مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • ب٨٩ ١/‏١٠ ص ٢٢-‏٢٦
  • ايجاد شيء دائما لفعله من اجل يهوه

لا تتوفر فيديوات للجزء الذي اخترته.‏‏

عذرًا، حصل خطأ عند تشغيل الفيديو.‏

  • ايجاد شيء دائما لفعله من اجل يهوه
  • برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ١٩٨٩
  • العناوين الفرعية
  • مواد مشابهة
  • موقف حيادي
  • تعييني الجديد —‏ السجن
  • النزوح
  • سجين حرب
  • الكرازة لكل انواع الناس
  • توسيع خدمتي
  • يهوه،‏ برج حصين
  • ايجاد اشياء اكثر لفعلها من اجل يهوه
  • من مجاهِد سياسي الى مسيحي حيادي
    استيقظ!‏ ٢٠٠٢
  • لا يحيا الانسان بالخبز وحده —‏ كيف احتملتُ وطأة السجون النازية
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ٢٠٠٩
  • انتظرُ مملكة «ليست جزءا من هذا العالم»‏
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ٢٠٠٧
  • جهادي لأكون «عاملا ليس عليه ما يُخجل منه»‏
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ١٩٩٩
المزيد
برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ١٩٨٩
ب٨٩ ١/‏١٠ ص ٢٢-‏٢٦

ايجاد شيء دائما لفعله من اجل يهوه

كما رواها جان كويْرْوا

لقد كان صيفا بهيجا قديما في السنة ١٩٣٩.‏ وكان الريف في مارتيني،‏ في اقليم ڤاليه السويسري،‏ متألقا تحت شمس آب.‏ وفوقنا ارتفعت بعض اعلى قمم جبال الألب،‏ مثل غران كومبان،‏ المكللة بالثلوج،‏ التي تصل الى ارتفاع ١٥٤‏,١٤ قدما.‏ وكنت اتمتع بحسن ضيافة عائلة مسيحية بضعة ايام،‏ وقضينا ساعات عديدة خالية من الهم مُتنزهين على طول ممرَّات الجبال معا.‏ فشعرت وكأنني كنت في ذلك الحين في الفردوس.‏

وسرعان ما حان الوقت للوداع والعودة الى باريس.‏ فاشتريت جريدة لأقرأها في القطار،‏ وأعادتني الاخبار المفزِعة الى الواقع بخيبة امل.‏ فحالة العالم قد تدهورت بشدة،‏ والحرب كانت وشيكة.‏

استأنفتُ عملي في مكتب جمعية برج المراقبة في باريس،‏ حيث كنت اخدم لاكثر من سنة.‏ ولكن بعد ايام قليلة تسلَّمت اشعار القرعة للخدمة العسكرية وجرى امري بأن احضر الى ثكنة حصن ڤانسان،‏ شرقي باريس.‏ وكانت حياتي على وشك ان تتغير تغييرا جذريا.‏

موقف حيادي

في ٣ ايلول ١٩٣٩ اعلنت فرنسا وبريطانيا العظمى الحرب على ألمانيا.‏ وحضرتُ الى ڤانسان وأخذت موقفي في قضية الحياد المسيحي.‏ وسرعان ما وجدتُ نفسي في العربة الجانبية لدرَّاجة نارية عسكرية يقودها جندي شاب كان قد أُمر بأن يأخذني الى حصن شارنتون المجاور.‏ وعلى الرغم من هدير الدرَّاجة النارية الذي يُصِمّ حاول الجندي الشاب،‏ الذي عرف لماذا أُرسَل الى هناك،‏ ان يقنعني.‏ فالتمس:‏ «كويْرْوا،‏ من فضلك لا تمضِ حتى النهاية بهذا.‏ لا ترفض ان تحارب،‏ وإلا فلن تجري الامور مجرى حسنا لك.‏» فسارعت الى التاكيد له انني لم اكن خائفا.‏

