-
اليسوعيون — «كل شيء لكل الناس»؟استيقظ! ١٩٩٢ | تشرين الثاني (نوفمبر) ٨
-
-
وقبل مضي وقت طويل، اشتدّ الطلب على اليسوعيين القابلين للتكيّف والمثقَّفين كمعلمين ورجال دولة، رجال حاشية وكهنة اعتراف. وربما ذهبوا الى ابعد مما كان لويولا قد نوى. فالنجاح في حقول عديدة — وخصوصا في السياسة — جلب لهم المال والسلطة، ولكنه ايضا زرع بذار الكارثة.
وفي ١٧٧٣، اذ اذعن البابا كليمنت الرابع عشر لضغط فرنسا، الپرتغال، واسپانيا، حلَّ الرهبانية اليسوعية «الى الابد.» والدافع؟ من اجل «تأسيس سلام حقيقي وثابت داخل الكنيسة.» فبسبب نفوذهم السياسي، صار اليسوعيون مسؤولية مزعجة. وعلى الرغم من ان هذا القرار البابوي قد نُقض بعد ٤١ سنة، لم يستعِد اليسوعيون قط مرة اخرى تفوّقهم السابق.
-
-
اليسوعيون — «كل شيء لكل الناس»؟استيقظ! ١٩٩٢ | تشرين الثاني (نوفمبر) ٨
-
-
صدّ المد الپروتستانتي
كانت الثقافة والاعتراف السلاحين الرئيسيين لليسوعيين لمقاومة السلطة النامية للپروتستانتية. فبالصدفة تقريبا، اكتشفوا ان مدارسهم ذات المستوى الجيد المُحدثة مؤخرا بإمكانها ان تغرس الكاثوليكية في الملوك والنبلاء بفعالية اكثر بكثير من ايّ حملة كرازية. وفي القرن الـ ١٦، كانت طبقة النبلاء هي التي تملك السلطة لتحدِّد الدين في مقاطعتها.c
ذكر لويولا نفسه ان «الخير الذي يمكن ان تنتجه الرهبانية لترويج القضية الرومانية يعتمد على الكرازة اقل منه على التعليم في كليَّاتنا.» ومدارس اليسوعيين النخبةِ ثقَّفت ولقَّنت الكثيرين من الحكام الاوروپيين المقبلين الذين، عندما وصلوا الى السلطة، كانوا يميلون الى قمع الپروتستانت. وهذا النجاح الاولي عزَّزه اقتراب جديد من الاعتراف. يوضح المؤرخ پول جونسون: «في الاعتراف، كانت لدى اليسوعيين وتائبيهم الاقوياء علاقة المحامي-الموكِّل.» وليس مدهشا ان الاقتراب الجديد كان اكثر شعبية. وقبل مضي وقت طويل، كان لدى ملوك اوروپيين عديدين كهنة اعتراف يسوعيون خصوصيون ممن تفوَّقوا في كونهم كل شيء لكل الاشخاص ذوي النفوذ الذين قدَّموا لهم النصائح.
وكهنة الاعتراف اليسوعيون كانوا متساهلين في مسائل الآداب ولكنهم لا يرحمون عند التعامل مع «الهراطقة.» فقد اوصى كاهن اعتراف يسوعي الملك الفرنسي لويس الخامس عشر بأن يضع الملك، «حرصا على اللياقة،» دَرَجا مخفيا بين غرفة نومه وتلك التي لعشيقته. ولكنَّ ابا جده، لويس الرابع عشر، اقنعه كاهن الاعتراف اليسوعي الذي له بأن يلغي مرسوم نانت (قانون سمح للپروتستانت في فرنسا، او الهوڠونوت، بحرية محدودة في العبادة). فأطلقت هذه الخطوة العنان لموجة من الارهاب ضد الهوڠونوت، الذين ذُبح كثيرون منهم.
-
-
اليسوعيون — «كل شيء لكل الناس»؟استيقظ! ١٩٩٢ | تشرين الثاني (نوفمبر) ٨
-
-
تكيُّف اليسوعية
في الشرق، اذ اتَّبعوا عادتهم في اوروپا، هدف اليسوعيون الى هداية الحكام وبالتالي رعاياهم. وفي السعي الى هذا الغرض، تبعوا الى الحد الاقصى وصية لويولا ان يكونوا كل شيء لكل الناس. فقد عاش روبيرتو دي نوبيلي، مرسل يسوعي في الهند خلال القرن الـ ١٧، كأحد بَرَاهِمة الطبقة العليا لكي يكرز للطبقة الحاكمة. ولتجنب ازعاج البَرَاهِمة الرفقاء، كان يقدِّم القربان المقدس، او البرشان المكرَّس للقداس، الى المنبوذين من الطبقة الدنيا بواسطة عصا.
