-
المعتقدات الخرافية — ما مدى انتشارها اليوم؟استيقظ! ١٩٩٩ | تشرين الاول (اكتوبر) ٢٢
-
-
المعتقدات الخرافية — ما مدى انتشارها اليوم؟
في كل مكان — في العمل، المدرسة، وسائل النقل العامة، وفي الشارع — يتكرر الامر نفسه. فحين تعطسون يبادركم اناس لم تلتقوهم قط من قبل بالقول: «يرحمك اللّٰه». وتجدون عبارات مشابهة في لغات عديدة. ففي المانيا يتجاوب الناس بقولهم: «ڠيزونتهايت». ويُقال باللغة الانكليزية: «ڠاد بلِس يو»، اما بعض الپولينيزيين في جنوب المحيط الهادئ فيقولون: «تيهاي ماوري اورّا».
اذا كنتم تعتقدون ان هذه العبارات لا تتعدى كونها مجاملات شائعة تنبع من آداب اللياقة الاجتماعية فذلك لأنكم لم تحاولوا التأمل في ما تعنيه. لكنَّ لهذه العبارات جذورا متأصلة في المعتقدات الخرافية. وتتحدث مُويرا سميث، امينة مكتبة في معهد الفولكلور في جامعة إنديانا، في بلومنڠتون، انديانا، الولايات المتحدة الاميركية، مشيرة الى العبارة الانكليزية: «انها تنبع من الفكرة ان نفسكم تخرج منكم حين تعطسون». ففي الواقع تعني عبارة «ڠاد بلِس يو»، اي «ليحمِك اللّٰه»، الالتماس من اللّٰه اعادة نفسكم اليكم.
طبعا، يوافق معظم الناس على الارجح ان الاعتقاد بنفس تهرب من الجسد عند العطس هو فكرة غير عقلانية البتة. فلا عجب ان يقول قاموس وبستر الجامعي الجديد التاسع (بالانكليزية) عن المعتقدات او الممارسات الخرافية انها: «نتيجة الجهل، الخوف من المجهول، الثقة بالسحر او الحظ، او مفهوم خاطئ عن العلاقة بين السبب والمسبِّب».
ولا عجب ان يدعو فيزيائي من القرن الـ ١٧ المعتقدات الخرافية في عصره «اخطاء عامة الشعب» التي يرتكبها غير المثقفين. وهكذا فيما كان الجنس البشري يدخل القرن العشرين بإنجازاته العلمية، تنبأت بتفاؤل دائرة المعارف البريطانية (بالانكليزية)، اصدار سنة ١٩١٠، عن الوقت الذي فيه «تُحرَّر الحضارة من آخر شبح للمعتقدات الخرافية».
منتشرة كما كانت دائما
لكن لم يكن من اساس لذلك التفاؤل الذي حصل منذ حوالي ثمانية عقود اذ تبدو المعتقدات الخرافية مترسخة الآن كما في السابق. وهذه الاستمرارية هي ميزة المعتقدات الخرافية. ففي اللغة الانكليزية تشتق الكلمة superstition التي تقابل «المعتقدات الخرافية» من اللاتينية super التي تعني «فوق»، و stare اي «الوقوف». والمحاربون الذين كانوا ينجون من المعركة دُعوا في الواقع superstites، لأنهم عاشوا اكثر من رفقائهم الذين اشتركوا معهم في المعارك، فهم حرفيا «وقفوا» فوقهم. يذكر كتاب المعتقدات الخرافية (بالانكليزية) ملمِّحا الى هذا الاشتقاق: «ان المعتقدات الخرافية التي لا تزال موجودة اليوم انتصرت على العصور التي حاولت ان تمحوها». تأملوا في بعض الامثلة لاستمرار المعتقدات الخرافية.
▫ بعد الموت الفجائي لحاكم مدينة آسيوية رئيسية، ما كان من هيئة العاملين في المقر الرسمي بمعنوياتها المنحطة إلّا ان نصحت الحاكم الجديد باستشارة وسيط ارواحي مختص اقترح القيام بتغييرات في المقر وحوله. وقد شعرت هيئة العاملين ان التغييرات قد تزيل تأثير النحس.
