السلوك القسري — هل يتحكَّم في حياتكم؟
«استيقظُ كل صباح عند الساعة ٦،» يقول كيث.a «ومُنبِّهي مضبوط اوتوماتيكيا على الساعة ٦. انا اعرف انه مضبوط. فأنا لا اغيِّره ابدا. ومع ذلك، ينبغي ان استمر في التحقُّق منه. فكل ليلة انظر اليه خمس مرات على الاقل قبل ان آوي الى الفراش. وينبغي ان اتأكَّد من ان كل مفتاح من مفاتيح موقد الغاز مُغلَق. أراها مُغلَقة، ولكن ينبغي ان اعود وأنظر مرة، مرتين، وثلاث مرات — للتأكُّد فقط. ثم ينبغي ان اتحقَّق، مرة بعد اخرى، من ان باب البرَّاد مُغلَق. وهنالك ايضا قفل الباب المنخلي، والقفلان في باب البيت الرئيسي . . .»
يعاني كيث من اضطراب الوسواس القسري (OCD) الذي يُعرَّف بأنه حالة عجز تتصف بأفكار (وساوِس) وأعمال (افعال قسرية) لا يمكن التحكُّم فيها.b والشخص المصاب بالـ OCD يشعر بأن هذه الوساوِس والافعال القسرية غير إرادية بتاتا. فيكون كما لو انها تشقّ طريقها بالقوة وتسود.
كل انسان يختبر في بعض الاحيان افكارا ودوافع غير مرغوب فيها. ولكن مع الـ OCD، تدوم هذه وتتكرَّر بحيث تُحدِث خللا في الحياة العادية وتسبِّب عناءً شديدا، مما يؤدِّي احيانا الى الكآبة. يقول احد المصابين: «المعركة العقلية المستمرة جعلتني افكِّر مليًّا في الانتحار.» تأملوا في بعض اعراض هذا الداء المُربك.
عدم تصديق ما يُرى
عندما يقود بروس سيارته فوق حدبة في الطريق لتخفيف السرعة، يغمره خوف رهيب. ويسأل نفسه: ‹هل دهست احد المشاة؟› وينمو هذا الشعور بحيث يصير ملزَما ان يعود الى مكان «الجريمة» ويتحقق — ليس مرة فقط بل تكرارا! وطبعا، لا يجد بروس ايّ شخص مصاب. ومع ذلك فهو غير متأكِّد! لذلك عندما يصل الى البيت، يشاهد الاخبار ليسمع تقارير عن حادث صدم فيه السائق شخصا وهرب. حتى انه يتَّصل بالشرطة لكي «يعترف.»
ومثل بروس، تنتاب الشكوك كثيرين من المصابين بالـ OCD: ‹هل آذيتُ احدا؟ هل اطفأتُ موقد الغاز عندما غادرت المنزل؟ هل اقفلتُ الباب؟› قد يفكِّر معظم الاشخاص احيانا بطريقة مماثلة، لكنَّ المصاب بالـ OCD يتحقَّق من الامور اكثر من مرة ويبقى غير مقتنع. تكتب الدكتورة جوديث راپُپورت: «ان مرضاي الذين يستمرون في التحقُّق من الامور يبدو وكأنهم يقولون ان ‹ادراك الحقيقة لا يأتي إلا عن طريق الحواس.›» وتضيف: «لذلك يجب ان يُدار مِقْبض الباب مرة بعد اخرى؛ ويُشعَل النور ويُطفَأ، ويُشعَل ويُطفَأ. ان هذه الاعمال تعطي معلومات مباشرة، ولكنها لا تقنعهم.»
لا شيء يبدو نظيفا كفاية
كان صبي عمره ١٤ سنة يُدعى تشارلز مصابا بوسواس الخوف من ان يُعدى بالجراثيم. فكان على امه ان تنظِّف كل شيء قد يلمسه بكحول خاص للتنظيف. وفضلا عن ذلك، كان تشارلز يخاف ان ينقل الزائرون العدوى من الشارع.
وكانت المخاوف تعتري فران وهي تغسل ثيابها. فتقول: «اذا مسَّتِ الثيابُ جانبَ الغسَّالة وأنا اخرجها، يلزم ان تُغسل كلها مرة اخرى.»
مثل تشارلز وفران، تعتري كثيرين من المصابين بالـ OCD وساوِس تتمحور حول الجراثيم والعدوى. وهذا يمكن ان يؤدي الى الاستحمام او غسل اليدين بإفراط، احيانا الى درجة إحداث بثور — ومع ذلك يبقى المصاب غير شاعر بالنظافة.
