-
التعرف بـ «فكر المسيح»برج المراقبة ٢٠٠٠ | ١٥ شباط (فبراير)
-
-
التعرف بـ «فكر المسيح»
«‹من عرف فكر يهوه حتى يعلمه؟›. أما نحن فلنا فكر المسيح». — ١ كورنثوس ٢:١٦.
١، ٢ ماذا رأى يهوه انه من الملائم كشفه عن يسوع في كلمته؟
كيف كان شكل يسوع؟ ماذا كان لون شعره؟ بشرته؟ عينيه؟ كم كان طوله ووزنه؟ على مرّ القرون، تفاوتت الرسوم الفنية ليسوع من المنطقية الى البعيدة الاحتمال. فقد صوَّره البعض انه يتمتع بسمات الرجولة والحيوية فيما صوَّره الآخرون انه واهن شاحب.
٢ إلا ان الكتاب المقدس لا يركِّز الانتباه على مظهر يسوع، وقد رأى يهوه انه من الملائم كشف امر اهم بكثير: شخصية يسوع. فروايات الاناجيل لا تذكر ما قاله يسوع فحسب بل تكشف ايضا ما كان وراء كلامه وتصرفاته من عمق مشاعر ونمط تفكير. وتمكِّننا هذه الروايات الاربع الموحى بها من التأمل في ما اشار اليه الرسول بولس انه «فكر المسيح». (١ كورنثوس ٢:١٦) فمن المهم ان نتعرف بأفكار يسوع، مشاعره، وشخصيته. ولماذا؟ لسببين على الاقل.
٣ اية بصيرة يمنحنا اياها التعرف بفكر المسيح؟
٣ اولا، يعطينا فكر المسيح لمحة الى فكر يهوه اللّٰه. فقد كان يسوع يعرف اباه معرفة عميقة بحيث تمكن من القول: «ليس أحد يعرف مَن هو الابن إلا الآب؛ ولا مَن هو الآب إلا الابن، ومَن يريد الابن ان يكشفه له». (لوقا ١٠:٢٢) فكما لو ان يسوع كان يقول: ‹اذا اردتم ان تعرفوا شخصية يهوه، فانظروا اليّ›. (يوحنا ١٤:٩) لذلك عندما ندرس ما تكشفه الاناجيل عن طريقة تفكير يسوع وشعوره، نتعلم في الواقع كيف يفكر يهوه ويشعر. وتمكِّننا هذه المعرفة من الاقتراب اكثر الى الهنا. — يعقوب ٤:٨.
٤ ماذا يجب ان نتعلم اولا اذا كنا نريد حقا ان نتصرف كالمسيح، ولماذا؟
٤ ثانيا، تساعدنا معرفتنا لفكر المسيح على ‹اتِّباع خطواته بدقة›. (١ بطرس ٢:٢١) واتِّباع يسوع ليس مجرد مسألة تكرار كلماته وتقليد افعاله. فبما ان الافكار والمشاعر تؤثر في الكلام والتصرفات، فإن اتِّباع المسيح يتطلب تنمية «الموقف العقلي» نفسه الذي لديه. (فيلبي ٢:٥) وبكلمات اخرى، اذا كنا حقا نريد ان نتصرف كالمسيح، يجب ان نتعلم اولا ان نفكر ونشعر مثله، الى الحد الذي تسمح به طاقتنا نحن البشر الناقصين. فلنتأمل في فكر المسيح بمساعدة كتبة الاناجيل. وسنناقش اولا عوامل اثَّرت في طريقة تفكير يسوع وشعوره.
وجوده السابق لبشريته
٥، ٦ (أ) ايّ اثر يمكن ان يكون لعشرائنا فينا؟ (ب) اية معاشرة تمتع بها ابن اللّٰه البكر في السماء قبل مجيئه الى الارض، وأيّ اثر كان لذلك فيه؟
٥ يمكن لعشرائنا الاحماء ان يؤثروا فينا، اي في افكارنا، مشاعرنا، وتصرفاتنا للخير او للشر.a (امثال ١٣:٢٠) تأملوا في المعاشرة التي تمتع بها يسوع في السماء قبل مجيئه الى الارض. يلفت انجيل يوحنا الانتباه الى وجود يسوع السابق لبشريته بصفته «كلمة» اللّٰه، او الناطق بلسانه. يقول يوحنا: «في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند اللّٰه، وكان الكلمة إلها. هذا كان في البدء عند اللّٰه». (يوحنا ١:١، ٢) وبما ان يهوه لا بداية له، فلا بد ان يشير وجود الكلمة مع اللّٰه من «البدء» الى بداية اعمال اللّٰه الخلقية. (مزمور ٩٠:٢) فيسوع هو «بكر كل خليقة». فقد كان موجودا قبل خلق المخلوقات الروحانية والكون المادي. — كولوسي ١:١٥؛ كشف ٣:١٤.
٦ وبحسب بعض التقديرات العلمية، فإن الكون المادي موجود منذ ١٢ بليون سنة على الاقل. وإذا كانت هذه التقديرات قريبة الى الحقيقة، فقد تمتع ابن اللّٰه البكر بمعاشرة لصيقة لأبيه طوال دهور قبل خلق آدم. (قارنوا ميخا ٥:٢.) فتوطَّد بين الاثنين رباط حميم ومتين. وبصفة هذا الابن البكر مجسّم الحكمة، يجري تمثيله في وجوده السابق لبشريته انه يقول: «كنت كل يوم لذَّته فرحة دائما قدامه». (امثال ٨:٣٠) طبعا، ان قضاء عصور لا تحصى في معاشرة لصيقة لمصدر المحبة كان له اثر عميق في ابن اللّٰه. (١ يوحنا ٤:٨) وقد صار هذا الابن يعرف ويعكس افكار ابيه، مشاعره، وطرقه كما لا يمكن لأيّ شخص آخر ان يفعل. — متى ١١:٢٧.
الحياة على الارض وتأثيراتها
٧ ما هو احد اسباب ضرورة مجيء ابن اللّٰه البكر الى الارض؟
٧ كان لدى ابن اللّٰه المزيد ليتعلمه، لأن قصد يهوه كان ان يعدّ ابنه ليكون رئيس كهنة رؤوفا، قادرا ان «يتعاطف معنا في ضعفاتنا». (عبرانيين ٤:١٥) وبلوغ متطلبات هذا الدور كان احد اسباب مجيء الابن الى الارض كشخص بشري. وهنا، مرَّ يسوع، اذ كان انسانا من لحم ودم، بظروف وتأثيرات كان سابقا قد رآها فقط من السماء. فصار الآن بإمكانه ان يلمس مشاعر البشر وعواطفهم لمس اليد. وقد شعر احيانا بالتعب، العطش، والجوع. (متى ٤:٢؛ يوحنا ٤:٦، ٧) حتى انه احتمل ايضا كل انواع المشقات والآلام. وبذلك «تعلم الطاعة» وصار مؤهلا كاملا لدوره كرئيس كهنة. — عبرانيين ٥:٨-١٠.
٨ ماذا نعرف عن حياة يسوع الباكرة على الارض؟
٨ وماذا عن اختبارات يسوع خلال حياته الباكرة على الارض؟ ان سجل طفولته موجز جدا. فمتى ولوقا فقط هما اللذان رويا الحوادث المرتبطة بولادته. وكان كتبة الاناجيل يعرفون ان يسوع قد عاش في السماء قبل مجيئه الى الارض. وهذا الوجود السابق لبشريته هو الذي يعلِّل اكثر من ايّ امر آخر الشخصية التي كانت لديه كإنسان. لكنَّ يسوع كان شخصا بشريا تماما. فرغم انه كامل، كان يجب ان ينمو من الطفولة الى المراهقة ثم الى الرشد، ويتعلم في كل هذه المراحل. (لوقا ٢:٥١، ٥٢) ويكشف الكتاب المقدس بعض الامور عن حياة يسوع الباكرة التي اثَّرت فيه دون شك.