▫ حجر خصوصي هو الرفيق الدائم لمديرة شركة تدر ملايين الدولارات في الولايات المتحدة الاميركية. فمنذ ان نجح اول معرض تجاري اقامته وهي لا تغادر البيت دون ان تحمله معها.
▫ غالبا ما يستشير المديرون التنفيذيون الآسيويون العرافين قبل ابرام صفقات تجارية هامة.
▫ رغم كل الجهود التي يبذلها رياضي في التمارين، ينسب انتصاره الى قطعة من الثياب. فيستمر في ارتدائها — دون غسل — في المباريات اللاحقة.
▫ يستعمل تلميذ قلما ما لتقديم فحص وينال علامة جيدة. فيعتبر القلم «جالبا للحظ».
▫ في يوم الزفاف، تهيئ العروس ثوب الزفاف بتأنٍّ بحيث يشتمل على «شيء قديم، شيء جديد، شيء مستعار، وشيء ازرق».
▫ يفتح شخص كتابا مقدسا عشوائيا ويقرأ اول آية تقع عيناه عليها معتقدا ان هذه الكلمات ستزوِّده بالارشادات الخصوصية التي يحتاج اليها في تلك اللحظة.
▫ عندما يهدر محرك الطائرة منبئا بالاقلاع، يرسم بعض المسافرين اشارة الصليب. ويلمس البعض الآخر بلطف ميدالية «القديس» كريستوفر اثناء الرحلة.
فمن الواضح ان المعتقدات الخرافية واسعة الانتشار جدا حتى في يومنا هذا. وفي الواقع، يقول ستيوارت أ. ڤايس، استاذ مساعد في علم النفس في جامعة كونكتيكت، في كتابه الايمان بالسحر — التحليل النفسي للمعتقدات الخرافية (بالانكليزية): «رغم اننا نعيش في مجتمع متقدم تقنيا، فالمعتقدات الخرافية منتشرة كما كانت دائما».
والمعتقدات الخرافية مترسخة اليوم الى حد ان الجهود المبذولة للقضاء عليها تبوء بالفشل. ولماذا؟
-
-
المعتقدات الخرافية — لمَ هي مترسخة الى هذا الحد؟استيقظ! ١٩٩٩ | تشرين الاول (اكتوبر) ٢٢
-
-
المعتقدات الخرافية — لمَ هي مترسخة الى هذا الحد؟
كما تعلمون، لا يزال اشخاص كثيرون يعتبرون مرور هر اسود بهم نذير شؤم او يخافون المرور تحت سلَّم. ويعتقد كثيرون ايضا ان يوم الجمعة الواقع في ١٣ من الشهر هو يوم نحس وأن الطابق الـ ١٣ في اي مبنى خطر. وهذه المعتقدات الخرافية مترسخة رغم انها غير عقلانية.
فكروا في الامر. لماذا يحمل بعض الناس قدم ارنب او يدقون على الخشب عندما يعبِّرون عن تفاؤلهم؟ أليس لأنهم يعتقدون، دون اية براهين سليمة، ان هذه الاعمال تجلب لهم الحظ السعيد؟ يذكر كتاب قاموس للمعتقدات الخرافية (بالانكليزية): «يعتقد العقل الذي يؤمن بالخرافات ان بعض الاشياء، الاماكن، الحيوانات، او الاعمال تجلب الحظ السعيد (تمائم او فؤول حسنة) وأن اخرى تجلب الحظ السيِّىء (فؤول سيئة او علامات سوء الحظ)». — انظروا غلاطية ٥:١٩، ٢٠.
جهود للقضاء عليها في الصين
من الواضح ان المعتقدات الخرافية نجت من المحاولات العصرية للقضاء عليها. مثلا، سنة ١٩٩٥ اصدر مجلس الشعب في شنڠهاي مرسوما حكوميا رسميا يحظر الممارسات الخرافية معتبرا اياها آثارا من ماضي الامة مرّ عليها الزمن. وكان الهدف «استئصال المعتقدات الخرافية الرثة، اصلاح التقاليد المتعلقة بمراسيم الدفن وتعزيز بناء عاصمة اكثر حضارة». ولكن ماذا كانت النتيجة؟
وفقا لأحد التقارير، بقي الناس في شنڠهاي مخلصين لمعتقداتهم الخرافية. وتحديا للحظر الرسمي للطقس الصيني الذي يشمل حرق اوراق نقدية مزيفة على قبور الاسلاف، قال شخص يزور قبرا: «حرقنا ١٩ بليون يوان [حوالي ثلاثة بلايين دولار اميركي]». وأضاف: «انه التقليد. وهو يجعل الآلهة سعيدة».
