث سنوات تمرد يهوياقيم.‏ (‏٢ مل ٢٤:‏​١،‏ ٢‏)‏ فما كان من نبوخذنصر الا ان زحف بجيشه الى يهوذا سنة ٦١٨ ق‌م وحاصر اورشليم.‏ تصوّر كم كانت عصيبة تلك الايام حتى بالنسبة الى نبي اللّٰه ارميا!‏ وخلال الحصار،‏ يبدو ان يهوياقيم لقي حتفه.‏b فحلّ محله ابنه يهوياكين الذي استسلم للبابليين بعدما ملك على يهوذا ثلاثة اشهر فقط.‏ نتيجة ذلك،‏ جرّد نبوخذنصر اورشليم من ثرواتها وأخذ الى السبي يهوياكين،‏ امه وزوجاته،‏ الشرفاء وعائلاتهم،‏ وجبابرة يهوذا وصنّاعها.‏ وكان بين المسبيين دانيال،‏ حننيا،‏ ميشائيل،‏ وعزريا.‏ —‏ ٢ مل ٢٤:‏​١٠-‏١٦؛‏ دا ١:‏​١-‏٧‏.‏

      ١٨ ثم اسند نبوخذنصر المُلك الى ابن آخر ليوشيا هو صدقيا الذي كان آخر الملوك الارضيين في السلالة الداودية.‏ وقد انتهى حكمه بدمار اورشليم وهيكلها سنة ٦٠٧ ق‌م.‏ (‏٢ مل ٢٤:‏١٧‏)‏ ولكن خلال عهده الذي دام ١١ سنة،‏ عصفت بيهوذا توترات اجتماعية وسياسية شديدة.‏ لذا وجب على ارميا ان يثق ثقة مطلقة بإلهه الذي عيّنه نبيا.‏

      يهوياقيم قاتل نبي يهوه

      الصورة في الصفحة ٢٥

      تولى يهوياقيم حكم يهوذا بعمر ٢٥ سنة،‏ وملك حوالي ١١ سنة.‏ ويتبيّن من مجمل افعاله المدون في ٢ اخبار الايام ٣٦:‏​٥-‏٨ انه لم يقترف الشرور فحسب في عيني يهوه بل «المكرهات» ايضا.‏ فقد تجاهل تحذيرات ارميا ولجأ في حكمه الى الظلم والابتزاز والقتل.‏ حتى انه قتل يوريا النبي حين تنبأ بمثل كلام ارميا.‏ ويبدو ان هذا الملك مات خلال الحصار الذي ضربه البابليون على اورشليم.‏ —‏ ار ٢٢:‏​١٧-‏١٩؛‏ ٢٦:‏​٢٠-‏٢٣‏.‏

      ١٩ ماذا كان رد فعل معاصري ارميا ازاء رسالته،‏ ولمَ يهمنا ذلك؟‏

      ١٩ ضع نفسك مكان ارميا.‏ فمن ايام يوشيا،‏ واكب هذا النبي الخضّات السياسية وتدهور حالة شعب اللّٰه الروحية.‏ لكنه عرف ان الامور كانت ستزداد سوءا.‏ قال له ابناء مدينته:‏ «لا تتنبأ باسم يهوه،‏ لئلا تموت بيدنا».‏ (‏ار ١١:‏٢١‏)‏ حتى حين تحققت نبواته،‏ اكد له اليهود:‏ «الكلمة التي كلّمتنا بها باسم يهوه لا نسمع لك فيها».‏ (‏ار ٤٤:‏١٦‏)‏ الا ان حياة الناس كانت في خطر،‏ كما هي اليوم.‏ وبما انك تنادي مثل ارميا برسالة مصدرها يهوه،‏ فستتعزز غيرتك للخدمة حين ترى كيف حمى يهوه نبيّه خلال الفترة التي انتهت بسقوط اورشليم.‏

      ماذا نتعلم من موقف ارميا اثناء حكم يهوياقيم؟‏ وأية نبوة بارزة لإرميا يؤثّر اتمامها في حياتنا؟‏

      سلالة حاكمة تعيش ايامها الاخيرة

      ٢٠ لمَ كان حكم صدقيا هو الاصعب على ارميا؟‏ (‏انظر الاطار في الصفحة ٢٩‏.‏)‏

      ٢٠ لعلّ سني حكم صدقيا كانت الاصعب على ارميا خلال عمله كنبي.‏ فهذا الملك «فعل ما هو شر في عيني يهوه» على غرار كثيرين من سابقيه.‏ (‏ار ٥٢:‏​١،‏ ٢‏)‏ وإذ كان تحت نير البابليين،‏ جعله نبوخذنصر يحلف باسم يهوه ان يظل خاضعا لملك بابل.‏ غير انه تمرد في نهاية المطاف.‏ فراح اعداء ارميا يمارسون ضغطا شديدا على النبي كي يؤيد هذا التمرد.‏ —‏ ٢ اخ ٣٦:‏١٣؛‏ حز ١٧:‏​١٢،‏ ١٣‏.‏

      ٢١-‏٢٣ (‏أ)‏ اي رأيَين متضاربَين نشآ في يهوذا خلال عهد صدقيا؟‏ (‏ب)‏ كيف عومل ارميا بسبب موقفه،‏ ولمَ يفيدنا ذلك؟‏

      ٢١ في بداية عهد صدقيا كما يتضح،‏ قدِم الى اورشليم رسل من ملوك ادوم،‏ موآب،‏ عمون،‏ صور،‏ وصيدون،‏ وفي نيتهم ربما اقناع الملك بالانضمام الى تحالف ضد نبوخذنصر.‏ غير ان ارميا حثه الا يخرج عن طاعة بابل.‏ وانسجاما مع ذلك،‏ اعطى الرسل انيارا مظهرا ان على الامم التي يمثّلونها ان تخدم هي الاخرى البابليين.‏ (‏ار ٢٧:‏​١-‏٣،‏ ١٤‏)‏c لكنّ هذا الموقف لم يرق الشعب.‏ وزاد الطين بلة النبي الدجال حننيا.‏ فقد اكد على الملإ باسم اللّٰه ان نير بابل سينكسر.‏ غير ان يهوه تنبأ على فم ارميا بموت حننيا في غضون سنة.‏ وهذا ما حصل فعلا.‏ —‏ ار ٢٨:‏​١-‏٣،‏ ١٦،‏ ١٧‏.‏

      ٢٢ وهكذا،‏ انقسم الرأي في يهوذا بين الخضوع لبابل والثورة عليها.‏ ولكن سنة ٦٠٩ ق‌م،‏ اختار صدقيا ان يتمرد ملتمسا الامدادات العسكرية من مصر.‏ فوجب على ارميا ان يجاهد للصمود في وجه الهستيريا القومية التي استحوذت على مناصري التمرد.‏ (‏ار ٥٢:‏٣؛‏ حز ١٧:‏١٥‏)‏ وبغية قمع الثورة،‏ عاد نبوخذنصر بجيوشه الى يهوذا واجتاح جميع مدنها وحاصر اورشليم مجددا.‏ فأخبر ارميا صدقيا ورعاياه في تلك المرحلة الحرجة ان اورشليم ستسقط في يد البابليين.‏ ومَن يبقى داخلها ينتظره الموت،‏ اما مَن يهرب الى الكلدانيين فينجو بحياته.‏ —‏ اقرأ ارميا ٢١:‏​٨-‏١٠؛‏ ٥٢:‏٤‏.‏

      ٢٣ عندئذ،‏ زعم رؤساء يهوذا ان ارميا متضامن مع البابليين.‏ وحين انكر هذا الكلام،‏ ضربوه وجعلوه في بيت السجن.‏ (‏ار ٣٧:‏​١٣-‏١٥‏)‏ مع ذلك،‏ لم يلطّف ارميا رسالة يهوه،‏ ما حدا بالرؤساء الى اقناع صدقيا بالقضاء عليه.‏ فأخذوه وألقوه في جب ماء فارغ حيث كان يُحتمل ان يهلك في الطين الاسود المنتن.‏ غير ان عبد ملك،‏ رجلا حبشيا يخدم في بيت الملك،‏ خلّصه من الموت.‏ (‏ار ٣٨:‏​٤-‏١٣‏)‏ ان ما حدث مع ارميا له نظير في ازمنتنا العصرية.‏ فكم من مرة يتعرّض خدام يهوه للخطر لأن ضميرهم يمنعهم من التورط في النزاعات السياسية!‏ حقا،‏ يمكن لتجربة ارميا ان تقوّي عزيمتك على مجابهة المحن والتغلب عليها.‏

      صدقيا آخر ملك ارضي من سبط يهوذا

      الصورة في الصفحة ٢٩

      كان صدقيا ملكا مترددا وضعيف الشخصية ينقاد لمخاوفه والرؤساء العاملين معه.‏ وخلال آخر حصار فرضه البابليون على اورشليم،‏ التمس ارشاد اللّٰه من ارميا.‏ لكنه لم يعمل بموجب كلامه حين نصحه بالاستسلام.‏ وبما ان رسالة ارميا لم تلقَ استحسانه،‏ حبسه في باحة الحرس.‏ (‏ار ٢١:‏​١-‏٩؛‏ ٣٢:‏​١-‏٥‏)‏ مع ذلك،‏ استمر يستشيره ولكن في السر خوفا من اغضاب رؤساء يهوذا.‏ وحين طالب هؤلاء بقتل ارميا،‏ اذعن لهم بضعف قائلا:‏ «ها هو في ايديكم.‏ فما من شيء يستطيع الملك ان يقوى فيه عليكم».‏ وبعدما افلت النبي من براثن الموت،‏ طلب الملك رأيه مجددا واعترف انه لا يطيع يهوه خوفا ان يسيء الشعب معاملته.‏ —‏ ار ٣٧:‏​١٥-‏١٧؛‏ ٣٨:‏​٤،‏ ٥،‏ ١٤-‏١٩،‏ ٢٤-‏٢٦‏.‏

      رغم ذلك،‏ «لم يتواضع [صدقيا] امام ارميا .‏ .‏ .‏ وصلّب عنقه وقسّى قلبه عن الرجوع الى يهوه».‏ —‏ ٢ اخ ٣٦:‏​١٢،‏ ١٣؛‏ حز ٢١:‏٢٥‏.‏

      ٢٤ صفوا ما جرى سنة ٦٠٧ ق‌م.‏

      ٢٤ عام ٦٠٧ ق‌م،‏ سقطت اورشليم اخيرا بعدما نجح البابليون في خرق اسوارها.‏ فأحرق جيش نبوخذنصر هيكل يهوه،‏ هدم اسوار المدينة،‏ وذبح اشراف يهوذا.‏ ولما هرب صدقيا،‏ ادركته قوة من الجيش وأحضرته الى نبوخذنصر الذي ذبح بنيه على مرأى منه،‏ ثم اعمى عينيه وأخذه مقيّدا الى بابل.‏ (‏ار ٣٩:‏​١-‏٧‏)‏ وهكذا تحققت كلمات ارميا النبوية عن يهوذا وأورشليم.‏ غير ان نبي اللّٰه لم يفرح بمصيبة شعبه بل بكى متأسفا على بلواهم.‏ وينعكس حزنه العميق هذا في سفر المراثي الذي يلمس بتعابيره المؤثّرة صميم قلوبنا.‏

      ارميا يتنبأ وسط بقية من يهوذا

      ٢٥،‏ ٢٦ (‏أ)‏ اية احداث تلت سقوط اورشليم؟‏ (‏ب)‏ ماذا كان رد فعل معاصري ارميا حيال رسالته عقب سقوط اورشليم؟‏

      ٢٥ ماذا حلّ بإرميا فيما راحت هذه الاحداث المثيرة تنجلي؟‏ لقد كان النبي محبوسا بتحريض من رؤساء اورشليم.‏ الا ان البابليين المنتصرين عاملوه بلطف وحرروه من اسره.‏ وفي وقت لاحق،‏ حدث ان أُخذ مع اليهود المسوقين الى السبي،‏ ولكن أُطلق سراحه مجددا.‏ فخدمته للّٰه لم تنتهِ بعد،‏ اذ كان ينتظره عمل بين الناجين.‏ في تلك الاثناء،‏ كان نبوخذنصر قد عيّن جدليا واليا على مدن يهوذا.‏ ووعد الباقين من الشعب بالسلام والطمأنينة ما داموا يخدمونه.‏ غير ان بعض اليهود الناقمين اغتالوا جدليا.‏ (‏ار ٣٩:‏​١٣،‏ ١٤؛‏ ٤٠:‏​١-‏٧؛‏ ٤١:‏٢‏)‏ وفي حين حث ارميا بقية يهوذا ان يظلوا ساكنين في الارض وألا يخافوا ملك بابل،‏ نعته قادتهم بالكذب وهربوا الى مصر مصطحبينه هو وباروخ معهم بالقوة.‏ الا ان ارميا تنبأ ان نبوخذنصر سيجتاح مصر ايضا ويُخضعها ويبلي لاجئي يهوذا اشد بلوى.‏ —‏ ار ٤٢:‏​٩-‏١١؛‏ ٤٣:‏​١-‏١١؛‏ ٤٤:‏​١١-‏١٣‏.‏

      ٢٦ مرة اخرى،‏ لم يصغِ شعب يهوذا الى تنبؤات ابن بلدهم،‏ نبي اللّٰه الحقيقي.‏ لماذا؟‏ حاجّوا قائلين:‏ «منذ كففنا عن الايقاد ‹لملكة السموات› وسكب السكائب لها،‏ اعوزنا كل شيء،‏ وفنينا بالسيف والمجاعة».‏ (‏ار ٤٤:‏​١٦،‏ ١٨‏)‏ كم تعكس هذه الكلمات تردي حالة معاصري ارميا الروحية!‏ من جهة ثانية،‏ كم نتشجع حين نعرف ان باستطاعة الانسان الناقص البقاء امينا ليهوه حتى لو احاط به اشخاص غير امناء!‏

      ٢٧ ماذا نعرف عن السنوات الاخيرة من حياة ارميا كنبي؟‏

      ٢٧ يعود تاريخ آخر حدث سجله ارميا الى سنة ٥٨٠ ق‌م التي شهدت اطلاق سراح يهوياكين من السجن على يد اويل مرودخ خليفة نبوخذنصر.‏ (‏ار ٥٢:‏​٣١-‏٣٤‏)‏ ولا بد ان ارميا كان قد صار آنذاك بعمر ٩٠ سنة تقريبا.‏ ومع اننا لا نملك معلومات موثوقة حول نهاية حياته،‏ فالارجح انه عاش سنواته الاخيرة في مصر حيث مات امينا بعد حوالي ٦٧ سنة من الخدمة الخصوصية ليهوه.‏ فإرميا خدم في السراء والضراء،‏ خلال سنوات رُوّجت فيها العبادة الحقة وأخرى كثيرة تفشّى فيها الارتداد.‏ وفي حين اصغت اليه قلة من الشعب،‏ رفضت الغالبية رسائله وعاملته بعدائية شديدة.‏ ولكن هل يعني ذلك انه فشل في انجاز مهمته؟‏ قطعا لا.‏ فيهوه قال له من البداية:‏ «يحاربونك ولا يقوَون عليك،‏ ‹لأني معك›».‏ (‏ار ١:‏١٩‏)‏ واليوم،‏ نحن ننجز كشهود ليهوه تعيينا شبيها بتعيين ارميا.‏ لذا نتوقع ان نلقى ردود فعل مماثلة.‏ (‏اقرأ متى ١٠:‏​١٦-‏٢٢‏.‏‏)‏ فماذا نتعلم من نبي اللّٰه هذا؟‏ وكيف لنا ان نتمّم خدمتنا؟‏ لنتأمل معا في هذين السؤالين.‏

      ماذا حلّ بصدقيا ورعاياه الذين رفضوا رسالة ارميا؟‏ وكيف تنظرون الى ارميا؟‏

      a ان التشابه بين ارميا ٧:‏​١-‏١٥ و ٢٦:‏​١-‏٦ حدا بالبعض الى الاستنتاج ان كلا المقطعَين يشيران الى الحادثة عينها.‏

      b تقول دانيال ١:‏​١،‏ ٢ ان يهوياقيم أُسلم الى يد نبوخذنصر في السنة الثالثة.‏ ويبدو انها السنة الثالثة من تبعيته لبابل.‏ وهذا قد يعني انه مات خلال الحصار الذي حقق اخيرا الغاية منه.‏ ولكن ما من دليل في الكتاب المقدس يؤكد ما قاله يوسيفوس ان نبوخذنصر قتل يهوياقيم وطرح جثته خارج اسوار اورشليم دون ان يدفنه دفنا لائقا.‏ —‏ ار ٢٢:‏​١٨،‏ ١٩؛‏ ٣٦:‏٣٠‏.‏

      c ان الاشارة الى يهوياقيم في ارميا ٢٧:‏١ قد تكون خطأ في النسخ لأن العددين ٣ و ١٢ يشيران الى صدقيا.‏

  • ‏‹قلْ لهم هذه الكلمة›‏
    رسالة من اللّٰه بفم ارميا
    • الفصل الثالث

      ‏‹قلْ لهم هذه الكلمة›‏

      ١ (‏أ)‏ كيف يشبه النبي ارميا يسوع؟‏ (‏ب)‏ لمَ يجب ان نتمثل بإرميا في خدمتنا؟‏

      يسوع المسيح هو مثالنا الاعلى في الكرازة بالبشارة.‏ ولكن من الجدير بالملاحظة ان بعض الذين عرفوه في القرن الاول قرنوه بالنبي ارميا.‏ (‏مت ١٦:‏​١٣،‏ ١٤‏)‏ فهذا النبي تلقّى،‏ على غرار يسوع،‏ وصية إلهية بالكرازة.‏ امره اللّٰه في احدى المناسبات:‏ «تقول لهم هذه الكلمة:‏ ‹هكذا قال يهوه›».‏ (‏ار ١٣:‏​١٢،‏ ١٣؛‏ يو ١٢:‏٤٩‏)‏ كما انه اعرب خلال خدمته عن صفات شبيهة بصفات يسوع.‏

      ٢ لمَ لا يختلف الناس اليوم عن اليهود زمن ارميا؟‏

      ٢ ولكن قد يقول بعض الشهود:‏ ‹وضعنا مختلف عن وضع ارميا.‏ فهو خدم كمتحدث باسم اللّٰه وسط امة منتذرة،‏ اما نحن فنكرز اليوم لأشخاص لا يعرف معظمهم يهوه›.‏ هذا صحيح.‏ غير ان اغلب اليهود في زمن ارميا كانوا قد صاروا ‹جهّالا› وأداروا ظهورهم للاله الحقيقي.‏ (‏اقرأ ارميا ٥:‏​٢٠-‏٢٢‏.‏‏)‏ لذا لزم ان يغيّروا طرقهم كي يؤدوا ليهوه عبادة مقبولة.‏ بشكل مماثل،‏ على الناس اليوم —‏ سواء كانوا مسيحيين او لا —‏ ان يتعلموا مخافة يهوه ويمارسوا العبادة الحقة.‏ فلنرَ كيف لنا من خلال مثال ارميا ان نخدم الاله الحقيقي ونساعد الناس على السير في الحق.‏

      الصورة في الصفحة ٣٣

      ‏«يهوه .‏ .‏ .‏ مسّ فمي»‏

      ٣ اية ايماءة ذات مغزى صدرت عن اللّٰه تجاه ارميا في بداية خدمته،‏ وكيف شعر النبي حيالها؟‏

      ٣ عندما بدأ ارميا خدمته النبوية،‏ سمع هذه الكلمات:‏ «تذهب الى كل من ارسلك اليهم،‏ وتتكلم بكل ما آمرك به.‏ لا تخف من وجوههم،‏ ‹لأني انا معك لأنقذك›،‏ يقول يهوه».‏ (‏ار ١:‏​٧،‏ ٨‏)‏ ثم صدرت عن اللّٰه إيماءة غير متوقعة.‏ يخبرنا ارميا:‏ «مدّ يهوه يده ومسّ فمي.‏ وقال يهوه لي:‏ ‹ها قد جعلت كلامي في فمك.‏ انظر،‏ قد وكّلتك هذا اليوم على الامم وعلى الممالك›».‏ (‏ار ١:‏​٩،‏ ١٠‏)‏ ومن ذلك الحين فصاعدا،‏ عرف ارميا انه يتكلم بلسان اللّٰه القادر على كل شيء.‏a وأخذت غيرته للخدمة المقدسة تنمو يوما بعد يوم مستمدا الدعم الكامل من إلهه.‏ —‏ اش ٦:‏​٥-‏٨‏.‏

      الصورة في الصفحة ٣٤
      الصورة في الصفحة ٣٤
      الصورة في الصفحة ٣٤

      ٤ ارووا اختبارات تُظهر كيف يعرب البعض عن غيرة متقدة للكرازة.‏

      ٤ صحيح ان يهوه لا يمسّ حرفيا ايًّا من خدامه اليوم،‏ لكنه يبث فيهم بواسطة روحه رغبة قوية في الكرازة بالبشارة.‏ فكثيرون منهم يتّقدون حماسة وغيرة.‏ اليك مثال ماروخا في اسبانيا التي تعاني شللا في ذراعيها وساقيها منذ اكثر من ٤٠ سنة.‏ فبما ان الكرازة من باب الى باب صعبة عليها،‏ تبحث عن طرائق اخرى لتظل نشيطة في الخدمة.‏ فهي تلجأ مثلا الى كتابة الرسائل بحيث تملي على ابنتها ما تريد قوله.‏ وفي احد الاشهر،‏ كثّفت هي و «سكرتيرتها» جهودهما وبعثتا ما يزيد عن ١٥٠ رسالة كل منها مرفق بنشرة.‏ وبفضل مساعيهما الدؤوبة هذه،‏ دخلت البشارة الى معظم المنازل في قرية مجاورة.‏ قالت ماروخا لابنتها:‏ «إن وصلت احدى رسائلنا الى يد شخص مستقيم القلب،‏ باركنا يهوه بدرس في الكتاب المقدس».‏ وكتب شيخ محلي:‏ «اشكر يهوه على اخوات مثل ماروخا يعلّمن الآخرين ان يقدّروا قيمة الامور المهمة حقا في الحياة».‏

      ٥ (‏أ)‏ هل بقي ارميا غيورا في الخدمة رغم اللامبالاة؟‏ (‏ب)‏ كيف يمكننا المحافظة على حماسة ملتهبة للكرازة بالبشارة؟‏

      ٥ في ايام ارميا،‏ ‹لم تُسرّ› اكثرية سكان اورشليم بحق اللّٰه.‏ فهل كفّ النبي عن الكرازة متأثرا بلامبالاتهم؟‏ على العكس.‏ ذكر قائلا:‏ «امتلأت من سخط يهوه.‏ اعيَيت من الامساك».‏ (‏ار ٦:‏​١٠،‏ ١١‏)‏ فكيف تحافظ كإرميا على حماسة ملتهبة للخدمة؟‏ احدى الطرائق هي التفكير مليا في امتيازك النفيس ان تمثّل الاله الحقيقي.‏ فأنت تعرف ان الاشخاص البارزين في هذا العالم يعيّرون اسم اللّٰه.‏ وتعرف ايضا كيف يخدع القادة الدينيون الناس في مقاطعتك،‏ مثلما فعل الكهنة ايام ارميا.‏ (‏اقرأ ارميا ٢:‏​٨،‏ ٢٦،‏ ٢٧‏.‏‏)‏ بالمقابل،‏ ان بشارة الملكوت التي تكرز بها هي فعلا تعبير عن رحمة اللّٰه نحو البشر.‏ (‏مرا ٣:‏​٣١،‏ ٣٢‏)‏ نعم،‏ يساعدك التأمل في هذه الحقائق ان تحافظ على غيرتك للمناداة بالبشارة ومساعدة المشبهين بالخراف.‏

      ٦ اية تحديات صعبة اعترضت سبيل ارميا؟‏

      ٦ لكنك توافق على الارجح ان بقاءك غيورا في الخدمة المسيحية ليس سهلا على الدوام.‏ حتى ارميا واجه تحديات هائلة خلال خدمته ليهوه.‏ فقد قاومه الانبياء الكذبة،‏ ويمكنك ان تقرأ في الاصحاح ٢٨ من سفره كيف وقف احدهم في وجهه.‏ كما ان اغلب الناس لم يعيروا رسالته اذنا صاغية،‏ هذا عدا عن شعوره احيانا بشيء من الوحدة.‏ (‏ار ٦:‏​١٦،‏ ١٧؛‏ ١٥:‏١٧‏)‏ ولا ننسَ كذلك انه تعرّض اكثر من مرة لخطر الموت على يد اعدائه.‏ —‏ ار ٢٦:‏١١‏.‏

      لمَ يمكننا الاتكال على يهوه في التغلب على التحديات التي نواجهها اثناء الكرازة بالبشارة؟‏

      ‏«قد فاجأتني،‏ يا يهوه»‏

      ٧،‏ ٨ كيف «فاجأ» اللّٰه ارميا بطريقة عادت عليه بالفائدة؟‏

      ٧ خلال احدى المراحل،‏ افضى ارميا بمكنونات قلبه الى اللّٰه منزعجا من الاستهزاءات والاهانات التي عانى منها يوما بعد يوم.‏ فبأي معنى برأيك «فاجأ» يهوه نبيّه الامين كما يرد في ارميا ٢٠:‏​٧،‏ ٨‏؟‏ —‏ اقرأها.‏

      ٨ «فاجأ» اللّٰه نبيّه بطريقة ايجابية عادت عليه بالفائدة.‏ فإرميا شعر ان المقاومة كانت شرسة جدا لدرجة انه ما عاد يستطيع بقوته الخاصة اتمام تعيينه المعطى من اللّٰه.‏ غير انه اتمّ هذا التعيين بفضل دعم ومساعدة الاله القادر على كل شيء.‏ وعليه،‏ يمكن القول ان يهوه امدّه بطاقة هائلة مبرهنا انه اشد قوة منه ومن مشاعر البشر السلبية.‏ فحين ظن رجل اللّٰه ان عزيمته خارت وراودته رغبة في الاستسلام،‏ اعمل يهوه قوته فيه بحيث ‹تفاجأ› بما قدر على انجازه.‏ نعم،‏ بيّن اللّٰه انه اقوى من ضعفات ارميا.‏ فهذا النبي تمكن من مواصلة كرازته رغم اللامبالاة والرفض والعنف.‏

      ٩ كيف نستمد الشجاعة من ارميا ٢٠:‏١١‏؟‏

      ٩ لقد وقف يهوه الى جانب ارميا وسانده «كجبار مهيب».‏ (‏ار ٢٠:‏١١‏)‏ انت ايضا يدعمك اللّٰه كي تظل غيورا للعبادة الحقة ولا تتراخى في خدمتك مهما واجهت من عراقيل.‏ أبقِ في بالك ان يهوه،‏ حسبما تنقل احدى الترجمات العبارة اعلاه،‏ يقف قربك ويقوّيك «كمحارب جبار».‏ —‏ ترجمة تفسيرية.‏

      ١٠ علامَ نحن مصممون حين نتعرض للمقاومة؟‏

      ١٠ والرسول بولس شدّد على هذه الفكرة حين شجع المسيحيين الذين واجهوا المقاومة قائلا:‏ «اسلكوا كما يحق لبشارة المسيح،‏ حتى .‏ .‏ .‏ اسمع اموركم،‏ انكم ثابتون في روح واحد،‏ وتناضلون بنفس واحدة جنبا الى جنب في سبيل ايمان البشارة،‏ وغير مرتاعين في شيء من مقاوميكم».‏ (‏في ١:‏​٢٧،‏ ٢٨‏)‏ وعلى غرار ارميا والمسيحيين في القرن الاول،‏ بإمكانك بل عليك ان تجعل اللّٰه الكلي القدرة عونك ومعتمدك في الخدمة.‏ وإن سخر منك البعض او هاجموك،‏ فتذكّر انه ممسك بيدك وقادر ان يملأك قوة،‏ مثلما فعل مع ارميا ويفعل مع الكثير من اخوتنا اليوم.‏ فتضرّعْ اليه طالبا دعمه،‏ وثِقْ انه سيستجيب صلاتك.‏ فقد ‹يفاجئك› انت ايضا اذ يساعدك ان تطرد الخوف من قلبك وتواجه العقبات بجرأة.‏ نعم،‏ ستقوى على انجاز امور لم تتخيّلها قط.‏ —‏ اقرأ اعمال ٤:‏​٢٩-‏٣١‏.‏

      ١١،‏ ١٢ (‏أ)‏ اية تعديلات قد نقوم بها بغية التحدث الى عدد اكبر من الناس في الخدمة؟‏ (‏ب)‏ اية فرص للخدمة في منطقتنا نستوحيها من الصورة في الصفحة ٣٩؟‏

      ١١ ويعلّمنا مثال ارميا في الخدمة طرائق شتى لنزيد فعاليتنا كخدام للبشارة.‏ فبعد ان امضى اكثر من ٢٠ سنة في الخدمة كنبي ليهوه،‏ ذكر قائلا:‏ «ما برحت اكلّمكم،‏ مبكّرا ومكلّما،‏ فلم تسمعوا».‏ (‏ار ٢٥:‏٣‏)‏ تُظهر هذه الكلمات ان ارميا اعتاد ان يباشر خدمته في اول النهار.‏ فأي درس عملي نتعلمه من خدمته الامينة؟‏ في جماعات كثيرة،‏ يصحو عدد من الناشرين باكرا ليقصدوا الناس في محطات الباص والقطار.‏ وفي المناطق الريفية،‏ يخصص العديد من الشهود ساعات الصباح الاولى لزيارة المزارعين وغيرهم ممّن يبكّرون الى اعمالهم.‏ فهل تخطر لك طرائق اخرى تطبق بها انت شخصيا هذا الدرس؟‏ ما رأيك مثلا في الاستيقاظ قبل وقت كافٍ يتيح لك حضور اجتماع خدمة الحقل من بدايته؟‏

      ١٢ طبعا،‏ ان الكرازة من باب الى باب بعد الظهر او في المساء غالبا ما تؤدي الى نتائج رائعة في مناطق كثيرة.‏ حتى ان بعض الناشرين يكرزون ليلا،‏ اذ يزورون العاملين في محطات الوقود والمطاعم والمحلات التي تفتح ابوابها ٢٤ ساعة في اليوم.‏ فهل تعدّل برنامجك بحيث تكرز في اوقات يُرجح فيها ان تجد الناس في بيوتهم او في اماكن اخرى؟‏

      لمَ نحن واثقون من دعم يهوه فيما ننادي برسالته؟‏

      ١٣،‏ ١٤ (‏أ)‏ كيف يفيدنا مثال ارميا في مجال الزيارات المكررة؟‏ (‏ب)‏ لمَ من المهم ان نكون اشخاصا يُعتمد عليهم في عقد الزيارات المكررة؟‏

      ١٣ في بعض المناسبات،‏ اوصى يهوه ارميا ان يذيع رسائله النبوية عند ابواب الهيكل وبوابات اورشليم.‏ (‏ار ٧:‏٢؛‏ ١٧:‏​١٩،‏ ٢٠‏)‏ فبهذه الطريقة،‏ اوصل النبي كلمة يهوه الى اعداد غفيرة من الناس.‏ وبما ان كثيرين —‏ بمَن فيهم وجهاء المدينة وتجارها ورجال اعمالها —‏ اعتادوا المرور عبر البوابة عينها،‏ فلربما تحدث ارميا الى بعضهم اكثر من مرة محاولا مساعدتهم على فهم ما سمعوه منه قبلا.‏ فماذا نتعلم من ذلك عن عقد الزيارات المكررة للمهتمين؟‏

      ١٤ عرف ارميا ان حياة الناس اعتمدت على عمله كنبي للّٰه.‏ فحين مُنع ذات يوم من التحدث اليهم،‏ ارسل صديقه باروخ ليقوم مقامه.‏ (‏اقرأ ارميا ٣٦:‏​٥-‏٨‏.‏‏)‏ فكيف نقتدي به في هذا الخصوص؟‏ هل نفي بوعدنا ان نرجع لزيارة صاحب البيت؟‏ وهل ندبّر بديلا عنا في حال تعذّر علينا الالتزام بموعد زيارة مكررة او درس في الكتاب المقدس؟‏ قال يسوع:‏ «كلمتكم نعم فلتعنِ نعم».‏ (‏مت ٥:‏٣٧‏)‏ حقا،‏ ان الوفاء بوعودنا هو على قدر كبير من الاهمية لأننا نمثّل إلها يحب الصدق والترتيب.‏ —‏ ١ كو ١٤:‏​٣٣،‏ ٤٠‏.‏

      الصورة في الصفحة ٣٩

      هل تعدّل برنامجك وأساليبك في الكرازة كي تقدّم الشهادة لعدد اكبر من الناس؟‏

      ١٥،‏ ١٦ (‏أ)‏ كيف يتبع كثيرون مثال ارميا لتوسيع خدمتهم؟‏ (‏ب)‏ اي درس نتعلمه من الشاهدة في تشيلي كما تُظهر الصورة في الصفحة ٤٠؟‏

      ١٥ شجع ارميا اليهود في بابل موجّها اليهم رسالة عن ‹كلمة يهوه الصالحة› التي وعدت بردّهم الى ارضهم.‏ (‏ار ٢٩:‏​١-‏٤،‏ ١٠‏)‏ واليوم،‏ يمكننا استخدام الرسائل والهاتف كي ننشر على نطاق واسع ‹الكلمة الصالحة› عما سيفعله يهوه قريبا.‏ فهل فكرت في استعمال هاتين الطريقتين لمساعدة اقاربك وغيرهم ممن يقطنون في اماكن بعيدة او يصعب التواصل معهم؟‏

      ١٦ ان ناشري الملكوت الذين يتمثلون بإرميا في اتمام خدمته على اكمل وجه غالبا ما يجنون نتائج رائعة.‏ ثمة شاهدة في تشيلي كرزت لامرأة كانت تغادر محطة القطار النفقي.‏ فسُرّت المرأة برسالة الكتاب المقدس ووافقت على اجراء مناقشات في بيتها.‏ لكنّ الشاهدة لم تدون عنوانها.‏ فصلّت الى يهوه طلبا للمساعدة مدركة ان عليها تنمية اهتمام هذه المرأة.‏ وفي اليوم التالي،‏ رجعت الى محطة القطار في نفس الساعة.‏ فالتقت المرأة مجددا وحرصت هذه المرة على اخذ عنوانها.‏ ثم زارتها في منزلها لتساعدها على فهم الاسفار المقدسة.‏ فماذا نتعلم من ذلك؟‏ نحن نعرف ان احكام اللّٰه ستباغت عالم الشيطان عما قريب.‏ ولكن هناك فسحة امل للذين يتوبون ويؤمنون بالبشارة.‏ (‏اقرإ المراثي ٣:‏​٣١-‏٣٣‏.‏‏)‏ فلنعرب عن اقتناعنا بهذه الفكرة باذلين جهودا دؤوبة في تغطية مقاطعتنا.‏

      الصورة في الصفحة ٤٠

      هل تبذل الجهد اللازم لملاحقة كل اهتمام تجده في المقاطعة؟‏

      ‏«لعلهم يسمعون ويرجعون كل واحد عن طريقه الرديء»‏

      ١٧ كيف نسير على خطى ارميا في الكرازة للناس في مقاطعتنا؟‏

      ١٧ لم يشأ يهوه ان يخسر شعبه حياتهم.‏ فقبل نحو عشر سنوات من دمار اورشليم،‏ منح المسبيين في بابل رجاء بفم ارميا،‏ قائلا:‏ «اجعل عيني عليهم للخير،‏ وأردّهم الى هذه الارض.‏ وأبنيهم ولا اهدمهم،‏ وأغرسهم ولا استأصلهم».‏ لذا استطاع ارميا ان يقول لكل منهم:‏ «يوجد رجاء لمستقبلك».‏ (‏ار ٢٤:‏٦؛‏ ٢٦:‏٣؛‏ ٣١:‏١٧‏)‏ فقد تطلّع النبي الى الناس من منظار اللّٰه.‏ وكرز لهم باهتمام اصيل ناقلا اليهم حضّ يهوه:‏ «ارجعوا،‏ رجاء،‏ كل واحد عن طريقه الرديء،‏ وأصلحوا اعمالكم».‏ (‏ار ٣٥:‏١٥‏)‏ فهل تفكر في طرائق تبدي من خلالها اهتماما شخصيا عميقا بالناس في مقاطعتك؟‏

      ١٨،‏ ١٩ (‏أ)‏ اية نظرة ينبغي ان نجتنبها فيما نكرز بالبشارة؟‏ (‏ب)‏ اي موقف يجب ان نتبناه احتذاء بإرميا؟‏

      ١٨ ان محبة ارميا الشديدة للناس لم تبرد على الاطلاق.‏ حتى عندما دُمرت اورشليم،‏ أشفق عليهم ورقّ قلبه لهم.‏ (‏اقرإ المراثي ٢:‏١١‏.‏‏)‏ فمع ان اليهود هم وحدهم الملومون على هذه البلية،‏ لم يشمت ارميا بهم بل حزن اشد الحزن على مصابهم.‏ على نحو مشابه،‏ لا يجب ان نؤدي عمل الشهادة بطريقة آلية،‏ اي بدافع الواجب فقط.‏ بالاحرى،‏ لتبرهن جهودنا في الخدمة كم نحب إلهنا الرائع ونحب الناس الذين خُلقوا على صورته.‏

      الصورة في الصفحة ٤٢

      هل تُظهر للناس انك مهتم بخيرهم؟‏

      ١٩ فما من امتياز او منصب في العالم يضاهي شرف الشهادة للاله الحقيقي!‏ وهذا ما شعر به ارميا عندما كتب:‏ «وُجد كلامك فأكلته.‏ فصارت لي كلمتك بهجة وفرحا لقلبي؛‏ لأن اسمك دُعي عليّ يا يهوه».‏ (‏ار ١٥:‏١٦‏)‏ وفيما نكرز بالبشارة،‏ قد يقدِم المزيد والمزيد من الاشخاص على معرفة ومحبة الاله الذي يدينون له بحياتهم.‏ ولا شك اننا سنساهم في تحقيق ذلك حين نخدم بغيرة ومحبة احتذاء بإرميا.‏

      بالنظر الى مثال ارميا،‏ اية طرائق تنوون شخصيا تجربتها في المستقبل بغية نشر ‹كلمة يهوه الصالحة›؟‏

      a غالبا ما استخدم يهوه،‏ كما في هذه الحالة،‏ رسلا ملائكيين ليتكلموا ويتصرفوا كما لو انه هو الذي يتكلم ويتصرف.‏ —‏ قض ١٣:‏​١٥،‏ ٢٢؛‏ غل ٣:‏١٩‏.‏

  • حذارِ من القلب الغدار!‏
    رسالة من اللّٰه بفم ارميا
    • الفصل الرابع

      حذارِ من القلب الغدار!‏

      ١،‏ ٢ لمَ من الصعب ان نعرف حالة قلبنا المجازي على حقيقتها؟‏

      تخيّل انك استيقظت باكرا ذات صباح وشعرت وأنت ممدد في السرير بألم حاد في صدرك وضيق في النفس.‏ فرحت تتساءل:‏ ‹أيُعقل انها نوبة قلبية؟‏›.‏ ان استبعاد الفكرة لن يفيدك،‏ فعليك اتخاذ اجراء دونما تأخير.‏ لذا تطلب سيارة اسعاف تقلّك الى المستشفى حيث يعاينك الطبيب بدقة وربما يجري لك فحصا لعضلة القلب.‏ فالتشخيص الفوري والعلاج المناسب قد يعنيان حياتك او موتك.‏

      ٢ وماذا عن قلبك المجازي؟‏ قد لا يكون سهلا ان تعرف حالته الحقيقية.‏ لماذا؟‏ نقرأ في الكتاب المقدس:‏ «القلب اشدّ غدرا من كل شيء،‏ وهو يستميت الى غايته.‏ فمَن يقدر ان يعرفه؟‏».‏ (‏ار ١٧:‏٩‏)‏ اذًا،‏ يمكن لقلبنا ان يخدعنا ويوهمنا ان صحتنا الروحية جيدة،‏ في حين يلاحظ الآخرون اشارات تحذيرية ويشعرون بالقلق علينا.‏ ولكن لمَ يخدعنا قلبنا؟‏ لأن لدينا ميولا خاطئة تغلبنا احيانا،‏ كما ان الشيطان ونظام الاشياء هذا قد يحجبان عنا حالة قلبنا الحقيقية.‏ فماذا نتعلم من ارميا وشعب يهوذا في زمنه عن اهمية تفحص قلبنا؟‏

      ٣ ماذا يؤلّه كثيرون اليوم؟‏

      ٣ اظهرت غالبية شعب يهوذا ان قلوبهم تعاني خللا روحيا.‏ فقد انصرفوا عن الاله الحق الوحيد وعبدوا آلهة كنعانية دون ادنى احساس بوخز الضمير.‏ فتحداهم يهوه قائلا:‏ ‹اين آلهتكم التي صنعتم لأنفسكم؟‏ فلتقم إن كان في وسعها ان تخلّصكم في وقت بليتكم.‏ فإن آلهتكم قد صارت على عدد مدنكم›.‏ (‏ار ٢:‏٢٨‏)‏ طبعا،‏ نحن لسنا نعبد آلهة صنمية.‏ لكنّ احد المعاجم يعرّف الكلمة «إله» بأنها «شخص او شيء فائق القيمة».‏ فكثيرون في العالم يؤلّهون العمل او الصحة او العائلة،‏ فيما يولي آخرون اهمية فائقة للرياضة او المشاهير او التكنولوجيا او السفر او الاعراف والتقاليد.‏ وهم يخصصون لهذه الامور مساحة كبيرة من حياتهم على حساب علاقتهم بالخالق.‏ فهل يمكن ان يصح ذلك في المسيحيين الحقيقيين،‏ كما حدث مع شعب يهوذا ايام ارميا؟‏

      حين يخدعنا قلبنا الغدار

      ٤ ما مدى صدق الذين قالوا:‏ «اين كلمة يهوه؟‏ فلتأتِ»؟‏

      ٤ سيثير اهتمامَك على الارجح سياقُ الآية التي تذكر ان القلب غدار.‏ فالناس اخذوا يقولون:‏ «اين كلمة يهوه؟‏ فلتأتِ».‏ (‏ار ١٧:‏١٥‏)‏ ولكن هل كانوا صادقين في كلامهم؟‏ لاحظ كيف استهل ارميا اصحاحه السابع عشر هذا:‏ «خطية يهوذا مكتوبة بقلم من حديد،‏ منقوشة برأس من ألماس على لوح قلبهم».‏ فإحدى مشاكلهم الرئيسية كانت انهم ‹اتكلوا على الانسان وجعلوا البشر ذراعهم،‏ وعن يهوه تحوّل قلبهم›،‏ وذلك بخلاف اقلية اتكلت على اللّٰه طلبا للارشاد والبركات.‏ —‏ ار ١٧:‏​١،‏ ٥،‏ ٧‏.‏

      ٥ ماذا كان موقف ابناء شعب ارميا من توجيهات يهوه؟‏

      ٥ وقد بانت قلوب الاكثرية على حقيقتها في موقفهم من كلام اللّٰه.‏ (‏اقرأ ارميا ١٧:‏​٢١،‏ ٢٢‏.‏‏)‏ على سبيل المثال،‏ قضت الشريعة ان يرتاح المرء يوم السبت من مزاولة اعماله الاعتيادية ويخصصه للنشاطات الروحية.‏ لذا ما كان على ابناء شعب ارميا ان يبيعوا ويشتروا او ينجزوا اعمالهم يوم السبت.‏ لكنّ تصرفاتهم كشفت عن حالة قلبهم.‏ فهم «لم يسمعوا ولم يميلوا اذنهم،‏ بل راحوا يقسّون عنقهم لئلا يسمعوا ولئلا يقبلوا تأديبا».‏ فمع انهم عرفوا شريعة اللّٰه،‏ ضربوا بها عرض الحائط فاعلين ما يحلو لهم يوم السبت.‏ —‏ ار ١٧:‏٢٣؛‏ اش ٥٨:‏١٣‏.‏

      ٦،‏ ٧ (‏أ)‏ اي تفكير غير حكيم قد يسترسل فيه المسيحي متجاهلا مشورة صف العبد الامين؟‏ (‏ب)‏ ماذا يمكن ان يؤثّر على حضورنا الاجتماعات؟‏

      ٦ صحيح اننا لا نحفظ اليوم شريعة السبت،‏ انما ثمة عبرة نستخلصها من موقف هؤلاء الاشخاص.‏ (‏كو ٢:‏١٦‏)‏ فنحن تخلينا عن مساعينا الانانية والدنيوية رغبة منا في فعل مشيئة اللّٰه.‏ وندرك ان من الحماقة ارضاء خالقنا بطريقة تخدم مصالحنا.‏ ولا بد اننا نعرف كثيرين يركزون على فعل مشيئة اللّٰه وينعمون دون ريب بالراحة والانتعاش.‏ اذًا،‏ كيف يمكن لقلوبنا ان تضلنا؟‏

      ٧ ربما يظن المسيحي خطأ ان قلبه يستحيل ان يخدعه،‏ شأنه في ذلك شأن عديدين زمن ارميا.‏ مثلا،‏ ربما يحاجّ في نفسه:‏ ‹عليّ ان احصل على وظيفة وأتمسك بها حتى اعيل عائلتي›.‏ وهذا التفكير طبيعي.‏ ولكن ماذا لو ذهب الى ابعد من ذلك قائلا:‏ ‹يلزم ان احصّل تعليما اضافيا كي احظى او احتفظ بوظيفة محترمة›؟‏ وبما ان هذه الفكرة ايضا تبدو منطقية،‏ فقد يستنتج:‏ ‹تغيرت الاحوال اليوم،‏ فأنا لن استطيع تدبر اموري والبقاء في وظيفتي ما لم اتعلم في كلية او جامعة›.‏ فما اسهل ان يبدأ المرء بالتقليل من اهمية المشورة الحكيمة والمتزنة التي يزودها صف العبد الامين الفطين عن التعليم الاضافي ويروح يتغيب عن الاجتماعات!‏ ويَظهر ان آراء وأفكار العالم في هذا المجال تقولب البعض رويدا رويدا.‏ (‏اف ٢:‏​٢،‏ ٣‏)‏ فلا عجب ان يحذّرنا الكتاب المقدس:‏ «لا تدعوا العالم حولكم يضغطكم في قالبه».‏ —‏ رو ١٢:‏٢‏،‏ ترجمة فيلپس.‏a