ثم بدأت ليلتي الاولى في زنزانة السجن.‏ وبلغ قياس الزنزانة ست اقدام ونصفا بخمس اقدام واحتوت فقط على بطانيتين ولوح خشبي للنوم عليه.‏ ولم تكن هنالك اضاءة.‏ ففكَّرت مليّا في ما يمكن ان افعله من اجل يهوه في حالتي الحاضرة.‏ وعندما استيقظت اكتشفت انه لم يكن هنالك حتى شبّاك صغير ليسمح بدخول وميض من ضوء النهار.‏ ولمدة ربع ساعة كل يوم كان يُسمَح لي بأن اخرج لأغتسل،‏ يرافقني الى المغتسَل رقيب يحمل مسدسا،‏ يلازمه جنديان مع بندقيتهما.‏ وقد عوملتُ كمجرم خطير!‏

جلب لي طعامي جنود مختلفون.‏ وموقفي اثار فضولهم،‏ وهذا اعطاني فرصة لأفعل شيئا من اجل يهوه.‏ فقدمتُ لهم شهادة جيدة،‏ وبعد مدة وجيزة اظهر لي بعضهم المودَّة وزوَّدوني بعيدان الثقاب،‏ الشمع،‏ وحتى بطعام اضافي.‏ وفي البداية جرت مصادرة كتابي المقدس،‏ ولكنّ الشكر لاحد الضبَّاط،‏ فقد أُعيد اليَّ.‏ وكم قدَّرتُ قراءة كلماته الثمينة على ضوء الشمع!‏

ولاحقا نُقلتُ الى سجن عسكري لم يعد موجودا الآن،‏ في شارع شيرش-‏ميدي،‏ في باريس.‏ ووُضعتُ في حبس انفرادي،‏ لذلك كان لديَّ مقدار وافر من الوقت لأتأمل في حالتي.‏

كان عمري ٢٧ سنة وكنت اخدم يهوه كامل الوقت لسنتين.‏ وأول اتصال لعائلتي بشهود يهوه كان من خلال برامج اذاعية على راديو ڤيتوس،‏ محطة إرسال خاصة في باريس.‏ وكان ذلك سنة ١٩٣٣.‏ وأخذتُ موقفي الى جانب الحق سنة ١٩٣٥،‏ بعد انهاء الخدمة العسكرية الاجبارية.‏ واعتمدت في لوسرن،‏ سويسرا،‏ في آب ١٩٣٦.‏

ووالداي،‏ اخي،‏ اختي،‏ وأنا كنا نعاشر الجماعة الوحيدة في باريس.‏ والاخ كْنِخْت،‏ الذي كان وقتئذ مسؤولا عن العمل في فرنسا،‏ كان باستمرار يشجع الشهود الاحداث على الانخراط في الخدمة كامل الوقت.‏ ونتيجة لذلك،‏ في نيسان ١٩٣٨،‏ قررنا اخي،‏ اختي وأنا ان نصير فاتحين،‏ او خداما كامل الوقت.‏ وتعييننا كان أوكزير،‏ بلدة تبعد حوالي ٩٦ ميلا جنوب شرقي باريس.‏ أختي جانيت شهدت في البلدة نفسها،‏ وأخي مارسيل وأنا ركبنا الدراجة الى القرى المحيطة ضمن نصف قطر يبلغ حوالي ٢٠ ميلا.‏ وقديما في ذلك الحين كان العمل الكرازي يتألف بصورة رئيسية من توزيع مطبوعات الكتاب المقدس دون القيام بزيارات مكررة.‏ ويمكنني ان اتذكَّر كم ازعجني ذلك.‏

في حزيران ١٩٣٨ دُعيتُ لأعمل في مكتب جمعية برج المراقبة في باريس.‏ وفي ذلك الوقت كانت هيئة المستخدمين،‏ او عائلة البتل،‏ في فرنسا تتألف من حوالي عشرة اعضاء،‏ وقد عُيِّنتُ لاساعد في قسم الشحن.‏ عندما جرى استدعائي للخدمة العسكرية وتسلَّمت «التعيين الجديد.‏»‏

تعييني الجديد —‏ السجن

ادركتُ من البداية انه اذا لم ابحث عن طرائق لأفعل شيئا —‏ مهما كان قليلا —‏ من اجل يهوه فيما انا في السجن فان ايماني سيضعف سريعا.‏ ولكن سرعان ما كان باستطاعتي ان اخلق فرصا لأتكلم عن حق كلمة اللّٰه.‏ وبعد اسابيع قليلة من وصولي الى سجن شيرش-‏ميدي نُقلتُ الى غرفة مشتركة مع سجناء آخرين.‏ وهناك التقيت تلميذ حقوق كان قد حُكم عليه بالسجن لانه عاد من اجازته العسكرية متأخرا عدة ايام.‏ وكان هنالك ايضا تلميذ معهد لاهوتي كاثوليكي حُكم عليه بسبب السرقة.‏ ونحن الثلاثة تمتعنا بمحادثات طويلة عديدة عن حق الكتاب المقدس.‏

