-
«اللّٰه محبة»اقترب الى يهوه
-
-
القسم ٤
«اللّٰه محبة»
المحبة هي الصفة الغالبة بين كل الصفات التي يتحلى بها يهوه. وهي ايضا اكثر الصفات التي تجذبنا اليه. وفيما نراجع بعض الاوجه الجميلة لهذه الصفة الرائعة، سنفهم لماذا يقول الكتاب المقدس ان «اللّٰه محبة». — ١ يوحنا ٤:٨.
-
-
«هو احبنا اولا»اقترب الى يهوه
-
-
الفصل ٢٣
«هو احبنا اولا»
١-٣ ما هي بعض العوامل التي جعلت ميتة يسوع مختلفة عن اية ميتة اخرى في التاريخ؟
في احد ايام الربيع قبل ٠٠٠,٢ سنة تقريبا، حوكِم رجل بريء وأُدين بجرائم لم يرتكبها قط، وبعد ذلك عُذِّب حتى الموت. لم تكن هذه اول عملية اعدام وحشية وظالمة في التاريخ، وللأسف لم تكن الاخيرة. لكنَّ تلك الميتة اختلفت كثيرا عن غيرها.
٢ فخلال الساعات الاخيرة من عذاب هذا الرجل، تغيَّر مظهر السماء بشكل ابرزَ اهمية هذا الحدث. ففي منتصف النهار حلَّت الظلمة فجأة على الارض هناك. و «الشمس ذهب نورها»، كما قال احد المؤرخين. (لوقا ٢٣:٤٤، ٤٥) وقُبيل لفظ الرجل آخر انفاسه، تفوَّه بهاتين الكلمتين اللتين لا تُنسيان: «قد تمَّ!». نعم، فبتقديم حياته تمَّم شيئا رائعا. وكانت ذبيحته اعظم اعراب عن المحبة قام به ايّ انسان. — يوحنا ١٥:١٣؛ ١٩:٣٠.
٣ هذا الرجل هو دون شك يسوع المسيح. وكثيرون يعرفون قصة عذابه وموته في ذلك اليوم القاتم في ١٤ نيسان القمري سنة ٣٣ بم. ولكن ثمة حقيقة مهمة غالبا ما يُتجاهل امرها. فمع ان يسوع تألم كثيرا، هناك مَن تألم اكثر منه. وهناك مَن قام بتضحية اكبر في ذلك اليوم، وكان ذلك اعظم اعراب عن المحبة في الكون. فعمّ نتحدث؟ يشكّل الجواب مقدمة ملائمة لأهمّ المواضيع قاطبةً: محبة يهوه.
اعظم اعراب عن المحبة
٤ كيف ادرك قائد روماني ان يسوع لم يكن انسانا عاديا، وماذا استنتج؟
٤ ذهل قائد المئة الروماني، الذي اشرف على عملية اعدام يسوع، لدى رؤيته الظلمة التي حلَّت قبل موت المسيح والزلزال العنيف الذي تبع موته. فقال: «حقا كان هذا ابن اللّٰه». (متى ٢٧:٥٤) كان واضحا ان يسوع لم يكن انسانا عاديا. وقد ساهم هذا القائد في تنفيذ حكم الاعدام في ابن العلي المولود الوحيد! فإلى ايّ حد كان هذا الابن عزيزا على قلب ابيه؟
٥ كيف يمكن ايضاح الفترة الزمنية الطويلة التي قضاها يهوه وابنه معا؟
٥ يدعو الكتاب المقدس يسوع «بكر كل خليقة». (كولوسي ١:١٥) تخيَّل هذا! لقد كان ابن يهوه موجودا قبل الكون المادي. فكم بلغت المدة التي بقي خلالها الآب والابن معا؟ يقدِّر بعض العلماء ان عمر الكون يبلغ ١٣ بليون سنة. فهل بإمكانك ان تستوعب كل هذه الفترة؟ لمساعدة الناس على استيعاب عمر الكون كما يقدِّره العلماء، رُسم في مركز لعرض حركة الاجرام السماوية خطٌّ زمني بطول ١١٠ امتار. وكل خطوة يخطوها الزوار على طول ذلك الخط الزمني تمثِّل نحو ٧٥ مليون سنة من عمر الكون. وعند نهاية الخط، يمثَّل كامل التاريخ البشري بعلامة رفيعة بعرض شعرة انسان! ولكن حتى لو كان هذا التقدير صحيحا، فكامل الخط لا يكفي ليمثِّل طول عمر ابن يهوه! فماذا كان يفعل طوال كل هذه العصور؟
٦ (أ) ماذا كان ابن يهوه يفعل خلال وجوده السابق لبشريته؟ (ب) ايّ نوع من الرُّبُط يوجد بين يهوه وابنه؟
٦ كان الابن سعيدا في عمله ‹كصانع› لدى ابيه. (امثال ٨:٣٠) ويقول الكتاب المقدس: «بغيره [الابن] لم يوجد ايّ شيء». (يوحنا ١:٣) اذًا، عمل يهوه وابنه معا لصنع سائر الاشياء. وكم كانت تلك الاوقات سعيدة ومثيرة! يعرف الجميع ان المحبة بين الابوين والولد انما هي شديدة بشكل مذهل. والمحبة هي «رباط وحدة كامل». (كولوسي ٣:١٤) فمن يستطيع ان يسبر كاملا عمق الرباط الذي نما بين يهوه اللّٰه وابنه على مدى تلك الفترة الهائلة من الزمن؟! من الواضح انهما متَّحدان بأقوى رباط محبة تشكَّل على الاطلاق.
٧ عندما اعتمد يسوع، كيف عبَّر يهوه عن مشاعره تجاه ابنه؟
٧ رغم ذلك ارسل الآب ابنه الى الارض ليولد كطفل بشري. وعنى ذلك ان يتخلى يهوه بضعة عقود عن علاقته الحميمة بابنه الحبيب في السماء. وباهتمام شديد اخذ يراقب يسوع من السماء وهو يكبر ليصير رجلا كاملا. وبعمر ٣٠ سنة تقريبا، اعتمد يسوع. ولا حاجة الى ان نخمّن كيف كان يهوه يشعر تجاهه. فقد تكلَّم الآب بنفسه من السماء وقال: «هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت». (متى ٣:١٧) ولا بد ان الآب كان سعيدا دون شك برؤية يسوع ينفذ بأمانة كل ما جرى التنبؤ به وكل ما طُلب منه. — يوحنا ٥:٣٦؛ ١٧:٤.
٨، ٩ (أ) ماذا عانى يسوع في ١٤ نيسان القمري سنة ٣٣ بم، وماذا كان شعور ابيه السماوي حيال ذلك؟ (ب) لماذا سمح يهوه بأن يتألم ابنه ويموت؟
٨ ولكن كيف شعر يهوه في ١٤ نيسان القمري سنة ٣٣ بم؟ كيف شعر حين جرت خيانة يسوع وجاء رعاع لاعتقاله في الليل، حين هجر يسوعَ اصدقاؤه وأُجريت ضده محاكمة غير شرعية، حين استُهزئ به وبُصق عليه ولُكِمَ، حين جُلد وتمزَّق لحم ظهره تمزيقا، وحين سُمِّر في يديه وقدميه على عمود خشبي وتُرك هناك معلَّقا فيما الناس يشتمونه؟ كيف شعر الآب حين صرخ ابنه الحبيب اليه في غمرة عذابه؟ وكيف شعر يهوه حين لفظ يسوع آخر انفاسه، فلأول مرة منذ فجر كل خليقة، لم يعد لابنه الحبيب وجود؟ — متى ٢٦:١٤-١٦، ٤٦، ٤٧، ٥٦، ٥٩، ٦٧؛ ٢٧:٣٨-٤٤، ٤٦؛ يوحنا ١٩:١.
«اللّٰه . . . بذل الابن، مولوده الوحيد»
٩ يعجز لساننا عن وصف ما احس به. فيهوه يملك مشاعر، ولا توجد كلمات تصف الالم الذي احس به بسبب موت ابنه. ولكن توجد كلمات تصف الدافع الذي جعل يهوه يسمح بحدوث ذلك. فلماذا ترك الآب نفسه يقاسي هذه المشاعر؟ يكشف يهوه لنا شيئا رائعا في يوحنا ٣:١٦، آية مهمة جدا حتى انها اعتُبرت انجيلا مصغَّرا. تقول هذه الآية: «فإن اللّٰه احب العالم كثيرا حتى انه بذل الابن، مولوده الوحيد، لكي لا يهلك كل من يمارس الإيمان به، بل تكون له حياة ابدية». فالمحبة اذًا هي التي دفعت يهوه الى ذلك. وقد كانت هبة يهوه — ارساله ابنه ليتألم ويموت من اجلنا — اعظم اعراب عن المحبة.
تعريف المحبة الالهية
١٠ اية حاجة يملكها البشر، وماذا حلّ بمعنى كلمة «المحبة»؟
١٠ ماذا تعني كلمة «محبة»؟ وُصفت المحبة بأنها اعظم حاجة لدى البشر. فمن المهد الى اللحد يسعى الناس وراء المحبة، وتتحسن حالهم حين ينعمون بدفئها، حتى انهم يذبلون ويموتون اذا حُرموا منها. ورغم ذلك يبقى تعريفها صعبا جدا. صحيح ان الناس يتحدثون كثيرا عن الحب والمحبة، ولا نهاية للكتب والاغاني والقصائد عنهما، ولكن لا ينتج دائما من ذلك توضيح لمعنى المحبة. وفي الواقع، من فرط ما تُستعمل هذه الكلمة صار من الصعب اكثر ايجاد معناها الحقيقي.
١١، ١٢ (أ) اين يمكن ان نتعلم الكثير عن المحبة، ولماذا؟ (ب) اية انواع من المحبة وُجدت في اللغة اليونانية القديمة، وأية كلمة مقابل «المحبة» هي الاكثر استعمالا في الاسفار اليونانية المسيحية؟ (انظر ايضا الحاشية.) (ج) ما هي اڠاپِه؟
١١ أما الكتاب المقدس فيعلِّمنا عن المحبة بأسلوب واضح. يذكر القاموس التفسيري لكلمات العهد الجديد (بالانكليزية) لواضعه ڤاين: «لا يمكن تمييز المحبة الا من خلال الاعمال الناتجة عنها». وسجلُّ الكتاب المقدس عن اعمال يهوه يعلِّمنا الكثير عن محبته ومودته الرقيقة نحو خلائقه. فهل من دليل على صفة المحبة اقوى من اعراب يهوه السامي عنها كما وُصف آنفا؟! تُضاف الى ذلك ايضا امثلة كثيرة اخرى لمحبة يهوه العملية سنراها في الفصول التالية. كما انه يمكن ان تتوضح لنا الفكرة اكثر اذا تأملنا في الكلمات الاصلية المستخدمة في الكتاب المقدس التي تقابل «المحبة». فباليونانية القديمة، استُعملت اربع كلمات مقابل «محبة».a وإحداها هي اڠاپِه، اكثرها استعمالا في الاسفار اليونانية المسيحية. يقول احد قواميس الكتاب المقدس عنها انها «اقوى كلمة يمكن تخيُّلها للتعبير عن فكرة المحبة». ولماذا؟
١٢ تشير اڠاپِه الى محبة يوجِّهها المبدأ. لذا تنطوي الكلمة على اكثر من مجرد تجاوب عاطفي مع شخص آخر. انها اوسع مجالا، وتعبِّر في جوهرها عن تفكير وتروٍّ اكبر. والاهم هو ان اڠاپِه مجردة من كل انانية. مثلا، تأمل من جديد في ما تقوله يوحنا ٣:١٦. ما هو «العالم» الذي احبه اللّٰه جدا حتى بذل ابنه المولود الوحيد؟ انه عالم الجنس البشري الذي يمكن افتداؤه. وهو يشمل اناسا كثيرين يسلكون في حياتهم مسلكا خاطئا. فهل يحب يهوه كل واحد منهم كما لو كان صديقه، كما احب ابراهيم الامين؟ (يعقوب ٢:٢٣) كلا، لكنَّ يهوه يُبدي صلاحه للجميع بمحبة، حتى لو استلزم ذلك منه تضحية كبيرة. فهو يرغب ان يتوب الجميع ويغيِّروا طرقهم. (٢ بطرس ٣:٩) وهذا ما يفعله كثيرون. ويسرّه ان يتخذ هؤلاء اصدقاء له.
١٣، ١٤ ماذا يُظهر ان اڠاپِه تنطوي غالبا على مودة حميمة؟
١٣ ولكن لدى البعض فكرة خاطئة عن اڠاپِه. ففي رأيهم تشير هذه الكلمة الى محبة فاترة وعقلانية. لكنَّ الحقيقة هي ان كلمة اڠاپِه تنطوي غالبا على مودة شخصية حميمة. مثلا، عندما كتب يوحنا «الآب يحب الابن»، استعمل صيغة للكلمة اڠاپِه. فهل هذه المحبة خالية من المودة الحميمة؟ لاحظْ ان يسوع قال: «الآب يكن للابن مودة»، مستعملا هنا صيغة للكلمة فيليو. (يوحنا ٣:٣٥؛ ٥:٢٠) فمحبة يهوه تشمل غالبا مودة رقيقة. ولكن لا تتأثر محبته بالإحساس العاطفي فحسب، بل توجِّهها دائما مبادئه الحكيمة والعادلة.
١٤ رأينا ان جميع صفات يهوه رفيعة وكاملة وجذابة. لكنَّ المحبة هي ابرز الصفات التي تجذبنا اليه. فلا شيء يجذبنا اليه اكثر. والمفرح هو ان المحبة هي الصفة الغالبة عنده. فكيف نعرف ذلك؟
«اللّٰه محبة»
١٥ ماذا يقول الكتاب المقدس عن صفة المحبة عند يهوه، وماذا يجعل هذا القول فريدا؟ (انظر ايضا الحاشية.)
١٥ يقول الكتاب المقدس عن المحبة شيئا لا يقال ابدا عن صفات يهوه الرئيسية الاخرى. فالاسفار المقدسة لا تقول ان اللّٰه قدرة او ان اللّٰه عدل، او حتى ان اللّٰه حكمة. فهو يملك هذه الصفات، وهو المصدر الاسمى لها، ولا يضاهيه احد فيها جميعا. ولكن يقال عن الصفة الرابعة شيء اعمق: «اللّٰه محبة».b (١ يوحنا ٤:٨) فماذا يعني ذلك؟
١٦-١٨ (أ) لماذا يقول الكتاب المقدس ان «اللّٰه محبة»؟ (ب) من بين كل المخلوقات على الارض، لماذا يُعتبر الانسان رمزا ملائما الى صفة المحبة عند يهوه؟
١٦ ليست عبارة «اللّٰه محبة» مجرد معادلة بسيطة، كما لو اننا نقول: «اللّٰه يساوي المحبة». فلا يمكننا ان نقلب العبارة ونقول ان «المحبة هي اللّٰه». وليس يهوه صفة مجردة. انه كائن ذو شخصية يحس بمشاعر ويتمتع بصفات كثيرة غير المحبة. لكنَّ المحبة تتغلغل عميقا في كيان يهوه. لذلك يقول احد المراجع عن هذه الآية: «المحبة هي جوهر اللّٰه او طبيعته». ويمكننا عموما ان نفكر في المسألة على هذا الوجه: قدرة يهوه تمكِّنه من العمل؛ عدله وحكمته يوجِّهان الطريقة التي يعمل بها؛ أما محبته فتدفعه الى العمل. وتُرى محبته دائما في طريقة استخدامه الصفات الاخرى.
١٧ يقال غالبا ان يهوه هو مجسَّم المحبة. لذلك اذا اردنا ان نتعلم شيئا عن المحبة المؤسسة على مبدإ، يجب ان نتعلم عن يهوه. طبعا، يمكننا ان نرى هذه الصفة الجميلة لدى البشر ايضا. ولكن لماذا يملك البشر تلك الصفة؟ عند خلق الانسان، تفوَّه يهوه بهذه الكلمات الموجَّهة كما يتضح الى ابنه: «نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا». (تكوين ١:٢٦) فمن بين كل المخلوقات على هذه الارض، باستطاعة الرجال والنساء وحدهم ان يقرروا ان يحبوا، وهم بذلك يتمثلون بأبيهم السماوي. وتذكّر ان يهوه استخدم مخلوقات عديدة رمزا الى صفاته الرئيسية. لكنه اختار الانسان، اسمى خليقته الارضية، ليكون رمزا الى الصفة الغالبة لديه: المحبة. — حزقيال ١:١٠.
١٨ عندما نحب بطريقة غير انانية ومؤسسة على مبدإ، نعكس هذه الصفة الغالبة عند يهوه. وهذا ما كتبه الرسول يوحنا: «أما نحن فنُحِب، لأنه هو احبنا اولا». (١ يوحنا ٤:١٩) ولكن بأية طرائق احبنا يهوه اولا؟
يهوه اخذ المبادرة
١٩ لماذا يمكن القول ان المحبة لعبت دورا هاما في عمل يهوه الخلقي؟
١٩ ليست المحبة امرا حديثا. أفليست المحبة ما دفع يهوه الى الابتداء بالخلق؟! لم يبادر اللّٰه الى ذلك لأنه شعر بالوحدة واحتاج الى الرفقة. فيهوه مستقل وتام في ذاته، ولا يعوزه شيء يؤمّنه له كائن آخر. لكنَّ محبته، التي هي صفة يُعرب عنها بالاعمال، جعلته يرغب دون شك في ان يُشرِك مخلوقات ذكية في افراح الحياة، مخلوقات تقدِّر هذه الهبة. وكان الابن المولود الوحيد «بداية خليقة اللّٰه». (كشف ٣:١٤) ثم استخدم يهوه هذا الصانع لصنع سائر الاشياء، بدءا من الملائكة. (ايوب ٣٨:٤، ٧؛ كولوسي ١:١٦) وبما انه أُنعم على هذه الارواح الجبارة بالحرية والذكاء والمشاعر، سنحت لها الفرصة ان تنشئ روابط حبية خاصة — بعضها مع بعض والاهم مع يهوه اللّٰه. (٢ كورنثوس ٣:١٧) وهكذا أَحَبُّوا لأنهم أُحِبُّوا اولا.
٢٠، ٢١ ايّ دليل على محبة يهوه تمتَّع به آدم وحواء، ولكن كيف تجاوبا؟
٢٠ هكذا كان الامر بالنسبة الى البشر. فمن البداية أُغدقت المحبة على آدم وحواء. وأينما نظرا في موطنهما الفردوسي في عدن، وجدا دليلا على محبة الآب لهما. لاحظ ما يقوله الكتاب المقدس: «غرس الرب الاله جنة في عدن شرقا. ووضع هناك آدم الذي جبله». (تكوين ٢:٨) فهل ذهبت مرة الى حديقة او منتزه اسر لبَّك بجماله؟ ما هو اكثر ما سرَّك هناك؟ هل هو ضوء الشمس المُنساب بين اوراق الشجر في مكان مظلِّل يُختلى فيه؟ هل هو تنوُّع الالوان المدهش في بساط من الازهار؟ هل هي عذوبة خرير الجداول وزقزقة الطيور وطنين الحشرات؟ وماذا عن رائحة الاشجار والثمار والازهار؟ ومع ذلك، ما من حديقة اليوم تماثل الجنة في عدن. ولماذا؟
٢١ لأن يهوه نفسه هو مَن غرس الجنة! لذلك لا بد ان جمالها يفوق الوصف. وفيها وُجدت كل شجرة تُمتِّع الناظر بجمالها والآكل بثمارها اللذيذة. وكانت الجنة مرويّة وفسيحة وتعجّ بأنواع كثيرة من الحيوانات. لقد امتلك آدم وحواء كل ما يلزم لجعل حياتهما سعيدة وغنية، بما في ذلك عمل مرضٍ ورفقة تتميز بانسجام تام. لقد احبهما يهوه اولا، وكان من الطبيعي ان يتجاوبا بالمثل. لكنهما لم يفعلا ذلك. فبدلا من اطاعة ابيهما السماوي بمحبة، تصرَّفا بأنانية وتمرَّدا عليه. — التكوين الاصحاح ٢.
٢٢ كيف اظهر تجاوب يهوه مع التمرُّد في عدن ان محبته ولية؟
٢٢ كم آلم ذلك يهوه دون شك! ولكن هل ملأ هذا التمرُّد قلبه المحب حقدا؟ كلا! «لأن الى الابد رحمته [او «محبة ولائه»، حاشية عج بالانكليزية]». (مزمور ١٣٦:١) وهكذا سارع الى ترتيب الامور لصنع تدابير حبية تخلِّص مَن يملكون الدافع الصائب بين ذرية آدم وحواء. وكما رأينا، شملت هذه التدابير الذبيحة الفدائية التي قدَّمها ابنه الحبيب، امرٌ شقَّ احتماله على الآب كثيرا. — ١ يوحنا ٤:١٠.