      الصورتان في الصفحة ٤٦

      اسأل نفسك:‏ ‹هل خدعني قلبي بحيث صرت اتغيب عن الاجتماعات؟‏›‏

      ٨ (‏أ)‏ بمَ قد يتباهى المسيحي؟‏ (‏ب)‏ لمَ لا يكفي نيل معرفة سطحية عن اللّٰه وتعاملاته؟‏

      ٨ نحن نعلم ان بعض اخوتنا اليوم،‏ على غرار مسيحيين في القرن الاول،‏ يعيشون حياة رغيدة وربما هم اشخاص معروفون في مجتمعهم.‏ فكيف ينبغي ان يشعروا حيال انجازاتهم،‏ وكيف يجب ان نتطلع اليهم؟‏ زود يهوه الجواب بواسطة ارميا.‏ (‏اقرأ ارميا ٩:‏​٢٣،‏ ٢٤‏.‏‏)‏ فالحكمة تقضي ان يتجنب المرء التباهي بإنجازاته ويعي ان معرفة المتسلط الكوني هي المسعى الاهم في الحياة.‏ (‏١ كو ١:‏٣١‏)‏ ولكن علامَ تنطوي حيازة المعرفة والبصيرة عن يهوه؟‏ في ايام ارميا،‏ عرف الشعب اسم اللّٰه.‏ وعلموا ايضا بما فعله مع اسلافهم عند البحر الاحمر،‏ خلال دخول الامة الى ارض الموعد،‏ في زمن القضاة،‏ وأثناء حكم الملوك الامناء.‏ لكنهم لم يدركوا مَن هو يهوه حقا ولا آمنوا به ايمانا اصيلا.‏ مع ذلك،‏ قالوا:‏ ‹نحن ابرياء.‏ لقد ارتد غضب اللّٰه عنا›.‏ —‏ ار ٢:‏٣٥‏.‏

      لمَ من المهم ان ندرك ان قلبنا غدار؟‏ وكيف نتفحص قلبنا ونعرف نظرة فاحص القلوب العظيم الينا؟‏

      كيف يصوغنا يهوه

      الصورة في الصفحة ٤٨

      هل تسمح ليهوه ان يصوغك؟‏

      ٩ لمَ تغيير الموقف القلبي ليس امرا مستحيلا،‏ وكيف يمكن تحقيق ذلك؟‏

      ٩ وجب على اليهود الذين نقل اليهم ارميا رسالة اللّٰه ان يغيّروا موقفهم القلبي.‏ ولم يكن هذا الامر مستحيلا.‏ فقد قال اللّٰه عن الذين كانوا سيعودون من السبي:‏ «اعطيهم قلبا ليعرفوني،‏ اني انا يهوه.‏ فيكونون شعبي،‏ وأنا اكون إلههم؛‏ لأنهم يرجعون اليّ».‏ (‏ار ٢٤:‏٧‏)‏ ان تغييرا كهذا متاح اليوم ايضا.‏ وفي وسعنا تحسين حالة قلبنا الروحية باتباع ثلاث خطوات اساسية:‏ الدرس الشخصي الجدي لكلمة اللّٰه،‏ نيل فهم واضح عن تأثيرها في حياتنا،‏ وتطبيق ما نتعلمه.‏ فبخلاف معاصري ارميا،‏ نحن نريد ان يتفقد فاحص القلوب العظيم حالة قلبنا.‏ ويمكننا بدورنا ان نمتحن قلبنا على ضوء الكتاب المقدس،‏ مبقين في بالنا اعمال يهوه الحبية من اجلنا.‏ (‏مز ١٧:‏٣‏)‏ فكم من الحكمة ان نفعل ذلك!‏

      ١٠،‏ ١١ (‏أ)‏ لمَ ذهب ارميا الى بيت الخزاف؟‏ (‏ب)‏ ماذا يحدد كيف يصوغ يهوه الناس؟‏

      ١٠ يصوغ الشيطان الناس بحيث يضغطهم جميعا في قالب واحد،‏ اما اللّٰه فيصوغهم آخذا كل فرد بعين الاعتبار.‏ ويتضح ذلك مما حدث مع ارميا.‏ فذات يوم،‏ اوصاه اللّٰه بالذهاب الى بيت الخزاف،‏ فإذا به يعمل على دولابه.‏ ولما فسد الاناء الذي كان يصنعه،‏ عاد بكل بساطة وشكّل بالطين الطري اناء آخر.‏ (‏اقرأ ارميا ١٨:‏​١-‏٤‏.‏‏)‏ فلمَ طُلب من النبي مراقبة هذه العملية،‏ وماذا نتعلم من اختباره؟‏

      ١١ اراد يهوه ان يُظهر لإرميا وإسرائيل انه قادر على قولبة الناس والامم كيفما يشاء.‏ لكنه بخلاف الخزافين البشر،‏ لا يرتكب الاخطاء ولا يخرب اعتباطيا اعمال يديه.‏ فهو يحدد طريقة تعامله مع الناس على اساس رد فعلهم عندما يصوغهم.‏ —‏ اقرأ ارميا ١٨:‏​٦-‏١٠‏.‏

      ١٢ (‏أ)‏ كيف تصرف يهوياقيم عندما حاول يهوه ان يصوغه؟‏ (‏ب)‏ اي درس نتعلمه من الرواية عن يهوياقيم؟‏

      ١٢ فكيف اذًا يصوغ يهوه الافراد؟‏ ان وسيلته الرئيسية اليوم هي الكتاب المقدس.‏ فالمرء الذي يقرأ كلمة اللّٰه ويتجاوب معها يكشف عن معدن جيد،‏ ما يُفسح المجال للّٰه ان يصوغه.‏ بالتباين مع ذلك،‏ لنتأمل في مثال الملك يهوياقيم الذي يبيّن ان الناس زمن ارميا لم يدعوا يهوه يصوغهم في شؤون الحياة اليومية.‏ فقد امرتهم الشريعة ‹الا يغبنوا اجيرا›،‏ لكنّ الملك فعل العكس تماما مستغلا رفقاءه الاسرائيليين باعتبارهم يدًا عاملة رخيصة كي يبني لنفسه «بيتا وسيعا».‏ (‏تث ٢٤:‏١٤؛‏ ار ٢٢:‏​١٣،‏ ١٤،‏ ١٧‏)‏ ومع ان اللّٰه حاول صوغ يهوياقيم بواسطة كلمته التي نقلها انبياؤه،‏ سار هذا الملك وراء ميل قلبه الغدار قائلا:‏ «لن اطيع»،‏ ولم يحِد عن الطريق الذي سلكه منذ صباه.‏ لذا اعلن اللّٰه انه سوف «يُدفن دفن حمار،‏ مجرورا ومطروحا،‏ خارج ابواب اورشليم».‏ (‏ار ٢٢:‏​١٩،‏ ٢١‏)‏ فكم من الحماقة ان نتبنى موقفا كهذا ونقول:‏ ‹هذا انا ولن اتغير›!‏ صحيح ان اللّٰه لا يوفد اليوم انبياء مثل ارميا،‏ غير انه يزودنا بالارشاد مستخدما صف العبد الامين الفطين لمساعدتنا على معرفة وتطبيق مبادئ الكتاب المقدس.‏ وتتناول هذه المبادئ جوانب مختلفة من حياتنا اليومية مثل اللباس والهندام،‏ والموسيقى والرقص خلال حفلات الزفاف والمناسبات الاجتماعية الاخرى.‏ فهل نسمح لكلمة اللّٰه ان تصوغنا؟‏

      ١٣،‏ ١٤ (‏أ)‏ لمَ وافق الشعب في اورشليم على اعتاق عبيدهم العبرانيين؟‏ (‏ب)‏ كيف انكشفت قلوب مالكي العبيد على حقيقتها؟‏

      ١٣ اليك مثالا آخر.‏ ذكرنا سابقا ان البابليين نصّبوا صدقيا على عرش يهوذا ملكا تابعا لهم.‏ لكنه تمرد عليهم متجاهلا نصيحة اللّٰه على لسان ارميا.‏ (‏ار ٢٧:‏​٨،‏ ١٢‏)‏ فما كان منهم الا ان حاصروا اورشليم.‏ عندئذ خطر للملك ورؤسائه ان ينفّذوا احد مطالب الشريعة التماسا لرضى اللّٰه.‏ وبما ان صدقيا كان يعلم ان الشريعة قضت بإعتاق العبيد العبرانيين في السنة السابعة من عبوديتهم،‏ قطع عهدا بإطلاقهم احرارا.‏ (‏خر ٢١:‏٢؛‏ ار ٣٤:‏١٤‏)‏ تخيّل:‏ في خضم الحصار،‏ بدا مناسبا على حين غرة ان يحرر الشعب عبيدهم!‏ —‏ اقرأ ارميا ٣٤:‏​٨-‏١٠‏.‏

      ١٤ ولكن في وقت لاحق،‏ اتت قوة عسكرية مصرية لنجدة اورشليم،‏ فرفع البابليون الحصار.‏ (‏ار ٣٧:‏٥‏)‏ وماذا فعل الذين حرروا عبيدهم؟‏ عادوا وأخضعوهم خدما وجواري.‏ (‏ار ٣٤:‏١١‏)‏ فعمَّ تكشف هذه الحادثة؟‏ حين احدق الخطر باليهود،‏ سارعوا الى حفظ الشرائع الالهية وكأن ذلك يعوّض عن عصيانهم السابق.‏ ولكن حين زال الخطر رجعوا الى طرقهم القديمة.‏ فرغم انهم تظاهروا بقبول روح الشريعة،‏ اظهرت تصرفاتهم اللاحقة انهم لم يريدوا في صميم قلوبهم اطاعة كلمة اللّٰه او السماح لها بصوغ افعالهم.‏

      اي درس عملي نتعلمه مما كتبه ارميا عن الخزاف؟‏ وكيف يصوغنا يهوه اليوم؟‏

      دع يهوه يصوغ شخصيتك

      ١٥ الى اي حد تودون ان يصوغكم يهوه؟‏ اوضحوا.‏

      ١٥ من خلال جماعات يهوه حول العالم،‏ نتعلم مبادئ الكتاب المقدس حول مسألة ما،‏ مثل كيف نتصرف حين يضايقنا احد اخوتنا.‏ (‏اف ٤:‏٣٢‏)‏ فقد نسلّم بصواب وحكمة مشورة الكتاب المقدس،‏ ولكن هل نحن كالطين الليّن ام الصلب؟‏ هل ندع يهوه يصوغنا ونتجاوب معه؟‏ اذا تحلّينا بقلب طيّع،‏ نصير اشخاصا افضل اذ ان الخزاف العظيم سيجبلنا آنية نافعة جديرة باستعماله.‏ (‏اقرأ روما ٩:‏​٢٠،‏ ٢١؛‏ ٢ تيموثاوس ٢:‏​٢٠،‏ ٢١‏.‏‏)‏ فلنحرص الا ننمّي موقفا قلبيا شبيها بموقف يهوياقيم ومالكي العبيد،‏ ولنقبل بالاحرى ان يصوغنا يهوه لغرض كريم.‏

      ١٦ اية حقيقة مهمة ادركها ارميا؟‏

      ١٦ من الجدير بالذكر ان اللّٰه صاغ ارميا.‏ فماذا كان موقفه؟‏ نتبيّن الجواب من النبي نفسه حين اعترف:‏ «ليس لإنسان يمشي ان يوجّه خطواته».‏ ثم ما لبث ان توسل قائلا:‏ «قوّمني يا يهوه».‏ (‏ار ١٠:‏​٢٣،‏ ٢٤‏)‏ فيا ايها الحدث،‏ هل تقتدي بإرميا؟‏ لا شك ان قرارات كثيرة تنتظرك في المستقبل.‏ وبعض رفاقك يفضّلون ‹ان يوجّهوا خطواتهم› بأنفسهم.‏ فهل تلتجئ الى اللّٰه طالبا ارشاده عند اتخاذ القرارات؟‏ هل تعترف بتواضع كإرميا بعجز البشر عن توجيه خطواتهم؟‏ تذكّر ان اللّٰه يصوغك إن انت التمست ارشاده.‏

      ١٧-‏١٩ (‏أ)‏ لمَ ذهب ارميا في رحلة طويلة الى الفرات؟‏ (‏ب)‏ كيف كان يمكن ان توضع طاعة ارميا على المحك؟‏ (‏ج)‏ ماذا كان الهدف من الحادثة المتعلقة بالحزام؟‏

      ١٧ اقتضى تعيين ارميا الاذعان لتوجيهات اللّٰه.‏ فلو كنت مكانه،‏ فهل تطيع كافة الارشادات المعطاة لك؟‏ في احدى المراحل،‏ امره يهوه ان يجلب حزاما من كتان ويلبسه ويسافر الى الفرات.‏ فإذا استعنت بخريطة تجد انه اجتاز نحو ٥٠٠ كيلومتر ليصل الى وجهته.‏ وهناك،‏ كان عليه ان يخفي الحزام في شق صخر،‏ ثم يقطع مجددا كل تلك المسافة رجوعا الى اورشليم.‏ وبعد فترة من الوقت،‏ طلب منه اللّٰه الذهاب ثانية الى الفرات لإحضار الحزام.‏ (‏اقرأ ارميا ١٣:‏​١-‏٩‏.‏‏)‏ وهذا يعني انه سافر ما مجموعه ٠٠٠‏,٢ كيلومتر تقريبا،‏ وهي مسافة طويلة لا يصدق نقاد الكتاب المقدس انه قطعها سائرا على قدميه شهرا تلو الآخر.‏b (‏عز ٧:‏٩‏)‏ ولكن هذا ما فعله ارميا مذعنا لتوجيهات اللّٰه.‏

      ١٨ تخيّل النبي وهو يشق دربه بصعوبة في جبال يهوذا،‏ ولعله عبر بعد ذلك صحراء قاحلة متجها نحو الفرات.‏ وكل هذا العناء لمجرد اخفاء حزام من كتان!‏ هذا عدا عن ان غيابه الطويل اثار دون شك فضول جيرانه.‏ وحين عاد،‏ لم يكن الحزام بحوزته.‏ فطلب منه اللّٰه لاحقا القيام مجددا بتلك الرحلة الطويلة كي يستعيد الحزام الذي اصبح تالفا و «لا يصلح لشيء».‏ فكّر كم كان سهلا ان يقول النبي في نفسه:‏ ‹تجاوزت الامور حدها.‏ فأنا لا ارى داعيا لهذه المشقة›.‏ ولكن بما انه سمح للّٰه بصوغ شخصيته،‏ فلم تصدر عنه ردة الفعل هذه.‏ فهو لم يتذمر بل نفّذ اوامر يهوه بحذافيرها.‏

      الصورة في الصفحة ٥٣

      لمَ ينبغي ان نذعن لإرشادات يهوه حتى لو لم نفهمها كاملا؟‏

      ١٩ ولم يوضح له اللّٰه مغزى طلبه هذا الا بعد الرحلة الثانية.‏ فهذه الحادثة مكّنت النبي من نقل رسالة قوية من اللّٰه الذي اعلن:‏ «هذا الشعب الرديء الذي يأبى اطاعة كلامي ويسير في عناد قلبه،‏ سائرا وراء آلهة اخرى يخدمها ويسجد لها،‏ يصير ايضا مثل هذا الحزام الذي لا يصلح لشيء».‏ (‏ار ١٣:‏١٠‏)‏ فيا لها من طريقة رائعة علّم بها يهوه شعبه!‏ فطاعة ارميا القلبية في امور بدت قليلة الاهمية لعبت دورا في محاولات يهوه لبلوغ قلوب شعبه.‏ —‏ ار ١٣:‏١١‏.‏

      ٢٠ لمَ قد تحيّر طاعتنا البعض،‏ ولكن بمَ نحن واثقون؟‏

      ٢٠ صحيح انه لا يُطلب منك اليوم السير مئات الكيلومترات لتساهم في ايصال عبرة إلهية،‏ لكنك تتبع على الارجح مسلكا مسيحيا يحيّر جيرانك وزملاءك او يدفعهم الى انتقادك ايضا.‏ ويشمل ذلك لباسك وهندامك،‏ خياراتك المتعلقة بالتعليم والعمل،‏ حتى نظرتك الى المشروبات الكحولية.‏ فهل انت عاقد العزم مثل ارميا على العيش وفق ارشاد اللّٰه؟‏ فقد تقدّم للآخرين شهادة حسنة من خلال قراراتك الناجمة عن سماحك للّٰه ان يصوغ قلبك.‏ في كل الاحوال،‏ ان اطاعتك توجيه اللّٰه المدون في كلمته وقبولك الارشاد بواسطة صف العبد الامين هما لخيرك الابدي.‏ فبذلك تسير على مثال ارميا عوض ان يسيّرك قلبك الغدار.‏ فصمم اذًا ان تفسح المجال ليهوه ان يقولبك كما يشاء.‏ دعه يصوغك اناء كريما جديرا باستعماله الى الابد.‏

      لمَ من المهم ان نحارب الضغوط التي يسببها لنا الشيطان،‏ قلبنا الناقص،‏ والعالم من حولنا؟‏

      a بحسب ترجمة انكليزية للكتاب المقدس على الانترنت (‏Bible NET‏)‏ صدرت عام ٢٠٠٥،‏ تُنقل هذه الآية الى:‏ «لا تكونوا على شبه العالم».‏ وتوضح حاشيتها ان التشبه بالعالم «يحدث جزئيا بطريقة لاشعورية.‏ ولكن في الوقت عينه،‏ .‏ .‏ .‏ قد يكون عن وعي وإدراك.‏ لذا يرجح جدا ان يحصل بالطريقتين معا».‏

      b يرى البعض ان ارميا لم يسافر الى الفرات بل قصد مكانا قريبا.‏ ولماذا؟‏ يذكر احد العلماء:‏ «جلّ ما يهدف اليه اصحاب هذا الانتقاد هو ان يوفروا على النبي عناء السفر مرتين من اورشليم الى الفرات».‏

  • مَن هم اصدقاؤك؟‏
    رسالة من اللّٰه بفم ارميا
    • الفصل الخامس

      مَن هم اصدقاؤك؟‏

      ١،‏ ٢ (‏أ)‏ اية تحديات يواجهها المسيحيون خلال تعاملهم مع مَن حولهم؟‏ (‏ب)‏ كيف نستفيد من اختيار ارميا للاصدقاء؟‏

      ماذا تفعل اذا دعاك احد الجيران او الزملاء في العمل او المدرسة الى حضور حفلة عيد ميلاد؟‏ كيف تتصرف إن سألك رب عملك ان تكذب او ترتكب فعلة مخالفة للقانون؟‏ وماذا لو طلبت منك السلطات الحكومية تأدية نشاطات سياسية او عسكرية؟‏ يُرجح ان ضميرك سيثنيك عن القيام بأي من هذه الامور حتى لو عرّضك ذلك للهزء او المعاملة السيئة.‏

      ٢ سنرى في هذا الفصل ان ارميا غالبا ما وجد نفسه امام تحديات مماثلة.‏ لذا سينفعك دون شك ان تعرف بمَن احتكّ النبي خلال سنوات خدمته.‏ فالبعض حاولوا تثبيط عزيمته لئلا يتمّم تعيينه.‏ ومع انه اضطر الى التواصل معهم بعض الشيء،‏ فهو حتما لم يخترهم اصدقاء له.‏ بالمقابل،‏ من المفيد ان تتعرف بأصدقائه الحقيقيين الذين امدوه بالدعم وقووا تصميمه على البقاء امينا.‏ نعم،‏ بإمكاننا ان نتعلم الكثير من ارميا عن اختيار العشراء.‏

      مع مَن تبني صداقاتك؟‏

      ٣ ماذا اراد صدقيا من ارميا،‏ وكيف تصرف النبي؟‏

      ٣ طلب الملك صدقيا مشورة ارميا في اكثر من مناسبة قبل دمار اورشليم،‏ آملا بالحصول على رسائل تبشر بالخير حول مستقبل مملكته.‏ فهو اراد ان يسمع من النبي ان اللّٰه سيتدخل وينقذ يهوذا من اعدائها.‏ لذا توسل اليه من خلال مبعوثَيه:‏ «من فضلك،‏ اسأل يهوه من اجلنا؛‏ لأن نبوخذرصر ملك بابل يحاربنا.‏ لعلّ يهوه يصنع معنا بحسب جميع اعماله العجيبة،‏ فينصرف عنا».‏ (‏ار ٢١:‏٢‏)‏ غير ان الملك لم يشإ اتباع ارشاد اللّٰه بالاستسلام لبابل.‏ وقد شبّهه احد العلماء «بمريض يزور الطبيب مرة بعد مرة اطمئنانا على صحته،‏ لكنه ليس مستعدا لتناول الدواء الموصوف له».‏ وماذا فعل ارميا؟‏ كان بإمكانه الفوز باستحسان صدقيا لو تملّقه وأسمعه ما يريد.‏ فلمَ اذًا لم يغيّر رسالته ويهوّن الامر على نفسه؟‏ لأن يهوه سبق فأمره ان ينادي بسقوط اورشليم.‏ —‏ اقرأ ارميا ٣٢:‏​١-‏٥‏.‏

      الصورتان في الصفحتين ٥٤،‏ ٥٥

      حين تقرأ عن ارميا وعبد ملك،‏ هل انت متأكد انهما كانا شخصيتين حقيقيتين؟‏ في الآونة الاخيرة،‏ زود اكتشافان في مدينة داود القديمة دليلا اضافيا على صحة اسماء اوردها ارميا في الاصحاح الـ‍ ٣٨ من سفره.‏

      فقد تحدثت عالمة الآثار إيلات مازار عن نبش دمغة ختم صغيرة من الطين.‏ (‏في الاسفل يسارا)‏ ووُجدت هذه الدمغة سنة ٢٠٠٥ حين كشف احد فرق التنقيب عن طبقة في الموقع الاثري يرقى تاريخها الى وقت دمار اورشليم عام ٦٠٧ ق‌م.‏ ويرد على الدمغة الاسم العبراني القديم «يهوخَل بن شَلَمْياهو» الذي هو «يوخل بن شلميا».‏

      وفي وقت لاحق،‏ عُثر على دمغة ختم اخرى في طبقة مماثلة تقع على بعد بضعة امتار.‏ (‏في الاسفل يمينا)‏ وقد نُقش عليها الاسم «جَدَلْياهو [اي جَدَلْيا] بن فشحور».‏

      افتح الآن الى ارميا ٣٨:‏١ فتجد ان هذين الاسمين حملهما رئيسان حرّضا الملك صدقيا على قتل ارميا،‏ وهي خطة احبطها عبد ملك.‏ نعم،‏ ان الاسماء المدونة في ارميا الاصحاح ٣٨ كانت لأشخاص حقيقيين.‏

      ٤ اي قرار نواجهه بشأن بناء الصداقات مع الآخرين،‏ مثل زملاء العمل؟‏

      ٤ انت تشبه ارميا من بعض النواحي.‏ فلا ريب انك تحتكّ بالجيران ورفقاء العمل او المدرسة.‏ ولكن هل تذهب الى ابعد من ذلك وتبني معهم صداقات حتى لو اظهروا عدم اهتمام بسماع واتباع وصايا اللّٰه؟‏ لم يكن في وسع ارميا ان يتجنب صدقيا تماما،‏ فهو كان الملك حتى لو رفض الاصغاء لمشورة اللّٰه.‏ غير انه ما كان ملزما بمجاراة طريقة تفكيره الخاطئة او كسب رضاه.‏ طبعا،‏ لو لبّى ارميا رغبات صدقيا لأمطره بالهدايا والامتيازات الاخرى.‏ الا انه رفض الانقياد لأي ضغط او اغراء بهدف التقرب اليه.‏ ولماذا؟‏ لأنه كان مصمما كل التصميم ان يظل على موقفه الذي اوصاه يهوه باتخاذه.‏ من هنا،‏ ليسأل كل منا نفسه على ضوء مثال ارميا:‏ ‹هل أنتقي اصدقاء يشجعونني على البقاء وليا للّٰه؟‏›.‏ لا شك انك لا تستطيع قطع كل علاقاتك بالذين لا يخدمون اللّٰه،‏ مثل الجيران او الزملاء في العمل او المدرسة.‏ (‏١ كو ٥:‏​٩،‏ ١٠‏)‏ لكنك تدرك ان مخالطتهم اكثر من اللازم تدفعك لا محالة الى المسايرة على حساب صداقتك مع اللّٰه.‏

      الصورة في الصفحة ٥٧

      هل تعاشر الذين يستخفون بكلمة اللّٰه؟‏

      ٥،‏ ٦ ماذا فعل البعض لإسكات ارميا؟‏

      ٥ ليس صدقيا الوحيد الذي حاول الضغط على ارميا.‏ فثمة كاهن يدعى فشحور «ضرب» النبي ربما ٣٩ جلدة.‏ (‏ار ٢٠:‏٢؛‏ تث ٢٥:‏٣‏)‏ ولقي ارميا المعاملة عينها على يد عدد من رؤساء يهوذا الذين ضربوه ثم وضعوه في «بيت القيود».‏ فاحتُجز في زنزانة اياما كثيرة وعاش اوضاعا مزرية للغاية حتى انه خشي الموت هناك.‏ (‏اقرأ ارميا ٣٧:‏​٣،‏ ١٥،‏ ١٦‏.‏‏)‏ وبعدما أُطلق سراحه فترة من الوقت،‏ حرّض رؤساء آخرون صدقيا على قتله زاعمين انه يضعف معنويات جيوش يهوذا،‏ ما ادى الى رميه في جبّ موحل.‏ (‏ار ٣٨:‏​١-‏٤‏)‏ صحيح انه أُنقذ من تلك الميتة الفظيعة،‏ لكنّ هذه الاحداث تُظهر كيف شكك الكثيرون في كلام نبي اللّٰه وانقلبوا عليه،‏ هم الذين يُفترض ان يميّزوا هويته ويدركوا خطأ تصرفاتهم.‏

      ٦ ولم يقتصر اعداء ارميا على السلطات الرسمية.‏ ففي احدى المناسبات،‏ انزعج من كلامه رجال من اهل مدينته عناثوث —‏ ربما كانوا جيرانه —‏ وتوعدوا بقتله إن لم يتوقف عن التنبؤ.‏ (‏ار ١١:‏٢١‏)‏ لكنه لم يكترث بهم لأنه اختار مصادقة يهوه لا الجيران.‏ وثمة معاصرون آخرون له لم يكتفوا بالتهديد الشفهي.‏ فذات مرة،‏ وضع النبي نيرا على عنقه،‏ كمثال حي،‏ ليحث اليهود ان يجعلوا اعناقهم تحت نير ملك بابل ويبقوا بالتالي احياء.‏ فما كان من النبي الدجال حننيا الا ان نزع النير الخشبي عن عنق ارميا وكسره،‏ مدعيا ان يهوه قال:‏ «سأكسر نير ملك بابل».‏ غير انه مات في السنة عينها،‏ وأنت تعرف اي نبي تبيّن انه الاصدق.‏ (‏ار ٢٨:‏​١-‏١١،‏ ١٧‏)‏ وبعدما دُمرت اورشليم كما سبق وحذّر ارميا،‏ رفض يوحانان وقادة في الجيش اطاعة وصية اللّٰه بالبقاء في ارض يهوذا قائلين للنبي:‏ «انت متكلم بالكذب.‏ لم يرسلك يهوه إلهنا قائلا:‏ ‹لا تدخلوا الى مصر›».‏ حتى انهم تحدوا يهوه واصطحبوا معهم ارميا وباروخ الى مصر.‏ —‏ ار ٤٢:‏١–‏٤٣:‏٧‏.‏

      الصورة في الصفحة ٥٨

      اي نوع من الاشخاص اضطر ارميا الى التعامل معهم؟‏ وماذا نتعلم من مثاله؟‏

      ٧ اي تحدٍّ قد يؤثّر على امانتنا ليهوه؟‏

      ٧ سنوات مرّت وإرميا محاط بأشخاص مقاومين استخفوا بكلمة اللّٰه.‏ فماذا فعل؟‏ كان من السهل ان يتقبل معاشرة الذين لم يحترموا اللّٰه وكلمته،‏ فهو عاش في وسطهم والتقاهم في كل مكان.‏ وماذا عنك؟‏ لا بد انك تتواصل الى حد ما مع اشخاص يشبهونهم.‏ فهل تتخذهم اصدقاء لك سواء قاوموك انت وإلهك بضراوة او بدوا في غاية اللطف والتهذيب؟‏ أمن الحكمة ان تمضي الوقت مع اناس لا يحملون نبوات اللّٰه محمل الجد؟‏ لو كان ارميا مكانك،‏ أفيُعقل ان يصادق الذين ينكرون بنمط حياتهم حق كلمة اللّٰه او يجعلون البشر متّكَلهم؟‏ (‏٢ اخ ١٩:‏٢‏)‏ لقد بيّن اللّٰه لإرميا بكل وضوح عواقب الاتكال على الانسان لا عليه.‏ (‏اقرأ ارميا ١٧:‏​٥،‏ ٦‏.‏‏)‏ فهل تراه صائبا ان تتبع هذا المسلك؟‏

      الصورة في الصفحة ٦٣

      ٨ اية تحديات يواجهها المسيحيون في بلدكم؟‏

      ٨ يشعر بعض المسيحيين ان دعوة زبائنهم الى الولائم او الاستجمام معهم يفتح لهم بابا لترويج اعمالهم او بضائعهم.‏ ولكن ألا يعرّضهم ذلك لمعاشرات فاسدة ومخاطر اخرى مثل الكلام البذيء والاسراف في الشرب؟‏ هذا يفسّر لمَ يفضّل مسيحيون كثيرون يواجهون هذه الحالة ان يتجنبوا المعاشرات الرديئة،‏ حتى لو فوّتوا على انفسهم ارباحا او نجاحات محتملة في نظر العالم.‏ من جهة اخرى،‏ قد لا يتردد رب العمل او الموظفون في غش الزبائن والاحتيال عليهم،‏ اما المسيحيون الحقيقيون فلا يتأثرون بمَن حولهم ولا يتصرفون مثلهم.‏ صحيح ان تبنّي موقف ثابت في مسائل كهذه ليس سهلا في بعض الاحيان،‏ ولكن كم نحن شاكرون ليهوه على امثلة كالنبي ارميا الذي التصق بمسلك منحه ضميرا صالحا،‏ والاهم علاقة جيدة باللّٰه!‏

      ٩ اي خطر يكمن في اتباع المسلك الذي درج عليه الناس؟‏

      ٩ ان مواقف ارميا وقناعاته جعلته هدفا لسخرية عدد من رفقائه اليهود.‏ (‏ار ١٨:‏١٨‏)‏ مع ذلك،‏ كان مستعدا ان يبدو مختلفا عمّن اتبعوا «المسلك الذي درج عليه الناس».‏ (‏ار ٨:‏​٥،‏ ٦‏)‏ حتى انه آثر احيانا ‹الجلوس وحده› على التعرض لمعاشرات سيئة ومصادقة اشخاص يضعفون روحياته.‏ (‏اقرأ ارميا ٩:‏​٤،‏ ٥؛‏ ١٥:‏١٧‏.‏‏)‏ وماذا عنك؟‏ ان المسلك الدارج اليوم،‏ كما في زمن ارميا،‏ هو عدم الامانة للّٰه.‏ لذا يجب على خدام يهوه توخي الحذر دوما في مسألة اختيار الاصدقاء.‏ وهذا ما فعله ارميا الذي حظي بعشراء جيدين دافعوا عنه وزودوه بالدعم.‏ فمَن كان هؤلاء العشراء؟‏ ستفيدك كثيرا معرفة الجواب عن هذا السؤال.‏

      مَن كان اصدقاء ارميا؟‏

      ١٠،‏ ١١ (‏أ)‏ على اي اساس اختار ارميا اصدقاءه؟‏ (‏ب)‏ مَن كان اصدقاء ارميا،‏ وأية اسئلة تنشأ بخصوصهم؟‏

      ١٠ مع مَن كان ارميا سينمّي الصداقات؟‏ بتوجيه من يهوه،‏ ادان النبي مرارا وتكرارا الاشرار،‏ المخادعين،‏ الظالمين،‏ العنفاء،‏ غير المبالين،‏ والفاسدين ادبيا،‏ اي كل الذين تخلوا عن العبادة النقية وانغمسوا في الصنمية مرتكبين بذلك الزنى الروحي.‏ لذا حث ارميا ابناء شعبه:‏ «ارجعوا كل واحد عن طريقه الرديء،‏ وأصلحوا طرقكم وأعمالكم».‏ (‏ار ١٨:‏١١‏)‏ حتى بعد دمار اورشليم،‏ لم يغيّر ارميا مقياسه في اختيار الاصدقاء بل انتقى الذين قدّروا «ألطاف يهوه الحبية» و «مراحمه» و ‹أمانته›.‏ (‏مرا ٣:‏​٢٢-‏٢٤‏)‏ فهو لم يُرد ان يصاحب سوى خدام امناء ليهوه.‏ —‏ اقرأ ارميا ١٧:‏٧‏.‏

      ١١ ونحن نعرف عددا من اصدقاء ارميا وعشرائه اللصيقين الذين ناصروه ودافعوا عنه،‏ امثال عبد ملك،‏ باروخ،‏ سرايا،‏ وأبناء شافان.‏ لذا قد نتساءل:‏ ‹اية شخصيات تحلى بها هؤلاء الرجال؟‏ اية علاقة جمعتهم بإرميا؟‏ كيف كانوا اصدقاء صالحين؟‏ وكيف ساعدوا النبي ان يحافظ على استقامته؟‏›.‏ لنتأمل في اجوبة هذه الاسئلة ونرَ ما نتعلمه منها.‏

      ١٢ (‏أ)‏ اية قواسم مشتركة جمعت بين ارميا وباروخ وفقا للصورة في الصفحة ٥٨؟‏ (‏ب)‏ مَن كان سرايا،‏ وماذا نعرف عنه؟‏

      ١٢ كان باروخ بن نيريا كما يتضح صديق ارميا الاحم.‏ فقد املى عليه النبي اعلانات يهوه موكلا اليه بثقة مسؤولية تدوينها،‏ ثم كلّفه قراءة الدرج الذي كتبه،‏ بداية امام الشعب ثم على مسامع رؤساء يهوذا.‏ (‏ار ٣٦:‏​٤-‏٨،‏ ١٤،‏ ١٥‏)‏ فلا شك ان باروخ شاطر ارميا ايمانه واقتناعه بتحقق كلمات اللّٰه النبوية.‏ كما جمعت بين هذين الرجلين قواسم مشتركة اخرى خلال سنوات يهوذا الـ‍ ١٨ الاخيرة المليئة بالاضطرابات.‏ فهما امضيا وقتا طويلا يعملان جنبا الى جنب على التعيين الالهي نفسه،‏ واجها كلاهما الصعوبات واضطرا الى الاختباء من اعدائهما،‏ ونالا تشجيعا شخصيا من يهوه.‏ ويبدو ان باروخ وُلد في عائلة بارزة من عائلات الكتبة في يهوذا.‏ فالاسفار المقدسة تدعوه «كاتب الديوان»،‏ وأخوه سرايا كان رسميا رفيع المقام.‏ وعلى غرار باروخ،‏ عاون سرايا لاحقا ارميا في ايصال احكام يهوه النبوية.‏ (‏ار ٣٦:‏٣٢؛‏ ٥١:‏​٥٩-‏٦٤‏)‏ ولا بد ان النبي تقوّى وتشجع بابنَي نيريا هذين اللذين اظهرا استعدادا للعمل معه يدا بيد خلال تلك الاوقات العصيبة.‏ انت ايضا يمكنك ان تستمد القوة والتشجيع من الذين يعملون الى جانبك بأمانة في خدمة يهوه.‏

      ماذا نتعلم من قرارات ارميا بشأن اختيار الاصدقاء؟‏

      ١٣ كيف برهن عبد ملك انه صديق ارميا بكل معنى الكلمة،‏ بناء على الصورة في الصفحة ٦٣؟‏

      ١٣ حظي ارميا بصديق مميز آخر هو عبد ملك.‏ فحين اراد الرؤساء الحانقون قتله برميه في جب فارغ،‏ لم يجسر احد على الدفاع عنه سوى شخص اجنبي هو عبد ملك الحبشي الذي كان خصيّا،‏ اي رسميا،‏ في بيت الملك صدقيا.‏ ففيما كان هذا الملك جالسا في باب بنيامين،‏ اقترب منه عبد ملك علنا واستأذنه بشجاعة في انقاذ النبي من الجب الموحل.‏ ثم اخذ معه ٣٠ رجلا،‏ متوقعا ربما ان يعرقل اعداء ارميا مهمته.‏ (‏ار ٣٨:‏​٧-‏١٣‏)‏ صحيح اننا لا نعرف الى اي حد عاشر عبد ملك وإرميا واحدهما الآخر،‏ ولكن بما ان كليهما كانا صديقَي يهوه،‏ فمن المنطقي الاستنتاج ان علاقة متينة ربطت بينهما.‏ وقد ادرك عبد ملك ان ارميا كان نبي يهوه.‏ كما تجرأ وقال ان الرؤساء ‹اساءوا› الى النبي،‏ وأعرب ايضا عن استعداد للمجازفة بمنصبه في سبيل فعل الصواب.‏ نعم،‏ كان عبد ملك رجلا صالحا.‏ حتى ان يهوه نفسه اكد له:‏ «اني انقذك في [يوم بلية اورشليم] .‏ .‏ .‏ لأنك اتكلت عليّ».‏ (‏اقرأ ارميا ٣٩:‏​١٥-‏١٨‏.‏‏)‏ فما اروع هذا التأكيد الذي ناله عبد ملك!‏ أفلا تود مصادقة شخص كهذا؟‏!‏

      ١٤ ماذا نعرف عن عائلة شافان وعلاقتها بإرميا؟‏

      ١٤ ومن اصدقاء ارميا ايضا ثلاثة من ابناء شافان وأحد احفاده.‏ وقد انتمى هؤلاء الى عائلة رفيعة المقام اذ ان شافان شغل سابقا منصب كاتب الملك يوشيا.‏ ففي اول مرة حاول فيها اعداء ارميا قتله،‏ «كانت يد اخيقام بن شافان مع ارميا،‏ لئلا يُسلم الى ايدي الشعب».‏ (‏ار ٢٦:‏٢٤‏)‏ وكان لأخيقام اخ اسمه جمريا.‏ وبينما قرأ باروخ احكام اللّٰه علانية،‏ سمعه ميخايا بن جمريا ونقل كلامه الى ابيه وسائر الرؤساء.‏ فما كان منهم الا ان نصحوا ارميا وباروخ بالاختباء خوفا من رد فعل يهوياقيم.‏ ولما رفض هذا الملك الرسالة الالهية،‏ كان جمريا بين الذين توسلوا اليه لئلا يُحرق الدرج.‏ (‏ار ٣٦:‏​٩-‏٢٥‏)‏ كما عهد ارميا الى ابن آخر لشافان،‏ ألعاسة،‏ بنقل رسالة نبوية الى اليهود المسبيين في بابل.‏ (‏ار ٢٩:‏​١-‏٣‏)‏ وهكذا،‏ نعِم ارميا بصداقة اربعة اشخاص من عائلة واحدة بسطوا له جميعا يد المساعدة.‏ فكّر كم قدّر النبي دون شك هؤلاء الرجال.‏ فصداقته معهم لم تقم على اساس تشابه اذواقهم في الطعام والشراب او استمتاعهم بنفس الهوايات وأشكال الاستجمام،‏ بل استندت الى شيء اهم بكثير.‏

      انتقِ اصدقاءك بحكمة

      ١٥ اي مثال جيد رسمه ارميا في اختيار الاصدقاء؟‏

      ١٥ ماذا نتعلم من تعاملات ارميا مع معاصريه الاشرار والصالحين على السواء؟‏ رأينا ان الملك ورؤساء عديدين وأنبياء دجالين وقادة في الجيش ضغطوا عليه كي يغيّر رسالته،‏ لكنه ابى ان يداريهم.‏ وموقفه هذا لم يحببه اليهم،‏ غير انه لم يعبأ بمصادقتهم.‏ فيهوه ظل على الدوام صديقه الالصق.‏ حتى لو كانت امانته للّٰه ستكلفه عداوة عدد من الاشخاص،‏ فقد اعرب عن استعداده لدفع هذا الثمن.‏ (‏اقرإ المراثي ٣:‏​٥٢-‏٥٩‏.‏‏)‏ ولكن كما تبيّن معنا،‏ ليس ارميا الشخص الوحيد الذي صمم على خدمة يهوه.‏

      ١٦،‏ ١٧ (‏أ)‏ اية مساعدة ينالها خادم يهوه من صديق جيد؟‏ (‏ب)‏ اين نجد افضل الاصدقاء ايًّا كان البلد الذي نعيش فيه؟‏

      ١٦ اعتُبر عبد ملك صديقا جيدا لأنه آمن بيهوه واتكل عليه.‏ وهو تحلى بشجاعة كبيرة بحيث تصرّف بحزم وأنقذ حياة ارميا.‏ باروخ ايضا امضى عن طيب خاطر وقتا طويلا مع النبي وساعده على نقل رسائل يهوه.‏ واليوم،‏ تضم الجماعة المسيحية اصدقاء محبين وداعمين على غرار عبد ملك وباروخ.‏ على سبيل المثال،‏ تقدّر كاميرون،‏ فاتحة عادية عمرها ٢٠ سنة،‏ التأثير الايجابي الذي تركته فيها فاتحة اخرى اسمها كارا.‏ تقول كاميرون:‏ «شجعتني كارا بمثالها وكلامها على ابقاء يهوه اولا في حياتي».‏ ومع انهما كانتا تعيشان بعيدتين احداهما عن الاخرى،‏ ظلت كارا تتصل بكاميرون او تراسلها بانتظام لتطمئن على احوالها وتتبادل معها التشجيع.‏ تتذكر كاميرون:‏ «كانت كارا على علم بكافة ظروفنا العائلية.‏ فهي عرفت ما حدث مع اختي وكم آلمني تمردها وتخليها عن الحق.‏ لذا وقفت الى جانبي طوال تلك الفترة العصيبة.‏ وأنا لا اعرف ما كان سيحلّ بي لولا مساعدتها وتأثيرها الايجابي.‏ فعلا،‏ كانت كارا عونا رائعا لي».‏

      الصورة في الصفحة ٦٤

      ١٧ انت كذلك يمكنك ايجاد اصدقاء جيدين في الجماعة المسيحية،‏ سواء كانوا في مثل سنك او لا.‏ فإخوتك وأخواتك يشاطرونك ايمانك،‏ قيمك،‏ محبتك ليهوه،‏ ورجاءك للمستقبل،‏ ويمرّون على الارجح بنفس محنك وشدائدك.‏ وهم يعملون معك كتفا الى كتف في الخدمة المسيحية.‏ ويبعثون فيك القوة والامل حين تكابد المشقات مثلما تفعل معهم انت ايضا.‏ كما انهم يفرحون لفرحك في خدمة يهوه.‏ ولا شك ان صداقات كهذه تدوم الى ابد الآبدين.‏ —‏ ام ١٧:‏١٧؛‏ ١٨:‏٢٤؛‏ ٢٧:‏٩‏.‏

      ١٨ ماذا نتعلم من اختيار ارميا للاصدقاء؟‏

      ١٨ ان الدرس الذي نستمده من اختيار ارميا للاصدقاء واضح وضوح الشمس:‏ لا يمكننا ان نعاشر اشخاصا تتعارض معتقداتهم مع تعاليم الكتاب المقدس دون ان نساير في قناعاتنا.‏ والعمل بانسجام مع هذه الحقيقة التي يستحيل انكارها لا يقلّ اهمية اليوم عما كان عليه زمن ارميا.‏ فكي يتمّم النبي تعيينه بأمانة مظلَّلا ببركة يهوه،‏ كان مستعدا ان يتميّز عن غالبية معاصريه.‏ أفلا يصح ذلك في حالتك انت ايضا؟‏ فإرميا انتقى عشراء آمنوا ايمانه وأعانوه على انجاز تفويضه.‏ نعم،‏ في وسع كل المسيحيين الامناء التعلم من ارميا عن اختيار الاصدقاء بحكمة.‏ —‏ ام ١٣:‏٢٠؛‏ ٢٢:‏١٧‏.‏

      كيف نتبع مثال ارميا في تحديد مَن نختارهم او لا نختارهم اصدقاء لنا؟‏

  • ‏«أطِع قول يهوه»‏
    رسالة من اللّٰه بفم ارميا
    • الفصل السادس

      ‏«أطِع قول يهوه»‏

      ١،‏ ٢ ما هو غالبا موقف الذين يتبعون «المسلك الذي درج عليه الناس»،‏ ولمَ ينبغي ان نتميّز عنهم؟‏

      الطاعة فكرة غير محببة في عالم اليوم.‏ فكثيرون لا يكترثون في قراراتهم وتصرفاتهم بأبسط الخطوط الارشادية.‏ بل يتبعون نمط التفكير القائل:‏ ‹افعلْ ما يحلو لك› او ‹المهم ان تنجو بفعلتك›.‏ وترى ذلك حين يخالف السائقون اشارات المرور،‏ ينتهك المستثمرون الانظمة المالية،‏ ويكسر المسؤولون القوانين التي ساهموا هم في سنّها.‏ وهذا الاندفاع الى اتباع «المسلك الذي درج عليه الناس»،‏ مع انه مسلك خاطئ ومؤذٍ،‏ شاع ايام ارميا ايضا.‏ —‏ ار ٨:‏٦‏.‏