وماتييو ريتشي صار عضوا ذا نفوذ في البلاط الصيني، بصورة رئيسية بسبب مواهبه كرياضي وفلكي. وقد احتفظ بمعتقداته الدينية لنفسه. وخليفته اليسوعي في بلاط مينڠ، يوهان آدام شال فون بِل، انشأ ايضا مسبكا للمدافع ودرَّب الجنود الصينيين على تشغيل المدافع (التي سُمِّيت باسم «قديسين» كاثوليكيين). وللفوز بمهتدين، سمح اليسوعيون للكاثوليكيين الصينيين بالاستمرار في ممارسة عبادة الاسلاف، قرار مثير للنزاع رفضه اخيرا البابا. وعلى الرغم من مسايرات كهذه، بقي الحكام، في الهند والصين على السواء، غير مقتنعين.
وفي اميركا الجنوبية جُرِّب اقتراب استعماري. ففي المناطق غير المستعمرة في الداخل، انشأ اليسوعيون مستوطنات مستقلة حكم فيها مرسلون يسوعيون الهنودَ الڠوارانيين كاملا تقريبا. وبالمقابل جرى تعليمهم الزراعة، الموسيقى، والدين. وهذه المستوطنات، التي آوت في اوجها ٠٠٠,١٠٠ من ابناء البلد، تفككت اخيرا عندما صارت في صراع مع المصالح التجارية الپرتغالية والاسپانية. وعلى الرغم من ان اليسوعيين درَّبوا جيشا من ٠٠٠,٣٠ هندي، جيشا حارب على الاقل معركة ضارية واحدة ضد الپرتغاليين، ففي ١٧٦٦ دمِّرت المستوطنات وهُجِّر اليسوعيون.
وعلى مرّ القرون قدَّم افراد يسوعيون عديدون تضحيات بطولية لنشر الرسالة الكاثوليكية في جميع الاقطار والجهات. واستشهد البعض بطريقة رهيبة من اجل جهودهم وخصوصا في اليابان، حيث لقوا بعض النجاح قبل ان حظر الشوڠَن نشاطهم.d
وعلى الرغم من امتلاكهم الغيرة وروح التضحية، أُحبطت جهود اليسوعيين لهداية العالم على نحو رئيسي بسبب اساليب تخطيطهم.
انجيل سياسي
على الرغم من المشاكل في الماضي، يبدو ان اليسوعيين في القرن الـ ٢٠ يأبون ترك السياسة للسياسيين. ومع ذلك، فإن تغييرا تاما كان جديرا بالملاحظة. فبعد قرون من تأييد الحكومات اليمينية المحافظة، من المحتمل اكثر ان يدعم اليسوعي اليوم قضية ثورية، وخصوصا اذا كان يعيش في بلد نامٍ. ونيكاراڠْوَا هي مثال لذلك.
عندما وصلت جبهة الساندينيستاس الى السلطة في نيكاراڠْوَا، اعتمدت على دعم فِرناندو كاردِنال وألڤارو أَرْڠوايو، كاهنين يسوعيَّين شهيرَين قَبِلا مناصب في الحكومة. وقد دافع أَرْڠوايو عن منصبه السياسي، مدَّعيا انه «اذا كان هنالك احد في نيكاراڠْوَا لا يريد ان يشترك في الثورة، فهو بالتأكيد ليس مسيحيا. ولكي يكون الشخص مسيحيا اليوم، من الضروري ايضا ان يكون ثوريا.» فعلى نحو مفهوم، يزعج انجيل سياسي كهذا اشخاصا مخلصين كثيرين.
وقديما في ثلاثينات الـ ١٩٠٠، انتقد مِڠايل اونامونو اي جوڠو، فيلسوف اسپاني مشهور، على اليسوعيين تدخلهم في السياسة كشيء غريب عن تعاليم يسوع. كتب: «اليسوعيون . . . يأتون بهذه القصة القديمة عن الملكوت الاجتماعي ليسوع المسيح، وبهذه الايديولوجية السياسية، يريدون ان يعالجوا المشاكل السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية. . . . ليست للمسيح علاقة البتة بالاشتراكية او بالملْكية الخاصة. . . . قال ان مملكته ليست من هذا العالم.»
-
-
اليسوعيون — «كل شيء لكل الناس»؟استيقظ! ١٩٩٢ | تشرين الثاني (نوفمبر) ٨
-
-
d ردًّا على تهديد اسپاني بأن الفاتحين سيتبعون خطوات المرسلين، اعدم الشوڠَن الياباني هيدِيوشي عددا من اليسوعيين والفرانسيسكانيين. فالخطة اليسوعية لفتح الصين بمساعدة متطوعين فيليپينيين ويابانيين اشعلت دون شك الشبهات بشأن دوافع اليسوعيين في اليابان. والحظر الرسمي، الذي اتى سنة ١٦١٤، ذكر بشكل خصوصي مخاوف من ان يكون الهدف الكاثوليكي «تغيير حكومة البلد وامتلاك الارض.»
-
-
اليسوعيون — «كل شيء لكل الناس»؟استيقظ! ١٩٩٢ | تشرين الثاني (نوفمبر) ٨
-
-
[الصورة في الصفحة ١٣]
بسبب سمعة خداعهم السياسي، طُرد اليسوعيون من اسپانيا سنة ١٧٦٧
-