-
نبيٌّ للّٰه يحمل نورا الى الجنس البشرينبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل الاول
نبيٌّ للّٰه يحمل نورا الى الجنس البشري
١، ٢ اية احوال نشهدها اليوم تجعل كثيرين يقلقون بشدة؟
نحن نعيش في عصر يبدو فيه الانسان قادرا على تحقيق كل شيء تقريبا. فالرحلات الفضائية وتكنولوجيا الكمپيوتر والهندسة الوراثية وغيرها من الابتكارات العلمية اتاحت للجنس البشري امكانيات جديدة، حاملةً معها الامل بحياة افضل، وربما بحياة اطول ايضا.
٢ ولكن هل تمكّنتم بفضل كل هذا التقدُّم من الاستغناء عن أقفال الابواب؟ هل قضى هذا التقدُّم على خطر الحرب؟ هل اوجد علاجا للامراض او محا الحزن على موت شخص عزيز؟ كلا! فالتقدُّم البشري محدود رغم الاشواط التي قطعها. يذكر تقرير لمعهد وورلد واتش: ‹لقد عرفنا كيف نذهب الى القمر، نصنع رقائق سليكون اقوى فأقوى، ونزرع مورِّثات بشرية. لكننا لم نتمكن حتى الآن من توفير المياه النظيفة لبليون شخص، من إبطاء انقراض آلاف الانواع، او من سدّ حاجاتنا الى الطاقة دون تهديد الغلاف الجوي›. فلا عجب ان ينظر كثيرون بقلق الى المستقبل، غير عارفين الى اين يلجأون ليجدوا التعزية والرجاء.
٣ اية حالة وُجدت في يهوذا في القرن الثامن قبل الميلاد؟
٣ ان الوضع الذي نواجهه اليوم مماثل لوضع شعب اللّٰه في القرن الثامن قبل الميلاد. في ذلك الوقت، فوَّض اللّٰه الى خادمه اشعيا ان يحمل رسالة تعزية الى سكان يهوذا، وكم كانوا بحاجة اليها! فقد هزَّت الامة احداث عنيفة. وكانت الامبراطورية الاشورية الوحشية ستشكّل قريبا خطرا على الارض، ملقية الرعب في قلوب كثيرين. فإلى اين يلجأ شعب اللّٰه ليخلصوا؟ لقد كانوا يدّعون ان يهوه الههم، لكنهم فضَّلوا الوثوق بالبشر. — ٢ ملوك ١٦:٧؛ ١٨:٢١.
نور يشرق في الظلمة
٤ اية رسالة مزدوجة فُوِّض الى اشعيا اعلانها؟
٤ بسبب تمرُّد يهوذا، كانت اورشليم ستدمَّر وسكان يهوذا سيُسبَون الى بابل. نعم، كانت اوقات مظلمة آتية. وقد فوَّض يهوه الى نبيه اشعيا ان ينبئ بحلول هذه الفترة الكئيبة، لكنه امره ايضا بإعلان بشارة. فبعد ٧٠ سنة من السبي، كان اليهود سيُحرَّرون من بابل! وكانت بقية فرحانة ستعود الى صهيون وتتمتع بامتياز رد العبادة الحقة هناك. وبهذه الرسالة السعيدة جعل يهوه نورا يشرق في الظلمة بواسطة نبيه.
٥ لماذا بكَّر يهوه الى هذا الحد في كشف مقاصده؟
٥ لم تُخرب يهوذا الا بعد مرور اكثر من قرن على تسجيل اشعيا لنبواته. فلماذا بكَّر يهوه الى هذا الحد في الكشف عن مقاصده؟ ألن يكون الاشخاص الذين سمعوا اعلانات اشعيا امواتا قبل وقت طويل من اتمام النبوات؟ هذا صحيح. ولكن بفضل الامور التي كشفها يهوه لإشعيا، صار في حوزة العائشين في زمن دمار اورشليم سنة ٦٠٧ قم سجل خطي لرسائل اشعيا النبوية. وكان هذا السجل دليلا لا يُدحض على ان يهوه «مخبر منذ البدء بالاخير ومنذ القديم بما لم يُفعل». — اشعياء ٤٦:١٠؛ ٥٥:١٠، ١١.
٦ ما هي بعض الطرائق التي يتفوَّق بها يهوه على كل المتكهِّنين البشر؟
٦ لا يحق الا ليهوه ان يتفوَّه بهذه الكلمات. صحيح ان الانسان قد يتمكن من توقع ما سيحصل في المستقبل القريب على اساس فهمه للجو السياسي او الاجتماعي السائد في زمنه. لكنَّ يهوه وحده هو القادر ان يعرف مسبقا، وبيقين تام، ماذا سيحدث في ايّ لحظة من الزمن، حتى في المستقبل البعيد. وهو قادر ايضا على منح خدامه القدرة على الإنباء بالحوادث قبل وقوعها بزمن طويل. يذكر الكتاب المقدس: «ان السيد الرب لا يصنع امرا إلا وهو يعلن سرَّه لعبيده الانبياء». — عاموس ٣:٧.
كم «اشعيا» وُجد؟
٧ كيف شكَّ علماء كثيرون في هوية كاتب سفر اشعياء، ولماذا؟
٧ النبوة هي احدى المسائل التي جعلت علماء كثيرين يشكّون في هوية كاتب سفر اشعياء. فهؤلاء النقاد يصرّون على القول ان الجزء الاخير من السفر كتبه دون شك شخص عاش في القرن السادس قبل الميلاد، إما خلال السبي البابلي او بعده. ويقولون ان نبوات خراب يهوذا كُتبت بعد إتمامها، ولذلك فهي ليست في الحقيقة نبوات. ويذكر هؤلاء النقاد ايضا ان سفر اشعياء يتحدث بعد الاصحاح ٤٠ عن بابل كما لو انها هي الدولة المسيطرة في ذلك الوقت، وكما لو ان الاسرائيليين هم مسبيون هناك. لذلك يستنتجون ان مَن كتب الجزء الاخير من سفر اشعياء كتبه دون شك خلال تلك الحقبة، اي في القرن السادس قبل الميلاد. فهل يوجد اساس متين لهذا الاستنتاج؟ لا يوجد البتة!
٨ متى بدأت الشكوك في هوية كاتب سفر اشعياء، وكيف انتشرت؟
٨ لم تبدإ الشكوك في هوية كاتب سفر اشعياء إلا في القرن الـ ١٢ بم. وكان ذلك على لسان المعلق اليهودي ابراهيم بن عزرا. تقول دائرة المعارف اليهودية (بالانكليزية) ان ابراهيم بن عزرا، «في تعليقه على سفر اشعياء، يقول ان النصف الثاني، الذي يبتدئ بالاصحاح ٤٠، هو نتاج نبي عاش خلال السبي البابلي ومستهل فترة العودة الى صهيون». وفي القرنين الـ ١٨ والـ ١٩، تبنّى افكار ابن عزرا عددٌ من العلماء، بمن فيهم يوهان كريستوف دودرْلاين، لاهوتي ألماني نشر تفسيره لسفر اشعياء سنة ١٧٧٥، بطبعة ثانية سنة ١٧٨٩. يذكر تعليق القرن الجديد على الكتاب المقدس (بالانكليزية): «ان جميع العلماء، باستثناء العلماء المحافظين جدا، يوافقون اليوم على الفرضية التي وضعها دودرْلاين . . . التي تقول ان النبوات الموجودة في الاصحاحات ٤٠-٦٦ من سفر اشعياء لم يكتبها النبي اشعيا الذي عاش في القرن الثامن بل يعود تاريخها الى زمن لاحق».
٩ (أ) اي تقطيع خضع له سفر اشعياء؟ (ب) كيف يختصر احد المعلّقين على الكتاب المقدس الجدال الدائر حول هوية كاتب سفر اشعياء؟
٩ لكنَّ الشكوك في هوية كاتب سفر اشعياء لم تتوقف عند هذا الحد. فالنظرية المتعلقة بإشعيا ثانٍ ادت الى نشوء فكرة وجود اشعيا ثالث.a ثم تواصل تقطيع سفر اشعياء حتى ان احد العلماء نسب الاصحاحين ١٥ و ١٦ الى نبي غير معروف، فيما شكك عالم آخر في هوية كاتب الاصحاحات ٢٣ الى ٢٧. ويقول آخر ان اشعيا لا يمكن ان يكون قد كتب الكلمات الموجودة في الاصحاحين ٣٤ و ٣٥. ولماذا؟ لأن المواد فيهما مشابهة جدا للمواد الموجودة في الاصحاحات ٤٠ الى ٦٦ المنسوبة اصلا الى شخص غير اشعيا القرن الثامن! واختصر تشارلز ك. توري، احد المعلّقين على الكتاب المقدس، نتيجة هذه التحليلات بالقول: «لقد انخفض شأن ‹نبي السبي› العظيم هذا وصار مجرد شخصية وضيعة اختفت تحت كومة الاجزاء التي قُسِّم اليها سفره». ولكن لا يوافق جميع العلماء على هذا التقطيع لسفر اشعياء.