      ٢ لكنك تدرك ان على الذين يرغبون في نيل رضى اللّٰه الكلي القدرة الا ينقادوا وراء «المسلك الذي درج عليه الناس».‏ ومن الجدير بالذكر ان ارميا اوضح الفرق بين الذين «لم يطيعوا قول يهوه» والذين ارادوا اطاعته.‏ (‏ار ٣:‏٢٥؛‏ ٧:‏٢٨؛‏ ٢٦:‏١٣؛‏ ٣٨:‏٢٠؛‏ ٤٣:‏​٤،‏ ٧‏)‏ من هنا،‏ على كل منا افراديا ان يتفحص نفسه في هذا الخصوص.‏ لماذا؟‏ لأن هجمات الشيطان التي تستهدف استقامة العباد الحقيقيين باتت اشرس من اي وقت مضى.‏ فإبليس اشبه بحية تتربص بفريستها لتلدغها على حين غرة لدغة قد تودي بحياتها.‏ ولكن إن صممنا على اطاعة قول يهوه،‏ ابعدنا خطر هذه الحية عن انفسنا.‏ فكيف نقوّي تصميمنا على البقاء طائعين؟‏ لنرَ كيف تفيدنا كتابات ارميا في هذا الصدد.‏

      الاله الذي ندين له بطاعتنا

      ٣ لمَ يستحق يهوه طاعتنا؟‏

      ٣ لمَ يستحق يهوه طاعتنا التامة؟‏ كشف ارميا عن احد الاسباب حين وصف اللّٰه بأنه «صانع الارض بقوته،‏ مثبّت المعمورة بحكمته».‏ (‏ار ١٠:‏١٢‏)‏ فيهوه هو المتسلط على الكون بأسره.‏ لذا ينبغي ان نخافه اكثر من سائر الحكام اجمعين.‏ وله مطلق الحق ان يطلب منا الاذعان لوصاياه الحكيمة لأنها حقا لخيرنا الابدي.‏ —‏ ار ١٠:‏​٦،‏ ٧‏.‏

      الصورة في الصفحة ٦٩

      ان شرب «المياه الحية» المزودة من يهوه يقوّي عزمك على الطاعة

      ٤،‏ ٥ (‏أ)‏ اية حقيقة تعلّمها اليهود خلال فترات القحط؟‏ (‏ب)‏ كيف بدّد سكان يهوذا «المياه الحية» التي اغدقها يهوه عليهم؟‏ (‏ج)‏ كيف لنا ان نشرب «المياه الحية» المزودة من اللّٰه؟‏

      ٤ غير ان يهوه ليس الحاكم الكوني فحسب،‏ بل هو داعم حياتنا ايضا.‏ واليهود زمن ارميا لمسوا لمس اليد صحة هذه الحقيقة.‏ فالناس في ارض مصر اعتمدوا الى حد كبير على مياه نهر النيل.‏ اما شعب اللّٰه في ارض الموعد،‏ فاتكلوا بشكل رئيسي على الامطار الموسمية التي اعتادوا تخزينها في آبار حُفرت في الارض.‏ (‏تث ١١:‏​١٣-‏١٧‏)‏ ووحده يهوه كان قادرا ان يهب او يحبس المطر اللازم لترطيب التربة وجعلها صالحة لإنتاج الثمر.‏ لذا عاش اليهود العصاة ايام ارميا فترات قحط متكررة تركت حقولهم وكرومهم عطشى وجففت آبارهم وأجبابهم من الماء.‏ —‏ ار ٣:‏٣؛‏ ٥:‏٢٤؛‏ ١٢:‏٤؛‏ ١٤:‏​١-‏٤،‏ ٢٢؛‏ ٢٣:‏١٠‏.‏

      ٥ وفي حين قدّر هؤلاء اليهود قيمة المياه الحرفية،‏ رفضوا «المياه الحية» التي اغدقها يهوه عليهم حين كسروا شريعته عمدا واتكلوا على التحالفات مع الامم المحيطة.‏ فحصدوا عواقب وخيمة على غرار مَن يحفظ المطر الشحيح في جب مشقق لا يمسك الماء.‏ (‏اقرأ ارميا ٢:‏١٣؛‏ ١٧:‏١٣‏.‏‏)‏ ولا شك اننا لا نريد اتباع مسلك مماثل يجلب علينا بلاء عظيما.‏ فيهوه مستمر في تزويدنا بوفرة من الارشاد المؤسس على كلمته الملهمة.‏ لكنّ هذه الكلمة،‏ اي «المياه الحية»،‏ لن تفيدنا ما لم ندرسها بانتظام ونسعَ الى العيش بموجبها.‏

      ٦ (‏أ)‏ ماذا كان موقف الملك صدقيا من اطاعة يهوه؟‏ (‏ب)‏ لمَ برأيكم لم يتصف هذا الملك بالحكمة؟‏

      ٦ فيما دنا يوم حساب يهوذا،‏ ازدادت اهمية اطاعة اللّٰه اكثر فأكثر.‏ ففي حال اراد اليهود كأفراد الحصول على رضى يهوه وحمايته،‏ وجب عليهم ان يتوبوا ويطيعوه من جديد.‏ وقد واجه هذه المسألة الملك صدقيا الذي لم يكن حازما في فعل الصواب.‏ فحين اعلمه الرؤساء العاملون معه برغبتهم في قتل ارميا،‏ لم يمتلك ما يكفي من الشجاعة لرفض طلبهم.‏ وكما تبيّن معنا في الفصل السابق،‏ نجا النبي من محاولة القتل هذه بمساعدة عبد ملك،‏ وترجى لاحقا صدقيا ان ‹يطيع قول يهوه›.‏ (‏اقرأ ارميا ٣٨:‏​٤-‏٦،‏ ٢٠‏.‏‏)‏ فمن الواضح ان خير الملك توقف على اتخاذه قرارا مهما:‏ هل يطيع اللّٰه ام لا؟‏

      لمَ كان مناسبا ان يحث ارميا اليهود مرارا وتكرارا على اطاعة اللّٰه؟‏

      اطاعة يهوه امر ملح للغاية

      ٧ في اية حالات توضع طاعتنا تحت الامتحان؟‏

      ٧ ان الطاعة اليوم مهمة بقدر ما كانت عليه زمن ارميا.‏ فإلى اي حد انت عاقد العزم على اطاعة يهوه؟‏ مثلا،‏ إن دخلت سهوا موقعا اباحيا على الانترنت،‏ فهل تواصل تصفحه ام تقاوم هذا الاغراء وتسارع الى الخروج منه؟‏ وماذا لو دُعيت الى مواعدة شخص غير مؤمن في العمل او المدرسة؟‏ أتقوى على رفض هذا العرض؟‏ وما القول في مطبوعات ومواقع المرتدين؟‏ هل تثير فضولك ام تشعر بالاشمئزاز منها؟‏ في هذه الحالات وغيرها،‏ أبقِ في بالك الكلمات المدونة في ارميا ٣٨:‏٢٠‏.‏

      ٨،‏ ٩ (‏أ)‏ لمَ من الحكمة ان نصغي الى الشيوخ عندما يحاولون ارشادنا؟‏ (‏ب)‏ كيف ينبغي للمرء ان ينظر الى مساعي الشيوخ المتكررة لمساعدته؟‏

      ٨ لطالما حضّ يهوه شعبه بفم ارميا قائلا:‏ «ارجعوا،‏ رجاء،‏ كل واحد عن طريقه الرديء،‏ وأصلحوا اعمالكم».‏ (‏ار ٧:‏٣؛‏ ١٨:‏١١؛‏ ٢٥:‏٥‏؛‏ اقرأ ارميا ٣٥:‏١٥‏.‏‏)‏ بشكل مماثل اليوم،‏ يبذل الشيوخ المسيحيون كل ما في وسعهم لمساعدة رفقائهم المؤمنين الذين يحيط بهم خطر روحي.‏ فإذا حدث ان اسدوا اليك مشورة بشأن تجنب مسلك غير حكيم او خاطئ،‏ فأصغِ الى مشورتهم لأنهم يهدفون مثل ارميا الى ابعادك عن الخطر.‏

      ٩ وقد يذكّرك الشيوخ بمبادئ من الاسفار المقدسة سبقوا وناقشوها معك.‏ فلا تحسب ان تكرار المشورة امر هيّن،‏ لكنه يمسي اصعب بكثير اذا اعرب الشخص الذي يحتاج الى المساعدة عن موقف مماثل ليهود كثيرين نصحهم ارميا.‏ حاول ان تعتبر مساعي الشيوخ المستمرة تعبيرا عن محبة يهوه.‏ وفكّر ايضا ان ارميا ما كان ليكرر تحذيراته لو وجد آذانا صاغية.‏ لذلك،‏ ان تطبيق المشورة على الفور يجنّب المرء سماعها اكثر من مرة.‏

      الصورة في الصفحة ٧٠

      أصغِ الى الشيوخ حين يحاولون مساعدتك

      يهوه يغفر ولكن ليس تلقائيا

      ١٠ لمَ لا يغفر يهوه الخطايا تلقائيا؟‏

      ١٠ لا يمكننا مهما حاولنا ان نطيع يهوه على اكمل وجه في نظام الاشياء هذا.‏ لذا كم نشكره على استعداده للصفح عن ذنوبنا!‏ غير ان يهوه لا يعفو تلقائيا عن اخطائنا.‏ لماذا؟‏ لأن الخطية بغيضة في عينيه.‏ (‏اش ٥٩:‏٢‏)‏ فهو يريد ان يتأكد اننا جديرون بغفرانه.‏

      ١١ لمَ يستحيل ان يفلت المرء من عواقب الخطايا السرية؟‏

      ١١ كما رأينا،‏ اعتاد يهود عديدون زمن ارميا عصيان اللّٰه وبالتالي استغلال صبره ورحمته.‏ فهل يمكن لأي من خدام اللّٰه اليوم ان يفعل مثلهم؟‏ نعم،‏ اذا تجاهل مذكرات يهوه وشرع يمارس الخطية.‏ في بعض الحالات،‏ يخطئ المرء امام اعين الجميع،‏ كما حين يقدِم على الزواج فيما هو او الشخص الآخر ليس حرا للتزوج.‏ ولكن حتى لو ارتكب خطية ما في السر،‏ يعرّض نفسه للخطر.‏ فهو يعيش حياة مزدوجة معتقدا ان احدا لن يكتشف امره.‏ لكنّ الحقيقة هي ان يهوه ينفذ الى العقول والقلوب ويرى ما وراء الابواب الموصدة.‏ (‏اقرأ ارميا ٣٢:‏١٩‏.‏‏)‏ فأي اجراء ينبغي اتخاذه في حال عصى المرء حقا احدى وصايا اللّٰه؟‏

      ١٢ اي اجراء يتخذه الشيوخ احيانا من اجل حماية الجماعة؟‏

      ١٢ مثلما ازدرى يهود كثيرون بمساعدة يهوه التي قدّمها مرة بعد مرة من خلال ارميا،‏ قد لا يعرب المذنب بخطية خطيرة عن التوبة رافضا مساعدة الشيوخ.‏ في هذه الحالة،‏ ينبغي للشيوخ تطبيق ارشاد الاسفار المقدسة ان يفصلوا الخاطئ عن الجماعة بهدف حمايتها.‏ (‏١ كو ٥:‏​١١-‏١٣‏؛‏ انظر الاطار «‏العيش بلا شريعة‏» في الصفحة ٧٣.‏)‏ ولكن هل يعني ذلك ان لا امل له على الاطلاق باستعادة رضى إلهه؟‏ قطعا لا.‏ فمع ان الاسرائيليين تمردوا فترة طويلة،‏ ناشدهم اللّٰه قائلا:‏ «ارجعوا ايها البنون المرتدون،‏ فأشفي ارتدادكم».‏ (‏ار ٣:‏٢٢‏)‏a فيهوه يدعو الخطاة الى الرجوع اليه حتى انه يأمرهم بذلك.‏

      العيش بلا شريعة

      كيف كانت حياة اليهود بعد دمار اورشليم؟‏ يصف ارميا الحالة جزئيا في المراثي ٢:‏٩‏.‏ فقد هُدمت اسوار المدينة،‏ وربما الابواب التي كانت تزودها بالحماية.‏ لكنّ الاسوأ على حد قول ارميا هو ان اليهود عاشوا ‹بلا شريعة›.‏ فهل قصد ان الناجين اصبحوا جموعا جامحة تعيش على هواها؟‏ يُرجح انه كان يشير الى خسارة الامن والراحة الروحيين اللذين نعِم بهما اليهود سابقا حين كان الكهنة والانبياء الامناء يعلّمونهم من شريعة اللّٰه.‏ فهم اخذوا يصغون الى الانبياء الكذبة الذين لم يمنحوهم «رؤى»،‏ او ارشادات،‏ حقيقية من يهوه،‏ بل «رؤى» عديمة النفع ومضلِّلة.‏ —‏ مرا ٢:‏١٤‏.‏

      ويمرّ بهذا الوضع مَن يُفصل عن الجماعة المسيحية.‏ فالمفصول يخسر صداقته الحميمة مع اخوته وأخواته الروحيين.‏ ولا يعود ينعم باهتمام الشيوخ الحبي او بالارشاد الروحي القيّم.‏ ففي العالم حيث «لا شريعة» من يهوه،‏ يراوده على الارجح شعور كبير بالخسارة.‏ مع ذلك،‏ في وسعه ان يستعيد موقفه المقبول امام يهوه ويتمتع مجددا ببركاته السخية.‏ (‏٢ كو ٢:‏​٦-‏١٠‏)‏ لكنك توافق دون شك ان اطاعة يهوه وتفادي العيش بلا شريعة افضل بكثير من هذه التجربة المؤلمة.‏

      لمَ من الحكمة ان نلتمس غفران اللّٰه حين نرتكب الاخطاء؟‏

      أطِع يهوه بالرجوع اليه

      ١٣ ماذا يجب ان يدرك المرء قبل الرجوع الى يهوه؟‏

      ١٣ اذا اراد المرء الرجوع الى اللّٰه،‏ فعليه حسبما اشار ارميا ان يسأل نفسه:‏ ‹ماذا فعلت؟‏›.‏ ثم يلزم ان يتقبل الجواب،‏ مهما كان صريحا،‏ على ضوء مقاييس الاسفار المقدسة.‏ الا ان اليهود غير التائبين على عهد ارميا تفادوا طرح هذا السؤال.‏ فقد رفضوا الاعتراف بجسامة خطاياهم،‏ لذا لم يستطع يهوه مسامحتهم.‏ (‏اقرأ ارميا ٨:‏٦‏.‏‏)‏ بالمقابل،‏ يعي التائب الحقيقي ان عدم اطاعته يهوه جلب التعيير على اسمه والجماعة المسيحية.‏ وهو يشعر ايضا بحزن عميق لأنه ربما تسبب بأذية اشخاص ابرياء.‏ فعليه ان يعرف ان يهوه لن يقبل طلبه بالغفران ما لم يدرك كل عواقب تصرفاته الخاطئة.‏ مع ذلك،‏ لا تتوقف استعادة رضى اللّٰه عند هذا الحد.‏

      ١٤ كيف للمرء ان ‹يرجع الى يهوه›؟‏ (‏اشملوا الاطار «‏ما هي التوبة؟‏‏».‏)‏

      ١٤ ان التائب بحق يفحص دوافعه ورغباته وعاداته.‏ (‏اقرإ المراثي ٣:‏​٤٠،‏ ٤١‏.‏‏)‏ فهو يحدد مواطن الضعف لديه،‏ ربما في الصداقات مع الجنس الآخر،‏ استعمال الكحول او التبغ،‏ استخدام الانترنت،‏ او في التعاملات التجارية.‏ وكما تنظف ربة البيت حتى الزوايا المخفية في مطبخها لتبقي منزلها نظيفا وصحيا،‏ كذلك على التائب ان يبذل غاية جهده كي «ينظف» افكاره وتصرفاته المحجوبة عن اعين الآخرين.‏ فيجب ان ‹يرجع الى يهوه› بإتمام مطالبه والعمل بانسجام مع مقاييسه.‏ وهذا ما لم يفعله عدد من اليهود زمن ارميا الذين لم يرجعوا الى يهوه بكل قلبهم بل «بالكذب».‏ فقد تظاهروا بالتوبة انما لم يغيّروا قط حياتهم او مواقفهم القلبية.‏ (‏ار ٣:‏١٠‏)‏ بالتباين،‏ لا يحاول مَن يلتمس الغفران بصدق ان يضحك على يهوه والجماعة.‏ فليس هدفه مجرد انقاذ ماء وجهه او استئناف معاشرة اقاربه والآخرين في الحق،‏ بل الاقلاع عن آثامه مرة وإلى الابد واستحقاق غفران اللّٰه ورضاه.‏

      ما هي التوبة؟‏

      ان الكلمتين العبرانية واليونانية المرتبطتين بالتوبة في الكتاب المقدس لهما علاقة بموقف المرء.‏ فالتائب يغيّر فكره ازاء مسلك خاطئ اتبعه او اوشك ان يتبعه.‏ وتصف هاتان الكلمتان ايضا المشاعر التي قد تساوره مثل الاسف والتعزية.‏ (‏٢ صم ١٣:‏٣٩؛‏ اي ٤٢:‏٦‏)‏ ويوضح الكتاب المقدس ان التوبة الحقيقية تستلزم تصرفات نابعة من احاسيس قلبية قوية.‏ وهذه التوبة هي التي يبحث عنها يهوه لدى كل مَن يدّعي انه نادم على خطاياه.‏ —‏ ار ٣١:‏​١٨،‏ ١٩‏.‏

      ١٥ كيف تكون صلوات الشخص التائب بحق؟‏

      ١٥ ولا تكتمل التوبة الا بالصلاة.‏ ففي الازمنة القديمة،‏ كان من الشائع ان يرفع الناس ايديهم نحو السماء اثناء الصلاة.‏ واليوم،‏ حين يصلي التائب الحقيقي،‏ ‹يرفع قلبه مع يديه الى اللّٰه› حسبما ذكر ارميا.‏ (‏مرا ٣:‏​٤١،‏ ٤٢‏)‏ فشعوره بالندم يحفزه على السلوك بانسجام مع التماسه الغفران.‏ فهو يقدّم صلوات صادقة نابعة من صميم قلبه.‏

      الصورة في الصفحة ٧٥

      ‏‹ليتني اصغيت الى الشيوخ!‏›‏

      ١٦ لمَ الرجوع الى اللّٰه خطوة صائبة؟‏

      ١٦ مما لا شك فيه ان على الخاطئ الذي يسلّم حقا بخطاياه ان يتغلب على كبريائه كي يرجع الى يهوه.‏ ولكن لا ننسَ هذه الحقيقة الجوهرية:‏ يهوه يريد ان يعود الخطاة اليه.‏ فحين يرى اسفا حقيقيا في قلوبهم،‏ ‹تجيش› في قلبه مشاعر رقيقة لأنه يحب ان يغفر لكل مَن يتوب عن معاصيه،‏ كما غفر للاسرائيليين الذين عادوا من السبي.‏ (‏ار ٣١:‏٢٠‏)‏ فكم نطمئن حين نعرف ان اللّٰه يخبئ سلاما ورجاء للذين يطيعونه!‏ (‏ار ٢٩:‏​١١-‏١٤‏)‏ فبإمكان هؤلاء استعادة مكانهم بين صفوف خدام اللّٰه المخلصين.‏

      في الطاعة حماية

      ١٧،‏ ١٨ (‏أ)‏ مَن كان الركابيون؟‏ (‏ب)‏ بمَ عُرف الركابيون كما تُظهر الصورة في الصفحة ٧٧؟‏

      ١٧ ان طاعة يهوه طاعة تامة مسلك آمن يحمينا من الاذى.‏ ويتضح ذلك من مثال الركابيين ايام ارميا.‏ فقبل اكثر من قرنين،‏ اعطاهم سلفهم القيني يهوناداب،‏ الذي ناصر ياهو بولاء،‏ عددا من الوصايا الصارمة منها الامتناع عن شرب الخمر.‏ ومع انه مات منذ زمن بعيد،‏ ظل الركابيون يعملون بوصاياه.‏ فذات مرة،‏ امتحنهم ارميا وأخذهم الى غرفة طعام في الهيكل ووضع امامهم خمرا ليشربوا.‏ لكنهم قالوا:‏ «لا نشرب خمرا».‏ —‏ ار ٣٥:‏​١-‏١٠‏.‏

      ١٨ فإذا كان الركابيون حريصين على اطاعة سلفهم الميت منذ فترة طويلة،‏ فكم بالاحرى العباد الحقيقيون ينبغي ان يكونوا اشد حرصا على اطاعة وصايا الاله الحي!‏ فتصميم الركابيين على الطاعة اثّر في يهوه وميّزهم بشكل صارخ عن اليهود العصاة.‏ لذا وعدهم اللّٰه بالحماية من البلية الآتية.‏ بناء على هذه الرواية،‏ أليس من المنطقي ان يتوقع شعب يهوه الطائع نيل حمايته خلال الضيق العظيم؟‏ —‏ اقرأ ارميا ٣٥:‏١٩‏.‏

      الصورة في الصفحة ٧٧

      لمَ تُعتبر التوبة عن خطية خطيرة وجها مهما للطاعة؟‏ وكيف يتفادى المرء الحاجة الى التوبة اذا اطاع اللّٰه؟‏

      يهوه لا يترك طائعيه

      ١٩ اية حماية نحظى بها إن اطعنا كلام اللّٰه؟‏

      ١٩ لم يصن يهوه شعبه في الماضي فقط.‏ فهو مستمر حتى اليوم في حماية طائعيه من المخاطر الروحية.‏ فعلى غرار الاسوار العالية التي حمت المدن قديما من الهجوم،‏ تُبعد شريعة اللّٰه الخطر عن الذين يدرسونها ويعملون بها على الدوام.‏ فهل تبقى داخل الاسوار الروحية مطبّقا قواعد اللّٰه الادبية؟‏ تأكد ان التوفيق يحالفك إن فعلت ذلك.‏ (‏ار ٧:‏٢٣‏)‏ وتشهد اختبارات كثيرة على صحة هذه الحقيقة.‏ —‏ انظر الاطار «‏اطاعة يهوه تمنح الحماية‏».‏

      ٢٠،‏ ٢١ (‏أ)‏ ممّ نحن واثقون فيما نخدم يهوه؟‏ (‏ب)‏ ماذا كان رد فعل الملك يهوياقيم حيال رسالة اللّٰه بواسطة ارميا؟‏

      ٢٠ طبعا،‏ يصعّب عليك المقاومون خدمة اللّٰه سواء كانوا افرادا في عائلتك،‏ زملاء لك في العمل او المدرسة،‏ او عاملين لدى السلطات.‏ ولكن ثق انك متى أطعت اقوال يهوه في كل الظروف،‏ امدّك بالدعم حتى في احلك الاوقات.‏ تذكّر انه وعد ارميا بمساندته في وجه المقاومة العنيفة،‏ وقد وفى بوعده.‏ (‏اقرأ ارميا ١:‏​١٧-‏١٩‏.‏‏)‏ وإحدى المرات التي لمس فيها النبي بوضوح دعم اللّٰه كانت في عهد الملك يهوياقيم.‏

      ٢١ فقلة هم حكام اسرائيل الذين قاوموا بعنف الناطقين باسم اللّٰه مثل يهوياقيم.‏ ويتضح ذلك مما فعله بالنبي يوريا،‏ احد معاصري ارميا.‏ فقد امر هذا الملك الشرير بمطاردته وإحضاره من بلد آخر،‏ ثم ارداه قتيلا.‏ (‏ار ٢٦:‏​٢٠-‏٢٣‏)‏ وفي السنة الرابعة من حكمه،‏ اوصى يهوه ارميا ان يكتب كل الكلام الذي كلّمه به حتى ذلك الحين،‏ ويقرأه لاحقا بصوت عالٍ في الهيكل.‏ فحصل يهوياقيم على درج النبي وأمر احد الرسميين ان يقرأه عليه.‏ وفيما راح يسمعه،‏ مزّقه ورمى به في النار قطعة قطعة مع ان بعض الرؤساء توسلوا اليه الا يفعل.‏ ثم ارسل رجالا لاعتقال ارميا وباروخ،‏ «لكنّ يهوه خبأهما».‏ (‏ار ٣٦:‏​١-‏٦‏؛‏ اقرأ ارميا ٣٦:‏​٢١-‏٢٦‏.‏‏)‏ فهو لم يسمح له بإيذاء هذين الرجلين الامينين.‏

      اطاعة يهوه تمنح الحماية

      ثمة شاهد شاب في اسبانيا استفاد كثيرا من اطاعة يهوه.‏ يكتب:‏ «طلبت مني فتاة في الصف الخروج معها.‏ ورغم انها كانت في غاية الجمال،‏ عرفت في قلبي ان من الخطر مواعدة شخص لا يحب يهوه.‏

      «نحو تلك الفترة،‏ راح رفقاء صفي يضغطون عليّ لحضور حفلة تُقام نهاية العام الدراسي.‏ فأوضحت لهم من الكتاب المقدس لمَ لا استطيع مرافقتهم،‏ لكنهم اهانوني وسخروا مني.‏ فشعرت اني منبوذ.‏ وعندما اخبرت شيخا في جماعتي بالامر،‏ سألني:‏ ‹هل يمكن للذين لا يحترمون قراراتك وقيمك الادبية ان يصبحوا اصدقاءك الحقيقيين؟‏›.‏ فمنحتني كلماته القوة وساعدتني على مقاومة ضغط زملائي.‏

      «وكم انا سعيد لأني لم ارضخ لهم!‏ فقد اغتُصبت احدى الفتيات في تلك الحفلة.‏ وفي الليلة عينها،‏ وقع حادث سيارة لثلاثة من رفقاء صفي لأن السائق كان يشرب الكحول،‏ وأُصيبوا على إثره اصابات بليغة.‏ فلو ذهبت الى الحفلة،‏ لكنت ربما واحدا منهم.‏ لذا انا اشكر يهوه لأنه ساعدني ان اطيعه وألا استسلم لضغط نظرائي في المدرسة».‏

      ٢٢،‏ ٢٣ كيف يدعم اللّٰه طائعيه حسبما يُظهر اختبار احدى الشاهدات في آسيا الوسطى؟‏

      ٢٢ اليوم ايضا،‏ يستطيع يهوه ان يخبئ خدامه من الخطر حين يرى ذلك مناسبا.‏ ولكن في اغلب الاحيان،‏ يسلّحهم بالشجاعة والحكمة كي يطيعوه ويواصلوا الكرازة بالبشارة.‏ اليك مثال امرأة سندعوها ڠيولِستان تعيش في آسيا الوسطى.‏ فهذه الام المتوحدة التي تربي اربعة اولاد تحظى بعون يهوه.‏ فطوال فترة من الوقت،‏ كانت الشاهدة الوحيدة في منطقة شاسعة حيث تقاوم السلطات الكرازة بالملكوت.‏ وبما ان الجماعة الاقرب اليها تبعد نحو ٤٠٠ كيلومتر،‏ فهي نادرا ما تتمتع بعشرة المسيحيين الناضجين.‏ ولكن رغم المقاومة والمشاكل الاخرى،‏ تكرز ڠيولِستان من بيت الى بيت وتجد الكثير من المهتمين.‏ وبحسب تقرير حديث،‏ تعقد هذه الاخت دروسا في الكتاب المقدس مع ما مجموعه ٢٠ شخصا وتهتم بفريق متزايد من خراف يهوه.‏

      ٢٣ مثلما قوّى يهوه ارميا وڠيولِستان وشهودا آخرين،‏ لن يتأخر عن مساعدتك انت وغيرك من خدامه الطائعين.‏ لذا اعقد العزم على اطاعته حاكما هو لا الناس.‏ عندئذ لن تعيقك المقاومة والعقبات الاخرى عن تسبيح الاله الحق الوحيد علانية في مقاطعتك.‏ —‏ ار ١٥:‏​٢٠،‏ ٢١‏.‏

      ٢٤ كيف تفيدنا الطاعة اليوم؟‏

      ٢٤ حقا،‏ يستحيل ان ننعم بالفرح والاكتفاء الحقيقيين إن عشنا باستقلال عن خالقنا.‏ (‏ار ١٠:‏٢٣‏)‏ لذا بعد التأمل في ما كتبه ارميا عن الطاعة،‏ هل تفكر كيف لك ان تدع يهوه يوجّه خطواتك الى حد اكمل؟‏ فوصاياه هي المرشد الوحيد للعيش حياة تطفح بالسعادة والنجاح.‏ يحثنا يهوه:‏ «اطيعوا قولي .‏ .‏ .‏ لكي يحالفكم التوفيق».‏ —‏ ار ٧:‏٢٣‏.‏

      كيف نطبق ما تعلمناه من سفر ارميا عن الطاعة كي نقوّي علاقتنا باللّٰه؟‏

      a وجّه يهوه هذه الكلمات الى مملكة اسرائيل الشمالية التي كان قد مضى على سبي اهلها حوالي ١٠٠ سنة حين نقل ارميا هذه الرسالة.‏ وقد اعترف ارميا ان هذه الامة لم تعرب عن التوبة حتى ايامه.‏ (‏٢ مل ١٧:‏​١٦-‏١٨،‏ ٢٤،‏ ٣٤،‏ ٣٥‏)‏ مع ذلك،‏ كان في وسع الافراد استعادة رضى اللّٰه والرجوع من السبي.‏

  • ‏«سأروي النفس المتعبة»‏
    رسالة من اللّٰه بفم ارميا
    • الفصل السابع

      ‏«سأروي النفس المتعبة»‏

      ١ اية بركة في العالم الجديد تتشوقون اليها انتم شخصيا؟‏

      ‏«العالم الجديد».‏ اية بركات تخطر لك حين تسمع هذه العبارة؟‏ لعلك تتوق الى التمتع بجسم كامل ووفرة من الطعام المغذي،‏ او تتشوق الى اللعب مع الحيوانات المسالمة او العيش في مسكن آمن.‏ ولا بد ان في وسعك الاشارة الى آيات الكتاب المقدس التي تبني عليها آمالك هذه.‏ ولكن لا تغب عن بالك هذه البركة الرائعة:‏ حيازة صحة روحية وعاطفية جيدة.‏ فمن دونها سرعان ما تفقد كل الافراح الاخرى بهجتها.‏

      ٢،‏ ٣ اية بركة مميزة تعدنا بها كلمات ارميا؟‏

      ٢ حين اوحى اللّٰه الى ارميا ان ينبئ بعودة اليهود من بابل،‏ بيّن اهتمامه بمشاعرهم.‏ قال لأمّته:‏ «تتزينين بعد بدفوفك،‏ وتخرجين في رقص الضاحكين».‏ (‏اقرأ ارميا ٣٠:‏​١٨،‏ ١٩؛‏ ٣١:‏​٤،‏ ١٢-‏١٤‏.‏‏)‏ ثم تفوّه بكلمات قد تُحدث اثرا بالغا في نفسك:‏ «سأروي النفس المتعبة،‏ وأشبع كل نفس ذائبة».‏ وبحسب ترجمة الكتاب المقدس على الانترنت المشار اليها في فصل سابق (‏Bible NET‏)‏،‏ يُنقل هذا الوعد الى:‏ «سأسدّ كل حاجات المنهكين وأنعش كاملا النفوس الخائرة».‏ —‏ ار ٣١:‏٢٥‏.‏

      ٣ فما اروع هذا الرجاء!‏ فيهوه يقول انه سيروي او يسدّ كل حاجات المتعبين والمثبطين.‏ وهو يفي دوما بوعوده.‏ وتمنحنا كلمات ارميا هذه الثقة بأن اللّٰه سيسدّ حاجاتنا ورغباتنا نحن ايضا.‏ حتى انها تُظهر لنا كيف نظل اقوياء ومتفائلين رغم ايامنا العصيبة.‏ وتزودنا كذلك بطرائق عملية نشجع بها الآخرين وننعش نفوسهم المتعبة.‏

      ٤ لمَ نتفهم مشاعر ارميا؟‏

      ٤ أدخل هذا الوعد التعزية والامل الى قلب ارميا،‏ ويصح الامر نفسه فينا ايضا.‏ لمَ نقول ذلك؟‏ ورد في الفصل ١ من هذا الكتاب ان ارميا كان،‏ على غرار النبي ايليا،‏ «انسانا بمثل مشاعرنا».‏ (‏يع ٥:‏١٧‏)‏ حاول ان تتذكر مجرد بضعة اسباب دفعته الى الشعور احيانا بالحزن او حتى بشيء من الكآ‌بة؟‏ وفيما تراجع هذه الاسباب،‏ تخيّل احاسيسك لو مررت بظروف مماثلة وفكّر لمَ يمكن لهذه الظروف ان تثبطك.‏ —‏ رو ١٥:‏٤‏.‏

      ٥ ما هو احد اسباب تثبط ارميا؟‏

      ٥ يُعزى احد اسباب تثبط ارميا الى اهل مدينته الام،‏ عناثوث،‏ التي كانت تقع على بعد بضعة كيلومترات شمال شرق اورشليم.‏ فالنبي تربّى في هذه المدينة اللاوية حيث كان لديه معارف وربما اقارب ايضا.‏ لكنّ كلمات يسوع ان ليس لنبي كرامة في وطنه انطبقت على ارميا.‏ (‏يو ٤:‏٤٤‏)‏ ‹فأهل عناثوث› لم يكفِهم الا يبالوا برسالته ويزدروا به،‏ بل ‹طلبوا نفسه› حسبما ذكر اللّٰه ذات مرة.‏ فقد توعدوه بعدائية:‏ «لا تتنبأ باسم يهوه،‏ لئلا تموت بيدنا».‏ تصوّر اية مشاعر اعترت النبي وهو يتلقى تهديدا من جيرانه وربما اقاربه الذين يُفترض ان يصطفوا الى جانبه!‏ —‏ ار ١:‏١؛‏ ١١:‏٢١‏.‏

      الصورة في الصفحة ٨٣

      ٦ اذا كنا نواجه المقاومة في العمل او غيره،‏ فكيف نستفيد من تجربة ارميا مع «اهل عناثوث»؟‏

      ٦ اذا كنت تتعرض لضغوط من الجيران،‏ زملاء المدرسة،‏ رفقاء العمل،‏ او حتى من بعض افراد العائلة،‏ فتشجَّع بما فعله يهوه مع ارميا.‏ فقد قال آنذاك انه ‹سيفتقد› اهل عناثوث الذين كانوا يقاومون نبيّه.‏ (‏اقرأ ارميا ١١:‏​٢٢،‏ ٢٣‏.‏‏)‏ ولا شك ان كلمات اللّٰه المطمئنة ساعدت ارميا ان يتغلب على اي تثبط احسّ به نتيجة هذه المقاومة.‏ وفي وقت لاحق،‏ افتقد اللّٰه فعلا ‹اهل عناثوث جالبا بلية عليهم›.‏ ففي حال كنت تمرّ بظرف مشابه،‏ فتأكد ان يهوه يرى كل شيء و ‹سيفتقد› المقاومين يوما ما.‏ (‏مز ١١:‏٤؛‏ ٦٦:‏٧‏)‏ وإن ‹عكفت على› الالتصاق بتعاليم الكتاب المقدس وفعلت الصواب،‏ ساعدتَ بعض المقاومين على تجنب البلية التي ستحلّ بهم ما لم يغيّروا موقفهم.‏ —‏ ١ تي ٤:‏١٦‏.‏

      ماذا يدل في سفر ارميا ان اللّٰه يهتم بمشاعر شعبه،‏ وكيف قوّى ذلك من عزيمة النبي؟‏

      ماذا يسبب التثبط؟‏

      ٧،‏ ٨ اي تعذيب جسدي عاناه ارميا،‏ وكيف اثّر فيه؟‏

      ٧ لم يواجه ارميا تهديدات شفهية فحسب.‏ فذات مرة،‏ آذاه رجل بارز في اورشليم هو الكاهن فشحور.‏a فحين سمعه يتفوّه بنبوة إلهية،‏ ‹ضربه وجعله في المقطرة›.‏ (‏ار ٢٠:‏​١،‏ ٢‏)‏ ويعني ذلك على الارجح اكثر بكثير من مجرد صفعة على الوجه.‏ فالبعض يستنتجون ان فشحور امر بضرب النبي حتى ٤٠ ضربة او جلدة.‏ (‏تث ٢٥:‏٣‏)‏ وبينما كان ارميا يتألم وجعا،‏ لعلّ الناس اخذوا يسخرون منه ويشتمونه ويبصقون عليه ايضا.‏ لكنّ محنته لم تنتهِ هنا.‏ فقد ابقاه فشحور في «المقطرة» طوال الليل.‏ وتشير الكلمة العبرانية المستخدمة ان جسمه اتخذ وضعية ملتوية.‏ نعم،‏ أُجبر ارميا بمنتهى القساوة على قضاء ليلة مضنية مقيّدا على الاغلب في اطار خشبي.‏

      ٨ فكيف اثّرت هذه المعاملة في النبي؟‏ عبّر عن حزنه قائلا للّٰه:‏ «صرت ضحكة طوال اليوم».‏ (‏ار ٢٠:‏​٣-‏٧‏)‏ حتى انه فكّر للحظة ان يتوقف عن التكلم باسم إلهه.‏ لكنك تعرف انه ما كان لينفّذ فكرته هذه.‏ فالرسالة الالهية الموكلة اليه كانت ‹كنار متقدة قد حُبست في عظامه›،‏ لذا واصل خدمته كناطق بلسان يهوه.‏ —‏ اقرأ ارميا ٢٠:‏​٨،‏ ٩‏.‏

      الصورة في الصفحتين ٨٤،‏ ٨٥

      ٩ لمَ يفيدنا التأمل في اختبار ارميا؟‏

      ٩ نجد في هذه الرواية عونا كبيرا لنا في حال كنا نواجه الاستهزاء الماكر من اقاربنا،‏ جيراننا،‏ او زملائنا في العمل او المدرسة.‏ فلا يلزم ان نتفاجأ اذا تركتنا هذه المقاومة احيانا مثبطين بعض الشيء.‏ ويمكن ان يساورنا هذا الشعور ايضا اذا تعرضنا لتعذيب جسدي نتيجة ممارستنا العبادة الحقة.‏ لنتذكر ان الانسان الناقص ارميا تأثر بما حصل معه،‏ أوَلسنا بمثل مشاعره؟‏ لكننا نعرف انه استعاد فرحه وثقته بنفسه بفضل مساعدة اللّٰه.‏ فقد رفض السماح لليأس والاحباط ان يتملّكاه الى ما لا نهاية،‏ وهو بذلك مثال لنا.‏ —‏ ٢ كو ٤:‏​١٦-‏١٨‏.‏

      ١٠ ماذا يخبرنا الكتاب المقدس عن مزاج ارميا؟‏

      ١٠ في بعض الاحيان،‏ عانى ارميا تقلبات ملحوظة في مزاجه.‏ فهل يجسّد النبي حالتك؟‏ هل تكون متفائلا وإيجابيا،‏ ثم ما تلبث ان تخيّم عليك سحابة من التشاؤم والحزن؟‏ لاحظ كيف عبّر النبي عن ابتهاجه وتفاؤله في ارميا ٢٠:‏​١٢،‏ ١٣‏.‏ (‏اقرأها.‏‏)‏ فبعد العذاب الذي كابده على يد فشحور،‏ فرح لأنه كان مثل «فقير» أُنقذ من «يد فاعلي السوء».‏ انت ايضا لا بد انك تشعر احيانا بسعادة غامرة ورغبة في الترنيم ليهوه،‏ ربما لأنك أُنقذت من مشكلة ما او بسبب حدث سعيد في حياتك او خدمتك المسيحية.‏ فكم رائعة هي هذه المشاعر!‏ —‏ اع ١٦:‏​٢٥،‏ ٢٦‏.‏

      الصورة في الصفحة ٨٦

      كيف يمكن للمقاومة او السخرية ان تؤثّر في مشاعرنا؟‏

      ١١ كيف يساعدنا ارميا اذا كنا نعاني تقلبات في المزاج؟‏

      ١١ ولكن قد يتبدل مزاجك مثل ارميا جراء النقص البشري.‏ فبعدما هتف النبي «رنموا ليهوه»،‏ انتابه اسى عميق وربما سالت الدموع من عينيه.‏ (‏اقرأ ارميا ٢٠:‏​١٤-‏١٦‏.‏‏)‏ فمعنوياته كانت محطمة جدا بحيث تساءل عن جدوى مجيئه الى الدنيا.‏ حتى انه ذكر في غمرة حزنه ان الرجل الذي بشّر بولادته ملعون ويستحق مصير سدوم وعمورة.‏ ولكن هل ظل ارميا غارقا في دوامة اليأس والحزن؟‏ وهل استسلم لهذه الاحاسيس معتقدا ان عليه التكيّف معها مدى حياته؟‏ كلا.‏ بالاحرى،‏ سعى جاهدا الى التغلب عليها ونجح في مسعاه هذا.‏ ويتضح ذلك مما نقرأه في سفره بعد هذه الحادثة.‏ فالرئيس فشحور،‏ وليس الكاهن،‏ حمل اليه استفسارا من الملك صدقيا حول الحصار الذي ضربه البابليون على اورشليم.‏ فما كان من ارميا الا ان اعلن بكل جرأة حكم يهوه ونتيجة الحصار.‏ (‏ار ٢١:‏​١-‏٧‏)‏ فمن الواضح انه استمر في الخدمة نبيا للّٰه.‏

      ١٢،‏ ١٣ ماذا عسانا نفعل لنتغلب على التغيرات الملحوظة في مزاجنا؟‏

      ١٢ في ايامنا هذه،‏ يعاني بعض خدام اللّٰه تقلبات في مزاجهم،‏ ربما لأسباب صحية ناتجة مثلا عن ارتفاع مستويات الهرمونات او اختلال التوازن الكيميائي الحيوي.‏ وفي مثل هذه الحالات،‏ يمكن لطبيب كفؤ ان يصف العلاج المناسب للتخفيف من حدة هذه التقلبات.‏ (‏لو ٥:‏٣١‏)‏ غير ان ما يمرّ به معظمنا لا يندرج تحت هذه الخانة.‏ فمشاعر الابتهاج او الكآ‌بة التي قد تخالجنا ليست مفرطة او غير طبيعية.‏ فأغلب المشاعر السلبية جزء من حياتنا البشرية الناقصة،‏ ويمكن ان تستحوذ علينا جراء الارهاق او فقدان عزيز على قلبنا.‏ في ظروف كهذه،‏ لنتذكر ان مزاج ارميا تغيّر احيانا لكنه حافظ على رضى اللّٰه.‏ لذا كي نتغلب على مشكلتنا،‏ ربما علينا ان نعدّل روتيننا بحيث ننال قسطا اكبر من الراحة،‏ او نمنح انفسنا فسحة من الوقت لنتعزى إثر خسارة مؤلمة.‏ ولكن من المهم جدا الا ننقطع عن حضور الاجتماعات المسيحية والاشتراك بانتظام في النشاطات الثيوقراطية.‏ فهذان عاملان اساسيان للمحافظة على اتزاننا الروحي وفرحنا في خدمة اللّٰه.‏ —‏ مت ٥:‏٣؛‏ رو ١٢:‏​١٠-‏١٢‏.‏

      ١٣ اذًا،‏ سواء كانت كآ‌بتك حالة عرضية نادرة او جزءا من تقلبات مستمرة في مزاجك،‏ يمكنك ان تستمد قوة معنوية من تجربة ارميا.‏ فكما ذكرنا،‏ ذاق النبي احيانا طعم اليأس والاحباط.‏ لكنه لم يسمح للتثبط بأن يبعده عن الاله الذي يحبه ويخدمه بأمانة.‏ فحين جازاه مقاوموه شرّا عن خيره،‏ التجأ الى يهوه واتكل عليه.‏ (‏ار ١٨:‏​١٩،‏ ٢٠،‏ ٢٣‏)‏ فاعقد العزم ان تقتدي بمثال ارميا الجيد.‏ —‏ مرا ٣:‏​٥٥-‏٥٧‏.‏

      اذا انتابنا احيانا شعور بالحزن او التثبط،‏ فكيف نطبق ما تعلمناه من سفر ارميا؟‏

      كيف تنعش النفوس المتعبة؟‏

      ١٤ كيف نال ارميا تشجيعا خصوصيا؟‏

      ١٤ يحسن بنا ان نتأمل كيف نال ارميا التشجيع وكيف شجع هو بدوره ‹النفوس المتعبة›.‏ (‏ار ٣١:‏٢٥‏)‏ لقد حظي هذا النبي بتشجيع خصوصي من يهوه.‏ فكّر كم ترتفع معنوياتك حين تسمع يهوه يقول لك:‏ «جعلتك اليوم مدينة حصينة .‏ .‏ .‏ فيحاربونك ولا يقوَون عليك،‏ ‹لأني معك›،‏ يقول يهوه،‏ ‹لأنقذك›».‏ (‏ار ١:‏​١٨،‏ ١٩‏)‏ فلا عجب اذًا ان يشير ارميا الى إلهه قائلا:‏ «يا يهوه،‏ قوّتي ومعقلي وملجإي في يوم الشدة».‏ —‏ ار ١٦:‏١٩‏.‏

      ١٥،‏ ١٦ كيف لنا ان نشجع الآخرين بالنظر الى الطريقة التي قوّى بها يهوه نبيّه؟‏

      ١٥ لاحظ ان يهوه قال لإرميا:‏ «اني معك».‏ ألا تستوحي من هذه العبارة كيف لك ان تساعد شخصا يحتاج الى التشجيع؟‏ فقد تعرف ان اخا او اختا او ربما احد الاقارب وقع فريسة التثبط،‏ ولكن هل تلعب دورا فاعلا في مساعدته؟‏ لعلّ الطريقة الاكثر نفعا في حالات كثيرة هي ان تكون الى جانب الشخص المتضايق لا اكثر،‏ كما فعل اللّٰه مع ارميا.‏ وحين تجد الوقت مناسبا،‏ أنعِش نفسه بكلمات مشجعة ولكن دون ان تكثر منها.‏ فخير الكلام ما قلّ ودلّ،‏ ولا سيما اذا انتقيت عبارات مطمئنة وبناءة.‏ ولا داعي ان تستعمل ألفاظا منمّقة،‏ بل اختر كلمات بسيطة تعكس اهتمامك ومحبتك ومودتك المسيحية.‏ فكلمات كهذه لها وقع كبير في نفوس المكتئبين.‏ —‏ اقرأ امثال ٢٥:‏١١‏.‏