شدَّدت الصحيفة المشهورة ڠوانڠمينڠ دايلي (بالصينية) على عدم فعالية الحظر، معلقة انه قد يكون هنالك «خمسة ملايين عراف محترف في الصين، فيما لا يتعدى العدد الاجمالي للاختصاصيين في التكنولوجيا والعلوم الـ ١٠ ملايين». وذكرت الصحيفة: «يبدو ان كل شيء يشجع على وجود العرافين».
وتقول الطبعة الدولية لـ دائرة المعارف الاميركية (بالانكليزية) في ما يتعلق باستمرار المعتقدات الخرافية: «في كل الحضارات، لا يجري الحفاظ على بعض التقاليد القديمة فحسب، بل يُعاد ايضا تفسيرها وتتخذ مفاهيم جديدة». واعترفت دائرة المعارف البريطانية الجديدة (بالانكليزية) في طبعة حديثة: «حتى في ما ندعوه العصر الحديث، العصر الذي يُعطى فيه البرهان الموضوعي قيمة كبيرة، يعترف معظم الناس، بعد الالحاح عليهم في السؤال، بأنهم سرًّا يعزون واحدا او اثنين من المعتقدات الخرافية او غير العقلانية».
مقياس مزدوج
كما يبدو، يملك كثيرون مقياسا مزدوجا. فهم لا يعترفون علنا بما يمارسونه في حياتهم الشخصية. ويقول احد الكتَّاب ان هذا الامتناع نابع من خوفهم ان يَظهروا للآخرين بمظهر الاغبياء. لذلك قد يفضِّل امثال هؤلاء ان يدْعوا معتقداتهم الخرافية عادات. مثلا، قد يسمي الرياضيون تصرفاتهم تقاليد ما قبل اللعب.
ابدى صحفي مؤخرا ملاحظة ساخرة عن رسالة تمرَّر الى عدة اشخاص يُطلب من كلٍّ منهم ان يرسل نسخا منها الى آخرين. وغالبا ما يوعَد الشخص الذي يساهم في تمرير هذه الرسالة بالحظ السعيد، في حين يفترض ان يواجه مَن يعرقل مسيرة هذه الرسالة نتائج سيئة. لكن عندما وصلت الرسالة الى الصحفي مرَّرها وقال: «اريد ان تعرفوا انني لا افعل ذلك لأنني اومن بالخرافات. فأنا اريد فقط تجنُّب الحظ السيِّىء».
يشعر علماء الانثروپولوجيا والخبراء بعادات الشعوب ان العبارة «مؤمن بالخرافات» غير موضوعية؛ وهم يترددون في اعطاء انماط من السلوك هذا الوصف. فهم يفضلون العبارات «الشاملة» اكثر لكن الملطَّفة مثل: «معتقد وتقليد شعبي»، «عادات شعبية»، او «مجموعة المعتقدات». ويعلِّق دِك هايمن بموضوعية، في كتابه لئلا يصيبكم سوء الحظ — المعتقدات الخرافية للعظماء والضعفاء (بالانكليزية): «كما الخطيئة والزكام، لدى المعتقدات الخرافية القليل من المؤيدين ولكن الكثير من الممارسين».
لكن مهما أُعطيت المعتقدات الخرافية من ألقاب فهي مستمرة. ولماذا يحدث ذلك في هذا العصر العلمي المتقدم تقنيا؟
لماذا هي مترسخة الى هذا الحد
يؤكد البعض انه من الطبيعي ان يؤمن البشر بالخرافات. ويوجد حتى مَن يدَّعون ان هنالك نزعة نحو المعتقد الخرافي في مورِّثاتنا. لكن هنالك دراسات تثبت العكس، فالناس يكتسبون المعتقدات الخرافية نتيجة ما يتعلمونه.
ويوضح الپروفسور ستيوارت أ. ڤايس: «ان التصرف المتعلق بالمعتقدات الخرافية، كمعظم التصرفات، يكتسبه الناس خلال حياتهم. فنحن لا نولد ونحن ندق على الخشب؛ بل نحن نتعلم ذلك». ويُقال ان الناس يكتسبون الايمان بالسحر وهم صغار ويبقون سريعي التأثر بالمعتقدات الخرافية حتى بعد «تبنيهم احساسات الراشدين» بفترة طويلة. وأين يكتسبون الكثير من المعتقدات الخرافية؟
لمعتقدات خرافية كثيرة صلة وثيقة بالمعتقدات الدينية العزيزة على قلوب الناس. مثلا، كانت المعتقدات الخرافية جزءا من دين الذين سكنوا ارض كنعان قبل الاسرائيليين القدماء. ويقول الكتاب المقدس ان عادات الكنعانيين شملت العرافة، العيافة، الاعتماد على الفؤول او السحر، الرقية، استشارة الوسطاء الارواحيين والتوابع، واستشارة الموتى. — تثنية ١٨:٩-١٢.
واشتهر اليونانيون القدماء ايضا بالمعتقدات الخرافية التي لها ارتباط بدينهم. فقد آمنوا بوسطاء الوحي، العرافة، والسحر، كما آمن الكنعانيون. ونظر البابليون الى كبد حيوان لاعتقادهم انه يظهر اي مسلك يجب اتباعه. (حزقيال ٢١:٢١) واشتهروا ايضا بالمقامرة فكانوا يلتمسون مساعدة ما يدعوه الكتاب المقدس «اله ‹الحظ›». (اشعياء ٦٥:١١، ترجمة تفسيرية) وإلى هذا اليوم يُعرف عن المقامرين ايمانهم بالمعتقدات الخرافية.
والمثير للاهتمام ان عددا من الكنائس شجع فعليا على حب المقامرة. وأحد الامثلة هو تشجيع الكنيسة الكاثوليكية على نشاطات مثل البنڠو. وعن الموضوع نفسه، ذكر احد المقامرين: «انا متأكد ان الكنيسة الكاثوليكية تدرك [ان المقامرين يؤمنون جدا بالخرافات] لأن الراهبات كن يقفن دائما قرب حلبات السباق مع صناديق التبرع. فكيف يمكن لكاثوليكي، كما كان الكثيرون منا، ان يرفض التبرع ‹لأخت› ويتوقع ان يربح في المراهنة في سباق الاحصنة؟ لذلك كنا نتبرع. وإذا ربحنا في ذلك اليوم نجزل العطاء اكثر من المعتاد، آملين ان يجلب لنا ذلك الربح المستمر».
والمعتقدات الخرافية المتعلقة بعيد الميلاد، احتفال تحييه كنائس العالم المسيحي، انما هي امثلة تبرز الصلة الوثيقة بين الدين والمعتقدات الخرافية. وتشمل هذه المعتقدات امل الزواج اذا جرى التقبيل تحت نبتة الهدال، بالاضافة الى معتقدات خرافية كثيرة حول سانتا كلوز.
ويعلِّق كتاب لئلا يصيبكم سوء الحظ ان المعتقدات الخرافية طوِّرت سعيا وراء «كشف خبايا المستقبل». لذلك، اليوم كما على مر التاريخ، يستشير زعماء العالم وعامة الشعب على السواء العرافين وغيرهم ممن يدعون امتلاك القوى السحرية. ويوضح كتاب لا تغنوا قبل الفطور، لا تناموا في ضوء القمر (بالانكليزية): «احتاج الناس الى الاعتقاد بوجود تمائم ورقى تنجح في ازالة اهوال المعلوم وغير المعلوم».
وهكذا فإن الممارسات الخرافية هي محاولة لمنح البشر شعورا بالسيطرة على مخاوفهم الى حدٍّ ما. يقول كتاب اشبكوا اصابعكم، ابصقوا في قبعتكم (بالانكليزية): «يعتمد [البشر] اليوم على المعتقدات الخرافية للاسباب نفسها التي امتلكوها على مر التاريخ. فعندما يواجهون مواقف يصعب التحكم فيها — معتمدة على ‹الحظ› او ‹الصدفة› — تجعلهم المعتقدات الخرافية يشعرون اكثر بالامان».
ورغم ان العلم حسَّن بطرائق متنوعة نصيب البشر، فإن شعورهم بعدم الامان يبقى. وفي الواقع، ازداد عدم الامان بسبب المشاكل التي اوجدها العلم. يقول الپروفسور ڤايس: «ان المعتقدات الخرافية والايمان بقدرة فوق الطبيعة هي جزء لا يتجزأ من حضارتنا . . . لأن عالمنا الحاضر قوَّى احساسنا بعدم اليقين». واستنتجت دائرة معارف الكتاب العالمي (بالانكليزية): «ستبقى المعتقدات الخرافية على الارجح جزءا من حياة الناس ما دامت . . . الشكوك تساورهم بشأن المستقبل».
اذًا باختصار، يستمر وجود المعتقدات الخرافية لأنها متأصلة في المخاوف الشائعة عند البشر ومدعومة من معتقدات دينية كثيرة يعزها البشر. لكن هل يجب ان نستنتج ان المعتقدات الخرافية تخدم هدفا مفيدا لأنها تساعد الناس على مواجهة عدم اليقين؟ هل هي غير مؤذية؟ او هي امر خطير ينبغي تجنبه؟
[الصورة في الصفحة ٥]
قد يكون هنالك خمسة ملايين عراف في الصين وحدها
[الصورة في الصفحة ٦]
بترويج البنڠو، عزَّزت كنائس كثيرة المعتقدات الخرافية
[الصورة في الصفحة ٧]
تقاليد عيد الميلاد، مثل التقبيل تحت نبتة الهَدَال، متأصلة في المعتقدات الخرافية
-
-
المعتقدات الخرافية — لمَ هي خطيرة الى هذا الحد؟استيقظ! ١٩٩٩ | تشرين الاول (اكتوبر) ٢٢
-
-
المعتقدات الخرافية — لمَ هي خطيرة الى هذا الحد؟
هل يمكن ان تؤذيكم المعتقدات الخرافية؟ قد يستبعد البعض هذه الفكرة او يقللون من شأنها. رغم ذلك، يحذر الپروفسور ستيوارت أ. ڤايس في كتابه الايمان بالسحر — التحليل النفسي للمعتقدات الخرافية (بالانكليزية): «قد تؤدي المعتقدات الخرافية الى نوعية حياة رديئة اذا صرف المرء اموالا طائلة على الوسطاء الارواحيين، العرافين، المتكهنين بواسطة الارقام او قارئي الغيب من خلال ورق اللعب المستخدم للتنبؤ، او اذا ساهمت المعتقدات الخرافية ان يستمر المرء في الادمان على المقامرة». ويمكن ان يؤدي السماح للمعتقدات الخرافية بالسيطرة على حياتنا الى عواقب اشد خطرا.
كما رأينا، تهدف معتقدات خرافية كثيرة الى تهدئة المخاوف بشأن المستقبل. لكن من المهم ان نميِّز بين المعتقد الخرافي والمعرفة الموثوق بها عما يكمن امامنا. تأملوا في مثل.
قصة منوِّرة
سنة ١٥٠٣، بعد اشهر من الاستكشاف على طول شاطئ اميركا الوسطى، استطاع كريستوفر كولومبس ان يرسي آخر سفينتين عنده في ما هو اليوم جزيرة جامايكا. في البداية، شارك سكان الجزر بكل طيب خاطر البحارة المستكشفين في الطعام. لكن مع الوقت، توقفوا عن تزويد البحارة بالطعام بسبب سلوكهم الرديء. فكانت الحالة حرجة اذ كان سيمضي بعض الوقت قبل ان تصل سفينة اخرى لإنقاذهم.
وبحسب الرواية، راجع كولومبس روزنامته وعلم ان خسوفا كليا للقمر سيحدث في ٢٩ شباط (فبراير) سنة ١٥٠٤. فحذَّر سكان الجزر، مستغلا ايمانهم بالخرافات، من ان الظلام سيغطي القمر اذا لم يزودوا طاقمه بالطعام. لكنَّ سكان الجزيرة تجاهلوا الانذار — حتى بدأ الخسوف! عندئذ، «بكثير من الولولة والنحيب، اتوا راكضين من كل النواحي الى السفينتين محملين بالمؤن». فزُوِّد المستكشفون بالطعام طوال فترة بقائهم.
بالنسبة الى سكان الجزيرة، انجز كولومبس سحرا قويا. لكنَّ استنتاجهم كان نتيجة معتقدات خرافية بحتة. وفي الواقع، كان «التنبؤ» مؤسسا على حركات ثابتة للارض، القمر، والشمس. ويستطيع الفلكيون بثقة ان يتنبأوا عن امور مثل الخسوف والكسوف قبل حدوثهما بوقت طويل، وتظهر هذه المعلومات في الروزنامات. وبالاضافة الى ذلك، تسمح دقة تحركات الاجرام السماوية للفلكيين ان يعرفوا بدقة وفي اي تاريخ محدَّد اين سيكون موقعها. لذلك، عندما تعلن صحيفتكم وقت شروق الشمس او غروبها تقبلون ذلك كواقع.
والخالق العظيم لهذه الاجرام السماوية هو، في الواقع، مصدر المعلومات الصادرة عن اوقات الكسوف والخسوف، وشروق الشمس وغروبها. أما تنبؤات العرافين، الوسطاء الارواحيين، المحدِّقين في الكرات البلورية، قارئي الغيب بواسطة ورق اللعب المستخدم للتنبؤ، فهي تأتي من مصدر مختلف مقاوم للّٰه القادر على كل شيء. تأملوا في ما نعنيه.
مصدر خطر
في اعمال ١٦:١٦-١٩، يخبر السجل المقدس ان «جارية» في مدينة فيلبي القديمة اكسبت سادتها ربحا كثيرا «بممارسة مهنة التكهُّن». لكنَّ الرواية تقول بصراحة ان مصدر تنبؤاتها لم يكن الخالق الكليّ القدرة، انما «روح شيطان يمكِّنها من العرافة». ولذلك عندما طرد الرسول بولس الشيطان، فقدت الجارية قدراتها على التنبؤ.
عندما نفهم ان مثل هذه التنبؤات تأتي من مصدر شيطاني، نفهم لماذا نصَّت شريعة اللّٰه التي اعطاها لإسرائيل القديمة على ما يلي: «لا يوجد فيك مَن . . . يعرف عرافة ولا عائف ولا متفائل ولا ساحر ولا مَن يرقي رقية ولا مَن يسأل جانا او تابعة . . . لأن كل مَن يفعل ذلك مكروه عند الرب». (تثنية ١٨:١٠-١٢) في الواقع، اعتبرت الشريعة مثل هذه الممارسات جريمة تستوجب الموت. — لاويين ١٩:٣١؛ ٢٠:٦.
وقد تتعجبون عندما تعلمون ان القوى الشريرة هي وراء ممارسات خرافية كثيرة تبدو غير مؤذية. لكنَّ الكتاب المقدس يقول ان الشيطان ‹يغيِّر شكله الى ملاك نور›. (٢ كورنثوس ١١:١٤) ويمكن للشيطان والابالسة التي يسيطر عليها ان يجعلوا الممارسات الخطرة تبدو غير مؤذية، حتى مفيدة. وأحيانا، قد يبتدعون اشياء تنذر بالشؤم ثم يجعلونها تتحقق، فتضلِّل المتفرجين اذ يعتقدون ان هذه الفؤول تأتي من اللّٰه. (قارنوا متى ٧:٢١-٢٣؛ ٢ تسالونيكي ٢:٩-١٢) ويوضح ذلك لماذا تتحقق احيانا بعض التنبؤات التي يتنبأ بها الذين يدَّعون امتلاك قدرات خصوصية.
طبعا، كثيرون ممَّن يدَّعون امتلاك قوى خصوصية، ان لم يكن معظمهم، هم مزيفون، دجالون يسعون الى سلب اموال الغافلين. ولكن سواء أكانوا مزيفين ام لا، يستخدمهم الشيطان كلهم بفعالية ليحوِّل الناس عن يهوه، ويعميهم عن «البشارة المجيدة». — ٢ كورنثوس ٤:٣، ٤.
تمائم «الحظ» والصنمية
وماذا عن تمائم «الحظ» والممارسات الخرافية التي يستعملها الناس لينالوا شعورا بالامان والسيطرة على الحوادث العشوائية في الحياة؟ تشتمل هذه الامور على عدد من المخاطر المخفية. احدها هو ان الشخص المؤمن بالخرافات قد يسلِّم فعليا زمام حياته الى قوى غير منظورة. وهو يتخلى عن كل منطق مستسلما لمخاوف غير عقلانية.
ويذكر احد الكتَّاب خطرا ضمنيا آخر. يقول: «عندما يعتمد شخص على تميمة الحظ السعيد للحماية وتفشل التميمة في ذلك، يمكن ان يلوم الشخص افعال الآخرين على حظه السيِّىء عوض ان يتحمل المسؤولية هو بنفسه». (قارنوا غلاطية ٦:٧.) ومن المثير للاهتمام ان كاتب المقالات رالف والدو أمرسون اعلن مرة: «الرجال السطحيون يؤمنون بالحظ . . . اما الفهماء فيؤمنون بالسبب والنتيجة».
وغالبا ما يؤدي عمل «السبب والنتيجة» في حياتنا الى الحوادث العشوائية — «الوقت والعرض» اللذين نتعرض لهما جميعا. (جامعة ٩:١١) فليست الحوادث العشوائية نتيجة نزوات «الحظ السيِّىء». ويعلم المسيحيون ان الممارسات الخرافية والتمائم السحرية لا تؤثر في نتيجة الحوادث العشوائية. فعندما تقع هذه الحوادث، نتذكر حق الكتاب المقدس: «لا تعرفون ما تكون حياتكم غدا. فانتم ضباب يظهر قليلا ثم يختفي». — يعقوب ٤:١٤.
وبالاضافة الى ذلك، يعرف المسيحيون الحقيقيون ان تمائم الحظ السعيد والممارسات او العادات الخرافية تحظى دائما باهتمام توقيري. لذلك يعتبر المسيحيون كل هذه الامور اشكالا من الصنمية يدينها الكتاب المقدس بوضوح. — خروج ٢٠:٤، ٥؛ ١ يوحنا ٥:٢١.
كيف نعرف المستقبل
هذا لا يعني ان المسيحيين لا يهتمون بالمستقبل. بالعكس، يدل التفكير السليم ان معرفة ما يكمن امامنا لها قيمة حقيقية. فإذا عرفنا مسبقا ماذا سيحدث، يمكن ان نتخذ الخطوات المناسبة لنستفيد ونفيد احباءنا.
لكن من الضروري استقاء هذه المعلومات من المنبع الصحيح. حذَّر النبي اشعيا: «سيقول لكم الشعب اطلبوا رسائل من العرافين والوسطاء الارواحيين . . . فينبغي ان تجيبوهم: ‹اصغوا الى ارشاد الرب! لا تصغوا الى الوسطاء الارواحيين — فما يخبرونكم به لا يفيدكم ابدا›». — اشعيا ٨:١٩، ٢٠، الترجمة الانكليزية الحديثة.
والمنبع الحقيقي للمعلومات الموثوق بها عن المستقبل هو كاتب الكتاب المقدس. (٢ بطرس ١:١٩-٢١) ويحتوي هذا الكتاب الموحى به براهين وافرة تؤكد ان النبوات التي اعطاها اللّٰه القادر على كل شيء، يهوه، يمكن الوثوق بها — ثقة تضاهي في الواقع الثقة «بالتنبؤات» المتعلقة بحركات الاجرام السماوية الموجودة في روزنامات لا تحصى. ولتوضيح دقة تفاصيل نبوة الكتاب المقدس، تأملوا في هذا المثل. لنفترض ان شخصا بارزا اليوم تنبأ علنا بحوادث ستحدث بعد ٢٠٠ سنة، اي سنة ٢١٩٩، وأن نبوته تحتوي هذه التفاصيل:
◻ ستندلع حرب عظيمة بين امتين ليستا بعد قوتين عالميتين متنافستين، والنتيجة ستغير التاريخ.
◻ تشمل الخطة الحربية المستخدمة عملا هندسيا عظيما يغيِّر مجرى نهر عظيم.
◻ يُعطى اسم الفاتح — قبل سنين من ولادته.
◻ يوصف المصير النهائي للخاسر مما يجعل التنبؤ يغطي فترة من قرون اضافية في المستقبل.
اذا صحت كل هذه التنبؤات، أفلا يدفع ذلك الناس ان يأخذوا بعين الاعتبار امورا اخرى قالها هذا الشخص عن المستقبل؟
وما وُصف الآن حدث بالفعل. فقبل ٢٠٠ سنة تقريبا من الهزيمة التي ألحقتها قوات مادي وفارس ببابل، اخبر يهوه بواسطة نبيِّه اشعيا ما يلي:
◻ تندلع حرب عظيمة بين مادي وفارس من جهة وبابل من جهة اخرى. — اشعياء ١٣:١٧، ١٩.
◻ تشمل الخطة المتبعة تجفيف نهر هو كخندق دفاع. وبالاضافة الى ذلك، تُترك ابواب المدينة المحصنة مفتوحة. — اشعياء ٤٤:٢٧–٤٥:٢.
◻ يُدعى الفاتح كورش — نبوة ذُكرت قبل نحو ١٥٠ سنة من ولادته. — اشعياء ٤٥:١.
◻ مع مرور الوقت، تصبح بابل بكاملها خِرَبا. — اشعياء ١٣:١٧-٢٢.
وقد تمت كل النبوات بحذافيرها. أليس جديرا باهتمامكم اذًا ان تتأملوا في نبوات اخرى قالها يهوه في كلمته المكتوبة؟
المستقبل العظيم الذي يعد به اللّٰه
بمَ ينبئ الكتاب المقدس؟ يعد الكتاب المقدس انه في عالم اللّٰه الجديد لن يتألم احد بسبب الشعور بعدم الامان بشأن المستقبل. لاحظوا الضمانة التي يعطيها اللّٰه للعائشين في ذلك الوقت: «لا يكون مَن يرعب». — ميخا ٤:٤.
ويعد الكتاب المقدس ايضا ان اللّٰه ‹يفتح يده فيشبع كل حي رضى›. (مزمور ١٤٥:١٦) وهل تحقيق هذا الوعد بعيد جدا؟ كلا! فقد تنبأ الكتاب المقدس قبل وقت طويل ان الظروف الحالية التي نراها على الارض اليوم تزوِّد البرهان على اننا نعيش في «الايام الاخيرة» من النظام الشرير الحاضر. — ٢ تيموثاوس ٣:١-٥.
قريبا سينهي الخالق المحب هذه الاحوال الشريرة. سيوقف كل الحروب — مصدر عدم الامان العالمي والالم. وبالاضافة الى ذلك، سيختفي الحقد، الانانية، الجريمة، والعنف الى الابد. يعد الكتاب المقدس: «الودعاء . . . يرثون الارض ويتلذذون في كثرة السلامة». — مزمور ٣٧:١٠، ١١.
والصحة الجيدة هي احدى البركات الكثيرة التي سيتمتع بها الناس في هذا العالم الجديد. حتى الموت والاحزان التي ترافقه لن تعود موجودة. فاللّٰه نفسه قال: «ها انا اصنع كل شيء جديدا». — كشف ٢١:٤، ٥.
في ذلك الوقت لن يتعرض احد للحوادث العشوائية التي تغير الحياة اليوم وتدمرها. وسيزول ايضا الابالسة الاشرار والشيطان، مصدر المخاوف الخرافية والاكاذيب الشريرة. وهذه الحقائق المثيرة موجودة في الكتاب المقدس.
[الصور في الصفحتين ٨ و ٩]
المعتقدات الخرافية لها صلة وثيقة بالممارسات الارواحية
[مصدر الصورة]
Except woman inside crystal ball: Les Wies/Tony Stone Images
[الصورة في الصفحة ١٠]
عالم اللّٰه الجديد سيخلو من المعتقدات الخرافية
-