وذات يوم لاحظتُ سجينا وحده في زاوية الساحة.‏ واذ اقتربتُ استطعت ان ارى انه كان يقرأ.‏ فتحدثتُ اليه.‏ فالتفت وأراني كتابه المقدس.‏ تخيَّلوا!‏ لقد كان واحدا من شهود يهوه!‏ وكان من اصل پولندي،‏ ويدعى سيڠلارسكي،‏ ومثلي كان في السجن بسبب حياده.‏ رفقة مسيحية اخيرا!‏ ويمكنكم ان تتخيَّلوا كم كنا كلانا فرحين جدا.‏ فباستطاعتنا الآن ان نتمتع بساعات عديدة في محادثة بنَّاءة.‏

وفي هذا السجن سُمح لنا بأن نخرج الى الساحة عدة ساعات في اليوم،‏ لذلك استطعت ان اتكلم مع بعض السجناء الذين تمتعوا بسماع رسالة الكتاب المقدس.‏ وفي بعض الاوقات انضم بعض الحرَّاس ايضا الى مناقشاتنا.‏ لقد وجدتُ شيئا لأفعله من اجل يهوه.‏ وفي الواقع،‏ اصبح السجن تعييني الكرازي الجديد،‏ وكنت الآن انجز ساعات الفتح،‏ مع انني لم استطع ان اقدم تقريرا عنها.‏ ولكنّ ذلك لم يزعجني.‏

النزوح

مرَّت اشهر دون حوادث مهمة نسبيا —‏ تلك المدعوَّة الحرب الزائفة.‏ ولكنّ ذلك انتهى في ايار ١٩٤٠ عندما هاجم الالمان فرنسا.‏ وفي حزيران أَفرغت السلطات الفرنسية كل سجون باريس بسبب القوات العسكرية الالمانية المتقدمة.‏ فوُضعنا في شاحنات عسكرية وأُخذنا الى اورليان،‏ بلدة تبعد اكثر من ٧٠ ميلا جنوبي باريس.‏ وبعد توقُّف قصير جرى تجميع السجناء المدنيين والعسكريين على السواء وأمرهم بأن يتابعوا الى الجنوب الشرقي سيرا على الاقدام على موازاة الضفة الشمالية لنهر لْوار.‏ والحراس المسلَّحون استمروا في مراقبة القافلة.‏ وكان الذهاب صعبا تحت شمس حزيران الحارة.‏

كان بيننا مجرمون،‏ وتلقَّى الحراس تعليمات بأن يطلقوا النار على كل من يتوقَّف،‏ يقع،‏ او يعجز عن متابعة السير.‏ وفي اليوم الثالث ابتدأ الاخ سيڠلارسكي يعاني من ضربة شمس.‏ والتخلي عنه كان سيعني موتا مؤكَّدا له.‏ فسمح لي الحراس،‏ بمساعدة بعض السجناء الآخرين،‏ ان اضعه في بطانية،‏ وحملناه.‏ وفي اليوم التالي شعر بتحسُّن وكان قادرا ان يتابع سيرا على الاقدام.‏

قبيل الوصول الى برِيار،‏ بلدة صغيرة تقع على ضفة لْوار الشمالية،‏ التقى فريقنا موكبا من الناس المثقلين بكل ما يستطيعون حمله من ممتلكاتهم او دفعه في عربة.‏ لقد كانوا يهربون جنوبا من الجيوش الالمانية المتقدمة.‏ وكنا نقدر ان ندرك الى حدّ ما مدى النزوح المدني اذ يهرب الآلاف من اجل حياتهم.‏

ثم اكتشفنا ان حراسنا قد اختفوا،‏ وكنا وحدنا.‏ فماذا كان علينا ان نفعل الآن؟‏ كان من المستحيل ان نعبر نهر لْوار العريض ونتابع رحلتنا جنوبا لان كل الجسور كانت قد نُسفَت.‏ وفرقتنا الصغيرة (‏المؤلفة من الاخ سيڠلارسكي،‏ سجينين آخرين،‏ وأنا)‏ قررت العودة الى باريس.‏