      ١٦ ناشد ارميا يهوه قائلا:‏ «اذكرني يا يهوه،‏ وافتقدني».‏ وماذا حصل جراء ذلك؟‏ يروي النبي:‏ «وُجد كلامك فأكلته.‏ فصارت لي كلمتك بهجة وفرحا لقلبي».‏ (‏ار ١٥:‏​١٥،‏ ١٦‏)‏ بشكل مشابه،‏ قد يحتاج الشخص المكروب النفس ان تلتفت اليه وتوليه رعايتك الحبية.‏ طبعا،‏ لن يصل ما تقوله الى مصاف كلام يهوه.‏ ولكن في وسعك ان تضمّن حديثك بعضا من كلامه.‏ فالتعابير الصادقة والقلبية والمؤسسة على الكتاب المقدس قادرة فعلا على ادخال الفرح الى قلب الشخص الحزين.‏ —‏ اقرأ ارميا ١٧:‏​٧،‏ ٨‏.‏

      ١٧ اي درس مهم نتعلمه مما فعله ارميا مع صدقيا ويوحانان؟‏

      ١٧ لاحظ ان ارميا تشجع من اللّٰه وشجع بدوره الآخرين.‏ كيف ذلك؟‏ في احدى المراحل،‏ كشف له صدقيا عن خوفه من اليهود الذين تحالفوا مع البابليين.‏ فشدد النبي من عزيمة الملك وحثه على اطاعة يهوه كي يحصد نتيجة ايجابية.‏ (‏ار ٣٨:‏​١٩،‏ ٢٠‏)‏ في مناسبة اخرى،‏ بعدما دُمرت اورشليم وظل في الارض مجرد بقية من اليهود،‏ فكّر القائد العسكري يوحانان بأخذهم الى مصر.‏ غير انه استشار ارميا اولا.‏ فأصغى اليه النبي ثم صلّى الى يهوه.‏ وفي وقت لاحق،‏ بلّغه جواب يهوه المشجع ان من الافضل اتباع الارشاد الالهي بالبقاء في الارض.‏ (‏ار ٤٢:‏​١-‏١٢‏)‏ في كلتا الحالتين،‏ اعار ارميا اذنا صاغية قبل ان يتكلم.‏ فكم هو مهم الاصغاء عند تشجيع الآخرين!‏ لذا دع الشخص المثبط يفتح قلبه،‏ أصغِ الى مخاوفه وهواجسه،‏ وكلِّمه كلاما منعشا ومقوّيا حين ترى ذلك مناسبا.‏ صحيح انك لن تُعطى كشفا إلهيا تساعد به المكتئبين،‏ ولكن بإمكانك ان تحدثهم بأفكار ايجابية من كلمة اللّٰه،‏ افكار تركز على ما يخبئه لنا المستقبل.‏ —‏ ار ٣١:‏​٧-‏١٤‏.‏

      الصورة في الصفحة ٩١

      ١٨،‏ ١٩ اي اسلوب لتشجيع الآخرين يتضح في الروايتين عن الركابيين وعبد ملك؟‏

      ١٨ مثلما لم يقبل صدقيا ويوحانان نصيحة ارميا المشجعة،‏ كذلك اليوم قد لا تترك كلماتك اثرا في البعض.‏ فلا تتثبط او تستسلم.‏ فثمة مَن تجاوبوا مع تشجيع ارميا،‏ ولا بد ان كثيرين سيتجاوبون معك انت ايضا.‏ فكّر في الركابيين،‏ هذا الفريق من القينيين الذين جمعتهم صداقة باليهود لسنوات كثيرة.‏ فقد اعطاهم سلفهم يهوناداب عددا من الوصايا،‏ من جملتها الامتناع عن شرب الخمر باعتبارهم متغربين في الارض.‏ وخلال هجوم البابليين،‏ اخذهم ارميا الى غرفة طعام في الهيكل ووضع امامهم خمرا حسبما اوصاه اللّٰه.‏ لكنهم ظلوا طائعين لسلفهم،‏ بالتباين مع الاسرائيليين الذين عصوا اللّٰه،‏ وأبوا ان يشربوا الخمر.‏ (‏ار ٣٥:‏​٣-‏١٠‏)‏ فنقل اليهم النبي كلمات مديح من يهوه ووعدًا منه بشأن مستقبلهم.‏ (‏اقرأ ارميا ٣٥:‏​١٤،‏ ١٧-‏١٩‏.‏‏)‏ فلمَ لا تتبع هذا الاسلوب عند منح التشجيع،‏ اي ان تمدح الآخرين حين ترى سبيلا الى ذلك؟‏

      ١٩ فعل ارميا الامر عينه مع عبد ملك الحبشي الذي كان كما يتضح رسميا في بلاط الملك صدقيا.‏ فعندما طرح رؤساء يهوذا النبي ظلما في جب موحل وتركوه حتى يموت،‏ لجأ عبد ملك الى صدقيا الذي سمح له بإنقاذه.‏ وفعلا،‏ خلّص هذا الرجل الاجنبي ارميا مع انه كان يُحتمل ان يلقى مقاومة عنيفة.‏ (‏ار ٣٨:‏​٧-‏١٣‏)‏ وبما ان تصرفه هذا نفّر على الارجح الرؤساء منه،‏ فلربما ساوره القلق بشأن مستقبله.‏ غير ان ارميا لم يقف متفرجا،‏ راجيا ان يتخطى عبد ملك مخاوفه بمفرده.‏ بل حرص ان ينقل اليه كلمات مشجعة عن البركات المستقبلية التي خبأها له اللّٰه.‏ —‏ ار ٣٩:‏​١٥-‏١٨‏.‏

      ٢٠ ماذا نريد ان نفعل لإخوتنا الصغار والكبار على السواء؟‏

      ٢٠ حقا،‏ يتضمن سفر ارميا روايات رائعة تعلّمنا كيف نطبق شخصيا حضّ الرسول بولس لإخوتنا في تسالونيكي:‏ «واظبوا على تعزية بعضكم بعضا وبناء بعضكم بعضا .‏ .‏ .‏ ولتكن نعمة ربنا يسوع المسيح معكم».‏ —‏ ١ تس ٥:‏​١١،‏ ٢٨‏.‏

      اية دروس من ارميا تنوون تطبيقها فيما تسعون الى تشجيع النفوس المتعبة؟‏

      a خلال حكم صدقيا،‏ عاش رجل آخر اسمه فشحور،‏ وهو رئيس ناشد الملك قتل ارميا.‏ —‏ ار ٣٨:‏​١-‏٥‏.‏

  • هل تتبع مسلك حياة ارميا؟‏
    رسالة من اللّٰه بفم ارميا
    • الفصل الثامن

      هل تتبع مسلك حياة ارميا؟‏

      ١،‏ ٢ لمَ من المنطقي الاهتمام بخير الافراد والعائلات على السواء؟‏

      بعدما حث يشوع الاسرائيليين ان يختاروا اي إله يخدمون،‏ ذكر قائلا:‏ «اما انا وبيتي فنخدم يهوه».‏ (‏يش ٢٤:‏١٥‏)‏ فيشوع صمم ان يحافظ على ولائه للّٰه وكان متأكدا ان عائلته ستحذو حذوه.‏ بعد سنوات طويلة،‏ وفيما دنا دمار اورشليم،‏ نصح ارميا الملك صدقيا بالاستسلام للبابليين كي ‹يحيا هو وأهل بيته›.‏ (‏ار ٣٨:‏١٧‏)‏ غير ان الملك اتخذ قرارا سيئا انعكس سلبا عليه هو وزوجاته وبنيه.‏ فقد ذُبح ابناؤه على مرأى منه ثم أُعميت عيناه وسيق اسيرا الى بابل.‏ —‏ ار ٣٨:‏​١٨-‏٢٣؛‏ ٣٩:‏​٦،‏ ٧‏.‏

      ٢ اذا تأملنا في الكلمات بالحروف المائلة اعلاه،‏ نجد ان هناك شخصا معنيّا مباشرة بالمسألة.‏ فكل رجل راشد يتحمّل مسؤولية تصرفاته امام اللّٰه.‏ ولكن أُتي كذلك على ذكر عائلته،‏ وهذا امر منطقي لأن معظم الاسرائيليين تزوجوا وأسسوا عائلات.‏ ولا تزال العائلة ركنا اساسيا في حياة المسيحيين ايضا.‏ ويتضح ذلك مما نقرأه في الكتاب المقدس وندرسه في الاجتماعات عن الزواج،‏ تنشئة الاولاد،‏ والاحترام ضمن العائلة.‏ —‏ ١ كو ٧:‏​٣٦-‏٣٩؛‏ ١ تي ٥:‏٨‏.‏

      وصية خارجة عن المألوف

      ٣،‏ ٤ كيف اختلف وضع ارميا عن الغالبية،‏ ولمَ عاد ذلك عليه بالفائدة؟‏

      ٣ اختار ارميا ان يخدم يهوه بأمانة فنجا بحياته من دمار اورشليم.‏ لكنّ خياره هذا لم ينعكس على اية عائلة لأن وضعه الشخصي كان مختلفا عن الغالبية.‏ (‏ار ٢١:‏٩؛‏ ٤٠:‏​١-‏٤‏)‏ فقد امره اللّٰه الا يتزوج او ينجب الاولاد او يشترك في اوجه مألوفة من الحياة اليهودية آنذاك.‏ —‏ اقرأ ارميا ١٦:‏​١-‏٤‏.‏

      ٤ لكنّ ارميا عاش في مجتمع يعتبر الزواج وإنجاب الاولاد امرين بديهيين.‏ فمعظم الرجال اليهود تبنوا نمط الحياة هذا مبقين بذلك ارض اسلافهم ضمن عائلتهم والسبط الذي انتموا اليه.‏a (‏تث ٧:‏١٤‏)‏ فلمَ طُلب من النبي ان يشذّ عن القاعدة؟‏ نظرا الى اتيان اوقات عصيبة،‏ اوصاه اللّٰه الا يشارك اليهود افراحهم وأتراحهم الاعتيادية.‏ فأمره الا يعزّي النائحين او يأكل على مائدتهم بعد انتهاء المأتم،‏ او يحضر الاعراس اليهودية البهيجة.‏ فهذه الولائم والافراح كانت ستبطل عما قريب.‏ (‏ار ٧:‏٣٣؛‏ ١٦:‏​٥-‏٩‏)‏ وباتباع ارميا هذا المسلك،‏ اضفى مصداقية على رسالته وأبرز خطورة الدينونة الآتية.‏ وقد استمر على هذا المنوال الى ان حلّت البلية اخيرا.‏ تخيّل مشاعر الذين اضطروا الى اكل لحوم غيرهم من البشر او الذين رأوا احباءهم جيفا مطروحة في الشوارع.‏ (‏اقرأ ارميا ١٤:‏١٦؛‏ مرا ٢:‏٢٠‏.‏)‏ اما ارميا الاعزب فلم تدعُ حاله الى الشفقة.‏ ففي حين أُبيدت عائلات بأكملها نتيجة الحصار الذي دام ١٨ شهرا وما تأتى عنه من مجازر،‏ لم يعانِ النبي من خسارة رفيقة زواج او ولد في الموت.‏

      ٥ ما علاقة المسيحيين بالارشادات المدونة في ارميا ١٦:‏​٥-‏٩‏؟‏

      ٥ ولكن هل نحن ملزمون اليوم بتطبيق ما يرد في ارميا ١٦:‏​٥-‏٩‏؟‏ كلا،‏ فكلمة اللّٰه تحث المسيحيين ‹ان يعزّوا الذين هم في ضيقة ايًّا كان نوعها› و ‹يفرحوا مع الفرحين›.‏ (‏٢ كو ١:‏٤؛‏ رو ١٢:‏١٥‏)‏ حتى يسوع حضر حفل زفاف وشاطر الناس افراحهم.‏ مع ذلك،‏ لا ننسَ ان نظام الاشياء الشرير هذا تنتظره تطورات خطيرة.‏ وقد يعاني المسيحيون المشقة والحرمان.‏ لذا شدد يسوع على اهمية ان نكون مستعدين لفعل كل ما يلزم بغية المحافظة على احتمالنا وأمانتنا،‏ تماما مثل اخوتنا الذين هربوا من اليهودية في القرن الاول.‏ من هذا المنطلق،‏ نستنتج ان العزوبة والزواج وإنجاب الاولاد كلها قرارات تحتاج الى تفكير عميق.‏ —‏ اقرأ متى ٢٤:‏​١٧،‏ ١٨‏.‏

      الصورة في الصفحة ٩٤

      ٦ مَن يفيدهم التأمل في الارشاد الذي اعطاه اللّٰه لإرميا؟‏

      ٦ فما اهمية الوصية الالهية التي نهت ارميا عن الزواج والانجاب؟‏ كيف يستفيد منها المسيحيون الاولياء الذين هم غير متزوجين او ليس لهم اولاد؟‏ ولمَ ينبغي حتى للمسيحيين المتزوجين والذين لديهم اولاد ان يتأملوا في هذا الجانب من حياة النبي؟‏

      ٧ اية حقائق تستحق ان نوليها تفكيرنا حين نتأمل في الوصية التي امرت ارميا بالبقاء دون اولاد؟‏

      ٧ لنبحث اولا في منع ارميا من انجاب الاولاد.‏ نحن نعرف ان يسوع لم يوصِ أتباعه بالبقاء دون اطفال،‏ ولكن من الجدير بالذكر انه اعلن «الويل» على الحوامل واللواتي يعتنين بأولادهن عند مجيء الضيق على اورشليم من سنة ٦٦ الى ٧٠ ب‌م.‏ فلا بد ان اوضاعهن صعّبت عليهن بشكل خاص اجتياز تلك الفترة العصيبة.‏ (‏مت ٢٤:‏١٩‏)‏ واليوم،‏ يكمن امامنا ضيق اعظم.‏ وهذه الحقيقة المهمة ينبغي ان يأخذها في الحسبان الازواج المسيحيون الذين يفكرون في انجاب الاولاد.‏ فهم يوافقون دون شك ان ازمنتنا الحرجة تزداد صعوبة يوما بعد يوم.‏ هذا وإن ازواجا كثيرين يعترفون كم شاقة وعسيرة تنشئة اولاد يَبقون في طريق الحياة خلال نهاية النظام الحاضر.‏ اذًا،‏ صحيح ان قرار الانجاب يعود الى الزوجين نفسيهما،‏ ولكن يحسن بهما التفكير جديا في حالة ارميا.‏ والآن،‏ لنتأمل في الوصية التي امرته بعدم الزواج.‏

      اية وصية خارجة عن المألوف أُعطيت لإرميا،‏ وأية حقائق ينبغي ان نوليها اهتمامنا حين نتأمل في هذه الوصية؟‏

      تمثّل بإرميا في استغلال عزوبتك

      ٨ لمَ الزواج ليس ضروريا لإرضاء اللّٰه؟‏

      ٨ لم يقصد اللّٰه بمنع ارميا من التزوج وضع قاعدة ليتبعها جميع خدامه.‏ فما من خطإ في الزواج،‏ ويهوه اسس هذه العلاقة ليملأ الارض بالناس ويمنح الازواج اكتفاء وفرحا غامرين.‏ (‏ام ٥:‏١٨‏)‏ مع ذلك،‏ لم يقدِم الجميع زمن ارميا على هذه الخطوة.‏ فلربما عاشر شعبَ اللّٰه آنذاك عدد من الخصيان.‏b ووُجد دون شك ارامل من الرجال والنساء.‏ فإرميا لم يكن العابد الحقيقي الوحيد الذي لم يحظَ بشريكة حياة.‏ طبعا،‏ هناك سبب منعه من التزوج،‏ كما هي حال بعض المسيحيين اليوم.‏

      ٩ اية مشورة ملهمة تتعلق بالزواج ينبغي لنا التأمل فيها جديا؟‏

      ٩ صحيح ان مسيحيين كثيرين يتزوجون،‏ ولكن ثمة مَن يبقون عزابا.‏ وأنت تعلم ان يسوع لم يتزوج،‏ وهو قال ان بعض تلاميذه سيمتلكون موهبة العزوبة بحيث «يفسحون مجالا» لها في عقولهم وقلوبهم.‏ وشجع الذين يستطيعون فعل ذلك ان يظلوا دون زواج.‏ (‏اقرأ متى ١٩:‏​١١،‏ ١٢‏.‏‏)‏ لذا من اللائق ان نمدح،‏ لا ان نغيظ،‏ مَن يختار العزوبة لأجل انجاز المزيد في خدمة اللّٰه.‏ طبعا،‏ تحتّم الظروف على البعض العيش دون رفيق زواج على الاقل فترة من الوقت.‏ فربما لم يعثروا على شريك مسيحي مناسب،‏ وهم يُمدحون لأنهم مصممون على الالتصاق بمقياس اللّٰه بالتزوج «في الرب فقط».‏ (‏١ كو ٧:‏٣٩‏)‏ كما ان عددا من خدام اللّٰه خسروا رفقاء دربهم وأصبحوا ارامل.‏c ولكن يجب الا ينسى العزاب البتة ان اللّٰه يهتم بهم اهتماما عميقا (‏وكذلك يسوع)‏.‏ —‏ ار ٢٢:‏٣‏؛‏ اقرأ ١ كورنثوس ٧:‏​٨،‏ ٩‏.‏

      ١٠،‏ ١١ (‏أ)‏ ماذا ساعد ارميا على العيش حياة مثمرة كعازب؟‏ (‏ب)‏ كيف تبرهن الاختبارات العصرية ان بإمكان العزاب العيش حياة زاخرة بالمكافآ‌ت؟‏

      ١٠ استمد ارميا الدعم من اللّٰه خلال عزوبته.‏ كيف ذلك؟‏ تذكّر انه وجد المسرة في كلمة يهوه.‏ ولا شك ان هذه الكلمة قوّته وطمأنته على مرّ العقود فيما ركز على اتمام خدمته المعيّنة من اللّٰه.‏ كما حرص على تجنب معاشرة الذين قد يسخرون منه لأنه لم يتزوج.‏ فكان مستعدا ان ‹يجلس وحده› على ان يخالط اشخاصا مثل هؤلاء.‏ —‏ اقرأ ارميا ١٥:‏١٧‏.‏

      ١١ واليوم،‏ يقتدي بمثال ارميا الجيد الكثير من الاخوة والاخوات العزاب،‏ صغارا في السن كانوا او كبارا.‏ فالاختبارات تُظهر كم هو مفيد ان ينشغل العزاب كاملا بخدمة اللّٰه،‏ مغنين حياتهم بالنشاطات الروحية المفيدة.‏ على سبيل المثال،‏ توضح شاهدة تخدم في جماعة ناطقة باللغة الصينية:‏ «ان خدمة الفتح توجّه حياتي كعازبة.‏ فأنا اعيش حياة مفعمة بالنشاط تجنبني الشعور بالوحدة.‏ وأشعر بالاكتفاء في نهاية كل يوم حين افكر كم تساعد خدمتي الناس الذين ألتقيهم،‏ وهذا ما يجعل قلبي يطفح بالفرح».‏ وتذكر فاتحة عمرها ٣٨ سنة:‏ «اظن ان سرّ السعادة يكمن في القدرة على الاستمتاع بالأوجه الايجابية لأي وضع تجد نفسك فيه».‏ كما تعبّر اخت غير متزوجة في جنوب اوروبا عن رأيها بصراحة:‏ «صحيح ان حياتي لم تتخذ تماما المنحى الذي اردته،‏ لكنني سعيدة وسأبذل كل ما في وسعي لأحافظ على فرحي».‏

      الصورة في الصفحة ٩٧

      ١٢،‏ ١٣ (‏أ)‏ ما هي النظرة الواقعية الى العزوبة والزواج؟‏ (‏ب)‏ اية حقائق حول العزوبة يبرزها بولس من خلال حياته ونصائحه؟‏

      ١٢ وهل يُعقل ان حياة ارميا لم تتخذ المنحى الذي اراده؟‏ ربما،‏ ولكن لا بد انه ميّز بحكمة ان هذا الشعور راود ايضا كثيرين ممّن تزوجوا ورُزقوا بأولاد.‏ تؤكد فاتحة في اسبانيا ذلك قائلة:‏ «انا اعرف ازواجا سعداء وآخرين تعساء،‏ وهذا ما يقنعني ان سعادتي لا تتوقف على الزواج».‏ فلا شك اذًا ان تجربة ارميا،‏ وهي واحدة من آلاف،‏ تثبت ان العيش حياة مثمرة وسعيدة ليس مستحيلا على العزاب.‏ ويؤيد هذه الفكرة الرسول بولس الذي كتب:‏ «اقول لغير المتزوجين والارامل:‏ انه حسن لهم ان يبقوا كما انا».‏ (‏١ كو ٧:‏٨‏)‏ صحيح ان بولس ربما كان ارملا حين كتب هذه الكلمات،‏ لكنه في كل الاحوال لم يكن متزوجا حين انجز ما انجزه في الخدمة الارسالية.‏ (‏١ كو ٩:‏٥‏)‏ أفليس من المنطقي القول ان عزوبته كانت نعمة من النعم؟‏ فقد اتاحت له «المواظبة على خدمة الرب دون التهاء» محققا بالتالي الكثير من النتائج الجيدة.‏ —‏ ١ كو ٧:‏٣٥‏.‏

      «ان الاوقات التي اقضيها وحدي هي من اثمن الاوقات في حياتي.‏ فأنا اناجي يهوه في الصلاة وأتمتع بالتأمل والدرس الشخصي دون التهاء.‏ .‏ .‏ .‏ حقا،‏ ان العزوبة تضفي فرحا كبيرا على حياتي».‏ —‏ بابيت

      ١٣ كما اضاف بولس بالوحي ان المتزوجين «سيكون لهم ضيق في جسدهم».‏ ثم دوّن بتوجيه من اللّٰه هذه الحقيقة المهمة:‏ «مَن كان راسخا في قلبه .‏ .‏ .‏ ان يحفظ بتوليته،‏ فحسنا يفعل.‏ وعليه فمَن يتخلى عن بتوليته بالزواج يفعل حسنا،‏ ولكن مَن لا يتخلى عنها بالزواج يفعل احسن».‏ (‏١ كو ٧:‏​٢٨،‏ ٣٧،‏ ٣٨‏)‏ ورغم ان ارميا لم يقرأ قط هذه الكلمات،‏ يبرهن مسلك حياته طوال عشرات السنين ان العزوبة لا تقف عائقا امام العيش حياة مانحة للاكتفاء في خدمة اللّٰه.‏ على العكس،‏ انها تساهم الى حد كبير في التمتع بحياة نافعة جدا تتمحور حول العبادة الحقة.‏ لا تنسَ ان الملك صدقيا،‏ مع انه كان متزوجا،‏ لم يصغِ الى مشورة ارميا فخسر حياته،‏ في حين اتخذ النبي الاعزب خيارات جنّبته هذا المصير.‏

      ماذا نتعلّم من بقاء ارميا عازبا طوال عشرات السنين؟‏

      أنعِشْ فتنتعش

      ١٤ ماذا تؤكد العلاقة بين عائلة أكيلا وبولس؟‏

      ١٤ ذكرنا سابقا ان اغلب الرجال والنساء زمن ارميا تزوجوا وكوّنوا عائلات.‏ وصحّ الامر عينه في ايام بولس.‏ ولكن لا شك ان معظم المسيحيين الذين لديهم عائلات لم يتمكنوا من الخدمة خارج البلاد مثل بولس،‏ انما كان باستطاعتهم فعل الكثير حيث يعيشون.‏ وشمل ذلك تقديم الدعم والمساعدة للاخوة والاخوات العزاب.‏ تذكّر انه عند وصول بولس الى كورنثوس،‏ استقبله أكيلا وبريسكلا في بيتهما وعملا معه في صنعتهم المشتركة.‏ ولم يتوقف الامر عند هذا الحد.‏ فالصداقة التي بنتها عائلة أكيلا مع بولس انعشت دون ريب قلبه وروحه.‏ فلا بد انهم تناولوا معا وجبات مسرة وتمتعوا برفقة واحدهم الآخر في مناسبات اخرى.‏ وهل سنحت لإرميا فرص كهذه؟‏ صحيح انه استغل عزوبته في خدمة اللّٰه،‏ لكنه لم يعش حياة ناسك.‏ فقد كان في وسعه ان ينعم بدفء المحبة ضمن عائلات خدام اللّٰه المخلصين مثل عائلتَي باروخ وعبد ملك.‏ —‏ رو ١٦:‏٣‏؛‏ اقرأ اعمال ١٨:‏​١-‏٣‏.‏

      ١٥ كيف للعائلات المسيحية ان تكون دعما كبيرا للمسيحيين غير المتزوجين؟‏

      ١٥ واليوم،‏ يستفيد المسيحيون العزاب من رفقة اخوتهم السارة،‏ كالتي حظي بها بولس في عائلة أكيلا.‏ فهل تسعى انت وعائلتك الى معاشرة غير المتزوجين؟‏ عبّرت احدى الاخوات عما في قلبها قائلة:‏ «لقد هجرتُ العالم ولا ارغب ابدا في الرجوع اليه.‏ غير اني ما زلت اشعر بالحاجة الى الاهتمام والمحبة.‏ وأنا اصلي الى يهوه ان يهيئ لنا نحن العزاب المزيد من الطعام الروحي والافكار المشجعة.‏ نحن لا نحب ان يتجاهل الآخرون وجودنا بصفتنا عزابا،‏ ولسنا جميعا متلهفين للزواج.‏ انما يبدو احيانا اننا وحيدون في هذه الحياة.‏ اني اعرف ان يهوه موجود دوما الى جانبنا،‏ ولكن حين نحتاج الى شخص نتحدث اليه،‏ هل نجده ضمن عائلتنا الروحية؟‏».‏ مع ان هذا الشعور ينتاب البعض احيانا،‏ فإن آلاف الاخوة والاخوات العزاب يردّون بالايجاب على هذا السؤال.‏ فهم يتمتعون بعلاقات حبية ضمن جماعاتهم.‏ ولا يقتصر اصدقاؤهم على الذين في مثل سنهم.‏ فبما انهم يحبّون معاشرة الآخرين،‏ يفرحون بصداقة اشخاص من مختلف الاعمار بمَن فيهم الكبار او الاحداث في العائلات المسيحية.‏

      الصورة في الصفحة ١٠٠

      ١٦ اية امور بسيطة ننعش من خلالها المسيحيين غير المتزوجين في جماعاتنا؟‏

      ١٦ بشيء من التفكير المسبق،‏ في وسعك ان تكون مصدر انتعاش للاخوة والاخوات غير المتزوجين حين تشملهم من حين الى آخر بنشاطات عائلتك،‏ مثل حضور امسية العبادة العائلية.‏ وما رأيك ان تدعوهم الى تناول وجبة طعام؟‏ فهذه الدعوة قد تعني لهم اكثر بكثير من الاستمتاع بطبق لذيذ.‏ يمكنك ايضا ان تأخذ موعدا مع احد العزاب للذهاب في الخدمة.‏ او تطلب منه مساعدتك انت وعائلتك في انجاز بعض الاعمال في قاعة الملكوت او مرافقتك احيانا في التسوق.‏ اضف الى ذلك ان بعض العائلات تصطحب احد الارامل او الفاتحين العزاب في رحلتها الى حضور محفل او لقضاء عطلة جميلة.‏ ومما لا شك فيه ان معاشرة كهذه تنعش كل الاطراف.‏

      ١٧-‏​١٩ (‏أ)‏ لمَ يلزم ان يعرب الاولاد عن المحبة والاتزان عند الترتيب للاهتمام بوالديهم المسنين او المرضى؟‏ (‏ب)‏ اي درس عملي نتعلمه من حرص يسوع على الاعتناء بأمه؟‏

      ١٧ ان الاهتمام بالوالدين المسنين مجال آخر ينبغي فيه مراعاة الاخوة والاخوات غير المتزوجين.‏ ففي ايام يسوع،‏ كان يهود بارزون يتجنّبون بدهاء الاعتناء بآ‌بائهم وأمهاتهم.‏ فقد ادعوا ان اتمام الواجبات الدينية التي فرضوها هم انفسهم له الاولوية على واجباتهم المعطاة من اللّٰه تجاه والديهم.‏ (‏مر ٧:‏​٩-‏١٣‏)‏ غير ان اهمال الوالدين ليس له مكان في العائلات المسيحية.‏ —‏ ١ تي ٥:‏​٣-‏٨‏.‏

      ١٨ ولكن لنفرض ان لدى الاب والام المسنَّين عددا من الاولاد احدهم غير متزوج.‏ فهل يُعتبر هذا الاعزب تلقائيا المسؤول الاول عن الاهتمام بهما؟‏ تكتب اخت من اليابان:‏ «احب ان اتزوج،‏ لكني لا استطيع اتخاذ هذه الخطوة لأني اعتني بوالدَي.‏ انا واثقة ان يهوه يعرف كم هي مجهدة رعاية الوالدين ويحسّ بوجع القلب الذي يعانيه العزاب».‏ من المحتمل ان لهذه الاخت اخوة وأخوات متزوجين قرروا دون استشارتها إلقاء حمل والدَيهم عليها وحدها.‏ ومن الجدير بالذكر ان ارميا ايضا كان لديه اخوة لم يعاملوه بإنصاف.‏ —‏ اقرأ ارميا ١٢:‏٦‏.‏

      ١٩ لا شك ان يهوه يتفهم العزاب ويشعر معهم حين يمرّون بظروف صعبة.‏ (‏مز ١٠٣:‏​١١-‏١٤‏)‏ لكنّ الوالدين المسنين او المرضى ليسوا من مسؤولية اولادهم العزاب فقط.‏ حتى لو ترك بعض الاولاد البيت وأسسوا عائلات،‏ فلا يلغي ذلك روابط المودة والحنو التي تجمعهم بوالديهم،‏ ولا يعفيهم من واجبهم المسيحي ان يقدّموا المساعدة عند الحاجة.‏ فنحن نعرف ان يسوع،‏ حتى وهو يلفظ انفاسه الاخيرة،‏ لم ينسَ التزامه نحو امه واتخذ اجراء ليهتم احد بها.‏ (‏يو ١٩:‏​٢٥-‏٢٧‏)‏ ولا يزود الكتاب المقدس قواعد مفصلة تحدد ادوار كل الاولاد في الاهتمام بوالديهم المسنين او المرضى،‏ ولا يشير ايضا ان لغير المتزوجين تلقائيا حصة اكبر من غيرهم في منح الرعاية.‏ ففي هذا الموضوع الحساس،‏ ينبغي لكل الاطراف المعنية التفاهم على التفاصيل بعقلانية مراعين واحدهم الآخر ومبقين في بالهم المثال الذي رسمه يسوع في الاهتمام بأمه.‏

      ٢٠ كيف تشعرون حيال معاشرة غير المتزوجين في جماعتكم؟‏

      ٢٠ انبأ ارميا بالوحي:‏ «لا يعلّمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد اخاه،‏ قائلين:‏ ‹اعرفوا يهوه!‏›؛‏ لأنهم جميعهم سيعرفونني».‏ (‏ار ٣١:‏٣٤‏)‏ صحيح ان هذه الكلمات تنطبق بشكل اساسي على الممسوحين،‏ ولكن من حيث المبدأ،‏ يتمتع كل شعب اللّٰه الآن برفقة رائعة في الجماعة المسيحية بما فيها من اخوة وأخوات غير متزوجين.‏ ولا ريب اننا نود جميعا تبادل الانتعاش مع هؤلاء العزاب ورؤيتهم يواصلون السير في طريق الحياة.‏

      كيف لنا ان ننعش الاخوة والاخوات غير المتزوجين وننتعش نحن بدورنا؟‏

      a في الاسفار العبرانية الاصلية،‏ لا توجد كلمة محددة تقابل «اعزب».‏

      b خاطب اشعيا نبويا الخصيان الحرفيين في ايامه الذين اشتركوا اشتراكا محدودا في العبادة التي قدّمها الاسرائيليون.‏ فقد انبأ انهم سينالون بسبب طاعتهم «شيئا افضل من البنين والبنات»:‏ «اسما دهريا» في بيت اللّٰه.‏ —‏ اش ٥٦:‏​٤،‏ ٥‏.‏

      c قد يعيش آخرون وحدهم لأن رفقاء زواجهم،‏ ربما اشخاصا غير مؤمنين،‏ اختاروا الهجر او الطلاق الشرعي.‏

  • لا «تطلب لك عظائم»‏
    رسالة من اللّٰه بفم ارميا
    • الفصل التاسع

      لا «تطلب لك عظائم»‏

      ١،‏ ٢ (‏أ)‏ اية مشكلة واجهها باروخ في السنة الرابعة ليهوياقيم؟‏ (‏ب)‏ كيف ساعد يهوه باروخ؟‏

      تملّك باروخ،‏ كاتب ارميا الامين،‏ شعور بالاعياء والتثبط.‏ حدث ذلك في السنة الرابعة لحكم الملك الشرير يهوياقيم،‏ اي نحو ٦٢٥ ق‌م.‏ وفي تلك السنة،‏ طلب ارميا من كاتبه ان يدون في درج كتاب كل الكلام الذي كلّمه به يهوه بشأن اورشليم ويهوذا طوال السنوات الـ‍ ٢٣ التي مضت على تسلّمه تفويض الخدمة كنبي.‏ (‏ار ٢٥:‏​١-‏٣؛‏ ٣٦:‏​١،‏ ٢‏)‏ ولم يقرأ باروخ محتويات هذا الدرج على مسامع اليهود الا في السنة التالية.‏ (‏ار ٣٦:‏​٩،‏ ١٠‏)‏ ولكن لمَ كان متعبا وحزينا؟‏

      ٢ تأوّه باروخ:‏ «ويل لي؛‏ لأن يهوه قد زاد حزنا على وجعي!‏ قد اعيَيت من تنهدي».‏ انت ايضا لا بد انك تئنّ احيانا من الاعياء،‏ إما بصوت مسموع او في قلبك.‏ وأيًّا كانت الطريقة التي أنّ بها باروخ،‏ سمع يهوه تنهداته.‏ ففاحص قلوب البشر عرف ما وراء اضطرابه،‏ فقوّمه بلطف بواسطة ارميا.‏ (‏اقرأ ارميا ٤٥:‏​١-‏٥‏.‏‏)‏ ولكن ربما تتساءل لمَ شعر باروخ بكل هذا الاعياء.‏ أبسبب تعيينه ام لأن ظروفا صعبة احاطت بإنجاز هذا التعيين؟‏ لا هذا ولا ذاك.‏ لقد كان قلبه اصل المشكلة.‏ فهذا الكاتب ‹طلب لنفسه عظائم›.‏ فماذا كانت هذه العظائم؟‏ اي وعد ناله من يهوه إن هو قبِل مشورته وإرشاده؟‏ وماذا نتعلم من تجربته؟‏

      ماذا كانت هذه ‹العظائم›؟‏

      ٣ ماذا كان اصل مشكلة باروخ الروحية؟‏

      ٣ عرف باروخ دون شك ما هي ‹العظائم› التي طلبها لنفسه.‏ وقد ادرك ان «عيني [اللّٰه] على طرق الانسان،‏ وهو يرى كل خطواته».‏ (‏اي ٣٤:‏٢١‏)‏ فشعوره ان لا «مكان راحة» لديه وهو يسجل كلمات ارميا النبوية لم يكن سببه التعيين نفسه،‏ بل نظرته الشخصية الى ما بدا عظيما،‏ اي افكار وتأملات قلبه.‏ فبما انه بات مأخوذا بطلب ‹العظائم›،‏ غابت عن باله الامور الاكثر اهمية،‏ تلك المرتبطة بفعل مشيئة اللّٰه.‏ (‏في ١:‏١٠‏)‏ وتُبرز ترجمة العالم الجديد معنى الفعل المستخدَم في ارميا ٤٥:‏٥ اذ تنقله الى ‏«لا تزال تطلب»،‏ ما يوحي ان ما مرّ به باروخ لم يكن فكرة خاطفة لمعت في رأسه وحسب.‏ فهو كان مستمرا في طلب ‹العظائم› حين حذّره يهوه ان يكفّ عن ذلك.‏ فهذا الكاتب الامين راح يقوم بدوره في اتمام مشيئة اللّٰه وفي الوقت عينه يتحرق لتحقيق «عظائم» لنفسه.‏

      ٤،‏ ٥ لمَ قد تكون الشهرة والجاه من ‹العظائم› التي طلبها باروخ،‏ ولمَ كان تحذير يهوه في محله؟‏

      ٤ لعلّ الشهرة والجاه كانا من العظائم التي استأثرت باهتمام باروخ.‏ صحيح انه خدم كاتبا لدى ارميا،‏ ولكن يبدو انه لم يشغل هذه الوظيفة عند النبي فقط.‏ ففي ارميا ٣٦:‏٣٢ يقال انه «كاتب الديوان».‏ وتشير الادلة الاثرية ان هذا اللقب أُعطي للرسميين الرفيعي المستوى في البلاط الملكي.‏ وفي الواقع،‏ حمل اللقب عينه «أليشاماع» الذي ذُكر اسمه بين رؤساء يهوذا.‏ وهذا يدل ان باروخ بصفته زميلا لأليشاماع مُنح ايضا حق الدخول الى «غرفة طعام كاتب الديوان» في «بيت الملك».‏ (‏ار ٣٦:‏​١١،‏ ١٢،‏ ١٤‏)‏ فلا بد اذًا انه كان رسميا مثقفا في البلاط الملكي.‏ اضف الى ذلك ان اخاه سرايا شغل مركز ضابط التموين لدى الملك صدقيا ورافقه في رحلة مهمة الى بابل.‏ (‏اقرأ ارميا ٥١:‏٥٩‏.‏‏)‏ وبحكم هذه الوظيفة،‏ يُرجح ان سرايا تولى مسؤولية تأمين المؤن والمنامة للملك خلال اسفاره،‏ وهي وظيفة مرموقة دون شك.‏

      ٥ من هنا نفهم لمَ قد يستحوذ الاعياء والتثبط على شخص بمكانة باروخ الرفيعة فيما اخذ يخطّ رسائل الدينونة ضد يهوذا الواحدة تلو الاخرى.‏ ويُحتمل ايضا ان دعمه نبي اللّٰه عرّض مركزه وعمله للخطر.‏ فكّر كذلك في ما كان سيحدث حين يهدم يهوه ما بناه،‏ حسبما نقرأ في ارميا ٤٥:‏٤‏.‏ ‹فالعظائم› التي طمح اليها باروخ،‏ أكانت الحصول على المزيد من الامتيازات في البلاط الملكي ام السعي وراء الازدهار المادي،‏ كلها كانت ستتبخر في الهواء.‏ اذًا في حال كان هذا الكاتب يطلب مركزا آمنا في النظام اليهودي الفاني آنذاك،‏ امتلك يهوه سببا وجيها ليكبت ميله هذا.‏

      ٦،‏ ٧ في حال شملت ‹العظائم› التي طلبها باروخ الممتلكات المادية،‏ فمصير مَن كان سيلقى؟‏

      ٦ من جهة اخرى،‏ لربما شملت ‹العظائم› التي طلبها باروخ الرغبة في العيش حياة رغيدة.‏ فالامم المحيطة بيهوذا اعتمدت الى حد بعيد على ممتلكاتها وثرواتها.‏ فقد اتكلت موآب على ‹اعمالها وكنوزها›،‏ وكذلك عمون.‏ كما قال ارميا بوحي من يهوه ان بابل كانت «وافرة الكنوز».‏ (‏ار ٤٨:‏​١،‏ ٧؛‏ ٤٩:‏​١،‏ ٤؛‏ ٥١:‏​١،‏ ١٣‏)‏ لكنّ الحقيقة هي ان اللّٰه اصدر دينونته على هذه الامم.‏

      ٧ بناء عليه،‏ اذا كانت الاملاك والثروات هي ما تاق اليه باروخ،‏ فأنت تدرك لمَ تدخّل يهوه وأعاده الى صوابه.‏ فحين ‹مدّ اللّٰه يده على› اليهود،‏ تحولت بيوتهم وحقولهم ملكا لأعدائهم.‏ (‏ار ٦:‏١٢؛‏ ٢٠:‏٥‏)‏ تخيّل انك احد العائشين في اورشليم ايام باروخ.‏ وقد سمعت ان معظم ابناء بلدك،‏ بمَن فيهم الرؤساء والكهنة والملك نفسه،‏ يفكرون في صدّ اجتياح البابليين.‏ لكنك عرفت برسالة ارميا التي نصحت الشعب ان ‹يخدموا ملك بابل ويحيوا›.‏ (‏ار ٢٧:‏​١٢،‏ ١٧‏)‏ فهل كانت حيازة الكثير من الممتلكات الثمينة في المدينة ستسهّل عليك اطاعة الارشاد الالهي؟‏ وهل كانت مشاعرك حيال هذه الممتلكات ستدفعك الى العمل بتحذير ارميا ام اتباع مسلك الغالبية؟‏ في الواقع،‏ كل المقتنيات القيّمة في يهوذا وأورشليم،‏ حتى التي في الهيكل،‏ نُهبت وأُخذت الى بابل.‏ لذا ما كان السعي وراء المكاسب المادية ليجدي نفعا.‏ (‏ار ٢٧:‏​٢١،‏ ٢٢‏)‏ فهل في ذلك عبرة لنا؟‏

      كيف قوّم يهوه بلطف ميل باروخ الى طلب ‹العظائم›؟‏ ولمَ تشعرون ان قبول التقويم من اللّٰه تصرُّف حكيم؟‏

      ‏«اعطيك نفسك غنيمة»‏

      ٨،‏ ٩ لمَ هو امر لافت ان باروخ ربح نفسه غنيمة؟‏

      ٨ تأمل الآن في هذه الفكرة:‏ اية فائدة كان سيجنيها باروخ إن اطاع ارشاد اللّٰه؟‏ زوده يهوه ضمانة اكيدة:‏ «اعطيك نفسك غنيمة».‏ (‏اقرأ ارميا ٤٥:‏٥‏.‏‏)‏ فالذين نجوا بحياتهم كانوا قليلين نسبيا.‏ وقد اقتصروا على الذين اطاعوا التوجيه الالهي بالهرب الى الكلدانيين،‏ اي الاستسلام لهم.‏ (‏ار ٢١:‏٩؛‏ ٣٨:‏٢‏)‏ ولكن ربما يتساءل البعض:‏ ‹هل كان ذلك كل ما حصلوا عليه مكافأة على طاعتهم؟‏›.‏

      ٩ حسنا،‏ تصوّر وضع اورشليم خلال الحصار البابلي.‏ فهذه المدينة راحت تحتضر رويدا رويدا بعدما ذاقت الامرّين من الحصار.‏ بالتباين،‏ قُلبت سدوم في لحظة اذا جاز التعبير.‏ لذا يمكن القول ان دمارها كان اخف وطأة من دمار اورشليم.‏ (‏مرا ٤:‏٦‏)‏ وقد دوّن باروخ النبوة التي تحدثت عن موت سكان يهوذا بالسيف والمجاعة والوبإ.‏ ثم رأى اتمام هذه الكلمات بأم عينه.‏ فمخازن اورشليم فرغت من الطعام.‏ وكم هاله دون شك ان الامهات «الحنائن» بطبعهن طبخن وأكلن اولادهن!‏ (‏مرا ٢:‏٢٠؛‏ ٤:‏١٠؛‏ ار ١٩:‏٩‏)‏ ولكن رغم هذه الاوضاع المتأزمة،‏ بقي باروخ على قيد الحياة.‏ نعم،‏ وسط كل هذا الاضطراب والهيجان،‏ كانت الحياة بحد ذاتها غنيمة،‏ مثل المكافأة التي ينالها المنتصرون بعد المعركة.‏ ومن الواضح ان باروخ قبِل واتبع المشورة الالهية بالكفّ عن طلب ‹العظائم›.‏ ففاز برضى يهوه كما يشهد على ذلك بقاؤه حيّا يُرزق.‏ —‏ ار ٤٣:‏​٥-‏٧‏.‏

      الصورة في الصفحة ١٠٧

      هل تطلب ‹العظائم›؟‏

      ١٠،‏ ١١ ماذا نستفيد شخصيا من رواية باروخ؟‏

      ١٠ مع ان باروخ انشغل بفعل مشيئة اللّٰه،‏ صارع فترة من الوقت توقه الى ‹العظائم›.‏ ولكن لمّا حذّره يهوه من الخطر،‏ تفادى كارثة روحية ونجا من الموت الحرفي.‏ فهل يُعقل ان نمرّ بمثل تجربته؟‏ أيمكن لرغبات تكمن في اعماق قلبنا ان تغوينا او ربما تستحوذ علينا حتى ونحن نشاطى في خدمة يهوه؟‏

      ١١ ذكرنا سابقا ان صنع اسم شهير بين اليهود ربما شكّل اغراء حقيقيا لباروخ.‏ فلعله فكّر:‏ ‹هل اتمكن من الحفاظ على مركزي بصفتي «كاتب الديوان»؟‏ وهل اترقى الى منصب اعلى؟‏›.‏ وماذا عنا اليوم؟‏ ليسأل كل واحد نفسه:‏ ‹هل اطمح ربما في قلبي الى تحقيق نجاح باهر في مهنة عالمية،‏ الآن او في المستقبل القريب؟‏›.‏ كما يحسن بكل من الاحداث المسيحيين ان يتأمل في هذا السؤال:‏ ‹هل يمكن لأمور قد يؤمّنها التعليم العالي،‏ مثل الجاه والامن المادي،‏ ان تغريني بطلب «عظائم» لنفسي؟‏›.‏