٢٣ ما هو احد الاسباب التي تجعل يهوه «الاله السعيد»، وأيّ سؤال مهم سيجاب عنه في الفصل التالي؟
٢٣ نعم، اخذ يهوه المبادرة من البداية وأظهر المحبة للجنس البشري. وبطرائق لا تُعدّ ولا تُحصى «هو احبنا اولا». والمحبة تعزّز الانسجام والفرح، لذلك لا عجب ان يوصَف يهوه بأنه «الاله السعيد». (١ تيموثاوس ١:١١) ولكن ينشأ هنا سؤال مهم. هل يحبنا يهوه فعلا كأفراد؟ هذا ما سيجيب عنه الفصل التالي.
a كثيرا ما تستعمل الاسفار اليونانية المسيحية الفعل فيليو الذي يعني «أكنَّ مودة، أعزَّ، او أُعجِب (كالشعور تجاه صديق حميم او اخ)». وتُستعمل صيغة للكلمة ستورڠي، او المحبة العائلية اللصيقة، في ٢ تيموثاوس ٣:٣ للاشارة الى انعدام هذه المحبة خلال الايام الاخيرة. أما كلمة إروس، او الحب الرومنطيقي بين الجنسَين، فلا تُستعمل في الاسفار اليونانية المسيحية، مع ان الكتاب المقدس يناقش هذا النوع من المحبة. — امثال ٥:١٥-٢٠.
b ترد في الاسفار المقدسة آيات اخرى ذات بنية مشابهة، مثل «اللّٰه نور» و «إلهنا نار آكلة». (١ يوحنا ١:٥؛ عبرانيين ١٢:٢٩) ولكن يجب ان تُفهم هذه الكلمات على انها تشابيه، لأنها تشبِّه يهوه بأشياء مادية. فيهوه هو مثل النور لأنه قدوس ومستقيم، ولا «ظلمة» او نجاسة فيه البتة. كما يمكن تشبيهه بالنار لاستعماله القدرة على الإهلاك.
-
-
لا شيء يمكن ان ‹يفصلنا عن محبة اللّٰه›اقترب الى يهوه
-
-
الفصل ٢٤
لا شيء يمكن ان ‹يفصلنا عن محبة اللّٰه›
١ ايّ شعور سلبي ينتاب اناسا كثيرين، بمن فيهم بعض المسيحيين الحقيقيين؟
هل يهوه اللّٰه يحبُّك انت شخصيا؟ هنالك اشخاص يوافقون على القول ان اللّٰه يحب الجنس البشري عموما، كما تذكر يوحنا ٣:١٦. لكنهم يشعرون كل واحد في قرارة نفسه بأن ‹اللّٰه لا يمكن ان يحبَّني انا كفرد›. حتى المسيحيون الحقيقيون قد تنتابهم احيانا الشكوك في هذا الامر. قال رجل مثبَّط: «يصعب علي جدا ان اصدِّق ان اللّٰه يهتم بأمري». فهل تنتابك شكوك مماثلة في بعض الاحيان؟
٢، ٣ مَن يريد ان نصدِّق اننا غير محبوبين او لا قيمة لنا في نظر يهوه، وكيف يمكننا محاربة هذه الفكرة؟
٢ يسعى الشيطان جاهدا لحملنا على الاعتقاد ان يهوه اللّٰه لا يحبنا ولا يعتبرنا ذوي قيمة، عدا عن انه غالبا ما يستغل غرور الناس وكبرياءهم كوسيلة لإغوائهم. (٢ كورنثوس ١١:٣) انه يفرح بتحطيم احترام الذات عند الاشخاص الحسَّاسين. (يوحنا ٧:٤٧-٤٩؛ ٨:١٣، ٤٤) وهذا ما يفعله خصوصا في هذه «الايام الاخيرة» الحرجة. فكثيرون اليوم يترعرعون في عائلات «لا حنوّ» فيها. وآخرون يضطرون الى التعامل دائما مع اشخاص شرسين وأنانيين وجامحين. (٢ تيموثاوس ٣:١-٥) وربما بعد سنوات من المعاملة السيئة او التمييز العنصري او البغض، صار هؤلاء مقتنعين انهم بلا قيمة او غير محبوبين.
٣ اذا كانت مشاعر سلبية مماثلة تنتابك، فلا تيأس. فكثيرون منا يقسون على انفسهم من حين الى آخر اكثر من اللازم. ولكن تذكَّر ان كلمة اللّٰه مصمَّمة لكي ‹تقوِّم› و ‹تهدم حصونًا›. (٢ تيموثاوس ٣:١٦؛ ٢ كورنثوس ١٠:٤) كما ان الكتاب المقدس يقول: «نُطَمْئِن قلوبنا امامه من جهة ما قد تلومنا قلوبنا عليه، لأن اللّٰه اعظم من قلوبنا ويعلم كل شيء». (١ يوحنا ٣:١٩، ٢٠) فلنتأمل في اربع طرائق تساعدنا بها الاسفار المقدسة على ‹طمأنة قلوبنا› بمحبة يهوه.
يهوه يعتبرك ذا قيمة
٤، ٥ كيف يُظهر ايضاح يسوع عن العصافير الدورية اننا ذوو قيمة في نظر يهوه؟
٤ اولا، يعلِّمنا الكتاب المقدس بشكل صريح ان اللّٰه يعتبر كل واحد من خدامه ذا قيمة. مثلا، قال يسوع: «أمَا يُباع عصفوران دوريان بقطعة نقود قيمتها زهيدة؟ ومع ذلك لا يسقط واحد منهما على الأرض بدون علم ابيكم. أمَّا انتم فشعر رأسكم نفسه معدود كله. فلا تخافوا: انتم اثمن من عصافير دورية كثيرة». (متى ١٠:٢٩-٣١) تأمل في ما عنته هذه الكلمات لسامعي يسوع في القرن الاول.
«انتم اثمن من عصافير دورية كثيرة»
٥ قد نتساءل لماذا يرغب احد في شراء عصفور دوري. والجواب هو ان الدوري في ايام يسوع كان ارخص الطيور التي تُباع للاكل. لاحظ انه بقطعة نقود قيمتها زهيدة، كان الشاري يحصل على عصفورَين دوريَّين. لكنَّ يسوع ذكر لاحقا انه اذا دفع الشخص قطعتَي نقود، لا يحصل على اربعة عصافير دورية بل على خمسة. فالطائر الاضافي كان يُعطى كما لو ان لا قيمة له على الاطلاق. ربما كانت هذه الطيور بلا قيمة في عيون البشر، ولكن ماذا كانت نظرة الخالق اليها؟ قال يسوع: «لا يُنسى واحد منها [حتى العصفور الدوري الذي يُعطى مجانا] امام اللّٰه». (لوقا ١٢:٦، ٧) ربما بدأنا الآن نفهم فكرة يسوع. فبما ان العصفور الدوري الواحد له هذه القيمة عند يهوه، فكم بالاكثر هي قيمة الانسان! وكما اوضح يسوع، يعرف يهوه كل تفصيل عنا. حتى شعر رأسنا معدود كله!
٦ لماذا نحن متأكدون ان يسوع لم يكن يبالغ عندما قال ان شعر رأسنا معدود؟
٦ شعرنا معدود؟ قد يفترض البعض ان يسوع كان يبالغ هنا. ولكن فكِّر لحظة في رجاء القيامة. فلا بد ان يهوه يعرفنا معرفة عميقة للغاية كي يتمكن من اعادة خلقنا! وهو يعتبرنا ذوي قيمة كبيرة الى حد انه يتذكر كل تفصيل، بما في ذلك الشفرة الوراثية المعقدة لدينا وكل الذكريات والخبرات التي جمعناها على مر السنين.a لذلك ليس عدُّ شعر رأسنا — الذي يناهز الـ ٠٠٠,١٠٠ شعرة كمعدل — بالإنجاز الصعب اذا ما قورن بذلك.
ماذا يرى يهوه فينا؟
٧، ٨ (أ) ما هي بعض الصفات التي يفرح يهوه بأن يجدها وهو يفحص قلوب البشر؟ (ب) ما هي بعض الاعمال التي نقوم بها والتي يعتبرها يهوه ذات قيمة؟
٧ ثانيا، يخبرنا الكتاب المقدس بما يراه يهوه ذا قيمة لدى خدامه. وببسيط العبارة، يفرح اللّٰه بصفاتنا الصالحة والجهود التي نبذلها. قال الملك داود لابنه سليمان: «الرب يفحص جميع القلوب ويفهم كل تصورات الافكار». (١ أخبار الايام ٢٨:٩) وفيما يفحص اللّٰه بلايين القلوب البشرية في هذا العالم العنيف والمليء بالبغض، كم يفرح دون شك حين يلاقي قلبا يحب السلام والحق والبر! وماذا يحدث حين يجد اللّٰه قلبا يفيض محبةً له ويسعى الى التعلم عنه وإلى إخبار الآخرين بهذه المعرفة؟ يقول لنا يهوه انه يلاحظ الذين يخبرون الآخرين عنه. حتى انه يملك «سفر تذكرة» لجميع «الذين اتقوا الرب وللمفكرين في اسمه». (ملاخي ٣:١٦) وهذه الصفات عزيزة في عينيه.
٨ وما هي بعض الاعمال الصالحة التي يعتبرها يهوه ذات قيمة؟ انها تشمل بالتأكيد الجهود التي نبذلها للتمثل بابنه يسوع المسيح. (١ بطرس ٢:٢١) وأحد الاعمال البالغة الاهمية التي يقدِّرها اللّٰه هو نشر بشارة ملكوته. تذكر روما ١٠:١٥: «ما احلى اقدام المبشرين بالخيرات!». نحن لا نقول عموما عن اقدامنا العادية انها ‹حلوة›، لكنَّ الاقدام تمثِّل هنا الجهود التي يبذلها خدام يهوه في الكرازة بالبشارة. وهذه الجهود كلها حلوة وغالية في عينيه. — متى ٢٤:١٤؛ ٢٨:١٩، ٢٠.
٩، ١٠ (أ) لماذا يمكننا التيقن ان يهوه يقدِّر احتمالنا في وجه مختلف الصعوبات؟ (ب) اية آراء سلبية لا يكوِّنها يهوه ابدا عن خدامه الامناء؟
٩ كما يقدِّر يهوه احتمالنا. (متى ٢٤:١٣) تذكَّر ان الشيطان يريد ان تبتعد عن يهوه. وكل يوم تبقى فيه وليا ليهوه يضاف الى سلسلة الايام التي تساعد فيها على اعطاء جواب عن تعييرات الشيطان. (امثال ٢٧:١١) ولكن ليس الاحتمال سهلا في بعض الاحيان. فالمشاكل الصحية والصعوبات المالية والارهاق النفسي وغيرها من العوائق يمكن ان تجعل كل يوم نعيشه اشبه بمحنة. وقد يدبُّ التثبط فينا بسبب التوقعات المماطَلة. (امثال ١٣:١٢) لكنَّ الاحتمال في وجه هذه التحديات عزيز جدا في عيني يهوه. ولهذا السبب طلب الملك داود من يهوه ان يخزن دموعه في «زق»، مضيفا بكل ثقة: «أمَا هي في سفرك». (مزمور ٥٦:٨) نعم، يقدِّر يهوه ويتذكر كل الدموع والمعاناة التي نحتملها فيما نحافظ على ولائنا له. فهي ايضا عزيزة في عينيه.
يقدِّر يهوه احتمالنا في وجه المحن
١٠ إنما القلب الذي لا يكفّ عن ادانة نفسه قد يرفض هذه الادلة على اننا ذوو قيمة في نظر اللّٰه. وقد يخالجه باستمرار هذا الشعور: ‹هنالك اشخاص كثيرون مثاليون اكثر مني. فكم يخيب امل يهوه دون شك حين يقارنني بهم!›. لكنَّ يهوه لا يقارِن، ولا هو قاسٍ او متصلب في تفكيره. (غلاطية ٦:٤) وهو يقرأ ما في اعماق قلوبنا ويقدِّر الصلاح حتى لو كان بدرجات قليلة.
يهوه يغربل قلوبنا بحثا عن الصلاح
١١ ماذا يمكن ان نتعلم عن يهوه من طريقة تعامله مع حالة ابيّا؟
١١ ثالثا، يبحث يهوه عن الصلاح فينا خلال فحصه لنا، كما لو انه يقوم بعمل غربلة دقيق. مثلا، عندما قضى يهوه ان تباد السلالة المرتدة للملك يربعام بكاملها، امر بأن يُجرى لأبيّا، احد ابناء الملك، دفن لائق. ولماذا؟ «لأنه وُجد فيه امر صالح نحو الرب اله اسرائيل». (١ ملوك ١٤:١، ١٠-١٣) فكان كما لو ان يهوه اخذ يغربل قلب هذا الشاب حتى وجد فيه ‹امرا صالحا›. ومهما كان هذا الامر الصالح صغيرا او تافها، وجد يهوه انه يستأهل الذكر في كلمته. حتى ان هذا الامر دفع يهوه الى اظهار مقدار مناسب من الرحمة لهذا العضو في العائلة المرتدة.
١٢، ١٣ (أ) كيف تُظهر حالة الملك يهوشافاط ان يهوه يبحث عن الصلاح فينا حتى لو اخطأنا؟ (ب) كيف يكون يهوه كالاب الحنون في ما يتعلق بأعمالنا وصفاتنا الصالحة؟
١٢ يَبرز ايضا مثال الملك الصالح يهوشافاط في هذا المجال. فعندما قام الملك بعمل احمق، قال له نبيّ يهوه: «الغضب عليك من قِبل الرب». وما كان افظع ذلك! لكنَّ رسالة يهوه لم تنتهِ هنا، بل مضت قائلة: «غير انه وُجد فيك امور صالحة». (٢ أخبار الايام ١٩:١-٣) فغضبُ يهوه البار لم يُعْمِهِ عن الصلاح الموجود في يهوشافاط. وكم يختلف يهوه بذلك عن البشر الناقصين! فعندما نستاء من الآخرين، قد نميل الى التعامي عن الصلاح الموجود فيهم. وعندما نخطئ، قد يعمينا ما نشعر به من خيبة وعار وذنب عن الصلاح الذي فينا. ولكن لنتذكَّر انه اذا تبنا عن خطايانا وبذلنا قصارى جهدنا لئلا نقع فيها من جديد، يغفر لنا يهوه.
١٣ عندما يغربلك يهوه، يقوم بطرح هذه الخطايا، مثل المنقِّب الباحث عن الذهب الذي يطرح الحصى العديمة القيمة من غرباله. وماذا عن صفاتك وأعمالك الصالحة؟ انها قطع ذهب نفيس يجدها اللّٰه ويحتفظ بها! هل لاحظتَ مرةً كيف يحتفظ الاب او الامّ الحنون طوال عشرات السنين برسوم اولادهما، او بالاشياء التي يُطلب منهم في المدرسة صنعها، حتى بعد ان يكون اولادهما قد نسوا امرها؟ يهوه هو احنُّ الآباء. وما دمنا امناء له، لن ينسى ابدا اعمالنا وصفاتنا الصالحة. حتى انه يعتبر نسيانها عمل اثم، وهو ليس فيه اثم البتة. (عبرانيين ٦:١٠) ولكن توجد طريقة اخرى ايضا يغربلنا بها.
١٤، ١٥ (أ) لماذا لا تعمي نقائصنا يهوه ابدا عن الصلاح الموجود فينا؟ أوضح. (ب) ماذا سيفعل يهوه بالامور الصالحة التي يجدها فينا، وكيف ينظر الى شعبه الامين؟
١٤ لا ينظر يهوه الى نقائصنا بل يتطلع الى امكانياتنا. لإيضاح ذلك: ان الاشخاص الذين يحبون الاعمال الفنية لا يوفّرون جهدا لترميم اللوحات او الاعمال الفنية الاخرى التي يلحق بها ضرر بالغ. على سبيل المثال، عندما ألحق احد الاشخاص بواسطة بارودةٍ الضررَ برسم لليوناردو دا ڤينشي قيمته نحو ٣٠ مليون دولار اميركي في المعرض الوطني في لندن، انكلترا، لم يقترح احد رمي الرسم لأنه تضرَّر. وإنما ابتدأ على الفور العمل على ترميم هذه التحفة البالغ عمرها نحو ٥٠٠ سنة. ولماذا؟ لأنها كانت ثمينة في اعين عشّاق الفن. أوَلستَ انت اثمن من رسم طبشوري وفحمي؟ انت فعلا اثمن في عينَي اللّٰه، مهما يكن الضرر الذي ألحقته بك الخطية الموروثة. (مزمور ٧٢:١٢-١٤) ويهوه اللّٰه، الخالق المبدع للعائلة البشرية، سيفعل ما هو ضروري ليردّ الى الكمال كل الذين يتجاوبون مع عنايته الحبية. — اعمال ٣:٢١؛ روما ٨:٢٠-٢٢.
١٥ نعم، يرى يهوه فينا الصلاح الذي قد لا نراه في انفسنا. وما دمنا نخدمه، سيجعل الصلاح ينمو الى ان نصير في النهاية كاملين. ولا يهمّ كيف يعاملنا عالم الشيطان، فيهوه يعزّ خدامه الامناء ويعتبرهم مشتهى. — حجي ٢:٧.
يهوه يعرب عن محبته بطريقة عملية
١٦ ما هو اعظم برهان على محبة يهوه لنا، وكيف نعرف ان هذه الهبة تشملنا شخصيا؟
١٦ رابعا، يعمل يهوه امورا كثيرة تبرهن انه يحبنا. وذبيحة المسيح الفدائية هي بالتأكيد اقوى جواب عن كذبة الشيطان اننا بلا قيمة او غير محبوبين. وينبغي ألا ننسى اطلاقا ان الموت الاليم الذي عاناه يسوع على خشبة الآلام والالم الاعظم ايضا الذي تحمَّله يهوه وهو يراقب موت ابنه الحبيب هما برهان على محبتهما لنا. إلا ان اناسا كثيرين للاسف يستصعبون التصديق ان هذه الهبة تشملهم شخصيا، اذ يشعرون بأنهم لا يستحقونها. ولكن تذكّر ان الرسول بولس كان مضطهدا لأتباع المسيح. ومع ذلك كتب: «ابن اللّٰه . . . احبَّني وسلَّم نفسه لأجلي». — غلاطية ١:١٣؛ ٢:٢٠.
١٧ بأية وسيلتَين يجتذبنا يهوه الى نفسه وإلى ابنه؟
١٧ ويبرهن يهوه على محبته لنا بمساعدتنا افراديا على الانتفاع من ذبيحة المسيح. قال يسوع: «لا يقدر احد ان يأتي اليَّ إن لم يجتذبه الآب الذي ارسلني». (يوحنا ٦:٤٤) نعم، يجتذبنا يهوه شخصيا الى ابنه ويمنحنا رجاء الحياة الابدية. كيف؟ بواسطة عمل الكرازة الذي يصل الى كل فرد منا، وبواسطة روحه القدس الذي يستخدمه يهوه لمساعدتنا على فهم الحقائق الروحية وتطبيقها رغم حدودنا ونقائصنا. وهكذا يمكن ان يقول يهوه عنا كما قال عن اسرائيل: «محبة ابدية احببتك من اجل ذلك أدمتُ لك الرحمة». — ارميا ٣١:٣.
١٨، ١٩ (أ) ما هي الطريقة الاحم التي يعرب بها يهوه عن محبته لنا، وماذا يُظهر انه يُولي الامر اهتمامه الشخصي؟ (ب) كيف تؤكد لنا كلمة اللّٰه ان يهوه مصغٍ متعاطف؟
١٨ ربما يكون امتياز الصلاة الطريقة الاحم التي نلمس بها محبة يهوه. فالكتاب المقدس يدعو كلًّا منا ان ‹يصلّي بلا انقطاع› الى اللّٰه. (١ تسالونيكي ٥:١٧) وهو يسمع! حتى انه يُدعى «سامع الصلاة». (مزمور ٦٥:٢) ولم يفوِّض يهوه هذا الدور الى ايّ شخص آخر، حتى ولا الى ابنه. فكِّر في هذا: يحثنا خالق الكون على الاقتراب اليه في الصلاة، وبحرية كلام. وكيف يصغي الينا؟ أَبِفُتور وجفاء وعدم اهتمام؟ كلا!
١٩ يهوه اله متعاطف. وما هو التعاطف؟ قال مسيحي امين مسنّ: «التعاطف هو ان اشعر بألمك انت في قلبي انا». وهل يشاطرنا يهوه ألمنا حقا؟ يذكر الكتاب المقدس عن آلام شعبه اسرائيل: «في كل ضيقهم تضايق». (اشعياء ٦٣:٩) فيهوه لم يرَ مشقات الشعب فحسب، بل شاطرهم مشاعرهم حيالها. أما مدى عمق مشاعره فتوضحه كلمات يهوه نفسه لخدامه: «مَن يمسكم يمس حدقة عينه [«عيني»، عج]».b (زكريا ٢:٨) وكم هذا مؤلم! نعم، يشاطرنا يهوه مشاعرنا. فعندما نتألم نحن، يتألم هو ايضا.