العذاب الفكري
تزعج ايلاين افكار مشينة لاإرادية تجاه اللّٰه. تقول: «انها امور لا يمكن ان اقصدها ابدا وأفضِّل ان اموت على ان اقصدها.» ومع ذلك، تدوم الافكار. «بسبب محاربة هذه الافكار كل يوم، اصير في بعض الاحيان مُنهَكة حرفيا في الليل.»
وينذر ستيڤن «نذورا» للّٰه بدافع الشعور بالذنب بسبب الاخطاء التي يرتكبها. يقول: «ان هذا الميل يحزنني اذ يبدو انه يحدث رغم إرادتي. وبعد ذلك يحملني ضميري على الايفاء بوعدي. ولهذا السبب اضطررت ذات مرة ان احطِّم شيئا له قيمة عاطفية كبيرة.»
تعتري ايلاين وستيڤن كليهما وساوِس منشأها الذهن الى حد كبير. وعلى الرغم من ان اعراض ذوي الافكار الوسواسية لا يمكن ان تُلاحظ بسرعة، فإنهم مسجونون في دائرة من الذنب والخوف.
هذه مجرد بعض اعراض الـ OCD الكثيرة.c فماذا يسبِّب هذا الاضطراب؟ وكيف يمكن تخفيفه؟
التحكُّم في ما لا يمكن التحكُّم فيه
تصف احدى الطبيبات سلوك الـ OCD بأنه نتيجة «دارة مُخيّة قصيرة» لا تُسجَّل فيها المعلومات الحسية، «فيُعاد البرنامج مرة بعد اخرى.» وماذا يسبِّب هذه الحلقة التكرارية؟ لا احد يعرف يقينا. ويبدو ان الناقل العصبي سيروتونين له علاقة، ولكن هنالك اوجه اخرى للدماغ تُؤخذ ايضا في الاعتبار. يقول البعض ان الامور التي يختبرها الفرد في حياته الباكرة يمكن ان توقظ الـ OCD، ربما الى جانب الاستعداد الوراثي.
ولكن مهما كان السبب، هنالك حقيقة واضحة: ان القول للمصابين بالـ OCD ان يتوقَّفوا عن الغسل او عن التحقُّق من الامور سيفشل على الارجح. فالامر يشمل اكثر من قوة الارادة.
لقد تبيَّن ان التطبيب مساعد لكثيرين. والطريقة الاخرى تشمل تعريض المريض للحالة التي يخاف منها ثم منع ردّ الفعل المعتاد. فالشخص الذي صار غسل اليدين عنده طقسا، على سبيل المثال، يمكن ان يُطلب منه ان يمسك شيئا وَسِخا ثم يحجم عن غسل يديه. وطبعا، ان معالجة كهذه لا تشفي الفرد بين ليلة وضحاها. ولكنَّ البعض يعتقدون ان المثابرة يمكن ان تزوِّد الراحة.
قام الخبراء ايضا بالبحث في احتمال كون الـ OCD، على الاقل في بعض الحالات، متأصِّلا في اختبارات حياة الفرد الباكرة. فقد لوحظ ان كثيرين من الاولاد الذين أُسيئت معاملتهم يكبرون شاعرين فطريا بأنهم عديمو النفع او وسخون، وبعض هؤلاء نمّوا في ما بعد طقوس غسل قسرية.
الراحة من الوساوِس والافعال القسرية
اذا كنتم تعانون الـ OCD، فلا تشعروا بأنكم مختلفون او ربما في طريقكم الى الجنون. يكتب الدكتور لي باير: «باستثناء مخاوفهم الخاصة، يبقى المصابون بالـ OCD على صلة بالواقع في كل الاوجه الاخرى من حياتهم.» فيمكن مساعدتكم! وتذكَّروا ان الـ OCD هو من نتاج النقص. انه ليس علامة ضعف ادبي او فشل روحي! وهو لا يشير الى عدم رضى اللّٰه. فإن «الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة. لأنه يعرف جبلتنا. يذكر اننا تراب نحن.» — مزمور ١٠٣:٨، ١٤.
ولكن ماذا اذا بدا ان الافكار الوسواسية تتسم بعدم التوقير او التجديف؟ في الـ OCD، تدعم الافكار البغيضة الشعور بالذنب، والشعور بالذنب قد يدعم المزيد ايضا من الافكار البغيضة. تقول ايلاين: «يجعلني ذلك سريعة الغضب، يجعلني متوتِّرة وقَلِقَة — اذ افكِّر كل الوقت ان يهوه قد يكون غضبانا عليّ.» ويمكن ان يشعر البعض ايضا بأن افكارهم تعادل الخطية التي لا تُغتفر!