      ١٢ كيف طلب احد الاخوة عظائم ليهوه،‏ وما رأيكم في قراره؟‏

      ١٢ حصل اخ يخدم الآن في المركز الرئيسي العالمي على منحة جامعية بعمر ١٥ سنة.‏ لكنه رفضها مخيّبا آمال اساتذته وفضّل الانخراط في عمل الفتح.‏ مع ذلك،‏ لم يخمد قط حبه للتعلم.‏ فعندما عُيّن مرسلا في جزيرة منعزلة،‏ لزم ان يتعلم لغة ينطق بها اكثر بقليل من ٠٠٠‏,١٠ شخص.‏ وبما انه لم يتوفر قاموس بهذه اللغة،‏ بدأ يُعدّ قائمة بكلماتها.‏ وبمرور الوقت،‏ أتقن اللغة وطُلبت منه ترجمة بعض مطبوعاتنا المسيحية.‏ وفي وقت لاحق،‏ مهّدت قائمته لإصدار اول قاموس بتلك اللغة.‏ قال ذات مرة امام حضور ضخم في احد المحافل:‏ «لو اني قبلت المنحة الجامعية،‏ لجلبتْ كل انجازاتي الاكاديمية المجد لي انا شخصيا.‏ لكني لا املك اية مؤهلات دنيوية،‏ لذا لا يُنسب اليّ الفضل في ما فعلته.‏ فالشكر كله ليهوه».‏ (‏ام ٢٥:‏٢٧‏)‏ فما رأيك في القرار الذي اتخذه هذا الاخ بعمر ١٥ سنة؟‏ لقد حظي على مرّ السنين بامتيازات عديدة بين شعب اللّٰه.‏ وما القول فيك؟‏ كيف تنوي استعمال مواهبك؟‏ هل انت مصمم على استغلالها لتسبيح يهوه ام لطلب مجدك الخاص؟‏

      ١٣ لمَ يجب على بعض الوالدين التأمل في التحدي الذي جابهه باروخ؟‏

      ١٣ في هذا السياق،‏ ثمة خطر آخر ينبغي الحذر منه:‏ طلب ‹العظائم› من اجل او من خلال اشخاص نحبّهم ولنا تأثير عليهم.‏ فأنت تعرف على الارجح والدين ليسوا في الحق جلّ همهم ان يحرز اولادهم نجاحات اكثر منهم،‏ او يصيروا اشخاصا يتباهون بهم في المجتمع.‏ فلعلك سمعت احدهم يقول:‏ «لا ارغب ان يكدح اولادي مثلي» او «اريد ان يتعلم اولادي في الجامعة كي تتيسر امورهم في الحياة».‏ ان هذه المشاعر يمكن ان تساور الوالدين المسيحيين ايضا.‏ فهم قد لا يطلبون «عظائم» لأنفسهم،‏ ولكن هل من الممكن ان يسعوا اليها عن طريق ابنائهم او بناتهم؟‏ فعلى غرار باروخ الذي ربما أُغوي بطلب البروز عبر منصبه او وظيفته،‏ يُحتمل ان يتوق الوالدون في اعماقهم الى بلوغ ذلك عبر انجازات اولادهم.‏ ولكن أيُعقل ان يخفى هذا الامر عن «فاحص القلوب» الذي ميّز حالة باروخ؟‏ طبعا لا.‏ (‏ام ١٧:‏٣‏)‏ أفلا ينبغي لنا اذًا،‏ اسوة بداود،‏ ان نسأل يهوه ان يمتحن افكارنا الداخلية؟‏ (‏اقرأ مزمور ٢٦:‏٢؛‏ ارميا ١٧:‏​٩،‏ ١٠‏.‏‏)‏ فقد يستخدم وسائل مختلفة،‏ مثل هذه المناقشة عن باروخ،‏ لينبّهنا من خطر طلب ‹العظائم›.‏

      كيف يُحتمل ان باروخ طلب ‹العظائم›؟‏ وما هو الدرس الذي نتعلمه؟‏

      فخّ التعلق ‹بالنفائس›‏

      ١٤،‏ ١٥ كيف للغنى المادي ان يصبح من ‹العظائم› بالنسبة الينا؟‏

      ١٤ لنتعمق الآن في احتمال ان تكون ‹العظائم› التي طلبها باروخ هي الثروة والغنى.‏ فكما لاحظنا آنفا،‏ لو كان هذا الكاتب شديد التعلق بمقتنياته وأملاكه في يهوذا،‏ لما استسهل على الارجح اطاعة الوصية الالهية بالاستسلام للكلدانيين.‏ فأنت تعرف ان الغني غالبا ما يتكل على ‹نفائسه› من اجل الحماية،‏ غير ان الكتاب المقدس يؤكد ان حماية كهذه هي «في تصوّره» فقط.‏ (‏ام ١٨:‏١١‏)‏ لذا من الحكمة ان يذكّر جميع خدام يهوه انفسهم بالنظرة المتزنة الى الامور المادية كما ترد في كلمة اللّٰه.‏ (‏اقرأ امثال ١١:‏٤‏.‏‏)‏ مع ذلك،‏ قد يحاجّ البعض:‏ ‹لمَ لا نتمتع ولو قليلا بما يقدّمه العالم؟‏›.‏

      ١٥ ان التعلق بالممتلكات قد يجعل المسيحي يتحسر على امور هي جزء من نظام الاشياء الزائل،‏ وهذا فخّ لم يقع فيه ارميا وباروخ.‏ وبعد قرون،‏ حضّ يسوع العائشين يوم «يُكشف عن ابن الانسان» قائلا:‏ «اذكروا زوجة لوط».‏ فكم هو مناسب ان يُشجَّع المسيحيون:‏ ‹اذكروا ارميا وباروخ›!‏ (‏لو ١٧:‏​٣٠-‏٣٣‏)‏ فإذا كنا مولعين بالممتلكات المادية،‏ يصعب علينا تطبيق كلمات يسوع هذه.‏ ولكن لا ننسَ ان باروخ نظر جديا الى تحذير اللّٰه وربح بالتالي حياته.‏

      ١٦ اسردوا حالة تُظهر كيف ابقى خدام اللّٰه الامور المادية في مكانها الصحيح.‏

      ١٦ تأمل مثال الاخوة في رومانيا خلال الحكم الشيوعي.‏ ففيما اقتحم عملاء الدولة منازل الشهود،‏ استولوا احيانا على مقتنياتهم الشخصية،‏ ولا سيما تلك الصالحة للبيع.‏ (‏مرا ٥:‏٢‏)‏ فتحت نظام الحكم هذا،‏ كان العديد من الاخوة والاخوات مستعدين لخسارة ممتلكاتهم.‏ حتى ان البعض تركوا وراءهم املاكا ومقتنيات حين أُجبروا على الانتقال الى مكان آخر.‏ الا انهم حافظوا على استقامتهم امام يهوه.‏ فإذا واجهت امتحانا كهذا،‏ فهل تسمح لشغفك بالامور المادية ان يعيقك عن البقاء وليا للّٰه؟‏ —‏ ٢ تي ٣:‏١١‏.‏

      الصورة في الصفحة ١١١

      ١٧ كيف كان اثنان من معاصري ارميا وباروخ عونا كبيرا لهما؟‏

      ١٧ من الجدير بالملاحظة ان ارميا وباروخ استمدا الدعم من نبيَّين عاصراهما.‏ فصفنيا تنبأ خلال حكم يوشيا وقتما خدم ارميا نبيا.‏ فماذا كان رأي ارميا في الكلمات التي نجدها في صفنيا ١:‏١٨‏؟‏ ‏(‏اقرأها.‏‏)‏ أوَلا تتوقع انه نقل هذه النبوة الملهمة الى باروخ؟‏ والنبي الآخر هو حزقيال الذي أُخذ اسيرا الى بابل سنة ٦١٧ ق‌م.‏ فبما ان عددا من رسائله ارتبط مباشرة باليهود الذين بقوا في موطنهم،‏ فأغلب الظن ان ارميا عرف بأقواله وأفعاله،‏ والعكس بالعكس.‏ وهذا يشمل ما هو مدون في حزقيال ٧:‏١٩‏.‏ (‏اقرأها.‏‏)‏ وكما استفاد ارميا وباروخ من هذه النبوات الملهمة،‏ كذلك نحن ايضا.‏ فالناس سيصرخون الى آلهتهم لتنقذهم في يوم يهوه،‏ ولكن لا آلهتهم ولا ثرواتهم ستقوى على انقاذهم.‏ —‏ ار ٢:‏٢٨‏.‏

      هل تربح «نفسك غنيمة»؟‏

      ١٨ «نفس» مَن يريد كل منا ان يربح غنيمة،‏ وكيف عسانا نفعل ذلك؟‏

      ١٨ لا يغب عن بالنا ان الغنيمة التي يعدنا بها يهوه هي ‹نفوسنا›.‏ حتى لو هلك قلة من خدامه الامناء بسبب الاضطهاد الذي قد يحدث خلال «الضيق العظيم» حين تنقلب قرون الوحش السياسية على الدين،‏ فهم فعليا لن يخسروا حياتهم الى الابد.‏ فاللّٰه ضمِن ان يُحيي ‹نفوسهم› مجددا كي يتمتعوا «بالحياة الحقيقية» في العالم الجديد.‏ (‏رؤ ٧:‏​١٤،‏ ١٥؛‏ ١ تي ٦:‏١٩‏)‏ ولكن لنا ملء الثقة ان معظم خدام اللّٰه الذين يبرهنون عن امانتهم في تلك الفترة سيعبرون الضيق العظيم.‏ فعندما تأتي البلية على الامم،‏ ما من خادم امين يكون بين «قتلى يهوه».‏ —‏ ار ٢٥:‏​٣٢،‏ ٣٣‏.‏

      الصورتان في الصفحة ١١٣

      اختر ما هو قيّم ونفيس حقا (‏قارن الصورة في الصفحة ٤٦.‏)‏

      ١٩ كيف لمثالَي ارميا وباروخ ان يقوّيا تصميمنا على تجنب طلب «عظائم» لأنفسنا؟‏

      ١٩ قد يصاب البعض بخيبة امل حين يفكرون انهم لن يربحوا سوى ‹نفوسهم› غنيمة،‏ ولكن لا يجب ان يشعروا كذلك على الاطلاق.‏ تذكّر انه فيما كان الناس في اورشليم يموتون جوعا،‏ حفظ يهوه ارميا حيا.‏ فالملك صدقيا حجزه في باحة الحرس وأمر ان «يُعطى رغيف خبز كل يوم من شارع الخبازين،‏ الى ان انقطع كل الخبز من المدينة».‏ (‏ار ٣٧:‏٢١‏)‏ وهكذا ظل النبي على قيد الحياة.‏ نعم،‏ في وسع يهوه استخدام شتى الوسائل ليزود شعبه ما يحتاجون اليه للبقاء احياء.‏ وهو سيفعل ذلك حتما لأن رجاءهم بالحياة الابدية اكيد.‏ ومثلما كفّ باروخ عن ‹طلب العظائم› ونجا من دمار اورشليم،‏ لنتطلع قدما الى النجاة من هرمجدون كي نسبّح يهوه ‹بنفوسنا› التي سنربحها غنيمة الى ابد الآبدين.‏

      لمَ من الحكمة اليوم الا نطلب ‹العظائم› بل ان نسعى الى ربح ‹نفوسنا› غنيمة؟‏

  • هل تسأل يوميا «اين يهوه»؟‏
    رسالة من اللّٰه بفم ارميا
    • الفصل العاشر

      هل تسأل يوميا «اين يهوه»؟‏

      ١،‏ ٢ (‏أ)‏ كيف كانت حالة اليهود الروحية زمن ارميا؟‏ (‏ب)‏ ماذا كان يُفترض ان يفعل شعب يهوذا بشأن حالتهم الروحية؟‏

      انهمرت الدموع من عيني ارميا.‏ فقد تملّكه الحزن على حالة شعبه آنذاك والمستقبل القاتم الذي كان ينتظرهم بحسب النبوات.‏ فتمنى لو ان رأسه ملآن بالمياه وعينيه ينبوع دموع ليبكي دونما توقف.‏ ولم تكن مشاعر حزنه في غير محلها.‏ (‏ار ٩:‏​١-‏٣‏؛‏ اقرأ ارميا ٨:‏​٢٠،‏ ٢١‏.‏‏)‏ فشعب يهوذا استمروا في رفض الشريعة الالهية ولم يطيعوا قول يهوه،‏ جالبين بالتالي البلية على انفسهم.‏ —‏ ار ٦:‏١٩؛‏ ٩:‏١٣‏.‏

      ٢ فهؤلاء اليهود لم يهمهم حقا رأي يهوه في مسلكهم.‏ فقد احبوا سماع قادتهم الدينيين يطمئنونهم ان كل شيء على ما يرام.‏ (‏ار ٥:‏٣١؛‏ ٦:‏١٤‏)‏ فكانوا اشبه بمرضى يفتشون عن طبيب يخفف عنهم،‏ انما يتجاهل الاعراض الخطيرة الظاهرة عليهم.‏ ولكن أليس منطقيا ان تُشخَّص حالة المصاب بمرض شديد تشخيصا دقيقا كي يتلقى العلاج قبل فوات الاوان؟‏ في الواقع،‏ وجب على اليهود زمن ارميا ان يبحثوا عن تقييم صادق لحالتهم الروحية.‏ فكان يُفترض ان يسألوا «اين يهوه؟‏».‏ —‏ ار ٢:‏​٦،‏ ٨‏.‏

      ٣ (‏أ)‏ كيف كان بإمكان اليهود الاجابة عن السؤال «اين يهوه»؟‏ (‏ب)‏ ماذا كانت احدى الطرائق التي طلب اليهود من خلالها يهوه؟‏

      ٣ ان سؤال اليهود «اين يهوه؟‏» عنى طلب توجيهه في القرارات الكبيرة والصغيرة على السواء.‏ الا انهم في ذلك الوقت لم يكلّفوا انفسهم هذا العناء.‏ ولكن بعد دمار اورشليم ورجوعهم من بابل،‏ ‹طلبوا يهوه› و ‹بحثوا عنه› فوجدوه وعرفوا طرقه.‏ (‏اقرأ ارميا ٢٩:‏​١٣،‏ ١٤‏.‏‏)‏ فكيف بلغوا هذا الهدف؟‏ احدى الطرائق كانت رفع صلوات مخلصة اليه من اجل نيل الارشاد.‏ وهذا ما سبق وفعله الملك داود الذي سأل اللّٰه:‏ «طرقك يا يهوه عرّفني،‏ سبلك علّمني».‏ (‏مز ٢٥:‏٤‏)‏ لاحظ الدعوة التي وجّهها سامع الصلاة عبر ارميا في السنة العاشرة من حكم الملك صدقيا،‏ قائلا:‏ «ادعني فأجيبك وأخبرك بعظائم وأمور عسيرة الفهم لم تعرفها».‏ (‏ار ٣٣:‏٣‏)‏ فلو دعا الملك والامة المرتدة يهوه اللّٰه،‏ لكشف لهم امورا «عسيرة الفهم» عن دمار اورشليم وردّها بعد ٧٠ سنة.‏

      ٤،‏ ٥ بأية طريقتين اخريين طلب اليهود يهوه؟‏

      ٤ ثمة طريقة ثانية استطاع اليهود طلب يهوه من خلالها،‏ ألا وهي التنقيب في صفحات التاريخ والتأمل في تعاملاته مع شعبه.‏ فبذلك استعادوا في اذهانهم ما حاز رضاه وما اثار سخطه.‏ وكان في متناول ايديهم كتابات موسى وعدد من السجلات التاريخية الموحى بها فضلا عن حوليّات ملوك اسرائيل ويهوذا.‏ فتأملهم في كل هذه المراجع وإصغاؤهم الى انبياء اللّٰه الحقيقيين اوصلاهم الى جواب السؤال «اين يهوه؟‏».‏

      ٥ اما الطريقة الثالثة لطلب يهوه فكانت الاستفادة من تجاربهم الشخصية وتجارب الآخرين.‏ طبعا،‏ لم يعنِ ذلك انهم تعلّموا كل شيء بالتجربة والخطإ،‏ لكنهم استفادوا من تفحص سيرتهم في الماضي والتأمل في نظرة يهوه الى تصرفاتهم.‏ فقد كانوا يقظين ومنتبهين،‏ لذا عرفوا رأي اللّٰه في مسلكهم.‏ —‏ ام ١٧:‏١٠‏.‏

      الصورة في الصفحة ١١٦

      ٦ اي تشجيع نستمده من مثال ايوب؟‏

      ٦ لنطبق الآن هذه الافكار في ايامنا.‏ هل تسأل دوما «اين يهوه؟‏» عندما تتخذ قرارا ما او تختار مسلكا معيّنا في الحياة؟‏ يشعر البعض انهم يقصّرون احيانا في الاخذ برأي يهوه.‏ فإذا صحّ ذلك فيك بطريقة او بأخرى،‏ فلا تحزن او تتثبط.‏ حتى الاب الجليل الامين ايوب خاض صراعا في هذا الخصوص.‏ فمن كثرة الضغوطات والشدائد التي ألمّت به،‏ صار اهتمامه متمحورا حول ذاته.‏ فقال له أليهو مذكرا اياه بميل الانسان عموما:‏ «لم يقل احد:‏ ‹اين اللّٰه صانعي العظيم؟‏›».‏ (‏اي ٣٥:‏١٠‏)‏ ثم شجعه ان ‹يولي انتباهه لأعاجيب اللّٰه›.‏ (‏اي ٣٧:‏١٤‏)‏ فقد لزم ان يتأمل ايوب اعمال يهوه الجبارة المتجلية في الخليقة وفي تعاملاته مع البشر.‏ وهكذا فهِم طرق اللّٰه من خلال اختباره الخاص.‏ فبعدما تخطى محنته وعدّل طريقة تفكيره بمساعدة إلهه،‏ اعترف قائلا:‏ «تكلّمت من غير ان افهم بأمور عجيبة تفوقني،‏ ولا اعرفها.‏ قد سمعت عنك سماع الاذن،‏ اما الآن فإني اراك بأمّ عيني».‏ —‏ اي ٤٢:‏​٣،‏ ٥‏.‏

      ٧ ماذا سنناقش في هذا الفصل بناء على الصورة في الصفحة ١١٦؟‏

      ٧ من جهة اخرى،‏ واظب ارميا على طلب يهوه وتمكّن من ايجاده.‏ فطوال عقود من الخدمة الامينة،‏ ظل يسأل «اين يهوه؟‏» بخلاف ابناء بلده.‏ وسنرى في هذا الفصل كيف يعلّمنا مثاله ان نطلب يهوه ونجده بواسطة الصلاة،‏ الدرس،‏ والتجارب الشخصية.‏ —‏ ١ اخ ٢٨:‏٩‏.‏

      ماذا يعني السؤال «اين يهوه»؟‏ وبأية طرائق كان في وسع اليهود زمن ارميا ان يطرحوا هذا السؤال؟‏

      ارميا التفت الى يهوه في الصلاة

      ٨ في اية ظروف صلّى ارميا الى اللّٰه؟‏

      ٨ طوال السنين التي خدم فيها ارميا ناطقا بلسان اللّٰه في امة يهوذا،‏ طلب يهوه من خلال صلواته القلبية.‏ فقد التفت اليه حين لزم ان ينادي برسائل غير مستحبّة،‏ لمّا شعر برغبة في الاستسلام،‏ وعندما نشأت لديه اسئلة محيرة.‏ فأجابه اللّٰه عن اسئلته وأرشده كيف يواصل عمله.‏ اليك امثلة على ذلك.‏

      ٩ (‏أ)‏ كيف عبّر ارميا عن نفسه في ارميا ١٥:‏​١٥،‏ ١٦‏،‏ وكيف تجاوب يهوه معه؟‏ (‏ب)‏ لمَ من المهم ان نعبّر عن مشاعرنا في الصلاة؟‏

      ٩ حين عُهد الى ارميا ذات مرة ان ينادي برسالة دينونة،‏ راح الجميع يسبّونه.‏ فطلب من اللّٰه ان يذكره.‏ تأمل في صلاته المدونة في ارميا ١٥:‏​١٥،‏ ١٦ حيث عبّر عن عذابه وحزنه،‏ ثم وصف مشاعره حيال المساعدة الالهية التي تلقّاها.‏ (‏اقرأها.‏‏)‏ فعندما وجد كلام اللّٰه ووضعه في فمه،‏ اذا جاز التعبير،‏ أشرق وجهه وابتهج.‏ فيهوه ساعده ان يقدّر امتياز حمل اسمه وإعلان رسالته.‏ وقد ادرك ارميا بوضوح نظرة اللّٰه الى هذين الامتيازين.‏ فماذا نتعلم من ذلك؟‏

      ١٠ ماذا فعل يهوه حين قال النبي انه لن يتكلم باسمه بعد؟‏

      ١٠ في مناسبة اخرى،‏ قال ارميا انه لن يتكلم بعد باسم يهوه بعدما ضربه الكاهن فشحور بن إمير.‏ فكيف خفف اللّٰه من انزعاجه الذي افصح عنه في الصلاة؟‏ (‏اقرأ ارميا ٢٠:‏​٨،‏ ٩‏.‏‏)‏ لا يخبرنا الكتاب المقدس انه استجابه متحدثا اليه من السماء.‏ لكنّ كلمة اللّٰه اصبحت كنار متقدة قد حُبست في عظامه،‏ فلم يسعه الا ان يعلنها.‏ نعم،‏ حين كشف ارميا بصدق عن احاسيسه امام اللّٰه وسمح لما يعرفه عن مشيئته بالتأثير فيه،‏ اندفع الى الاستمرار في انجاز العمل الموكل اليه.‏

      ١١،‏ ١٢ كيف نال ارميا جوابا عن سؤاله حول نجاح الاشرار الظاهري؟‏

      ١١ شغل سؤال محيّر بال ارميا حين رأى نجاح الاشرار.‏ (‏اقرأ ارميا ١٢:‏​١،‏ ٣‏.‏‏)‏ وهو لم يقصد اطلاقا التشكيك في بر يهوه،‏ بل اراد جوابا على ‹شكواه› ليس الا.‏ وبيّنت صراحته هذه ان علاقة وثيقة ربطته باللّٰه،‏ تماما مثل علاقة الولد بأبيه المحب.‏ فإرميا تساءل لمَ عاش يهود كثيرون حياة مزدهرة رغم كونهم اشرارا.‏ وهل حصل على جواب شافٍ؟‏ لقد اكد له يهوه انه سيستأصل الاشرار.‏ (‏ار ١٢:‏١٤‏)‏ وفيما رأى النبي كيف عالج اللّٰه المسائل التي رفعها اليه في الصلاة،‏ توطدت دون شك ثقته بالعدل الالهي.‏ ومن المؤكد انه صار يُكثر من الصلاة مفضيا بدخائل نفسه الى ابيه السماوي.‏

      ١٢ قرابة نهاية حكم صدقيا،‏ وفيما كان البابليون يحاصرون اورشليم،‏ تحدث ارميا عن يهوه قائلا:‏ «عيناك مفتوحتان على جميع طرق بني البشر،‏ لتعطي كل واحد على حسب طرقه وعلى حسب ثمر اعماله».‏ (‏ار ٣٢:‏١٩‏)‏ فقد ادرك النبي موقف يهوه من العدل:‏ انه يراقب افعال كل واحد ويسمع صلوات خدامه الحارة.‏ ومع الوقت،‏ كان خدامه هؤلاء سيرون المزيد من الادلة انه يعطي «كل واحد على حسب طرقه وعلى حسب ثمر اعماله».‏

      ١٣ لمَ نحن واثقون من تحقق مشيئة اللّٰه؟‏

      ١٣ قد لا تخالجنا اية شكوك حول عدل يهوه وحكمته في انجاز مشيئته الآن وفي المستقبل.‏ مع ذلك،‏ من المفيد ان نتأمل في اختبار ارميا ونعبّر في صلواتنا عن مشاعرنا القلبية.‏ فهذا يرسخ ثقتنا بيهوه وبأن قصده سيتم لا محالة.‏ حتى لو لم نفهم كاملا في الوقت الحاضر لمَ تسير الامور بطريقة ما،‏ او لمَ تتقدم مشيئة يهوه بوتيرة معيّنة،‏ فلنخبره في صلواتنا اننا واثقون من امساكه بزمام الامور.‏ فمشيئته ستتحقق بالطريقة الامثل والسرعة الانسب في نظره.‏ وهذا واقع اكيد لا مجال للشك فيه.‏ فلنسأل دوما «اين يهوه؟‏» بمعنى ان نسعى بروح الصلاة الى فهم مشيئته ورؤية الادلة على اتمامها.‏ —‏ اي ٣٦:‏​٥-‏٧،‏ ٢٦‏.‏

      اية طمأنة ننالها مما حصل مع ارميا حين طلب يهوه في الصلاة؟‏

      ارميا غذّى قلبه بالمعرفة

      ١٤ كيف نعرف ان ارميا نقّب في صفحات تاريخ شعب اللّٰه؟‏

      ١٤ ادرك ارميا جيدا ان السؤال «اين يهوه؟‏» تطلّب نيل ‹المعرفة› عن اللّٰه.‏ (‏ار ٩:‏٢٤‏)‏ فلا بد انه درس تاريخ شعب اللّٰه فيما اخذ يعدّ السفرين المعروفين اليوم بملوك الاول والثاني.‏ فقد اتى على ذكر «سفر اخبار سليمان»،‏ «سفر اخبار الايام لملوك اسرائيل»،‏ و «سفر اخبار الايام لملوك يهوذا».‏ (‏١ مل ١١:‏٤١؛‏ ١٤:‏١٩؛‏ ١٥:‏٧‏)‏ ونتيجة درسه هذا،‏ فهِم كيف تصرف يهوه في مختلف الظروف.‏ وعرف ايضا ماذا كان يرضيه وكيف نظر الى قرارات البشر.‏ فضلا عن ذلك،‏ كان باستطاعته الرجوع الى الكتابات الملهمة المتوفرة في زمنه،‏ كالتي خطّها موسى،‏ يشوع،‏ صموئيل،‏ داود،‏ وسليمان.‏ فلا شك اذًا ان ارميا اطّلع على كتابات الانبياء الذين سبقوه وعاصروه.‏ فكيف استفاد من درسه الشخصي هذا؟‏

      ١٥ كيف انتفع ارميا من التعمّق في نبوة ايليا؟‏

      ١٥ دوّن ارميا الرواية عن ايزابل الشريرة،‏ زوجة اخآ‌ب ملك السامرة.‏ وتضمنت روايته اعلان ايليا ان الكلاب ستأكل تلك المرأة في كرم نابوت اليزرعيلي.‏ (‏١ مل ٢١:‏٢٣‏)‏ ولا بد انك تعرف انه بعد ١٨ سنة تقريبا،‏ وانسجاما مع كلمات ايليا،‏ رُميت ايزابل من احدى النوافذ،‏ داستها خيل ياهو،‏ وأكلتها الكلاب.‏ (‏٢ مل ٩:‏​٣١-‏٣٧‏)‏ ومن المؤكد ان تعمُّق ارميا في هذه النبوة وإتمامها حتى بأدق تفاصيلها قوّى ايمانه بكلمة اللّٰه.‏ وفي الواقع،‏ واظب هذا النبي على خدمته بفضل ايمانه الذي بناه بدرس اعمال يهوه في الماضي.‏

      ١٦،‏ ١٧ لمَ استطاع ارميا ان يثابر على تحذير الملكَين الشريرين يهوياقيم وصدقيا؟‏

      ١٦ لنأخذ مثالا آخر.‏ ماذا ساعد ارميا برأيك الا يتوقف،‏ رغم تعرّضه للاضطهاد،‏ عن تحذير الملكَين الشريرين يهوياقيم وصدقيا؟‏ احد الاسباب الرئيسية ان يهوه جعله «مدينة حصينة وعمود حديد وأسوار نحاس».‏ (‏ار ١:‏​١٨،‏ ١٩‏)‏ ولكن لا ننسَ هذه الحقيقة المهمة.‏ فالنبي سبق وأجرى بحثا موسّعا حول ملوك سابقين حكموا يهوذا وإسرائيل.‏ فهو الذي كتب ان منسى «بنى مذابح لكل جند السموات في دارَي بيت يهوه»،‏ أمرّ ابنه بالنار،‏ وأراق دما بريئا كثيرا جدا.‏ (‏٢ مل ٢١:‏​١-‏٧،‏ ١٦‏؛‏ اقرأ ارميا ١٥:‏٤‏.‏‏)‏ لكنه عرف حتما انه حين تواضع هذا الملك امام يهوه وصلّى اليه دون انقطاع،‏ «استجاب له» وردّه الى ملكه.‏ —‏ اقرأ ٢ اخبار الايام ٣٣:‏​١٢،‏ ١٣‏.‏

      ١٧ ومع ان ارميا لم يورد في كتاباته كيف رحم يهوه منسى،‏ من الجدير بالذكر ان هذا الملك مات قبل نحو ١٥ سنة فقط من تسلّم النبي تعيينه.‏ لذا لا بد ان ارميا علم بما حدث حين تاب منسى عن شروره السابقة.‏ وبتأمله كيف غيّر مسلكه الفظيع وحاز اخيرا رضى يهوه،‏ ادرك كم هو مهم ان يحث يهوياقيم وصدقيا على طلب رحمة اللّٰه ولطفه الحبي.‏ فيهوه مستعد ان يسامح حتى الملك المشهور بترويج الصنمية وإراقة الدماء.‏ تخيّل انك مكان ارميا.‏ هل كانت قصة منسى ستحفزك ان تثابر على تحذير ملوك اشرار آخرين؟‏

      ارميا تعلّم من التجارب

      ١٨ اي درس تعلّمه ارميا من مثال يوريا،‏ ولماذا تجيبون هكذا؟‏

      ١٨ لا شك ان ارميا استفاد خلال خدمته النبوية من تجارب معاصريه.‏ وأحدهم كان النبي يوريا الذي تنبأ ضد اورشليم ويهوذا في عهد يهوياقيم.‏ لكنّ هذا النبي خاف وهرب الى مصر حين طلب الملك قتله.‏ فما كان من الملك الا ان ارسل رجالا وراءه وأحضره من هناك،‏ ثم قضى على حياته.‏ (‏ار ٢٦:‏​٢٠-‏٢٣‏)‏ فهل تعتقد ان ارميا تعلّم درسا من اختبار يوريا؟‏ بما انه واظب على حضّ اليهود،‏ حتى في منطقة الهيكل،‏ محذرا اياهم من دينونتهم الوشيكة،‏ فهذا يثبت انه اتعظ بما حدث ليوريا.‏ فقد ظل يكرز بجرأة،‏ ويهوه لم يتخلَّ عنه.‏ فهو الذي دفع اخيقام بن شافان الى حماية نبيّه الشجاع من الخطر.‏ —‏ ار ٢٦:‏٢٤‏.‏

      ١٩ ماذا ادرك ارميا حين رأى مواظبة يهوه على ارسال انبياء الى شعبه؟‏

      ١٩ كما ان ارميا تعلّم من تجربته الخاصة عندما استخدمه يهوه في تحذير شعبه.‏ ففي السنة الرابعة للملك يهوياقيم،‏ امره يهوه بكتابة كل الكلام الذي كلّمه به من ايام يوشيا حتى ذلك الوقت.‏ وما سبب هذا التوجيه الالهي؟‏ تحريض الافراد على الرجوع عن فعل الشر ونيل الغفران.‏ (‏اقرأ ارميا ٣٦:‏​١-‏٣‏.‏‏)‏ حتى ان ارميا،‏ الذي كان يستيقظ باكرا لينقل رسائل اللّٰه التحذيرية،‏ توسل ايضا الى الشعب كي يتوقفوا عن ممارسة المكرهات.‏ (‏ار ٤٤:‏٤‏)‏ فمن الواضح انه ادرك من تجربته الخاصة ان رأفة اللّٰه هي التي دفعته الى ارسال انبياء الى شعبه.‏ أوَلم يزرع ذلك في قلبه هو ايضا شعورا بالرأفة والحنان؟‏ (‏٢ اخ ٣٦:‏١٥‏)‏ لذلك لا عجب انه قال بعدما نجا من دمار اورشليم:‏ «مِن ألطاف يهوه الحبية اننا لم نفنَ،‏ لأن مراحمه لن تنتهي.‏ جديدة هي كل صباح».‏ —‏ مرا ٣:‏​٢٢،‏ ٢٣‏.‏

      الصورة في الصفحة ١٢٣

      كيف استفاد ارميا دون شك من تفحص تعاملات اللّٰه في الماضي والتأمل في تجاربه هو والآخرين؟‏ وماذا نتعلّم من ذلك؟‏

      هل تسأل شخصيا كل يوم «اين يهوه»؟‏

      ٢٠ كيف نقتدي بإرميا في طلب يهوه؟‏

      ٢٠ حين تتخذ القرارات كل يوم،‏ هل تحرص ان تطلب مشيئة اللّٰه،‏ اي تسأل «اين يهوه»؟‏ (‏ار ٢:‏​٦-‏٨‏)‏ لطالما التفت ارميا،‏ بعكس اليهود في زمنه،‏ الى إلهه الكلي القدرة طالبا مساعدته على تمييز الطريق الصحيح.‏ فكم من الحكمة ان يقتدي كل منا بمثاله ويستشير يهوه يوميا عند اتخاذ القرارات!‏

      ٢١ كيف تساعدنا الصلاة في خدمتنا،‏ كما حين نلتقي شخصا يبدي ردة فعل قاسية؟‏

      ٢١ لا نقصد هنا مجرد القرارات الكبيرة او التي تُحدث انعطافة مهمة في الحياة.‏ لنفرض مثلا انك قررت الاشتراك في خدمة الحقل في يوم معيّن.‏ فتستيقظ في صباح ذلك اليوم وترى السماء ملبدة بالغيوم،‏ فتخفّ حماستك للكرازة.‏ ثم تفكر ان مقاطعتك غُطّيت تكرارا وتتذكر ان بعض اصحاب البيوت صدّوك بلطف زائف او وقاحة شديدة.‏ فهل يخطر لك في هذا الوقت الباكر من النهار ان تسأل في الصلاة «اين يهوه»؟‏ هذا يساعدك ان تتأمل في جمال الرسالة التي تحملها وتدرك بشكل اعمق ان مناداتك بها اتمام لمشيئة اللّٰه.‏ وقد تشعر بعد ذلك ان كلمة يهوه صارت بهجة وفرحا لقلبك،‏ كما كانت لإرميا.‏ (‏ار ١٥:‏​١٦،‏ ٢٠‏)‏ وإذا التقيت خلال الخدمة شخصا ابدى ردة فعل قاسية او لجأ الى التهديد والوعيد،‏ فهل تعبّر مجددا عن مشاعرك ليهوه في الصلاة؟‏ لا تنسَ ان في وسعه تزويدك بالروح القدس كي تتصرف بالطريقة المناسبة،‏ فتطغى رغبتك في اعلان رسالته على اية مشاعر سلبية.‏ —‏ لو ١٢:‏​١١،‏ ١٢‏.‏

      ٢٢ لمَ تُعاق بعض الصلوات؟‏

      ٢٢ ولكن لنبقِ في بالنا ان بعض الصلوات تُعاق ولا تصل الى يهوه.‏ (‏اقرإ المراثي ٣:‏٤٤‏.‏‏)‏ فهو لم يُصغِ الى صلوات اليهود المتمردين لأنهم ‹حوّلوا آذانهم عنه› واستمروا يتعدون على الشريعة.‏ (‏ام ٢٨:‏٩‏)‏ يعلّمنا ذلك درسا واضحا تعلّمه ارميا ايضا:‏ إن لم يعمل المرء بمقتضى صلواته،‏ يخيب امل اللّٰه فيه وقد يتوقف بالتالي عن سماع تضرعاته.‏ وبالطبع،‏ نحن لا نريد ان يصمّ يهوه أذنيه عن صلواتنا مهما كان الثمن.‏

      ٢٣،‏ ٢٤ (‏أ)‏ اي امر هو ضروري لمعرفة مشيئة يهوه؟‏ (‏ب)‏ كيف نحصد فوائد اكبر من الدرس الشخصي؟‏

      ٢٣ بالاضافة الى تقديم الصلوات المخلصة،‏ يلزم ان نواظب على الدرس الشخصي.‏ فهو مفتاح رئيسي لمعرفة مشيئة يهوه.‏ وفي هذا المجال،‏ نحن اكثر حظوة من ارميا لأن في متناولنا الكتاب المقدس بكامله.‏ وعلى غرار النبي الذي اجرى بحثا معمّقا كي يخطّ روايته التاريخية الملهمة،‏ يمكنك ان تغوص في كلمة اللّٰه وتبحث عن الارشاد الالهي سائلا «اين يهوه؟‏».‏ فبسعيك الى تعلّم مشيئته،‏ تتكل عليه وتصير حتما «كشجرة مغروسة على المياه،‏ ترسل عند مجرى الماء اصولها».‏ —‏ اقرأ ارميا ١٧:‏​٥-‏٨‏.‏

      الصورة في الصفحة ١٢٥

      ٢٤ وفيما تقرأ وتتفكر في الاسفار المقدسة،‏ حاول ان تستشف كيف يريدك يهوه ان تتصرف في مختلف الاوضاع.‏ ابحث عن المبادئ التي تودّ استذكارها وتطبيقها في حياتك.‏ وأثناء قراءتك الروايات التاريخية،‏ وصايا اللّٰه ومبادئه،‏ والاقوال الحكيمة في كلمته،‏ تأمل كيف ينبغي لما تقرأه ان يؤثّر في قراراتك اليومية.‏ فحين تسأل «اين يهوه؟‏»،‏ يبيّن لك إلهنا المحب من خلال كلمته المكتوبة السبيل الى معالجة حتى احلك الظروف.‏ حقا،‏ ستجد ان الكتاب المقدس يلقي الضوء على «امور عسيرة الفهم لم تعرفها» او تدركها قط.‏ —‏ ار ٣٣:‏٣‏.‏

      ٢٥،‏ ٢٦ لمَ تفيدنا الاختبارات؟‏

      ٢٥ علاوة على ذلك،‏ في وسعك التفكير مليا في اختباراتك انت والآخرين.‏ فقد تجد ان البعض ما عادوا يتكلون على يهوه،‏ كما فعل يوريا.‏ (‏٢ تي ٤:‏١٠‏)‏ وتأملك في تجاربهم يساعدك ان تتعظ بمسلكهم وتتجنب نهايتهم المأساوية.‏ استذكر ايضا كيف يتعامل يهوه معك بلطف حبي،‏ مبقيا في بالك ان ارميا كذلك قدّر مراحم يهوه ورأفته.‏ ومهما تأزم وضعك،‏ فلا تحسب ان العليّ لا يبالي بأمرك،‏ بل هو مهتم بك مثلما اهتم بإرميا.‏

      ٢٦ وفيما تطّلع على تعاملات يهوه مع الافراد في زمننا هذا،‏ تدرك انه يزود الارشاد يوميا بشتى الوسائل.‏ اليك اختبار اخت شابة في اليابان اسمها أكي.‏ فبينما كانت ترافق زوجة ناظر الدائرة في خدمة الحقل،‏ افصحت لها عن شعورها ان يهوه ليس راضيا عن خدمتها وأنه سيرفضها عما قريب مع انها تبذل جهدها في خدمته.‏ فقالت مشيرة الى كلمات يسوع في سفر الرؤيا:‏ «احسّ ان يهوه يوشك ان يتقيأني من فمه،‏ لكني اتوسل اليه ان يمنحني بعض الوقت».‏ فتطلعت زوجة ناظر الدائرة في عينيها وشجعتها قائلة:‏ «لم اشعر ولا مرة انك اخت فاترة روحيا».‏ ففكرت أكي مطوّلا في هذه الكلمات المطمئنة.‏ وفي الواقع،‏ ما من اشارة دلّت حقا ان يهوه نظر اليها يوما بهذه الطريقة.‏ بعد ذلك،‏ صلّت الى يهوه:‏ «ارسلني حيثما تريد وسأفعل ما تشاء».‏ نحو تلك الفترة،‏ زارت أكي بلدا آخر ضمّ فريقا يابانيا صغيرا احتاج الى شخص يتكلم اليابانية كي يبقى ويخدم معهم.‏ وبما ان أكي وُلدت في هذا البلد،‏ سهُل عليها الانتقال اليه.‏ ولكن اين كانت ستسكن؟‏ عرضت عليها اخت ان تقيم معها بعدما انتقلت ابنتها الى مكان آخر.‏ عبّرت أكي:‏ «بدا الامر وكأن قطع احجيّة الصور المقطوعة تأخذ مكانها الصحيح.‏ فيهوه كان يفتح الطريق امامي».‏

      ٢٧ لمَ من المهم ان نسأل «اين يهوه؟‏» قبل فعل اي امر؟‏

      ٢٧ في جعبة العديد من اخوتنا وأخواتنا اختبارات لمسوا فيها شخصيا توجيه يهوه،‏ ربما خلال قراءتهم الكتاب المقدس او قيامهم بالدرس الشخصي.‏ انت ايضا قد تمرّ باختبارات مماثلة.‏ وينبغي لهذه كلها ان تقوّي علاقتك بيهوه وتدفعك ان تصلي اليه بانتظام وحرارة اكثر من قبل.‏ ثِق انه سيدلّك على الطريق الصحيح إن انت سألت يوميا «اين يهوه؟‏».‏ —‏ اش ٣٠:‏٢١‏.‏

      ماذا يعني لكم شخصيا السؤال «اين يهوه»؟‏ وبأية طرائق يمكننا طلب ارشاده؟‏

  • ‏«رعاة بحسب قلبي»‏
    رسالة من اللّٰه بفم ارميا
    • الفصل الحادي عشر

      ‏«رعاة بحسب قلبي»‏

      ١،‏ ٢ (‏أ)‏ ماذا قد يحدث اذا لم يحمِ الراعي قطيعه؟‏ (‏ب)‏ علامَ انطوى عمل الراعي في ازمنة الكتاب المقدس؟‏

      هيروياسو صبي صغير يعيش في اليابان.‏ في احد الايام،‏ احضرت امه كبشا ونعجة الى البيت.‏ فأحاطهما برعايته،‏ وأخذت النعجة تلد له حمَلين كل عام.‏ وبحلول الوقت الذي اصبح فيه هيروياسو بعمر ١٢ سنة،‏ كان القطيع قد صار يضم ١٢ او ١٣ خروفا.‏ يتذكر هيروياسو:‏ «فيما كنت في سريري ذات صباح،‏ سمعت الخراف تثغو.‏ فلم اتفقدها في الحال.‏ ولمّا خرجت اخيرا لأراها،‏ شاهدت مجموعة ذئاب تجري مبتعدة عن حملاني التي طُرحت ارضا ممزَّقة الاحشاء.‏ فرحت ابحث كالمجنون عن النعجة الام،‏ ووجدتها بين الحياة والموت تسبح في بركة من الدم.‏ وحده الكبش نجا من هذه المأساة.‏ وكم انسحق قلبي حزنا!‏ لقد كان يُفترض ان اسارع الى نجدة الخراف حالما سمعت صوتها.‏ فهي كانت ضعيفة وعاجزة امام الذئاب».‏

      ٢ في ازمنة الكتاب المقدس،‏ عرف الجميع بشكل عام علامَ انطوى عمل الراعي.‏ فهو كان يقود خرافه الى مراعٍ خصيبة ويتأكد انها تغذت جيدا.‏ ولزم ان يحميها من الحيوانات المفترسة ويبحث عن الشاردة منها.‏ (‏١ صم ١٧:‏​٣٤-‏٣٦‏)‏ واعتاد ايضا ان يُربضها بأمان وسلام.‏ وكان يساعد النعاج على الولادة ثم يهتم بالحملان الصغيرة.‏ لذا استخدم العديد من كتبة الكتاب المقدس،‏ من بينهم ارميا،‏ فكرة الراعي للاشارة الى الشخص المفوَّض اليه الاهتمام بالآخرين،‏ إما بوصفه حاكما او ناظرا روحيا.‏

      ٣ إلامَ اشار ارميا حين استعمل الكلمتين ‹راعٍ› و ‹يرعى›؟‏

      ٣ يظن البعض في الجماعة المسيحية ان عمل الشيوخ كرعاة يقتصر على زيارة الاخوة بهدف مساعدتهم وتشجيعهم.‏ ولكن عندما استعمل ارميا الكلمتين ‹راعٍ› و ‹يرعى›،‏ طبّقهما على كل اوجه العلاقة بين نظار يهوذا والشعب.‏ ففي كثير من الاحيان،‏ ادان اللّٰه الرؤساء والانبياء والكهنة في يهوذا لأنهم كانوا رعاة اردياء لم يهتموا بخير عامة الناس.‏ (‏ار ٢:‏٨‏)‏ فقد اساءوا معاملة ‹غنمهم›،‏ اضلوها،‏ وأهملوها ساعين بأنانية وراء مصالحهم الخاصة.‏ نتيجة ذلك،‏ صار شعب اللّٰه مهملا روحيا الى اقصى الدرجات.‏ لذا اعلن يهوه ‹الويل› على هؤلاء الرعاة الزائفين،‏ وأكد لشعبه انه سيعطيهم رعاة محبين ويقظين يزودونهم بحماية حقيقية.‏ —‏ اقرأ ارميا ٣:‏١٥؛‏ ٢٣:‏​١-‏٤‏.‏

      ٤ مَن يعتنون اليوم برعية اللّٰه،‏ وبأي روح يعملون؟‏

      ٤ شهد وعد اللّٰه هذا اتماما رئيسيا في يسوع،‏ رئيس رعاة غنم يهوه،‏ الذي اصبح رأس الجماعة المسيحية.‏ فهو دعا نفسه «الراعي الفاضل» لأنه اعرب عن رأفة اصيلة تجاه خرافه.‏ (‏يو ١٠:‏​١١-‏١٥‏)‏ واليوم،‏ يهتم يهوه برعيته الارضية بواسطة رعاة معاونين يضمّون اخوة ممسوحين من صف العبد الامين الفطين ورجالا متفانين من ‹الجمع الكثير›.‏ (‏رؤ ٧:‏٩‏)‏ ويبذل هؤلاء الرعاة جهدهم للتمثل بيسوع في اظهار روح التضحية بالذات.‏ فهم يسعون اقتداء به الى اطعام الجماعة روحيا والسهر عليها.‏ فويل لمَن يتجاهل حاجات اخوته،‏ يسود عليهم،‏ او يعاملهم بقسوة او عجرفة!‏ (‏مت ٢٠:‏​٢٥-‏٢٧؛‏ ١ بط ٥:‏​٢،‏ ٣‏)‏ من هنا ينشأ السؤالان:‏ عمَّ يبحث يهوه في الرعاة المسيحيين اليوم؟‏ وماذا نتعلم من كتابات ارميا عن المواقف والدوافع اللائقة التي ينبغي ان توجّه الشيوخ فيما ينهضون بمسؤولياتهم؟‏ سنتبيّن الاجوبة فيما نناقش الآن ثلاثة من ادوارهم:‏ منح الحماية والاهتمام،‏ التعليم داخل وخارج الجماعة،‏ والقضاء في المسائل الروحية.‏