٩ (أ) ايّ دليل هنالك ان يسوع وُلد في عائلة فقيرة؟ (ب) في اية ظروف ترعرع يسوع على الارجح؟
٩ وُلد يسوع كما يتَّضح في عائلة فقيرة. وهذا ما تدلّ عليه التقدمة التي جلبها يوسف ومريم الى الهيكل بعد نحو ٤٠ يوما من ولادته. فبدلا من جلب خروف كمحرقة وفرخ يمامة او ترغل كذبيحة خطية، جلبا إما «زوج ترغل او فرخي يمام». (لوقا ٢:٢٤) وبحسب الشريعة الموسوية، كانت هذه التقدمة تدبيرا للفقراء. (لاويين ١٢:٦-٨، عج) وبعد فترة، كبرت هذه العائلة المتواضعة. فقد انجب يوسف ومريم على الاقل ستة اولاد آخرين بطريقة طبيعية بعد ولادة يسوع العجائبية. (متى ١٣:٥٥، ٥٦) لذلك ترعرع يسوع في عائلة كبيرة، وعلى الارجح في ظروف متواضعة.
١٠ ماذا يُظهِر ان مريم ويوسف كانا شخصَين يخافان اللّٰه؟
١٠ ومربِّيا يسوع اللذان اعتنيا به كانا والدَين يخافان اللّٰه. فأمه مريم كانت امرأة بارزة. تذكروا ان الملاك جبرائيل قال عند إلقاء التحية عليها: «طاب يومك، أيتها المنعَم عليها، يهوه معك». (لوقا ١:٢٨) ويوسف ايضا كان رجلا تقيا. فكل سنة كان يقوم بأمانة برحلة الى اورشليم طولها ١٥٠ كيلومترا للاحتفال بالفصح. وكانت مريم ايضا تحضر الفصح، رغم ان ذلك لم يكن مطلوبا إلا من الذكور. (خروج ٢٣:١٧؛ لوقا ٢:٤١) وفي احدى هذه المناسبات، وجد يوسف ومريم، بعد بحث شاق، يسوع البالغ من العمر ١٢ سنة في الهيكل وسط المعلمين. قال يسوع لوالدَيه القلقَين: «ألم تعلما أنني لا بد أن أكون في بيت أبي؟». (لوقا ٢:٤٩) «ابي» — لا بد ان هذه الكلمة كانت لها دلالة حميمة وإيجابية بالنسبة الى يسوع الحدث. فمن جهة، من الواضح انه أُخبر ان يهوه هو ابوه الحقيقي. وإضافة الى ذلك، لا بد ان ابا يسوع بالتبني، يوسف، كان ابًا صالحا. فبطبيعة الحال، لم يكن يهوه ليختار رجلا قاسيا متعسفا ليربي ابنه الحبيب!
١١ اية مهنة تعلَّمها يسوع، وماذا شمل العمل في هذه المهنة في ازمنة الكتاب المقدس؟
١١ تعلَّم يسوع مهنة النجارة خلال سنواته في الناصرة، على الارجح من ابيه بالتبني يوسف. وقد برع في المهنة حتى انه دُعي «النجار». (مرقس ٦:٣) وفي ازمنة الكتاب المقدس، كان النجارون يُستخدَمون لبناء البيوت، صنع الاثاث (بما في ذلك الطاولات، الكراسي، والمقاعد)، وصنع ادوات الزراعة. في القرن الثاني بعد الميلاد، كتب يوستينوس الشهيد عن يسوع في كتابه حوار مع تريفو: «كان يعمل نجارا عندما كان بين الناس، صانعا المحارث والانيار». وهذا العمل لم يكن سهلا، لأنه من المحتمل ان النجار قديما لم يستطِع شراء الخشب الذي يستعمله. فقد كان على الارجح يخرج ويختار شجرة، يقطعها بفأسه، ويحمل الخشب الى البيت. لذلك ربما عرف يسوع تحديات كسب المعيشة، التعامل مع الزبائن، وإعالة العائلة ماديا.
١٢ ماذا يدل ان يوسف مات كما يبدو قبل يسوع، وماذا عنى ذلك ليسوع؟
١٢ بما ان يسوع كان الابن الاكبر، فقد ساعد على الارجح على الاعتناء بالعائلة، وخصوصا لأن يوسف مات كما يبدو قبل يسوع.b قالت برج مراقبة زيون عدد ١ كانون الثاني (يناير) ١٩٠٠ (بالانكليزية): «يقول التقليد ان يوسف مات عندما كان يسوع صغيرا، وإن يسوع تبنى مهنة النجارة وصار معيل العائلة. وما يدعم هذه الفكرة نوعا ما هو شهادة الاسفار المقدسة حيث يُدعى يسوع نجارا، وحيث تُذكَر امه وإخوته دون ذكر يوسف. (مرقس ٦:٣) . . . فمن المحتمل ان الفترة الطويلة التي امتدت ثماني عشرة سنة من حياة ربنا، من وقت الحادثة [المسجَّلة في لوقا ٢:٤١-٤٩] الى وقت معموديته، قضاها في القيام بواجبات الحياة العادية». وكانت مريم وأولادها، بمن فيهم يسوع، يعرفون على الارجح الالم الناتج عن موت زوج وأب حبيب.
١٣ عندما شرع يسوع في خدمته، لماذا كانت لديه معرفة، بصيرة، وعمق مشاعر لم يمتلكها قط ايّ شخص آخر؟
١٣ من الواضح ان حياة يسوع لم تكن سهلة. فقد عاش حياة عامة الشعب. ثم في سنة ٢٩ بم، حان الوقت ليتمِّم التعيين الالهي الذي كان ينتظره. ففي خريف تلك السنة، اعتمد في الماء ووُلد كابن روحي للّٰه. ‹فانفتحت له السماء›، مما يشير الى انه صار بإمكانه الآن تذكُّر حياته السابقة لبشريته في السماء، بما في ذلك الافكار والمشاعر التي كانت لديه. (لوقا ٣:٢١، ٢٢) لذلك عندما شرع يسوع في خدمته، كانت لديه معرفة، بصيرة، وعمق مشاعر لم يمتلكها قط ايّ شخص آخر. فلسبب وجيه خصَّص كتبة الاناجيل معظم كتاباتهم للحوادث التي جرت خلال خدمة يسوع. لكنهم لم يتمكنوا من تسجيل كل ما قاله وفعله. (يوحنا ٢١:٢٥) ولكن ما أُوحي اليهم ان يسجِّلوه يمكِّننا من التأمل في فكر اعظم انسان عاش على الاطلاق.
كيف كانت شخصية يسوع
١٤ كيف تصوِّر الاناجيل يسوع كشخص لطيف رقيق كله مشاعر؟
١٤ ان شخصية يسوع التي تظهر في الاناجيل هي شخصية لطيفة رقيقة كلها مشاعر. فقد اعرب عن تنوع واسع من ردود الفعل العاطفية: الشفقة على ابرص (مرقس ١:٤٠، ٤١)؛ الحزن على شعب غير متجاوب (لوقا ١٩:٤١، ٤٢)؛ السخط المبرَّر على الصيارفة الجشعين (يوحنا ٢:١٣-١٧). ولأنه امتلك التقمص العاطفي، كان يمكن ان يندفع الى البكاء ولم يخفِ مشاعره. فعندما مات صديقه العزيز لعازر، اثَّرت رؤية مريم اخت لعازر وهي تبكي في يسوع كثيرا حتى انه بكى، على مرأى الآخرين. — يوحنا ١١:٣٢-٣٦.
١٥ كيف كانت مشاعر يسوع الرقيقة واضحة في نظرته الى الآخرين وتعامله معهم؟
١٥ كانت مشاعر يسوع الرقيقة واضحة خصوصا في نظرته الى الآخرين وتعامله معهم. فقد مدّ يد المساعدة الى الفقراء والمظلومين، مساعدا اياهم ان ‹يجدوا انتعاشا لنفوسهم›. (متى ١١:٤، ٥، ٢٨-٣٠) ولم يكن مشغولا اكثر من ان يلبي حاجات المتألمين، سواء أكان امرأة بها نزف لمست بهدوء ثوبه ام متسولا اعمى ابى ان يصمت. (متى ٩:٢٠-٢٢؛ مرقس ١٠:٤٦-٥٢) وقد نظر يسوع الى الشيء الصالح في الآخرين ومدحهم؛ لكنه كان يقدِّم التوبيخ ايضا عند الضرورة. (متى ١٦:٢٣؛ يوحنا ١:٤٧؛ ٨:٤٤) وفي زمن حين لم يكن للنساء إلا القليل من الحقوق، عاملهن يسوع بمقدار متزن من الاكرام والاحترام. (يوحنا ٤:٩، ٢٧) فلا عجب ان مجموعة من النساء تطوعن لخدمته من ممتلكاتهن. — لوقا ٨:٣.
١٦ ماذا يبرهن انه كانت ليسوع نظرة متزنة الى الحياة والامور المادية؟
١٦ كانت ليسوع نظرة متزنة الى الحياة. ولم تكن الامور المادية ذات اهمية رئيسية في نظره. فيبدو انه كان يملك القليل من الممتلكات المادية. وقال انه «ليس له اين يضع رأسه». (متى ٨:٢٠) وفي الوقت نفسه، زاد يسوع من بهجة الآخرين. فعندما حضر وليمة عرس — حادثة من الطبيعي ان تشمل الموسيقى والغناء والفرح — من الواضح انه لم يكن هناك ليُفسد المناسبة. فقد صنع هناك عجيبته الاولى. فعندما نفد الخمر، حوَّل الماء الى خمر جيدة، مشروب ‹يفرِّح قلب الانسان›. (مزمور ١٠٤:١٥؛ يوحنا ٢:١-١١) وهكذا استمر الحفل، مما جنَّب دون شك العريس والعروس معاناة الاحراج. ويظهر اتِّزانه ايضا في مناسبات كثيرة ذُكرَت حين عمل يسوع طويلا وبكدّ في خدمته. — يوحنا ٤:٣٤.
١٧ لماذا ليس مدهشا ان يكون يسوع معلِّما بارعا، وماذا عكست تعاليمه؟
١٧ كان يسوع معلِّما بارعا. وعكس الكثير من تعليمه وقائع الحياة اليومية، التي كان مطَّلعا عليها جيدا. (متى ١٣:٣٣؛ لوقا ١٥:٨) وكانت طريقة تعليمه منقطعة النظير — واضحة وبسيطة وعملية دائما. والاهم ايضا هو ما علَّمه. فقد عكست تعاليمه رغبته القلبية ان يعرِّف سامعيه بأفكار ومشاعر وطرق يهوه. — يوحنا ١٧:٦-٨.
١٨، ١٩ (أ) بأية صوَر كلامية حية وصف يسوع اباه؟ (ب) ماذا ستناقش المقالة التالية؟
١٨ اذ استخدم يسوع الامثال في اغلب الاحيان، كشف عن ابيه بصوَر كلامية حية لا يمكن نسيانها بسهولة. فالتكلم بعبارات عامة عن رحمة اللّٰه شيء؛ أما تشبيه يهوه بأب غفور يتأثر بعمق بمنظر ابنه العائد حتى انه ‹يركض ويقع على عنقه ويقبِّله برقة› فهو امر آخر تماما. (لوقا ١٥:١١-٢٤) وإذ رفض يسوع حضارة متصلبة ازدرى فيها القادة الدينيون بعامة الشعب، اوضح ان اباه اله يسهل الاقتراب منه ويفضِّل توسل جابي الضرائب المتواضع على الصلاة الطنانة التي قدَّمها الفريسي المتبجح. (لوقا ١٨:٩-١٤) ووصف يسوع يهوه انه اله يهتم بنا يعرف عندما يقع عصفور دوري صغير على الارض. طمأن يسوع تلاميذه: «لا تخافوا: انتم اثمن من عصافير دورية كثيرة». (متى ١٠:٢٩، ٣١) فلا عجب ان الناس ذهلوا من «طريقة تعليم» يسوع وانجذبوا اليه. (متى ٧:٢٨، ٢٩) فذات مرة، بقي «جمع كبير» بقربه طوال ثلاثة ايام، حتى انهم ظلّوا دون طعام. — مرقس ٨:١، ٢.
١٩ يمكن ان نكون شاكرين ان يهوه كشف في كلمته فكر المسيح. ولكن كيف ننمي فكر المسيح ونعرب عنه في تعاملاتنا مع الآخرين؟ هذا ما ستناقشه المقالة التالية.
[الحاشيتان]
a تدل الكشف ١٢:٣، ٤ ان المعاشرة يمكن ان تؤثر في المخلوقات الروحانية. فهناك يصوَّر الشيطان انه «تنين» تمكَّن من استعمال تأثيره لجعل «نجوم» اخرى، او ابناء روحانيين، ينضمون اليه في مسلك التمرد. — قارنوا ايوب ٣٨:٧.
b ان آخر ذكر مباشر ليوسف هو عندما وُجد يسوع وهو في الـ ١٢ من العمر في الهيكل. وما من اشارة الى وجود يوسف في وليمة عرس قانا، عند بداية خدمة يسوع. (يوحنا ٢:١-٣) وفي سنة ٣٣ بم، ترك يسوع المعلّق مريم في عهدة الرسول الحبيب يوحنا. وهذا امر لم يكن يسوع ليفعله على الارجح لو كان يوسف لا يزال حيًّا. — يوحنا ١٩:٢٦، ٢٧.
-
-
هل لكم «فكر المسيح»؟برج المراقبة ٢٠٠٠ | ١٥ شباط (فبراير)
-
-
هل لكم «فكر المسيح»؟
«ليعطكم اللّٰه الذي يزود الاحتمال والتعزية . . . الموقف العقلي عينه الذي كان عند المسيح يسوع». — روما ١٥:٥.
١ كيف يصوَّر يسوع في كثير من رسوم العالم المسيحي، ولماذا ليس هذا تصويرا منصفا له؟
«لم يُرَ مرة وهو يضحك»، هكذا وُصف يسوع في وثيقة تدَّعي زورا ان رسميا رومانيا قديما كتبها. ويُقال ان هذه الوثيقة، التي عُرفت في شكلها الحالي منذ القرن الـ ١١ تقريبا، هي التي اثَّرت في فنانين كثيرين.a فيظهر يسوع في عدد من الرسوم شخصا كئيبا نادرا ما يبتسم، هذا اذا ابتسم. لكنَّ هذا ليس تصويرا منصفا ليسوع، الذي تصفه الاناجيل انه رجل رقيق شفوق ذو مشاعر جياشة.
٢ كيف يمكن ان ننمي «الموقف العقلي عينه الذي كان عند المسيح يسوع»، ولفعل ماذا يعدّنا ذلك؟
٢ من الواضح انه لمعرفة يسوع حقا يجب ان نملأ عقولنا وقلوبنا بالفهم الدقيق لشخصية يسوع الحقيقية عندما كان هنا على الارض. فلنفحص بعض روايات الاناجيل التي تمنحنا بصيرة في «فكر المسيح» — اي مشاعره، مفاهيمه، افكاره، ومنطقه. (١ كورنثوس ٢:١٦) وخلال فحصنا، لنتأمل كيف ننمي «الموقف العقلي عينه الذي كان عند المسيح يسوع». (روما ١٥:٥) وبذلك نصير مستعدين بشكل افضل في حياتنا وفي تعاملاتنا مع الآخرين لاتِّباع النموذج الذي وضعه لنا. — يوحنا ١٣:١٥.