لكنَّ تعليقات يسوع على الخطية التي لا تُغتفر، الخطية ضد روح اللّٰه القدوس، لم تكن تشير كما يتَّضح الى الافكار المتهوِّرة الوسواسية. (متى ١٢:٣١، ٣٢) فيسوع وجَّه كلماته الى الفريسيين. وقد عرف ان هجوماتهم كانت مقصودة تماما. وأعمالهم العمدية نبعت من قلوب مفعمة بالكراهية.
وفي الواقع، ان قلق الفرد بشأن اساءته الى اللّٰه يمكن ان يكون في الحقيقة دليلا على انه لم يخطئ خطية لا تُغتفر. (اشعياء ٦٦:٢) وفضلا عن ذلك، من المُطَمْئن ان نعرف ان الخالق يفهم هذا الاضطراب. وهو رحيم و «غفور.» (مزمور ٨٦:٥؛ ٢ بطرس ٣:٩) وحتى عندما تديننا قلوبنا، «فاللّٰه اعظم من قلوبنا ويعلم كل شيء.» (١ يوحنا ٣:٢٠) وهو يعرف الى ايّ حدّ تكون الافكار والدوافع ناتجة من اضطراب لا يتحكَّم المرء فيه إلا تحكُّما محدودا. والمصاب بالـ OCD الذي يدرك ذلك يمكن بالتالي ان يمتنع عن مضايقة نفسه بالشعور غير الضروري بالذنب.
كم يمكن ان نكون شاكرين على ان يهوه يعد بعالم جديد سنرتاح فيه من كل البلايا الجسدية والعقلية والعاطفية! (رؤيا ٢١:١-٤) وحتى ذلك الحين، يمكن لأولئك المضطرين الى تحمُّل هذا الاضطراب ان يتَّخذوا خطوات عملية للتخفيف من ألمهم.
[الحواشي]
a بعض الاسماء في هذه المقالة جرى تغييرها.
b لا تؤيِّد استيقظ! اية معالجة خصوصية. والمسيحيون الذين يعانون هذا الاضطراب يلزم ان يحذروا لئلا تتعارض اية معالجة يسعون اليها مع مبادئ الكتاب المقدس.
c القليل من الاعراض الاخرى العديدة يشمل عدّ الاشياء او تجميع اشياء اكثر مما يلزم او وسواس تنسيق الاشياء.
[الاطار في الصفحة ٢٢]
لتزويد الدعم
كصديق او عضو في العائلة، يمكنكم ان تفعلوا الكثير لدعم شخص يحارب اضطراب الوسواس القسري (OCD).
• اولا، افحصوا موقفكم. اذا كنتم تظنون ان الشخص المصاب ضعيف، كسلان، او عنيد، فسيدرك ذلك حتما ولن يندفع الى التحسين.
• تحدثوا الى المصاب. اعرفوا ماذا يقاوم. فحيازة صديق موثوق به صريح وصادق غالبا ما تكون خطوته الاولى نحو التحكُّم في اعراض الـ OCD. — امثال ١٧:١٧.
• لا تقارنوا. يثير الـ OCD دوافع لا تُقاوَم، ليست كالتي يشعر بها غير المصابين. لذلك لا ينفع عادةً ان تسردوا كيف عالجتم اندفاعاتكم. — قارنوا امثال ١٨:١٣.
• ساعدوا المصاب على وضع اهداف واقعية وبلوغها. اختاروا احد الاعراض، وأوجزوا سلسلة من الاهداف للتغلب عليه. وابتدئوا بأسهل الاهداف. مثلا، قد يكون احد الاهداف ان لا تدوم فترة الاستحمام اكثر من الوقت المحدَّد.
• امدحوا على التحسين. يعزِّز المدح السلوك الصائب. فكل خطوة من التقدُّم مهمة — مهما كانت صغيرة. — امثال ١٢:٢٥.
ان العيش مع مصاب بالـ OCD يمكن ان يستنزف اعضاء العائلة عاطفيا. لذلك، يجب ان يكون الاصدقاء متفهِّمين وداعمين بكل طريقة عملية ممكنة. — امثال ١٨:٢٤ب.
[الصورتان في الصفحة ٢١]
الافراط في غسل اليدين والتحقُّق من الامور — اثنان من اعراض الـ OCD