      منح الحماية والاهتمام

      ٥-‏٧ (‏أ)‏ كيف يتوقع يهوه ان يهتم الرعاة بخرافه،‏ ولماذا؟‏ (‏ب)‏ كيف يُظهر الشيوخ محبة حقيقية لإخوتهم،‏ بمَن فيهم الذين شردوا عن الرعية؟‏

      ٥ دعا الرسول بطرس يهوه ‹راعي نفوسنا وناظرها›.‏ (‏١ بط ٢:‏٢٥‏)‏ فما هي نظرة يهوه الى ‹خرافه›؟‏ نجد جوابا عن هذا السؤال بالعودة الى ايام ارميا.‏ فبعدما انتقد يهوه الرعاة السيئين الذين بدّدوا الرعية وأهملوها،‏ قال انه ‹سيجمع› خرافه ويردّها الى مراعيها.‏ ووعد ان يقيم لها رعاة صالحين «يرعونها» بحق ويحرصون على حمايتها من الاعداء المفترسين.‏ (‏ار ٢٣:‏​٣،‏ ٤‏)‏ نعم،‏ ان خراف يهوه كانت ولا تزال ثمينة في عينيه.‏ فهو دفع ثمنا باهظا من اجل خيرها الابدي.‏ —‏ ١ بط ١:‏​١٨،‏ ١٩‏.‏

      ٦ لذا يجب على النظار المسيحيين،‏ اسوة بالرعاة الحرفيين،‏ الا يتهاونوا ابدا في الاعتناء بجماعاتهم.‏ فإذا كنت تخدم شيخا،‏ فهل انت متيقظ لأية اشارات او اعراض ربما تبدو على اخوتك،‏ وهل انت مستعد لمساعدتهم على الفور؟‏ كتب الملك سليمان الحكيم:‏ «اعرف حق المعرفة حال غنمك،‏ واجعل قلبك على قطعانك».‏ (‏ام ٢٧:‏٢٣‏)‏ صحيح ان هذه الآية تلقي الضوء على اجتهاد ودأب الرعاة الحرفيين،‏ ولكن يمكن تطبيقها من حيث المبدأ على اهتمام الرعاة الروحيين بالجماعة.‏ من ناحية اخرى،‏ هل تحارب ايها الشيخ اي ميل في قلبك الى التسلط على اخوتك؟‏ ان تحذير بطرس من ‹السيادة على مَن هم ميراث اللّٰه› يثبت ان وقوع الشيخ في هذا الشرك وارد جدا.‏ اذًا،‏ كيف للراعي الروحي ان ‹يُربِض الغنم› كما يرد في ارميا ٣٣:‏١٢‏؟‏ (‏اقرأها.‏‏)‏ ليبقِ في باله ان الوالدين المتوحدين،‏ الارامل،‏ العائلات التي تضم اولادا للزوج او الزوجة،‏ المسنين،‏ والاحداث قد يحتاجون بشكل خاص الى الاهتمام والمساعدة.‏

      الصورة في الصفحة ١٣٠

      ٧ وعلى مثال الراعي الحرفي،‏ يلزم احيانا ان يفتش رعاة الجماعة عمّن شردوا عن الرعية لسبب او لآخر ويقدّموا لهم العون.‏ وهذا يستدعي تحلّيهم بالتواضع والتضحية بالذات.‏ فعليهم ان يصرفوا الوقت في الاعتناء بصبر بحاجات الذين اؤتمنوا عليهم.‏ لذا يحسن بكل من الرعاة ان يسأل نفسه بصراحة:‏ ‹الى اي حد اسعى الى تشجيع وبناء الآخرين عوض ادانتهم او انتقادهم؟‏ وهل ارغب بصدق ان اتحسن في هذا المجال؟‏›.‏ في بعض الاحيان،‏ يبذل الشيوخ جهودا متكررة بهدف مساعدة اخ او اخت على رؤية الامور من منظار اللّٰه.‏ فإذا تردد هذا الشخص في قبول مشورة الاسفار المقدسة (‏لا آراء الشيوخ الشخصية)‏،‏ فليتذكر الشيوخ ما فعله يهوه،‏ راعينا وناظرنا الاسمى،‏ مع شعبه المتمرد.‏ فهو ‹لم يبرح يكلّمهم› بصبر ويحاول اعادتهم الى صوابهم.‏ (‏ار ٢٥:‏​٣-‏٦‏)‏ صحيح ان غالبية شعب اللّٰه اليوم لا يمارسون الاخطاء،‏ ولكن حين تلزم المشورة ينبغي للشيوخ تقديمها احتذاء بيهوه.‏

      ٨ كيف يقتدي الرعاة الروحيون بمثال ارميا؟‏

      ٨ مع وجود بصيص امل برجوع رفقاء ارميا اليهود الى يهوه،‏ صلّى النبي من اجلهم قائلا:‏ «اذكر وقوفي امامك لأتكلم عنهم بالخير،‏ لأردّ سخطك عنهم».‏ (‏ار ١٨:‏٢٠‏)‏ تُبيّن هذه الكلمات ان النبي بحث عن الصلاح في اخوته ولم يسئ الظن بهم.‏ واليوم،‏ على النظار المسيحيين فعل الامر عينه ما دام لم يتوفر دليل واضح يثبت ان الشخص مصمم على فعل الشر دون توبة.‏ فعلى غرار ارميا،‏ يحسن بهم ان يمدحوا الآخرين على اعمالهم الصالحة ويصلّوا معهم ومن اجلهم.‏ —‏ مت ٢٥:‏٢١‏.‏

      اي وعد قطعه اللّٰه بواسطة ارميا بشأن الرعاة الروحيين؟‏ وكيف يمكن للنظار المسيحيين منح الحماية والاهتمام؟‏

      ‏«يزودونكم بالمعرفة»‏

      ٩،‏ ١٠ لمَ يُطلب من الرعاة الجيدين (‏شيوخ الجماعة)‏ ان يكونوا معلمين؟‏

      ٩ انسجاما مع ارميا ٣:‏​١٥‏،‏ تُلقى على عاتق الشيوخ مسؤولية ‏‹تزويد المعرفة والبصيرة›،‏ اي التعليم.‏ (‏١ تي ٣:‏٢؛‏ ٥:‏١٧‏)‏ وقد وعد يهوه شعبه ان الرعاة الصالحين سيؤدون هذا الدور.‏ وشجع اليهود ان يقبلوا تعليم نبيّه ارميا الهادف الى تأديبهم.‏ (‏اقرأ ارميا ٦:‏٨‏.‏‏)‏ فمثلما تحتاج الخراف الى التغذية كي تبقى سليمة معافاة،‏ كذلك يحتاج شعب اللّٰه الى الطعام والارشاد من الاسفار المقدسة ليظلوا اصحاء روحيا.‏

      ١٠ وفي مسألة التعليم،‏ يقوم الشيوخ بدور مزدوج.‏ فهم يعلّمون الاخوة داخل الجماعة ويساعدون ايضا الذين ليسوا بعد مسيحيين حقيقيين.‏ وبالنسبة الى الفئة الاخيرة،‏ ليبقِ الشيوخ في بالهم ان احد الاسباب الرئيسية لوجود الجماعة المسيحية هو الكرازة ببشارة ملكوت اللّٰه.‏ لذا يلزم ان يكون الرعاة مبشرين غيورين.‏ (‏ار ١:‏​٧-‏١٠‏)‏ فبذلك يتمّمون مسؤوليتهم امام اللّٰه ويرسمون مثالا رائعا لإخوتهم.‏ فيا ايها الشيخ،‏ ألا تجد ان الكرازة بانتظام مع مختلف الاخوة والاخوات في الجماعة تمنحك الفرصة لتحسين مقدراتهم التعليمية ومقدراتك انت ايضا؟‏ لا تنسَ ان اخذك القيادة بغيرة في عمل الخدمة يمد الاخوة بزخم قوي،‏ ما يساهم في تقدم الجماعة بكاملها.‏

      ١١،‏ ١٢ علامَ ينبغي ان يركز الشيخ الذي يريد ان يكون راعيا جيدا؟‏

      ١١ وكي يمنح الشيوخ الاخوة طعاما روحيا مفيدا،‏ يجب ان يؤسسوا تعليمهم في الجماعة على الكتاب المقدس.‏ وهذا يعني انهم لن يصبحوا معلمين فعالين إن لم يدرسوا كلمة اللّٰه باجتهاد.‏ قارن هذه الفكرة بكلمات ارميا التي اوضحت سبب عدم كفاءة قادة شعبه:‏ «حَمُق الرعاة،‏ ويهوه لم يطلبوا.‏ من اجل ذلك لم يعملوا ببصيرة،‏ وتبدّدت كل رعيتهم».‏ (‏ار ١٠:‏٢١‏)‏ فالذين يُفترض ان يعلّموا الشعب لم يتّبعوا مبادئ الاسفار المقدسة ولا طلبوا اللّٰه.‏ لذا لم توجّه الحكمة الحقيقية اعمالهم.‏ وقد شجب ارميا بشدة الانبياء المزعومين الذين لم يعلّموا كلام اللّٰه.‏ —‏ اقرأ ارميا ١٤:‏​١٤،‏ ١٥‏.‏

      ١٢ ولكن بخلاف هؤلاء الرعاة المخادعين،‏ يدرس النظار المسيحيون اليوم مثال يسوع ويسيرون على خطاه.‏ وهكذا يرعون الرعية بحكمة.‏ ومع انه ليس سهلا ان يتّبعوا برنامجا ثابتا للدرس في ظل المسؤوليات الكثيرة التي تستهلك وقتهم واهتمامهم،‏ حريّ بكل منهم ان يسأل نفسه:‏ ‹هل انا مقتنع كل الاقتناع ان تعليمي لن يكون مفيدا وصحيحا وزاخرا بالمعرفة والبصيرة ما لم أبنِه على كلمة اللّٰه وإرشاد صف العبد الامين الفطين؟‏›.‏ فإذا شعرت ايها الشيخ انك ما عدت منتظما في درسك الشخصي،‏ فماذا عساك فعله كي تتجنب افعال الرعاة الزائفين زمن ارميا؟‏

      الصورة في الصفحة ١٣٥

      ١٣ ماذا ساعد ارميا ان يكون معلّما كفؤا،‏ وماذا يتعلم منه الرعاة المسيحيون اليوم؟‏

      ١٣ ان احد العوامل التي جعلت ارميا فعالا جدا في التعليم هو استعمال الايضاحات بإرشاد من يهوه.‏ مثلا،‏ ما كان سامعوه لينسوا ابدا كيف كسر وعاء من فخار على الارض ليبيّن ان اورشليم وشعبها سيُسحقون بالطريقة عينها.‏ (‏ار ١٩:‏​١،‏ ١٠،‏ ١١‏)‏ وفي مناسبة اخرى،‏ صنع نيرا خشبيا وجعله على عنقه رمزا الى خضوع شعبه لعبودية ملك بابل القاسية.‏ (‏ارميا الاصحاحان ٢٧-‏٢٨‏)‏ صحيح ان اللّٰه لا يطلب من الشيوخ اليوم تأدية ادوار تمثيلية لإيضاح الافكار،‏ ولكن ألا تشعر بالتقدير حين تجدهم يزيّنون تعليمهم بالايضاحات والاختبارات المناسبة؟‏ فالامثلة والصور الكلامية الملائمة والمدروسة بعناية تترك اثرا كبيرا وتحفز على العمل.‏

      ١٤ (‏أ)‏ ما اساس اشارة ارميا الى ‹البلسان في جلعاد›؟‏ (‏ب)‏ كيف يعزز الشيوخ المسيحيون خير اخوتهم الروحي؟‏

      ١٤ كم نشكر اللّٰه على التعليم المزود بواسطة الرعاة المسيحيين!‏ ففي ايام ارميا،‏ رأى النبي حاجة شعبه الى الشفاء الروحي،‏ فسأل:‏ «أليس من بلسان في جلعاد،‏ ام ليس من طبيب هناك؟‏».‏ (‏ار ٨:‏٢٢‏)‏ لقد وُجد بلسان حرفي في جلعاد الواقعة شرق نهر الاردن.‏ فهذا الزيت العطر اشتهر بمنافعه الطبية وغالبا ما استُخدم في تسكين الآلام وشفاء الجراح.‏ ولكن بالمقابل،‏ لم يوجد شفاء روحي.‏ لماذا؟‏ اوضح ارميا:‏ «الانبياء يتنبأون بالكذب،‏ والكهنة يقهرون الناس بحسب طاقة ايديهم.‏ وشعبي هكذا احب».‏ (‏ار ٥:‏٣١‏)‏ وما القول اليوم؟‏ ألا توافق ان هناك حتما ‹بلسانا في جلعاد›،‏ اي في جماعتك؟‏ نعم،‏ يمكن تشبيه البلسان الشافي بالمساعدة التي يمنحها الشيوخ حين يوجّهون الاخوة بمحبة الى مبادئ الاسفار المقدسة،‏ يبنونهم ويشجعونهم،‏ ويصلّون معهم ومن اجلهم.‏ —‏ يع ٥:‏​١٤،‏ ١٥‏.‏

      اي اوجه للتعليم الذي يزوده شيوخ جماعتكم تقدّرونها بشكل خاص؟‏ وماذا يجعل تعليمهم فعالا؟‏

      ‏«هكذا قال يهوه»‏

      ١٥،‏ ١٦ لمَ من المهم الانتباه للخراف الحرفية والروحية على السواء؟‏

      ١٥ تخيّل فرحة الراعي الحرفي حين يرى،‏ بعد ساعات طويلة من الجهود المضنية،‏ حملانا سليمة تبصر النور.‏ ولكن كي تنمو هذه الحملان،‏ يعرف الراعي حاجتها الى الرعاية والاهتمام ويدرك اهمية حصولها على الغذاء الملائم.‏ كما انه يحرص على نظافتها وصحتها.‏ فالبعض منها يولد بأذناب طويلة قد تمسّ الارض وتتلوث بالسماد والاوساخ.‏ لذا يقصّر الراعي الاذناب بكل براعة مجنِّبا حملانه الالم قدر المستطاع.‏ على نحو مماثل،‏ يحيط الرعاة الروحيون الخراف،‏ اي اعضاء الجماعة،‏ باهتمامهم الحبي.‏ (‏يو ٢١:‏​١٦،‏ ١٧‏)‏ ويبتهجون برؤية المهتمين يتخذون خطوات للسير في الحق.‏ وهم يريدون ايضا ان تتغذى كل الخراف،‏ الصغيرة والكبيرة،‏ بالطعام الروحي وتنعم بصحة روحية جيدة.‏ لذلك لا يتراخون في رعاية افراد الجماعة،‏ حتى انهم يتدخلون لمصلحتهم عند اللزوم.‏ وهذا يشمل دون شك تذكيرهم بما ‹قاله يهوه›،‏ اي ما تعلّمه الاسفار المقدسة.‏ —‏ ار ٢:‏​٢،‏ ٥؛‏ ٧:‏​٥-‏٧؛‏ ١٠:‏٢؛‏ تي ١:‏٩‏.‏

      ١٦ ومثلما احتاج ارميا الى الشجاعة ليعلن رسالة اللّٰه،‏ كذلك نظار الجماعة اليوم ولا سيما في الحالات التي تقتضي تقديم النصح لأحد الاخوة بهدف حمايته.‏ مثلا،‏ قد يتدخل الراعي الروحي ليمنع ‹حملا حديث الولادة› او ‹خروفا› معتمدا منذ فترة من التلوث بقذارة عالم الشيطان.‏ ومع ان هذا الشخص ربما لم يلتمس المشورة اصلا،‏ أيُعقل ان يراه الراعي المحب على حافة الخطر ويقف مكتوف اليدين؟‏ طبعا لا.‏ وهو لن يستخف ايضا بالمسألة وكأن كل شيء على ما يرام،‏ في حين يبدو واضحا ان قدم الشخص توشك ان تزل وقد يخسر بالتالي سلامه مع يهوه.‏ —‏ ار ٨:‏١١‏.‏

      ١٧ متى وكيف يولي الراعي احد الخراف اهتماما خصوصيا؟‏

      ١٧ اذا حدث ان أُغوي خروف غير حذر بالابتعاد عن القطيع،‏ يهبّ الراعي اليقظ الى نجدته وإعادته الى بر الامان.‏ (‏اقرأ ارميا ٥٠:‏​٦،‏ ٧‏.‏‏)‏ بشكل مشابه،‏ يضطر الشيخ احيانا الى التكلم بحزم ومحبة مع الذين يسيرون بأرجلهم نحو الخطر.‏ فقد يلاحظ مثلا ان اخا وأختا مخطوبَين يمضيان الوقت معا دون مرافق في اماكن تسهّل عليهما الاستسلام لعواطفهما.‏ فيسعى هذا الشيخ اللطيف والمتفهم الى مساعدتهما على تفادي اوضاع كهذه.‏ وفي حين يحرص على عدم اتهامهما،‏ فهو يلقي الضوء على حالات يُحتمل ان تؤدي الى مسلك يبغضه يهوه.‏ فعلى غرار ارميا،‏ يدين الشيوخ الامناء ما يدينه يهوه.‏ وهكذا يقتدون بإلهنا الذي لم يكن قاسيا،‏ بل ترجى شعبه من خلال نبيّه قائلا:‏ «لا تفعلوا مثل هذه المكرهة التي ابغضها».‏ (‏ار ٥:‏٧؛‏ ٢٥:‏​٤،‏ ٥؛‏ ٣٥:‏١٥؛‏ ٤٤:‏٤‏)‏ فهل تقدّر حقا الاهتمام الذي يُظهره الرعاة المحبون لأفراد الجماعة؟‏

      ١٨ اية نتائج مشجعة تسفر عنها جهود الرعاة الروحيين؟‏

      ١٨ بالطبع،‏ لم يصغِ الجميع الى مشورة ارميا.‏ لكنّ البعض فعلوا ومنهم باروخ،‏ رفيقه وكاتبه،‏ الذي وجّه اليه النبي في وقت من الاوقات نصيحة قوية.‏ (‏ار ٤٥:‏٥‏)‏ وماذا كانت النتيجة؟‏ حاز باروخ رضى اللّٰه ونجا من دمار اورشليم.‏ واليوم،‏ يتشجع الشيوخ بالنتائج الايجابية التي تنجم عن مساعدتهم الرفقاء المؤمنين،‏ ما يدفعهم الى ‹المثابرة على الوعظ والتعليم› المنقذَين للحياة.‏ —‏ ١ تي ٤:‏​١٣،‏ ١٦‏.‏

      التأديب «باعتدال»‏

      الصورة في الصفحة ١٣٨

      ١٩،‏ ٢٠ اية مسؤولية تُلقى على عاتق الشيوخ عند التعامل مع الخطاة؟‏

      ١٩ يلعب النظار ايضا دور القضاة في الجماعة.‏ ففي بعض المناسبات،‏ يعالجون قضايا اشخاص يمارسون الخطية عمدا محاولين مساعدتهم على التوبة.‏ فيهوه حث الخطاة بلطف وصراحة ان يتركوا طرقهم الشريرة.‏ (‏ار ٤:‏١٤‏)‏ اما اذا لم يهجر المرء مسلكه الخاطئ،‏ فعلى النظار ان يتخذوا اجراء لحماية الرعية من اي تأثير مفسد ربما يتسلل اليها.‏ فالاسفار المقدسة توصي بطرد هذا الشخص من الجماعة.‏ ويتوقع يهوه من الشيوخ الالتصاق بالعدل الالهي في حالات كهذه.‏ وقد رسم الملك يوشيا الصالح مثالا رائعا في ذلك.‏ فهو «دافع عن البائس والفقير في دعواهما»،‏ متمثلا بمحبة اللّٰه للعدل.‏ لذا استطاع يهوه ان يسأل بشأن ما فعله يوشيا:‏ «أليست هذه معرفتي؟‏».‏ وبما ان هذا الملك اجرى العدل والبر،‏ فقد «كان له خير».‏ أفلا يزداد شعورك بالامان عندما يسعى شيوخ جماعتك الى الاقتداء بمثال يوشيا؟‏ —‏ ار ٢٢:‏​١١،‏ ١٥،‏ ١٦‏.‏

      ٢٠ وكن على ثقة ان يهوه يؤدب الخطاة «باعتدال».‏ (‏ار ٤٦:‏٢٨‏)‏ لذا يعمل الشيوخ على نصح رفقائهم المؤمنين او حضّهم او توبيخهم وفقا للظروف والموقف الذي يعربون عنه.‏ وربما يضطرون ايضا الى فصل خاطئ غير تائب.‏ في هذه الحالة،‏ لا يصلّون علنا من اجل هذا الشخص المستمر في فعل الخطإ،‏ فلا جدوى من ذلك.‏a (‏ار ٧:‏​٩،‏ ١٦‏)‏ غير انهم يتمثلون باللّٰه عندما يوضحون للمفصول كيف له ان يسترد رضى إلهه.‏ (‏اقرأ ارميا ٣٣:‏​٦-‏٨‏.‏‏)‏ فرغم ان الفصل قد يكون اجراء مؤلما،‏ نحن واثقون ان مقاييس اللّٰه بارة وعادلة ولخيرنا جميعا.‏ —‏ مرا ١:‏١٨‏.‏

      ٢١ كيف ينبغي ان تكون حالة رعية اللّٰه،‏ وكيف تساهمون شخصيا في تحقيق ذلك؟‏

      ٢١ حين يلمّ رعاة الجماعة بالمقاييس الالهية الملهمة ويطبّقونها،‏ تنعم الرعية بوفرة من الغذاء والصحة والحماية.‏ (‏مز ٢٣:‏​١-‏٦‏)‏ وما تعلمناه من ارميا عن المواقف والدوافع،‏ اللائقة وغير اللائقة على السواء،‏ يفيد النظار المسيحيين فيما يتمّمون المسؤولية الثقيلة الموكلة اليهم ان يهتموا بخراف اللّٰه.‏ لذا ليسأل كل منا نفسه:‏ ‹هل اقدّر دوما الترتيب الذي وضعه يهوه لتعليم وقيادة وحماية شعبه،‏ وذلك من خلال دعم الرعاة الذين «يرعون» الجماعة بحق ويزودونها «بالمعرفة والبصيرة»؟‏›.‏ —‏ ار ٣:‏١٥؛‏ ٢٣:‏٤‏.‏

      اية حالات تتطلب من النظار التصرف بشجاعة؟‏ وماذا يتوقع يهوه من الشيوخ حين يقومون بدور القضاة؟‏

      a انظر مجلة برج المراقبة عدد ١ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ٢٠٠١،‏ الصفحتين ٣٠-‏٣١‏.‏

  • ‏«أليست هذه معرفتي؟‏»‏
    رسالة من اللّٰه بفم ارميا
    • الفصل الثاني عشر

      ‏«أليست هذه معرفتي؟‏»‏

      ١،‏ ٢ لماذا لم يكن من الحكمة ان يشرع يهوياقيم في بناء قصر له؟‏

      شرع الملك يهوياقيم يبني بيتا فخما يُبهر البصر.‏ غرفه فسيحة تتوزع أقلّه على طابقين،‏ ونوافذه عريضة تعبر من خلالها اشعة دافئة ونسمات عليلة تنعش الملك وعائلته.‏ اما جدرانه فكانت ستُغشّى بألواح الأرز الشذي من لبنان وتُدهن بالمغرة،‏ طلاء مستورد يضفي على القصر من الداخل لمسة حمراء رائعة يطلبها اصحاب المقامات الرفيعة في الامم الاخرى.‏ —‏ ار ٢٢:‏​١٣،‏ ١٤‏.‏

      ٢ كان هذا المشروع باهظ التكاليف.‏ ولم تستطع خزينة الدولة آنذاك تغطية نفقاته بعدما استنزفتها كما يبدو المستلزمات الدفاعية والجزية التي فرضتها مصر.‏ (‏٢ مل ٢٣:‏​٣٣-‏٣٥‏)‏ الا ان يهوياقيم وجد حلّا لذلك.‏ فقد قلّل من كلفة قصره الجديد بالامتناع عن اعطاء عمال البناء اجورهم.‏ نعم،‏ عاملهم يهوياقيم معاملة العبيد مستغلا عرقهم وكدحهم لمنفعته الشخصية.‏

      ٣ ما الفرق بين يهوياقيم وأبيه،‏ ولماذا؟‏

      ٣ ادان اللّٰه يهوياقيم على انانيته من خلال النبي ارميا.‏a فذكّره ان اباه الملك يوشيا اظهر لطفا فائقا وسخاء جزيلا حيال الطبقة العاملة والفقراء،‏ حتى انه دافع عنهم في دعاويهم امام القضاة.‏ لذا سأل يهوه يهوياقيم لافتا انتباهه الى اعتناء يوشيا بالمساكين:‏ «أليست هذه معرفتي؟‏».‏ —‏ اقرأ ارميا ٢٢:‏​١٥،‏ ١٦‏.‏

      ٤ لمَ من المهم ان نعرف يهوه؟‏

      ٤ مع تدهور الاحوال في عالم الشيطان،‏ نحن بحاجة الى المساعدة والحماية اللتين يغدقهما يهوه على الذين يعرفونه معرفة وثيقة.‏ وهذا يتطلب ان نقترب اليه اكثر من اي وقت مضى،‏ ونعكس صفاته الرائعة كي ننجح في الكرازة بالبشارة.‏ ولكن قد تتساءل:‏ ‹كيف للمسيحي ان يعرف يهوه مثلما عرفه الملك يوشيا؟‏›.‏

      ماذا يعني ان نعرف اللّٰه؟‏

      ٥،‏ ٦ (‏أ)‏ اي اثر يتركه الاب الصالح في اولاده؟‏ (‏ب)‏ بالتباين مع يهوياقيم،‏ كيف ينبغي ان تؤثّر فينا معرفة طرق يهوه؟‏

      ٥ فكّر كيف يمكن للاب الصالح ان يترك اثرا في صغاره.‏ مثلا،‏ حين يلاحظون انه يحسن الى المحتاجين،‏ يُحتمل جدا ان يتصفوا هم انفسهم بالكرم والسخاء.‏ ورؤيته يعامل امّهم بمحبة واحترام تعلّمهم على الارجح ان يراعوا مشاعر الجنس الآخر.‏ وعندما يسمعون ان والدهم معروف بعدله وأمانته في المسائل المالية،‏ يندفعون الى التحلي بالعدل والامانة في حياتهم.‏ اذًا،‏ كلما عرف الاولاد طرق ابيهم وصفاته،‏ قويت رغبتهم وهم يكبرون في معاملة الغير على مثاله.‏

      ٦ على نحو مشابه،‏ اذا اراد المسيحي ان يعرف يهوه مثل يوشيا،‏ فلا يكفي ان يعترف بأنه المتسلط الكوني.‏ فمن خلال قراءته الكتاب المقدس،‏ يتعلم كيف يعامل اللّٰه الآخرين،‏ ثم يسعى الى الاقتداء به.‏ ويعمق ايضا شعوره بالمحبة تجاه ابيه السماوي ويصبح اكثر قدرة على التمثل بشخصيته.‏ بالمقابل،‏ ان مَن يتجاهل شرائع اللّٰه ومذكراته،‏ رافضا بالتالي اي تأثير له في حياته،‏ لن يتمكن من معرفته معرفة لصيقة.‏ فهو يشبه يهوياقيم الذي رمى في النار الكلمة التي قالها يهوه بفم ارميا.‏ —‏ اقرأ ارميا ٣٦:‏​٢١-‏٢٤‏.‏

      الصورتان في الصفحة ١٤٣

      تفاوتَ يهوياقيم ويوشيا في رد فعلهما حيال كلام اللّٰه

      ٧ لمَ يجب ان نعرف يهوه على غرار الملك يوشيا؟‏

      ٧ اذًا،‏ لا غنى لنا عن معرفة يهوه حق المعرفة اذا اردنا ان ننجح في الخدمة المقدسة وننعم بالحياة في العالم الجديد.‏ (‏ار ٩:‏٢٤‏)‏ فلنتفحص الآن بعضا من صفاته التي كشف عنها ارميا في كتاباته.‏ وفيما تتأمل فيها،‏ فكّر كيف لك شخصيا ان تعرف اللّٰه وتقتدي به على غرار الملك يوشيا.‏

      لمَ نقول ان الملك يوشيا عرف يهوه عن كثب؟‏ وماذا يعني ان نعرف يهوه مثله؟‏

      ‏«لطفه الحبي الى الدهر!‏»‏

      ٨ ما هو اللطف الحبي؟‏

      ٨ ان صفة اللطف الحبي،‏ او محبة الولاء،‏ التي يتحلى بها اللّٰه غنية جدا بالمعاني حتى ان لغات كثيرة تفتقر الى كلمة واحدة توفيها حقها.‏ فبحسب احد قواميس الكتاب المقدس،‏ تجمع الكلمة العبرانية المستعملة بين القوة والثبات والمحبة.‏ ويضيف هذا المرجع قائلا:‏ «ان اي توضيح لهذه العبارة لا يغطي الصفات الثلاث مجتمعة يخسر شيئا من ثقله وغناه».‏ وعليه،‏ فإن الذي يُظهر اللطف الحبي ليس مجرد انسان لطيف.‏ فهو يهتم بالآخرين اهتماما عميقا،‏ باذلا قصارى جهده في مساعدتهم على اشباع حاجاتهم ولا سيما الروحية منها.‏ ودافعه الرئيسي الى التصرف بهذه الطريقة غير الانانية هو رغبته في ارضاء اللّٰه القادر على كل شيء.‏

      ٩ ماذا برهنت تعاملات يهوه مع الاسرائيليين؟‏

      ٩ وكي نلمّ بكل معاني عبارة «اللطف الحبي» الواردة في الكتاب المقدس،‏ ما علينا سوى تفحص تعاملات يهوه مع عباده الحقيقيين على مرّ العصور.‏ فهو حمى وأطعم الاسرائيليين خلال تيهانهم في البرية ٤٠ سنة.‏ وفي ارض الموعد،‏ اقام لهم قضاة لإنقاذهم من اعدائهم وردّهم الى العبادة الحقة.‏ وبما انه بقي الى جانب امّته في السراء والضراء طوال كل تلك القرون،‏ قال لها:‏ «محبة الى الدهر احببتكِ.‏ لذلك جذبتكِ باللطف الحبي».‏ —‏ ار ٣١:‏٣‏.‏b

      ١٠ كيف يُظهر يهوه اللطف الحبي في مسألة الصلاة،‏ كما يتضح مما حدث مع اليهود في بابل؟‏

      ١٠ واليوم،‏ لا يزال اللّٰه يبسط لطفه الحبي بطرائق تفيد عباده.‏ تأمل في مسألة الصلاة.‏ فيهوه يصغي الى جميع الصلوات المخلصة،‏ غير انه يولي صلوات خدامه المنتذرين انتباها خصوصيا.‏ حتى لو بقينا نتضرع اليه سنة تلو الاخرى بشأن المشاكل عينها،‏ لا ينفد صبره ولا يتعب من الاستماع الينا.‏ فذات مرة،‏ بعث من خلال ارميا رسالة الى مجموعة من اليهود الاسرى في بابل الذين كانوا يبعدون اكثر من ٨٠٠ كيلومتر عن الهيكل وعن عائلاتهم وأصدقائهم في يهوذا.‏ فهذه المسافة الطويلة التي فصلتهم عن الهيكل لم تحل دون سماعه التماسات الرضى وتعابير التسبيح التي تفوّهوا بها.‏ فكّر كم تشجعوا حين نقل اليهم النبي الكلمات المدونة في ارميا ٢٩:‏​١٠-‏١٢‏.‏ (‏اقرأها.‏‏)‏ وهذه الكلمات تشجعك انت ايضا حين ترفع صلوات حارة الى اللّٰه.‏

      الصورة في الصفحة ١٤٤

      ١١،‏ ١٢ (‏أ)‏ ماذا خبأ يهوه لسكان اورشليم؟‏ (‏ب)‏ اية مساعدة متاحة للشخص الذي نال التأديب؟‏

      ١١ ان نظرة يهوه الايجابية الى المستقبل دليل آخر على لطفه الحبي.‏ تأمل في هذه الفكرة:‏ اي مستقبل كان ينتظر سكان اورشليم مع اقتراب دمارها واستمرارهم في التمرد الذي كان في الواقع تمردا على اللّٰه؟‏ ربما الموت جوعا او قتلا بسيف محارب بابلي،‏ او في احسن الاحوال السبي فترة طويلة في ارض غريبة الى ان يدركهم الموت.‏ غير ان يهوه خبأ ‹كلمة صالحة› تمنح الامل للذين تابوا وغيّروا حياتهم.‏ فقد وعد ان ‹يفتقدهم›،‏ اي ان يردّهم من بابل البعيدة «الى هذا المكان»،‏ الى موطنهم.‏ (‏ار ٢٧:‏٢٢‏)‏ وعندئذ كانوا سيهتفون:‏ «احمدوا يهوه الجنود؛‏ لأن يهوه صالح،‏ لأن لطفه الحبي الى الدهر!‏».‏ —‏ ار ٣٣:‏​١٠،‏ ١١‏.‏

      ١٢ ولطف يهوه الحبي هذا يزود التشجيع اليوم لمَن يمرّون بظروف أليمة من وجهة نظر بشرية،‏ مثل الذين كانوا جزءا من الجماعة المسيحية لكنهم نالوا التأديب اللازم.‏ فقد ينتابهم احساس قوي بالذنب ويشعرون بالتردد في معاشرة شعب اللّٰه من جديد.‏ وربما يتساءلون إن كان يهوه سيغفر لهم ذات يوم ويرحب بهم ثانية في كنف الجماعة.‏ الا ان لدى اللّٰه الكلي القدرة ‹كلمة صالحة› لكل هؤلاء:‏ في وسعهم نيل المساعدة لصنع التغييرات الضرورية في تفكيرهم وتصرفاتهم.‏ وما قرأناه في الفقرة السابقة يمكن من حيث المبدأ ان ينطبق عليهم.‏ فيهوه ‹سيردّهم الى مكانهم› بين صفوف شعبه السعيد.‏ —‏ ار ٣١:‏​١٨-‏٢٠‏.‏

      ١٣ كيف يشجعنا الدعم الذي ناله ارميا من يهوه؟‏

      ١٣ بما ان يهوه وافر اللطف الحبي،‏ فهو يدعم ايضا خدامه الامناء بولاء.‏ ففي هذه الايام الاخيرة من عالم الشيطان،‏ نحن واثقون انه سيسند ويحمي كل الذين يطلبون ملكوته اولا.‏ تذكّر ان ارميا اتكل عليه من اجل نيل الطعام والحماية خلال ايام اورشليم الاخيرة.‏ وهو لم يخذله ولا مرة واحدة.‏ (‏ار ١٥:‏١٥‏؛‏ اقرإ المراثي ٣:‏​٥٥-‏٥٧‏.‏‏)‏ فإذا كنت تتعرض لضغط شديد ايًّا كان نوعه،‏ فتأكد ان يهوه لا ينسى اعمالك الولية.‏ فلطفه الحبي يدفعه الى مدّك بالقوة والمساعدة كي تحتمل محنتك او تتخطاها.‏ —‏ قارن المراثي ٣:‏٢٢‏.‏

      اي وجه من لطف يهوه الحبي يقرّبكم اليه اكثر؟‏ ولمَ تشعرون على هذا النحو؟‏

      ‏«حيّ هو يهوه في .‏ .‏ .‏ العدل»‏

      ١٤ اية مظالم ترونها في الآونة الاخيرة؟‏

      ١٤ يضيّع البعض سنوات من عمرهم في السجن عقابا على جرائم لم يرتكبوها.‏ وتثبُت براءة آخرين بعد ان يُنفَّذ فيهم حكم الاعدام.‏ وفي بعض البلدان،‏ يضطر الوالدون البؤساء الى بيع اولادهم عبيدا من اجل تأمين لقمة خبز للعائلة.‏ فكيف تشعر حين تسمع بهذه المظالم؟‏ وما هو برأيك شعور يهوه؟‏ يذكر الكتاب المقدس بوضوح ان يهوه يريد محو كل اسباب الالم.‏ وما من احد غيره قادر على ذلك.‏ فكم تعزّي هذه الحقيقة الفقراء والابرياء!‏ فإله العدل يتخذ خطوات لفكّ ضيقهم وإراحتهم من عذابهم.‏ —‏ ار ٢٣:‏​٥،‏ ٦‏.‏

      الصورة في الصفحة ١٤٦

      ١٥،‏ ١٦ (‏أ)‏ اية حقيقة عن يهوه ابرزها ارميا؟‏ (‏ب)‏ لمَ يمكننا الوثوق بقوانين اللّٰه ووعوده؟‏

      ١٥ في ايام ارميا،‏ ادرك البعض صفة العدل السامية في شخصية اللّٰه.‏ فقد ذكر النبي مثلا انه اذا تاب الاسرائيليون عن خطاياهم،‏ فسيقولون تأكيدا على تغيير حالتهم القلبية:‏ «حيّ هو يهوه في الحق والعدل والبر!‏».‏ (‏ار ٤:‏​١،‏ ٢‏)‏ وهذه الكلمات صحيحة كل الصحة لأن لا مكان للظلم في قصد يهوه.‏ ولكن هناك ادلة اخرى تبرهن ان إلهنا يحب العدل.‏

      ١٦ فيهوه دون ريب صادق ويفي بكلامه،‏ بعكس اناس كثيرين يخلفون بوعودهم.‏ حتى قوانين الطبيعة التي سنّها لفائدتنا نحن البشر لا تبطل ولا تتغير.‏ (‏ار ٣١:‏​٣٥،‏ ٣٦‏)‏ اضف الى ذلك ان بإمكاننا الاعتماد على وعوده وقراراته القضائية لأنها دوما لخيرنا.‏ —‏ اقرإ المراثي ٣:‏​٣٧،‏ ٣٨‏.‏

      ١٧ (‏أ)‏ ماذا يفعل يهوه عند القضاء؟‏ (‏ب)‏ لمَ يمكننا الوثوق بطريقة الشيوخ في معالجة قضايا الجماعة؟‏ (‏انظر الاطار «‏يقضون ليهوه‏» في الصفحة ١٤٨.‏)‏

      ١٧ وتتجلى صفة العدل الالهية عند القضاء.‏ فيهوه يتجاوز ما يظهر للعيان وينفذ الى الباطن ليحيط بالحقائق كاملة.‏ وباستطاعته ايضا تمييز الدوافع.‏ فإذا كان الاطباء اليوم قادرين على استعمال تقنيات ومعدات متخصصة لمعاينة قلب المريض وتقييم حالته،‏ او للتحقق من عمل الكلى التي تنقي الدم،‏ فكم بالاحرى يهوه قادر ان يسبر غور الانسان!‏ فهو يتفحص قلبه وكليتيه المجازية،‏ اي دوافعه وعواطفه الاعمق.‏ وهكذا يعرف ماذا دعاه الى التصرف بطريقة معيّنة وما هو شعوره حيال تصرفاته.‏ كما ان اللّٰه القادر على كل شيء لا تُربكه كثرة التفاصيل التي يسفر عنها فحصه الدقيق.‏ فبما انه يفوق اكثر القضاة البشر بصيرة وحكمة،‏ يستعمل كل المعلومات بطريقة صائبة ومتزنة قبل اصدار حكمه على المرء.‏ —‏ اقرأ ارميا ١٢:‏١أ؛‏ ٢٠:‏١٢‏.‏

      يقضون ليهوه

      يدرّب يهوه الشيوخ على طريقته في القضاء من خلال كلمته المكتوبة والجماعة المسيحية.‏ فهو وكّلهم ان يمثّلوه في معالجة مشاكل الجماعة.‏ صحيح انهم ناقصون وعاجزون عن قراءة القلوب مثله،‏ لكنهم يريدون ان يعاملوا رفقاءهم العباد على طريقته.‏ وهم يصلّون طلبا للارشاد الالهي ويبذلون جهدهم في تطبيق مبادئ الكتاب المقدس ذات العلاقة،‏ ساعين بالتالي الى ‹القضاء بالبر› على غرار يهوه.‏ (‏ار ١١:‏٢٠‏)‏ لذلك لدينا سبب وجيه كي نثق بالشيوخ ‹لأنهم يبقون ساهرين على نفوسنا سهر من سيؤدي حسابا›.‏ —‏ عب ١٣:‏١٧‏.‏

      ١٨،‏ ١٩ كيف تؤثّر فينا معرفة صفة العدل الالهية؟‏

      ١٨ بناء على ذلك،‏ لديك اساس راسخ للثقة بيهوه حتى لو وخزك ضميرك احيانا نتيجة اخطاء اقترفتها في السابق.‏ لا يغب عن بالك ابدا ان يهوه ليس مدّعيا عامّا يبحث بعزم وإصرار عن سبب لمعاقبتك،‏ بل هو قاضٍ متعاطف يرغب في الوقوف الى جانبك.‏ فإذا كنت تشعر بالانزعاج من ماضيك او بسبب اساءة ارتكبها احد ما في حقك،‏ فألقِ على يهوه «خصومات» نفسك،‏ اي صراعاتك العاطفية،‏ لتتمكن من طرح المسألة وراء ظهرك.‏c وهو سيساعدك ان تدرك كم يقدّر مداومتك على الخدمة المقدسة.‏ —‏ اقرإ المراثي ٣:‏​٥٨،‏ ٥٩‏.‏

      ١٩ طبعا،‏ يرغب إله العدل الكامل ان يتحلى الذين يطلبون رضاه بهذه الصفة.‏ (‏ار ٧:‏​٥-‏٧؛‏ ٢٢:‏٣‏)‏ وإحدى الوسائل المهمة التي تعرب من خلالها عن العدل الالهي هي الكرازة بالبشارة دون تحامل.‏ كذلك عندما تحرص على عقد الزيارات المكررة والدروس البيتية،‏ تعكس بطريقة مفيدة مقياس العدل السامي الذي يتبناه اللّٰه.‏ فهو يشاء ان يتعلم عنه شتى الناس وينالوا الخلاص.‏ (‏مرا ٣:‏​٢٥،‏ ٢٦‏)‏ فيا له من امتياز رائع ان تعمل مع يهوه وتعكس عدله فيما تقوم بهذا العمل المنقذ للحياة!‏

      كيف يُدخل عدل يهوه الراحة الى قلوبنا؟‏ وكيف عسانا نساعد الآخرين حين نقتدي بعدله؟‏

      ‏«لن احفظ الغضب الى الدهر»‏

      ٢٠ (‏أ)‏ اية فكرة ابرزها ارميا بخصوص تعامل اللّٰه مع شعبه؟‏ (‏ب)‏ ما العلاقة بين غفران يهوه وشعوره ‹بالاسف›؟‏ (‏انظر الاطار «‏بأي معنى ‹يتأسف› يهوه؟‏‏».‏)‏

      ٢٠ يرى كثيرون ان سفرَي ارميا والمراثي لا يحويان سوى احكام تدين الشرور والمظالم.‏ غير ان هذه النظرة تتجاهل ما يرد فيهما من دعوات مشجعة الى نيل الغفران وجّهها يهوه الى شعبه.‏ فقد حثهم:‏ «ارجعوا كل واحد عن طريقه الرديء،‏ وأصلحوا طرقكم وأعمالكم».‏ وحضّهم ارميا في مناسبة اخرى:‏ «اصلحوا طرقكم وأعمالكم،‏ وأطيعوا قول يهوه إلهكم،‏ فيتأسف يهوه على البلية التي تكلم بها عليكم».‏ (‏ار ١٨:‏١١؛‏ ٢٦:‏١٣‏)‏ ولا يزال يهوه مستمرا في مسامحة كل الذين يندمون بصدق على افعالهم ويتوقفون عن ممارساتهم الخاطئة.‏

      ٢١ إلامَ يسعى يهوه حين يسامح الخاطئ؟‏

      ٢١ لكنّ يهوه لا يكتفي بالحديث عن الغفران بل يدعم كلامه بالافعال.‏ فقد استخدم ارميا ليحضّ شعبه قائلا:‏ «ارجعي ايتها المرتدة اسرائيل .‏ .‏ .‏ لن احوّل وجهي ضدكم .‏ .‏ .‏ لن احفظ الغضب الى الدهر».‏ (‏ار ٣:‏١٢‏)‏ فيهوه لا يلازمه اي شعور بالغضب او المرارة تجاه الشخص الذي نال منه السماح.‏ على العكس،‏ انه يرغب في اصلاح العلاقة المتضررة رغم ارتكاب الخطإ.‏ فمتى تاب الخاطئ توبة حقيقية والتمس الغفران،‏ ‹يُرجعه› يهوه اليه ويمنحه رضاه وبركته.‏ (‏ار ١٥:‏١٩‏)‏ وينبغي لهذه الحقيقة المطمئنة ان تحفز كل البعيدين الآن عن الاله الحقيقي على الرجوع اليه.‏ أفلا توافق ان غفران يهوه يقرّبنا منه اكثر؟‏ —‏ اقرإ المراثي ٥:‏٢١‏.‏

      بأي معنى ‹يتأسف› يهوه؟‏

      تتجلى عظمة غفران اللّٰه في معاملته الذين يمارسون الاخطاء ويغيّرون لاحقا موقفهم القلبي.‏ فعندما يراهم يصنعون تغييرات جذرية في حياتهم ويطيعون كلامه،‏ تخالجه مشاعر ‹الاسف›.‏ (‏ار ١٨:‏٨؛‏ ٢٦:‏٣‏)‏ فماذا يعني ذلك؟‏

      ان اللّٰه كامل ولا يصدر ابدا احكاما قضائية معوّجة،‏ لذا لا يتأسف او يندم كما يندم الانسان حين يخطئ تماما في الحكم.‏ فهو يشعر بالاسف بمعنى انه يعدّل تعاملاته مع الشخص وفقا لما يلحظه من تبدّل في قلبه.‏