سهل الاقتراب اليه
٣، ٤ (أ) ما هي الظروف المحيطة بالرواية المسجلة في مرقس ١٠:١٣-١٦؟ (ب) ماذا كان رد فعل يسوع عندما حاول تلاميذه منع الاولاد من المجيء اليه؟
٣ لقد انجذب الناس الى يسوع. ففي مناسبات مختلفة، اقترب اليه بسهولة اشخاص من مختلف الاعمار والخلفيات. تأملوا في الحادثة المسجلة في مرقس ١٠:١٣-١٦. لقد حدثت في اواخر خدمته تقريبا عندما كان ذاهبا الى اورشيم للمرة الاخيرة ليواجه موتا اليما. — مرقس ١٠:٣٢-٣٤.
٤ تخيَّلوا المشهد: بدأ الناس يجلبون الاولاد، بمن فيهم الاطفال، لكي يباركهم يسوع.b لكنَّ التلاميذ حاولوا منع الاولاد من المجيء اليه. فلربما شعر التلاميذ انه لا يرغب دون شك ان يزعجه الاولاد في الاسابيع الحاسمة هذه. وكم كانوا مخطئين! فعندما عرف يسوع ما فعله التلاميذ، لم يسرّ بذلك. فدعا الاولاد اليه وقال: «دعوا الأولاد الصغار يأتون إلي؛ لا تحاولوا منعهم». (مرقس ١٠:١٤) ثم قام بأمر رقيق ومحب حقا. تقول الرواية: «ضمّ الأولاد بذراعيه، وأخذ يباركهم». (مرقس ١٠:١٦) ومن الواضح ان الاولاد شعروا بالارتياح عندما ضمهم يسوع بذراعيه باهتمام.
٥ ماذا تخبرنا الرواية في مرقس ١٠:١٣-١٦ عن شخصية يسوع؟
٥ تخبرنا هذه الرواية القصيرة الكثير عن شخصية يسوع. لاحظوا ان الاقتراب اليه كان سهلا. ورغم انه شغل مركزا رفيعا في السموات، لم يكن يخيف البشر الناقصين او يحط من قدرهم. (يوحنا ١٧:٥) أليس لافتا للنظر ايضا انه حتى الاولاد كانوا يشعرون بالارتياح معه؟ فلا شك انهم لم يكونوا لينجذبوا الى شخص بارد كئيب لا يبتسم او يضحك ابدا. فقد اقترب الناس من كل الاعمار الى يسوع لأنهم شعروا انه شخص رقيق يهتم بالآخرين، وكانوا يثقون انه لن يخذلهم.
٦ كيف يمكن ان يسهِّل الشيوخ الاقتراب اليهم اكثر؟
٦ عندما نتأمل في هذه الرواية يمكن ان نسأل انفسنا: ‹هل املك فكر المسيح؟ هل يسهل الاقتراب اليّ؟›. ففي هذه الازمنة الحرجة، يحتاج خراف اللّٰه الى رعاة يسهل الاقتراب اليهم، رجال هم «كمخبإ من الريح». (اشعياء ٣٢:١، ٢؛ ٢ تيموثاوس ٣:١) فيا ايها الشيوخ، اذا اهتممتم اهتماما مخلصا من كل القلب بإخوتكم وكنتم مستعدين لبذل نفسكم من اجلهم، يلمسون اهتمامكم بهم لمس اليد. فسيرونه في تعابير وجهكم، يسمعونه في نبرة صوتكم، ويلاحظونه في اسلوبكم اللطيف. وسيخلق الدفء والاهتمام الاصيلان هذان جوًّا من الثقة يسهِّل على الآخرين، بمن فيهم الاولاد، الاقتراب اليكم. توضح امرأة مسيحية لماذا تمكنت من البوح بمشاعرها لأحد الشيوخ: «تكلم معي برقة ورأفة. ولولا ذلك، لما كنت على الارجح نبست بكلمة. فقد جعلني اشعر بالاطمئنان».
يراعي مشاعر الآخرين
٧ (أ) كيف اظهر يسوع انه يراعي مشاعر الآخرين؟ (ب) لماذا ربما اعاد يسوع بصر رجل اعمى تدريجيا؟
٧ كان يسوع يراعي مشاعر الآخرين. فقد كان حساسا تجاه مشاعرهم. فمجرد النظر الى المتألمين اثَّر فيه بعمق حتى انه اندفع الى اراحتهم من معاناتهم. (متى ١٤:١٤) وكان يراعي ايضا حدود وحاجات الآخرين. (يوحنا ١٦:١٢) فذات مرة احضر الناس اليه رجلا اعمى وتوسلوا اليه ان يشفيه. فأعاد يسوع بصر الرجل تدريجيا. في بادئ الامر، رأى الرجل الاشخاص رؤية غير واضحة — «ما يبدو أنه أشجار، لكنها تمشي». ثم اعاد يسوع بصره كاملا. فلماذا شفى الرجل تدريجيا؟ على الارجح، ليمكِّن شخصا معتادا كثيرا على الظلمة ان يتأقلم مع صدمة رؤية عالم مشمس ومعقد فجأة. — مرقس ٨:٢٢-٢٦.
٨، ٩ (أ) ماذا حدث بعيد دخول يسوع وتلاميذه منطقة دِكابوليس؟ (ب) صفوا شفاء يسوع للاصمّ.
٨ تأملوا ايضا في حادثة جرت بعد الفصح سنة ٣٢ بم. كان يسوع وتلاميذه قد دخلوا منطقة دِكابوليس، شرقي بحر الجليل. وسرعان ما وجدتهم الجموع هناك وأحضروا الى يسوع مرضى ومعاقين كثيرين، فشفاهم. (متى ١٥:٢٩، ٣٠) ومن المثير للاهتمام ان يسوع اختار رجلا لهدف خصوصي. وما حدث آنذاك يرويه كاتب الانجيل مرقس، الوحيد الذي سجَّل هذه الحادثة. — مرقس ٧:٣١-٣٥.
٩ كان الرجل اصمَّ وثقيل اللسان. وربما احس يسوع بأن هذا الرجل عصبي ومحرَج بشكل خصوصي. لذلك قام بشيء استثنائي بعض الشيء. فأخذ الرجل جانبا على انفراد، بعيدا عن الجمع. ثم استخدم بعض الاشارات ليُفهم الرجل ماذا يوشك ان يفعل. «وضع إصبعيه في أذني الرجل، وبعد أن تفل، لمس لسانه». (مرقس ٧:٣٣) ثم رفع نظره الى السماء وتنهد وصلى. فكانت هذه الحركات الايضاحية ستعني للرجل: ‹ما سأفعله لك هو بقوة اللّٰه›. وأخيرا قال يسوع: «انفتح». (مرقس ٧:٣٤) عندئذ، استرد الرجل سمعه وتمكن من التكلم سويًّا.
١٠، ١١ كيف نظهر الاعتبار لمشاعر الآخرين في الجماعة؟ في العائلة؟
١٠ فما اشدّ المراعاة التي اظهرها يسوع لمشاعر الآخرين! فقد كان حساسا تجاه مشاعرهم، وقد دفعه هذا الاعتبار المتعاطف بدوره ان يتصرف بمراعاة لمشاعرهم. ونحن المسيحيين نفعل حسنا إن نمينا وأعربنا عن فكر المسيح في هذا المجال. يحضنا الكتاب المقدس: «كونوا جميعا موحدي الفكر، مشاطرين الآخرين مشاعرهم، ذوي مودة أخوية وحنان، متواضعي العقل». (١ بطرس ٣:٨) وهذا يتطلب دون شك ان نتكلم ونتصرف بأسلوب يأخذ مشاعر الآخرين في الاعتبار.
١١ ففي الجماعة، يمكن ان نظهر المراعاة لمشاعر الآخرين بمنحهم الكرامة، معاملينهم كما نريد ان نُعامَل. (متى ٧:١٢) ويشمل ذلك الانتباه لكلماتنا وأسلوبنا. (كولوسي ٤:٦) تذكروا ان ‹الكلمات دون تفكير يمكن ان تطعن كالسيف›. (امثال ١٢:١٨، عج) وماذا عن العائلة؟ ان الزوج والزوجة اللذين يحبان حقا واحدهما الآخر يكونان حساسين واحدهما تجاه مشاعر الآخر. (افسس ٥:٣٣) فهما يتجنبان الكلمات القاسية، النقد المستمر، والتهكم اللاذع — امور يمكن ان تجرح المشاعر جراحا لا تندمل بسهولة. والاولاد ايضا لهم مشاعر، والوالدون المحبون يأخذونها في الاعتبار. وعندما يكون التقويم لازما، يقدِّمه هؤلاء الوالدون بطريقة تحترم كرامة اولادهم وتجنِّبهم الاحراج غير الضروري.c (كولوسي ٣:٢١) وعندما نظهر المراعاة لمشاعر الآخرين على هذا النحو، نظهر ان لنا فكر المسيح.
الرغبة في الثقة بالآخرين
١٢ اية نظرة متَّزنة وواقعية كانت ليسوع الى تلاميذه؟
١٢ كانت ليسوع نظرة متَّزنة وواقعية الى تلاميذه. فكان يعرف جيدا انهم ليسوا كاملين. فكان بإمكانه ان يقرأ ما في قلوب البشر. (يوحنا ٢:٢٤، ٢٥) ورغم ذلك، لم ينظر فقط الى نقائصهم بل ايضا الى الصفات الجيدة التي امتلكوها. ورأى ايضا الطاقة الكامنة في هؤلاء الرجال الذين اجتذبهم يهوه. (يوحنا ٦:٤٤) وظهرت نظرة يسوع الايجابية الى تلاميذه في طريقة تعامله معهم ومعاملتهم. فقد اظهر رغبته في الثقة بهم.
١٣ كيف اظهر يسوع ثقته بتلاميذه؟
١٣ وكيف اظهر يسوع هذه الثقة؟ عندما ترك الارض، فوَّض يسوع الى تلاميذه الممسوحين مسؤولية ثقيلة. فقد اعطاهم مسؤولية الاعتناء بمصالح ملكوته العالمية النطاق. (متى ٢٥:١٤، ١٥؛ لوقا ١٢:٤٢-٤٤) حتى انه اثناء خدمته، اظهر بأمور بسيطة وطرائق غير مباشرة انه يثق بهم. فعندما زاد الطعام عجائبيا لإطعام الجموع، فوَّض الى تلاميذه مسؤولية توزيع الطعام. — متى ١٤:١٥-٢١؛ ١٥:٣٢-٣٧.
١٤ كيف تلخِّصون الرواية المسجلة في مرقس ٤:٣٥-٤١؟
١٤ تأملوا ايضا في الرواية المسجلة في مرقس ٤:٣٥-٤١. ففي تلك المناسبة، ركبوا مركبا وأبحروا شرقا عبر بحر الجليل. وبعيد انطلاقهم، استلقى يسوع في مؤخر المركب واستغرق في النوم. ولكن سرعان ما «هبت عاصفة ريحٍ عنيفة جدا». وكانت هذه العواصف مألوفة في بحر الجليل. فبسبب انخفاضه (نحو ٢٠٠ متر تحت مستوى سطح البحر)، يكون الهواء ادفأ من المنطقة المحيطة، مما يخلق اضطرابات جوية. وإضافة الى ذلك، تندفع الرياح العاتية عبر وادي الاردن من جبل حرمون، الذي يقع الى الشمال. فالهدوء المؤقت قد تتبعه عاصفة هوجاء. فكروا في ذلك: لا شك ان يسوع كان يعرف عن العواصف المألوفة لأنه تربى في الجليل. ورغم ذلك، نام بسلام لأنه كان يثق بمهارات تلاميذه، الذين كان البعض منهم صيادي سمك. — متى ٤:١٨، ١٩.
١٥ كيف نقتدي برغبة يسوع في الثقة بتلاميذه؟
١٥ وهل يمكننا ان نقتدي برغبة يسوع في الثقة بتلاميذه؟ يجد البعض انه من الصعب تفويض المسؤوليات الى الآخرين. فيجب ان يكونوا دائما في الطليعة. وقد يفكرون: ‹اذا اردتُ ان يجري القيام بالعمل كما يجب، فعليَّ ان اقوم به انا بنفسي›. ولكن اذا قمنا بكل شيء نحن بأنفسنا، نصير عرضة للارهاق وربما قضاء وقت غير ضروري بعيدا عن عائلتنا. وإضافة الى ذلك، اذا لم نفوِّض مهمات ومسؤوليات مناسبة الى الآخرين، فقد نحرمهم من الخبرة والتدريب اللازمَين. فمن الحكمة ان نتعلم الثقة بالآخرين، مفوِّضين اليهم الامور. ويحسن بنا ان نسأل انفسنا: ‹هل لي فكر المسيح في هذه المسألة؟ هل افوِّض عن طيب خاطر بعض المهمات الى الآخرين، اذ اثق انهم سيبذلون اقصى جهدهم للقيام بها؟›.
وثق بتلاميذه
١٦، ١٧ رغم ان يسوع عرف ان رسله سيتركونه، اي تطمين اعطاه لهم في الليلة الاخيرة من حياته الارضية؟
١٦ كانت نظرة يسوع الى تلاميذه ايجابية في ناحية مهمة اخرى. فقد جعلهم يعرفون انه يثق بهم. وكان ذلك واضحا من كلماته المطمئنة التي قالها لرسله في الليلة الاخيرة من حياته الارضية. لاحظوا ما حصل.
١٧ كانت هذه ليلة حافلة قضاها يسوع. فقد لقَّن رسله درسا عمليا في الاتِّضاع بغسل اقدامهم. بعدئذ، اسَّس العشاء الذي كان سيصير ذكرى موته. ثم انهمك الرسل مرة اخرى في جدال حامٍ في ايّهم يبدو انه الاعظم. وإذ كان يسوع صبورا معهم دائما، لم يوبِّخهم بل اقنعهم منطقيا. وأخبرهم ما يكمن امامهم: «كلكم ستعثرون فيَّ في هذه الليلة، لأنه مكتوب: ‹أضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية›». (متى ٢٦:٣١؛ زكريا ١٣:٧، عج) فكان يعرف ان عشراءه الاحماء سيتركونه في اللحظة التي يحتاج فيها اليهم. ورغم ذلك، لم يدِنهم بل قال لهم: «ولكن بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل». (متى ٢٦:٣٢) نعم، لقد طمأنهم انه لن يتركهم رغم انهم كانوا سيتركونه. فسيلتقي بهم مجددا عندما تكون هذه المحنة الرهيبة قد انتهت.
١٨ ايّ تفويض مهم ائتمن يسوع رسله عليه في الجليل، وكيف انجز الرسل هذا التفويض؟
١٨ وقد وفى يسوع بوعده. فقد ظهر يسوع المقام لاحقا في الجليل لـ ١١ من رسله الامناء، الذين كانوا مجتمعين كما يبدو مع آخرين كثيرين. (متى ٢٨:١٦، ١٧؛ ١ كورنثوس ١٥:٦) وهناك اعطاهم يسوع تفويضا مهما: «فاذهبوا وتلمذوا أناسا من جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به». (متى ٢٨:١٩، ٢٠) ويعطينا سفر الاعمال ادلة واضحة ان الرسل انجزوا هذا التفويض. فقد كانوا بأمانة في طليعة عمل الكرازة بالبشارة في القرن الاول. — اعمال ٢:٤١، ٤٢؛ ٤:٣٣؛ ٥:٢٧-٣٢.
١٩ ماذا يعلِّمنا تصرف يسوع بعد قيامته عن فكر المسيح؟
١٩ فأيّ درس نتعلمه عن فكر المسيح من هذه الرواية التي تكشف امورا مهمة؟ لقد رأى يسوع رسله في اسوإ حالاتهم، ولكنه «احبهم الى النهاية». (يوحنا ١٣:١) ورغم نقائصهم، جعلهم يعرفون انه يثق بهم. لاحظوا ان ثقة يسوع لم تكن في غير محلها. فلا شك ان ثقته بهم قوَّتهم ليعقدوا العزم على انجاز العمل الذي كان قد اوصاهم به.
٢٠، ٢١ كيف يمكن ان نظهر ان لدينا نظرة ايجابية الى رفقائنا المؤمنين؟
٢٠ وكيف يمكننا ان نظهر فكر المسيح في هذا الخصوص؟ لا تفكروا سلبيا في الرفقاء المؤمنين. فإذا اسأتم الظن بهم، فستكشف كلماتكم وتصرفاتكم على الارجح افكاركم. (لوقا ٦:٤٥) وبالمقابل يقول لنا الكتاب المقدس ان المحبة «تصدِّق كل شيء». (١ كورنثوس ١٣:٧) فالمحبة ليست سلبية بل ايجابية. وهي لا تهدم بل تبني. والناس يتجاوبون بسرعة مع المحبة والتشجيع وليس مع التخويف. ويمكننا ان نبني الآخرين ونشجِّعهم بالتعبير عن الثقة بهم. (١ تسالونيكي ٥:١١) فإذا كانت لدينا كالمسيح نظرة ايجابية الى اخوتنا، نعاملهم بطريقة تبنيهم ونجعلهم يبذلون اقصى جهدهم.
٢١ ان تنمية فكر المسيح وإظهاره اعمق من مجرد الاقتداء ببعض الامور التي قام بها يسوع. فكما هو مذكور في المقالة السابقة، يجب ان نتعلم اولا حيازة نظرته الى الامور، اذا كنا فعلا نريد ان نتصرف مثله. وتمكِّننا الاناجيل من رؤية وجه آخر من شخصيته، افكاره ومشاعره تجاه العمل المعيَّن له، كما ستناقش المقالة التالية.
[الحواشي]
a في الوثيقة، يصف المزوِّر مظهر يسوع الجسدي المزعوم، بما في ذلك لون شعره ولحيته وعينيه. يوضح مترجم الكتاب المقدس إدڠار ڠودسپيد ان هذا التزوير «مصمَّم ليروِّج الوصف الذي تحتويه كتيِّبات الرسامين عن مظهر يسوع الشخصي».
b كان الاولاد كما يبدو من مختلف الاعمار. فالكلمة المنقولة هنا الى ‹اولاد صغار› تُستعمل ايضا لابنة يايرس البالغة من العمر ١٢ سنة. (مرقس ٥:٣٩، ٤٢؛ ١٠:١٣) لكنَّ لوقا يستعمل في الرواية المناظرة كلمة تُستعمل ايضا للاطفال. — لوقا ١:٤١؛ ٢:١٢؛ ١٨:١٥.
c انظروا مقالة «هل تحترمون كرامتهم» في عدد ١ نيسان (ابريل) ١٩٩٨ من برج المراقبة.
-
-
هل تندفعون الى التصرف كيسوع؟برج المراقبة ٢٠٠٠ | ١٥ شباط (فبراير)
-
-
هل تندفعون الى التصرف كيسوع؟
«رأى جمعا كثيرا، فأشفق عليهم، لأنهم كانوا كخراف لا راعي لها. فابتدأ يعلِّمهم». — مرقس ٦:٣٤.
١ لماذا من المفهوم ان يعرب الناس عن صفات رائعة؟
على مر التاريخ، اعرب اشخاص كثيرون عن صفات رائعة. والسبب مفهوم لأن يهوه اللّٰه يملك ويعرب عن المحبة، اللطف، الكرم، وصفات اخرى نقدِّرها. وقد خُلق البشر على صورة اللّٰه. لذلك يمكن ان نفهم لماذا يُظهِر البعض مقدارا من المحبة، اللطف، الرأفة، وصفات الهية اخرى، حتى ان الغالبية كما يبدو لديهم ضمير. (تكوين ١:٢٦؛ روما ٢:١٤، ١٥) ولكن قد تدركون ان البعض يُظهِرون هذه الصفات بسهولة اكثر من غيرهم.
٢ اية اعمال صالحة ينجزها الناس، شاعرين ربما انهم يقتدون بيسوع؟
٢ ربما تعرفون رجالا ونساء كثيرا ما يزورون او يساعدون المرضى، يُظهرون الرأفة للمعاقين، او يجزلون العطاء للفقراء. فكروا ايضا في الذين تدفعهم رأفتهم الى وقف انفسهم على العمل في اماكن حجر المصابين بالجذام او في دور الايتام، الذين يتطوعون للعمل في المستشفيات او المآوي الخاصة بالمرضى المحتضرين، او الذين يسعون الى مساعدة المشردين او اللاجئين. وعلى الارجح، يشعر البعض منهم انهم يقتدون بيسوع، الذي وضع نموذجا للمسيحيين. فنحن نقرأ في الاناجيل ان المسيح شفى المرضى وأطعم الجياع. (مرقس ١:٣٤؛ ٨:١-٩؛ لوقا ٤:٤٠) وإظهارات يسوع للمحبة، الرقة، والرأفة هي اعراب عن «فكر المسيح»، الذي كان بدوره يقتدي بأبيه السماوي. — ١ كورنثوس ٢:١٦.
٣ فيمَ يلزم ان نتأمل لتكون لدينا نظرة متزنة الى اعمال يسوع الصالحة؟
٣ ولكن هل لاحظتم ان كثيرين اليوم ممَّن اثَّرت فيهم محبة يسوع ورأفته يتغاضون عن ناحية مهمة من نواحي فكر المسيح؟ يمكن ان ننال بصيرة بالتأمل الدقيق في مرقس الاصحاح ٦. فنقرأ هناك ان الناس جلبوا المرضى ليشفيهم يسوع. ونتعلم من القرينة ايضا انه عندما رأى يسوع الآلاف الذين اتوا اليه جائعين، اطعمهم عجائبيا. (مرقس ٦:٣٥-٤٤، ٥٤-٥٦) فكان شفاء المرضى وإطعام الجياع اعرابين بارزين عن الرأفة الحبية، ولكن هل كانا الوسيلة الرئيسية التي ساعد بها يسوع الآخرين؟ وكيف يمكن ان نقتدي بشكل افضل بمثاله الكامل للمحبة، اللطف، والرأفة، تماما كما اقتدى هو بيهوه؟
الاندفاع الى اتِّخاذ الاجراء لسدّ الحاجات الروحية
٤ ماذا كانت الظروف المحيطة بالرواية في مرقس ٦:٣٠-٣٤؟
٤ لقد اشفق يسوع على مَن حوله بشكل رئيسي بسبب حاجاتهم الروحية. فكانت لهذه الحاجات اهمية كبرى، اكبر من اهمية الحاجات الجسدية. تأملوا في الرواية في مرقس ٦:٣٠-٣٤. فالحادثة المسجلة هناك حصلت عند شواطئ بحر الجليل، نحو وقت الفصح سنة ٣٢ بم. كان الرسل متحمسين، وذلك لسبب وجيه. فإذ اكملوا جولة شاملة، اتوا الى يسوع وهم يتوقون الى سرد اختباراتهم له. لكنَّ حشدا من الناس تجمعوا. وكانوا كثيرين جدا حتى ان يسوع ورسله لم يستطيعوا ان يأكلوا او يستريحوا. فقال يسوع للرسل: «تعالوا انتم على انفراد الى مكان خلاء واستريحوا قليلا». (مرقس ٦:٣١) فركبوا مركبا، ربما قرب كفرناحوم، وأبحروا الى مكان هادئ عبر بحر الجليل. لكنَّ الجمع تراكضوا على الشاطئ ووصلوا قبل المركب. فكيف كان يسوع سيتجاوب؟ هل استاء لأنه أُزعج في خلوته؟ كلا على الاطلاق!
٥ كيف شعر يسوع تجاه الجموع التي اتت اليه، وكيف كان رد فعله؟
٥ فقد تأثر يسوع عندما رأى هذا الجمع الذي يعدّ بالآلاف والذي يشمل المرضى وهم ينتظرونه بتوق. (متى ١٤:١٤؛ مرقس ٦:٤٤) كتب مرقس، مركِّزا على ما اثار رأفة يسوع وعلى ردّ فعله: «رأى جمعا كثيرا، فأشفق عليهم، لأنهم كانوا كخراف لا راعي لها. فابتدأ يعلِّمهم اشياء كثيرة». (مرقس ٦:٣٤) لقد رأى يسوع اكثر من مجرد جمع من الناس. فما رآه كان افرادا لديهم حاجات روحية. فكانوا كخراف عاجزة ضالة، لا راعي لها ليقودها الى المراعي الخضراء او ليحميها. وعرف يسوع ان القادة الدينيين المتحجري القلوب، الذين يُفترض ان يكونوا رعاة يهتمون بالرعية، كانوا في الواقع يحتقرون عامة الشعب ويهملون حاجاتهم الروحية. (حزقيال ٣٤:٢-٤؛ يوحنا ٧:٤٧-٤٩) أما يسوع فكان سيعاملهم بشكل مختلف، اذ كان سيفعل لهم افضل ما يمكن. فابتدأ يعلِّمهم عن ملكوت اللّٰه.
٦، ٧ (أ) اية اولويات تكشفها الاناجيل في كيفية تجاوب يسوع مع حاجات الناس؟ (ب) بأيّ دافع كرز يسوع وعلَّم؟
٦ لاحظوا التسلسل وما يجري التلميح اليه في ما يتعلق بالاولوية في رواية مناظرة. وهذه الرواية كتبها لوقا، الذي كان طبيبا ويهتم كثيرا بخير الآخرين الجسدي. «الجموع . . . تبعوه [يسوع]. فاستقبلهم بالترحاب وابتدأ يكلمهم عن ملكوت اللّٰه، وشفى الذين يحتاجون الى ابراء». (لوقا ٩:١١؛ كولوسي ٤:١٤) ورغم انه ليست هذه هي الحالة في كل روايات العجائب، ففي هذه الحالة، ماذا ذكرت رواية لوقا اولا؟ ان يسوع علَّم الشعب.
٧ وهذا يتفق في الواقع مع التشديد الذي نجده في مرقس ٦:٣٤. فهذا العدد يُظهِر بوضوح ان يسوع اندفع بشكل رئيسي الى التعبير عن شفقته. فعلَّم الشعب، متجاوبا مع حاجاتهم الروحية. وكان يسوع قد قال سابقا في خدمته: «لا بدّ لي ان ابشر المدن الاخرى ايضا بملكوت اللّٰه، لأني لهذا أُرسلت». (لوقا ٤:٤٣) ولكننا قد نخطئ اذا فكرنا ان يسوع اعلن رسالة الملكوت بدافع الواجب البحت، كما لو انه قام بعمل الكرازة بعدم مبالاة. كلا، فرأفته الحبية التي اظهرها للناس كانت الدافع الرئيسي الى اخبارهم بالبشارة. فأعظم خير كان يمكن ان يفعله يسوع — حتى للمرضى، الذين بهم شيطان، الفقراء، او الجياع — هو مساعدتهم على معرفة وقبول ومحبة الحق عن ملكوت اللّٰه. وكان لهذا الحق اهمية رئيسية بسبب دور الملكوت في تبرئة سلطان يهوه وإغداق بركات دائمة على الجنس البشري.
٨ كيف شعر يسوع حيال كرازته وتعليمه؟
٨ كانت كرازة يسوع النشيطة بالملكوت احد اهم الاسباب لمجيئه الى الارض. قال يسوع لبيلاطس نحو نهاية خدمته الارضية: «لهذا ولدت، ولهذا اتيت الى العالم، لأشهد للحق. كل مَن هو الى جانب الحق يسمع صوتي». (يوحنا ١٨:٣٧) لاحظنا في المقالتين السابقتين ان يسوع كان شخصا ذا مشاعر رقيقة — من السهل الاقتراب اليه، يهتم بالآخرين ويراعي مشاعرهم ويثق بهم، والاهم انه محب. فيلزم ان نقدِّر هذه الاوجه من شخصيته اذا اردنا حقا ان نفهم فكر المسيح. ومن المهم ايضا الادراك ان فكر المسيح يشمل الاولوية التي اعطاها لعمل كرازته وتعليمه.
حثَّ الآخرين على الشهادة
٩ مَن كان يجب ان يعطي الكرازة والتعليم الاولوية؟
٩ لم تكن الاولوية المعطاة للكرازة والتعليم — كتعبير عن المحبة والرأفة — ليسوع وحده. فقد حث أتباعه على الاقتداء بدوافعه، اولوياته، وتصرفاته. مثلا، بعد ان اختار يسوع رسله الـ ١٢، ماذا كان عليهم ان يفعلوا؟ تخبرنا مرقس ٣:١٤، ١٥: «شكَّل فريقا من اثني عشر، الذين سماهم ايضا ‹رسلا›، ليبقوا معه وليرسلهم ليكرزوا ويكون لهم سلطة ان يخرجوا الشياطين». فهل ترون اية اولوية وُضعت للرسل؟
١٠، ١١ (أ) ماذا قال يسوع لرسله ان يفعلوا عندما ارسلهم؟ (ب) على ماذا كان التركيز في ما يتعلق بإرسال الرسل؟
١٠ بعد فترة، مكَّن يسوع الـ ١٢ من شفاء الآخرين وإخراج الشياطين. (متى ١٠:١؛ لوقا ٩:١) ثم ارسلهم في جولة الى «خراف بيت اسرائيل الضائعة». لفعل ماذا؟ قال لهم يسوع: «فيما انتم ذاهبون، اكرزوا قائلين: ‹قد اقترب ملكوت السموات›. ابرئوا المرضى، اقيموا الاموات، طهِّروا البرص، اخرجوا الشياطين». (متى ١٠:٥-٨؛ لوقا ٩:٢) فماذا فعلوا؟ «فانطلقوا [١] وكرزوا لكي يتوب الناس؛ [٢] وكانوا يُخرِجون شياطين كثيرة ويدهنون بالزيت مرضى كثيرين ويبرئونهم». — مرقس ٦:١٢، ١٣.
١١ بما ان التعليم لا يُذكَر دائما اولا، فهل يكون لفت النظر الى التسلسل الآنف الذكر إبرازا اكثر من اللازم لمسألة الاولويات او الدوافع المشمولة؟ (لوقا ١٠:١-٩) لا ينبغي ان نقلِّل من اهمية عدد المرات التي يُذكَر فيها التعليم قبل الشفاء. تأملوا في القرينة في هذه الحالة. قبيل ارسال الرسل الـ ١٢، كان يسوع قد تأثر بحالة الجموع. نقرأ: «اخذ يسوع يجول في جميع المدن والقرى، يعلِّم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت ويبرئ شتى العلل والعاهات. ولما رأى الجموع أشفق عليهم، لأنهم كانوا منزعجين ومنطرحين كخراف لا راعي لها. حينئذ قال لتلاميذه: ‹إن الحصاد كثير، ولكن العمال قليلون. فتوسلوا إلى سيد الحصاد أن يرسل عمالا إلى حصاده›». — متى ٩:٣٥-٣٨.
١٢ ايّ قصد اضافي كان يمكن ان تخدمه عجائب يسوع والرسل؟
١٢ كان بإمكان الرسل ان يتشربوا بعضا من فكر المسيح لأنهم كانوا معه. فكان بإمكانهم ان يعرفوا ان امتلاكهم حقا المحبة والرأفة للناس يشمل الكرازة والتعليم عن الملكوت — اللذين لزم ان يكونا وجهين رئيسيين لأعمالهم الصالحة. وانسجاما مع ذلك، لم تكن الاعمال الصالحة التي هي من طبيعة جسدية، كشفاء المرضى، مجرد مساعدة للمحتاجين. فكما يمكن ان تتخيلوا، قد ينجذب بعض الناس بأعمال الشفاء او الطعام المزوَّد عجائبيا. (متى ٤:٢٤، ٢٥؛ ٨:١٦؛ ٩:٣٢، ٣٣؛ ١٤:٣٥، ٣٦؛ يوحنا ٦:٢٦) ولكن اضافة الى كون هذه الاعمال مساعدة جسدية، فقد دفعت المشاهدين ايضا الى الاعتراف بأن يسوع هو ابن اللّٰه و«النبي» الذي انبأ موسى عنه. — يوحنا ٦:١٤؛ تثنية ١٨:١٥.
١٣ ايّ دور ‹للنبي› الذي سيأتي شدَّدت عليه النبوة في التثنية ١٨:١٨؟
١٣ ولماذا كان مهما ان يكون يسوع «النبي»؟ ماذا كان الدور الرئيسي الذي أُنبئ انه سيلعبه؟ هل كان «النبي» سيُعرَف بقيامه بالشفاء العجائبي او بتزويده الطعام برأفة للجياع؟ انبأت التثنية ١٨:١٨: «اقيم لهم نبيا من وسط اخوتهم مثلك [موسى] وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما اوصيه به». ففي حين تعلَّم الرسل امتلاك مشاعر رقيقة والتعبير عنها، كان بإمكانهم الاستنتاج انه يجب اعطاء الدليل على فكر المسيح بنشاطهم الكرازي والتعليمي ايضا. فهذا افضل ما يمكن ان يفعلوه للناس. فبهذه الطريقة، يمكن ان ينال المرضى والفقراء فوائد ابدية، وليس مجرد فوائد تقتصر على المدى القصير للحياة البشرية او على وجبة طعام او اثنتين. — يوحنا ٦:٢٦-٣٠.
نمّوا فكر المسيح اليوم
١٤ كيف يتعلق امتلاك فكر المسيح بكرازتنا؟
١٤ لا احد منا يعتبر ان فكر المسيح يقتصر على القرن الاول — على يسوع وتلاميذه الاولين الذين كتب عنهم الرسول بولس: «أما نحن فلنا فكر المسيح». (١ كورنثوس ٢:١٦) ومن السهل ان نعترف اننا ملزمون بالكرازة بالبشارة والتلمذة. (متى ٢٤:١٤؛ ٢٨:١٩، ٢٠) ومع ذلك، من المفيد ان نتأمل في دوافعنا الى القيام بهذا العمل. فلا ينبغي ان يكون ذلك بدافع الواجب فقط. فالمحبة للّٰه هي سبب رئيسي لاشتراكنا في الخدمة، والتمثل بيسوع فعليا يشمل ان تدفعنا الرأفة الى الكرازة والتعليم. — متى ٢٢:٣٧-٣٩.
١٥ لماذا الرأفة جزء ملائم من خدمتنا العامة؟
١٥ من المسلّم به انه ليس سهلا دائما ان نشعر بالرأفة تجاه الذين لا يشاركوننا معتقداتنا، وخصوصا عندما نواجه اللامبالاة، الرفض، او المقاومة. ولكن اذا خسرنا محبتنا ورأفتنا تجاه الناس، يمكن ان نخسر دافعا مهما الى الاشتراك في الخدمة المسيحية. فكيف يمكن ان ننمي الرأفة؟ يمكن ان نحاول رؤيتهم كما رآهم يسوع، «منزعجين ومنطرحين كخراف لا راعي لها». (متى ٩:٣٦) أفلا ينطبق هذا الوصف على كثيرين اليوم؟ فقد اهملهم الرعاة الدينيون الكذبة وأعموهم روحيا. لذلك فهم لا يعرفون الارشاد السليم الموجود في الكتاب المقدس ولا عن الاحوال الفردوسية التي سيجلبها ملكوت اللّٰه عما قريب لأرضنا. ويواجهون مشاكل الحياة اليومية — بما في ذلك الفقر، النزاع العائلي، المرض، والموت — دون ان يكون لديهم رجاء الملكوت. ونحن نملك ما يحتاجون اليه: البشارة المنقذة للحياة عن ملكوت اللّٰه المؤسس الآن في السماء!
١٦ لماذا ينبغي ان نرغب في إخبار الآخرين بالبشارة؟
١٦ عندما تتأملون على هذا النحو في حاجات الذين حولكم الروحية، ألا يدفعكم قلبكم الى فعل كل ما في وسعكم لإخبارهم بقصد اللّٰه الحبي؟ نعم، ان عملنا هو عمل رأفة. فتعاطفنا مع الناس كما تعاطف يسوع معهم سيظهر في نبرة صوتنا، تعابير وجهنا، وأسلوب تعليمنا. وكل ذلك سيجعل رسالتنا جذابة اكثر ‹للميالين بالصواب الى الحياة الابدية›. — اعمال ١٣:٤٨.
١٧ (أ) ما هي بعض الطرائق التي يمكن ان نعرب بواسطتها عن محبتنا ورأفتنا للآخرين؟ (ب) لماذا المسألة ليست مسألة اختيار إما فعل الاعمال الصالحة او الاشتراك في الخدمة العامة؟
١٧ طبعا، ينبغي ان تظهر محبتنا ورأفتنا في كامل مسلك حياتنا. ويشمل ذلك إظهار اللطف للمحرومين، المرضى، والفقراء — اذ نبذل كل ما في وسعنا لتخفيف عذابهم. ويشمل ذلك بذل الجهود، بالكلام والتصرفات، لتفريج الغم عن الذين فقدوا احباءهم. (لوقا ٧:١١-١٥؛ يوحنا ١١:٣٣-٣٥) ولكن لا يجب ان تصير هذه الاعرابات عن المحبة، اللطف، والرأفة الهدف الرئيسي لأعمالنا الصالحة، كما يفعل بعض المحسنين. فالجهود التي تدفعها الصفات الالهية المذكورة آنفا والتي تظهر في الاشتراك في عمل الكرازة والتعليم المسيحيَّين تكون ذات اهمية تدوم اكثر بكثير. تذكروا ما قاله يسوع عن القادة الدينيين اليهود: «تقدِّمون عشر النعنع والشبث والكمون، وتجاهلتم أثقل ما في الشريعة، أي العدل والرحمة والأمانة. كان يجب أن تعملوا هذه، ولا تتجاهلوا تلك». (متى ٢٣:٢٣) فالمسألة بالنسبة الى يسوع، لم تكن مسألة اختيار احد الامرين — إما مساعدة الناس في حاجاتهم الجسدية او تعليمهم امورا روحية معطية للحياة. فقد قام يسوع بالامرين كليهما. ومع ذلك، من الواضح ان عمله التعليمي كان العمل الرئيسي لأن الخير الذي صنعه بواسطته له فائدة ابدية. — يوحنا ٢٠:١٦.
١٨ إلامَ ينبغي ان يدفعنا تأملنا في فكر المسيح؟
١٨ فكم يمكن ان نكون شاكرين ليهوه على كشفه لنا فكر المسيح! فبواسطة الاناجيل، يمكننا ان نعرف بشكل افضل افكار اعظم انسان عاش على الاطلاق، مشاعره، صفاته، نشاطاته، وأولوياته. وقراءة ما يكشفه الكتاب المقدس عن يسوع والتأمل فيه وتطبيقه هي وقف علينا. تذكروا انه اذا اردنا حقا ان نتصرف كيسوع، يجب اولا ان نتعلم ان نفكر، نشعر، ونقيِّم الامور مثله، الى الحد الذي يمكننا كبشر ناقصين. فلنصمِّم على تنمية وإظهار فكر المسيح. فلا توجد طريقة افضل للعيش، ولا طريقة افضل للتعامل مع الناس، ولا طريقة افضل لنا وللآخرين للاقتراب الى الذي عكس يسوع شخصيته كاملا، الهنا الرقيق يهوه. — ٢ كورنثوس ١:٣؛ عبرانيين ١:٣.
-
-
هل تندفعون الى التصرف كيسوع؟برج المراقبة ٢٠٠٠ | ١٥ شباط (فبراير)
-
-
[صورة تغطي كامل الصفحة ٢٣]
-