وجدنا بعض الاحصنة المتروكة،‏ فأسرجناها بأفضل طريقة ممكنة.‏ وكنت قد جرحتُ ركبتي ولم استطع ان اثني رجلي،‏ لذلك كان على رفقائي ان يساعدوني لأركب على ظهر الحصان.‏ ثم اكتشفنا ان حصاني كان لديه عَرَج ايضا!‏ لذلك كان التقدم بطيئا اذ كان حصاني يعرج.‏ وعلى اية حال،‏ فان رحلتنا سرعان ما وصلت الى نهاية مفاجئة.‏ وكنا قد قطعنا اميالا قليلة فقط عندما اصبحنا وجها لوجه مع كتيبة جيش ألمانية،‏ وأنزَلَنا احد رجال الشرطة العسكرية.‏ وكل ما كنا قد نجحنا في فعله كان تغيير الحراس!‏

سجين حرب

وبعد اسرنا سرعان ما انفصلنا الاخ سيڠلارسكي وأنا،‏ وبقي هو سجينا لدى الالمان حتى نهاية الحرب.‏ وبعد اشهر قليلة في سجن ثكنة جوانيي،‏ في فرنسا الوسطى،‏ جرى نفيي الى شْتيتين،‏ مرفأ في ما كان پروسيا الشرقية.‏ والآن هو مرفأ اشتشتسين الپولندي.‏

وبما انني كنت قانونيا في سجن عسكري فرنسي عندما اسرني الالمان فقد وُضعت في معسكر لسجناء الحرب حيث لم تكن الاحوال في ايّ مكان قاسية كما هي في معسكرات الاعتقال.‏ وكان المعسكر حظيرة ضخمة تتسع لِـ‍ ٥٠٠ سجين،‏ يراقبهم حراس مسلَّحون.‏ وكان السجناء يعملون في اشغال مختلفة في المدينة خلال النهار ويُعادون الى المعسكر في المساء.‏ لذلك كيف كنت سأجد شيئا لأفعله من اجل يهوه والرجال غائبون طوال النهار؟‏

في الحظيرة كان هنالك لوح كبير حيث كانت تُلصق المعلومات،‏ وحصلت على إِذن لاستعمال مساحة صغيرة من اللوح.‏ فوجدتُ بعض الورق،‏ وبعد ان ملَّستها باعتناء كتبت عدة آيات صغيرة عن مواضيع من الكتاب المقدس.‏ وفي الاسفل اوضحت اين يمكن ايجادي وفي ايّ وقت يمكن لايّ شخص مهتم برسالة ملكوت اللّٰه ان يأتي ويراني.‏

الكرازة لكل انواع الناس

ان هذا الاسلوب جلب نتائج جيدة.‏ وسرعان ما صرت قادرا ان اعقد اجتماعا صغيرا كل مساء بستة،‏ ثمانية،‏ وحتى عشرة حاضرين في بعض الاحيان.‏ ومناقشاتنا غالبا ما كانت تدوم ساعة او اكثر بحسب الاسئلة التي تنشأ.‏ ومن وقت الى آخر كان حارس ألماني يتكلم الفرنسية ينضم الينا.‏

واذ كان لديَّ كتاب مقدس واحد كتبتُ الى الصليب الاحمر في جنيڤ،‏ طالبا منهم ان يرسلوا اليَّ كتبا مقدسة بقدر ما يستطيعون.‏ ومرَّ الوقت،‏ ولكن اخيرا تسلَّمت رزمتي الاولى من الكتب المقدسة المستعمَلة.‏ وفي احد الايام قيل لي ان اذهب الى مكتب المعسكر لان زائرا،‏ ممثِّلا للصليب الاحمر،‏ يرغب في رؤيتي.‏ وتبيَّن انه قس بروتستانتي.‏ وكما يظهر اعتقد انني بروتستانتي ايضا.‏ وكان خائب الظن قليلا عندما علم انني واحد من شهود يهوه!‏

وعلى الرغم من ذلك،‏ كان لطيفا حتى انه هنَّأني بما كنت افعله.‏ وأكَّد لي انني استطيع الاستمرار في طلب الكتب المقدسة وأنني سأتسلَّمها.‏ وقد تبيَّن ان ذلك صحيح.‏ وهكذا استطعت ان اوزِّع ٣٠٠ كتاب مقدس تقريبا خلال الوقت الذي بقيت فيه في ذلك المعسكر.‏ وبعد الحرب،‏ يا له من فرح ان اعلم ان سجينا بلجيكيا يدعى واتيو،‏ كنت قد شهدت له في معسكر شْتيتين،‏ قد اخذ موقفه الى جانب الحق!‏

وخلال اسري في ألمانيا كان لديَّ امتياز تسلُّم رزم طعام من عائلتي.‏ وسرعان ما اكتشفتُ ان كل رزمة كانت تخفي ايضا وفرة من الطعام الروحي الثمين.‏ فأختي كانت تطبع مقالات من برج المراقبة على ورق رقيق جدا وتخبِّئها في حزم المعكرونة.‏ والحراس لم يجدوها قط.‏ حتى انني تسلَّمت نسخة من كتاب الاولاد في رزمة طعام.‏ وكان ذلك نافعا جدا لي في خدمتي.‏

توسيع خدمتي

ولكوني ميكانيكيا عُيِّنت اخيرا لأعمل في مرأب لاصلاح الجرَّارات.‏ وكان حوالي ٢٠ ألمانيا،‏ معظمهم اكبر من ان يُطلبوا للخدمة العسكرية،‏ يعملون هناك.‏ لذلك بذلت الجهد لأتعلم الالمانية قليلا.‏ ورغبتي القلبية كانت ان اوسِّع خدمتي وألاّ اجعل كرازتي في ما بعد تقتصر على السجناء الذين يتكلمون الفرنسية.‏

ولكن كان عليَّ ان اعمل بحذر لان العمَّال الالمان كانوا يخافون ان يُعبِّروا عن آرائهم علنا.‏ لذلك تكلَّمت معهم افراديا.‏ وهم عادةً يعرفون الكتاب المقدس جيدا وقد سمعوا عن شهود يهوه.‏ حتى ان البعض عرفوا ان الكثير من الشهود قد أُرسلوا الى معسكرات الاعتقال.‏

وكل يوم في المرأب أنتهي الى صنع الجولات للتحدث الى رفقائي العمال عن الحق.‏ والبعض كانوا ايجابيين تجاه الرسالة،‏ أما الرجل المسؤول فلم يكن كذلك.‏ ولا شك انني بالغت عندما كتبت بالطبشورة Jehovas Zeugen (‏شهود يهوه)‏ على مقعد عمله لمساعدته ليفهم من انا.‏ وبدا الرجل مرتاعا عندما رأى الكتابة فمحاها بسرعة.‏ ولكنه لم يعاقبني.‏ وعلى مرّ الوقت اصبح عمال آخرون ودّيين.‏ وفي الواقع،‏ جلبوا لي طعاما كثيرا بحيث استطعت ان اشترك فيه مع عدة سجناء آخرين في مؤخَّر المعسكر.‏

يهوه،‏ برج حصين

على مرّ السنين تعلَّمتُ اننا نستطيع دائما ان نفعل شيئا من اجل يهوه ورفيقنا الانسان،‏ مهما صارت الظروف صعبة.‏ وشْتيتين قُذفت بالقنابل بشدة عدة مرات من قِبل قوات الحلفاء.‏ فحاولنا ان نجد ملجأ في خنادق مغطاة بصفائح وتراب.‏ وقدَّمتْ هذه مجرد امن وهمي،‏ لان عشرات السجناء فقدوا حياتهم في هذه الخنادق.‏ وخلال الغارات الجوية كنت اشعر في بعض الاحيان بأن يدا تمسكني بإِحكام في الظلام،‏ لتتركني فقط حالما تنتهي الغارة.‏ ولم اعرف قط من كان هذا.‏ وكما يظهر،‏ اعتقد بعض السجناء انه كانت لديّ حماية خصوصية لانني اتكلم عن اللّٰه.‏