      وليس تأسف يهوه مجرد إلغاء خالٍ من المشاعر لقرار سبق واتخذه.‏ فأحاسيسه تتغير حيال الخطاة التائبين.‏ ويعتقد بعض العلماء ان الفعل العبراني الاصلي المنقول الى ‹يتأسف› في الآيتين اعلاه يحمل فكرة «اخذ نفس عميق»،‏ ربما يرافقه تنهُّد.‏ ولعلّ ذلك يعني انه حين يرى يهوه ندما اصيلا في قلب الشخص،‏ يأخذ مجازيا نفسا عميقا كما لو انه يتنفس الصعداء راحة.‏ ثم يُظهر لهذا التائب الاهتمام الحبي الذي يحظى به المرضيون في عينيه.‏ ومع ان الخاطئ قد يتحمل نتيجة افعاله،‏ يفرح يهوه بتغير موقفه القلبي.‏ لذا يخفف «البلية»،‏ او التأديب الالهي الذي يستحقه في حال اصرّ على خطئه.‏ (‏ار ٢٦:‏١٣‏)‏ فهل من قاضٍ بشري يميّز التوبة الحقيقية بهذه الطريقة؟‏ طبعا لا.‏ اما يهوه ‹فيُسرّ› بتوبة الخطاة.‏ —‏ ار ٩:‏٢٤‏.‏

      الصورة في الصفحة ١٥٢

      ٢٢،‏ ٢٣ ماذا ينبغي ان يكون هدفنا حين نقتدي بيهوه في مسألة الغفران؟‏

      ٢٢ هل تقتدي بيهوه اذا ضايقك احد بكلام فظ او تصرف طائش؟‏ حين اخطأ اليهود قديما الى اللّٰه،‏ قال انه ‹سيطهّر› الذين صفح عن معاصيهم.‏ (‏اقرأ ارميا ٣٣:‏٨‏.‏‏)‏ وهو يطهّرهم بمعنى انه يطوي صفحة الماضي مانحا التائبين بداية جديدة في خدمته.‏ طبعا،‏ لا يعني نيل غفران اللّٰه ان المرء يتطهّر من النقص الموروث ويصير بالتالي كاملا بلا خطية.‏ لكننا نتعلم درسا مما قاله اللّٰه عن تطهير البشر:‏ لنسعَ الى التغاضي عن الخطإ او الاساءة التي ارتكبها شخص بحقنا،‏ ما يعني مجازيا ان نطهّر صورته في قلبنا.‏ فكيف ذلك؟‏

      ٢٣ لنفرض ان احدا اهدى اليك تحفة نفيسة.‏ فهل تسارع الى رميها اذا اتسخت او تلطخت بالبقع؟‏ على الارجح لا.‏ فأغلب الظن انك ستنكبّ على تنظيفها من الاوساخ محاولا ازالة البقع ايضا.‏ فأنت تريد استرجاع جمالها وروعتها.‏ تطبيقا لهذا المثل،‏ ابذل جهدك في التخلص من اي ضغينة او انزعاج تشعر به حيال الذي اساء اليك.‏ حارب الميل الى التفكير مطولا في الكلمات او التصرفات المؤلمة.‏ وفيما تنجح في نسيانها،‏ تُطهّر صورة الشخص في قلبك وما لك معه من ذكريات.‏ وحين يصبح قلبك نظيفا من الافكار السلبية تجاهه،‏ لن تتردد في احياء صداقتكما الحميمة التي بدا انها ضاعت الى الابد.‏

      ٢٤،‏ ٢٥ اية فوائد نجنيها حين نعرف يهوه مثل الملك يوشيا؟‏

      ٢٤ لقد تفحصنا بعضا من صفات يهوه وتعاملاته التي نتعلم عنها حين نعرفه معرفة لصيقة.‏ والفوائد التي نجنيها شخصيا من معرفته عن كثب،‏ مثل الملك يوشيا،‏ تمنحنا دافعا قويا الى عبادته بطريقة ترضيه.‏ فنحن مثلا سنعيش حياة تزيّنها السعادة التي هي وجه آخر من شخصيته.‏

      ٢٥ وتغني هذه المعرفة ايضا علاقاتنا بالآخرين.‏ فعندما نعمل على اظهار اللطف الحبي والعدل والغفران اسوة بيهوه،‏ تترسخ صداقاتنا بالاخوة في الجماعة ويعمق تقديرنا لها.‏ هذا وإننا سنلمس تحسّنا في مقدراتنا التعليمية فيما نعود لزيارة المهتمين ونعقد دروسا تقدمية في الكتاب المقدس.‏ وسيشعر المهتمون ان نمط حياتنا المسيحي هو افضل طريق للحياة.‏ وهكذا،‏ نصبح مجهزين اكثر لمساعدتهم على عبادة يهوه بطريقة مقبولة،‏ اي السير في «الطريق الصالح».‏ —‏ ار ٦:‏١٦‏.‏

      اية رسالة تحملها الينا المراثي ٥:‏٢١‏؟‏

      a بخصوص عاقبة يهوياقيم الوخيمة،‏ انظر الفصل ٤،‏ الفقرة ١٢ في هذا الكتاب.‏

      b ينقل الكتاب المقدس الانكليزي الجديد كلمات يهوه هذه الى:‏ «احببتكِ كثيرا منذ القدم،‏ وأنا باقٍ على اهتمامي بكِ».‏

      c اذا انهمك اخ او اخت في مسلك ينتهك انتهاكا فاضحا شرائع اللّٰه،‏ ينبغي اعلام شيوخ الجماعة بالامر كي يعالجوا المسألة ويزودوا المساعدة المؤسسة على الاسفار المقدسة.‏ —‏ يع ٥:‏​١٣-‏١٥‏.‏

  • ‏«قد فعل يهوه ما قصد»‏
    رسالة من اللّٰه بفم ارميا
    • الفصل الثالث عشر

      ‏«قد فعل يهوه ما قصد»‏

      ١ ماذا قال ارميا عن نبوات يهوه بعدما تمّ دمار اورشليم؟‏

      نزل الدمار بأورشليم.‏ فنيران البابليين التهمت ابنيتها وبيوتها.‏ وترددت في ارجائها اصداء صرخات الذين ماتوا ذبحا بالسيف.‏ كان ارميا على علم بمصيرها هذا،‏ فقد توالت الاحداث تماما كما سبق وأنبأ اللّٰه.‏ لذا تنهد قائلا:‏ «قد فعل يهوه ما قصد».‏ حقا،‏ كان سقوط اورشليم فاجعة من الفواجع.‏ —‏ اقرإ المراثي ٢:‏١٧‏.‏

      ٢ اية نبوة قيلت قبل قرون شهد ارميا اتمامها؟‏

      ٢ شهد ارميا اتمام نبوات كثيرة نُقلت الى شعب اللّٰه،‏ منها نبوة قديمة قيلت بفم موسى.‏ فقبل قرون خلت،‏ بيّن موسى للاسرائيليين ان اطاعة اللّٰه تجلب «البركة» وعصيانه «اللعنة».‏ غير ان يهوه اراد الافضل لهم،‏ ان ينعموا بالبركات.‏ اما اذا اختاروا عصيانه،‏ فكانت ستحلّ بهم لعنات فظيعة.‏ فقد حذّرهم موسى ان الذين يتجاهلون يهوه ويقاومونه سوف «يأكلون لحم بنيهم ولحم بناتهم»،‏ كلمات كررها ارميا لاحقا.‏ (‏تث ٣٠:‏​١٩،‏ ٢٠؛‏ ار ١٩:‏٩؛‏ لا ٢٦:‏٢٩‏)‏ ولكن لربما تساءل بعض الاسرائيليين:‏ ‹أيُعقل ان يحدث هذا الامر البشع؟‏›.‏ في الواقع،‏ تحققت هذه النبوة خلال الحصار البابلي حين راح الناس يتلوّون من الجوع.‏ ذكر ارميا:‏ «ايدي النساء الحنائن طبخت اولادهن.‏ صاروا خبز تعزية حين انهارت بنت شعبي».‏ (‏مرا ٤:‏١٠‏)‏ فيا لها من مأساة مريعة!‏

      ٣ لمَ اوفد اللّٰه انبياء الى شعبه؟‏

      ٣ طبعا،‏ لم يقصد يهوه بتفويض انبياء مثل ارميا مجرد التحذير من دينونة مقبلة.‏ فهو اراد ان يتبع شعبه مسلك الامانة من جديد،‏ اي ان يتوب الخطاة عن معاصيهم.‏ اوضح عزرا هذه الفكرة قائلا:‏ «مرة بعد اخرى،‏ ارسل اليهم يهوه إله آبائهم عن يد رسله لأنه ترأف على شعبه وعلى مسكنه».‏ —‏ ٢ اخ ٣٦:‏١٥‏؛‏ اقرأ ارميا ٢٦:‏​٣،‏ ١٢،‏ ١٣‏.‏

      الصورة في الصفحة ١٥٤

      ٤ كيف شعر ارميا حيال الرسالة التي نقلها؟‏

      ٤ على غرار يهوه،‏ احسّ ارميا بالرأفة تجاه ابناء بلده.‏ ويتضح ذلك مما قاله قبل سقوط اورشليم.‏ فهذه الكارثة الوشيكة اوقعت الجزع والاضطراب في قلبه.‏ فلو اصغى الشعب الى رسالته وأطاعوها،‏ لوفّروا على انفسهم هذه المصيبة.‏ تخيّل اية مشاعر ساورته فيما اخذ ينقل رسالة اللّٰه.‏ هتف قائلا:‏ «وا احشائي،‏ وا احشائي!‏ توجعني جدران قلبي جدا.‏ يجيش قلبي فيّ.‏ لا استطيع السكوت؛‏ لأن نفسي قد سمعت صوت القرن،‏ نفير الحرب».‏ (‏ار ٤:‏١٩‏)‏ فإرميا لم يستطع ان يلزم الصمت فيما البلية تلوح في الافق.‏

      لمَ كان ارميا راسخ الثقة بالنبوات؟‏

      ٥ لمَ كان ارميا متأكدا من الرسالة التي كرز بها؟‏

      ٥ ماذا جعل ارميا متأكدا من تحقق كلماته النبوية؟‏ (‏ار ١:‏١٧؛‏ ٧:‏٣٠؛‏ ٩:‏٢٢‏)‏ يُعزى السبب الى ايمانه القوي ودرسه الاسفار المقدسة التي عرف منها ان يهوه هو إله النبوات الصادقة.‏ فالتاريخ يشهد لقدرته على الإنباء بأحداث بدت مستحيلة من وجهة نظر بشرية،‏ مثل تحرير الاسرائيليين من العبودية في مصر.‏ فقد كان ارميا مطّلعا على الرواية في سفر الخروج وكذلك على كلام يشوع،‏ احد شهود العيان،‏ الذي ذكر لرفقائه الاسرائيليين:‏ «انتم تعلمون بكل قلوبكم وبكل نفوسكم انه لم تسقط كلمة واحدة من جميع الكلام الصالح الذي كلّمكم به يهوه إلهكم.‏ الكل تمّ لكم.‏ لم تسقط منه كلمة واحدة».‏ —‏ يش ٢٣:‏١٤‏.‏

      ٦،‏ ٧ (‏أ)‏ لمَ ينبغي ان نهتم بنبوات ارميا؟‏ (‏ب)‏ ماذا يساعدنا ان نثق بالرسالة التي ننادي بها؟‏

      ٦ فلمَ ينبغي ان تولي نبوات ارميا اهتمامك؟‏ لأسباب عدة.‏ اولا،‏ وثق النبي بمصداقية كلام يهوه ثقة مبنية على اساس راسخ.‏ ثانيا،‏ اوحى اليه اللّٰه بنبوات تتم في ايامنا،‏ فيما ستتحقق اخرى في وقت لاحق.‏ وثالثا،‏ كان ارميا نبيا مميزا بدليل انه تفوّه بعدد كبير من الاعلانات الالهية،‏ مناديا بها بحماسة متقدة.‏ يذكر احد العلماء:‏ «اذا قارنّا ارميا بسائر الانبياء،‏ نجده في منزلة لا تُضاهى».‏ فقد ادى هذا النبي دورا بارزا في تعاملات اللّٰه مع شعبه بحيث ان بعض الذين سمعوا يسوع وهو يتكلم ظنوه النبي ارميا.‏ —‏ مت ١٦:‏​١٣،‏ ١٤‏.‏

      ٧ انت تعيش مثل ارميا في ازمنة تشهد تحقق نبوات هامة في الكتاب المقدس.‏ لذا عليك،‏ اسوة به،‏ ان تظل متأكدا من صدق وعود اللّٰه.‏ (‏٢ بط ٣:‏​٩-‏١٤‏)‏ فكيف تبلغ هذا الهدف؟‏ بالمواظبة على بناء ثقتك بالمصداقية التامة لكلمة اللّٰه النبوية.‏ لذلك سنراجع في هذا الفصل نبوات نقلها ارميا ورأى اتمامها،‏ نبوات تمّت في وقت لاحق،‏ وأخرى تمسّك مباشرة الآن وتؤثّر في مستقبلك.‏ فاستفد من هذه المناقشة وعزّز ثقتك بكلام يهوه النبوي كي يقوى اقتناعك بأنه ‹سيفعل ما قصد›.‏ —‏ مرا ٢:‏١٧‏.‏

      لمَ ارسل اللّٰه انبياء الى شعبه؟‏ ولمَ نحن متأكدون من صحة النبوات عن الدمار الوشيك؟‏

      نبوات ذكرها ارميا ورأى اتمامها

      ٨،‏ ٩ ما هي احدى مزايا الكتاب المقدس؟‏

      ٨ يحاول عديدون استطلاع خفايا المستقبل،‏ امثال علماء الاقتصاد،‏ السياسيين،‏ العرّافين،‏ والخبراء في الارصاد الجوية.‏ ولا شك انك تدرك كم هو صعب التنبؤ بدقة بما قد يحدث بعد ايام او اسابيع قليلة.‏ الا ان النبوات الدقيقة سمة بارزة تميّز الكتاب المقدس.‏ (‏اش ٤١:‏٢٦؛‏ ٤٢:‏٩‏)‏ فكل نبوات ارميا لم تخفق البتة،‏ سواء تحدثت عن المستقبل القريب او البعيد.‏ والكثير منها تناول مصير افراد وشعوب.‏ فلنستعرض اولا بضع نبوات حصلت خلال حياة هذا النبي.‏

      ٩ مَن في وسعه اليوم ان يعرف مشهد العالم بعد سنة او اثنتين؟‏ على سبيل المثال،‏ أيستطيع اي محلِّل في الشؤون الدولية ان يتكهن بدقة عن حدوث تشكيلات جديدة في انظمة الحكم الحالية؟‏ على الارجح لا.‏ اما ارميا فأنبأ بوحي إلهي عن توسّع دائرة نفوذ بابل.‏ فهذه الدولة،‏ حسبما ذكر،‏ كانت «كأس ذهب» سيسكب يهوه بواسطتها سخطه على يهوذا والكثير من المدن والشعوب المجاورة،‏ اذ انها كانت ستُخضعهم لعبوديتها.‏ (‏ار ٥١:‏٧‏)‏ وهذا ما رآه ارميا ومعاصروه يتمّ بحذافيره.‏ —‏ قارن ارميا ٢٥:‏​١٥-‏٢٩؛‏ ٢٧:‏​٣-‏٦؛‏ ٤٦:‏١٣‏.‏

      ١٠ ماذا انبأ يهوه بشأن اربعة من ملوك يهوذا؟‏

      ١٠ اخبر يهوه بفم ارميا ايضا عن مصير اربعة من ملوك يهوذا.‏ فأنبأ ان يهوآحاز،‏ او شلوم،‏ احد ابناء الملك يوشيا،‏ سيؤخذ الى السبي ولن يعود ابدا الى يهوذا.‏ (‏ار ٢٢:‏​١١،‏ ١٢‏)‏ وقد تمّ ذلك.‏ (‏٢ مل ٢٣:‏​٣١-‏٣٤‏)‏ وأعلن ان يهوياقيم،‏ خليفة يهوآحاز،‏ ‹سيُدفن دفن حمار›.‏ (‏ار ٢٢:‏​١٨،‏ ١٩؛‏ ٣٦:‏٣٠‏)‏ ومع ان الكتاب المقدس لا يحدد كيف مات يهوياقيم او ماذا حلّ بجثته،‏ فهو يُظهر ان ابنه يهوياكين تولى الحكم من بعده خلال الحصار.‏ كما ذكر ارميا ان يهوياكين (‏المعروف ايضا بالاسمين كُنيا ويكُنيا)‏ سيُسبى الى بابل ويموت هناك.‏ (‏ار ٢٢:‏​٢٤-‏٢٧؛‏ ٢٤:‏١‏)‏ وهذا ما حدث بالضبط.‏ وماذا عن الملك الاخير صدقيا؟‏ انبأ النبي انه سيُسلم الى يد اعدائه الذين لن يترأفوا به.‏ (‏ار ٢١:‏​١-‏١٠‏)‏ فهل صحّت هذه الكلمات؟‏ بعدما قبض الاعداء على صدقيا،‏ ذبحوا بنيه على مرأى منه،‏ اعموا عينيه،‏ وأخذوه الى بابل حيث مات.‏ (‏ار ٥٢:‏​٨-‏١١‏)‏ نعم،‏ كل هذه النبوات حصلت بالتمام والكمال.‏

      ١١ مَن كان حننيا،‏ وماذا انبأ يهوه بخصوصه؟‏

      ١١ ونقرأ في الاصحاح الـ‍ ٢٨ من سفر ارميا انه خلال حكم صدقيا،‏ نقض النبي الدجال حننيا اعلان يهوه بفم ارميا المتعلق بهيمنة البابليين على اورشليم.‏ فقد زعم،‏ متجاهلا كلام اللّٰه،‏ ان نير العبودية الذي فرضه نبوخذنصر على يهوذا والامم الاخرى سينكسر.‏ ولكن بإرشاد من يهوه،‏ كشف ارميا كذب حننيا،‏ اكد ان امما كثيرة ستخدم البابليين،‏ وأعلم النبي الدجال بموته في غضون سنة.‏ وهكذا حصل.‏ —‏ اقرأ ارميا ٢٨:‏​١٠-‏١٧‏.‏

      ١٢ ماذا كان رد فعل غالبية معاصري ارميا حيال نبوته الرئيسية؟‏

      ١٢ اما النبوة الرئيسية التي نادى بها ارميا فتناولت دمار اورشليم.‏ فمرة بعد اخرى،‏ حذّر النبي من سقوط المدينة ما لم يُقلع اليهود عن الصنمية والظلم والعنف.‏ (‏ار ٤:‏١؛‏ ١٦:‏١٨؛‏ ١٩:‏​٣-‏٥،‏ ١٥‏)‏ لكنّ كثيرين من معاصريه رأوا ان اهلاك المدينة هو من رابع المستحيلات.‏ فالهيكل كان موجودا على ارضها.‏ فهل يُعقل ان يسمح يهوه بتدمير هذا المكان المقدس؟‏ غير انك تعرف ان يهوه لا يكذب.‏ فقد فعل تماما ما قصد.‏ —‏ ار ٥٢:‏​١٢-‏١٤‏.‏

      الصورة في الصفحة ١٦٠

      ايها الوالدون،‏ استخدموا مثال الركابيين وعبد ملك وباروخ في بناء ايمان اولادكم

      ١٣ (‏أ)‏ لمَ ايامنا شبيهة بأيام ارميا؟‏ (‏ب)‏ لمَ ينبغي ان تهمنا الوعود التي قطعها اللّٰه للبعض زمن ارميا؟‏

      ١٣ ان شعب اللّٰه اليوم في وضع شبيه بوضع اوليائه ايام ارميا.‏ فنحن نعرف ان يهوه سيُنزل البلية عما قريب بكل مَن يرفضون الاصغاء الى تحذيراته.‏ مع ذلك،‏ يمكننا ان نتشجع بوعوده النبوية،‏ على غرار اليهود الذين التصقوا بالعبادة النقية زمن ارميا.‏ فالركابيون مثلا ظلوا امناء ليهوه ولوصايا سلفهم،‏ فنالوا وعدا بالنجاة من دمار اورشليم.‏ وقد نجوا بالفعل.‏ وربما يشهد على ذلك ورود الاسم «ملْكيا بن ركاب» في وقت لاحق،‏ رجل ساعد في ترميم اورشليم ايام الوالي نحميا.‏ (‏نح ٣:‏١٤؛‏ ار ٣٥:‏​١٨،‏ ١٩‏)‏ ومثال آخر هو عبد ملك الذي اكد له يهوه خلاصه من الدمار لأنه اتكل عليه ودعم ارميا.‏ (‏ار ٣٨:‏​١١-‏١٣؛‏ ٣٩:‏​١٥-‏١٨‏)‏ ولا ننسَ باروخ،‏ رفيق النبي،‏ الذي وعده اللّٰه ان ‹يعطيه نفسه غنيمة›.‏ (‏ار ٤٥:‏​١،‏ ٥‏)‏ فأي استنتاج تتوصل اليه بعدما رأيت تحقق هذه النبوات؟‏ كيف سيتعامل معك يهوه اذا بقيت امينا له؟‏ —‏ اقرأ ٢ بطرس ٢:‏٩‏.‏

      كيف اثّرت مصداقية نبوات اللّٰه في عبد ملك،‏ باروخ،‏ والركابيين؟‏ وما هو شعوركم تجاه هذه النبوات؟‏

      نبوات تمّت في وقت لاحق

      ١٤ لمَ نبوة اللّٰه عن بابل جديرة بالملاحظة؟‏

      ١٤ انبأ اللّٰه ان نبوخذنصر لن يجتاح يهوذا فحسب بل مصر ايضا.‏ (‏ار ٢٥:‏​١٧-‏١٩‏)‏ الا ان هذه الفكرة بدت مستبعدة جدا.‏ فمصر آنذاك تمتعت بالقوة والنفوذ،‏ حتى انها كانت تُحكم قبضتها على يهوذا.‏ (‏٢ مل ٢٣:‏​٢٩-‏٣٥‏)‏ ولكن اليك ما حدث.‏ بعد سقوط اورشليم،‏ خططت بقية من اليهود لمغادرة ارض يهوذا بحثا عن الامن والسلام في مصر.‏ فنبّههم يهوه من ذلك ووعد بمباركتهم إن بقوا في ارضهم،‏ اما اذا تجاهلوا قوله وهربوا الى هناك،‏ فكان سيدركهم سيف البابليين الذي يخافونه.‏ (‏ار ٤٢:‏​١٠-‏١٦؛‏ ٤٤:‏٣٠‏)‏ وفي حين لم يذكر ارميا في كتاباته انه رأى غزو البابليين لمصر،‏ فالامر المؤكد هو ان اللاجئين الاسرائيليين تفاجأوا بإتمام نبوات يهوه حين قهرت بابل مصر في اوائل القرن السادس قبل الميلاد.‏ —‏ ار ٤٣:‏​٨-‏١٣‏.‏

      ١٥،‏ ١٦ كيف تحققت نبوة اللّٰه عن تحرير شعبه من البابليين؟‏

      ١٥ تحدث ارميا كذلك عن نهاية بابل نفسها،‏ مخبرا بدقة عن سقوطها المفاجئ قبل حوالي مئة سنة.‏ فأنبأ ‹بجفاف› المياه التي كانت تزودها بالحماية وبأن جبابرتها لن يقاتلوا دفاعا عنها.‏ (‏ار ٥٠:‏٣٨؛‏ ٥١:‏٣٠‏)‏ وتحققت هاتان النبوتان بالتفصيل حين حوّل الماديون والفرس مياه نهر الفرات،‏ عبروا قاع النهر،‏ ثم دخلوا المدينة وأخذوا البابليين على حين غرة.‏ كما تفوّه ارميا بنبوة مهمة اخرى قائلا ان هذه المدينة الجبارة ستصبح خربة ولن تُعمر ابدا.‏ (‏ار ٥٠:‏٣٩؛‏ ٥١:‏٢٦‏)‏ وفي الواقع،‏ تؤكد بابل المهجورة حتى هذا اليوم ان النبوات الالهية دقيقة كل الدقة.‏

      ١٦ اعلن يهوه ايضا على لسان ارميا ان شعبه كانوا سيخدمون البابليين ٧٠ سنة،‏ ثم يردّهم الى ارضهم.‏ (‏اقرأ ارميا ٢٥:‏​٨-‏١١؛‏ ٢٩:‏١٠‏.‏‏)‏ وقد وثق دانيال ثقة تامة بهذه النبوة واستخدمها ليحدد متى ينتهي «خراب اورشليم».‏ (‏دا ٩:‏٢‏)‏ وكيف تحققت نبوة الرد هذه؟‏ ذكر عزرا:‏ «لكي تتم كلمة يهوه بفم ارميا،‏ نبّه يهوه روح كورش ملك فارس»،‏ الذي اوقع الهزيمة ببابل،‏ كي يُرجع اليهود الى موطنهم.‏ (‏عز ١:‏​١-‏٤‏)‏ وهناك،‏ كان العائدون سيفرحون وينعمون بالسلام ويردّون العبادة النقية كما سبق فأنبأ ارميا.‏ —‏ ار ٣٠:‏​٨-‏١٠؛‏ ٣١:‏​٣،‏ ١١،‏ ١٢؛‏ ٣٢:‏٣٧‏.‏

      ١٧ اوضحوا كيف ان كلمات ارميا عن ‹البكاء› في الرامة ربما تشير الى مناسبتين مختلفتين.‏

      ١٧ اضف الى ذلك ان ارميا دوّن نبوات حدثت في المستقبل البعيد.‏ ذكر:‏ «هكذا قال يهوه:‏ ‹صوت يُسمع في الرامة،‏ ندب وبكاء مرّ؛‏ راحيل تبكي على ابنائها.‏ قد ابت ان تتعزى عن ابنائها،‏ لأنهم ليسوا بموجودين›».‏ (‏ار ٣١:‏١٥‏)‏ بعد دمار اورشليم سنة ٦٠٧ ق‌م،‏ يبدو ان الاسرى اليهود تجمّعوا في مدينة الرامة الواقعة على بعد نحو ٨ كيلومترات شمال اورشليم،‏ ولعلّ بعضهم قُتلوا هناك.‏ لذا يُحتمل ان هذه الاحداث تمّمت النبوة اتماما اوليا،‏ وكأن راحيل اخذت تبكي على خسارة «ابنائها».‏ ولكن بعد اكثر من ستة قرون،‏ قتل الملك هيرودس الصبيان في بيت لحم.‏ وأوضح متى في انجيله ان كلمات ارميا انبأت عن مشاعر الالم والمرارة جراء هذه المجزرة.‏ —‏ مت ٢:‏​١٦-‏١٨‏.‏

      الصورة في الصفحة ١٦٣

      اين هم الادوميون اليوم؟‏

      ١٨ كيف تمّت نبوة اللّٰه عن أدوم؟‏

      ١٨ ثمة نبوة اخرى ايضا تمّت في القرن الاول للميلاد.‏ فقد تنبأ اللّٰه بواسطة ارميا ان أدوم كانت احدى الامم التي ستشرب كأس الغزو البابلي.‏ (‏ار ٢٥:‏​١٥-‏١٧،‏ ٢١؛‏ ٢٧:‏​١-‏٧‏)‏ غير ان النبوة لم تتوقف عند هذا الحد.‏ فأدوم كانت ستصبح مثل سدوم وعمورة،‏ اي ستُهجر الى الابد وتُمحى من الوجود.‏ (‏ار ٤٩:‏​٧-‏١٠،‏ ١٧،‏ ١٨‏)‏ وهذا ما حصل بالضبط.‏ ابحث اليوم عن الكلمتين «أدوم» و «الادوميون»،‏ فهل تجدهما في الخرائط الحديثة؟‏ كلا،‏ فليس لهما ذكر الا في الكتب التي تتمحور حول الكتاب المقدس والتاريخ القديم،‏ او في الخرائط التي تصوّر تلك الحقبات.‏ فالمؤرخ فلاڤيوس يوسيفوس يروي ان الادوميين أُجبروا على اعتناق الديانة اليهودية في القرن الثاني قبل الميلاد.‏ ومع دمار اورشليم سنة ٧٠ ب‌م،‏ اختفوا كأمة لها كيان قومي.‏

      ١٩ ماذا يكشف سفر ارميا عن قدرة اللّٰه على اتمام النبوات؟‏

      ١٩ كما ترى،‏ يزخر سفر ارميا اصحاحا تلو الآخر بنبوات عن شعوب وأفراد مختلفين.‏ وقد تحققت فعلا غالبية تلك النبوات.‏ وهذه الحقيقة بحد ذاتها تجعل سفر ارميا جديرا باهتمامك ودرسك.‏ فهي تؤكد لك ان إلهك العظيم يهوه فعل وسيفعل ما قصد.‏ (‏اقرأ اشعيا ٤٦:‏​٩-‏١١‏.‏‏)‏ ولا بد ان ذلك يقوّي ثقتك بما ينبئ به الكتاب المقدس.‏ وفي الواقع،‏ ثمة نبوات لإرميا يؤثّر اتمامها فيك الآن وفي المستقبل.‏ فلنتفحص بعضا منها في الجزء الاخير من هذا الفصل.‏

      اية نبوات تمّت بعد موت ارميا،‏ وما اهمية ذلك بالنسبة الينا؟‏

      نبوات تؤثّر في حياتك

      ٢٠-‏٢٢ لمَ يمكن القول ان بعض نبوات الكتاب المقدس،‏ بما فيها نبوات في سفر ارميا،‏ لها اكثر من اتمام واحد؟‏ اوضحوا.‏

      ٢٠ قد يكون لنبوات في الكتاب المقدس اكثر من اتمام واحد.‏ ويصحّ ذلك في الجواب الذي اعطاه يسوع لتلاميذه عن ‹علامة حضوره واختتام نظام الاشياء›.‏ (‏مت ٢٤:‏٣‏)‏ فجوابه شهد اتماما اوليا بين السنتين ٦٦ و ٧٠ ب‌م.‏ ولكن من الواضح انه سيتمّ بعد من بعض النواحي خلال ‹الضيق العظيم› الآتي على كامل النظام الشرير هذا،‏ ضيق «لم يحدث مثله منذ بدء العالم الى الآن،‏ ولن يحدث ثانية».‏ (‏مت ٢٤:‏٢١‏)‏ على نحو مماثل،‏ تمّ عدد من نبوات ارميا بشكل مبدئي سنة ٦٠٧ ق‌م،‏ ولكن كان لها اتمام ثانٍ بعد وقت طويل،‏ كما لاحظنا في النبوة التي تصف «راحيل تبكي على ابنائها».‏ (‏ار ٣١:‏١٥‏)‏ وفي الحقيقة،‏ تفوّه ارميا بتنبؤات تشير الى زمننا هذا وإتمامها يؤثّر فيك شخصيا.‏

      ٢١ نتبيّن ذلك في سفر الرؤيا.‏ فبوحي من اللّٰه،‏ اشار الرسول يوحنا الى نبوات سبق وذكرها ارميا عن نهاية بابل سنة ٥٣٩ ق‌م.‏ فهذا السفر يحوي تناظرات بين تلك الحادثة القديمة وما هو محتوم ان يحصل على نطاق اوسع.‏ وإحدى نبوات ارميا التي تمّت في الازمنة العصرية تتعلق بسقوط امبراطورية عظيمة:‏ الامبراطورية العالمية للدين الباطل،‏ «بابل العظيمة».‏ (‏رؤ ١٤:‏٨؛‏ ١٧:‏​١،‏ ٢،‏ ٥؛‏ ار ٥٠:‏٢؛‏ ٥١:‏٨‏)‏ فقد كان على شعب اللّٰه ان ‹يخرجوا منها› لئلا يلقوا مصيرها.‏ (‏رؤ ١٨:‏​٢،‏ ٤؛‏ ار ٥١:‏٦‏)‏ وأوضحت النبوة ان مياه هذه المدينة —‏ التي ترمز الى سكانها،‏ اي مؤيديها —‏ كانت ‹ستجف وتنضب›.‏ —‏ ار ٥١:‏٣٦؛‏ رؤ ١٦:‏١٢‏.‏

      ٢٢ وننتظر في المستقبل تحقق نبوة اخرى.‏ فقد وعد اللّٰه ان يُنزل انتقامه ببابل العظيمة على اساءتها معاملة شعبه.‏ فهو ‹سيجازيها بحسب كل ما فعلت›.‏ (‏ار ٥٠:‏٢٩؛‏ ٥١:‏٩؛‏ رؤ ١٨:‏٦‏)‏ وكل الاماكن حيث تبسط بابل العظيمة نفوذها ستصبح بمعنى مجازي مقفرة ومهجورة.‏ —‏ ار ٥٠:‏​٣٩،‏ ٤٠‏.‏

      ٢٣ اي رد روحي انبأ به ارميا جرى في القرن العشرين؟‏

      ٢٣ انت تعرف ان لنبوات ارميا وجها ايجابيا ايضا.‏ فقد تنبأ عن رد العبادة الحقة على الارض في ازمنتنا العصرية.‏ فتحرير الاسرى اليهود من مدينة بابل القديمة ناظره تحرير شعب اللّٰه من بابل العظيمة بعدما تأسس الملكوت في السماء.‏ فبمعنى روحي،‏ رد يهوه شعبه الى العبادة النقية،‏ ما ادى الى اعرابهم عن الشكر وتهلّلهم فرحا.‏ وهو يبارك جهودهم في مساعدة الآخرين على تبني عبادته وتزويدهم بالطعام الروحي الجيد.‏ (‏اقرأ ارميا ٣٠:‏​١٨،‏ ١٩‏.‏‏)‏ كما انك تعرف من اختبارك الشخصي كيف ينفّذ يهوه وعده ان يزود شعبه بالرعاة،‏ اي برجال ناضجين روحيا يهتمون حقا بالرعية ويحيطونها بالحماية.‏ —‏ ار ٣:‏١٥؛‏ ٢٣:‏​٣،‏ ٤‏.‏

      ٢٤ اية كلمات قوية قالها ارميا ننتظر حدوثها في المستقبل؟‏

      ٢٤ في الماضي،‏ حملت كلمات يهوه بفم ارميا وعدا بمستقبل افضل للامناء،‏ وتحذيرا من الهلاك للذين لم يصونوا علاقتهم به.‏ والامر مماثل اليوم.‏ فنحن نعي تماما التحذير الذي تتضمنه الكلمات التالية:‏ «يكون قتلى يهوه في ذلك اليوم من اقصى الارض الى اقصى الارض.‏ لا يُندبون ولا يُجمعون ولا يُدفنون.‏ فيصيرون كالزبل على وجه الارض».‏ —‏ ار ٢٥:‏٣٣‏.‏

      ٢٥ ما هي المسؤولية الملقاة على عاتق شعب اللّٰه اليوم؟‏

      ٢٥ نعم،‏ نحن نعيش مثل ارميا في ازمنة حرجة،‏ ورد فعل الناس حيال رسالة يهوه هو مسألة حياة او موت.‏ صحيح اننا لسنا انبياء يوحى اليهم ان يضيفوا الى كلام الحق الاكيد المسطر في الكتاب المقدس،‏ لكننا مفوّضون ان نكرز ببشارة الملكوت كل الايام حتى اختتام نظام الاشياء.‏ (‏مت ٢٨:‏​١٩،‏ ٢٠‏)‏ ولا شك اننا لا نريد ان ‹نسرق كلمات يهوه› مخفين عن الناس ما سيحدث.‏ (‏اقرأ ارميا ٢٣:‏٣٠‏.‏‏)‏ بل نحن مصممون الا ننتقص من قوة كلماته وتأثيرها.‏ وبما ان الكثير من النبوات التي نادى بها ارميا تحققت،‏ فهذا يؤكد لنا ان التي لم تتحقق بعد جديرة تماما بثقتنا.‏ اذًا لنخبر الناس ان اللّٰه سيفعل حتما ‹ما قصد وما امر به منذ ايام القدم›.‏ —‏ مرا ٢:‏١٧‏.‏

      الصورة في الصفحة ١٦٦

      نحن لا ‹نسرق كلمات يهوه› مخفين عن الناس ما سيحدث

      ٢٦ اي وعد سنناقشه في الفصل التالي؟‏

      ٢٦ لن يكتمل تفحصنا لمهمة ارميا ورسالته الا بالاطلاع على وعد يهوه العظيم بقطع ‹عهد جديد› مع شعبه،‏ عهد تُكتب شرائعه في قلوبهم.‏ (‏ار ٣١:‏​٣١-‏٣٣‏)‏ وسنناقش في الفصل التالي هذا الوعد وإتمامه وتأثيرهما المباشر عليك.‏

      اية نبوات في سفر ارميا تمّت في الازمنة العصرية؟‏ وكيف تشعرون بشأن التي لم تتحقق بعد؟‏

  • العهد الجديد يعود عليك بالبركات
    رسالة من اللّٰه بفم ارميا
    • الفصل الرابع عشر

      العهد الجديد يعود عليك بالبركات

      ١ اي مهمة مزدوجة تمّمها ارميا؟‏

      اوكل يهوه الى ارميا مهمة مزدوجة:‏ ان ‹يستأصل ويقوّض ويهلك ويهدم›،‏ ثم ان ‹يبني ويغرس›.‏ فأنجز النبي الجزء الاول من تعيينه حين شهّر شرور اليهود المتكبرين وأعلن دينونة اللّٰه عليهم وكذلك على بابل.‏ الا ان نبواته تضمنت ايضا نظرة مشرقة الى المستقبل.‏ فقد انبأ ببناء وغرس ما قصد اللّٰه ان يبنيه ويغرسه.‏ فهو تحدث مثلا عن رد اليهود الى موطنهم،‏ متمما بذلك الجزء الثاني من تعيينه.‏ —‏ ار ١:‏١٠؛‏ ٣٠:‏​١٧،‏ ١٨‏.‏

      ٢ لمَ عاقب يهوه شعبه،‏ وإلى اي حد؟‏

      ٢ لم تعنِ مناداة ارميا بالرد ان اللّٰه كان سيلين في التعامل مع شعبه او يساير في مقياسه للعدل.‏ فهو كان سينفّذ دينونته في اليهود العصاة.‏ (‏اقرأ ارميا ١٦:‏​١٧،‏ ١٨‏.‏‏)‏ ففي ايام ارميا،‏ قلة في اورشليم ‹عملوا بالعدل› و ‹طلبوا الامانة›.‏ لذا نفد صبر يهوه عليهم قائلا:‏ «قد مللت التأسف».‏ (‏ار ٥:‏١؛‏ ١٥:‏​٦،‏ ٧‏)‏ فهؤلاء اليهود كانوا قد «رجعوا الى ذنوب آبائهم الاولين،‏ الذين أبوا ان يطيعوا» كلامه.‏ كما انهم اثاروا غضبه بارتكابهم الزنى الروحي مع آلهة باطلة.‏ (‏ار ١١:‏١٠؛‏ ٣٤:‏١٨‏)‏ نتيجة ذلك،‏ كان يهوه سيقوّمهم ويعاقبهم «باعتدال» لعلّ البعض يعودون الى رشدهم ويرجعون اليه.‏ —‏ ار ٣٠:‏١١؛‏ ٤٦:‏٢٨‏.‏

      ٣ لمَ ينبغي ان نتأمل في النبوة عن العهد الجديد؟‏

      ٣ استخدم اللّٰه ارميا للإنباء بتدبير فوائده طويلة الامد وواسعة النطاق،‏ ألا وهو العهد الجديد.‏ ولدينا اسباب كثيرة تدعونا الى التركيز على هذا الجانب المبهج من كتابات ارميا النبوية.‏ فالعهد الجديد كان سيحلّ محل العهد الذي قطعه اللّٰه مع الاسرائيليين بعد خروجهم من مصر،‏ وكان موسى وسيطه.‏ (‏اقرأ ارميا ٣١:‏​٣١،‏ ٣٢‏.‏‏)‏ وبما ان يسوع المسيح تحدث عن هذا العهد حين اسس عشاء الرب،‏ فهو حتما يستأهل اهتمامنا.‏ (‏لو ٢٢:‏٢٠‏)‏ كما ان الرسول بولس اقتبس نبوة ارميا عن العهد الجديد في رسالته الى العبرانيين وشدّد على اهميته.‏ (‏عب ٨:‏​٧-‏٩‏)‏ ولكن ما هو العهد الجديد بالضبط؟‏ لمَ نشأت الحاجة اليه؟‏ مَن يدخلون فيه،‏ وكيف تستفيد شخصيا من بركاته؟‏ لنرَ معا الاجوبة عن هذه الاسئلة.‏

      ما الداعي الى العهد الجديد؟‏

      ٤ ماذا حقق عهد الشريعة؟‏

      ٤ كي نفهم العهد الجديد،‏ يلزم اولا ان نعرف القصد من العهد السابق،‏ اي عهد الشريعة.‏ فقد كان الغرض منه تحقيق اهداف مختلفة للامة التي انتظرت نسلا موعودا به يتبارك بواسطته كثيرون.‏ (‏تك ٢٢:‏​١٧،‏ ١٨‏)‏ فبقبول الاسرائيليين عهد الشريعة،‏ اصبحوا «ملكا خاصا» للّٰه.‏ ونصّ هذا العهد ان يخدم البعض من سبط لاوي كهنة للامة.‏ فحين ابرم يهوه عهد الشريعة عند جبل سيناء،‏ اتى على ذكر «مملكة كهنة وأمة مقدسة»،‏ غير انه لم يكشف متى وكيف كانت ستتحقق هذه الكلمات.‏ (‏خر ١٩:‏​٥-‏٨‏)‏ ولكن الى ان تشكّلت مملكة الكهنة هذه،‏ بيّن العهد بشكل جليّ عجز الاسرائيليين عن حفظ الشريعة كاملا،‏ مظهرا بالتالي تعدياتهم.‏ لذا وجب عليهم بحسب الشريعة ان يقرّبوا الذبائح بانتظام تكفيرا عن خطاياهم.‏ رغم ذلك،‏ بدا واضحا ان ثمة حاجة الى ذبيحة اعظم بكثير،‏ ذبيحة كاملة تقدَّم مرة وإلى الابد.‏ نعم،‏ كانت هناك حاجة ماسة الى غفران دائم للخطايا.‏ —‏ غل ٣:‏​١٩-‏٢٢‏.‏

      ٥ لمَ انبأ يهوه بالعهد الجديد؟‏

      ٥ من هنا بدأنا نفهم لمَ اوحى اللّٰه الى ارميا ان يتنبأ عن عهد جديد،‏ مع ان عهد الشريعة كان لا يزال ساري المفعول.‏ فهو اراد بدافع محبته ولطفه الا يقصر غفرانه الدائم على امة واحدة.‏ قال من خلال ارميا بشأن الذين سيشملهم العهد الجديد:‏ «اغفرُ ذنبهم،‏ ولا اذكر خطيتهم بعد».‏ (‏ار ٣١:‏٣٤‏)‏ صحيح ان هذا الوعد أُعطي زمن النبي،‏ لكنه يحمل رجاء رائعا للبشر اجمعين.‏ كيف ذلك؟‏

      ٦،‏ ٧ (‏أ)‏ كيف يشعر البعض بشأن حالتهم الخاطئة؟‏ (‏ب)‏ لمَ التأمل في العهد الجديد يمدنا بالتشجيع؟‏

      ٦ نحن لا نزال اشخاصا ناقصين وغالبا ما نلمس تأثير نقصنا هذا.‏ تأمل في مثال اخ صارع فترة من الوقت عادة شخصية غير لائقة.‏ يذكر:‏ «كان ينتابني شعور رهيب بعد كل انتكاسة.‏ فاعتقدتُ انني لن استطيع مطلقا تصحيح الخطإ الذي ارتكبته.‏ كما انني صرت أستصعب الصلاة،‏ فكنت ابدأ بالقول:‏ ‹يا يهوه،‏ لا ادري إن كنت تصغي الى صلاتي،‏ لكن  .‏ .‏ .‏›».‏ يشعر بعض الذين يمرّون بانتكاسات او يقترفون الاخطاء وكأن ‹غيما› يحول دون وصول صلواتهم الى اللّٰه.‏ (‏مرا ٣:‏٤٤‏)‏ ويحسّ آخرون ان ذكريات اخطائهم الماضية تلاحقهم كظلهم رغم انقضاء سنوات عليها.‏ حتى المسيحيون المثاليون في العادة قد يصدر عنهم كلام يندمون عليه لاحقا.‏ —‏ يع ٣:‏​٥-‏١٠‏.‏

      ٧ فلا يحسب اي منا انه محصن ضد الانجراف في مسلك خاطئ.‏ (‏١ كو ١٠:‏١٢‏)‏ فالرسول بولس ايضا ادرك انه ارتكب الآثام.‏ (‏اقرأ روما ٧:‏​٢١-‏٢٥‏.‏‏)‏ هنا تبرز اهمية العهد الجديد.‏ فأحد اوجهه الرئيسية هو ان اللّٰه لن يذكر الخطايا بعد.‏ فيا لها من بركة لا تقدّر بثمن!‏ ومثلما تشجع ارميا دون شك حين انبأ بهذه الكلمات،‏ كذلك نتشجع نحن فيما نتعلم المزيد عن هذا العهد ونرى كيف لنا الاستفادة منه.‏

      لمَ اسس اللّٰه عهدا جديدا؟‏

      ما هو العهد الجديد؟‏

      ٨،‏ ٩ اي ثمن باهظ دفعه يهوه كي يمنح الغفران؟‏

      ٨ كلما توثقت معرفتك بيهوه،‏ ادركتَ كم هو لطيف ورحوم تجاه البشر الناقصين.‏ (‏مز ١٠٣:‏​١٣،‏ ١٤‏)‏ فعندما تحدث ارميا عن العهد الجديد،‏ ابرز ان يهوه ‹سيغفر الذنوب ولن يذكر الخطايا بعد›.‏ (‏ار ٣١:‏٣٤‏)‏ ولربما تساءل النبي كيف سيمنح يهوه هذا الغفران.‏ ولكن على الاقل،‏ فهم ان العهد الجديد اشار الى وجود اتفاق او عقد بين اللّٰه والبشر.‏ وعلى اساس هذا العهد،‏ كان يهوه سيحقق بطريقة او بأخرى ما اوحى به الى ارميا،‏ بما في ذلك غفران الخطايا.‏ اما التفاصيل الاخرى فكانت ستنجلي حين يكشف اللّٰه المزيد عن قصده الذي يشمل ما سيفعله المسيّا.‏