٢٠ ايّ تفكير غير متزن يجب تجنبه اذا اردنا ان نطيع المشورة المذكورة في روما ١٢:٣؟
٢٠ لن يتَّخذ ايّ مسيحي متَّزن هذا الدليل على محبة اللّٰه وتقديره كعذر للكبرياء او الانانية. كتب الرسول بولس: «بالنعمة المعطاة لي، أقول لكل من هو بينكم ألا يفكر عن نفسه اكثر مما ينبغي ان يفكر؛ بل ان يفكر برزانة، كل واحد كما قسَّم له اللّٰه مقدارا من الايمان». (روما ١٢:٣) وتذكر ترجمة اخرى هنا: «أوصي كل واحد منكم . . . ان لا يغالي في تقدير نفسه. بل ان يتعقل في تقديرها». (الترجمة العربية الجديدة) لذلك فيما ننعم بدفء محبة ابينا السماوي، لتكن عندنا الرزانة ونتذكر ان محبة اللّٰه ليست شيئا نستحقه او نستأهله. — لوقا ١٧:١٠.
٢١ اية اكاذيب شيطانية يجب ان نرفضها باستمرار، وأية حقيقة الهية يحسن ان نُطَمئن قلوبنا دائما بها؟
٢١ فليبذل كلٌّ منا قصارى جهده لمقاومة كل اكاذيب الشيطان، بما فيها الكذبة القائلة اننا بلا قيمة او غير محبوبين. وإذا كانت تجاربك في الحياة قد علَّمتك ان تعتبر نفسك عائقا اكبر من ان تتخطاه حتى محبة اللّٰه العظيمة، او ان تعتبر اعمالك الصالحة اتفه من ان تلاحظها عيناه اللتان تريان كل شيء، او ان تعتبر خطاياك اكبر من ان يغطيها موت ابنه العزيز، فما تعلَّمته ليس سوى كذبة. فارفض هذه الاكاذيب بكل قلبك! ولنطَمئن قلوبنا دائما بالحقيقة التي بيَّنتها كلمات بولس الملهمة: «لأني مقتنع انه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا حكومات ولا اشياء حاضرة ولا اشياء آتية ولا قوات ولا علو ولا عمق ولا ايّ خليقة اخرى تقدر ان تفصلنا عن محبة اللّٰه لنا في المسيح يسوع ربنا». — روما ٨:٣٨، ٣٩.
a يربط الكتاب المقدس تكرارا رجاء القيامة بذاكرة يهوه. فقد قال الرجل الامين ايوب ليهوه: «ليتك . . . تعيِّن لي اجلا فتذكرني». (ايوب ١٤:١٣، إمالة الحروف لنا) وتحدَّث يسوع عن قيامة «جميع الذين في القبور التذكارية». وهذا الامر انما هو ملائم لأن يهوه يتذكَّر الاموات الذين ينوي إقامتهم تذكُّرا تامًّا. — يوحنا ٥:٢٨، ٢٩.
b تدلّ ضمنا بعض الترجمات هنا ان مَن يمسّ شعب اللّٰه يمسّ عينه هو او عين اسرائيل، لا عين اللّٰه. وقد حدث هذا الخطأ بسبب بعض النسَّاخ الذين اعتبروا النص يفتقر الى الوقار، فقاموا بتعديله. لكنَّ تصحيحهم الخاطئ هذا اخفى فكرة التعاطف الشخصي الشديد عند يهوه.
-
-
«حنان إلهنا» ورأفتهاقترب الى يهوه
-
-
الفصل ٢٥
«حنان إلهنا» ورأفته
١، ٢ (أ) كيف تتجاوب الامّ بشكل طبيعي مع بكاء طفلها؟ (ب) ايّ شعور هو اقوى من حنان الامّ؟
في منتصف الليل يعلو صوت طفل يبكي. فتهبّ الامّ من نومها وتسرع اليه. لم يعد يتسنى لهذه الامّ ان تنام نوما عميقا كما كانت تفعل قبل ولادته. وقد تعلَّمت ان تميِّز الاختلافات في بكاء طفلها. فصارت تعرف في اغلب الاحيان ماذا يريد رضيعها، أهو الاكل ام الاحتضان ام شيء آخر. ولكن مهما كان سبب بكاء الطفل، تأتي الامّ اليه. فقلبها لا يقوى على تجاهل حاجات طفلها.
٢ يُعتبر الحنان الذي تكنُّه الامّ لفلذة كبدها من ارقِّ المشاعر البشرية. ولكن يوجد شعور اقوى منه بكثير، وهو حنان إلهنا يهوه، اي احساس الرأفة الرقيقة لديه. ويمكن ان يساعدنا التأمل في صفة الرأفة المحبَّبة على الاقتراب الى يهوه. فلنناقش تعريف الرأفة وكيف يعرب إلهنا عنها.
ما هي الرأفة؟
٣ ما هو معنى الفعل العبراني الذي يترجَم «رَحِمَ» او «اشفق»؟
٣ نجد في الكتاب المقدس ارتباطا وثيقا بين الرأفة والرحمة. وهنالك عدد من الكلمات العبرانية واليونانية التي تنقل معنى الرأفة الرقيقة. إليك مثلا الفعل العبراني رَحَم، الذي يترجَم غالبا بالعربية «رَحِمَ» او «اشفق». فأحد المراجع يوضح ان هذا الفعل العبراني «يعبِّر عن شعور الرأفة العميق والرقيق، كالذي تثيره رؤية الضعف او الالم عند اعزائنا او المحتاجين الى مساعدتنا». ويرتبط هذا التعبير العبراني، الذي يطبِّقه يهوه على نفسه، بموضع الجنين في بطن الامّ، اي الرَّحِم. لذا يمكن ان يُستعمل هذا التعبير لوصف «حنان الامّ».a — خروج ٣٣:١٩؛ ارميا ٣٣:٢٦.
«هل تنسى المرأة . . . ابن بطنها»
٤، ٥ كيف يستخدم الكتاب المقدس المشاعر التي تكنُّها الامّ نحو طفلها ليعلِّمنا عن رأفة يهوه؟
٤ يستخدم الكتاب المقدس المشاعر التي تكنُّها الامّ لطفلها ليعلِّمنا عن معنى رأفة يهوه. تذكر اشعياء ٤٩:١٥: «هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم [رَحَم] ابن بطنها. حتى هؤلاء ينسين وأنا لا انساكِ». وهذا الوصف المؤثر يُظهر مدى عمق رأفة يهوه بشعبه. كيف؟
٥ من الصعب تخيُّل امٍّ تنسى إطعام رضيعها والعناية به. فالطفل كائن عاجز، وهو يحتاج ليلَ نهار الى رعاية امه وعطفها. ولكن من المؤسف القول ان بعض الامهات لا يهتممن بصغارهن، وخصوصا في هذه «الازمنة الحرجة» التي تتميز بالافتقار الى «الحنوّ». (٢ تيموثاوس ٣:١، ٣) لكنَّ يهوه يقول: «انا لا انساكِ». فلا يمكن ان يفتر حنان يهوه ورأفته تجاه خدامه. وحنانه اعمق بكثير من حنان الامّ على طفلها، الذي نعتبره ارقّ شعور طبيعي يمكن تخيُّله. فلا عجب ان يقول احد المعلِّقين عن اشعياء ٤٩:١٥: «انه احد اعمق التعابير، إن لم يكن اعمقها جميعا، عن محبة اللّٰه في العهد القديم».
٦ كيف ينظر كثيرون من البشر الناقصين الى الحنان والرأفة الرقيقة، ولكن ماذا يؤكد لنا يهوه؟
٦ هل الحنان والرأفة الرقيقة علامتا ضعف؟ هذا هو رأي كثيرين من البشر الناقصين. لنأخذ على سبيل المثال الفيلسوف الروماني سَنيكا المعاصر ليسوع، الذي كان مفكِّرا بارزا في روما. فقد علَّم ان «الشفقة هي ضعف العقل»، وأيَّد الفلسفة الرواقية التي شددت على اهمية حيازة السكينة المجرَّدة من كل مشاعر. وفي نظر سَنيكا، يمكن للحكيم ان يساعد مَن هم في ضيق، ولكن يجب ألا يسمح لنفسه ان يشعر بالشفقة، لأن هذا الشعور يحرمه من تلك السكينة. وهكذا لم تفسح هذه النظرة الانانية مجالا لأية رأفة قلبية. لكنَّ يهوه ليس هكذا على الاطلاق! فهو يؤكد لنا في كلمته انه «حنون جدا ورحيم [حرفيا، «رؤوف»]». (يعقوب ٥:١١) وسنرى ان الرأفة ليست ضعفا بل صفة قوية وضرورية. فلنتأمل كيف يعرب يهوه عنها كما يفعل الاب المحب.
حين اظهر يهوه الرأفة لأمّة
٧، ٨ ماذا عانى الاسرائيليون في مصر القديمة، وكيف تجاوب يهوه مع آلامهم؟
٧ تُرى رأفة يهوه بوضوح في طريقة تعامله مع امة اسرائيل. فبحلول نهاية القرن الـ ١٦ قم، كان ملايين الاسرائيليين مستعبَدين في مصر القديمة حيث لقوا معاملة قاسية جدا. فقد «مرَّروا [اي المصريون] حياتَهم بعبودية قاسية في الطين واللِّبن». (خروج ١:١١، ١٤) وفي ضيقهم صرخ الاسرائيليون الى يهوه ليساعدهم. فكيف تجاوب إله الحنان والرأفة؟
٨ تأثر قلب يهوه بما يحدث. فقال: «اني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من اجل مسخِّريهم. اني علمت اوجاعهم». (خروج ٣:٧) وكان من غير الممكن ان يرى يهوه آلام شعبه او يسمع صراخهم دون ان يشاطرهم شعورهم. فيهوه هو اله التعاطف كما رأينا في الفصل ٢٤ من هذا الكتاب. والتعاطف — الذي هو الاحساس بألم الآخرين — مرتبط جدا بالرأفة. لكنَّ يهوه لم يشاطر شعبه شعورهم فحسب، بل اندفع الى اتخاذ اجراء من اجلهم. تقول اشعياء ٦٣:٩: «بمحبته ورأفته هو فكَّهم». و ‹بيد شديدة›، انقذ يهوه الاسرائيليين من مصر. (تثنية ٤:٣٤) وبعد ذلك زوَّدهم بطعام عجائبي وأدخلهم ارضا مثمرة ليمتلكوها.
٩، ١٠ (أ) لماذا قام يهوه مرارا بإنقاذ الاسرائيليين بعدما استقروا في ارض الموعد؟ (ب) من ايّ نير انقذ يهوه الاسرائيليين في ايام يفتاح، وماذا دفعه الى فعل ذلك؟
٩ لم تتوقف رأفة يهوه عند هذا الحد. فبعد الاستقرار في ارض الموعد، انغمست اسرائيل مرارا في سلوك غير امين اوقعها في مشاكل. لكنَّ الشعب كان يعود الى رشده ويصرخ الى يهوه، فينقذهم مرة تلو الاخرى. ولماذا؟ «لأنه شفق على شعبه». — ٢ أخبار الايام ٣٦:١٥؛ قضاة ٢:١١-١٦.
١٠ تأمل ما حدث في ايام يفتاح. كان الاسرائيليون قد بدأوا يخدمون آلهة باطلة، فسمح يهوه للعمونيين ان يقهروهم ١٨ سنة. غير ان الاسرائيليين تابوا في النهاية. يخبرنا الكتاب المقدس: «ازالوا الآلهة الغريبة من وسطهم وعبدوا الرب فضاقت نفسه بسبب مشقة اسرائيل».b (قضاة ١٠:٦-١٦) فعندما اعرب شعبه عن توبة اصيلة، لم يعد يهوه قادرا على احتمال رؤيتهم يتألمون. لذا اعطى إله الحنان والرأفة الرقيقة القوة ليفتاح كي ينقذ الاسرائيليين من يد اعدائهم. — قضاة ١١:٣٠-٣٣.
١١ ماذا تعلمنا تعاملات يهوه مع الاسرائيليين عن الرأفة؟
١١ وماذا تعلِّمنا تعاملات يهوه مع امة اسرائيل عن الرأفة الرقيقة؟ احد الامور التي نتعلمها هو ان رأفته هي اكثر من مجرد تعاطف مع ذلك الشعب بسبب المشقات التي مرَّ بها. تذكَّر مثال الامّ التي تسمع بكاء طفلها. فحنانها يدفعها ان تسرع اليه. وكذلك يهوه لا يسدّ اذنيه حين يصرخ شعبه، بل تدفعه رأفته الى إراحتهم من معاناتهم. كما تعلِّمنا طريقة تعامل يهوه مع الاسرائيليين ان الرأفة ليست ضعفا على الاطلاق، لأن هذه الصفة الرقيقة دفعته الى اتخاذ اجراء شديد وحاسم من اجل شعبه. ولكن هل يعرب يهوه عن الرأفة نحو خدامه كمجموعة فقط؟
رأفة يهوه نحو الافراد
١٢ كيف عكست الشريعة رأفة يهوه نحو الافراد؟
١٢ اظهرت شريعة اللّٰه لأمة اسرائيل انه يرأف بالافراد. وإليك على سبيل المثال اهتمامه بالفقراء. كان يهوه يعرف ان ظروفا غير متوقعة قد تنشأ وتُوقع اسرائيليا في الفقر. فكيف لزم ان يعامَل الفقراء؟ امر يهوه الاسرائيليين بشكل صارم: «لا تقسِّ قلبك ولا تقبض يدك عن اخيك الفقير. اعطِه ولا يَسُؤْ قلبك عندما تعطيه لأنه بسبب هذا الامر يباركك الرب الهك في كل اعمالك». (تثنية ١٥:٧، ١٠) كما امر يهوه بألا يحصد الاسرائيليون زوايا حقولهم كليا او يعودوا لالتقاط او قطاف ما تبقى. فقد كان هذا اللقاط للمساكين. (لاويين ٢٣:٢٢؛ راعوث ٢:٢-٧) وبحفظ الامة هذه الفريضة التي تراعي حالة الفقراء الموجودين في وسطهم، لم يكن المُعْوزون في اسرائيل يضطرون الى التسول طلبا للطعام. أوَليس ذلك انعكاسا لرأفة يهوه الرقيقة وحنانه؟
١٣، ١٤ (أ) كيف تؤكد لنا كلمات داود ان يهوه يهتم اهتماما خصوصيا بنا كأفراد؟ (ب) ايّ ايضاح يُظهر ان يهوه قريب من «المنكسري القلوب» او «المنسحقي الروح»؟
١٣ واليوم ايضا، يهتم إلهنا المحب اهتماما عميقا بنا كأفراد. ويمكننا التيقن انه يعرف جيدا ايّ ألم نعانيه. كتب المرنم الملهم داود: «عينا الرب نحو الصدِّيقين وأذناه الى صراخهم. قريب هو الرب من المنكسري القلوب ويخلّص المنسحقي الروح». (مزمور ٣٤:١٥، ١٨) يقول احد المعلِّقين على الكتاب المقدس بشأن الاشخاص الموصوفين بهذه الكلمات: «انهم منكسرو القلب ومنسحقو الروح، اي متواضعون بسبب خطيتهم، لا قيمة عندهم لذاتهم؛ انهم وضعاء في عينَي انفسهم، وليسوا واثقين من جدارتهم». فقد يشعر هؤلاء بأن يهوه بعيد جدا عنهم وأنهم ادنى من ان يهتم بهم. لكنَّ هذا ليس صحيحا. فكلمات داود تؤكد لنا ان يهوه لا يتخلى عن ‹الوضعاء في عينَي انفسهم›. ويعرف إلهنا الرؤوف اننا في هذه الاوقات نحتاج اليه اكثر من ايّ وقت، فيكون قريبا منا.
١٤ تأمل في هذه الحادثة. هرعت امّ في الولايات المتحدة بابنها البالغ سنتين من العمر الى المستشفى لأنه كان يعاني حالة خطرة من الخانوق. وبعد ان فحص الاطباء الصبي، أعلموا الامّ انه يلزم ان يقضي الليلة في المستشفى. وأين قضت الامّ تلك الليلة؟ في المستشفى قرب سرير ابنها جالسةً على كرسي! فصغيرها مريض، ويلزم ان تبقى قربه. يمكننا ان نتوقع طبعا اكثر ايضا من ابينا السماوي المحب! فقد خُلقنا على صورته. (تكوين ١:٢٦) وتؤكد لنا الكلمات المؤثرة في المزمور ٣٤:١٨ انه عندما نكون «منكسري القلوب» او «منسحقي الروح»، يكون يهوه ‹قريبا›، مثل الاب المحبّ، مترئِّفا ومستعدا دائما للمساعدة.
١٥ بأية طرائق يساعدنا يهوه كأفراد؟
١٥ وكيف يساعدنا يهوه كأفراد؟ انه لا يزيل بالضرورة سبب معاناتنا. لكنَّ يهوه هيَّأ تدابير وافرة من اجل الذين يصرخون اليه طلبا للمساعدة. فكلمته، الكتاب المقدس، تقدِّم نصائح عملية قد تجعل وضعنا افضل. ويزوِّد يهوه في الجماعة نظارا اكفاء روحيا يعملون جاهدين ليعكسوا رأفته عند مساعدة الرفقاء العبّاد. (يعقوب ٥:١٤، ١٥) وبما انه «سامع الصلاة»، فهو يعطي «روحا قدسا للذين يسألونه». (مزمور ٦٥:٢؛ لوقا ١١:١٣) ويمكن لهذا الروح ان يمنحنا «القدرة التي تفوق ما هو عادي» لنحتمل الى ان يزيل ملكوت اللّٰه كل المشاكل المجهِدة. (٢ كورنثوس ٤:٧) أفَلسنا شاكرين على كل هذه التدابير؟ لا ننسَ انها تعبير عن حنان يهوه ورأفته الرقيقة.
١٦ ما هو اعظم مثال لرأفة يهوه، وكيف يؤثر فينا كأفراد؟
١٦ طبعا، اعظم مثال لرأفة يهوه هو بذله اعزَّ الكائنات على قلبه فديةً من اجلنا. لقد كانت هذه التضحية تعبيرا عن محبة يهوه، ومهَّدت السبيل لخلاصنا. ولا يغِب عن بالنا ان تدبير الفدية ينطبق علينا شخصيا. ولسبب وجيه انبأ زكريا، والد يوحنا المعمدان، ان هذا التدبير يعظّم «حنان إلهنا». — لوقا ١:٧٨.
حين يحجب يهوه رأفته
١٧-١٩ (أ) كيف يُظهر الكتاب المقدس ان رأفة يهوه ليست بلا حدود؟ (ب) ماذا جعل رأفة يهوه نحو شعبه تبلغ حدَّها؟
١٧ هل يوجد سبب للاعتقاد ان رأفة يهوه الرقيقة هي بلا حدود؟ كلا، فالكتاب المقدس يُظهر بوضوح انه يحجب بالصواب رأفته في حالة الافراد الذين يقاومون طرقه البارة. (عبرانيين ١٠:٢٨) ولكي نعرف لماذا يفعل ذلك، ما علينا الا ان نتذكر مثال امة اسرائيل.
١٨ فمع ان يهوه انقذ الاسرائيليين مرارا من اعدائهم، بلغت رأفته في النهاية حدَّها. فقد مارس هذا الشعب العنيد الصنمية، حتى انهم جلبوا اوثانهم الكريهة الى هيكل يهوه! (حزقيال ٥:١١؛ ٨:١٧، ١٨) ويذكر السجل ايضا: «كانوا يهزأون برسل اللّٰه ورذلوا كلامه وتهاونوا بأنبيائه حتى ثار غضب الرب على شعبه حتى لم يكن شفاء». (٢ أخبار الايام ٣٦:١٦) فقد بلغ الاسرائيليون حدًّا لم يعد ممكنا عنده اظهار الرأفة، وهكذا تسببوا بإثارة غضب يهوه. وماذا كانت النتيجة؟
١٩ لم يعد ممكنا ان يشعر يهوه بالرأفة على شعبه. لذلك اعلن: «لا اشفق ولا اترأف ولا ارحم من اهلاكهم». (ارميا ١٣:١٤) وهكذا دُمِّرت اورشليم وهيكلها وأُخذ الاسرائيليون اسرى الى بابل. فكم هو مفجع ان يتمرد البشر الخطاة الى حد استنزاف الرأفة الالهية كليا! — مراثي ارميا ٢:٢١.
٢٠، ٢١ (أ) ماذا سيحدث عندما تبلغ الرأفة الالهية حدَّها في ايامنا؟ (ب) ايّ تدبير رحيم هيَّأه يهوه سيناقَش في الفصل التالي؟
٢٠ وماذا عن اليوم؟ يهوه لم يتغير. فبدافع الرأفة فوَّض الى شهوده ان يكرزوا «ببشارة الملكوت» في كل المسكونة. (متى ٢٤:١٤) وعندما يتجاوب المستقيمو القلوب، يساعدهم يهوه على فهم رسالة الملكوت. (اعمال ١٦:١٤) لكنَّ هذا العمل لن يستمر الى الابد. ولن يكون يهوه رؤوفا اذا سمح لهذا العالم الشرير، بكل بؤسه وآلامه، ان يستمر الى ما لا نهاية. فعندما تبلغ الرأفة الالهية حدَّها، سيدين يهوه نظام الاشياء هذا. وفي ذلك الوقت ايضا، سيتصرف بدافع الرأفة — الرأفة من اجل ‹اسمه القدوس› وخدامه المتعبدين له. (حزقيال ٣٦:٢٠-٢٣) وسيزيل يهوه الشر ويجلب عالما جديدا بارا. يقول يهوه عن الاشرار: «لا تترأف عيني ولا اعفو، انما اوقع ذنب تصرفاتهم على رؤوسهم». — حزقيال ٩:١٠، ترجمة تفسيرية.
٢١ أما اليوم فلا يزال يهوه يترأف على الناس، حتى على الذين ينتظرهم الهلاك. لذا يمكن للبشر الخطاة التائبين بإخلاص ان يستفيدوا من احد ارحم تدابير يهوه: الغفران. وسنناقش في الفصل التالي بعض التعابير الجميلة في الكتاب المقدس التي تُظهر ان غفران يهوه تام.
a ولكن من المثير للاهتمام ان الفعل العبراني رَحَم المستخدم في مزمور ١٠٣:١٣ يتضمن معنى الرحمة او الرأفة التي يُظهرها الاب لأولاده.
b عبارة «ضاقت نفسه» تعني «لم يُطِق صبرا». ويذكر الكتاب المقدس الانكليزي الجديد: «لم يعد يحتمل النظر الى محنة اسرائيل». وتنقل الترجمة العربية الجديدة العبارة الى: «رقَّ قلبه لبؤسهم».
-
-
اله «غفور»اقترب الى يهوه
-
-
الفصل ٢٦
اله «غفور»
١-٣ (أ) ايّ حمل ثقيل كان صاحب المزمور داود يحمله، وكيف وجد التعزية لقلبه المضطرب؟ (ب) ايّ حمل قد نحمله عندما نخطئ، ولكن ماذا يؤكد لنا يهوه؟
«آثامي قد طمت فوق رأسي. كحِمل ثقيل اثقل مما احتمل. خدِرتُ وانسحقتُ الى الغاية». (مزمور ٣٨:٤، ٨) كان المرنم الملهم داود يعرف كم هو ثقيل عبء الشعور بالذنب. لكنه وجد التعزية لقلبه المضطرب. فقد عرف ان يهوه، مع انه يبغض الخطية، لا يبغض الخاطئَ الذي يتوب بصدق ويتخلى عن مسلكه الاثيم. وبملء الثقة برغبة يهوه في رحمة التائبين، قال داود: «انت يا رب . . . غفور». — مزمور ٨٦:٥.
٢ ونحن ايضا قد نرزح تحت وطأة ضميرنا المعذَّب عندما نخطئ. وهذا الشعور بالندم نافع، اذ يمكن ان يدفعنا الى اتخاذ الاجراءات اللازمة لتقويم اخطائنا. لكنَّ الوضع يصبح خطيرا عندما يسحقنا الشعور بالذنب. فقلبنا الغارق في إدانة نفسه قد لا ينفك يخبرنا ان يهوه لن يغفر لنا حتى لو تبنا. وإذا ‹ابتلعَنا› الشعور بالذنب، فقد يحاول الشيطان حملنا على الاستسلام، وقد يجعلنا نشعر بأن يهوه يعتبرنا بلا قيمة وغير اهل لخدمته. — ٢ كورنثوس ٢:٥-١١.
٣ ولكن هل هكذا ينظر يهوه الينا؟ كلا! فالغفران هو احد اوجه محبة يهوه العظيمة. وفي كلمته يؤكد لنا انه مستعد ليغفر لنا حين نعرب عن توبة قلبية اصيلة. (امثال ٢٨:١٣) ولكيلا يبدو لنا غفران يهوه بعيد المنال، سنرى الآن لماذا يغفر اللّٰه وكيف.
لماذا يهوه «غفور»؟
٤ ماذا يذكر يهوه بشأن طبيعتنا، وكيف يؤثر ذلك في طريقة معاملته لنا؟
٤ يعرف يهوه حدودنا. يقول المزمور ١٠٣:١٤: «لأنه يعرف جبلتنا. يذكر اننا تراب نحن». فهو لا ينسى اننا مخلوقات من تراب وعندنا ضعفات ناجمة عن النقص. والتعبير «يعرف جبلتنا» يذكّرنا بما يقوله الكتاب المقدس حين يشبِّه يهوه بخزّاف او فخّاريّ ويشبِّهنا نحن بالاوعية التي يصنعها من طين.a (ارميا ١٨:٢-٦) فالخزّاف العظيم يضبط تعاملاته معنا بحسب طبيعتنا الخاطئة الضعيفة وبحسب طريقة تجاوبنا او عدم تجاوبنا مع ارشاده.
٥ كيف تصف الرسالة الى اهل روما قبضة الخطية الشديدة؟
٥ يعرف يهوه مدى قوة الخطية. فكلمته تصف الخطية بأنها قوة شديدة تمسك الانسان بقبضتها المميتة. وكم تبلغ قوة قبضة الخطية؟ يوضح الرسول بولس في الرسالة الى اهل روما اننا «تحت الخطية» كالجنود الذي هم تحت امرة قائدهم (روما ٣:٩)؛ ان الخطية «ملكت» على الجنس البشري (روما ٥:٢١)؛ انها «مقيمة» او «ساكنة» فينا (روما ٧:١٧، ٢٠)؛ و ‹شريعتها› تعمل فينا على الدوام، حتى انها تحاول التحكم في مجرى حياتنا. (روما ٧:٢٣، ٢٥) فما اقوى قبضة الخطية على جسدنا الناقص! — روما ٧:٢١، ٢٤.
٦، ٧ (أ) كيف ينظر يهوه الى الذين يطلبون رحمته بقلب نادم؟ (ب) لماذا ينبغي ألا نستغل رحمة اللّٰه؟
٦ لذلك يعرف يهوه انه يستحيل علينا ان نطيعه اطاعة كاملة، مهما سعينا بجد وإخلاص الى ذلك. وهو يؤكد لنا بمحبة انه يمنحنا الغفران عندما نطلب رحمته بقلب نادم. يقول المزمور ٥١:١٧: «ذبائح اللّٰه هي روح منكسرة. القلب المنكسر والمنسحق يا اللّٰه لا تحتقره». ولا يمكن ان يرفض يهوه او يصدَّ قلبا ‹منكسرا ومنسحقا› بسبب عبء الشعور بالذنب.
٧ ولكن هل يعني ذلك انه بإمكاننا استغلال رحمة اللّٰه، متذرِّعين بطبيعتنا الخاطئة كعذر لارتكاب الخطية؟ طبعا لا! فيهوه لا يستسلم للعاطفة، كما ان لرحمته حدودا. ولن يغفر ابدا للذين يقسّون قلوبهم ويمارسون الخطية عمدا، دون ايّ اعراب عن التوبة. (عبرانيين ١٠:٢٦) لكنه يغفر عندما يرى قلبا نادما. فلنرَ الآن بعض التعابير الحية المستخدمة في الكتاب المقدس لوصف هذا الوجه الرائع من محبة يهوه.
الى ايّ حد مغفرة يهوه كاملة؟
٨ ماذا يفعل يهوه حين يصفح عن خطايانا، وأية ثقة يمنحنا اياها ذلك؟
٨ قال داود التائب: «اعترف لك بخطيتي ولا اكتم اثمي. . . . وأنت رفعتَ اثام خطيتي». (مزمور ٣٢:٥، إمالة الحروف لنا) لاحظ كلمة «رفعتَ» المستعملة هنا بمعنى «صفحتَ»، التي تدل على ازالة «الذنب، الخطية، والتعدي». فكما لو ان يهوه رفع خطايا داود وحملها وابتعد بها. وقد خفف ذلك دون شك من مشاعر الذنب التي كان داود يحملها. (مزمور ٣٢:٣) ويمكننا نحن ايضا ان نملك ثقة كاملة باللّٰه الذي يحمل الخطايا ويبعدها عمَّن يلتمسون غفرانه على اساس ايمانهم بذبيحة يسوع الفدائية. — متى ٢٠:٢٨.
٩ الى ايّ حد يُبعد يهوه خطايانا عنا؟
٩ استخدم داود تعبيرا تصويريا آخر ليصف غفران يهوه: «كبُعد المشرق من المغرب ابعد عنا معاصينا». (مزمور ١٠٣:١٢، امالة الحروف لنا) فكم يبعد المشرق عن المغرب؟ يُعتبر المشرق دائما ابعد ما يكون عن المغرب، وهاتان النقطتان لا تلتقيان البتة. ويذكر احد العلماء ان هذه العبارة تعني «ابعد ما يمكن، الى ابعد حد يمكن تخيله». لذلك نفهم من كلمات داود الملهمة ان يهوه، عندما يغفر، يُبعد عنا خطايانا الى اقصى حد يمكننا تخيله.
«خطاياكم . . . تبيضّ كالثلج»
١٠ عندما يغفر يهوه خطايانا، لماذا ينبغي ألا نشعر بأننا سنحمل وصمة هذه الخطايا باقي حياتنا؟
١٠ هل حاولتَ يوما ان تزيل لطخة عن ثوب فاتح اللون؟ ربما تبقى اللطخة ظاهرة رغم كل محاولاتك. ولكن لاحظ كيف يصف يهوه قدرته على المغفرة: «إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيضُّ كالثلج. إن كانت حمراء كالدودي [«كالقرمز القاني»، عج] تصير كالصوف». (اشعياء ١:١٨، امالة الحروف لنا) تشير كلمة «قرمز» الى اللون الاحمر الزاهي.b أما «القرمز القاني» فكان احد اغمق الالوان المستخدمة في الصباغة. (ناحوم ٢:٣، عج) وهكذا يستحيل علينا ان نزيل لطخة الخطية بجهودنا الخاصة. لكنَّ يهوه قادر على ازالة الخطايا التي هي كالقرمز، حتى القاني منه، وجعلها تبيضّ كالثلج او كالصوف غير المصبوغ. وعندما يغفر يهوه خطايانا، لا ينبغي ان نشعر بأننا سنحمل وصمة هذه الخطايا باقي حياتنا.
١١ بأيّ معنى يطرح يهوه خطايانا وراء ظهره؟
١١ قال حزقيا ليهوه في ترنيمة شكر مؤثرة نظمها بعدما استُبقي حيا اثر مرض مميت: «طرحتَ وراء ظهرك كل خطاياي». (اشعياء ٣٨:١٧، إمالة الحروف لنا) فيهوه يصوَّر هنا وكأنه يأخذ خطايا فاعل الاثم التائب ويطرحها وراءه بحيث لا يعود يراها ولا يعيرها اهتماما. وبحسب احد المصادر، يمكن التعبير عن الفكرة على هذا الشكل: «جعلتَ [خطاياي] تبدو وكأنها لم تحدث قط». أفَلا يجعلنا ذلك نشعر بالاطمئنان؟
١٢ كيف يشير النبي ميخا الى ان يهوه، حين يغفر، يزيل خطايانا الى الابد؟
١٢ في احد وعود الرد، عبَّر النبي ميخا عن اقتناعه بأن يهوه سيغفر لشعبه التائب: «مَن هو اله مثلك . . . صافِح عن الذنب لبقية ميراثه. . . . تُطرح في اعماق البحر جميع خطاياهم». (ميخا ٧:١٨، ١٩، إمالة الحروف لنا) تخيَّل ما كانت تعنيه هذه الكلمات للناس العائشين في ازمنة الكتاب المقدس. فما كانت توجد اية امكانية لاسترداد شيء طُرح «في اعماق البحر»! لذا تشير كلمات ميخا الى ان يهوه، حين يغفر، يزيل خطايانا الى الابد.
١٣ ما معنى كلمات يسوع: «اغفر لنا ديوننا»؟
١٣ استخدم يسوع العلاقة بين الدائنين والمديونين ليوضح كيف يغفر يهوه. فقد حثَّنا يسوع ان نصلّي: «اغفر لنا ديوننا». (متى ٦:١٢) وهكذا شبَّه يسوع الخطايا بالديون. (لوقا ١١:٤) فعندما نخطئ، نصير «مديونين» ليهوه. وعن معنى الفعل اليوناني المترجم «غفر»، يقول احد المراجع: «ترك الدَّين، تخلى عنه، دون مطالبة به». لذلك يمكن القول ان يهوه، عندما يغفر، يلغي الدَّين الذي كان سيُقيَّد في حسابنا لولا غفرانه. وهكذا يمكن للخطاة التائبين ان يتعزوا. فيهوه لن يطالب ابدا بتسديد دَين ألغاه! — مزمور ٣٢:١، ٢.
١٤ اية صورة ذهنية توحي بها عبارة «لتُمحى خطاياكم»؟
١٤ كما يوصف غفران يهوه في اعمال ٣:١٩ التي تقول: «توبوا وارجعوا لتُمحى خطاياكم». ان كلمة «تُمحى» هي ترجمة لفعل يوناني يمكن ان يعني «ازال، . . . ألغى او دمر». ووفقا لبعض العلماء، يعبَّر هنا عن فكرة محو الكتابة. وكيف كان يحصل ذلك؟ كان الحبر المستعمل عموما في الماضي مصنوعا من خليط يتضمن الكربون والصمغ والماء. وبُعيد الكتابة بهذا الحبر، يمكن للشخص ان يأخذ اسفنجة رطبة ويزيل الكتابة. انها طريقة جميلة للتعبير عن رحمة يهوه. فعندما يغفر خطايانا، يكون ذلك كما لو انه يأخذ اسفنجة ويزيلها.
يريد يهوه ان نعرف انه «غفور»
١٥ ماذا يريد يهوه ان نعرف عنه؟
١٥ عندما نتأمل في هذه التعابير المختلفة، ألا يتضح لنا ان يهوه يريد ان نعرف انه يغفر خطايانا فعلا ما دمنا نتوب اليه بإخلاص؟ كما انه ما من داعٍ الى الخوف من ان يستعمل يهوه هذه الخطايا ضدنا في المستقبل. ويُرى ذلك من خلال شيء آخر يكشفه الكتاب المقدس عن رحمة يهوه العظيمة، وهو ان يهوه عندما يغفر الخطايا ينساها.
«لا اذكر خطيتهم بعد»
١٦، ١٧ عندما يقول الكتاب المقدس ان يهوه ينسى خطايانا، ماذا يعني بذلك، ولماذا تجيب هكذا؟
١٦ وعد يهوه بشأن الذين هم في العهد الجديد: «أصفح عن اثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد». (ارميا ٣١:٣٤) فهل يعني ذلك انه عندما يغفر يهوه لا يستطيع تذكُّر الخطايا؟ ليس الامر كذلك طبعا. فالكتاب المقدس يخبرنا ان يهوه غفر خطايا افراد كثيرين، بمن فيهم داود. (٢ صموئيل ١١:١-١٧؛ ١٢:١٣) ولا شك ان يهوه لا يزال يعرف الاخطاء التي ارتكبوها. وسجلُّ خطاياهم، بالاضافة الى توبتهم وغفران اللّٰه، قد حُفظ لفائدتنا. (روما ١٥:٤) فماذا يقصد الكتاب المقدس اذًا بالقول ان يهوه لا ‹يذكر› خطايا الذين يغفر لهم؟
١٧ ان الفعل العبراني المنقول الى «اذكر» ينطوي على اكثر من مجرد تذكُّر الماضي. فبحسب المعجم اللاهوتي للعهد القديم (بالانكليزية)، يتضمَّن الفعل «معنى اضافيا، وهو اتخاذ الاجراء المناسب». لذلك يشمل ‹ذكر› الخطية بهذا المعنى اتخاذ اجراء ضد الخطاة. (هوشع ٩:٩) ولكن عندما يقول اللّٰه: «لا أذكر خطيتهم بعد»، يؤكد لنا انه عندما يغفر للخاطئ التائب، لن يتخذ اجراء ضده على هذه الخطايا في المستقبل. (حزقيال ١٨:٢١، ٢٢) وهكذا ينسى يهوه بمعنى انه لا يذكّر نفسه بخطايانا مرة بعد اخرى ليتَّهمنا او يعاقبنا مرارا وتكرارا. أفلا نتعزى حين نعرف ان الهنا يغفر وينسى؟
ماذا عن العواقب؟
١٨ لماذا لا يعني الغفران ان الخاطئ التائب مُستَثنى من كل عواقب مسلكه الخاطئ؟
١٨ هل يعني غفران يهوه ان الخاطئ التائب مُستَثنى من كل عواقب مسلكه الخاطئ؟ كلا على الاطلاق. فنحن لا نستطيع ان نخطئ ونفلت من العقاب. كتب بولس: «ما يزرعه الإنسان اياه يحصد ايضا». (غلاطية ٦:٧) لذا قد نحصد بعض عواقب اعمالنا. ولا يعني ذلك ان يهوه، بعد منح الغفران، يجعل المشاكل تقع علينا. فالمسيحي الذي يقع في المشاكل لا ينبغي ان يفكر: ‹ربما يعاقبني يهوه على خطاياي السابقة›. (يعقوب ١:١٣) ولكنّ يهوه لا يجنِّبنا كل تأثيرات اعمالنا الخاطئة. فالطلاق، الحبل غير المرغوب فيه، الامراض المنتقلة جنسيا، فقدان الثقة او الاحترام — كل هذه قد تكون العواقب المحزنة للخطية، عواقب لا سبيل الى تفاديها. تذكر انه حتى بعدما غُفرت لداود خطاياه المتعلقة ببثشبع وأوريا، لم يحمِهِ يهوه من العواقب المفجعة التي حلَّت به بعد ذلك. — ٢ صموئيل ١٢:٩-١٢.
١٩-٢١ (أ) كيف افادت الشريعة المسجلة في لاويين ٦:١-٧ الضحية والمذنب على السواء؟ (ب) اذا تأذى آخرون بسبب خطايانا، فأيّ اجراء يُسرُّ يهوه عندما نتخذه؟
١٩ قد تكون لخطايانا عواقب اخرى ايضا، وخصوصا اذا تأذى آخرون بسبب اعمالنا. إليك مثلا الرواية في اللاويين الاصحاح ٦. تتحدَّث الشريعة الموسوية هنا عن الوضع الذي فيه يرتكب انسان خطية خطيرة ويستولي على ممتلكات رفيق اسرائيلي بالسرقة او الابتزاز او الخداع. ثم ينكر الخاطئ انه مذنب، حتى ان الامر يصل به الى الحلف كذبا. وفي هذه الحالة لا يمكن معرفة الحقيقة نظرا الى تعارض الشهادتين. لكنَّ المذنب يُعذِّبه ضميره لاحقا ويعترف بخطيته. ولنيل غفران اللّٰه، عليه ان يقوم بثلاثة امور اضافية: يعيد ما اخذه، يدفع للضحية غرامة تصل الى ٢٠ في المئة من قيمة المسروقات، ويقدِّم كبشا كذبيحة اثم. عندئذ، كما تقول الشريعة، «يكفِّر عنه الكاهن امام الرب فيُصفَح عنه». — لاويين ٦:١-٧.
٢٠ كانت هذه الشريعة تدبيرا رحيما من اللّٰه. فقد افادت الضحية التي أُرجعَت ممتلكاتها والتي شعرت دون شك بكثير من الارتياح عندما اعترف المذنب اخيرا بخطئه. وفي الوقت نفسه، افادت الشريعة الشخص الذي دفعه ضميره اخيرا الى الاعتراف بذنبه وتصحيح خطئه. وفي الواقع، لو لم يقم بذلك، ما كان اللّٰه ليغفر له.
٢١ مع اننا لسنا تحت الشريعة الموسوية، تمنحنا هذه الشريعة بصيرة نفهم بها فكر يهوه، بما في ذلك وجهة نظره من الغفران. (كولوسي ٢:١٣، ١٤) وإذا تأذى آخرون بسبب خطايانا او انخدعوا بها، يُسرُّ اللّٰه حين نفعل كل ما في وسعنا لتقويم الخطإ. (متى ٥:٢٣، ٢٤) وقد يتضمَّن ذلك الاعتراف بخطئنا والاقرار بذنبنا، حتى الاعتذار الى الضحية. وعندئذ نستطيع الاقتراب الى يهوه على اساس ذبيحة يسوع والتيقن ان اللّٰه غفر لنا. — عبرانيين ١٠:٢١، ٢٢.
٢٢ ماذا يمكن ان يرافق غفران يهوه؟
٢٢ كأيِّ اب محب، قد يمنح يهوه الغفران مع شيء من التأديب. (امثال ٣:١١، ١٢) لذا قد يضطر المسيحي التائب الى التخلي عن امتياز خدمته كشيخ، خادم مساعد، او مبشِّر كامل الوقت. وقد يؤلمه ان يخسر فترةً من الوقت امتيازات كانت ثمينة عنده. ولكن لا يعني مثل هذا التأديب ان يهوه لم يمنح الغفران. فيجب ان نتذكر ان التأديب من يهوه برهان على محبته لنا. وقبول التأديب وتطبيقه انما هو لخيرنا. — عبرانيين ١٢:٥-١١.
٢٣ لماذا ينبغي ألا نستنتج ابدا ان رحمة يهوه لا يمكن ان تشملنا، ولماذا ينبغي ان نتمثل بغفرانه؟
٢٣ كم هو منعش ان نعرف ان الهنا «غفور»! ورغم الاخطاء التي ربما نرتكبها، لا ينبغي ان نستنتج ابدا ان رحمة يهوه لا يمكن ان تشملنا. فإذا تبنا فعليا، وقمنا بما يلزم لتقويم الخطإ، وصلَّينا بحرارة طلبا للغفران على اساس دم يسوع المسفوك، يمكننا التيقن كاملا ان يهوه سيغفر لنا. (١ يوحنا ١:٩) كما يجب ان نتمثل بغفرانه في تعاملاتنا واحدنا مع الآخر. فإذا كان يهوه، الذي لا يخطئ، يغفر لنا بمحبة جزيلة، أفلا ينبغي لنا نحن البشر الخطاة ان نبذل قصارى جهدنا لنغفر واحدنا للآخر؟
a ان الكلمة العبرانية المنقولة الى «جبلتنا» تُستعمل ايضا للاشارة الى الآنية التي يصنعها الخزّاف. — اشعياء ٢٩:١٦.
b يقول احد العلماء ان القرمز «كان لونا من الالوان الثابتة. فلا يمكن للندى ولا المطر ولا الغسل ولا الاستعمال الطويل ان يزيله».
-
-
«ما اعظم صلاحه!»اقترب الى يهوه
-
-
الفصل ٢٧
«ما اعظم صلاحه!»
١، ٢ مَن يستفيد من صلاح اللّٰه، وكيف يشدّد الكتاب المقدس على هذه الصفة؟
فيما تغوص الشمس وراء الافق عاكسة على السماء لونا دافئا، يتمتع بعض الاصدقاء الاحمّاء بوجبة طعام في الطبيعة، فتعلو ضحكاتهم ويتبادلون الاحاديث وهم يتأملون في هذا المنظر الجميل. وبعيدا عن هذا الموقع، ينظر مزارع الى حقوله وابتسامة الرضا مرتسمة على وجهه لأن السماء تلبَّدت بالغيوم السوداء وبدأت قطرات المطر الاولى تروي المزروعات العطشى. وفي مكان آخر، يغمر الفرح زوجا وزوجته حين يريان ولدهما يخطو اولى خطواته غير الثابتة.
٢ يستفيد جميع هؤلاء الاشخاص، سواء عرفوا ذلك ام لا، من الشيء نفسه: صلاح يهوه اللّٰه. وغالبا ما نسمع متديِّنين يرددون عبارة: «اللّٰه صالح». لكنَّ الكتاب المقدس يبرز الفكرة بأسلوب اقوى، اذ يقول: «ما اعظم صلاحه!». (زكريا ٩:١٧، عج) ومع ذلك يبدو ان قليلين اليوم يعرفون المعنى الحقيقي لهذه الكلمات. فعلى ماذا يشتمل صلاح يهوه اللّٰه، وكيف تؤثر هذه الصفة الالهية في كل واحد منا؟
وجه بارز للمحبة الالهية
٣، ٤ ما هو الصلاح، ولماذا يمكن القول ان افضل وصف لصلاح يهوه هو انه تعبير عن المحبة الالهية؟
٣ لكلمة «صالح» في لغات عصرية كثيرة استعمال عامّ جدا. لكنَّ الصلاح، كما يُكشف عنه في الكتاب المقدس، هو مزيّة ادبية رفيعة. ويمكن القول، من ناحية ما، ان صفة الصلاح تتخلل يهوه. فجميع صفاته، بما فيها قدرته وعدله وحكمته، صالحة الى ابعد الحدود. ولكن يمكن القول ان افضل وصف للصلاح هو انه تعبير عن محبة يهوه. ولماذا؟
٤ الصلاح صفة عملية، اي انه يُعرب عنها بالاعمال. وقد اشار الرسول بولس الى ان هذه الصفة عند البشر مرغوبة اكثر من البر. (روما ٥:٧) فالبار هو مَن يُتوقع منه الالتصاق بأمانة بمطالب الشريعة، أما الصالح فيفعل اكثر من ذلك. فهو يأخذ المبادرة، ويبحث عن وسائل يفيد بها الآخرين. وكما سنرى، يهوه صالح دون شك بهذا المعنى. ومن الواضح ان هذا الصلاح ينبع من محبة يهوه غير المحدودة.
٥-٧ لماذا رفض يسوع ان يُدعى ‹معلما صالحا›، وأية حقيقة عميقة شدد عليها بذلك؟
٥ كما ان يهوه فريد في صلاحه. فقبل وقت غير طويل من موت يسوع، اقترب منه رجل ليطرح عليه سؤالا، مخاطبا اياه بهذه الكلمات: «ايها المعلم الصالح». فأجابه يسوع: «لِمَ تدعوني صالحا؟ ليس احد صالحا الا واحد، وهو اللّٰه». (مرقس ١٠:١٧، ١٨) ربما تعتريك الدهشة عند سماع هذا الجواب. فلماذا صحَّح يسوع كلام هذا الرجل؟ أليس يسوع ‹معلما صالحا› بالفعل؟
٦ من الواضح ان الرجل كان يستعمل الكلمتَين «المعلم الصالح» كلقب تفخيمي. لذلك حوَّل يسوع بتواضع هذا المجد الى ابيه السماوي، الذي يتمتع بأسمى درجات الصلاح. (امثال ١١:٢) لكنَّ يسوع كان يشدد ايضا على حقيقة عميقة. فيهوه وحده هو المقياس للصلاح. ولا احد غيره يملك الحق المطلق في تحديد ما هو خير وصالح وما هو شر وأثيم. لقد سعى آدم وحواء، بتمردهما وأكلهما من شجرة معرفة الخير والشر، الى اغتصاب هذا الحق لأنفسهما. أما يسوع فيترك بتواضع تحديد هذه المقاييس لأبيه.
٧ بالاضافة الى ذلك، عرف يسوع ان يهوه هو المصدر لكل صلاح. فهو معطي «كل عطية صالحة وكل موهبة كاملة». (يعقوب ١:١٧) فلنرَ كيف يتجلى صلاح يهوه في سخائه.
براهين على صلاح يهوه الوافر
٨ كيف يعرب يهوه عن الصلاح نحو كل الجنس البشري؟
٨ كل شخص عاش على الاطلاق استفاد من صلاح يهوه. يقول المزمور ١٤٥:٩: «الرب صالح للكل». (إمالة الحروف لنا) وما هي بعض امثلة هذا الصلاح الشامل؟ يقول الكتاب المقدس: «لم يترك نفسه بلا شهادة بما فعل من صلاح، معطيا اياكم امطارا من السماء ومواسم مثمرة، مفعِما قلوبكم طعاما وسرورا». (اعمال ١٤:١٧) أمَا طابت نفسك يوما بتناول وجبة شهية؟ لولا صلاح يهوه وتصميمه الارض بدورة مائية لا تتوقف و ‹بمواسم مثمرة› لإنتاج وفرة من الاطعمة، لَما وُجدت وجبات كهذه. وقد اتاح يهوه هذا الصلاح للكل، لا للذين يحبونه فقط. قال يسوع: «يُشرق شمسه على الاشرار والصالحين، ويمطر على الابرار والاثمة». — متى ٥:٤٥.
يهوه ‹يعطيكم امطارا من السماء ومواسم مثمرة›
٩ كيف يكون التفاح مثالا لصلاح يهوه؟
٩ نظرا الى عمل الشمس المتواصل وتعاقب المطر والمواسم المثمرة، لا يعير كثيرون اهمية لهذا السخاء الجزيل المغدَق على البشر. ولكن تأمل مثلا في التفاح. تنمو هذه الثمرة في كل انحاء المناطق المعتدلة من الارض. ويتميز التفاح بجماله ولذة طعمه وغناه بالعصارة المنعشة والمغذيات الحيوية. هل تعلم انه يوجد حول العالم نحو ٥٠٠,٧ ضرب من التفاح، وأن ألوانه تتراوح بين الاحمر والذهبي والاصفر والاخضر، وأن حجمه قد يكون اكبر من الكرز بقليل وقد يصل الى حجم ليمون الجنة (الڠريپ فروت)؟ ان بزرة التفاح تبدو صغيرة جدا عندما تحملها في يدك، ولكن منها تنمو احدى اجمل الاشجار. (نشيد الانشاد ٢:٣) ففي كل ربيع تُتوَّج شجرة التفاح بهالة رائعة من الازهار، وتعطي ثمارها في كل خريف. وكل عام، حتى عمر ٧٥ سنة، تنتج شجرة التفاح كمعدل ثمارا تملأ ٢٠ صندوقا يزن كل واحد منها ١٩ كيلوڠراما.
من هذه البزرة الصغيرة تنمو شجرة تُطعم وتُفرح الناس طوال عقود
١٠، ١١ كيف تؤكد الحواس على صلاح اللّٰه؟
١٠ اعطانا يهوه، بصلاحه الفائق، جسما ‹مصنوعا بإعجاز مدهش›، مع حواس مصممة لمساعدتنا على ادراك اعماله والتمتع بها. (مزمور ١٣٩:١٤، ترجمة تفسيرية) تأمل من جديد في المشاهد التي ذُكرت في مقدمة هذا الفصل. اية امور تجعل تلك اللحظات متعة للبصر؟ انها رؤية وجنتَي الطفل الضاحك المتوردتَين، وابل الامطار المنهمرة على الحقول، وتفاوت الالوان الحمراء والذهبية والبنفسجية اثناء غروب الشمس. ولا ننسَ ان العين البشرية مصممة لتميِّز اكثر من ٠٠٠,٣٠٠ لون! كما ان حاسة السمع لدينا تلتقط ايّ تغيُّر في نغمة صوتِ مَن نحبه، وتميِّز حفيف الريح بين اوراق الشجر وضحكة الطفل الغامرة. فلماذا نستطيع التمتع بهذه المناظر والاصوات؟ يقول الكتاب المقدس: «الاذن السامعة والعين الباصرة الرب صنعهما كلتيهما». (امثال ٢٠:١٢) وهاتان الحاستان هما اثنتان فقط من الحواس لدينا.
١١ ان حاسة الشم هي دليل آخر على صلاح يهوه. فباستطاعة انف الانسان ان يميّز بين ٠٠٠,١٠ رائحة مختلفة. فكِّر في روائح بعض الاشياء: أكْلتك المفضلة، الازهار، اوراق الشجر المتساقطة، والدخان الخفيف المتصاعد من نار تستدفئ بها. كما ان حاسة اللمس تتيح لك ان تشعر بنسيم الهواء وهو يداعب وجهك، وبالمعانقة المطمئنة لشخص عزيز على قلبك، وبطراوة الثمرة في يدك. وعندما تقضم الثمرة، يأتي دور حاسة الذوق. فبراعم الذوق على لسانك تلتقط الاختلافات الدقيقة التي تنتج من تركيب الثمرة الكيميائي المعقد، فتولِّد طعما تُسرّ به. نعم، هنالك سبب وجيه لنهتف ونقول عن يهوه: «ما اعظم جودك [«صلاحك»، عج] الذي ذخرته لخائفيك». (مزمور ٣١:١٩) ولكن كيف «ذخر» يهوه صلاحا للذين يخافونه؟
صلاح بفوائد ابدية
١٢ اية تدابير من يهوه هي الاهم، ولماذا؟
١٢ قال يسوع: «مكتوب: ‹لا يحيَ الإنسان بالخبز وحده، بل بكل قول يخرج من فم يهوه›». (متى ٤:٤) نعم، فتدابير يهوه الروحية يمكن ان تنفعنا اكثر من الاطعمة الحرفية، لأن التدابير الروحية تؤدي الى الحياة الابدية. وقد ذكرنا في الفصل ٨ من هذا الكتاب ان يهوه استخدم قدرته على الرد خلال هذه الايام الاخيرة ليجلب فردوسا روحيا. وأحد الاوجه البارزة لهذا الفردوس هو وفرة الطعام الروحي.
١٣، ١٤ (أ) ماذا شاهد النبي حزقيال في رؤيا، وماذا يعني ذلك لنا اليوم؟ (ب) اية تدابير مانحة للحياة يصنعها يهوه لخدامه الامناء؟
١٣ في احدى اعظم نبوات الرد المسجلة في الكتاب المقدس، نال النبي حزقيال رؤيا عن هيكل مسترد وممجَّد. ومن ذلك الهيكل خرج نهر ماء، وأخذ يتسع ويعمق حتى صار بحجم نهرَين. وأينما جرى ذلك النهر حمل معه البركات. وعلى ضفتيه نمت اشجار يُتخذ منها طعام ودواء. حتى ان النهر جعل الحياة تدبّ في البحر الميت المالح والعديم الحياة، وصار البحر يعطي صيدا وفيرا! (حزقيال ٤٧:١-١٢) ولكن ماذا عنى كل ذلك؟
١٤ لقد عنت الرؤيا ان يهوه سيردّ ترتيبه للعبادة النقية، كما يمثله الهيكل الذي رآه حزقيال. وكجريان هذا النهر الرؤيوي، ستتدفق تدابير اللّٰه لنيل الحياة الى شعبه بوفرة متزايدة. ومنذ رد العبادة النقية سنة ١٩١٩، يبارك يهوه شعبه بتدابير مانحة للحياة. كيف؟ تساهم الكتب المقدسة والمطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس والاجتماعات والمحافل في ايصال حقائق حيوية الى ملايين الاشخاص. وبهذه الوسائل يعلِّم يهوه الناس عن اهم تدبير لنيل الحياة: ذبيحة المسيح الفدائية التي تجعل المرء في موقف طاهر امام يهوه وتمنح رجاء الحياة الابدية لكل الذين يحبون اللّٰه ويخافونه بحق.a لذلك فيما يعاني العالم مجاعة روحية، ينعم شعب يهوه في هذه الايام الاخيرة بوليمة روحية. — اشعياء ٦٥:١٣.
١٥ بأيّ معنى سيمتد صلاح يهوه الى الجنس البشري الامين خلال حكم المسيح الالفي؟
١٥ لكنَّ نهر حزقيال الرؤيوي لا يتوقف عن الجريان عندما ينتهي نظام الاشياء القديم هذا، بل سيجري بغزارة اكبر خلال حكم المسيح الالفي. فعندئذ، سيطبق يهوه من خلال الملكوت المسيَّاني القيمة الكاملة لذبيحة يسوع، رافعا الجنس البشري الى الكمال بشكل تدريجي. وكم سنهلِّل آنذاك لصلاح يهوه!
اوجه اخرى لصلاح يهوه
١٦ كيف يُظهر الكتاب المقدس ان صلاح يهوه يشتمل على صفات اخرى، وما هي بعض هذه الصفات؟
١٦ لا يقتصر صلاح يهوه على سخائه. فقد قال اللّٰه لموسى: «اجيز كل جودتي [«صلاحي»، عج] قدامك. وأنادي باسم الرب قدامك». وبعد ذلك تقول الرواية: «فاجتاز الرب قدامه ونادى الرب الرب اله رحيم ورؤوف [«حنّان»، عج] بطيء الغضب وكثير الاحسان والوفاء [«الحق»، عج]». (خروج ٣٣:١٩؛ ٣٤:٦) لذا يشتمل صلاح يهوه على عدد من الصفات الجيدة. فلنتأمل في اثنتين منها.
١٧ كيف يتعامل يهوه مع البشر الناقصين، وأية صفة تجعله يتصرف على هذا النحو؟
١٧ «حنّان». هذه الصفة تجعل يهوه لبقا في تعاملاته مع مخلوقاته، مما يسهّل الاقتراب اليه. فيهوه ليس فظًّا او قاسيا او مستبدا، كما هي الحال غالبا مع اصحاب النفوذ، بل هو مترفق ولطيف. مثلا، قال يهوه لإبراهيم: «ارفع عينيك [«من فضلك»] وانظر من الموضع الذي انت فيه شمالا وجنوبا وشرقا وغربا». (تكوين ١٣:١٤) لا تُذكر عبارة «من فضلك» في الكثير من الترجمات. لكنَّ علماء الكتاب المقدس يذكرون ان النص العبراني الاصلي يتضمن اداة تغيِّر اسلوب الكلام من امر الى طلب مهذب. وهنالك امثلة اخرى لذلك. (تكوين ٣١:١٢؛ حزقيال ٨:٥) تخيَّل هذا: سيد الكون يقول «من فضلك» لبشر! وفي عالم تكثر فيه خشونة المعاملة والعدائية والفظاظة، ألا تنتعش نفوسنا حين نفكر كم هو مسرّ الاقتراب الى الهنا الحنّان يهوه؟
١٨ بأيّ معنى يهوه هو ‹كثير الحق›، ولماذا تطمئن قلوبنا عند قراءة هاتين الكلمتين؟
١٨ ‹كثير الحق›. صار عدم الامانة امرا شائعا في عالم اليوم. لكنَّ الكتاب المقدس يذكّرنا بأن ‹اللّٰه ليس انسانا فيكذب›. (عدد ٢٣:١٩) حتى ان تيطس ١:٢ تقول ان اللّٰه «لا يمكن ان يكذب». فحاشا له ان يفعل هذا! لذلك يمكن الاعتماد كليا على وعود يهوه، وكلماته ستتم لا محالة. حتى ان يهوه يدعى «اله الحق». (مزمور ٣١:٥) فبالاضافة الى انه لا يتفوّه بالاكاذيب، لا يتردد في اعطاء الحق بوفرة. فهو ليس منغلقا او شديد التحفظ والتكتم، بل ينوِّر خدامه الامناء بسخاء من فيض الحكمة الذي يملكه.b حتى انه يعلّمهم كيف يعيشون حياتهم بانسجام مع الحقائق التي يعطيها كي ‹يواصلوا السير في الحق›. (٣ يوحنا ٣) فكيف ينبغي عموما ان يؤثر فينا كأفراد صلاح يهوه؟
‹تهلَّل بصلاح يهوه›
١٩، ٢٠ (أ) كيف حاول الشيطان تقويض ثقة حواء بصلاح يهوه، وماذا كانت النتيجة؟ (ب) ايّ تأثير ينبغي ان يولّده صلاح يهوه فينا، ولماذا؟
١٩ عندما اغوى الشيطان حواء في جنة عدن، بدأ يقوِّض ثقتها بصلاح يهوه بأسلوب ماكر. كان يهوه قد قال لآدم: «من جميع شجر الجنة تأكل اكلا». وبين آلاف الاشجار التي زيَّنت دون شك ربوع الجنة، حرَّم يهوه على الانسان الاكل من شجرة واحدة فقط. ولكن لاحظ كيف صاغ الشيطان سؤاله الاول لحواء: «أحقا قال اللّٰه لا تأكلا من كل شجر الجنة». (تكوين ٢:٩، ١٦؛ ٣:١) لقد حرَّف الشيطان كلام يهوه حتى تعتقد حواء ان يهوه يمنع عنها شيئا جيدا. والمؤسف ان اسلوبه نجح. فقد بدأت حواء، شأنها في ذلك شأن رجال ونساء كثيرين بعدها، تشك في صلاح يهوه، هو الذي اعطاها كل ما تملكه.
٢٠ نحن نعرف كم جلبت هذه الشكوك من حزن وشقاء للناس. ولكن لنتذكر كلمات ارميا ٣١:١٢ (عج) التي تقول: «يتهللون بصلاح يهوه». فينبغي ان يجعلنا صلاح يهوه نتهلل من الفرح. ويلزم ألا نشك في دوافع إلهنا الكثير الصلاح. فلنثق به ثقة مطلقة، لأنه لا يريد إلا خير الذين يحبونه.
٢١، ٢٢ (أ) ما هي بعض الطرائق التي تود ان تتجاوب بها مع صلاح يهوه؟ (ب) اية صفة سنناقشها في الفصل التالي، وكيف تختلف عن الصلاح؟
٢١ كما اننا نبتهج حين تسنح لنا الفرصة لإخبار الآخرين عن صلاح اللّٰه. يقول المزمور ١٤٥:٧ عن شعب يهوه: «ذِكر كثرة صلاحك يُبدون». ففي كل يوم نعيشه نستفيد بطريقة ما من صلاح يهوه. فلمَ لا نعوِّد انفسنا كل يوم ان نشكر يهوه على صلاحه، مع تحديد المجال الذي اعرب فيه عن الصلاح؟ فالتفكير في هذه الصفة، وشكْر يهوه عليها يوميا، وإخبار الآخرين عنها تساعدنا على الاقتداء بإلهنا الصالح. وإذا بحثنا عن طرائق نفعل بها الصلاح، كما يفعل يهوه، نقترب اليه اكثر فأكثر. كتب الرسول المسن يوحنا: «ايها الحبيب، لا تقتدِ بما هو رديء، بل بما هو صالح. مَن يفعل الصلاح فهو من اللّٰه». — ٣ يوحنا ١١.
٢٢ يرتبط صلاح يهوه بصفات اخرى ايضا. فهو مثلا اله «وافر اللطف الحبي»، او محبة الولاء. (خروج ٣٤:٦، عج) وتتميز هذه الصفة بأنها اقل شمولية من الصلاح، لأن يهوه يعبِّر عنها خصوصا نحو خدامه الامناء. وفي الفصل التالي، سنتعلم كيف يفعل ذلك.
a لا يوجد مثال لصلاح يهوه اكبر من مثال الفدية. فمن بين ملايين المخلوقات الروحانية، اختار يهوه ابنه الحبيب المولود الوحيد ليموت من اجلنا.
b لا عجب ان يربط الكتاب المقدس الحق بالنور. رنم صاحب المزمور: «ارسل نورك وحقك». (مزمور ٤٣:٣) فيهوه يُشرق النور الروحي بوفرة على الذين يريدون التعلُّم، او التنوُّر، منه. — ٢ كورنثوس ٤:٦؛ ١ يوحنا ١:٥.
-
-
«انك وحدك ولي»اقترب الى يهوه
-
-
الفصل ٢٨
«انك وحدك ولي»
١، ٢ لماذا يمكن القول ان عدم الولاء لم يكن امرا غريبا على الملك داود؟
لم يكن عدم الولاء امرا غريبا على الملك داود. ففي احدى المراحل، كثرت خلال حكمه المضطرب المكايد المحاكة ضده، وذلك حين اخذ افراد من امته يتآمرون عليه. كما ان داود تعرَّض للخيانة من قِبل بعض الذين اعتبرهم عشراءه الاحماء. إليك مثلا ميكال، زوجة داود الاولى. ففي البداية «احبت داود»، داعمةً اياه دون شك في واجباته الملكية. لكنها بدأت لاحقا ‹تحتقره في قلبها›، حتى انها اعتبرته كواحد من «السفهاء». — ١ صموئيل ١٨:٢٠؛ ٢ صموئيل ٦:١٦، ٢٠.
٢ وهكذا كان اخيتوفل، مشير داود الشخصي. فقد كانت مشورته تُعتبر وكأنها كلام مباشر من يهوه. (٢ صموئيل ١٦:٢٣) لكنَّ هذا الصديق المؤتمَن على الاسرار تحوَّل مع الوقت الى خائن، وانضم الى حركة تمرُّد منظمة ضد داود. ومَن كان المحرِّض على المؤامرة؟ ابشالوم بن داود! فهذا الانتهازي الماكر «استرق . . . قلوب رجال اسرائيل» ونصَّب نفسه ملكا منافسا. واشتدت ثورة ابشالوم كثيرا حتى ان الملك داود اضطر الى الهرب كيلا يُقتل. — ٢ صموئيل ١٥:١-٦، ١٢-١٧.
٣ ممَّ كان داود واثقا؟
٣ ولكن ألم يبقَ احد وليا لداود؟ كان داود يعرف طوال محنته ان هنالك مَن بقي وليا. مَن؟ يهوه اللّٰه. قال داود عن يهوه: «مع الولي تعمل بولاء». (٢ صموئيل ٢٢:٢٦، عج) فما هو الولاء، وكيف يرسم يهوه اسمى مثال لهذه الصفة؟
ما هو الولاء؟
٤، ٥ (أ) ما هو «الولاء»؟ (ب) كيف يختلف الولاء عن الامانة؟
٤ «الولاء»، كما يُستخدم في الاسفار العبرانية، هو لطف يلتصق بهدف التصاقا حبيا، ولا يفارقه حتى تتحقق الغاية المنشودة. والولاء اوسع دلالة من الامانة. فالشخص قد يكون امينا بدافع الشعور بالواجب فحسب. أما الولاء فهو متجذِّر في المحبة.a كما ان كلمة «امين» يمكن ان تطبَّق على الجَماد. مثلا، قال المرنم الملهم عن القمر انه «الشاهد الامين في السماء»، بسبب انتظام ظهوره في الليالي. (مزمور ٨٩:٣٧، ترجمة تفسيرية) ولكن لا يقال عن القمر انه ولي. ولماذا؟ لأن الولاء هو تعبير عن المحبة، ولا تستطيع الاشياء الجامدة ان تعرب عن هذه الصفة.
يدعى القمر شاهدا امينا، لكنَّ المخلوقات الحية الذكية وحدها قادرة فعلا على عكس ولاء يهوه
٥ الولاء، بمعناه المستخدم في الاسفار المقدسة، هو صفة تتميز بالدفء والود. ويدل وجوده على ان علاقة تربط الذي يُعرِب عن هذه الصفة بالذي تُعرَب له. وليس هذا الولاء متقلقلا. فهو لا يشبه امواج البحر المتلاطمة بتأثير الرياح المتغيِّرة، بل يتميز هذا الولاء، او محبة الولاء، بالثبات والقوة اللذين يمكّنانه من التغلب على اصعب العوائق.
٦ (أ) ما مدى ندرة الولاء بين البشر، وكيف يشار الى ذلك في الكتاب المقدس؟ (ب) ما هي افضل طريقة للتعلم عمّا يقتضيه الولاء، ولماذا؟
٦ لا شك ان ولاءً كهذا نادر في ايامنا. فغالبا ما يميل الاصحاب الاحمّاء الى «سحق بعضهم بعضا». وكثيرا ما نسمع عن اشخاص متزوجين يهجرون رفقاء زواجهم. (امثال ١٨:٢٤، عج؛ ملاخي ٢:١٤-١٦) والغدر شائع جدا حتى اننا قد نردد كلمات النبي ميخا: «قد باد التقي [«الولي»، عج] من الارض». (ميخا ٧:٢) ولكن رغم عدم اعراب البشر في اغلب الاحيان عن اللطف الحبي، يبقى الولاء صفة بارزة عند يهوه. حتى اننا اذا اردنا ان نعرف ما يقتضيه الولاء بالتحديد، فأفضل طريقة هي ان نرى كيف يعرب يهوه عن هذه الميزة البارزة من ميزات محبته.
ولاء يهوه الذي لا يضاهى
٧، ٨ كيف يمكن القول ان يهوه وحده ولي؟
٧ يقول الكتاب المقدس عن يهوه: «انك وحدك ولي». (كشف ١٥:٤) فكيف يكون هذا؟ ألم يعرب بشر وملائكة في بعض الاحيان عن ولاء شديد؟ (ايوب ١:١؛ كشف ٤:٨) وماذا عن يسوع المسيح؟ أليس هو «ولي» اللّٰه الابرز؟ (مزمور ١٦:١٠، عج) فكيف يقال ان يهوه وحده ولي؟
٨ تذكّر قبل كل شيء ان الولاء هو احدى ميزات المحبة. وبما ان «اللّٰه محبة»، اي انه مجسم هذه الصفة، فمَن يمكنه ان يعرب عن الولاء بشكل كامل اكثر من يهوه؟! (١ يوحنا ٤:٨) صحيح ان الملائكة والبشر قد يعكسون صفات اللّٰه، لكنَّ يهوه وحده يسمو فوق الكل في الولاء. وبما انه «القديم الايام»، اعرب عن اللطف الحبي مدة اطول من ايّ مخلوق آخر، سواء كان ارضيا او سماويا. (دانيال ٧:٩) وهكذا يكون يهوه عنوانا للولاء. فهو يعرب عن هذه الصفة بطريقة لا يضاهيه فيها ايّ مخلوق آخر. وما يلي بعض الامثلة.
٩ كيف يكون يهوه ‹وليا في كل اعماله›؟
٩ يهوه «ولي في كل اعماله». (مزمور ١٤٥:١٧، عج) كيف؟ نجد الجواب في المزمور ١٣٦، حيث يؤتى على ذكر عدد من اعمال يهوه الانقاذية، بما فيها انقاذ الاسرائيليين المدهش عند البحر الاحمر. فاللافت في هذا المزمور هو ان كل عدد تبرز فيه عبارة: «لأن الى الابد رحمته [«لطفه الحبي»، عج؛ او ولاءه]». وهذا المزمور مذكور ضمن الاطار «اسئلة للتأمل فيها» على الصفحة ٢٨٩. وعندما تقرأ هذه الاعداد، ستدهشك دون شك كثرة الطرائق التي اعرب بها يهوه عن لطفه الحبي نحو شعبه. نعم، يُظهر يهوه ولاءه لخدامه الامناء بالاستماع الى صراخهم وباتخاذه الاجراء في الوقت المعين. (مزمور ٣٤:٦) ومحبة الولاء عند يهوه نحو خدامه لا تتزعزع، شرط ان يبقوا اولياء له.
١٠ كيف يعرب يهوه عن الولاء في ما يتعلق بمقاييسه؟
١٠ كما ان يهوه يعرب عن الولاء لخدامه حين يبقى ملتزما بمقاييسه. فبخلاف بعض البشر المتقلقلين، الذين ينقادون لنزواتهم وعواطفهم، لا تتغير نظرة يهوه الى الصواب والخطإ. فطوال آلاف السنين، بقيت نظرته الى امور كالأرواحية والصنمية والقتل كما هي. وقال بواسطة النبي اشعيا: «الى شيخوختكم انا هو». (اشعيا ٤٦:٤، الترجمة العربية الجديدة) لذلك لنا ملء الثقة بأننا سنستفيد اذا اتَّبعنا التوجيه الادبي الواضح الموجود في كلمة اللّٰه. — اشعياء ٤٨:١٧-١٩.
١١ أعطِ امثلة تُظهر ان يهوه يحفظ وعوده.
١١ يعرب يهوه ايضا عن الولاء حين يحفظ وعوده. فما يتنبأ به يتحقق لا محالة. لذلك ذكر يهوه: «هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي. لا ترجع اليَّ فارغة بل تعمل ما سررت به وتنجح في ما ارسلتها له». (اشعياء ٥٥:١١) وحين يلتزم اللّٰه بما يعد به يُظهر الولاء لشعبه. فهو لا يجعلهم ينتظرون بفارغ الصبر شيئا لا يعتزم تحقيقه. وهذا الصدق في الوعود معروف جدا عن يهوه، حتى ان خادمه يشوع قال: «ما سقط من وعد واحد من جميع الوعود التي قالها الرب لبني إسرائيل بل كلها تَمَّت». (يشوع ٢١:٤٥، جد) ونحن على ثقة بأن آمالنا لن تخيب ابدا، لأنه لا يمكن ان يعد يهوه بشيء ولا يتممه. — اشعياء ٤٩:٢٣؛ روما ٥:٥.
١٢، ١٣ بأية طريقتين يكون لطف يهوه الحبي «الى الابد»؟
١٢ ذكرنا آنفا ان الكتاب المقدس يخبرنا بأن لطف يهوه الحبي هو «الى الابد». (مزمور ١٣٦:١) فكيف يكون الى الابد؟ المعنى الاول هو ان غفران يهوه للخطايا دائم. فكما نوقش في الفصل ٢٦، لا يذكّر يهوه نفسه بالخطايا الماضية التي ارتكبها الشخص بعد ان صُفح عنه. وبما ان «الجميع اخطأوا وقصَّروا عن بلوغ مجد اللّٰه»، ينبغي ان يكون كل واحد منا شاكرا لأن لطف يهوه الحبي هو الى الابد. — روما ٣:٢٣.
١٣ لكنَّ لطف يهوه الحبي هو الى الابد بمعنى آخر ايضا. فكلمته تقول ان البار «يكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياه. التي تعطي ثمرها في اوانه. وورقها لا يذبل. وكل ما يصنعه ينجح». (مزمور ١:٣) تخيَّل شجرة وارفة لا يذبل ورقها ابدا! هكذا ايضا تكون حياتنا — طويلة وسلمية ومثمرة — اذا كانت مسرتنا في كلمة اللّٰه فعلا. والبركات التي يعطيها يهوه بولاء لخدامه الامناء انما هي ابدية. ففي العالم الجديد البار الذي سيجلبه يهوه، سينعم الجنس البشري الطائع بلطفه الحبي الى الابد. — كشف ٢١:٣، ٤.
يهوه ‹لا يتخلى عن اوليائه›
١٤ كيف يُظهر يهوه التقدير لولاء خدامه؟
١٤ اعرب يهوه عن ولائه مرارا وتكرارا. وبما ان يهوه لا يتغير البتة، لا يتضاءل ابدا الولاء الذي يُظهره نحو خدامه الامناء. كتب صاحب المزمور: «كنتُ فتى وقد شخت ولم ارَ صدِّيقا تُخُلّي عنه ولا ذرية له تلتمس خبزا. لأن الرب يحب الحق ولا يتخلى عن اتقيائه [«اوليائه»، عج]». (مزمور ٣٧:٢٥، ٢٨) لا شك ان يهوه، بصفته الخالق، يستحق ان نقدم له العبادة. (كشف ٤:١١) ولكن لانه ولي، ينظر بتقدير الى عبادتنا اياه بأمانة. — ملاخي ٣:١٦، ١٧.
١٥ أوضح كيف تَبرز صفة الولاء في تعاملات يهوه مع اسرائيل.
١٥ كثيرا ما يهبُّ يهوه، بدافع لطفه الحبي، لنجدة شعبه عندما يقعون في ضيق. يخبرنا صاحب المزمور: «هو حافظ نفوس اتقيائه [«اوليائه»، عج]. من يد الاشرار ينقذهم». (مزمور ٩٧:١٠) فلنتأمل في تعاملاته مع امة اسرائيل. بعد انقاذ الاسرائيليين العجائبي عند البحر الاحمر، رنَّم الشعب ليهوه: «ترشد برأفتك [«لطفك الحبي»، عج] الشعب الذي فديته». (خروج ١٥:١٣) فالانقاذ عند البحر الاحمر كان فعلا اعرابا عن محبة الولاء لدى يهوه. لذلك قال موسى للاسرائيليين: «ليس من كونكم اكثر من سائر الشعوب التصق الرب بكم واختاركم لأنكم اقل من سائر الشعوب. بل من محبة الرب اياكم وحِفظه القَسَم الذي اقسم لآبائكم اخرجكم الرب بيد شديدة وفداكم من بيت العبودية من يد فرعون ملك مصر». — تثنية ٧:٧، ٨.
١٦، ١٧ (أ) ايّ نقص مفاجئ في التقدير اعرب عنه الاسرائيليون، ومع ذلك كيف اظهر يهوه الرأفة نحوهم؟ (ب) كيف اظهر معظم الاسرائيليين انه «لم يكن شفاء» في حالتهم، وأيّ مثال تحذيري نناله من ذلك؟
١٦ فشل الاسرائيليون كأمة في اظهار التقدير للطف يهوه الحبي، لأنهم بعد انقاذهم «عادوا ايضا ليخطئوا اليه [يهوه] لعصيان العلي». (مزمور ٧٨:١٧) وعلى مر القرون، عصوا يهوه مرة بعد اخرى وتركوه والتفتوا الى الآلهة الباطلة والممارسات الوثنية التي لم تحمل معها سوى النجاسة. ومع ذلك لم يفسخ يهوه عهده، بل ناشد شعبه بواسطة النبي ارميا: «ارجعي ايتها العاصية اسرائيل . . . لا اوقع غضبي بكم لأني رؤوف [«ولي»، عج]». (ارميا ٣:١٢) ولكن، كما ذُكر في الفصل ٢٥، لم يتأثر معظم الاسرائيليين بذلك، بل «كانوا يهزأون برسل اللّٰه ورذلوا كلامه وتهاونوا بأنبيائه». وماذا كانت النتيجة؟ في النهاية، «ثار غضب الرب على شعبه حتى لم يكن شفاء». — ٢ أخبار الايام ٣٦:١٥، ١٦.
١٧ فماذا نتعلم من ذلك؟ نتعلم ان ولاء يهوه ليس ولاء اعمى او ساذجا. صحيح ان يهوه «وافر اللطف الحبي»، ويسره ان يُظهر الرحمة حينما يوجد اساس لذلك، ولكن ماذا يحدث عندما يكون فاعل الاثم شريرا لا يقبل التقويم؟ في هذه الحالة يلتزم يهوه بمقاييسه البارة ويجلب دينونة مضادة. وكما قيل لموسى، يهوه «لا يعفي من العقاب». — خروج ٣٤:٦، ٧، عج.
١٨، ١٩ (أ) كيف تكون معاقبة يهوه للاشرار بحد ذاتها عمل ولاء؟ (ب) بأية طريقة سيُظهر يهوه ولاءه لخدامه الذين يُضطهدون حتى الموت؟
١٨ ومعاقبة اللّٰه للاشرار هي بحد ذاتها عمل ولاء. كيف؟ نجد اشارة الى ذلك في سفر الكشف، حيث امر يهوه سبعة ملائكة قائلا: «اذهبوا واسكبوا جامات غضب اللّٰه السبعة على الارض». وبعد سكب الملاك الثالث جامه على «الأنهار وينابيع المياه»، صارت هذه دما. عندئذ قال الملاك ليهوه: «بار انت، ايها الكائن والذي كان، ايها الولي، لأنك اصدرت هذه القرارات، لأنهم سكبوا دم قديسين وأنبياء، فأعطيتَهم دما ليشربوا. انهم يستحقون ذلك». — كشف ١٦:١-٦.
سيتذكر يهوه بولاء مَن بقوا اولياء حتى الموت، وسوف يقيمهم
١٩ لاحظ انه خلال تسليم رسالة الدينونة هذه، اشار الملاك الى يهوه بأنه «الولي». ولماذا؟ لأن يهوه، بإهلاكه الاشرار، يعرب عن الولاء نحو خدامه الذين اضطُهد كثيرون منهم حتى الموت. ويحفظ يهوه بولاء اولئك الاشخاص احياء في ذاكرته. وهو يشتاق الى رؤية هؤلاء الاموات الامناء من جديد، ويؤكد الكتاب المقدس انه يعتزم مكافأتهم بقيامة. (ايوب ١٤:١٤، ١٥) ولا ينسى يهوه خدامه الامناء لمجرد انهم لم يعودوا احياء. فهم «جميعا احياء في نظره». (لوقا ٢٠:٣٧، ٣٨) وقصْد يهوه ان يُعيد مَن هم في ذاكرته الى الحياة انما هو برهان قوي على ولائه.
برنارد لومس (الى اليسار) و ڤولفڠنڠ كوسِرو (في الوسط) أعدما على يد النازيين
موسِس نياموسُوا (الى اليمين) طُعن حتى الموت على يد مجموعة سياسية
محبة الولاء عند يهوه تمهّد طريق الخلاص
٢٠ مَن هم ‹آنية الرحمة›، وكيف يعرب يهوه عن الولاء نحوهم؟
٢٠ على مر التاريخ، اعرب يهوه عن ولاء جزيل نحو البشر الامناء. فطوال آلاف السنين، «احتمل [يهوه] بطول اناة كثيرة وجود آنية سخط مستأهلة الهلاك». ولماذا؟ «لكي يُعرَّف بغنى مجده على آنية رحمة سبق فهيَّأها للمجد». (روما ٩:٢٢، ٢٣) و ‹آنية الرحمة› هذه تمثِّل ذوي الميل الصائب الذين مسحهم الروح القدس ليكونوا ورثة مع المسيح في ملكوته. (متى ١٩:٢٨) وبتمهيد طريق الخلاص لآنية الرحمة هذه، بقي يهوه وليا لإبراهيم الذي قطع معه هذا العهد: «يتبارك في نسلك جميع امم الارض. من اجل انك سمعت لقولي». — تكوين ٢٢:١٨.
بسبب ولاء يهوه، يملك جميع خدامه الامناء رجاء اكيدا بشأن المستقبل
٢١ (أ) كيف يعرب يهوه عن الولاء نحو «جمع كثير» يرجو ان يأتي من «الضيق العظيم»؟ (ب) ماذا يدفعك ولاء يهوه الى فعله؟
٢١ يعرب يهوه عن ولاء مماثل نحو «جمع كثير» يرجو ان يأتي من «الضيق العظيم» ويعيش الى الابد على ارض فردوسية. (كشف ٧:٩، ١٠، ١٤) ومع ان خدام اللّٰه ناقصون، يمنحهم يهوه بولاء فرصة العيش الى الابد على ارض فردوسية. كيف؟ بواسطة الفدية — اعظم تعبير عن ولاء يهوه. (يوحنا ٣:١٦؛ روما ٥:٨) ويجذب ولاء يهوه مَن يتوقون في قلوبهم الى البر. (ارميا ٣١:٣، عج) أفلا تشعر بأنك اقرب الى يهوه بسبب الولاء العميق الذي اظهره ولا يزال يُظهره؟ بما اننا نرغب في الاقتراب الى اللّٰه، فلنتجاوب مع محبته ونزِد تصميمنا على خدمته بولاء.
a من المثير للاهتمام ان الكلمة المترجمة «ولاء» في ٢ صموئيل ٢٢:٢٦ (عج) تُترجم في اماكن اخرى «اللطف الحبي» او «محبة الولاء».
-
-
‹معرفة محبة المسيح›اقترب الى يهوه
-
-
الفصل ٢٩
‹معرفة محبة المسيح›
١-٣ (أ) ماذا جعل يسوع يرغب في ان يكون مثل ابيه؟ (ب) اية اوجه من محبة يسوع سنتأمل فيها؟
هل رأيتَ يوما صبيًّا صغيرا يحاول ان يكون مثل ابيه؟ ربما تراه يقلّد طريقة ابيه في المشي، او الكلام، او صنع الحركات. حتى ان الولد قد يتشرب مع الوقت القيم الادبية والروحية عند ابيه. نعم، فالمحبة والاعجاب اللذان يكنّهما الابن لأبيه المحب يجعلانه يرغب في ان يكون مثل والده.
٢ وماذا عن العلاقة بين يسوع وأبيه السماوي؟ قال يسوع في احدى المناسبات: «اني احب الآب». (يوحنا ١٤:٣١) ويستحيل ان يحب احد يهوه اكثر من ابنه، هو الذي كان عند الآب قبل ظهور اية مخلوقات اخرى بزمن طويل. وهذه المحبة هي التي جعلت هذا الابن البار يرغب في ان يكون مثل ابيه. — يوحنا ١٤:٩.
٣ ناقشنا في فصول سابقة من هذا الكتاب كيف اقتدى يسوع تماما بيهوه في القدرة والعدل والحكمة. ولكن كيف عكس يسوع محبة ابيه؟ سنتأمل الآن في ثلاثة اوجه من محبة يسوع: روح تضحيته بالذات، شعوره الرقيق بالرأفة، واستعداده للغفران.
«ليس لأحد محبة اعظم من هذه»
٤ كيف رسم يسوع اعظم مثال بشري في إظهار محبة التضحية بالذات؟
٤ رسم يسوع مثالا بارزا في إظهار محبة التضحية بالذات، صفة غير انانية يُقصد بها وضع حاجات الآخرين واهتماماتهم قبل حاجاتنا واهتماماتنا الخاصة. فكيف اعرب يسوع عن هذه المحبة؟ اوضح هو بنفسه: «ليس لأحد محبة اعظم من هذه: ان يبذل احد نفسه عن اصدقائه». (يوحنا ١٥:١٣) فقد تخلى يسوع طوعا عن حياته الكاملة من اجلنا. وكان ذلك اعظم اعراب عن المحبة قام به انسان. لكنَّ يسوع اظهر محبة التضحية بالذات بطرائق اخرى ايضا.
٥ لماذا كان ترْك ابن اللّٰه المولود الوحيد السموات عمل تضحية حبيا؟
٥ كان ابنُ اللّٰه المولودُ الوحيد، في وجوده السابق لبشريته، يحظى بمركز فريد ورفيع في السموات. وكان يتمتع بمعاشرة حميمة مع يهوه وأعداد كبيرة من المخلوقات الروحانية. ولكن رغم هذه المزايا، «اخلى» هذا الابن العزيز «نفسه آخذا هيئة عبد صائرا في شبه الناس». (فيلبي ٢:٧) وقبِل طوعا ان يعيش بين بشر خطاة في عالم واقع «تحت سلطة الشرير». (١ يوحنا ٥:١٩) أفَلم يعرب ابن اللّٰه بذلك عن تضحية حبية؟!
٦، ٧ (أ) بأية طرائق اظهر يسوع روح التضحية بالذات خلال خدمته الارضية؟ (ب) ايّ مثال مؤثر للمحبة غير الانانية نجده في يوحنا ١٩:٢٥-٢٧؟
٦ اعرب يسوع، طوال خدمته الارضية، عن محبة التضحية بالذات بطرائق مختلفة. فهو لم يتصرف قط بأنانية. وكان منهمكا جدا في خدمته، حتى انه ضحى بوسائل الراحة المعهودة التي يعتبرها البشر بديهية. قال يسوع: «للثعالب اوجرة ولطيور السماء اوكار، أما ابن الإنسان فليس له اين يضع رأسه». (متى ٨:٢٠) وبما ان يسوع نجار ماهر، كان بإمكانه ان يخصص بعض الوقت ليبني لنفسه بيتا مريحا او يصنع اثاثا جميلا يبيعه ليجني مالا اكثر. لكنه لم يستخدم مهاراته ليكسب اشياء مادية.
٧ كما نجد في يوحنا ١٩:٢٥-٢٧ مثالا مؤثرا لمحبة التضحية بالذات عند يسوع. تخيَّل كم كانت كثيرة الامور التي شغلت فكر يسوع وقلبه بعد ظهر اليوم الذي مات فيه. فرغم تألمه على الخشبة، كان قلقا على تلاميذه وعلى العمل الكرازي، وخصوصا على استقامته وانعكاسها على اسم ابيه، اذ كان كامل مستقبل الجنس البشري ملقى فعلا على كتفيه! ومع ذلك، قبل لحظات من موته، اعرب يسوع عن الاهتمام ايضا بأمه مريم، التي كانت ارملة آنذاك كما يَظهر. فقد طلب يسوع من الرسول يوحنا ان يعتني بمريم كما لو انها امه، وبعد ذلك اخذ الرسول مريم الى بيته. لقد اهتم يسوع بهذه الطريقة بالحاجات الجسدية والروحية لأمه. فما ارق هذه المحبة غير الانانية لديه!
«اشفق عليهم»
٨ ما معنى الكلمة اليونانية التي يستخدمها الكتاب المقدس لوصف رأفة يسوع؟
٨ كان يسوع رؤوفا كأبيه. فالاسفار المقدسة تصف يسوع بأنه كان يبادر الى مساعدة المحتاجين لأن وضعهم حرَّك مشاعره بعمق. ولوصف رأفة يسوع، يستخدم الكتاب المقدس كلمة يونانية تُترجم «اشفق». يقول احد العلماء: «انها تصف . . . عاطفة تحرِّك اعماق كيان الشخص. وهي اقوى كلمة في اليونانية للتعبير عن الشعور بالرأفة». فلنتأمل في بعض الحالات التي ولَّدت في يسوع شعورا عميقا بالرأفة، شعورا دفعه الى القيام بعمل.
٩، ١٠ (أ) اية ظروف جعلت يسوع ورسله يبحثون عن مكان هادئ؟ (ب) عندما قاطع جمعٌ خلوة يسوع، ماذا فعل، ولماذا؟
٩ تجاوبَ مع الحاجات الروحية. تُظهر الرواية في مرقس ٦:٣٠-٣٤ اكثر ما جعل يسوع يعرب عن الشفقة. فتخيَّل هذا المشهد: كان الرسل مبتهجين جدا بعدما انهوا جولة كرازية شاملة. وعادوا الى يسوع وأخبروه بفرح كل ما رأوه وسمعوه. لكنَّ جمعا كبيرا اتى، فلم يتسنَّ ليسوع ورسله الوقت حتى ليأكلوا. لكنَّ يسوع اليقظ رأى ان رسله متعَبون. فقال لهم: «تعالوا انتم على انفراد الى مكان خلاء واستريحوا قليلا». وهكذا مضوا في مركب الى مكان هادئ في الطرف الشمالي من بحر الجليل. لكنَّ الجمع رآهم يغادرون، وسمع آخرون ايضا انهم ذهبوا الى هناك. فأسرعوا جميعا الى الشاطئ الشمالي ووصلوا الى ذاك الطرف الآخر قبل المركب!
١٠ هل انزعج يسوع من مقاطعتهم خلوته؟ كلا! فقد تأثر قلبه عندما رأى هذا الجمع المؤلف من آلاف الاشخاص ينتظره. كتب مرقس: «لما خرج رأى جمعا كثيرا، فأشفق عليهم، لأنهم كانوا كخراف لا راعي لها. فابتدأ يعلمهم اشياء كثيرة». لقد رأى يسوع فيهم عطشا الى الامور الروحية. فكانوا كخراف شاردة وعاجزة لا راعي لها يرشدها او يحميها. وكان يسوع يعلَم ان القادة الدينيين القساة القلوب، الذين يُفترض بهم تأدية دور الرعاة المحبين، اهملوا حاجات عامة الشعب. (يوحنا ٧:٤٧-٤٩) فرقَّ قلبه لهؤلاء الناس، وبدأ يعلّمهم «عن ملكوت اللّٰه». (لوقا ٩:١١) لاحِظ ان يسوع اشفق على الناس حتى قبل ان يرى رد فعلهم حيال تعليمه. وبكلمات اخرى، لم تكن رأفته الرقيقة نتيجةَ تعليمه للجموع، بل كانت هي الدافع الى تعليمه اياهم.
«مد يده ولمسه»
١١، ١٢ (أ) كيف كان يُنظر الى البُرص في ازمنة الكتاب المقدس، ولكن كيف تجاوب يسوع حين اقترب منه انسان «مملوء برصًا»؟ (ب) كيف ربما اثَّرت لمسة يسوع في الابرص، وكيف توضح ذلك الحادثة التي جرت مع احد الاطباء؟
١١ أراح الناس من آلامهم. ادرك المصابون بأمراض مختلفة ان يسوع يملك شعورا بالرأفة، وهذا ما جذبهم اليه. وقد تجلى ذلك خصوصا عندما اقترب انسان «مملوء برصًا» من يسوع الذي كانت جموع تتبعه. (لوقا ٥:١٢) ففي ازمنة الكتاب المقدس، كان البرص يوضَعون في حجر صحي لحماية الآخرين من العدوى. (عدد ٥:١-٤) لكنَّ القادة الربّانيين روَّجوا مع الوقت نظرة قاسية الى البَرص، وفرضوا قوانينهم الخاصة الجائرة بشأن هذا المرض.a وبالتباين، لاحِظ ماذا فعل يسوع مع الابرص: «جاءه ابرص، يتوسل اليه جاثيا على ركبتيه، ويقول له: ‹إن اردت، فأنت قادر ان تطهرني›. فأشفق عليه، ومد يده ولمسه، وقال له: ‹أريد، فاطهر›. وفي الحال زال عنه البرص». (مرقس ١:٤٠-٤٢) كان يسوع يعرف ان وجود الابرص هناك مخالف للشريعة. ولكن بدلا من صدِّه، تأثر يسوع جدا بوضعه حتى انه فعل شيئا لا يخطر على بال. لقد لمسه!
١٢ هل تتخيَّل ما تعنيه اللمسة لشخص ابرص؟ إليك الجواب من هذه الحادثة التي يرويها الدكتور پول براند، الاختصاصي في البَرص والجذام، عن ابرص كان يعالجه في الهند. وضع الطبيب، خلال الفحص، يده على كتف الابرص وأخذ يشرح له بواسطة مترجِمة العلاج الذي يجب ان يخضع له. فجأة، بدأ الابرص يبكي. فسأل الطبيبُ: «هل قلتُ شيئا ما كان يجب ان اقوله؟». وبعد ان استفسرت المترجمةُ من الرجل الشاب بلغته عن سبب بكائه، اجابت: «لا يا دكتور. انه يبكي، كما يقول، لأنك وضعت يدك حول كتفه. فهذه اول مرة يلمسه فيها انسان منذ سنوات كثيرة». إلا ان لمسة يسوع للشخص الابرص انطوت على معنى اكبر. فبعد تلك اللمسة، زال المرض الذي جعل منه منبوذا!
١٣، ١٤ (أ) ايّ موكب لقيه يسوع حين اقترب من مدينة نايين، وماذا زاد من اسى هذا المأتم على الاخص؟ (ب) ماذا فعل يسوع بدافع الرأفة من اجل ارملة نايين؟
١٣ بدَّد الحزن. كان يسوع يتأثر كثيرا بحزن الآخرين. ويُرى ذلك مثلا في الرواية المسجلة في لوقا ٧:١١-١٥. دارت احداث الرواية خلال منتصف خدمة يسوع تقريبا، حين دنا من اطراف مدينة في الجليل تدعى نايين. فعندما اقترب يسوع من بوابة المدينة، رأى هناك موكب جنازة. وما زاد من اسى هذا المأتم على الاخص هو ان الفقيد شاب، كما انه وحيد امّه الارملة. لم تكن هذه المرة الاولى التي تمشي فيها الامّ في موكب كهذا، اذ انها مشت قبلا على الارجح في موكب جنازة زوجها. أما هذه المرة فالفقيد ابنها، الذي ربما كان سندها الوحيد. وربما وُجد بين الجمع نادبون ينشدون المراثي وعازفون يعزفون ألحانا جنائزية حزينة. (ارميا ٩:١٧، ١٨؛ متى ٩:٢٣) لكنَّ عينَي يسوع وقعتا على الامّ المفجوعة، التي كانت تسير دون شك قرب النعش الذي يحمل جثمان ابنها.
١٤ «اشفق» يسوع على الامّ المفجوعة، وقال لها بلهجة مطمئِنة: «كفّي عن البكاء». وبدون تردد اقترب ولمس النعش. فوقف حاملو النعش، وربما ايضا باقي الجمع. وبصوت قوي، قال يسوع للجثة الهامدة: «ايها الشاب، لك اقول: قُم!». وماذا حدث بعد ذلك؟ «استوى الميت جالسا وابتدأ يتكلم»، كما لو انه أُوقظ من نوم عميق! وتبع ذلك شيء مؤثر للغاية، اذ يقول السجل: «فسلَّمه [يسوع] الى امه» (ترجمة تفسيرية).
١٥ (أ) ايّ ارتباط بين الرأفة والعمل تُظهره روايات الكتاب المقدس عن شعور يسوع بالشفقة؟ (ب) كيف يمكننا الاقتداء بيسوع في هذا المجال؟
١٥ ماذا نتعلم من هذه الروايات؟ هل لاحظتَ وجود ارتباط بين الرأفة والعمل في كل حالة؟ فلم يكن يسوع ليرى مصيبة الآخرين دون ان يشعر بالشفقة، ولم يكن ليشعر بالرأفة دون ان يفعل شيئا حيالها. فكيف يمكننا الاقتداء بمثاله؟ يقع علينا نحن المسيحيين التزام الكرازة بالبشارة والتلمذة. ودافعنا الرئيسي الى فعل ذلك هو محبة اللّٰه. ولكن لا ننسَ ان هذا العمل يستلزم امتلاك الرأفة. فعندما نتعاطف مع الناس كما فعل يسوع، يدفعنا قلبنا الى بذل قصارى جهدنا لإيصال البشارة اليهم. (متى ٢٢:٣٧-٣٩) وماذا عن اظهار الرأفة للرفقاء المؤمنين الحزانى او المتألمين؟ نحن لا نستطيع ان نشفي الالم الجسدي عجائبيا او نقيم الموتى. ولكن يمكننا ان نُظهر الرأفة بأخذ المبادرة في التعبير عن اهتمامنا او تقديم المساعدة العملية المناسبة. — افسس ٤:٣٢.
«يا ابتاه، اغفر لهم»
١٦ كيف تجلى استعداد يسوع للغفران حتى عندما كان معلَّقا على خشبة الآلام؟
١٦ كان يسوع انعكاسا كاملا لمحبة ابيه بطريقة اخرى مهمة، فقد كان هو ايضا ‹غفورا›. (مزمور ٨٦:٥) وقد تجلى استعداده للغفران حتى عندما كان معلَّقا على خشبة الآلام. فعمَّ تكلم يسوع وهو على وشك ان يموت ميتة مخزية، فيما المسامير تخرق يديه وقدميه؟ هل طلب من يهوه ان يعاقب منفذي حكم الاعدام فيه؟ كلا، بل تضمَّنت كلمات يسوع الاخيرة هذه العبارة: «يا ابتاه، اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون». — لوقا ٢٣:٣٤.b
١٧-١٩ بأية طرائق اظهر يسوع انه غفر للرسول بطرس نكرانه له ثلاث مرات؟
١٧ وقد تكون طريقة تعامل يسوع مع الرسول بطرس من ابرز الامثلة المؤثرة لروح المغفرة لديه. لا مجال للشك في ان بطرس احب يسوع كثيرا. حتى انه قال في ١٤ نيسان القمري، آخر ليلة من حياة يسوع: «يا رب، انا مستعد ان اذهب معك الى السجن وإلى الموت». ولكن، بعد ساعات قليلة، نكر بطرس ثلاث مرات انه يعرف يسوع! ويخبرنا الكتاب المقدس ما حدث بعد المرة الثالثة التي نكر فيها بطرس يسوع: «التفت الرب ونظر الى بطرس». عندئذ لم يستطع بطرس تحمل وطأة خطيته، «فخرج وبكى بمرارة». وعندما مات يسوع في وقت لاحق من ذلك اليوم، تساءل ذلك الرسول دون شك: ‹هل غفر لي ربّي؟›. — لوقا ٢٢:٣٣، ٦١، ٦٢.
١٨ لم ينتظر بطرس طويلا ليحصل على الجواب. فقد أُقيم يسوع في صباح ١٦ نيسان القمري، ويَظهر انه في ذلك اليوم عينه قام بزيارة شخصية لبطرس. (لوقا ٢٤:٣٤؛ ١ كورنثوس ١٥:٤-٨) فلماذا اولى يسوع هذا الرسول الذي نكره بإصرار شديد هذا الاهتمام الخصوصي؟ ربما اراد يسوع ان يؤكد لبطرس التائب ان ربَّه لا يزال يحبه ويعزّه. لكنَّ يسوع لم يكتفِ بطمأنة بطرس.
١٩ ففي وقت لاحق، ظهر يسوع للتلاميذ عند بحر الجليل. وفي تلك المناسبة، ولثلاث مرات، سأل يسوع بطرس (الذي نكر ربَّه ثلاث مرات) هل يحبه. وبعد المرة الثالثة اجاب بطرس: «يا رب، انت تعرف كل شيء؛ انت تعلم ان عندي لك مودة». صحيح ان يسوع كان قادرا على قراءة القلوب ويعرف جيدا كم يحبه بطرس، لكنه اتاح له فرصة تأكيد محبته. وبالاضافة الى ذلك، فوَّض يسوع الى بطرس مهمة ‹إطعام› و ‹رعاية› ‹خرافه الصغيرة›. (يوحنا ٢١:١٥-١٧) كان بطرس قد تلقى قبلا تعيينا للكرازة. (لوقا ٥:١٠) لكنَّ يسوع اعرب الآن عن ثقة لافتة للنظر وأعطاه مسؤولية كبيرة اضافية: الاعتناء بالذين سيصيرون أتباع المسيح. وبُعيد ذلك اوكل يسوع الى بطرس دورا بارزا في نشاط التلاميذ. (اعمال ٢:١-٤١) فكم شعر بطرس بالراحة دون شك حين ادرك ان يسوع غفر له واستمر يثق به!
هل ‹تعرف محبة المسيح›؟
٢٠، ٢١ كيف نستطيع ان نعرف بشكل كامل «محبة المسيح»؟
٢٠ جميلٌ هو وصف كلمة يهوه لمحبة المسيح. ولكن كيف ينبغي ان نتجاوب مع محبة يسوع؟ يحثنا الكتاب المقدس ان ‹نعرف محبة المسيح التي تفوق المعرفة›. (افسس ٣:١٩) فكما رأينا، نتعلم الكثير عن محبة المسيح من روايات الاناجيل عن حياته وخدمته. لكنَّ ‹معرفة محبة المسيح› بشكل كامل تستلزم اكثر من مجرد تعلم ما يقوله الكتاب المقدس عنه.
٢١ ان الكلمة اليونانية المترجمة ‹نعرف› تشير الى المعرفة «بطريقة عملية، عن طريق التجربة». وعندما نعرب عن المحبة كما فعل يسوع — ببذل انفسنا دون انانية من اجل الآخرين، التجاوب مع حاجاتهم برأفة، والمغفرة لهم من قلوبنا — نتمكن عندئذ من فهم حقيقة مشاعره. وبهذه الطريقة، نعرف بالتجربة «محبة المسيح التي تفوق المعرفة». ولا ننسَ ابدا انه كلما صرنا مثل المسيح، اقتربنا اكثر الى الذي اقتدى يسوع به تماما، الى الهنا المحب يهوه.
a نصَّت قوانين الربّانيين ان يبقى المرء بعيدا عن الابرص اربع اذرع (نحو ٨,١ مترا) على الاقل. أما اذا كانت الريح قوية، فيلزم ابقاء الابرص بعيدا مسافة لا تقل عن ١٠٠ ذراع (٤٥ مترا). ويتحدث المدراش العظيم عن رابّي اختبأ من اشخاص بُرص، وكذلك عن رابّي آخر ألقى حجارة على بُرص لإبعادهم. وهكذا ذاق البُرص مرارة النَّبذ وشعروا بأنهم محتقَرون ومرفوضون.
b لا يرد الجزء الاول من لوقا ٢٣:٣٤ في بعض المخطوطات القديمة. ولكن بما ان هذه الكلمات موجودة في مخطوطات كثيرة اخرى موثوق بها، تُدرج في نص ترجمة العالم الجديد وترجمات اخرى عديدة. ومن الواضح ان يسوع كان يتكلم عن الجنود الرومان الذين علَّقوه. فهم لم يعلموا ماذا يفعلون بسبب جهلهم لهوية يسوع. أما القادة الدينيون الذين حرَّضوا على اعدامه فكانوا ملومين دون شك، لأنهم فعلوا ذلك عن دراية ومكر. ولا مغفرة لكثيرين منهم. — يوحنا ١١:٤٥-٥٣.
-
-
‹واصل السير في المحبة›اقترب الى يهوه
-
-
الفصل ٣٠
‹واصل السير في المحبة›
١-٣ ماذا ينتج عندما نقتدي بمثال يهوه في اظهار المحبة؟
«السعادة في العطاء اكثر منها في الأخذ». (اعمال ٢٠:٣٥) تُبرز هذه الكلمات التي تفوَّه بها يسوع حقيقة هامة، وهي ان المحبة غير الانانية لها مكافآتها. ومع ان سعادة كبيرة تأتي من اخذ او تلقّي المحبة، تأتي سعادة اكبر من اعطاء المحبة او الاعراب عنها.
٢ لا احد يعرف صحة ذلك اكثر من ابينا السماوي. فكما رأينا في الفصول السابقة من هذا القسم، يهوه هو المثال الاسمى للمحبة. فمحبته فاقت اي اعراب آخر عن المحبة ودامت فترة اطول بكثير. فهل يبقى سبب للعجب من ان يهوه يدعى «الاله السعيد»؟! — ١ تيموثاوس ١:١١.
٣ يريد إلهنا المحب ان نسعى لنكون مثله، وخصوصا من جهة اظهار المحبة. تقول افسس ٥:١، ٢: «كونوا اذًا مقتدين باللّٰه كأولاد احباء، وواصلوا السير في المحبة». وعندما نقتدي بمثال يهوه في اظهار المحبة، نشعر بالسعادة الكبرى التي تأتي من العطاء. كما اننا نشعر بالاكتفاء حين نعرف اننا نرضي يهوه، لأن كلمته تحثنا ان ‹نحب بعضنا بعضا›. (روما ١٣:٨) ولكن توجد اسباب اخرى تحملنا على ‹مواصلة السير في المحبة›.
ما يجعل المحبة ضرورية
٤، ٥ لماذا من المهم ان نُظهر محبة التضحية بالذات لرفقائنا المؤمنين؟
٤ لماذا من المهم ان نُظهر المحبة لرفقائنا المؤمنين؟ لأن المحبة، ببسيط العبارة، جوهر المسيحية الحقة. فبدون المحبة لا يمكن ان تجمعنا برفقائنا المسيحيين علاقة وثيقة، والاهم هو اننا بدونها نصير بلا قيمة في نظر يهوه. فلنتأمل كيف تشدد كلمة اللّٰه على هذه الحقائق.
٥ قال يسوع لأتباعه في الليلة الاخيرة من حياته الارضية: «إني اعطيكم وصية جديدة: ان تحبوا بعضكم بعضا؛ كما احببتكم انا، تحبون انتم ايضا بعضكم بعضا. بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي، إن كان لكم محبة بعضا لبعض». (يوحنا ١٣:٣٤، ٣٥) نعم، تأمرنا الوصية بقولها «كما احببتكم انا» ان نُظهر محبةً من النوع الذي اعرب عنه يسوع. وقد ذكرنا في الفصل ٢٩ ان يسوع رسم مثالا رائعا في الاعراب عن محبة التضحية بالذات، اذ اعطى الاولوية لحاجات الآخرين ومصالحهم ولو على حساب نفسه. وعلينا نحن ايضا ان نعرب عن محبة غير انانية، ويلزم ان تكون هذه المحبة ظاهرة جدا للعيان بحيث يراها حتى الذين هم من خارج الجماعة المسيحية. فالمحبة الاخوية الى حد التضحية بالذات هي فعلا السمة التي تبرهن اننا أتباع المسيح الحقيقيون.
٦، ٧ (أ) كيف نعرف ان كلمة يهوه تعلّق اهمية كبيرة على اظهار المحبة؟ (ب) ايّ وجه للمحبة تركِّز عليه كلمات بولس المسجلة في ١ كورنثوس ١٣:٤-٨؟
٦ وماذا اذا كانت المحبة تنقصنا؟ قال الرسول بولس: «إن [كان] . . . ليس لي محبة، فقد صرت قطعة نحاس تطن او صنجا يرن». (١ كورنثوس ١٣:١) يُعرف عن الصنج الذي يرن انه ينتج صوتا مزعجا. ولكن ماذا عن قطعة النحاس التي تطن؟ تنقل ترجمات اخرى العبارة الى «ناقوس كثير الضجيج» او «ناقوس طنان». ويا لها من تشابيه ملائمة! فالشخص العديم المحبة هو مثل آلة موسيقية تُصدر صوتا صاخبا وناشزا ينفّر السامعين بدلا من ان يجذبهم. فكيف يمكن لشخص كهذا ان ينعم بعلاقة وثيقة بالآخرين؟! كما ان بولس قال: «إن كان لي كل الإيمان حتى انقل الجبال، ولكن ليس لي محبة، فلست شيئا». (١ كورنثوس ١٣:٢) تخيَّل هذا: الشخص العديم المحبة ‹لا يُعتبر شيئا› حتى لو انجز اعمالا كثيرة! أوَليس واضحا اذًا ان كلمة يهوه تعلّق اهمية كبيرة على اظهار المحبة؟
٧ ولكن كيف يمكن ان نعرب عن هذه الصفة في تعاملاتنا مع الآخرين؟ للإجابة عن هذا السؤال، سنتأمل في كلمات بولس المسجلة في ١ كورنثوس ١٣:٤-٨. وفي هذه الآيات، لا يشدَّد على محبة اللّٰه لنا ولا على محبتنا للّٰه. فبولس ركّز على كيفية اظهار المحبة واحدنا للآخر. وقد تناول ما المحبة عليه وما ليست عليه في بعض الامور.
ما المحبة عليه
٨ كيف يمكن لطول الاناة ان يساعدنا في تعاملاتنا مع الآخرين؟
٨ «المحبة طويلة الاناة». يعني طول الاناة تحمُّل بعضنا بعضا بصبر. (كولوسي ٣:١٣) وهل نحن بحاجة الى هذا الصبر؟ بما اننا مخلوقات ناقصة ونخدم كتفا الى كتف، فمن المنطقي ان نتوقع من حين الى آخر ان يبدر من اخوتنا المسيحيين ما يمكن ان يغيظنا، كما انه قد يبدر منا شيء قد يغيظهم هم. لكنَّ الصبر والحلم يمكن ان يساعدانا على تجاوز التباينات القليلة الاهمية التي تنشأ في تعاملاتنا مع الآخرين، وذلك دون تعكير صفو السلام في الجماعة.
٩ بأية طرائق نُظهر اللطف للآخرين؟
٩ «المحبة . . . لطيفة». يعرب المرء عن اللطف عندما يعمل امورا لمساعدة الآخرين ويتفوَّه بكلمات تراعي مشاعرهم. وتدفعنا المحبة الى البحث عن طرائق نعرب بها عن اللطف، وخصوصا نحو المحتاجين. مثلا، ربما يشعر رفيق مؤمن مسنّ بالوحدة ويحتاج الى زيارة تشجيعية. وقد تحتاج امّ متوحدة او اخت تعيش في بيت منقسم دينيا الى بعض المساعدة. ولعلّ شخصا مريضا او يواجه محنة ما يحتاج الى سماع كلمات لطيفة من فم صديق مخلص. (امثال ١٢:٢٥؛ ١٧:١٧) وعندما نأخذ المبادرة في اظهار اللطف بطرائق مماثلة، نُظهر ان محبتنا اصيلة. — ٢ كورنثوس ٨:٨.
١٠ كيف تساعدنا المحبة على تأييد الحق والتكلم به، حتى عندما لا يكون ذلك سهلا؟
١٠ «المحبة . . . تفرح بالحق». تذكر ترجمة اخرى: «المحبة . . . تؤيد جانب الحق بفرح». فالمحبة تدفعنا الى تأييد الحق ‹ومكالمة بعضنا بعضا بالحق›. (زكريا ٨:١٦، الترجمة العربية الجديدة) مثلا، اذا كان شخص نعزّه يرتكب خطأ خطيرا، تساعدنا المحبة ليهوه — وللشخص الخاطئ ايضا — على الالتزام بمقاييس اللّٰه بدلا من التستُّر على الخطإ او تبريره او حتى الكذب بشأنه. صحيح انه قد يكون صعبا تقبُّل حقيقة الوضع، لكننا نريد الخير لهذا الشخص الذي نعزّه، ونريد ان ينال تأديبا حبيًّا من اللّٰه وأن يتجاوب معه. (امثال ٣:١١، ١٢) وكمسيحيين محبّين، نرغب ايضا ان «نسلك حسنا في كل شيء». — عبرانيين ١٣:١٨.
١١ بما ان المحبة «تصبر على كل شيء»، فماذا يجب ان نسعى الى فعله بشأن تقصيرات الرفقاء المؤمنين؟
١١ «المحبة . . . تصبر على كل شيء». تنقل الترجمة التفسيرية هذه العبارة الى: «تستر كل شيء». وتذكر ١ بطرس ٤:٨: «المحبة تستر كثرة من الخطايا». نعم، فالمسيحي الذي توجِّهه المحبة لا يتحيَّن الفرص ليشهِّر كل نقائص وتقصيرات اخوته المسيحيين. فأخطاء الرفقاء المؤمنين في حالات كثيرة انما هي قليلة الشأن، ويمكن ان تُستَر بالمحبة. — امثال ١٠:١٢؛ ١٧:٩.
تدفعنا المحبة الى اظهار الثقة بإخوتنا
١٢ كيف اظهر الرسول بولس انه كان يصدّق احسن ما في فليمون، وماذا نتعلم من مثال بولس؟
١٢ «المحبة . . . تصدّق كل شيء». تقول ترجمة موفات ان المحبة «تواقة دائما الى تصديق الاحسن». وهكذا لا يستحوذ علينا الارتياب من الرفقاء المؤمنين، ولا نشك في كل دافع لديهم. كما ان المحبة تساعدنا على ‹تصديق احسن› ما في اخوتنا والوثوق بهم.a وإليك هذا المثال من رسالة بولس الى فليمون. كتب بولس هذه الرسالة ليشجّع فليمون على الترحيب بعودة العبد الهارب أونسيموس الذي صار مسيحيا. وبدلا من محاولة إجبار فليمون، وجَّه اليه بولس مناشدة على اساس المحبة. وقد عبَّر عن ثقته بأن فليمون سيفعل الشيء الصائب، اذ قال: «أكتب اليك، وأنا واثق بإطاعتك، عالم انك ستفعل ايضا اكثر مما اقول». (العدد ٢١) وهكذا عندما تدفعنا المحبة الى التعبير عن ثقة مماثلة بإخوتنا، نحثهم على اظهار احسن الصفات فيهم.
١٣ كيف نُظهر اننا نرجو الخير لإخوتنا؟
١٣ «المحبة . . . ترجو كل شيء». مثلما ان المحبة مفعمة بالثقة، كذلك هي ايضا مفعمة بالرجاء. فبدافع المحبة نرجو الخير لإخوتنا. على سبيل المثال، اذا «انسبق» اخ «وأُخذ في زلة ما»، نرجو ان يتجاوب مع الجهود الحبية المبذولة لإصلاحه. (غلاطية ٦:١) كما اننا نأمل ان يتنشط الضعفاء في الايمان. ونحن نصبر على هؤلاء، ونبذل قصارى جهدنا لمساعدتهم على الصيرورة اقوياء في الايمان. (روما ١٥:١؛ ١ تسالونيكي ٥:١٤) حتى لو ضلّ الشخص الذي نعزّه، لا نفقد الامل في ان يعود يوما ما الى رشده ويرجع الى يهوه، كما فعل الابن الضال في مثل يسوع. — لوقا ١٥:١٧، ١٨.
١٤ بأية طرائق يمكن ان يُمتحن احتمالنا ضمن الجماعة، وكيف نتجاوب اذا امتلكنا المحبة؟
١٤ «المحبة . . . تحتمل كل شيء». يمكّننا الاحتمال من الثبات في وجه الخيبات او المصاعب. ولا تنشأ امتحانات الاحتمال من خارج الجماعة فحسب، اذ قد يُمتحن احيانا احتمالنا حتى من داخل الجماعة. فبسبب النقص قد يخيِّب الاخوة املنا احيانا، كما عندما يوجَّه الينا كلام طائش يجرح مشاعرنا. (امثال ١٢:١٨) وربما لا تعالَج قضية جماعية بالشكل الذي نراه مناسبا. وقد نستاء من سلوك اخ محترم، وهذا ما يجعلنا نتساءل: ‹كيف يمكن لمسيحي ان يفعل هذا؟›. ولكن عندما نواجه حالات كهذه، هل ننسحب من الجماعة ونتوقف عن خدمة يهوه؟ لن نفعل ذلك اذا امتلكنا المحبة! نعم، فالمحبة تحُول دون ان تعمينا تقصيرات اخ بحيث لا نعود نرى ايّ خير فيه او في الجماعة ككل. والمحبة تمكّننا من البقاء امناء للّٰه ودعم الجماعة بصرف النظر عمّا قد يقوله او يفعله انسان ناقص آخر. — مزمور ١١٩:١٦٥.
ما ليست المحبة عليه
١٥ ما هي الغيرة غير اللائقة، وكيف تساعدنا المحبة على تحاشي هذا الشعور المدمّر؟
١٥ «المحبة لا تغار». يمكن للغيرة غير اللائقة ان تنمّي فينا حسدا للآخرين على ما لديهم من ممتلكات او امتيازات او قدرات. وهذه الغيرة هي شعور اناني مدمِّر يمكن ان يعكّر صفو السلام في الجماعة اذا لم يُضبط. فماذا يمكن ان يساعدنا لمقاومة ‹النزعة الى الحسد›؟ (يعقوب ٤:٥) الجواب بكلمة واحدة هو: المحبة. فيمكن لهذه الصفة الجميلة ان تجعلنا نفرح مع الذين ينعمون في الحياة بأمور لا نملكها نحن. (روما ١٢:١٥) وتساعدنا المحبة على عدم الشعور بالاستياء عندما يُمدح احد على موهبة فريدة لديه او على انجاز بارع قام به.
١٦ اذا كنا نحب اخوتنا فعلا، فلماذا ينبغي ان نتجنب التفاخر بما نفعله في خدمة يهوه؟
١٦ «المحبة . . . لا تتبجح، ولا تنتفخ». تمنعنا المحبة من التباهي بمواهبنا او انجازاتنا. فإذا كنا نحب اخوتنا فعلا، فهل يعقل ان نتبجح بشكل متواصل بنجاحنا او امتيازاتنا في الجماعة؟ ان هذا التفاخر يثبِّط الآخرين ويجعلهم يشعرون بأنهم ادنى. لكنَّ المحبة لا تسمح لنا ان نتبجح بما يدعنا اللّٰه نفعله في خدمته. (١ كورنثوس ٣:٥-٩) فالمحبة «لا تنتفخ»، او كما تذكر ترجمة العهد الجديد بالانكليزية العصرية، لا «تعزز الافكار التي تغالي في الشعور بأهميتها الذاتية». انها تمنعنا من تكوين نظرة متعالية الى انفسنا. — روما ١٢:٣.
١٧ كيف تدفعنا المحبة الى اظهار الاعتبار للآخرين، وهكذا ايّ نوع من السلوك نتجنبه؟
١٧ «المحبة . . . لا تتصرف بغير لياقة». الشخص الذي يتصرف بغير لياقة لا يعامل الآخرين بطريقة مهذبة بل مهينة. ولا ينمّ هذا التصرف عن محبة، لأن فيه تجاهلا صارخا لمشاعر الناس وخيرهم. أما المحبة فتتميز بكياسة تدفعنا الى اظهار الاعتبار للآخرين. وهي تحفز الى اتّباع آداب السلوك الجيد، والتصرف بطريقة يرضى عنها اللّٰه، واحترام رفقائنا المؤمنين. وهكذا لا تسمح لنا المحبة بأن ننهمك في ايّ ‹سلوك مخزٍ› يمكن ان يصدم اخوتنا المسيحيين او يسيء اليهم. — افسس ٥:٣، ٤.
١٨ لماذا لا يطالب الشخص المحب بأن يجري كل شيء كما يراه هو مناسبا؟
١٨ «المحبة . . . لا تطلب مصلحتها الخاصة». وتنقلها الترجمة القانونية المنقَّحة (بالانكليزية): «المحبة لا تصرّ على فعل الامور على طريقتها». فالشخص المحب لا يطالب بأن يجري كل شيء كما يراه هو مناسبا، كما لو ان آراءه صحيحة دائما. وهو لا يحاول التأثير في الآخرين بحيث يستعمل قوى الاقناع لديه ليجعل مَن يملك رأيا مخالفا يذعن له اخيرا. فهذا العناد دليل على وجود بعض الكبرياء، والكتاب المقدس يقول: «قبل الكسر الكبرياء». (امثال ١٦:١٨) فإذا كنا نحب اخوتنا، نحترم آراءهم، كما اننا نُبدي حيثما امكن استعدادا لإظهار اللِّين. وهذه الروح تنسجم مع كلمات بولس الذي قال: «لا يعكف احد على طلب منفعة نفسه، بل منفعة غيره». — ١ كورنثوس ١٠:٢٤.
١٩ كيف تساعدنا المحبة على التجاوب عندما يسيء الينا الآخرون؟
١٩ «المحبة . . . لا تحتد . . .، لا تحفظ حسابا بالاذية». لا تحتد المحبة بسهولة بسبب ما يقوله او يفعله الآخرون. ومع انه من الطبيعي ان نتضايق عندما يسيء الينا الآخرون، تمنعنا المحبة من البقاء ثائرين غيظا حتى لو كان غضبنا مبررا. (افسس ٤:٢٦، ٢٧) ونحن لا نحفظ سجلا بالكلمات او الافعال التي جرحتنا، كما لو اننا ندوّنها على دفتر محاسبة كيلا ننساها، بل تدفعنا المحبة الى التمثل بإلهنا المحب. فكما رأينا في الفصل ٢٦، يغفر يهوه عندما يوجد سبب وجيه لذلك. وهو ينسى عندما يغفر لنا، اي انه لا يعود ويثير هذه الخطايا ضدنا في المستقبل. أوَلسنا شاكرين على ان يهوه لا يحفظ حسابا بالاذية؟!
٢٠ كيف ينبغي ان نتجاوب اذا وقع رفيق مؤمن في شرك خطإ ما وعانى الامرَّين بسبب ذلك؟
٢٠ «المحبة . . . لا تفرح بالاثم». وينقلها الكتاب المقدس الانكليزي الجديد: «المحبة . . . لا تشمت عندما يرتكب الآخرون خطايا». وتذكر ترجمة موفات (بالانكليزية): «المحبة لا تسرّ ابدا حين يخطئ الآخرون». لا تبتهج المحبة بأيّ عمل اثيم، لذلك نحن لا نغمض اعيننا عن الفساد الادبي مهما كان نوعه. ولكن كيف نتجاوب اذا وقع رفيق مؤمن في شرك الخطية وعانى الامرَّين بسبب ذلك؟ تمنعنا المحبة من ان نفرح، كما لو اننا نقول: ‹انه يستأهل ذلك!›. (امثال ١٧:٥) ونحن نفرح عندما يتخذ اخ ضال خطوات ايجابية ليتعافى روحيا.
‹طريق افضل جدا›
٢١-٢٣ (أ) ماذا قصد بولس عندما قال ان «المحبة لا تفنى ابدا»؟ (ب) ماذا سيعالَج في الفصل الاخير؟
٢١ «المحبة لا تفنى ابدا». ماذا قصد بولس بهذه الكلمات؟ يُرى من القرينة انه كان يناقش مواهب الروح التي كانت عند المسيحيين الاولين. وكانت هذه المواهب دلائل على ان اللّٰه مع الجماعة المشكَّلة حديثا. لم يكن بإمكان جميع المسيحيين ان يَشفوا او يتنبأوا او يتكلموا بألسنة. ولكن ليس ذلك بمهم، فالمواهب العجائبية ستنتهي في آخر الامر. ولن يبقى سوى شيء واحد، شيء يستطيع كل مسيحي ان ينميه. وهذا الشيء اهم — ويدوم اطول — من اية موهبة عجائبية. حتى ان بولس دعاه «طريقا افضل جدا». (١ كورنثوس ١٢:٣١) فما هو هذا ‹الطريق الافضل جدا›؟ انه طريق المحبة.
يُعرف شعب يهوه بمحبتهم واحدهم للآخر
٢٢ نعم، ان المحبة المسيحية التي وصفها بولس «لا تفنى ابدا». فحتى هذا اليوم، لا تزال المحبة الاخوية الى حد التضحية بالذات تحدد هوية أتباع يسوع الحقيقيين. أوَلا نرى براهين على وجود هذه المحبة في جماعات عبّاد يهوه حول العالم؟! ان هذه المحبة سوف تدوم الى الابد، لأن يهوه يعد خدامه الامناء بحياة ابدية. (مزمور ٣٧:٩-١١، ٢٩) فلنستمر في بذل قصارى جهدنا ‹لنواصل السير في المحبة›. وهكذا نشعر بسعادة اكبر تأتي من العطاء. والاهم من ذلك هو اننا سنستمر في العيش — وسنستمر في اظهار المحبة — مدى الابدية، تمثلا بإلهنا المحب يهوه.
٢٣ هذا الفصل هو الاخير ضمن القسم المتعلق بصفة المحبة، وقد ناقشنا فيه كيف نُظهر المحبة واحدنا للآخر. ولكن نظرا الى الطرائق الكثيرة التي نستفيد بها من محبة يهوه — وأيضا من قدرته وعدله وحكمته — يحسن بنا ان نسأل انفسنا: ‹كيف أُظهر ليهوه اني احبه فعلا؟›. سيعالَج هذا السؤال في الفصل الاخير.
-