وخلال احدى الغارات الجوية احترق معسكرنا بالقنابل المحرقة.‏ واذ تُركنا وحدنا في شوارع البلدة شهدنا مشاهد رعب كثيرة.‏ مدنيّون يعانون من حروق خطيرة قفزوا الى قنوات نهر أودر الذي يجري عبر شْتيتين.‏ وعندما خرج ضحايا الحروق هؤلاء من الماء استمر الفسفور في الاحتراق عليهم.‏ وكثيرون ماتوا.‏

بسبب تقدُّم القوات العسكرية الروسية أُمِرنا بأن نغادر شْتيتين ونجعل طريقنا غربا الى نُويْبْراندنبورغ ومن ثم الى ڠوسترو.‏ واذ كنا نجلس عاليا على جرَّارة كبيرة سافرنا عبر طريق حيث كانت القذائف السوڤياتية تسقط من وقت الى آخر.‏ وأدركتنا اخيرا الدبابات الروسية في ڠوسترو.‏ وفِرق الصدام السوڤياتية كانت اسياد البلدة مدة اسبوع.‏ والقوات العسكرية البريطانية كانت تقترب،‏ وفيما كانت تنتظر لتلتقي الجيوش فصلت السلطات السوڤياتية السجناء العسكريين عن المدنيين.‏ واحتجزت بعض السجناء وسلَّمت الباقين (‏بمن فيهم انا)‏ للبريطانيين.‏

هذه كانت نهاية الكابوس.‏ وبعد اسابيع قليلة وجدتُ نفسي ثانية على رصيف محطة غار دي نور للسكك الحديدية في باريس.‏ وكان النهار في بدء طلوعه.‏ لقد كان منتصف شهر ايار ١٩٤٥،‏ وعدتُ اخيرا،‏ بعد ٦٩ شهرا من الاسر.‏

ايجاد اشياء اكثر لفعلها من اجل يهوه

في السنة ١٩٤٦ دعتني الجمعية مرة ثانية لأخدم في البتل،‏ الواقع آنذاك في مونمورانسي،‏ ضاحية شمالي باريس.‏ وبعد اشهر قليلة جرى تعييننا الاخ پول دوسمان وأنا لزيارة الجماعات في فرنسا كناظرَي دائرة.‏ وفي ذلك الوقت لم يكد يكون هنالك ٠٠٠‏,٢ شاهد في كل البلد.‏ واليوم،‏ بعد اكثر من ٤٠ سنة،‏ هنالك اكثر من مئة ألف ناشر.‏

دُعيتُ لاحقا الى البتل مرة اخرى،‏ وكان واقعا آنذاك في قسم سكني من باريس.‏ وفي سنة ١٩٤٩،‏ اذ شجعني أخوان مرسلان من انكلترا،‏ بدأتُ اتعلَّم الانكليزية —‏ ليس بدون صعوبة،‏ يجب ان اعترف.‏ وفي السنة التالية دُعيتُ الى مدرسة جلعاد برج المراقبة للكتاب المقدس.‏

وعندما رجعت الى فرنسا خدمتُ فترة في العمل الدائري،‏ ثم طلبتْ مني الجمعية ان اخدم كمرسل في افريقيا.‏ وفي هذه الاثناء كنت قد تزوجتُ تيتيكا،‏ وهي اخت من اصل يوناني.‏ وبقينا في السنغال مدة خمس سنوات وكان لدينا امتياز رؤية اوَّل جماعة تتشكَّل في دكار.‏ ولاسباب صحيّة اضطررنا لاحقا الى العودة الى باريس.‏

انا الآن في سنتي الـ‍ ٥٠ من الخدمة كامل الوقت وكان لديَّ كلَّ هذه السنوات فرح مساعدة اكثر من مئة شخص على اخذ موقفهم الى جانب الحق.‏ وفعلا،‏ كان يهوه باستمرار صالحا وسخيا معي.‏ وقد تعلَّمتُ من اختبارات الحياة انه مهما كانت حالتنا نستطيع ان نجد دائما طريقة لتسبيح وتكريم الهنا،‏ يهوه.‏

‏[الصورة في الصفحة ٢٣]‏

جان كويْرْوا وزوجته،‏ تيتيكا

    المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
    الخروج
    الدخول
    • العربية
    • مشاركة
    • التفضيلات
    • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
    • شروط الاستخدام
    • سياسة الخصوصية
    • إعدادات الخصوصية
    • JW.ORG
    • الدخول
    مشاركة