      ٩ لعلك ترى والدين يدللون اولادهم بإفراط او يتجاهلون مسؤولياتهم الابوية تجاههم.‏ فهل يُعقل ان يتصرف يهوه مثلهم؟‏ قطعا لا.‏ يتضح ذلك مما فعله كي يجعل العهد الجديد ساري المفعول.‏ فعوض ان يلغي الخطايا بكل بساطة،‏ تمّم بدقة مقياسه للعدل وزود الاساس الشرعي للغفران،‏ مقدّما تضحية غالية من اجلنا.‏ ويلقي بولس المزيد من الضوء على هذه الفكرة في معرض كلامه عن العهد الجديد.‏ (‏اقرأ عبرانيين ٩:‏​١٥،‏ ٢٢،‏ ٢٨‏.‏‏)‏ فقد تحدث عن ‹الفداء›،‏ وقال انه «بدون إراقة دم لا تحصل مغفرة».‏ لكنه لم يقصد دم الثيران والمعزى التي كانت تُقدَّم ذبائح بموجب الشريعة.‏ فالعهد الجديد اصبح نافذ المفعول بواسطة دم يسوع.‏ وعلى اساس هذه الذبيحة الكاملة،‏ يمكن ليهوه ان ‹يغفر الذنوب والخطايا› غفرانا دائما.‏ (‏اع ٢:‏٣٨؛‏ ٣:‏١٩‏)‏ ولكن مَن كانوا سيدخلون في العهد الجديد وينالون هذا الغفران؟‏ ليست الامة اليهودية.‏ فيسوع قال ان اللّٰه سيرفض اليهود الذين كانوا يقرّبون ذبائح حيوانية وفقا للشريعة،‏ ويستبدلهم بأمة اخرى.‏ (‏مت ٢١:‏٤٣؛‏ اع ٣:‏​١٣-‏١٥‏)‏ وتبيّن ان هذه الامة هي «اسرائيل اللّٰه» المؤلفة من مسيحيين ممسوحين بالروح القدس.‏ بكلمات بسيطة،‏ كان عهد الشريعة بين اللّٰه وإسرائيل الطبيعي،‏ في حين ان العهد الجديد هو بين اللّٰه وإسرائيل الروحي ويسوع هو وسيطه.‏ —‏ غل ٦:‏١٦؛‏ رو ٩:‏٦‏.‏

      الصورة في الصفحة ١٧٢

      ١٠ (‏أ)‏ مَن هو ‹الفرخ› الذي أُقيم لداود؟‏ (‏ب)‏ كيف يستفيد البشر من هذا ‹الفرخ›؟‏

      ١٠ وصف ارميا الشخص الآتي،‏ اي المسيّا،‏ بأنه ‹فرخ› أُقيم لداود.‏ وهذا الوصف في محله.‏ صحيح ان شجرة عائلة داود الملكية قُطعت فيما كان ارميا يخدم نبيا،‏ الا ان ارومتها بقيت.‏ فمع الوقت،‏ وُلد يسوع في سلالة داود.‏ ودُعي «يهوه برنا»،‏ ما يبرز اهتمام يهوه العميق بهذه الصفة.‏ (‏اقرأ ارميا ٢٣:‏​٥،‏ ٦‏.‏‏)‏ فهو سمح لابنه مولوده الوحيد ان يقاسي الالم على الارض ويموت.‏ ثم استخدم،‏ بانسجام مع بره وعدله،‏ قيمة الذبيحة الفدائية ‹لفرخ› داود هذا كأساس للغفران.‏ (‏ار ٣٣:‏١٥‏)‏ وهكذا فسح المجال للبعض ان ‹يتبرروا للحياة› ويُمسحوا بالروح القدس ويصيروا بالتالي طرفا في العهد الجديد.‏ ولكن ثمة دليل اضافي يبرهن اهتمام اللّٰه بالبر.‏ فقد سمح لآخرين ايضا ليسوا طرفا مباشرا في العهد ان يتمتعوا بفوائده وبركاته كما سنرى في بقية الفصل.‏ —‏ رو ٥:‏١٨‏.‏

      الصورة في الصفحة ١٧٤

      تدفعنا «شريعة المسيح» الى خدمة يهوه طوعا

      ١١ (‏أ)‏ اين تُكتب شريعة العهد الجديد؟‏ (‏ب)‏ لمَ يهتم ‹الخراف الاخر› بشريعة العهد الجديد؟‏

      ١١ هل تود ان تعرف اوجها مميزة اخرى للعهد الجديد؟‏ ان احد الفروقات الرئيسية بينه وبين عهد الشريعة الموسوية هو مكان كتابة كل منهما.‏ (‏اقرأ ارميا ٣١:‏٣٣‏.‏‏)‏ فبينما نُقشت الوصايا العشر على لوحَي حجر اختفى اثرهما بمرور الوقت،‏ تنبأ ارميا ان شريعة العهد الجديد ستُكتب في قلوب البشر حيث تبقى على الدوام.‏ والمسيحيون الممسوحون الذين هم طرف في العهد يقدّرون هذه الشريعة حق التقدير.‏ ولكن ماذا عمّن ليسوا معنيين مباشرة بهذا العهد،‏ اي ‹الخراف الاخر› الذين يرجون العيش على الارض الى الابد؟‏ (‏يو ١٠:‏١٦‏)‏ هؤلاء ايضا يجدون المسرة في شريعة اللّٰه.‏ فهم شبيهون بالغرباء في اسرائيل الذين قبلوا الشريعة الموسوية واستفادوا منها.‏ —‏ لا ٢٤:‏٢٢؛‏ عد ١٥:‏١٥‏.‏

      ١٢،‏ ١٣ (‏أ)‏ ما هي شريعة العهد الجديد؟‏ (‏ب)‏ لمَ الذين هم تحت «شريعة المسيح» لا يُجبرون على خدمة اللّٰه؟‏

      ١٢ ولكن ما هي هذه الشريعة التي تُحفر في قلوب الممسوحين؟‏ انها تُدعى ايضا «شريعة المسيح»،‏ وقد أُعطيت اولا للاسرائيليين الروحيين الذين هم في العهد الجديد.‏ (‏غل ٦:‏٢؛‏ رو ٢:‏​٢٨،‏ ٢٩‏)‏ ويمكن تلخيصها بكلمة واحدة:‏ المحبة.‏ (‏مت ٢٢:‏​٣٦-‏٣٩‏)‏ وكيف تُكتب في قلوب الممسوحين؟‏ بشكل اساسي،‏ من خلال درسهم كلمة يهوه واقترابهم اليه في الصلاة.‏ لذلك ينبغي ان يكون هذان الوجهان للعبادة الحقة جزءا لا يتجزأ من حياة كافة المسيحيين الحقيقيين،‏ حتى الذين ليسوا في العهد الجديد ويريدون الاستفادة منه.‏

      ١٣ ويُشار الى «شريعة المسيح» بأنها «الشريعة الكاملة،‏ شريعة الحرية» و «شريعة شعب حر».‏ (‏يع ١:‏٢٥؛‏ ٢:‏١٢‏)‏ ففي حين ان كثيرين وُلدوا خاضعين للشريعة الموسوية،‏ ما من احد يُولد في العهد الجديد او تحت حكم شريعة المسيح.‏ فكل الذين يختارون اطاعة هذه الشريعة لا يُجبرون على خدمة اللّٰه.‏ بالاحرى،‏ يفرحون حين يعرفون ان شريعته تُكتب في القلوب،‏ وأن بركات العهد الدائمة التي انبأ بها ارميا متاحة للبشر اليوم.‏

      كيف اتاح اللّٰه الغفران بواسطة العهد الجديد؟‏ وكيف نتعلم عن الشريعة التي تُكتب في القلوب؟‏

      المستفيدون من العهد الجديد

      ١٤ مَن يستفيدون من العهد الجديد؟‏

      ١٤ حين علم البعض ان ٠٠٠‏,١٤٤ شخص فقط يدخلون في العهد الجديد،‏ ظنوا ان فوائده محصورة فيهم.‏ ولعلهم فكروا بهذه الطريقة لأن وحدهم الممسوحين يتناولون من الرمزين خلال الذكرى السنوية لموت المسيح،‏ حيث يمثّل الخمر ‹الدم الذي للعهد›.‏ (‏مر ١٤:‏٢٤‏)‏ ولكن تذكّر ان الذين في العهد الجديد هم شركاء مع يسوع بصفته «نسل» ابراهيم الذي به ستتبارك جميع الامم.‏ (‏غل ٣:‏​٨،‏ ٩،‏ ٢٩؛‏ تك ١٢:‏٣‏)‏ من هنا نستنتج ان يهوه،‏ على اساس العهد الجديد،‏ سينفّذ وعده بمباركة كل البشر بواسطة «نسل» ابراهيم.‏

      ١٥ اي دور منبإ به سيؤديه الممسوحون؟‏

      ١٥ ان يسوع المسيح،‏ الجزء الرئيسي من نسل ابراهيم،‏ يخدم كرئيس كهنة.‏ وهو زود الذبيحة الكاملة التي تتيح غفران الخطايا والذنوب.‏ (‏اقرأ عبرانيين ٢:‏​١٧،‏ ١٨‏.‏‏)‏ الا ان اللّٰه تحدث منذ ايام الاسرائيليين عن «مملكة كهنة وأمة مقدسة».‏ (‏خر ١٩:‏٦‏)‏ وبما ان الكهنة آنذاك تحدروا من سبط والملوك من سبط آخر،‏ فكيف كانت ستتشكل هذه الامة المؤلفة من ملوك كهنة؟‏ وجّه الرسول بطرس رسالته الاولى الى اشخاص قُدّسوا بالروح.‏ (‏١ بط ١:‏​١،‏ ٢‏)‏ وأشار اليهم بأنهم «كهنوت ملكي،‏ امة مقدسة،‏ شعب اقتناء».‏ (‏١ بط ٢:‏٩‏)‏ بناء على ذلك،‏ سيخدم الممسوحون في ظل العهد الجديد كهنة معاونين للمسيح.‏ تأمل كم هي مشجعة هذه الفكرة.‏ فنحن نعاني يوميا من تأثيرات الخطية التي لا تزال ‹تملك› علينا.‏ وهؤلاء الكهنة المعاونون هم اساسا بشر مثلنا.‏ (‏رو ٥:‏٢١‏)‏ لذا سيتفهمون مشاعرنا حين نقترف الاخطاء ويتأكّلنا الاحساس بالذنب.‏ وسيتعاطفون معنا هم ويسوع المسيح فيما نسعى الى التغلب على ميولنا الخاطئة.‏

      ١٦ اي تشجيع يستمده ‹الجمع الكثير› من الرؤيا ٧:‏​٩،‏ ١٤‏؟‏

      ١٦ في الرؤيا ٧:‏​٩،‏ ١٤‏،‏ يرى الرسول يوحنا ‹الجمع الكثير لابسين حللا بيضاء›،‏ ما يشير الى حيازتهم موقفا طاهرا امام اللّٰه.‏ واليوم،‏ يُجمَع افراد هذا الفريق الذين يرجون النجاة من «الضيق العظيم».‏ فهم يتمتعون الى حد ما بموقف بار امام يهوه حتى في الوقت الحاضر،‏ اذ يتبررون كأصدقاء له.‏ (‏رو ٤:‏​٢،‏ ٣؛‏ يع ٢:‏٢٣‏)‏ ويا لها من بركة رائعة!‏ فإذا كنت من الجمع الكثير،‏ فثق ان اللّٰه مستعد ان يدعمك فيما تجاهد للبقاء طاهرا في عينيه.‏

      ١٧ بأي معنى لا ‹يذكر› يهوه الخطايا بعد؟‏

      ١٧ وماذا يحلّ بخطايا الذين يرضى عنهم اللّٰه؟‏ كما تبيّن سابقا،‏ قال يهوه على لسان ارميا:‏ «اغفرُ ذنبهم،‏ ولا اذكر خطيتهم بعد».‏ (‏ار ٣١:‏٣٤‏)‏ فمثلما يسامح اللّٰه الممسوحين على اساس ذبيحة يسوع،‏ كذلك يغفر ذنوب الجمع الكثير على الاساس عينه:‏ ‹الدم الذي للعهد›.‏ لكنّ قول ارميا ان يهوه لن ‹يذكر› الخطايا بعد لا يشير ان اللّٰه سيفقد ذاكرته ولن يستطيع بالتالي استرجاع الآثام.‏ بل يعني انه يطرح الخطية وراء ظهره حين يقدّم التأديب اللازم ويصفح عن الخاطئ التائب.‏ تأمل في الملك داود الذي زنى مع بثشبع وقتل زوجها اوريا.‏ فهو نال التأديب وحصد عواقب افعاله.‏ (‏٢ صم ١١:‏​٤،‏ ١٥،‏ ٢٧؛‏ ١٢:‏​٩-‏١٤؛‏ اش ٣٨:‏١٧‏)‏ الا ان اللّٰه لم يحاسبه على هذه الخطايا مرة اخرى في المستقبل.‏ (‏اقرأ ٢ اخبار الايام ٧:‏​١٧،‏ ١٨‏.‏‏)‏ فاستنادا الى العهد الجديد،‏ متى يتجاوز يهوه عن الخطايا على اساس ذبيحة يسوع فلا يعود يتذكرها اطلاقا.‏ —‏ حز ١٨:‏​٢١،‏ ٢٢‏.‏

      ١٨،‏ ١٩ ماذا يعلّمنا العهد الجديد عن الغفران؟‏

      ١٨ بناء على ما سبق،‏ يُبرز العهد الجديد وجها رائعا لتعاملات يهوه مع البشر الخطاة،‏ أكانوا من الممسوحين الذين هم في العهد ام من المسيحيين ذوي الرجاء الارضي.‏ ففي وسعك الثقة ان يهوه لن يذكّر نفسه بخطاياك التي عفا عنها.‏ فأي درس مهم نتعلّمه من هذا العهد؟‏ ليسأل كل منا نفسه:‏ ‹هل اسعى الى الاقتداء بيهوه فأتجنب نبش الماضي وتذكّر الاساءات التي غفرتها للآخرين؟‏›.‏ (‏مت ٦:‏​١٤،‏ ١٥‏)‏ لا ينطبق ذلك على الاساءات الطفيفة فحسب،‏ بل على الخطيرة ايضا،‏ كما حين يرتكب احد رفيقي الزواج خطية الزنى.‏ فإذا سامح الطرف البريء شريكه التائب،‏ أفليس من الصواب الا ‹يذكر الخطية بعد›؟‏ طبعا،‏ ليس سهلا على المرء نسيان الاذية،‏ لكنها طريقة مهمة يتمثل من خلالها بيهوه.‏a

      ١٩ يمكن تطبيق هذا الدرس ايضا حين يتوب احد المفصولين ويعود الى الجماعة.‏ فماذا لو كان هذا الشخص قد ألحق بنا الخسائر او لطّخ سمعتنا بطريقة ما؟‏ كيف تؤثّر كلمات ارميا ٣١:‏٣٤ في طريقة تفكيرنا وتصرفنا معه بعد رجوعه الى كنف الجماعة؟‏ هل نغفر له ذنبه ولا نعود نتذكر خطأه؟‏ (‏٢ كو ٢:‏​٦-‏٨‏)‏ في الواقع،‏ ينبغي لكل الذين يقدّرون العهد الجديد ان يحاولوا تطبيق هذا الدرس في حياتهم اليومية.‏

      كيف نطبق الدرس الذي تعلمناه من العهد الجديد عن الغفران؟‏

      بركات العهد الجديد الآن وفي المستقبل

      ٢٠ كيف يختلف موقفنا عن كثيرين ايام ارميا؟‏

      ٢٠ في ايام ارميا،‏ اعتاد يهود كثيرون ان يقولوا:‏ «يهوه لا يحسن ولا يسيء».‏ (‏صف ١:‏١٢‏)‏ فمع انهم كانوا يعرفون يهوه وصفاته الى حد ما،‏ اعتقدوا انه لن يتخذ اي اجراء ولن يتوقع منهم العيش بمقتضى مقاييسه.‏ لكنك تعرف ان ما من شيء الا ويراه اللّٰه.‏ ولا بد انك تخافه خوفا متسما بالاحترام ولا تريد حتما ان تخطئ اليه.‏ (‏ار ١٦:‏١٧‏)‏ ولكن في الوقت عينه،‏ انت تدرك ان يهوه اب محب يلاحظ اعمالك الصالحة سواء رآها الآخرون او لا.‏ —‏ ٢ اخ ١٦:‏٩‏.‏

      الصورة في الصفحة ١٧٩

      كل الذين يخدمون اللّٰه بأمانة سينعمون ببركاته في المستقبل

      ٢١،‏ ٢٢ لماذا ما عدنا بحاجة ان يُقال لنا «اعرفوا يهوه»؟‏

      ٢١ توضح هذه الكلمات وجها مهما للعهد الجديد:‏ «اجعلُ شريعتي في داخلهم،‏ وأكتبها في قلوبهم.‏ وأكون إلههم .‏ .‏ .‏ ولا يعلّمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد اخاه،‏ قائلين:‏ ‹اعرفوا يهوه!‏›؛‏ لأنهم جميعهم سيعرفونني».‏ (‏ار ٣١:‏​٣٣،‏ ٣٤‏)‏ يُظهر الممسوحون على الارض اليوم ان شريعة اللّٰه في داخلهم.‏ فهم يحبّون الحقائق المسطرة فيها ولا يتكلون على تعاليم البشر.‏ كما ينقلون بفرح معرفة الكتاب المقدس الى الذين يؤلفون الجمع الكثير.‏ وهكذا،‏ صار ذوو الرجاء الارضي ايضا يعرفون يهوه ويحبّونه.‏ فهم يطيعون ارشاده طوعا ويثقون بوعوده.‏ ومن المرجح ان هذه الكلمات تصحّ فيك.‏ فأنت تعرف يهوه معرفة وثيقة وتربطك به علاقة لصيقة.‏ فما اروع هذه البركة!‏

      ٢٢ وكيف اصبحت علاقتك بيهوه قوية؟‏ لا شك انك تتذكر اوقاتا لمست فيها استجابته لصلواتك.‏ وهذه الاختبارات عمّقت تقديرك له ولمزاياه.‏ ولعلك شعرت بدعمه حين خطرت لك آية ساعدتك على تخطي محنة ما.‏ فانظر الى مناسبات كهذه بإعزاز وتقدير.‏ وفيما تداوم على درس كلمته،‏ تنمو معرفتك عنه اكثر فأكثر،‏ وهذه بركة لا نهاية لها.‏

      ٢٣ كيف تساعدنا معرفة يهوه على التخلص من مشاعر مزعجة لا لزوم لها؟‏

      ٢٣ يعود علينا العهد الجديد ببركة اخرى في وسعنا ان ننعم بها الآن.‏ فمعرفة يهوه كإله يبسط الغفران على اساس هذا العهد تساعدنا على التخلص من مشاعر الذنب التي تستأثر بنا.‏ فثمة نساء أجرين عمليات اجهاض قبل ان يعرفن مقاييس اللّٰه.‏ وهنّ يشعرن بالذنب والحزن لأنهن أنهين عمدا حياة طفل كان ينمو في احشائهن.‏ وتساور آخرين احاسيس مماثلة لأنهم قتلوا كثيرين حين كانوا يشتركون في الحروب.‏ ولكن لا ننسَ ان ذبيحة يسوع الفدائية،‏ الركن الاساسي في العهد الجديد،‏ تتيح الغفران للتائبين توبة صادقة.‏ فلنكن متأكدين ان يهوه يطوي صفحة الماضي نهائيا ما إن يتجاوز عن خطايانا.‏ لذا ينبغي الا ندع هذه الخطايا التي غفرها بسخاء تشغل بالنا وتقضّ مضجعنا.‏

      ٢٤ اي تشجيع نستمده من كلمات ارميا ٣١:‏٢٠‏؟‏

      ٢٤ نجد دليلا حيا على غفران اللّٰه في ارميا ٣١:‏٢٠‏.‏ (‏اقرأها.‏‏)‏ فقبل عقود من زمن ارميا،‏ عاقب يهوه مملكة اسرائيل الشمالية ذات العشرة اسباط (‏التي يمثّلها افرايم،‏ السبط الابرز)‏ على ارتكابهم الصنمية،‏ سامحا بسبيهم على يد الاشوريين.‏ لكنه كان شديد التعلق بهم وأظهر لهم المودة والحنان.‏ فقد ظل يعزّهم مثل «ولد محاط بالحنو».‏ فكان حين يفكر فيهم،‏ ‹تجيش› احشاؤه عليهم،‏ اي يتأثر في اعماقه اشتياقا اليهم.‏ أفلا تُظهر هذه الرواية المدونة في سياق الكلام عن العهد الجديد كم يهوه سمح ورحب الصدر حيال التائبين عن مسلكهم الخاطئ؟‏

      ٢٥ لمَ نحن ممتنون ليهوه على العهد الجديد؟‏

      ٢٥ ان وعد يهوه بغفران الخطايا من خلال العهد الجديد سيتمّ اتماما كاملا عند نهاية حكم المسيح الالفي.‏ ففي ذلك الوقت،‏ سيكون يسوع المسيح والكهنة المعاونون الـ‍ ٠٠٠‏,١٤٤ قد رفعوا البشر الامناء الى الكمال.‏ وبعد الامتحان النهائي،‏ يصبح هؤلاء البشر بكل معنى الكلمة اعضاء في عائلة يهوه الكونية.‏ (‏اقرأ روما ٨:‏​١٩-‏٢٢‏.‏‏)‏ فبعد ان ظلت خليقة يهوه البشرية تئن لقرون تحت وطأة الخطية،‏ ستنال آنذاك «الحرية المجيدة لأولاد اللّٰه»،‏ الحرية من الخطية والموت.‏ فما اكثر البركات التي يغدقها علينا ترتيب العهد الجديد الحبي!‏ فبواسطة ‹الفرخ› الذي أُقيم لداود،‏ بإمكاننا ان ننعم بفوائد هذا العهد الآن وإلى الابد ونتمتع ‹بالبر في الارض›.‏

      كيف يعود علينا العهد الجديد بالبركات الآن وفي المستقبل؟‏

      a يتضح استعداد اللّٰه للغفران في ما فعله هوشع مع جومر.‏ انظر التعليقات على هوشع ٢:‏​١٤-‏١٦ في كتاب أبقِ يوم يهوه في ذهنك،‏ الصفحات ١٢٨-‏١٣٠‏.‏

  • ‏«لا استطيع السكوت»‏
    رسالة من اللّٰه بفم ارميا
    • الفصل الخامس عشر

      ‏«لا استطيع السكوت»‏

      ١ لماذا لم يستطع ارميا وأنبياء آخرون التزام الصمت؟‏

      ‏«اسمعوا كلمة يهوه».‏ دوّت كلمات ارميا هذه في شوارع وساحات اورشليم بدءا من سنة ٦٤٧ ق‌م.‏ حتى حين دُمرت المدينة بعد ٤٠ سنة،‏ كرر النبي الحضّ عينه بكل غيرة وحماسة.‏ (‏ار ٢:‏٤؛‏ ٤٢:‏١٥‏)‏ فاللّٰه الكلي القدرة ارسل انبياء الى اليهود آملا ان يسمعوا مشورته ويتوبوا.‏ وكما تبيّن سابقا في هذا الكتاب،‏ كان ارميا عنوانا للنبي المجتهد في خدمته.‏ قال له اللّٰه حين اعطاه تعيينه:‏ «قم وكلّمهم بكل ما آمرك انا به.‏ لا ترتع منهم البتة».‏ (‏ار ١:‏١٧‏)‏ ومع ان النبي صرف الكثير من الوقت والجهد في عمله وعانى ألما جسديا وعاطفيا،‏ لم يتراخَ عن انجاز تفويضه.‏ فقد قال:‏ «يجيش قلبي فيّ.‏ لا استطيع السكوت».‏ —‏ ار ٤:‏١٩‏.‏

      ٢،‏ ٣ (‏أ)‏ كيف اقتدى تلميذان ليسوع بالنبي ارميا؟‏ (‏ب)‏ لمَ يجب علينا اتباع مثال ارميا؟‏

      ٢ بإتمام ارميا تعيينه النبوي،‏ رسم مثالا رائعا لخدام آخرين ليهوه عاشوا في حقبة لاحقة.‏ (‏يع ٥:‏١٠‏)‏ فبُعيد يوم الخمسين سنة ٣٣ ب‌م،‏ اعتقلت السلطات اليهودية الرسولين بطرس ويوحنا وأمرتهما بالتوقف عن الكرازة.‏ ولا بد انك تعرف رد فعلهما.‏ فقد قالا:‏ «لا نقدر ان نكف عن التكلم بما رأينا وسمعنا».‏ (‏اع ٤:‏​١٩،‏ ٢٠‏)‏ وبعدما هددتهما السلطات بمعاملة اسوأ في المرة التالية،‏ اطلقت سراحهما.‏ فماذا فعل هذان الرجلان الامينان؟‏ واصلا بكل عزم الكرازة بالبشارة.‏

      ٣ هل لاحظت كيف تعكس كلمات بطرس ويوحنا في اعمال ٤:‏٢٠ حماسة ارميا المتقدة؟‏ أولستَ مصمما مثلهم على ‹عدم السكوت› بصفتك خادما ليهوه اللّٰه في هذه الايام الاخيرة الحاسمة؟‏ سنرى في هذا الفصل كيف لنا ان نتسلح بمثل شجاعة ارميا كي نستمر في المناداة بالبشارة رغم الاحوال المتردية حولنا.‏

      ثابرْ رغم اللامبالاة

      ٤ ماذا كان الموقف الشائع في اورشليم قديما؟‏

      ٤ نحن مقتنعون ان وعد اللّٰه بمستقبل رائع في ظل حكم ابنه هو افضل خبر على الاطلاق.‏ لكنّ كثيرين اليوم لسان حالهم ما قاله عدد من اليهود لإرميا:‏ «الكلمة التي كلّمتنا بها باسم يهوه لا نسمع لك فيها».‏ (‏ار ٢٩:‏١٩؛‏ ٤٤:‏١٦‏)‏ ومثلما كانت قلة الاكتراث سائدة زمن ارميا،‏ كذلك هي في ايامنا.‏ فغالبا ما يلقى خدام يهوه رد الفعل القائل:‏ «لست مهتما».‏ ويمكن لهذه اللامبالاة المستفحلة بين الناس ان تُفتر غيرة ناشري الملكوت.‏ فما العمل اذا كانت قلة الاهتمام في مقاطعتك تضعف حماسة البعض في جماعتك او حماستك انت شخصيا؟‏

      ٥ (‏أ)‏ كيف فكّر ارميا حيال لامبالاة الناس؟‏ (‏ب)‏ لمَ الذين لا يكترثون بالبشارة هم في خطر كبير؟‏

      ٥ تأمل كيف فكّر ارميا لئلا يتأثر بشعب يهوذا اللامبالين في غالبيتهم.‏ ففي بداية خدمته النبوية،‏ اعطاه يهوه لمحة عن الدينونة الالهية القادمة.‏ (‏اقرأ ارميا ٤:‏​٢٣-‏٢٦‏.‏‏)‏ فأدرك النبي ان حياة الآلاف كانت متوقفة على سماعهم كلامه والعمل بموجبه.‏ ينطبق الامر عينه على الناس في زمننا،‏ بمَن فيهم الذين في مقاطعتك.‏ قال يسوع عن «ذلك اليوم» الذي فيه سيُنزل اللّٰه دينونته بالعالم الشرير الحاضر:‏ «يأتي على جميع الساكنين على وجه الارض كلها.‏ فابقوا مستيقظين،‏ متضرعين في كل وقت،‏ لكي تتمكنوا من الافلات من كل هذا المحتوم ان يكون،‏ ومن الوقوف امام ابن الانسان».‏ (‏لو ٢١:‏​٣٤-‏٣٦‏)‏ أفلا يتضح من هذه الكلمات ان الذين يرفضون البشارة بقلة اكتراث هم في خطر كبير؟‏

      من اللامبالاة الى الاهتمام

      ذكرت امرأة في نيوزيلندا انها اصبحت مهتمة بالحق مع انه لم يسبق لها ان اصغت الى الشهود من قبل.‏ فقد حضرت مؤخرا مأتم احدى الاخوات بحكم ان زوجها يعمل مع زوج الاخت الميتة.‏ فلاحظت ان كثيرين شجعوا الرجل المفجوع شخصيا وواسوه بكلمات معزية.‏ وقالت ايضا ان تفسير الكتاب المقدس الواضح لرجاء القيامة بدا منطقيا في نظرها.‏

      تبيّن ان هذه المرأة تدرب ممرضين وممرضات يهتمون بالاشخاص المشرفين على الموت.‏ ومن شدة تأثرها بما رأته خلال مراسم الدفن،‏ حثت تلامذتها على حضور مأتم لشهود يهوه.‏ فقد اخبرتهم،‏ حسبما اوضحت للشاهدتين اللتين قرعتا بابها،‏ ان الشهود يفسّرون الحالة الحقيقية للموتى ويمنحون رجاء رائعا للمستقبل.‏ فهي شعرت ان بإمكان تلامذتها استخدام هذه الافكار في تشجيع مرضاهم.‏

      كما يتضح،‏ حتى لو كان الشخص لا يكترث برسالتنا منذ امد طويل،‏ فيهوه قادر ان ‹يعطيه قلبا ليعرفه›.‏ (‏ار ٢٤:‏٧‏)‏ فلا تقطع الامل من الاشخاص اللامبالين في مقاطعتك.‏ فقد يتجاوبون معك يوما ما.‏

      الصورة في الصفحة ١٨٤

      ٦ لمَ ينبغي ان نمضي بعزم في الكرازة حتى للذين بالكاد يهتمون برسالتنا؟‏

      ٦ بالمقابل،‏ حين تتحول لامبالاة البعض الى اهتمام فيصغون الى كلمة يهوه ويتجاوبون معها،‏ يحصدون بركات لا تُقدّر بثمن.‏ فاللّٰه يفسح لهم المجال ان ينجوا من الهلاك ويدخلوا عالمه الجديد.‏ هكذا كانت الحال من بعض النواحي ايام ارميا.‏ فقد كان في وسع سكان يهوذا الافلات من البلية.‏ (‏اقرأ ارميا ٢٦:‏​٢،‏ ٣‏.‏‏)‏ وهذا ما دفع ارميا الى حثهم طوال عشرات السنين ان ‹يسمعوا ويرجعوا›،‏ اي يصغوا الى كلمة الاله الحقيقي.‏ صحيح اننا لا نعرف كم شخصا تابوا وغيروا حياتهم تجاوبا مع شهادة النبي،‏ غير ان البعض فعلوا ذلك.‏ ويحذو حذوهم كثيرون في الوقت الحاضر.‏ ففيما نثابر على الكرازة بالبشارة،‏ غالبا ما نسمع عن اشخاص معاندين لانت قلوبهم وقبلوا الحق.‏ (‏انظر الاطار «‏من اللامبالاة الى الاهتمام‏» في الصفحة ١٨٤.‏)‏ أفلا يحفزنا ذلك على البقاء نشاطى في خدمتنا المنقذة للحياة؟‏

      لمَ نحن مصممون على الكرازة بالبشارة رغم اللامبالاة؟‏

      اذية المقاومين وقتية

      ٧ كيف حاول الاعداء ايقاف عمل ارميا؟‏

      ٧ ان احد الاوجه البارزة لخدمة ارميا هو ان المقاومين حاولوا تكرارا تحطيمه وإيقاف عمله.‏ فالانبياء الكذبة نقضوا كلامه علانية.‏ (‏ار ١٤:‏​١٣-‏١٦‏)‏ وفيما جاب شوارع اورشليم،‏ وجّه اليه المارة كلمات مهينة وهزأوا به.‏ (‏ار ١٥:‏١٠‏)‏ وثمة اعداء له حاكوا مؤامرات للتشكيك في مصداقيته.‏ (‏ار ١٨:‏١٨‏)‏ كما راح آخرون يتهامسون عليه في كل مكان بهدف تشويه سمعته وإبعاد مستقيمي القلوب عن الحقائق الالهية التي كرز بها.‏ (‏مرا ٣:‏​٦١،‏ ٦٢‏)‏ فهل استسلم النبي؟‏ قطعا لا.‏ بل داوم باجتهاد على الكرازة بكلمة اللّٰه.‏ فكيف استطاع ذلك؟‏

      ٨ كيف صمد ارميا في وجه جهود المقاومين المكثفة ضده؟‏

      ٨ كانت الثقة بيهوه سلاح ارميا الرئيسي في وجه كل اشكال المقاومة.‏ ففي بداية خدمته،‏ نال وعدا من اللّٰه بالدعم والحماية.‏ (‏اقرأ ارميا ١:‏​١٨،‏ ١٩‏.‏‏)‏ فوثق بهذا الوعد،‏ ويهوه لم يخيّب امله اطلاقا.‏ فكان كلما ضغط المقاومون عليه ولجأوا الى وسائل اكثر عنفا وصرامة،‏ ينمو في الجرأة والشجاعة والاحتمال.‏ لاحظ كيف استفاد من هذه الصفات اثناء خدمته.‏

      ٩،‏ ١٠ بالنظر الى الحادثتين اعلاه،‏ كيف يشجعنا مثال ارميا على الاتصاف بالجرأة؟‏

      ٩ في احدى المناسبات،‏ احضر الكهنة والانبياء المرتدون النبي ارميا امام رؤساء يهوذا مطالبين بقتله.‏ فهل اخافته تهديداتهم وألزمته الصمت؟‏ كلا.‏ بل دحض تهمهم دحضا تاما ونجا من الموت.‏ —‏ اقرأ ارميا ٢٦:‏​١١-‏١٦؛‏ لو ٢١:‏​١٢-‏١٥‏.‏

      ١٠ وفي مناسبة اخرى،‏ سمعه الكاهن البارز فشحور يتفوّه برسالة قوية.‏ فوضعه في المقطرة،‏ ثم اطلقه في اليوم التالي معتقدا انه سيكف عن الكلام بعدما تعلّم درسا قاسيا.‏ الا ان النبي،‏ الذي كان يعاني ألما شديدا دون شك،‏ جابه فشحور مباشرة معلنا دينونة يهوه عليه.‏ نعم،‏ حتى التعذيب لم يُسكت صوت ارميا.‏ (‏ار ٢٠:‏​١-‏٦‏)‏ فما السبب؟‏ يخبرنا هو نفسه:‏ «يهوه معي كجبار مهيب.‏ من اجل ذلك يعثر مضطهديّ ولا يقوَون».‏ (‏ار ٢٠:‏١١‏)‏ فالنبي لم يرتعد خوفا حتى في وجه المقاومين العنفاء لأنه كان راسخ الثقة بإلهه.‏ انت ايضا يمكنك ان تنمي مثل هذه الثقة بيهوه.‏

      ١١،‏ ١٢ (‏أ)‏ كيف احتكم ارميا الى المنطق حين قاومه حننيا؟‏ (‏ب)‏ اية فائدة نجنيها من تمالك انفسنا «عندما تحصل اساءة»؟‏

      ١١ ولكن لنبقِ في بالنا ان ارميا لم يكن شخصا متطرفا.‏ فهو احتكم الى المنطق عند مواجهة المقاومين مدركا متى لزم ان ينسحب.‏ تأمل مثلا في ما فعله مع حننيا.‏ فبعدما نقض هذا النبي الدجال كلمة يهوه النبوية علنا،‏ أنّبه ارميا وأوضح كيف يمكن تمييز النبي الحقيقي.‏ وكان نبي يهوه آنذاك يضع نيرا خشبيا على عنقه رمزا الى خضوع الشعب لنير بابل،‏ فلجأ حننيا الى العنف وكسر النير.‏ ولعله كان سيلحق بإرميا اذية اكبر.‏ فماذا فعل النبي؟‏ «مضى .‏ .‏ .‏ في طريقه».‏ نعم،‏ غادر ارميا المكان.‏ وفي وقت لاحق،‏ وجّهه يهوه ان يعود ويخبر حننيا ان اليهود سيخضعون لعبودية ملك بابل وأنه سيموت خلال سنة.‏ —‏ ار ٢٨:‏​١-‏١٧‏.‏

      ١٢ فأية عبرة نستخلصها من هذه الرواية الملهمة؟‏ اثناء الكرازة،‏ يحسن بنا ان نقرن جرأتنا بالتمييز السليم.‏ فإذا رفض احد اصحاب البيوت مناقشتنا المؤسسة على الاسفار المقدسة واستشاط غضبا،‏ او هدد باللجوء الى العنف،‏ فلنستأذن بلباقة وننتقل الى بيت آخر.‏ فلا داعي ان نخوض جدالا حاميا مع اي شخص كان حول بشارة الملكوت.‏ فحين نتمالك انفسنا «عندما تحصل اساءة»،‏ نفسح المجال لصاحب البيت ان يقبل سماع الحق في فرصة اخرى.‏ —‏ اقرأ ٢ تيموثاوس ٢:‏​٢٣-‏٢٥؛‏ ام ١٧:‏١٤‏.‏

      الصورة في الصفحة ١٨٧

      لمَ من المهم جدا ان نثق بيهوه فيما نكرز بالبشارة؟‏ ولمَ ينبغي ان نوازن بين الجرأة والتمييز السليم؟‏

      ‏«لا تخف»‏

      ١٣ لمَ قال يهوه لإرميا «لا تخف»،‏ ولماذا ينبغي ان نتأمل في هذا التشجيع؟‏

      ١٣ تأثر العباد الحقيقيون بالاحوال المرعبة التي سادت اورشليم قبل دمارها سنة ٦٠٧ ق‌م.‏ لذا انت تدرك لمَ قال يهوه لإرميا:‏ «لا تخف».‏ (‏ار ١:‏٨؛‏ مرا ٣:‏٥٧‏)‏ وأوصاه ان ينقل هذه العبارة المشجعة الى آخرين ايضا.‏ (‏اقرأ ارميا ٤٦:‏٢٧‏.‏‏)‏ فما هو الدرس الذي نتعلمه؟‏ في وقت النهاية الخطر هذا،‏ قد يساورنا الخوف من حين الى آخر.‏ فهل نصغي الى يهوه الذي يقول لكل منا:‏ «لا تخف»؟‏ رأينا سابقا في هذا الكتاب كيف ساند اللّٰه ارميا خلال تلك الاوقات المخيفة.‏ فلنراجع باختصار ما حدث ونرَ ماذا نستفيد.‏

      ١٤،‏ ١٥ (‏أ)‏ في اي وضع خطر وجد ارميا نفسه؟‏ (‏ب)‏ كيف وفى يهوه بوعده ان يحمي ارميا؟‏

      ١٤ بينما احكم البابليون قبضتهم على اورشليم،‏ اشتد الجوع على الناس.‏ وسرعان ما افتقر كثيرون الى الطعام.‏ (‏ار ٣٧:‏٢١‏)‏ وهذا ما مرّ به ارميا الذي،‏ فضلا عن احساسه بالجوع،‏ حُبس في مكان كان يُحتمل ان يلقى فيه حتفه.‏ فقد رماه رؤساء يهوذا في جب عميق مليء بالطين المنتن بعدما ضغطوا على الملك صدقيا الضعيف الارادة ان يذعن لرغبتهم في قتله.‏ وفيما بدأ النبي يغرق في الوحل،‏ ادرك ان لا منفذ له من هذه الميتة.‏ فلو وجدت نفسك في وضع كهذا،‏ أفما كنت ستشعر بالخوف؟‏ —‏ ار ٣٨:‏​٤-‏٦‏.‏

      ١٥ كان ارميا انسانا مثلنا،‏ لكنه وثق بوعد يهوه انه لن يتخلى عنه ابدا.‏ (‏اقرأ ارميا ١٥:‏​٢٠،‏ ٢١‏.‏‏)‏ وهل كافأه يهوه على ثقته؟‏ نعم بكل تأكيد.‏ فقد دفع عبد ملك الى تحدي الرؤساء وإنقاذ النبي.‏ فبإذن من صدقيا،‏ اصعده عبد ملك من الجب مخلّصا اياه من الموت.‏ —‏ ار ٣٨:‏​٧-‏١٣‏.‏

      ١٦ من اية اخطار خلّص يهوه خادميه الوليّين؟‏

      ١٦ حتى بعد افلات ارميا من هذه الميتة،‏ ظل الخطر محدقا به.‏ فحين توسل عبد ملك الى صدقيا من اجله،‏ قال ان النبي سوف «يموت [في الجب] جوعا،‏ اذ ليس بعد خبز في المدينة».‏ (‏ار ٣٨:‏٩‏)‏ فالطعام شحّ كثيرا في اورشليم بحيث راح الناس يأكلون لحوم البشر.‏ الا ان يهوه تدخّل مجددا وأنقذ نبيّه،‏ وأعطى عبد ملك من خلاله ضمانة بالحماية.‏ (‏ار ٣٩:‏​١٦-‏١٨‏)‏ فإرميا لم ينسَ تأكيد اللّٰه:‏ «انا معك لأنقذك».‏ (‏ار ١:‏٨‏)‏ وبما ان الاله الكلي القدرة حرس هذين الرجلين الوليّين،‏ فلا الجوع ولا الاعداء كانا سيفتكان بهما.‏ فقد نجوَا من الموت في تلك المدينة المحكوم عليها بالهلاك.‏ وماذا نستخلص من ذلك؟‏ يهوه وعد بالحماية وتمم وعده كاملا.‏ —‏ ار ٤٠:‏​١-‏٤‏.‏

      ١٧ لمَ ينبغي ان نثق بوعد يهوه ان يحمي خدامه؟‏

      ١٧ ان اتمام نبوة يسوع عن اختتام نظام الاشياء يتقدم نحو ذروته دون اي عائق.‏ فعما قريب،‏ ستحدث «آيات في الشمس والقمر والنجوم،‏ وعلى الارض كرب امم لا تدري اين المنفذ .‏ .‏ .‏ في حين ان الناس يُغشى عليهم من الخوف وترقّب ما يأتي على المسكونة».‏ (‏لو ٢١:‏​٢٥،‏ ٢٦‏)‏ صحيح اننا لا ندري كيف ستحصل هذه الآيات وتُوقع الرعب في قلوب كثيرين،‏ ولكن علينا مهما حدث الا نشكّ ابدا في قدرة يهوه ورغبته في انقاذ شعبه،‏ اما الذين لا يحوزون رضاه فسيلقون مصيرا مختلفا.‏ (‏اقرأ ارميا ٨:‏٢٠؛‏ ١٤:‏٩‏.‏‏)‏ حتى لو بدا ان خدامه في وضع ميؤوس منه شبيه بوضع ارميا في قعر الجب المظلم والبارد،‏ فهو قادر ان يخلّصهم.‏ فستنطبق عليهم الكلمات التي وجّهها الى عبد ملك:‏ «‹أنجّيك نجاة فلا تسقط بالسيف،‏ وتكون لك نفسك غنيمة؛‏ لأنك اتكلت عليّ›،‏ يقول يهوه».‏ —‏ ار ٣٩:‏١٨‏.‏

      الصورة في الصفحة ١٩٠

      كلمات موجّهة اليك انت شخصيا

      ١٨ (‏أ)‏ اية كلمات غيّرت حياة ارميا؟‏ (‏ب)‏ ماذا تعني لكم شخصيا وصية اللّٰه في ارميا ١:‏٧‏؟‏

      ١٨ قال يهوه لإرميا:‏ «تذهب الى كل من ارسلك اليهم،‏ وتتكلم بكل ما آمرك به».‏ (‏ار ١:‏٧‏)‏ تغيرت حياة ارميا تغيرا جذريا حين سمع هذه الوصية من اللّٰه.‏ فمن تلك اللحظة فصاعدا،‏ اصبح شغله الشاغل اعلان «كلمة يهوه».‏ وترد هذه العبارة مرات كثيرة في صفحات سفره.‏ وفي الاصحاح الاخير‏،‏ يروي النبي كيف سقطت اورشليم وسُبي ملكها الاخير صدقيا.‏ فمن الواضح انه استمر يعلّم شعب يهوذا ويحضّهم على اطاعة يهوه الى ان بيّنت الاحداث ان عمله اكتمل.‏

      ١٩،‏ ٢٠ (‏أ)‏ لمَ يمكننا التمثل بإرميا في الخدمة؟‏ (‏ب)‏ ما العلاقة بين عمل الكرازة والشعور بالفرح والاكتفاء؟‏ (‏ج)‏ كيف اثّر فيكم تفحص سفرَي ارميا والمراثي؟‏

      ١٩ ثمة اوجه شبه عديدة بين تعيين ارميا وخدمة شهود يهوه العلنية اليوم.‏ فعلى غرار النبي،‏ نحن نخدم الاله الحق في وقت دينونة.‏ ومع ان لدينا مسؤوليات اخرى تأخذ من وقتنا وطاقتنا،‏ فإن الكرازة بالبشارة هي اهم عمل نقوم به على الاطلاق في نظام الاشياء هذا.‏ فمن خلالها،‏ نرفّع اسم اللّٰه العظيم ونعترف بسلطته وحقه المطلق كمتسلط كوني.‏ (‏اقرإ المراثي ٥:‏١٩‏.‏‏)‏ كما اننا نبرهن بواسطة هذا العمل عن محبتنا العميقة للناس اذ نساعدهم ان يعرفوا الاله الحق وما يطلبه منهم في الحياة.‏ —‏ ار ٢٥:‏​٣-‏٦‏.‏

      ٢٠ قال ارميا بشأن التفويض الذي ناله من يهوه:‏ «صارت لي كلمتك بهجة وفرحا لقلبي؛‏ لأن اسمك دُعي عليّ يا يهوه إله الجنود».‏ (‏ار ١٥:‏١٦‏)‏ ان هذا الشعور بالفرح والاكتفاء متاح اليوم لكل الذين تدفعهم قلوبهم الى التحدث عن اللّٰه.‏ فلنثابر اذًا على المناداة برسالة يهوه اقتداء بإرميا.‏

      كيف يساعدنا مثالا ارميا وعبد ملك على الاتصاف بالشجاعة؟‏ وأي صفة من صفات ارميا تودون التحلي بها فيما تكرزون بالبشارة؟‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة