-
الاميركيون الاصليون — نهاية حقبةاستيقظ! ١٩٩٦ | ايلول (سبتمبر) ٨
-
-
الاميركيون الاصليون — نهاية حقبة
مَن لم يشاهد فيلما عن رعاة البقر والهنود؟ لقد سمع الناس حول العالم عن وايِت ايرْپ، بافلو بيل، وعن الجوّال الوحيد («لون رَينْجِر،») ومن الهنود سمعوا عن جيرونيمو، سِتِنڠ بُل، كرَيزي هورس، الزعيم جوزف، وكثيرين غيرهم. ولكن الى ايّ حد كانت افلام هوليوود امينة في عرض الحوادث؟ وإلى ايّ حد كان تصويرها للهنود غير متحيِّز؟
تثير قصة إخضاع الاوروپيين للاميركيين الاصليين الشماليين (الهنود) علامات استفهام.a فهل انصفت كتب التاريخ الهنود؟ وهل من عِبَر يتّخذها المرء عن الجشع، الظلم، العنصرية، والاعمال الوحشية؟ ما هي القصة الحقيقية لِما يُعرف عموما برعاة البقر والهنود؟
مقاومة كاستر الاخيرة والمجزرة في وُونْدِد نِي
في سنة ١٨٧٦ كان الطبيب الساحر سِتِنڠ بُل من اللاكوتا (احد الفروع الرئيسية الثلاثة لهنود السُّو) قائدا في معركة نهر بيڠْهورْن الصغير الشهيرة في مونتانا. وب ٦٥٠ جنديا، ظن المقدَّم كاستر الملقب بـ «طويل الشعر» انه قادر بسهولة على هزم المحاربين الـ ٠٠٠,١ من هنود السُّو والشايان. لكنَّ تقديراته كانت خاطئة جدا. فقد كان يواجه على الارجح اكبر مجموعة من المحاربين الاميركيين الاصليين التأمت على الاطلاق — نحو ٠٠٠,٣ محارب.
قسَّم كاستر فوج الخيَّالة السابع تحت امرته الى ثلاث مجموعات. ودون انتظار دعْم المجموعتَين الاخريَين، هاجمت مجموعته قسما من معسكر الهنود اعتُقد انه غير حصين. فقام الهنود بقيادة كرَيزي هورس، ڠول، وسِتِنڠ بُل بسحق كاستر ووحدته المؤلفة من ٢٢٥ جنديا تقريبا. كان ذلك انتصارا وقتيا للقبائل الهندية وهزيمة مريرة للجيش الاميركي. لكنَّ انتقاما مريعا كان سيحدث بعد ١٤ سنة.
في النهاية استسلم سِتِنڠ بُل بعد ان وُعد بالعفو. ولكنه سُجن مدة قصيرة في فورت رانْدل في اقليم داكوتا. وفي سنواته الاخيرة ظهر علنا في استعراض بافلو بيل المتنقل عن الغرب الاميركي. فبعد ان كان قائدا بارزا، فقدَ هيبته ونفوذه اللذين كان يتمتع بهما كطبيب ساحر.
وفي سنة ١٨٩٠ قُتل سِتِنڠ بُل (اسمه بلغة اللاكوتا تاتانْكا إيوتاكي) برصاص شرطيَّين هنديَّين أُرسلا لاعتقاله. وكان قاتلاه من السُّو، وهما الملازم الاول بُل هَد والرقيب رَد توماهوك.
وفي السنة نفسها سُحقت اخيرا المقاومة الهندية لهيمنة الرجل الابيض في مجزرة وُونْدِد نِي كْرِيك في السهول العظمى الاميركية. فنحو ٣٢٠ رجلا وامرأة وولدا من السُّو الهاربين قتلهم الجنود الفدراليون وأسلحتهم السريعة الطلقات من نوع هوتشْكِس. وافتخر الجنود بأن هذه الحرب هي انتقامهم لمذبحة رفقائهم، كاستر ورجاله، على المرتفعات المطلة على نهر بيڠْهورن الصغير. وهكذا انتهت اكثر من ٢٠٠ سنة من الحروب والمناوشات المتفرِّقة بين المستوطنين الاميركيين الغزاة والقبائل الوطنية المحاصَرة.
ولكن كيف وصل الاميركيون الاصليون الى اميركا الشمالية في البداية؟ وكيف كانوا يعيشون قبل ان يحطَّ الرجل الابيض رحاله في اميركا الشمالية؟b ماذا ادى الى هزيمتهم الاخيرة وإخضاعهم؟ وما هو الوضع الحالي للهنود في بلد يسيطر عليه المتحدِّرون من المهاجرين الاوروپيين الاوائل؟ ستُناقَش هذه الاسئلة وأسئلة اخرى في المقالات التالية.
-
-
من اين اتوا؟استيقظ! ١٩٩٦ | ايلول (سبتمبر) ٨
-
-
من اين اتوا؟
«ماذا كنا ندعو انفسنا قبل ان يأتي كولومبُس؟ . . . في كل قبيلة، وحتى هذا اليوم، عندما تترجمون الكلمة التي كنا نطلقها على انفسنا دون ان نكون على علم بالاسماء التي اختارتها القبائل الاخرى، تجدون انها تُترجم دائما بالمعنى نفسه. ففي لغتنا [لغة هنود النَّارّاڠَنْسِت]، الكلمة هي نِينُوڠ، اي الشعب [بلغة هنود النَّاڤاهو، الكلمة هي دِينِه]، الكائنات البشرية. هذا ما كنا ندعو انفسنا به. لذلك عندما وصل المهاجرون [الاوروپيون] الى هنا، كنا نعلم مَن نحن، ولكننا لم نكن نعلم مَن هم. فدعوناهم آووناڠيسِك، اي الغرباء، لأنهم كانوا هم الاجانب، الذين لم نكن نعرفهم، ولكننا كنا نعرف بعضنا البعض. وكنا نحن الكائنات البشرية.» — تول اوك، من قبيلة النَّارّاڠَنْسِت.
هنالك نظريات عديدة عن اصل الاميركيين الاصليين.a كان جوزيف سميث مؤسس المورمونية واحدا من كثيرين اعتقدوا، بمن فيهم وليَم پَن من جماعة الكوَيكر، ان الهنود هم عبرانيون، اشخاص متحدِّرون ممَّن دُعوا بأسباط اسرائيل العشرة الضائعة. أما التفسير المقبول بين معظم علماء الانسان اليوم فهو ان قبائل آسيوية انتقلت الى ما يُعرف اليوم بألاسكا، كندا، والولايات المتحدة إما بواسطة معبر أرضي land bridge او بالزوارق. وحتى اختبارات الـ DNA تدعم هذه الفكرة كما يبدو.
الاميركيون الاصليون — اصلهم ومعتقداتهم
كتب المحرِّران الاميركيان الاصليان توم هيل (من هنود السِّينيكا) وريتشارد هيل الاكبر (من هنود التُّوسْكارورا) في كتابهما رحلة الخَلق — هوية الاميركيين الاصليين وإيمانهم (بالانكليزية): «يؤمن معظم الشعوب [الاميركية] الاصلية تقليديا بأنهم خُلقوا من الارض نفسها، من المياه، او من النجوم. أما علماء الآثار فلديهم نظرية عن معبر ارضي عظيم عبر مضيق بيرنڠ هاجر الآسيويون بواسطته الى الاميركتين؛ وهؤلاء الآسيويون، كما تؤكد النظرية، كانوا اسلاف الشعوب الاصلية في نصف الكرة الارضية الغربي.» ويميل بعض الاميركيين الاصليين الى الشك في نظرية مضيق بيرنڠ التي وضعها الرجل الابيض. فهم يفضِّلون تصديق اساطيرهم وحكاياتهم. ويعتبرون انفسهم سكانا اصليين لا مهاجرين مستكشِفين من آسيا.
ويوضح رصل فريدمان في كتابه شتاء هندي (بالانكليزية): «وفقا لاعتقاد المانْدان [قبيلة كانت قرب اعالي نهر ميسوري]، كان الانسان الاول روحا قويا، كائنا الهيا. وكان ربُّ الحياة، خالق كل الاشياء، قد خلقه في الماضي البعيد ليكون وسيطا بين البشر العاديين والآلهة، او الارواح، الكثيرة العدد التي تسكن الكون.» حتى ان معتقدات المانْدان تشمل اسطورة عن الطوفان. «ذات مرة، عندما اجتاح طوفان عظيم العالم، انقذ الانسانُ الاول الناسَ بتعليمهم بناء برج، او ‹فلك،› يحميهم بارتفاعه فوق مياه الطوفان. وإكراما له، هنالك في كل قرية من قرى المانْدان نسخة صغيرة لهذا البرج الخرافي — سارية من خشب الارز يبلغ طولها نحو خمس اقدام [٥,١ م] يحيط بها سياج من الواح خشبية.»
وكان للمانْدان ايضا كرمز ديني «عمود طويل ملفوف بالريش والفرو وفي اعلاه رأس قبيح من خشب مدهون باللون الاسود.» فمَن يمثِّل ذلك؟ «ان هذا التمثال يمثِّل أوخْكي-هَدَّا، وهو روح شرير له سيطرة كبيرة على البشر ولكن ليست له قوة رب الحياة او الانسان الاول.» وبالنسبة الى الهنود الذين يعيشون في السهول، «كان الايمان بعالم الارواح جزءا طبيعيا من الحياة اليومية. . . . فلم يكن ايّ قرار يُتَّخذ ولم يكن ايّ مشروع يباشَر دون طلب المساعدة والموافقة اولا من الكائنات المقدسة التي تتحكم في شؤون البشر.»
ويوضح جون بيرْهورست في كتابه اساطير اميركا الشمالية (بالانكليزية): «قبل ان تكون هنالك عشائر، كان هنود الأوساج، كما قيل، يتجوَّلون من مكان الى آخر في حالة عُرفت بكلمة ڠانِيتا (دون قانون او نظام). وكان يُعتقد في التقليد انه في تلك الايام الباكرة قام بعض المفكِّرين المدعوين الشيوخ الصغار . . . بوضع النظرية القائلة ان قوة صامتة ومبدِعة تملأ السماء والارض وتُبقي النجوم والقمر والشمس تتحرك في نظام تام. وأطلقوا على القوة اسم واكونْدا (القوة الغامضة) او إياواووناكا (مسبِّب وجودنا).» وهنالك فكرة مماثلة بين هنود الزُّوني، السُّو، واللاكوتا في الغرب. ولدى قبيلة وِينيباڠو ايضا اسطورة خلق تتحدث عن «صانع الارض.» تقول الرواية: «اراد ان يكون نور فكان نور. . . . ثم فكَّر من جديد وأراد ان تكون الارض، فأتت الارض الى الوجود.»
من المثير للاهتمام ان يرى تلميذ الكتاب المقدس بعض التناظرات بين معتقدات الاميركيين الاصليين والتعاليم الموجودة في الكتاب المقدس، وخصوصا في ما يتعلق بالروح الاعظم، «مسبِّب وجودنا،» الذي يذكِّر بمعنى الاسم الالهي يهوه، «يُصيِّر» («يسبِّب ان يصير»). وتشمل تناظرات اخرى الطوفان والروح الشرير المعروف باسم الشيطان في الكتاب المقدس. — تكوين ١:١-٥؛ ٦:١٧؛ رؤيا ١٢:٩.
فهم فلسفات الاميركيين الاصليين
يشرح الكاتبان الاميركيان الاصليان توم هيل وريتشارد هيل العطايا الخمس التي يقولان ان الاميركيين الاصليين ورثوها عن اسلافهم. «العطية الاولى . . . هي تعلّقنا الشديد بالارض.» ومَن يمكنه ان ينكر ذلك، نظرا الى تاريخهم قبل وصول الانسان الاوروپي وبعده؟ لكنَّ ارضهم، التي غالبا ما يعتبرها الاميركيون الاصليون مقدسة، كانت تؤخذ منهم دائما بالقوة، بالخداع، او بالمعاهدات التي لم تُحترم.
«العطية الثانية هي القوة والروح التي تتشارك فيها الحيوانات مع شعبنا.» واحترام الاميركيين الاصليين للحيوانات يَظهر في امور كثيرة. فكانوا يصطادون الحيوانات فقط من اجل الطعام واللباس والمسكن. وليس السكان الاصليون هم الذين قضوا تقريبا على الجواميس (البيسون) بل الرجل الابيض بعطشه الى الدم وجشعه القصير النظر.
«العطية الثالثة هي القوى الارواحية، وهم اقرباؤنا الاحياء الذين يتصلون بنا بواسطة التماثيل التي نصنعها لهم.» نجد هنا المحور المشترك بين اديان كثيرة حول العالم — بقاء روحٍ او نفسٍ حية بعد الموت.b
«العطية الرابعة هي ادراكنا لهويتنا، ويتجلى ويتعزز ذلك في تقاليدنا القبلية.» ويُرى ذلك اليوم بوضوح في الاحتفالات القبلية حيث يجتمع الناس لمناقشة الشؤون القبلية، او في اللقاءات الاجتماعية حيث يجري الرقص القبلي وتُعزف الموسيقى القبلية. واللباس الهندي، قرع الطبول الايقاعي، الرقصات، اجتماعات العائلات والعشائر — هي كلها وسائل للتعبير عن التقليد القبلي.
«والعطية الاخيرة هي الإبداع — فمعتقداتنا تتجسد من خلال تحويل المواد الطبيعية الى اشياء تعكس ايماننا واعتزازنا.» فسواء كان العمل صنع السلال، الحياكة، صنع الآنية الفخارية وتلوينها، صياغة الجواهر والحلى، او ايّ عمل ابداعي آخر، فهو مرتبط بتقليدهم وثقافتهم على مرّ العصور.
هنالك قبائل كثيرة جدا حتى ان شرح كل المعتقدات والممارسات التقليدية يتطلب كتبا كثيرة. ولكن ما يهمُّنا الآن هو: كيف اثَّر تدفُّق ملايين الاوروپيين، وكثيرون منهم مسيحيون مزعومون، في الاميركيين الاصليين؟
-
-
كيف خسروا عالمهماستيقظ! ١٩٩٦ | ايلول (سبتمبر) ٨
-
-
كيف خسروا عالمهم
«صراع الغرب الاميركي.» تلخِّص هذه العبارة صفحات طويلة من تاريخ الولايات المتحدة. وقد تناولت افلام هوليوود قصص مستوطنين بيض يجوبون السهول والجبال الاميركية، والجنود الاقوياء كما في ادوار الممثل جون واين، بالاضافة الى رعاة البقر والمستوطنين، يحاربون الهنود المتوحشين والهمج المهاجِمين بفؤوسهم. وفي حين كان الرجل الابيض يسعى وراء الاراضي والذهب، كان بعض كهنة ومبشِّري العالم المسيحي ينقذون الانفس كما كان يُزعم.
ولكن كيف بدا هذا التاريخ من وجهة نظر سكان اميركا الاصليين؟ بوصول الاوروپيين، كما يذكر كتاب الاميركيون الاصليون — تاريخ مصوَّر (بالانكليزية)، «أُجبر [الهنود] على مواجهة اكثر الوحوش ضراوة التي دخلت بيئتهم والتي لم يواجهوا مثيلا لها من قبل: الغزاة الاوروپيين البيض.»
انسجام خلَّف نزاعا
في البداية، لاقى كثيرون من الاوروپيين الذين وصلوا اولا الى الشمال الشرقي الاميركي معاملة لطيفة، وتعاون معهم السكان الاصليون. تذكر احدى الروايات: «لولا مساعدة هنود الپاواتان، لَما صمدت المستوطَنة البريطانية في جَيمس تاون، ڤيرجينيا، اول مستعمرة انكليزية دائمة في العالم الجديد، امام اول شتاء قاسٍ عرفته سنة ١٦٠٧-١٦٠٨. وبشكل مماثل، لولا مساعدة هنود الوامْپانُواڠ لبادت مستعمرة المهاجرين الانكليز في پلايموث، ماساتشوستس.» وتعلّم المهاجرون من بعض السكان الاصليين كيف يسمِّدون التربة ويزرعون المحاصيل. وإلى ايّ حد كانت ستنجح بعثة لويس وكلارك خلال السنوات ١٨٠٤-١٨٠٦ — والتي كانت تهدف الى ايجاد خط نقل عملي يربط اقليم لويزيانا بما كان يدعى أوريڠون كانتري — دون مساعدة ساكاجاوِيا وتدخُّلها، وهي امرأة من هنود الشّوشون؟ فقد كانت «عربون سلام» عندما صارا وجها لوجه مع هنود قبيلتها.
ولكن بسبب الطريقة التي استغل بها الاوروپيون الاراضي والموارد الغذائية المحدودة، احدثت الهجرة الجماعية الى اميركا الشمالية توتُّرا بين الغزاة والسكان الاصليين. ويوضح المؤرخ الكندي إيان ك. ستيل انه كان هنالك في ماساتشوستس ٠٠٠,٣٠ شخص من هنود النَّارّاڠَنْسِت في القرن الـ ١٧. ولما «شعر» زعيمهم مِيانْتونومو «بالخطر، . . . حاول اقامة تحالف مع هنود الموهوك لإنشاء حركة مقاومة هندية اميركية عامة.» ويُخبَر انه قال لهنود المونْتوك سنة ١٦٤٢: «[يجب] ان نكون واحدا كما هم [الانكليز] واحد، وإلّا فسنُباد قريبا، لأنه كما تعرفون كانت لآبائنا وفرة من الايائل وجلود الحيوانات، وكانت سهولنا وغاباتنا تعجّ بالايائل و [الديوك الرومية]، وكانت تكثر في خلجاننا الاسماك والطيور. لكنَّ هؤلاء الانكليز يستولون على ارضنا، فيحشّون العشب بمناجلهم، ويقطعون الاشجار بفؤوسهم؛ وتأكل ابقارهم وأحصنتهم العشب، وتفسد خنازيرهم ضفافنا حيث يعيش المحار، وسنموت كلنا جوعا.» — سُبُل الحرب — غزوات اميركا الشمالية (بالانكليزية).
لكنَّ جهود مِيانْتونومو لتشكيل جبهة متحدة من الاميركيين الاصليين باءت بالفشل، وفي سنة ١٦٤٣، خلال حرب قبلية، اسره الزعيم أُنْكاس من قبيلة الموهيڠَن وسلّمه الى الانكليز كمتمرد. ولكن لم يكن باستطاعة الانكليز ادانة مِيانْتونومو شرعيا وإعدامه. فوجدوا حلّا مناسبا. يتابع ستيل: «بما انه لم يكن باستطاعتهم اعدام [مِيانْتونومو] اذ كان خارج نطاق سلطة ايّ من المستعمرات، حمل المفوّضون أُنْكاس على إعدامه، وكان هنالك شهود انكليز للتأكد ان ذلك تمّ.»
من هنا لا يرى المرء فقط الصراعات المستمرة التي كانت تدور بين المستعمِرين الغزاة والسكان الاصليين بل ايضا التنافس والخداع المميتَين بين القبائل نفسها، وهذان كانا موجودين حتى قبل ان يصل الرجل الابيض الى اميركا الشمالية. وقد وقفت قبائل الى جانب البريطانيين في حربهم ضد الفرنسيين من اجل الهيمنة الاستعمارية على اميركا الشمالية، في حين ايدت قبائل اخرى الفرنسيين. وبصرف النظر عن الجانب الخاسر، دفعت كل القبائل المشمولة بالحرب ثمنا باهظا.
«هوّة من اساءات الفهم»
تعبِّر الكلمات التالية عن احدى وجهات النظر من الغزو الاوروپي: «ما لم يفهمه قادة القبائل الهندية، إلّا بعد فوات الاوان في اغلب الاحيان، هو الطريقة التي كان الاوروپيون ينظرون بها الى الهنود. فلم يكونوا بيضًا او مسيحيين، بل كانوا في رأي كثيرين همجا متوحشين، سلعة خطرة ومجرَّدة من الاحاسيس لا مكان لها إلا في اسواق النخَّاسين.» وكان لموقف التفوُّق هذا تأثيرات مهلكة في القبائل.
لم تكن وجهة نظر الاوروپيين مفهومة لدى الاميركيين الاصليين. فقد كانت هنالك «هوّة من اساءات الفهم،» كما دعا ذلك المستشار فِلْمر بلوهاوس من هنود النَّاڤاهو في مقابلة اجرتها معه استيقظ! مؤخرا. فالسكان الاصليون لم يعتبروا حضارتهم ادنى مستوى بل مختلفة، حضارة ذات قيم متباينة كليا. مثلا، لم يكن بيع الارض مألوفا البتة لدى الهنود. هل يملك المرء الهواء والريح والماء ليبيعها؟ فكيف يبيع الارض؟ لقد كانت مشاعًا للجميع. لذلك لم يسيِّج الهنود الاراضي.
وبوصول البريطانيين والاسپان والفرنسيين، وقع ما وُصف بأنه «صدام عنيف بين ثقافتين غريبتين.» فالسكان الاصليون كانوا شعبا تعلّم طوال مئات السنين العيش بتآلف مع الارض والطبيعة، وكان يعرف كيف يحيا دون الاخلال بالتوازن البيئي. لكنَّ الرجل الابيض صار يعتبر السكان الاصليين مخلوقات متوحشة وأدنى مرتبة — ناسيًا طبعا وحشيَّته هو في إخضاعهم! وفي سنة ١٨٣١ اختصر المؤرخ الفرنسي ألكسي دو توكڤيل الرأي السائد لدى الرجل الابيض في الهنود اذ قال: «لم تخلقهم السماء ليصيروا متحضِّرين؛ لذلك ينبغي ان يموتوا.»
القاتل الاكثر فتكا
مع استمرار المستوطنين الجدد في التوجُّه غربا في انحاء اميركا الشمالية، صار العنف يولّد العنف. لذلك سواء كان الهنود مَن بدأ بالهجوم او الغزاة الاوروپيون، كان كلا الطرفَين يرتكب الفظائع. وكان الهنود يُخشَون بسبب ما يُعرف عنهم بسلخ فروة الرأس، ممارسة يعتقد البعض انهم تعلّموها من الاوروپيين الذين كانوا يقدِّمون جوائز مقابل فراء الرأس. لكنَّ الهنود كانوا يخوضون معركة خاسرة ضد فريق يفوقهم عددا وعتادا. وفي معظم الحالات كانت القبائل تضطر في النهاية إما الى مغادرة ارض اجدادهم او الموت. وغالبا ما كانوا يلاقون المصيرَين، اذ كانوا يغادرون ارضهم ثم يُقتلون او يموتون من الامراض او الجوع.
لكنَّ الموت في المعركة لم يكن العامل الاكثر فتكا بقبائل السكان الاصليين. يكتب إيان ك. ستيل: «لم تكن البندقية، الحصان، الكتاب المقدس، او ‹الحضارة› الاوروپية امضى سلاح في غزو اميركا الشمالية، بل الوبأ.» وعن تأثير امراض العالم القديم في الاميركتين، كتبت پاتريشا نلسون ليمْريك، استاذة في التاريخ: «عندما انتقلت تلك الامراض نفسها [التي لزمت قرون عديدة ليطوِّر الاوروپيون مناعة ضدها] الى العالم الجديد — جدري الماء، الحصبة، الانفلونزا، الملاريا، الحمى الصفراء، التيفوس، السلّ، وفوق كل ذلك، الجدري — لم تقوَ [اجسام الهنود] على مقاومتها. فارتفعت معدلات الوفيات في قرية بعد اخرى وبلغت حتى ٨٠ او ٩٠ في المئة.»
ويصف رصل فريدمان وباء الجدري الذي تفشى سنة ١٨٣٧. «كان هنود المانْدان اول من اصيبوا به، وتبعهم بسرعة هنود الهِيداتْسا، الأسِّينيبويْن، الأريكارا، السُّو، والبلاكفوت.» وقُضي تقريبا على كل المانْدان. فمن نحو ٦٠٠,١ شخص سنة ١٨٣٤، انخفض عددهم الى ١٣٠ سنة ١٨٣٧.
وماذا عن المعاهدات؟
يستطيع شيوخ القبائل حتى هذا اليوم ان يسردوا بسرعة تواريخ المعاهدات التي وقَّعتها الحكومة الاميركية مع آبائهم في القرن الـ ١٩. ولكن علامَ كانت هذه المعاهدات تنصُّ؟ عموما على التخلّي المجحف عن اراضٍ طيِّبة مقابل محمية جدباء وإعالة من الحكومة.
وحالة قبائل الإيروكوي (التي تضمّ من الشرق الى الغرب هنود الموهوك، الأونايْدا، الأنونْداڠا، الكايُوڠا، والسِّينيكا) بعد ان هزم المستعمِرون الاميركيون البريطانيين في حرب الاستقلال التي انتهت سنة ١٧٨٣ هي مثال للازدراء الذي عومل به السكان الاصليون. فقد وقف الإيروكوي الى جانب البريطانيين، وكل ما حصلوا عليه منهم مقابل ذلك، كما ذكر ألڤِن جوزيفي الابن، كان الخذلان والاهانات. فالبريطانيون، «الذين تجاهلوا [الإيروكوي]، تنازلوا عن السيادة على اراضي هؤلاء للولايات المتحدة.» ويضيف انه حتى الإيروكوي الذين انحازوا الى المستعمِرين ضد البريطانيين «جُعلوا تحت رحمة شركات الاراضي والسماسرة الجشعين وتحت رحمة الحكومة الاميركية نفسها.»
وعندما دُعي الى عقد اجتماع لإبرام معاهدة سنة ١٧٨٤، قام جَيمس دواين، ممثِّل سابق للجنة الشؤون الهندية المنبثقة من كونڠرس المستعمرات، بحضِّ وكلاء الحكومة على «تقويض اية ذَرَّة باقية من عزّة النفس لدى الإيروكوي بمعاملتهم عمدا كأشخاص ادنى.»
فنُفِّذت مقترحاته المتعجرفة. وأُخذ بعض الإيروكوي رهائن، وأُجريت «المفاوضات» تحت تهديد السلاح. ومع ان الإيروكوي لم يعتبروا انفسهم مهزومين في الحرب، فقد اضطروا الى التخلي عن ارضهم في غرب نيويورك وپنسلڤانيا وقبول العيش في محمية اصغر حجما في ولاية نيويورك.
واعتُمدت خطط مماثلة مع معظم القبائل الاصلية. ويذكر جوزيفي ايضا ان الوكلاء الاميركيين لجأوا الى «الرشوة، التهديدات، الكحول، والاستعانة بممثِّلين غير مخوَّلين رسميا، وذلك في محاولة لانتزاع الاراضي من هنود الدّيلاوير، الوايَنْدوت، الأوتاوا، التشِيپيوَا [او الاوجيبْوا]، الشّونِي، وقبائل اخرى في اوهايو.» فلا عجب ان تنعدم سريعا ثقة الهنود بالرجل الابيض ووعوده الفارغة!
«المسيرة الطويلة» ودرب الدموع
عندما اندلعت الحرب الاهلية الاميركية (١٨٦١-١٨٦٥)، استُدعي الجنود من المنطقة التي يعيش فيها هنود النَّاڤاهو في الجنوب الغربي. فاستغلَّ النَّاڤاهو هذه الفرصة وهاجموا المستوطَنات الاميركية والمكسيكية في وادي ريو ڠراندي في اقليم نيو مكسيكو. فأرسلت الحكومة الكولونيل كيت كارسون وكتيبة «متطوِّعو نيو مكسيكو» تحت امرته لقمع النَّاڤاهو ونقلهم الى محمية في قطعة ارض جدباء تدعى بوسكي ريدونْدو. فاتَّبع كارسون سياسة الارض المحروقة لتجويع النَّاڤاهو وحملهم على مغادرة منطقة كانيون دي شَيّ المهيبة في شمال شرقي آريزونا. حتى انه اتلف اكثر من ٠٠٠,٥ شجرة درّاق.
وجمع كارسون نحو ٠٠٠,٨ شخص وأجبرهم على الشروع في «المسيرة الطويلة» البالغة نحو ٥٠٠ كيلومتر (٣٠٠ ميل) الى معتقَل بوسكي ريدونْدو في فورت سَمْنر، نيو مكسيكو. يقول احد التقارير: «كان الطقس باردا جدا، وكثيرون من المنفيين القليلي اللباس والسيئي التغذية ماتوا في الطريق.» وكانت الاحوال في المحمية مريعة. فكان على النَّاڤاهو ان يحفروا حُفرا في الارض للاحتماء. وفي سنة ١٨٦٨، بعد ان ادركت الحكومة خطأها الفادح، منحت النَّاڤاهو ٠٠٠,١٤ كيلومتر مربع (٥,٣ ملايين اكر) من ارض اجدادهم في آريزونا ونيو مكسيكو. فعادوا اليها، ولكن يا للثمن الذي أُجبروا على دفعه!
وعشرات الآلاف من هنود التشوكْتو، التشيروكِي، التشيكاسو، الكرِيك، والسمينول أُخرجوا بين سنتَي ١٨٢٠ و ١٨٤٥ من اراضيهم في الجنوب الشرقي وأُجبروا على السير غربا، الى ما وراء نهر الميسيسيپي، نحو ما يُعرف اليوم بأوكلاهوما، على بُعد مئات الكيلومترات. وبسبب الشتاء القارس مات كثيرون. وصارت المسيرة الالزامية غربا تُعرف باسم «درب الدموع.»
وكلمات الجنرال الاميركي جورج كروك، الذي طارد هنود السُّو والشَّايان في الشمال، هي برهان اضافي على المظالم المرتكَبة بحقِّ الاميركيين الاصليين. فقد قال: «نادرا ما تُسمع وجهة نظر الهنود من القضية. . . . ولا يُجذب انتباه الناس الى قضية الهنود إلّا عندما ينتفضون، ولكنَّ جرائمهم وفظائعهم وحدهم هي التي تُدان، في حين ان الاشخاص الذين دفع ظلمهم [الهنود] الى هذا التصرف يفلتون من العقاب . . . لا احد يعرف هذه الحقيقة اكثر من الهندي، لذلك فهو معذور اذا لم يرَ عدلا في حكومة تعاقبه هو وحده، في حين تسمح للرجل الابيض بنهبه كما يحلو له.» — ادفنْ قلبي في وُونْدِد نِي (بالانكليزية).
وما هو وضع الاميركيين الاصليين اليوم بعد اكثر من مئة سنة من الهيمنة الاوروپية؟ هل هم في خطر الزوال بسبب الانصهار الاجتماعي؟ وأيّ امل لديهم للمستقبل؟ ستعالج المقالة التالية هذه الاسئلة وغيرها ايضا.
-
-
ماذا يخبئ مستقبلهم؟استيقظ! ١٩٩٦ | ايلول (سبتمبر) ٨
-
-
ماذا يخبئ مستقبلهم؟
في مقابلة مع استيقظ!، قال «زعيم السِّلم» الشاياني لورنس هارْت ان احدى المشاكل التي تؤثر في الهنود «هي اننا نواجه قوى الامتزاج الثقافي والانصهار الاجتماعي. فنحن مثلا نخسر لغتنا. وفي الماضي كانت هذه سياسة حكومية عمدية. فقد بُذلت جهود كبيرة لجعلنا ‹متحضِّرين› من خلال التعليم. وكنا نُرسل الى مدارس داخلية ونُمنع من التكلم بلغاتنا الاصلية.» وتتذكر ساندرا كِنْلاتشيني: «كنت اذا تكلمت لغة النَّاڤاهو في مدرستي الداخلية تغسل المعلمة فمي بالصابون!»
ويتابع الزعيم هارْت: «احد العوامل المشجعة التي برزت مؤخرا هو ان قبائل مختلفة تنبَّهت للامر. فقد ادركت ان لغاتها ستنقرض ما لم تُبذل جهود لحفظها.»
هنالك عشرة اشخاص فقط يتكلمون الكاروڠ، وهي لغة احدى قبائل كاليفورنيا. وفي كانون الثاني ١٩٩٦ مات رَدْ ثَنْدِر كلاوْد (كارلوس وَسْتِز)، آخر هندي يتكلم لغة الكاتوبا، في الـ ٧٦ من العمر. ولم يكن هنالك احد يتحدث معه بهذه اللغة طوال سنين كثيرة.
وفي قاعات ملكوت شهود يهوه في محميتَي هنود النَّاڤاهو والهوپي في آريزونا، يتكلم الجميع تقريبا لغة النَّاڤاهو او الهوپي بالاضافة الى الانكليزية. حتى الشهود غير الهنود يتعلّمون لغة النَّاڤاهو. فيلزم ان يتعلّم الشهود لغة النَّاڤاهو لكي يتمِّموا عملهم التعليمي للكتاب المقدس، اذ ان كثيرين من النَّاڤاهو لا يجيدون إلّا لغتهم الخاصة. ولا تزال لغتا الهوپي والنَّاڤاهو من اللغات الحية، ويُشجَّع الاحداث على استعمالهما في المدرسة.
التعليم بين الاميركيين الاصليين
هنالك ٢٩ كليّة هندية في الولايات المتحدة، وهي تضمّ ٠٠٠,١٦ طالب. وافتُتحت الكليّة الاولى في آريزونا سنة ١٩٦٨. قال الدكتور دايڤيد ڠِپ من اللجنة الهندية الاميركية للتعليم العالي: «هذا واحد من اروع التغييرات في المجتمع الهندي، فقد صار لنا الحق في التعليم وفق شروطنا الخاصة.» ولغة اللاكوتا مادة دراسية ضرورية في جامعة سِنْتي ڠلاسْكا.
ووفقا لرئيس صندوق الكليّات الهندية الاميركية رون ماكْنِيل (وهو من فرع الهونكْپاپا من هنود اللاكوتا)، تتراوح ارقام البطالة لدى الاميركيين الاصليين بين ٥٠ في المئة و ٨٥ في المئة، ومتوسط العمر المتوقع هو الادنى بين الهنود، ومعدلات السكّري والسل والكحولية هي اعلى من اية مجموعة اخرى في الولايات المتحدة. وتحسين الثقافة هو واحد فقط من التدابير التي يمكن ان تساعد.
الاراضي المقدسة
يعتبر كثيرون من الاميركيين الاصليين اراضي اجدادهم مقدسة. وكما قال وايت ثَنْدِر لسِناتور اميركي: «ارضنا هنا اعزُّ شيء على قلوبنا.» وعندما كانت تُعقد المعاهدات والاتفاقات، غالبا ما كان الهنود يفترضون انها لتخوِّل الرجل الابيض استعمال اراضيهم لا وَضْع يده عليها وامتلاكها. وخسرت قبائل السُّو الهندية ارضا قيِّمة في منطقة الهضاب السوداء في داكوتا في سبعينات القرن الـ ١٩، عندما اخذ المعدِّنون يتقاطرون اليها بحثا عن الذهب. وفي سنة ١٩٨٠ فرضت المحكمة الاميركية العليا على الحكومة الاميركية دفع نحو ١٠٥ ملايين دولار اميركي كتعويض لقبائل السُّو الثماني. وحتى هذا اليوم ترفض القبائل قبول المبلغ — فهم يريدون استعادة ارضهم المقدسة، الهضاب السوداء في داكوتا الجنوبية.
لا يُسَرُّ كثيرون من هنود السُّو برؤية وجوه رؤساء اميركيين بيض منقوشة في جبل راشمور في منطقة الهضاب السوداء. وعلى جبل مجاور، ينقش النحاتون شكلا اكبر ايضا. انها منحوتة لكرَيزي هورس، قائد حربي من هنود الأوڠْلالا من قبائل السُّو. وسينتهي العمل في الوجه بحلول شهر حزيران من سنة ١٩٩٨.
التحديات في ايامنا
لكي يتمكن الاميركيون الاصليون من العيش في هذا العالم العصري، اضطروا الى التكيُّف معه بطرائق مختلفة. فلدى كثيرين الآن ثقافة جيدة وتدريب جامعي، ويتمتعون بمهارات يمكن تسخيرها لفائدة القبائل. وأحد الامثلة هو بورتِن ماكَرتْشي صاحب الصوت الهادئ، وهو من هنود التشِيپيوَا من ميشيڠان. فهو يصوِّر افلاما وثائقية لحساب «هيئة الاذاعة العامة» التلفزيونية ويعمل الآن في مدرسة ثانوية في محمية الهوپي في آريزونا كمنسِّق لحصص دراسية للصفوف التي تُستعمل فيها افلام الڤيديو في كل ارجاء الولاية. والمثال الآخر هو راي هالْبريتِر، احد قادة قبيلة اونايْدا ومتعلّم في جامعة هارڤرد.
أما آرلين يونڠ هاتْفيلد التي تكتب في ناڤاهو تايمز (بالانكليزية)، فتعلّق قائلة ان شبان النَّاڤاهو لا يملكون الخبرات التي امتلكها آباؤهم وأجدادهم ولا يقومون بالتضحيات التي قام بها هؤلاء خلال نشأتهم. كتبت: «بسبب وسائل الراحة [العصرية] لم يجمعوا الحطب او يقطعوه قط، لم ينقلوا الماء، ولم يرعوا الخراف كما كان يفعل اسلافهم. وهم لا يساهمون في معيشة عائلتنا كما كان يفعل الاولاد من زمن بعيد.» وتستنتج قائلة: «يستحيل الهرب من المشاكل الاجتماعية الكثيرة التي ستؤثر حتما في اولادنا. فلا يمكننا عزل عائلاتنا او المحمية عن باقي العالم، ولا يمكننا العودة الى الحياة التي كان آباؤنا يعيشونها.»
هنا يكمن التحدي امام الاميركيين الاصليين — كيف يحافظون على تقاليدهم وقيمهم القبلية الفريدة وفي الوقت نفسه يتكيَّفون مع العالم السريع التغيُّر حولهم.
محاربة المخدِّرات والكحول
تدمِّر الكحولية حتى هذا اليوم مجتمع الاميركيين الاصليين. وفي مقابلة مع استيقظ! قالت الدكتورة لوراين لورْتش، التي تعمل كطبيبة اطفال وطبيبة عامة بين الهوپي والنَّاڤاهو منذ ١٢ سنة: «الكحولية مشكلة صعبة يعانيها الرجال والنساء على السواء. فالاجسام القوية تقع ضحية تليُّف الكبد، الموت نتيجة الحوادث، الانتحار، والقتل. ومن المحزن رؤية الكحولية تأخذ الاولوية مكان الاولاد، رفيق الزواج، وحتى اللّٰه. فتتحوَّل الضحكة الى دموع، واللطف الى عنف.» وأضافت: «حتى بعض الاحتفالات التي كان النَّاڤاهو والهوپي يعتبرونها مقدَّسة، صار السكر والفسق يدنِّسانها اليوم. فالمشروبات الكحولية تسلب هذا الشعب الرائع صحته، ذكاءه، ابداعه، وشخصيته الحقيقية.»
أما فِلْمر بلوهاوس، الذي يعمل مُصلِحا بين الاطراف المتخاصمة في دائرة العدل لقبيلة النَّاڤاهو في ويندو روك في آريزونا، فيصف اساءة استعمال المخدِّرات والمشروبات الكحولية بتعبير لطيف ويقول انها «مداواة ذاتية.» فالهدف من اساءة استعمالها هو التخلص من الاحزان ومساعدة المرء نفسه على الهرب من واقع حياته القاسي حيث لا عمل ولا حتى قصد في اغلب الاحيان.
ولكن نجح كثيرون من الاميركيين الاصليين في محاربة «شيطان» الشُّرب الذي جلبه الرجل الابيض وجاهدوا كثيرا لينتصروا على ادمان المخدِّرات. كلايْد وهنرييتا ابراهامسون، من محمية سپوكان الهندية في ولاية واشنطن، هما خير مثال لذلك. كلايْد مربوع وقوي البنية، وشعره وعيناه قاتمة اللون. اوضح لمجلة استيقظ!:
«ترعرعنا في المحمية طوال معظم حياتنا، ثم انتقلنا الى مدينة سپوكان للذهاب الى الكليّة. لم يكن نمط حياتنا الذي يدور حول المشروبات الكحولية والمخدِّرات يعجبنا. لكننا لم نكن نعرف حياة من نوع آخر. فترعرعنا ونحن نكره هذين الامرين بسبب المشاكل التي رأيناهما يسبِّبانها للعائلة.
«ثم صرنا على اتصال بشهود يهوه. لم نكن قد سمعنا بهم قبل مجيئنا الى المدينة. وكان تقدُّمنا بطيئا. ربما كان السبب هو عدم ثقتنا بالناس الذين لا نعرفهم، وخصوصا البيض. واستمررنا ندرس الكتاب المقدس بشكل متقطع نحو ثلاث سنين. كان تدخين الماريجوانا اصعب عادة حاولت الاقلاع عنها. فكنت ادخِّنها مذ كنت في الـ ١٤ من العمر، وكنت قد بلغت الـ ٢٥ قبل ان احاول الاقلاع عنها. لقد قضيت معظم سني حداثتي تحت تأثيرها. وفي سنة ١٩٨٦ قرأت مقالة في عدد ٢٢ كانون الثاني من استيقظ! [بالانكليزية] بعنوان «الجميع يدخِّنون الماريجوانا — فلِمَ لا ادخِّنها انا؟» جعلتني المقالة افكر في مدى حماقة تدخين الماريجوانا — وخصوصا بعدما قرأت الامثال ١:٢٢ التي تقول: ‹الى متى ايها الجهال تحبون الجهل والمستهزئون يُسَرُّون بالاستهزاء والحمقى يبغضون العلم.›
«فأقلعت عن عادة تدخينها، وفي ربيع سنة ١٩٨٦ تزوَّجت هنرييتا. ثم اعتمدنا في تشرين الثاني ١٩٨٦. وفي سنة ١٩٩٣ صرتُ شيخا في الجماعة. واعتمدت ابنتانا وصارتا شاهدتين سنة ١٩٩٤.»
هل الحلّ في الكازينوات والمقامرة؟
في سنة ١٩٨٤ لم تكن تُجرى مقامرات بإدارة الهنود الاميركيين في الولايات المتحدة. ولكن، حسبما ذكرت ذا واشنطن پوست (بالانكليزية)، تدير ٢٠٠ قبيلة هذه السنة ٢٢٠ عملية مقامرة في ٢٤ ولاية. والاستثناءان البارزان هما قبيلتا النَّاڤاهو والهوپي اللتان تقاومان الاغراء حتى هذا اليوم. ولكن هل تمهِّد الكازينوات وصالات البينڠو الطريق للازدهار ولتوفير وظائف اكثر لسكان المحميات؟ اخبر فِلْمر بلوهاوس استيقظ!: «المقامرة سيف ذو حدَّين. والسؤال هو هل تنفع اكثر مما تضرّ.» ويذكر احد التقارير ان الكازينوات الهندية خلقت ٠٠٠,١٤٠ وظيفة في البلاد ولكنه يشير الى ان ١٥ في المئة فقط من هذه الوظائف يشغلها هنود.
وأبدى زعيم الشايان هارْت رأيه لمجلة استيقظ! في مدى تأثير الكازينوات والمقامرة في المحميات وقال: «ان مشاعري متضاربة. فالخير الوحيد في ذلك هو انه يوفِّر الوظائف والمدخول للقبائل. ولكني من ناحية اخرى لاحظت ان الكثير من الزُّبُن هم من شعبنا. وبعض الذين اعرفهم ادمنوا لعب البينڠو، فهم يغادرون بيوتهم باكرا ليذهبوا الى [الكازينو]، حتى قبل عودة الاولاد من المدرسة. فيُعطى الاولاد مفتاح البيت، ويبقون فيه وحدهم الى ان يعود والدوهم من لعب البينڠو.
«المشكلة الرئيسية هي ان العائلات تعتقد انها ستربح وتزيد مدخولها. وهذا ما لا يحدث عموما؛ فهي تخسر. لقد رأيتهم ينفقون مالا كان مخصَّصا لشراء المأكولات او الثياب للأولاد.»
ماذا يخبئ المستقبل؟
يوضح توم باتي انه تَرِدُ فكرتان شائعتان عندما يناقَش مستقبل القبائل الجنوبية الغربية. «الاولى تتوقع بشكل صريح زوالا وشيكا للثقافات الاصلية في مجرى الحياة الاميركية. والثانية مبهمة اكثر . . . فهي تتحدث بطريقة لطيفة عن عملية التمازج الثقافي، وتشير الى مزج ‹افضل ما في القديم بأفضل ما في الجديد› بشكل يراعى فيه شعور الجميع، نوع من الافول الذهبي لحضارتهم بحيث يبقى الهندي متميِّزا بقِدم حِرفه، تنوُّع دينه وحكمة فلسفته — ولكنه يحافظ من خلال علاقاته بنا ([البيض اصحاب] الحضارة الاسمى) على ما يكفي من الادراك لرؤية الامور كما نراها نحن.»
ثم يطرح باتي سؤالا. «ان التغيير محتوم، ولكن مَن سيتغير ولأيّ هدف؟ . . . فنحن [البيض] لدينا عادةٌ مزعجة وهي اننا نعتبر الشعوب الاخرى مجرد اميركيين غير متقدمين. ونفترض انه لا بد انهم غير راضين عن طريقة عيشهم وأنهم يتوقون جدا الى العيش والتفكير مثلنا.»
ويتابع: «هنالك امر واحد اكيد — ان قصة الهندي الاميركي لم تنتهِ بعدُ، ولكن كيف ستنتهي او هل تنتهي فهذا ما سنعرفه في المستقبل. وربما لا يزال هنالك وقت لنبدأ بالنظر الى المجتمعات الهندية الباقية بيننا على انها موارد ثقافية قيِّمة لا مجرد مشاكل اجتماعية محيِّرة.»
الحياة في عالم جديد من الانسجام والعدل
من وجهة نظر الكتاب المقدس، يعرف شهود يهوه ما يمكن ان يكون مستقبل الاميركيين الاصليين ومستقبل الناس من كل الامم والقبائل واللغات. فقد وعد يهوه اللّٰه بخلق ‹سموات جديدة وأرض جديدة.› — اشعياء ٦٥:١٧؛ ٢ بطرس ٣:١٣؛ رؤيا ٢١:١، ٣، ٤.
لا يعني هذا الوعد انه سيُخلَق كوكب جديد. فهذه الارض، كما يعرف الاميركيون الاصليون جيدا، تتألق كجوهرة عندما تُحترم وتُعامل كما يجب. فنبوة الكتاب المقدس تشير الى حكم سماوي جديد يحلّ محل الحكومات البشرية المستغِلة. وستتحول الارض الى فردوس تُستردّ فيه الغابات والسهول والانهار والحياة البرية. وسيتشارك جميع الناس بدون انانية في ادارة الارض. ولن يسود الاستغلال والجشع في ما بعد. وستكون هنالك وفرة من الطعام الجيد والنشاطات البناءة.
وبقيامة الموتى، ستُبطل كل المظالم الماضية. نعم، حتى الذين يسمّون بلغة النَّاڤاهو «أناسازي» (اي «الاقدمين»)، وهم اسلافُ كثيرين من هنود پْوِبلو الذين يقيمون الآن في آريزونا ونيو مكسيكو، سيعودون ويُمنحون فرصة العيش الى الابد هنا على ارض مسترَدة. والقادة المشهورون في التاريخ الهندي — جيرونيمو، سِتِنڠ بُل، كرَيزي هورس، تيكومْسي، مانويليتو، الزعيمان جوزف وسياتل — وكثيرون غيرهم قد يعودون في تلك القيامة الموعود بها. (يوحنا ٥:٢٨، ٢٩؛ اعمال ٢٤:١٥) فما اروع هذا الرجاء الذي يعد به اللّٰه من اجل هؤلاء ومن اجل كل مَن يخدمه الآن!
-