ادلة على وجود كاتب واحد
١٠ اعطوا مثالا لاستعمال نفس العبارات في سفر اشعياء مما يدل على ان له كاتبا واحدا.
١٠ هنالك سبب وجيه للجزم ان سفر اشعياء كتبه شخص واحد. وأحد الادلة يتعلق باستعمال نفس التعابير. مثلا، ترد عبارة «قدوس اسرائيل» ١٢ مرة في اشعياء الاصحاحات ١ الى ٣٩ و ١٣ مرة في اشعياء الاصحاحات ٤٠ الى ٦٦، في حين لا يظهر هذا الوصف ليهوه إلا ٦ مرات في بقية الاسفار العبرانية. ان تكرُّر استعمال هذا التعبير الذي لا يرد الا قليلا خارج سفر اشعياء يؤيِّد فكرة وجود كاتب واحد لهذا السفر.
١١ اية تشابهات توجد بين الاصحاحات ١ الى ٣٩ والاصحاحات ٤٠ الى ٦٦ من سفر اشعياء؟
١١ وهنالك تشابهات اخرى بين اشعياء الاصحاحات ١ الى ٣٩ والاصحاحات ٤٠ الى ٦٦. فكلا الجزءين تتكرر فيهما نفس الاستعارات المميزة، مثل المرأة التي تمخض والحديث عن «سكة» او «طريق».b وتتكرر الاشارة ايضا الى «صهيون»، وهي كلمة تُستخدم ٢٩ مرة في الاصحاحات ١ الى ٣٩ و ١٨ مرة في الاصحاحات ٤٠ الى ٦٦. وفي الواقع، تردُ صهيون في سفر اشعياء اكثر من ايّ سفر آخر! ان هذه البراهين، كما تذكر دائرة معارف الكتاب المقدس القانونية الاممية (بالانكليزية)، «تدمغ السفر بطابع فريد يصعب تفسيره» لو كان السفر قد كُتب على يد شخصين او ثلاثة او اكثر.
١٢، ١٣ كيف تشير الاسفار اليونانية المسيحية الى ان سفر اشعياء هو نتاج كاتب واحد؟
١٢ والدليل الدامغ على ان سفر اشعياء له كاتب واحد نجده في الاسفار اليونانية المسيحية الموحى بها. فهي تشير بوضوح الى ان المسيحيين في القرن الاول اعتبروا سفر اشعياء نتاج كاتب واحد. مثلا، يتحدث لوقا عن مسؤول حبشي كان يقرأ آيات نجدها اليوم في اشعياء الاصحاح ٥٣، الذي ينسبه النقاد العصريون الى اشعيا الثاني. لكنَّ لوقا يقول ان الحبشي كان «يقرأ النبي إشعيا بصوت عال». — اعمال ٨:٢٦-٢٨.
١٣ تأملوا ايضا في متى كاتب الانجيل، الذي اوضح كيف تممت خدمة يوحنا المعمدان الكلمات النبوية التي نجدها اليوم في اشعياء ٤٠:٣. وإلى مَن ينسب متى هذه النبوة؟ أإلى اشعيا ثانٍ غير معروف؟ كلا، بل يقول ان الكاتب هو «اشعيا النبي».c (متى ٣:١-٣) وفي مناسبة اخرى، قرأ يسوع من درجٍ الكلمات التي نجدها اليوم في اشعياء ٦١:١، ٢. يذكر لوقا عند سرده هذه الرواية: «فأُعطي درج النبي اشعيا». (لوقا ٤:١٧) وفي الرسالة الى اهل روما، يشير بولس الى الجزءين الاول والاخير من سفر اشعياء، لكنه لا يلمّح مطلقا الى ان الكاتب ليس الشخص نفسه — اشعيا. (روما ١٠:١٦، ٢٠؛ ١٥:١٢) فمن الواضح ان المسيحيين في القرن الاول لم يعتبروا سفر اشعياء نتاج كاتبين او ثلاثة او اكثر.
١٤ كيف تلقي ادراج البحر الميت الضوء على مسألة هوية كاتب سفر اشعياء؟
١٤ تأملوا ايضا في شهادة ادراج البحر الميت، وهي وثائق قديمة يعود تاريخ العديد منها الى ما قبل زمن يسوع. هنالك مخطوطة لسفر اشعياء تُعرف باسم درج اشعيا، ويعود تاريخها الى القرن الثاني قبل الميلاد. وهذه المخطوطة تدحض ادّعاءات النقاد ان اشعيا ثانيا أكمل كتابة السفر من اصحاحه الـ ٤٠. كيف؟ في هذه الوثيقة القديمة، يبدأ ما نعتبره اليوم الاصحاح ٤٠ عند السطر الاخير لأحد الاعمدة، وتُكمَّل الجملة الافتتاحية في العمود التالي. فمن الواضح ان الناسخ لم يسمع بأن الكاتب تغيَّر عند هذه النقطة او ان قسما آخر للسفر يبدأ من هناك.
١٥ ماذا قال المؤرخ اليهودي فلاڤيوس يوسيفوس، الذي عاش في القرن الاول، عن نبوات اشعيا المتعلقة بكورش؟
١٥ تأملوا اخيرا في شهادة المؤرخ اليهودي فلاڤيوس يوسيفوس الذي عاش في القرن الاول. فبالاضافة الى قوله ان النبوات في سفر اشعياء المتعلقة بكورش كُتبت في القرن الثامن قبل الميلاد، يقول ايضا ان كورش كان عالما بأمر هذه النبوات. «كان كورش يعرف هذه الامور»، كما يكتب يوسيفوس، «من قراءته لسفر النبوة الذي تركه اشعيا قبل مئتين وعشر سنوات». وبحسب ما قال يوسيفوس، ربما ساهم اطّلاع كورش على هذه النبوات في إعادته اليهود الى ارضهم، لأن يوسيفوس يكتب ان كورش «استولت عليه رغبة قوية وتوق عارم الى تنفيذ ما كان مكتوبا». — العاديات اليهودية، الجزء ١١، الفصل ١، الفقرة ٢ (بالانكليزية).
١٦ ماذا يمكن القول عن زعم النقاد ان بابل توصف في الجزء الاخير من سفر اشعياء بأنها الدولة المسيطرة؟
١٦ كما ذُكر سابقا، يشير نقاد كثيرون الى انه من اشعياء الاصحاح ٤٠ فصاعدا، توصف بابل بأنها الدولة المسيطرة ويقال عن الاسرائيليين انهم مسبيون. أفلا يدل ذلك ان الكاتب عاش في القرن السادس قبل الميلاد؟ ليس بالضرورة. فحتى قبل الاصحاح ٤٠ من سفر اشعياء يشار الى بابل احيانا بأنها الدولة العالمية المسيطرة. مثلا، تدعى بابل في اشعياء ١٣:١٩ «بهاء الممالك»، او كما تنقلها الترجمة الانكليزية الحديثة، «اجمل مملكة بين كل الممالك». من الواضح ان هذه الكلمات نبوية، لأن بابل لم تصر دولة عالمية الا بعد اكثر من قرن. وقد «حلّ» احد النقاد هذه المشكلة المزعومة بالقول ببساطة ان اشعياء الاصحاح ١٣ هو من نتاج كاتب آخر. أما الحقيقة فهي انه من الشائع في نبوة الكتاب المقدس التكلم عن احداث مستقبلية كما لو انها حصلت. والقصد من هذا الاسلوب الادبي هو التأكيد على ان النبوة ستتم. (كشف ٢١:٥، ٦) حقا، لا احد سوى اله النبوة الحقيقية يمكنه القول: «الحديثات انا مخبر بها. قبل ان تنبت اعلِمكم بها». — اشعياء ٤٢:٩.
سفر بنبوة موثوق بها
١٧ كيف يمكن تفسير التغيُّر في الاسلوب من اشعياء الاصحاح ٤٠ فصاعدا؟
١٧ الى ايّ استنتاج تشير هذه الادلة اذًا؟ الى ان سفر اشعياء هو نتاج كاتب ملهم واحد. وعلى مرِّ القرون، تناقلت الاجيال هذا السفر بكامله على انه اثر ادبي واحد لا اثنان او اكثر. صحيح كما يقول البعض ان اسلوب سفر اشعياء يتغير بعض الشيء من الاصحاح ٤٠ فصاعدا. ولكن تذكروا ان اشعيا خدم نبيًّا للّٰه فترةً لا تقل عن ٤٦ سنة. ومن المتوقع خلال هذه الفترة ان يتغير مضمون رسالته ويتغير معها اسلوبه في التعبير. ولم يكن تفويض اشعيا من اللّٰه ان ينقل فقط تحذيرات قوية من الدينونة. فقد نقل ايضا كلمات يهوه: «عزوا عزوا شعبي». (اشعياء ٤٠:١) وكان شعب عهد اللّٰه سيتعزّون فعلا بوعده بأن اليهود سيعودون الى ارضهم بعد ٧٠ سنة من السبي.
١٨ ايّ محور في سفر اشعياء سيناقَش في هذه المطبوعة؟
١٨ يدور الكثير من اصحاحات سفر اشعياء، التي تُناقش في هذا الكتاب، حول محور تحرير اليهود من الاسر البابلي.d وسنرى ان عددا من هذه النبوات له اتمام عصري. ونجد ايضا في سفر اشعياء نبوات مثيرة تمَّت في حياة وموت ابن اللّٰه المولود الوحيد. ولا شك ان درس النبوات المهمة في سفر اشعياء يفيد خدام اللّٰه وغيرهم حول العالم. فهذه النبوات هي فعلا نور لكل الجنس البشري.
-
-
كلمات نبوية معزِّية تشملكم انتمنبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل الثاني
كلمات نبوية معزِّية تشملكم انتم
١ لماذا ينبغي ان تهمَّنا نبوة اشعيا؟
مع ان اشعيا كتب السفر الذي يحمل اسمه قبل نحو ٠٠٠,٣ سنة، تبقى قيمته كبيرة بالنسبة الينا اليوم. فيمكن ان نتعلم مبادئ اساسية من الاحداث التاريخية التي سجَّلها. ويمكن ان نبني ايماننا من خلال درس النبوات التي دوَّنها باسم يهوه. نعم، كان اشعيا نبيًّا للاله الحي. وقد اوحى اليه يهوه ان يسجِّل التاريخ مسبقا، اي ان يروي احداثا قبل ان تقع. وهكذا اظهر يهوه انه قادر على الإنباء بالمستقبل وعلى التأثير في تطوُّراته ايضا. وبعد درس سفر اشعياء، يصير عند المسيحيين الحقيقيين اقتناع بأن يهوه سيتمم كل ما وعد به.
٢ كيف كان الوضع في اورشليم حين سجَّل اشعيا سفره النبوي، وأيّ تغيير كان سيحصل؟
٢ في الوقت الذي اكمل فيه اشعيا كتابة نبوته، كانت اورشليم قد نجت من الخطر الاشوري. وكان الهيكل لا يزال قائما، والشعب يعيشون حياتهم العادية كما كانوا يفعلون طوال مئات السنين. لكنَّ الوضع كان سيتغيَّر. فسيأتي وقت تُحمل فيه ثروة الملوك اليهود الى بابل ويصير شبان يهود خصيانا في تلك المدينة.a (اشعياء ٣٩:٦، ٧) وسيحدث هذا بعد اكثر من ١٠٠ سنة. — ٢ ملوك ٢٤:١٢-١٧؛ دانيال ١:١٩.
٣ اية رسالة نجدها في اشعيا الاصحاح ٤١؟
٣ لكنَّ الرسالة الالهية التي اعلنها اشعيا ليست رسالة دينونة فقط. فالاصحاح ٤٠ من سفره يُستهل بكلمة «عزُّوا».b فكان اليهود سيتعزَّون بالوعد المطمئن انهم سيتمكنون هم او اولادهم من العودة الى ارضهم. ويتابع الاصحاح ٤١ هذه الرسالة المعزِّية وينبئ بأن يهوه سيقيم ملكا قويا يتمِّم المشيئة الالهية. وهو يتضمن وعودا مطمئنة ويشجّع على الاتكال على اللّٰه. ويشهِّر ايضا عجز الآلهة الباطلة التي يتكل عليها الامم. كل هذه الامور تقوِّي الايمان الى حد بعيد، سواء في ايام اشعيا او في ايامنا.
يهوه يتحدى الامم
٤ بأية كلمات يتحدى يهوه الامم؟
٤ يقول يهوه بواسطة نبيه: «انصتي اليَّ ايتها الجزائر ولتجدِّد القبائل قوة. ليقتربوا ثم يتكلموا. لنتقدم معا الى المحاكمة». (اشعياء ٤١:١) بهذه الكلمات يتحدى يهوه الامم التي تقاوم شعبه. فلتمثُل امامه ولتستعدَّ للكلام! وكما سنرى لاحقا، يأمر يهوه، كما لو انه قاضٍ في محكمة، ان تزوّد هذه الامم الدليل على ان اصنامها هي آلهة فعلا. فهل بإمكان هذه الآلهة ان تنبئ مسبقا بما ستفعله لتخلّص عبَّادها او لتدين اعداءهم؟ وإذا تمكنت من ذلك، فهل بإمكانها ان تتمِّم هذه النبوات؟ الجواب هو لا. فيهوه وحده قادر على ذلك.
٥ اوضحوا كيف يكون لنبوات اشعيا اكثر من اتمام واحد.
٥ فيما نتأمل في نبوة اشعيا، لنتذكر ان لكلماته اكثر من اتمام واحد، كما هي الحال مع نبوات كثيرة في الكتاب المقدس. في سنة ٦٠٧ قم ستمضي يهوذا الى السبي في بابل. لكنَّ نبوة اشعيا تكشف ان يهوه سينقذ الاسرائيليين المأسورين هناك. وهذا ما يحدث سنة ٥٣٧ قم. وقد كان لهذا الاطلاق ما يناظره في اوائل القرن العشرين. فخلال الحرب العالمية الاولى، مرَّ خدام يهوه الممسوحون على الارض بفترة ضيق. وفي سنة ١٩١٨، توقَّف تقريبا عمل الكرازة المنظم بالبشارة نتيجة ضغوط من عالم الشيطان، وذلك بتحريض من العالم المسيحي الذي هو جزء بارز من بابل العظيمة. (كشف ١١:٥-١٠) وسُجن بعض المسؤولين في جمعية برج المراقبة بتهم باطلة. وهكذا بدا ان العالم انتصر في حربه على خدام اللّٰه. ولكن، بشكل غير متوقع، حرَّرهم يهوه كما في سنة ٥٣٧ قم. ففي سنة ١٩١٩ أُطلق سراح المسؤولين المسجونين، وأُسقطت لاحقا التهم الموجهة اليهم. وفي ايلول (سبتمبر) ١٩١٩ عُقد محفل في سيدر پوينت، أوهايو، اعاد تشجيع خدام يهوه على استئناف عمل الكرازة ببشارة الملكوت. (كشف ١١:١١، ١٢) ومن ذلك الحين حتى هذا الوقت، توسَّع هذا العمل الكرازي بشكل ملحوظ. وبالاضافة الى ذلك، سيشهد الكثير من كلمات اشعيا اتماما رائعا في الارض الفردوسية المقبلة. وهذا ما يجعل كلمات اشعيا القديمة تشمل كل الامم والشعوب الموجودة اليوم.
منقذ يُدعى
٦ كيف يصف النبي غازيا مستقبليا؟
٦ ينبئ يهوه بواسطة اشعيا ان غازيا سينقذ شعب اللّٰه من بابل ويدين اعداءهم ايضا. يسأل يهوه: «مَن الذي أنهض من المشرق ذاك الذي دعاه البر ليتبعه وجعل الامم بين يديه وأخضع له الملوك وسيفه جعلهم كالتراب وقوسه كالتبن المذرَّى؟ يطاردهم ويعبر سالما في سبيل لم يسلكه بقدميه. مَن الذي فعل وصنع؟ الداعي الاجيال من البدء. انا الرب، انا الاول ومع الآخِرين انا هو». — اشعيا ٤١:٢-٤، يج.
٧ مَن هو الغازي القادم، وماذا يفعل؟
٧ مَن الذي سيُنهَض من المشرق؟ تقع بلاد مادي وفارس وعيلام في شرق بابل. ومن هناك يزحف كورش الفارسي مع جيوشه الجبارة. (اشعياء ٤١:٢٥؛ ٤٤:٢٨؛ ٤٥:١-٤، ١٣؛ ٤٦:١١) ومع ان كورش لا يعبد يهوه، فهو يتصرف بشكل ينسجم مع مشيئة يهوه، الاله البار. ويُخضِع كورش ملوكا، ويتبدَّد هؤلاء امامه كالتراب، او الغبار، في الهواء. وفيما يواصل غزوه، يعبر «سالما» في سبل نادرا ما تطأها قدم، متغلبا على كل العوائق. وفي سنة ٥٣٩ قم، يصل كورش الى مدينة بابل الجبارة ويقلبها. ونتيجةً لذلك يُطلق سراح شعب اللّٰه لكي يرجعوا الى اورشليم ويعيدوا تأسيس العبادة النقية. — عزرا ١:١-٧.c
٨ ماذا يمكن ليهوه وحده ان يفعله؟
٨ وهكذا ينبئ يهوه، بواسطة اشعيا، عن قيام كورش قبل زمن طويل من ولادة هذا الملك. والاله الحقيقي وحده هو القادر على التنبؤ بأمر كهذا بدقة. فلا احد يضاهي يهوه بين آلهة الامم الباطلة. لهذا السبب يذكر يهوه: «مجدي لا اعطيه لآخر». ولا احد غير يهوه يمكنه ان يقول بحق: «انا الاول وأنا الآخِر ولا اله غيري». — اشعياء ٤٢:٨؛ ٤٤:٦، ٧.
الشعوب الخائفة تتكل على الاصنام
٩-١١ ما هو رد فعل الامم لزحف كورش؟
٩ يصف اشعيا الآن رد فعل الامم لهجوم هذا الغازي المستقبلي: «نظرت الجزائر فخافت. اطراف الارض ارتعدت. اقتربت وجاءت. كل واحد يساعد صاحبه ويقول لأخيه تشدَّد. فشدَّد النجارُ الصائغَ. الصاقلُ بالمطرقة الضاربَ على السندان قائلا عن الإلحام هو جيد. فمكَّنه بمسامير حتى لا يتقلقل». — اشعياء ٤١:٥-٧.
١٠ يتفحص يهوه مشهد العالم كما سيكون عليه بعد ٢٠٠ سنة تقريبا. فالجيوش الجبارة بقيادة كورش تزحف بسرعة، منزلة الهزيمة بكل مَن يقف في طريقها. وكل الشعوب — حتى سكان الجزر، اي العائشون في الاماكن النائية — يرتعدون من اقترابه. وبسبب خوفهم يتَّحدون لمقاومة ذاك الذي دعاه يهوه من المشرق لينفّذ الاحكام. ويحاولون تشجيع واحدهم الآخر بالقول: «تشدَّد».
١١ يتعاون الحرفيون على صنع آلهة صنمية تنقذ الشعب. فيقوم النجار بصنع هيكل خشبي، ثم يشجّع الصائغَ ان يغشِّيه بمعدن، ربما الذهب. ثم يطرق نحّاتٌ المعدن ليصقله، ويوافق على الإلحام المنجَز. وربما يقال بأسلوب تهكمي انه يُمكَّن بمسامير كيلا يتقلقل او كي يبدو متينا، ولا يلاقي مصير تمثال داجون الذي سقط امام تابوت يهوه. — ١ صموئيل ٥:٤.
لا تخافوا!
١٢ ايّ وعد مطمئن يعطيه يهوه لإسرائيل؟
١٢ يحوّل يهوه انتباهه الآن الى شعبه. فلا داعي ان يخاف المتكلون على الاله الحقيقي كالامم التي تتكل على الاصنام الجامدة. ويبدأ وعد يهوه المطمئن بالتذكير ان اسرائيل هي نسل خليله وصديقه ابراهيم. وهنا ينقل اشعيا كلمات يهوه المفعمة بالحنان: «أما انت يا اسرائيل عبدي يا يعقوب الذي اخترته نسل ابراهيم خليلي الذي امسكته من اطراف الارض ومن اقطارها دعوته وقلت لك انت عبدي اخترتك ولم ارفضك لا تخف لأني معك. لا تتلفَّت لأني الهك. قد ايدتك وأعنتك وعضدتك [«اشدِّدك وأعينك وأعضدك»، تف] بيمين بري». — اشعياء ٤١:٨-١٠.
١٣ لماذا ستكون كلمات يهوه مصدر تعزية لليهود الاسرى؟
١٣ كم ستكون هذه الكلمات معزِّية لليهود الامناء المأسورين في ارض غريبة! وكم سيتشجعون حين يسمعون يهوه يدعوهم «عبدي» اذ يكونون مسبيين ويخدمون ملك بابل كعبيد! (٢ أخبار الايام ٣٦:٢٠) ومع ان يهوه سيؤدبهم بسبب عدم امانتهم، فهو لن يرفضهم. فإسرائيل مُلك ليهوه لا لبابل. وهكذا لا داعي الى ان يرتعد خدام اللّٰه عندما يقترب كورش الغازي. فيهوه سيكون مع شعبه ليعينهم.
١٤ كيف يتعزَّى شعب اللّٰه اليوم بكلمات يهوه الى اسرائيل؟
١٤ على مرّ السنين وحتى ايامنا هذه تُعزِّي وتقوِّي هذه الكلمات خدام اللّٰه. ففي سنة ١٩١٨ ارادوا من كل قلبهم ان يعرفوا مشيئة يهوه من اجلهم. وكانوا يتوقون الى الانقاذ من حالة الاسر الروحي التي يعيشونها. واليوم ايضا نتوق الى الراحة من الضغوط التي يسبِّبها الشيطان، العالم، وحالة نقصنا. لكننا ندرك ان يهوه هو الذي يحدِّد بدقة متى وكيف سيتدخل من اجل شعبه. وكالاولاد الصغار، نمسك بيده القوية ونحن على ثقة بأنه سيساعدنا. (مزمور ٦٣:٧، ٨) ويهوه يعزّ الذين يخدمونه. وهو يدعمنا اليوم كما دعم شعبه خلال الفترة الصعبة في السنتين ١٩١٨-١٩١٩ وكما دعم الاسرائيليين الامناء قبل زمن طويل.
١٥، ١٦ (أ) ماذا سيحل بأعداء اسرائيل، وكيف تكون اسرائيل مثل دودة؟ (ب) اي هجوم وشيك يجعل كلمات يهوه مشجعة خصوصا في هذه الايام؟
١٥ تأملوا الآن في ما يقوله يهوه بواسطة اشعيا: «سيخزى ويخجل جميع المغتاظين عليك. يكون كلا شيء مخاصموك ويبيدون. تفتش على منازعيك ولا تجدهم. يكون محاربوك كلا شيء وكالعدم. لأني انا الرب الهك الممسك بيمينك القائل لك لا تخف انا اعينك. لا تخف يا دودة يعقوب يا شرذمة اسرائيل انا اعينك يقول الرب وفاديك قدوس اسرائيل». — اشعياء ٤١:١١-١٤.
١٦ لن ينتصر اعداء اسرائيل. وسيخزى المغتاظون عليها. وسيبيد محاربوها. ومع ان الاسرى الاسرائيليين يبدون ضعفاء وعاجزين كدودة في التراب، فسيعينهم يهوه. وكم شجعت هذه الكلمات المسيحيين الحقيقيين في «الايام الاخيرة»، حين واجهوا العداء المرير من كثيرين في العالم! (٢ تيموثاوس ٣:١) وكم يتقوَّون بوعد يهوه مع اقتراب هجوم الشيطان، المشار اليه في النبوة باسم «جوج [من] ارض ماجوج»! فعندما يقوم جوج بهجومه الوحشي، سيبدو شعب يهوه عاجزين كدودة — شعبا ‹ساكنا بغير سور› وليس له «عارضة ولا مصاريع». أما الذين يرجون يهوه فلا داعي الى ان يرتعدوا خوفا. فالقادر على كل شيء سيحارب لينقذهم. — حزقيال ٣٨:٢، ١١، ١٤-١٦، ٢١-٢٣؛ ٢ كورنثوس ١:٣.
تعزية لإسرائيل
١٧، ١٨ كيف يصف اشعيا منح اسرائيل القوة، وأيّ اتمام يمكننا التيقّن منه؟
١٧ يواصل يهوه تعزيته لشعبه: «هأنذا قد جعلتك نَوْرَجا محدَّدا جديدا ذا اسنان. تدرس الجبال وتسحقها وتجعل الآكام كالعصافة. تذرِّيها فالريح تحملها والعاصف تبدِّدها وأنت تبتهج بالرب. بقدوس اسرائيل تفتخر». — اشعياء ٤١:١٥، ١٦.
١٨ ستُمنح اسرائيل القوة لتهاجم وتُخضِع، بمعنى روحي، اعداءها المشبَّهين بالجبال. فعندما تعود اسرائيل من السبي، ستنتصر على الاعداء الذين يحاولون منع اعادة بناء الهيكل وأسوار اورشليم. (عزرا ٦:١٢؛ نحميا ٦:١٦) لكنَّ كلمات يهوه ستتم بشكل اشمل في «اسرائيل اللّٰه». (غلاطية ٦:١٦) يعد يسوع المسيحيين الممسوحين: «مَن يغلب ويحفظ أعمالي حتى النهاية فسأعطيه سلطة على الأمم، فيرعاهم بعصا من حديد فيتكسرون كآنية خزفية، مثلما نلت أنا من أبي». (كشف ٢:٢٦، ٢٧) وسيحين حتما الوقت الذي فيه يشارك اخوة المسيح، المقامون الى المجد السماوي، في اهلاك اعداء يهوه اللّٰه. — ٢ تسالونيكي ١:٧، ٨؛ كشف ٢٠:٤، ٦.
١٩، ٢٠ ماذا يكتب اشعيا عن رد اسرائيل الى مكان جميل، وكيف تم ذلك؟
١٩ يستخدم يهوه الآن اسلوبا مجازيا ليؤكد وعده بمساعدة شعبه. يكتب اشعيا: «البائسون والمساكين طالبون ماء ولا يوجد. لسانهم من العطش قد يبس. انا الرب استجيب لهم انا اله اسرائيل لا اتركهم. افتح على الهضاب انهارا وفي وسط البقاع ينابيع. اجعل القفر اجمة ماء والارض اليابسة مفاجر مياه. اجعل في البرية الارز والسنط والآس وشجرة الزيت. اضع في البادية السرو والسنديان والشربين معا. لكي ينظروا ويعرفوا ويتنبهوا ويتأملوا معا ان يد الرب فعلت هذا وقدوس اسرائيل ابدعه». — اشعياء ٤١:١٧-٢٠.
٢٠ مع ان الاسرائيليين المسبيين يعيشون في عاصمة دولة عالمية غنية، فهي بالنسبة اليهم كصحراء بلا ماء. وهم يشعرون كما شعر داود حين كان مختبئا من الملك شاول. ولكن في سنة ٥٣٧ قم، يفتح يهوه لهم الطريق كي يرجعوا الى يهوذا ويعيدوا بناء هيكله في اورشليم، محيين بذلك العبادة الحقة. ويهوه بدوره يباركهم. ينبئ اشعيا في نبوة لاحقة: «الرب قد عزّى صهيون. عزّى كل خربها ويجعل بريتها كعدن وباديتها كجنة الرب». (اشعياء ٥١:٣) وهذا ما حدث بعد عودة اليهود الى ارضهم.
٢١ ايّ رد حدث في الازمنة العصرية، وماذا سيحصل في المستقبل؟
٢١ حدث امر مماثل في الازمنة العصرية حين حرَّر كورش الاعظم، يسوع المسيح، أتباعه الممسوحين من الاسر الروحي كي يتمكنوا من العمل على رد العبادة الحقة. وقد بورك هؤلاء الامناء بفردوس روحي غني، جنة عدن مجازية. (اشعياء ١١:٦-٩؛ ٣٥:١-٧) وقريبا، سيهلك اللّٰه اعداءه، وستتحول الارض بكاملها الى فردوس حرفي، كما وعد يسوع فاعل السوء على الخشبة. — لوقا ٢٣:٤٣.
تحدٍّ لأعداء اسرائيل
٢٢ بأية كلمات يتحدى يهوه الامم من جديد؟
٢٢ يعود يهوه الآن الى موضوع الدعوى مع الامم وآلهتها الصنمية: «قدموا دعواكم يقول الرب. احضروا حججكم يقول ملك يعقوب. ليقدموها ويخبرونا بما سيعرض. ما هي الاوليات. اخبروا فنجعل عليها قلوبنا ونعرف آخِرتها او اعلمونا المستقبِلات. اخبروا بالآتيات فيما بعد فنعرف انكم آلهة وافعلوا خيرا او شرا فنلتفت وننظر معا. ها انتم من لا شيء وعملكم من العدم. رجس هو الذي يختاركم». (اشعياء ٤١:٢١-٢٤) هل آلهة الامم قادرة على التنبؤ بدقة، مبرهنةً بالتالي ان لها معرفة فوق الطبيعة البشرية؟ اذا كان الامر كذلك، فلا بد ان تَظهر بعض النتائج الداعمة لادعاءاتها، سواء أكانت خيرا ام شرا. لكنَّ الحقيقة هي ان الآلهة الصنمية لا تستطيع ان تحقق شيئا، وهي من لا شيء.
٢٣ لماذا واظب يهوه على ادانة الاصنام بواسطة انبيائه الى هذا الحد؟
٢٣ قد يتساءل البعض في ايامنا لماذا قضى يهوه كل هذا الوقت، بواسطة اشعيا وغيره من الانبياء، يدين حماقة الصنمية. يعتبر كثيرون اليوم بُطل الاصنام البشرية الصنع من الامور البديهية. ولكن عندما تترسخ معتقدات باطلة وتصير مقبولة على نطاق واسع، يصعب جدا استئصالها من عقول الذين يؤمنون بها. وهنالك العديد من المعتقدات العصرية الفارغة تماثل الاعتقاد ان الاصنام الجامدة هي آلهة بالفعل. لكنَّ الناس يتعلقون بهذه المعتقدات رغم الحجج المقنعة التي تخالفها. وسماع الحق مرة بعد اخرى هو الطريقة الوحيدة التي دفعت البعض الى رؤية الحكمة في الاتكال على يهوه.
٢٤، ٢٥ كيف يشير يهوه الى كورش من جديد، وبأية نبوة اخرى يذكّرنا ذلك؟
٢٤ يشير يهوه الى كورش من جديد ويقول: «قد انهضته من الشمال فأتى. من مشرق الشمس يدعو باسمي. يأتي على الولاة كما على الملاط وكخزاف يدوس الطين». (اشعياء ٤١:٢٥)d بالتباين مع آلهة الامم، بإمكان يهوه ان يحقق الاشياء. وعندما يأتي بكورش من الشرق، من «مشرق الشمس»، ستتبيَّن قدرة اللّٰه على التنبؤ وعلى تكييف المستقبل ليتم ما تنبأ به.
٢٥ تذكّرنا هذه الكلمات بالوصف النبوي الذي ذكره الرسول يوحنا عن ملكَين سيقومان بعمل مهم في ايامنا. ففي سفر الكشف ١٦:١٢ نقرأ ان الطريق يهيَّأ «للملكَين اللذين من مشرق الشمس». وهذان الملكان هما يهوه اللّٰه ويسوع المسيح. وكما انقذ كورش شعب اللّٰه في الماضي، كذلك سيقوم هذان الملكان الاقوى بكثير بإبادة اعداء يهوه ورعاية شعبه عبر الضيق العظيم الى عالم جديد بار. — مزمور ٢:٨، ٩؛ ٢ بطرس ٣:١٣؛ كشف ٧:١٤-١٧.
يهوه هو الاسمى!
٢٦ ايّ سؤال يطرحه يهوه الآن، وهل يُجاب عنه؟
٢٦ يعود يهوه ويعلن انه هو وحده الاله الحقيقي. فيسأل: «مَن اخبر من البدء حتى نعرف ومِن قبل حتى نقول هو صادق. لا مخبر ولا مُسمِع ولا سامع اقوالكم». (اشعياء ٤١:٢٦) لم يعلن ايّ اله صنمي مجيءَ غازٍ يحرِّر المتكلين عليه. فكل هذه الآلهة عديمة الحياة ولا تنطق. انها ليست آلهة على الاطلاق.
٢٧، ٢٨ اية حقيقة مهمة يشدَّد عليها في الاعداد الختامية من اشعياء ٤١، ومَن وحدهم ينادون بذلك؟
٢٧ بعد سرد هذه الكلمات النبوية المثيرة، يلقي اشعيا الضوء على حقيقة مهمة: «انا اولا قلت لصهيون ها ها هم ولأورشليم جعلت مبشرا. ونظرت فليس انسان ومن هؤلاء فليس مشير حتى اسألهم فيردون كلمة. ها كلهم باطل وأعمالهم عدم ومسبوكاتهم ريح وخلاء». — اشعياء ٤١:٢٧-٢٩.
٢٨ يهوه هو الاول. انه الاسمى! فهو الاله الحقيقي، معلن الانقاذ لشعبه وجالب البشارة لهم. وشهوده هم وحدهم المنادون بعظمته امام الامم. كذلك يسخر يهوه من المتكلين على عبادة الاصنام، معتبرا اصنامهم ‹ريحا وخلاء›. فما اقوى هذا السبب للالتصاق بالاله الحقيقي! فيهوه وحده جدير بثقتنا الكاملة.
[الحواشي]
c ان كورش الاعظم، الذي حرَّر سنة ١٩١٩ «اسرائيل اللّٰه» من الاسر الروحي، ليس سوى يسوع المسيح المتوَّج ملكا لملكوت اللّٰه السماوي منذ سنة ١٩١٤. — غلاطية ٦:١٦.
d صحيح ان موطن كورش يقع الى الشرق من بابل، ولكن عندما قام بهجومه الاخير على المدينة، كان آتيا من آسيا الصغرى، اي من الشمال.
[الصورة في الصفحة ١٩]
مع ان كورش وثني، يجري اختياره ليقوم بعمل من اللّٰه
[الصورة في الصفحة ٢١]
تتكل الامم على اصنام جامدة
[الصورتان في الصفحة ٢٧]
‹ستسحق اسرائيل الجبال كنورج›
-
-
«مختاري الذي سُرَّت به نفسي»نبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل الثالث
«مختاري الذي سُرَّت به نفسي»
١، ٢ لماذا يهمّ المسيحيين اليوم الاصحاح ٤٢ من سفر اشعياء؟
«انتم شهودي يقول الرب وعبدي الذي اخترته». (اشعياء ٤٣:١٠) هذه الكلمات التي تفوَّه بها يهوه، والتي سجَّلها النبي اشعيا في القرن الثامن قبل الميلاد، تُظهر ان شعب عهد يهوه قديما كانوا امة من الشهود. وكانوا عبد اللّٰه المختار. وبعد نحو ٦٠٠,٢ سنة، في عام ١٩٣١، اعلن المسيحيون الممسوحون جهارا ان هذه الكلمات تنطبق عليهم. فتبنَّوا الاسم شهود يهوه ووافقوا من كل قلوبهم على تحمل المسؤوليات المرتبطة بكونهم العبد الارضي للّٰه.
٢ يريد شهود يهوه بكل إخلاص ان يرضوا اللّٰه. لهذا السبب يهمُّهم كثيرا ما يقوله الاصحاح ٤٢ من سفر اشعياء، لأنه يورد وصفًا لعبد يُسَرّ به يهوه ووصفًا آخر لعبد يرفضه. والتأمل في هذه النبوة وفي إتمامها يبيِّن لنا ما الذي يؤدي الى نيل رضا اللّٰه وما الذي يؤدي الى عكس ذلك.
«وضعتُ روحي عليه»
٣ بماذا يتنبأ يهوه من خلال اشعيا عن «عبدي»؟
٣ يتنبأ يهوه، من خلال اشعيا، بمجيء عبد يختاره هو بنفسه: «هوذا عبدي الذي اعضده مختاري الذي سُرَّت به نفسي. وضعت روحي عليه فيُخرج الحق [«العدل»، عج] للامم. لا يصيح ولا يرفع ولا يُسمِع في الشارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة خامدة لا يطفئ. الى الامان يُخرج الحق. لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق [«العدل»، عج] في الارض وتنتظر الجزائر شريعته». — اشعياء ٤٢:١-٤.
٤ مَن هو ‹المختار› المنبأ عنه، وكيف نعرف ذلك؟
٤ مَن هو العبد المشار اليه هنا؟ لا تُترك المسألة بلا جواب. فهذه الكلمات نجدها مقتبَسة في انجيل متى، وهي تُطبَّق على يسوع المسيح. (متى ١٢:١٥-٢١) اذًا يسوع هو العبد الحبيب، ‹المختار›. ومتى وضع يهوه روحه على يسوع؟ في سنة ٢٩ بم، عند معمودية يسوع. يصف السجل الملهم تلك المعمودية ويذكر انه بعد صعود يسوع من الماء، «انفتحت السماء ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة، وأتى صوت من السماء: ‹أنت ابني الحبيب؛ عنك رضيت›». وبهذه الطريقة حدَّد يهوه هوية عبده الحبيب. وخدمة يسوع اللاحقة والعجائب التي قام بها اثبتت ان روح يهوه كان عليه فعلا. — لوقا ٣:٢١، ٢٢؛ ٤:١٤-٢١؛ متى ٣:١٦، ١٧.
‹يُخرج العدل للامم›
٥ لماذا كان يلزم ان يبيَّن العدل في القرن الاول الميلادي؟
٥ كان على مختار يهوه ان «يُخرج»، او يُبيِّن، العدل الحقيقي، ان «يبدي العدل للأمم». (متى ١٢:١٨) وكم كان ذلك ضروريا في القرن الاول الميلادي! فقد علّم القادة الدينيون اليهود شكلا محرَّفا من العدل والبر. وسعوا الى بلوغ البر باتِّباع قوانين صارمة كان الكثير منها من اختراعهم. وكان عدلهم المتطرف في تطبيق الشريعة مجرَّدا من الرحمة والرأفة.
٦ بأية طرائق جعل يسوع العدل الحقيقي معروفا؟
٦ بالتباين، بيَّن يسوع العدل من وجهة نظر اللّٰه. فقد اظهر، من خلال تعاليمه وطريقة عيشه، ان العدل الحقيقي يتميَّز بالرأفة والرحمة. تأملوا فقط في موعظته الشهيرة على الجبل. (متى الاصحاحات ٥-٧) فما اروع ذاك التوضيح للطريقة التي ينبغي ان يمارَس بها العدل والبر! وعندما نقرأ روايات الاناجيل، ألا نتأثر برأفة يسوع بالفقراء والمساكين؟ (متى ٢٠:٣٤؛ مرقس ١:٤١؛ ٦:٣٤؛ لوقا ٧:١٣) كذلك حمل رسالته المعزِّية الى كثيرين ممَّن كانوا كقصب مرضوض التَوَت سُوقه من خشونة المعاملة، او كانوا كفتيلة مدخنة تكاد تخمد آخر شرارة فيها. لكنَّ يسوع لم يقصف «قصبة مرضوضة» ولم يطفئ «فتيلة خامدة»، بل رفع بكلماته الحبية والمترئفة معنويات الاشخاص الودعاء. — متى ١١:٢٨-٣٠.
٧ لماذا تقول النبوة ان يسوع ‹لا يصيح ولا يرفع صوته ولا يُسمِع في الشارع صوته›؟
٧ ولكن لماذا تقول النبوة ان يسوع ‹لا يصيح ولا يرفع صوته، ولا يُسمِع في الشارع صوته›؟ لأنه لم يكن يلفت النظر الى نفسه كما فعل كثيرون في ايامه. (متى ٦:٥) فعندما شفى ابرص، قال للرجل المُبرَإ: «انظر ألا تقول لأحد شيئا». (مرقس ١:٤٠-٤٤) فبدلا من ان يسعى الى نشر اخباره وجعل الناس يستنتجون امورا عنه على اساس المعلومات المتناقَلة، كان يسوع يريد ان يميِّزوا هم بأنفسهم، على اساس براهين قاطعة مباشرة، انه فعلا المسيح، عبد يهوه المعيَّن.
٨ (أ) كيف اخرج يسوع ‹العدل للامم›؟ (ب) ماذا نتعلم من مثَل يسوع عن السامري الصالح في ما يتعلق بالعدل؟
٨ كان هذا العبد المختار سيُخرج ‹العدل للامم›. وهذا ما فعله يسوع. فبالاضافة الى التشديد على الطبيعة المترئفة للعدل الالهي، علّم يسوع ان هذا العدل ينبغي ان يشمل جميع الناس. ففي احدى المناسبات ذكّر يسوع رجلا متضلعا من الشريعة بأنه ينبغي ان يحب اللّٰهَ وقريبَه. فسأل الرجل يسوع: «مَن هو قريبي؟». وربما توقع ان يجيب يسوع: «اليهودي مثلك». لكنَّ يسوع اخبره مَثَل السامري الصالح. في هذا المثل يساعد سامري رجلا هاجمه لصوص بعدما رفض لاوي وكاهن مساعدته. فاضطر السائل الى الاعتراف انه في تلك المناسبة كان السامري البغيض هو القريب، وليس اللاوي او الكاهن. عندئذ اختتم يسوع مثَله بهذه النصيحة: «افعل أنت هكذا». — لوقا ١٠:٢٥-٣٧؛ لاويين ١٩:١٨.
«لا يكل ولا ينكسر»
٩ كيف يؤثر فينا فهم جوهر العدل الحقيقي؟
٩ بما ان يسوع بيَّن جوهر العدل الحقيقي، تعلّم تلاميذه الاعراب عن هذه الصفة. وهذا ما يجب ان نفعله نحن ايضا. اولا، يلزم ان نعترف بمقاييس اللّٰه المتعلقة بالخير والشر، لأنه يملك الحق في تحديد ما هو عادل وبار. وفيما نجاهد لفعل الامور كما يريد يهوه، يكشف سلوكنا المستقيم بوضوح ما هو العدل الحقيقي. — ١ بطرس ٢:١٢.
١٠ لماذا يستلزم الاعراب عن العدل المشاركة في العمل الكرازي والتعليمي؟
١٠ نعرب ايضا عن العدل الحقيقي حين ننخرط باجتهاد في العمل الكرازي والتعليمي. فقد اعطانا يهوه فيضا من المعرفة المنقذة للحياة عنه وعن ابنه وعن مقاصده. (يوحنا ١٧:٣) لذلك ليس من الحق او العدل ان نُبقي هذه المعرفة لأنفسنا. يقول سليمان: «لا تمنع الخير عن اهله حين يكون في طاقة يدك ان تفعله». (امثال ٣:٢٧) فلنخبر جميع الناس ما نعرفه عن اللّٰه من كل قلبنا، بصرف النظر عن خلفيتهم العرقية او القومية. — اعمال ١٠:٣٤، ٣٥.
١١ كيف ينبغي ان نعامل الآخرين، تمثُّلا بيسوع؟
١١ كذلك يعامل المسيحي الحقيقي الآخرين كما عاملهم يسوع. فكثيرون اليوم يواجهون مشاكل مثبِّطة ويحتاجون الى الرأفة والتشجيع. حتى بعض المسيحيين المنتذرين قد تسحقهم ظروفهم، فيصيرون كقصب مرضوض او فتائل مدخنة. أفلا يحتاج هؤلاء الى دعمنا؟ (لوقا ٢٢:٣٢؛ اعمال ١١:٢٣) فكم هو منعش ان نكون جزءا من معشر المسيحيين الحقيقيين الذين يحاولون التمثل بيسوع في ممارسة العدل!
١٢ لماذا يمكن ان نكون على ثقة بأن العدل للجميع سيتحقق قريبا؟
١٢ وهل يمكن ان يتحقق العدل للجميع؟ طبعا، يمكن ذلك. فمختار يهوه ‹لا يكل ولا ينكسر حتى يضع العدل في الارض›. وقريبا جدا سيُنزل الملك المتوَّج، المسيح يسوع المقام، «الانتقام بمَن لا يعرفون اللّٰه». (٢ تسالونيكي ١:٦-٩؛ كشف ١٦:١٤-١٦) وسيحلّ ملكوت اللّٰه محل الحكم البشري. وسيكثر العدل والبر. (امثال ٢:٢١، ٢٢؛ اشعياء ١١:٣-٥؛ دانيال ٢:٤٤؛ ٢ بطرس ٣:١٣) وخدام يهوه في كل مكان — حتى في الاماكن النائية، «الجزائر» — ينتظرون ذلك اليوم بفارغ الصبر.
‹اجعله نورا للامم›
١٣ ماذا يتنبأ يهوه عن عبده المختار؟
١٣ يمضي اشعيا قائلا: «هكذا يقول اللّٰه الرب خالق السموات وناشرها باسط الارض ونتائجها معطي الشعب عليها نسمة والساكنين فيها روحا». (اشعياء ٤٢:٥) ما ابلغ هذا الوصف للخالق يهوه! وهذا المذكّر بجبروت يهوه يقيم وزنا كبيرا لكلامه. يقول يهوه: «انا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهدا للشعب ونورا للامم لتفتح عيون العمي لتُخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة». — اشعياء ٤٢:٦، ٧.
١٤ (أ) ماذا يعني ان يهوه يمسك بيد عبده الذي سُرَّ به؟ (ب) ايّ دور يلعبه العبد المختار؟
١٤ ان خالق الكون العظيمَ، معطي الحياة وداعمها، يمسك بيد عبده المختار ويعد بمنحه الدعم الكامل والدائم. وكم هذا مطمئن! كذلك يحفظه يهوه ليجعله «عهدا للشعب». والعهد هو ميثاق، اتفاق، تعهُّد رسمي. وهو فريضة جازمة. نعم، جعل يهوه عبده «ضمانة للشعب». — ترجمة اميركية.
١٥، ١٦ بأية طريقة كان يسوع «نورا للامم»؟
١٥ والعبد الموعود به، بصفته «نورا للامم»، يفتح «عيون العمي» ويحرِّر «الجالسين في الظلمة». وهذا ما فعله يسوع. فبشهادته للحق، مجَّد اسمَ ابيه السماوي. (يوحنا ١٧:٤، ٦) وقد شهَّر الاباطيل الدينية، كرز ببشارة الملكوت، وفتح باب الحرية الروحية للواقعين في الاسر الديني. (متى ١٥:٣-٩؛ لوقا ٤:٤٣؛ يوحنا ١٨:٣٧) وحذَّر من القيام بأعمال الظلمة وشهَّر الشيطان بصفته ‹ابا الكذب› و «حاكم هذا العالم». — يوحنا ٣:١٩-٢١؛ ٨:٤٤؛ ١٦:١١.
١٦ وقال يسوع: «أنا نور العالم». (يوحنا ٨:١٢) وقد تجلّى ذلك خصوصا عندما قدم حياته البشرية الكاملة فدية. وهكذا مهَّد السبيل امام الذين يمارسون الايمان لينالوا غفران الخطايا وعلاقة مقبولة باللّٰه، مع رجاء العيش الى الابد. (متى ٢٠:٢٨؛ يوحنا ٣:١٦) ويسوع، بمحافظته على التعبد الكامل للّٰه طوال حياته، ايّد سلطان يهوه وأثبت ان ابليس كذاب. لقد كان يسوع فعلا معطي البصر للعمي ومحرِّر المحبوسين في الظلمة الروحية.
١٧ بأية طرائق نكون حملة نور؟
١٧ قال يسوع لتلاميذه في الموعظة على الجبل: «أنتم نور العالم». (متى ٥:١٤) أوَلسنا نحن ايضا حملة نور؟ فمن خلال طريقة عيشنا وعملنا الكرازي، نملك امتياز توجيه الآخرين الى يهوه، مصدر التنوُّر الحقيقي. وتمثُّلا بيسوع، نجعل اسم يهوه معروفا، نؤيد سلطانه، وننادي بأن ملكوته هو الرجاء الوحيد للجنس البشري. وكحملة للنور، نشهِّر ايضا الاباطيل الدينية، نحذِّر من الاعمال النجسة للظلمة، ونشهِّر الشرير الذي هو الشيطان. — اعمال ١:٨؛ ١ يوحنا ٥:١٩.
«غنوا للرب اغنية جديدة»
١٨ ماذا يجعل يهوه شعبه يعرف؟
١٨ يلفت يهوه انتباهه الآن الى شعبه ويقول: «انا الرب [«يهوه»، عج] هذا اسمي ومجدي لا اعطيه لآخر ولا تسبيحي للمنحوتات. هوذا الاوليات قد اتت والحديثات [«وأخرى جديدة»، تف] انا مخبر بها. قبل ان تنبت أعلِمكم بها». (اشعياء ٤٢:٨، ٩) هذه النبوة عن «عبدي» لم يتفوَّه بها ايٌّ من الآلهة العديمة القيمة، بل تفوَّه بها الاله الحي الحقيقي الوحيد. فكان لا بد ان تتحقق، وهذا ما حدث. ويهوه اللّٰه هو مبدع الاشياء الجديدة، وهو يجعل شعبه يعرفها قبل وقوعها. فكيف ينبغي ان نتجاوب مع ذلك؟
١٩، ٢٠ (أ) اية اغنية يجب ان تغنّى؟ (ب) مَن يغنّون اليوم ترنيمة التسبيح ليهوه؟
١٩ يكتب اشعيا: «غنوا للرب اغنية جديدة تسبيحه من اقصى الارض. ايها المنحدرون في البحر وملؤه والجزائر وسكانها. لترفع البرية ومدنها صوتها الديار التي سكنها قيدار. لتترنم سكان سالع. من رؤوس الجبال ليهتفوا. ليعطوا الرب مجدا ويخبروا بتسبيحه في الجزائر». — اشعياء ٤٢:١٠-١٢.
٢٠ يدعى سكان المدن، والقرى في البراري، والجزر، حتى سكان «قيدار» او قاطنو الخيم في الصحاري — اي الناس في كل مكان — الى الغناء او ترنيم ترنيمة تسبيح ليهوه. وكم هو مثير ان يتجاوب ملايين الاشخاص في ايامنا مع هذه المناشدة النبوية! فقد اعتنقوا حق كلمة اللّٰه واعترفوا بيهوه الها لهم. ويغني شعب يهوه هذه الاغنية الجديدة — التي تنسب المجد الى يهوه — في اكثر من ٢٣٠ بلدا. فما اروع الترنيم ضمن هذه الجوقة التي تضم حضارات ولغات وعروقا كثيرة!
٢١ لماذا لن ينجح اعداء شعب اللّٰه في إسكات ترنيمة التسبيح ليهوه؟
٢١ وهل بإمكان المقاومين الوقوف في وجه يهوه وإسكات ترنيمة التسبيح هذه؟ مستحيل! «الرب كالجبار يخرج. كرجل حروب يُنهض غيرته. يهتف ويصرخ ويقوى على اعدائه». (اشعياء ٤٢:١٣) فأية قوة تقدر ان تقف في وجه يهوه؟! قبل نحو ٥٠٠,٣ سنة، رنم النبي موسى وبنو اسرائيل: «الرب رجل الحرب. الرب [«يهوه»، عج] اسمه. مركبات فرعون وجيشه ألقاهما في البحر. فغرق افضل جنوده المركبية في بحر سوف». (خروج ١٥:٣، ٤) لقد انتصر يهوه على اعظم قوة عسكرية في ذلك الوقت. لذلك لا يمكن ان ينجح ايّ عدو لشعب اللّٰه حين يخرج يهوه كمحارب جبار.
«سكتُّ مطوَّلا»
٢٢، ٢٣ لماذا ‹يسكت يهوه مطوَّلا›؟
٢٢ يهوه اله عادل وغير محابٍ، حتى عندما ينفذ الدينونة في اعدائه. يقول: «سكتُّ مطوَّلا وصمتُّ وضبطتُ نفسي فالآن ائن كالتي تلد وأتنهد وألهث. اخرِّب الجبال والتلال وأيبِّس كل عشبها وأجعل الانهار جُزرا وأجفف الغُدران». — اشعياء ٤٢:١٤، ١٥، يج.
٢٣ قبل ان يتخذ يهوه ايّ اجراء قضائي، يسمح بمرور الوقت لكي يتيح الفرصة لفاعلي السوء ان يرجعوا عن طرقهم الشريرة. (ارميا ١٨:٧-١٠؛ ٢ بطرس ٣:٩) تأملوا في حالة البابليين، الذين يدمرون اورشليم سنة ٦٠٧ قم ويصيرون الدولة العالمية المهيمنة. يسمح يهوه بذلك لكي يؤدب الاسرائيليين بسبب عدم امانتهم. لكنَّ البابليين لا يفهمون ما هو مطلوب منهم. لذلك يعاملون شعب اللّٰه بخشونة اكبر مما تتطلبه الدينونة الالهية. (اشعياء ٤٧:٦، ٧؛ زكريا ١:١٥) وكم يتألم الاله الحقيقي حين يرى معاناة شعبه! لكنه يمتنع عن اتخاذ ايّ اجراء حتى وقته المعيَّن. وعندئذ يجاهد — كالمرأة التي تلد — ليحرر شعب عهده ويُخرجهم كأمة مستقلة. وليحقق ذلك، يجفِّف ويخرِّب بابل ودفاعاتها سنة ٥٣٩ قم.
٢٤ ايّ امل اعطاه يهوه لشعبه اسرائيل؟
٢٤ كم ابتهج شعب اللّٰه دون شك حين انفتحت امامهم ابواب العودة بعد قضاء سنين طويلة في السبي! (٢ أخبار الايام ٣٦:٢٢، ٢٣) ولا بد انهم فرحوا باختبار اتمام وعد يهوه: «أسيِّر العمي في طريق لم يعرفوها. في مسالك لم يدروها امشّيهم. اجعل الظلمة امامهم نورا والمعوجّات مستقيمة. هذه الامور افعلها ولا اتركهم». — اشعياء ٤٢:١٦.
٢٥ (أ) ممَّ يمكن ان يتيقن شعب اللّٰه اليوم؟ (ب) ماذا ينبغي ان يكون تصميمنا؟
٢٥ وكيف تنطبق هذه الكلمات اليوم؟ يسمح يهوه للامم منذ زمن طويل — منذ قرون — بأن تفعل ما يحلو لها. لكنَّ وقته المعيَّن لتقويم الامور يدنو. وقد اقام في الازمنة العصرية شعبا يشهد لاسمه. ومهَّد الطريق امامهم ليعبدوه «بالروح والحق»، مزيلا كل مقاومة ضدهم. (يوحنا ٤:٢٤) فقد وعد قائلا: «لا اتركهم»، ووفى بوعده. ولكن ماذا عن الذين يستمرون في عبادة الآلهة الباطلة؟ يقول يهوه: «قد ارتدّوا الى الوراء. يخزى خزيا المتكلون على المنحوتات القائلون للمسبوكات انتن آلهتنا». (اشعياء ٤٢:١٧) فكم هو مهم البقاء امناء ليهوه، كما فعل مختاره!
‹عبد اصم وأعمى›
٢٦، ٢٧ كيف تُظهر اسرائيل انها ‹عبد اصم وأعمى›، وبأية عواقب؟
٢٦ بقي يسوع المسيح، عبد اللّٰه المختار، امينا حتى الموت. أما شعب يهوه، اسرائيل، فهم عبد غير امين، اصم وأعمى بمعنى روحي. يقول يهوه مخاطبا اياهم: «ايها الصم اسمعوا. ايها العمي انظروا لتبصروا. مَن هو اعمى إلا عبدي وأصم كرسولي الذي ارسله. مَن هو اعمى كالكامل وأعمى كعبد الرب. ناظر كثيرا ولا تلاحظ. مفتوح الاذنين ولا يسمع. الرب قد سُرَّ من اجل بره. يعظّم الشريعة ويكرمها». — اشعياء ٤٢:١٨-٢١.
٢٧ كم تخيِّب اسرائيل الآمال! فشعبها يزلّ مرارا ويعبد آلهة الامم الشيطانية. ومرة بعد اخرى يرسل يهوه رسله، لكنَّ شعبه لا يسمع. (٢ أخبار الايام ٣٦:١٤-١٦) ينبئ اشعيا بالعواقب قائلا: «لكنه شعب منهوب ومسلوب قد اصطيد في الحفر كله وفي بيوت الحبوس اختبأوا. صاروا نهبا ولا منقذ وسلبا وليس مَن يقول رُدَّ. مَن منكم يسمع هذا. يصغى ويسمع لما بعد. مَن دفع يعقوب الى السلب وإسرائيل الى الناهبين. أليس الرب الذي اخطأنا اليه ولم يشاءوا ان يسلكوا في طرقه ولم يسمعوا لشريعته. فسكب عليه حمو غضبه وشدة الحرب فأوقدته من كل ناحية ولم يعرف وأحرقته ولم يضع في قلبه». — اشعياء ٤٢:٢٢-٢٥.
٢٨ (أ) ماذا نتعلم من مثال سكان يهوذا؟ (ب) كيف يمكن ان نحصل على رضا يهوه؟
٢٨ بسبب عدم امانة السكان، يسمح يهوه بأن تُنهب وتُسلب ارض يهوذا سنة ٦٠٧ قم. ويحرق البابليون هيكل يهوه، يدمرون اورشليم، ويأخذون اليهود اسرى. (٢ أخبار الايام ٣٦:١٧-٢١) فلننتبه لهذا المثال التحذيري، ولا نُدِر لارشادات يهوه اذنا صمّاء او نتعامَ عمَّا تقوله كلمته المكتوبة. بل لنسعَ الى الحصول على رضا يهوه بالتمثل بالمسيح يسوع، العبد الذي سُرَّ به يهوه ورضي عنه. وكيسوع، لنجعل العدل الحقيقي معروفا بما نقوله ونفعله. وهكذا نبقى بين شعب يهوه، عاملين كحملة نور يسبِّحون الاله الحقيقي ويمجِّدونه.
[الصور في الصفحة ٣٣]
العدل الحقيقي مترئف ورحيم
[الصورة في الصفحة ٣٤]
في مثل السامري الصالح، اظهر يسوع ان العدل الحقيقي يشمل كل الناس
[الصورتان في الصفحة ٣٦]
نمارس العدل الالهي حين نزوّد التشجيع ونُظهر اللطف
[الصور في الصفحة ٣٩]
نعرب عن العدل الالهي بعملنا الكرازي
[الصورة في الصفحة ٤٠]
جُعل العبد المختار «نورا للامم»
-
-
«انتم شهودي»!نبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل الرابع
«انتم شهودي»!
١ كيف يستخدم يهوه النبوة، وكيف يجب ان يتجاوب شعبه مع النبوة المتمَّمة؟
القدرة على الانباء بالمستقبل هي احد الامور التي تميِّز الاله الحقيقي من كل الآلهة الباطلة. ولكن عندما يتنبأ يهوه، لا ينوي بذلك إثبات ألوهيته فقط. فكما يُظهر الاصحاح ٤٣ من سفر اشعياء، يجعل يهوه من النبوة إثباتا لألوهيته وكذلك لمحبته لشعب عهده. ولا يجب على شعبه ان يميِّزوا النبوة المتمَّمة ويلزموا الصمت، بل عليهم ان يشهدوا بما يرونه. نعم، يجب ان يكونوا شهودا ليهوه!
٢ (أ) ما هي الحالة الروحية لإسرائيل في ايام اشعيا؟ (ب) كيف يفتح يهوه عيون شعبه؟
٢ من المؤسف ان اسرائيل في ايام اشعيا تعيش في وضع مزرٍ جدا حتى ان يهوه يعتبر الشعب معاقا روحيا. «أخرِج الشعب الاعمى وله عيون والاصم وله آذان». (اشعياء ٤٣:٨) وكيف يمكن لشعب افراده عمي وصم روحيا ان يخدموا يهوه كشهود احياء له؟ هنالك طريقة واحدة فقط. يجب ان تنفتح عيونهم وآذانهم بطريقة عجائبية. وهذا ما يفعله يهوه دون شك. كيف؟ اولا، يمنح يهوه تأديبا شديدا، بسبي سكان مملكة اسرائيل الشمالية سنة ٧٤٠ قم ويهوذا سنة ٦٠٧ قم. ثم يُظهر يهوه قوته نحو شعبه بتحريرهم وإعادة بقية تائبة منتعشة روحيا الى ارضها سنة ٥٣٧ قم. ويهوه واثق جدا ان قصده في هذا الشأن لا يمكن ان يُحبط، حتى انه يتحدث قبل ٢٠٠ سنة تقريبا عن تحرير اسرائيل كما لو انه سبق فحصل.
٣ ايّ تشجيع يمنحه يهوه للذين سيُسبَون؟
٣ «هكذا يقول الرب خالقك يا يعقوب وجابلك يا اسرائيل. لا تخف لأني فديتك. دعوتك باسمك. انت لي. اذا اجتزت في المياه فأنا معك وفي الانهار فلا تغمرك. اذا مشيت في النار فلا تُلذع واللهيب لا يحرقك. لأني انا الرب الهك قدوس اسرائيل مخلصك». — اشعياء ٤٣:١-٣ أ.
٤ كيف يكون يهوه خالق اسرائيل، وماذا يؤكد لشعبه بشأن رجوعهم الى ارضهم؟
٤ يهتم يهوه اهتماما خصوصيا بإسرائيل لأن الامة له. فقد خلقها هو بنفسه اتماما للعهد الابراهيمي. (تكوين ١٢:١-٣) وهكذا يقول المزمور ١٠٠:٣: «اعلموا ان الرب هو اللّٰه. هو صنعنا وله نحن شعبه وغنم مرعاه». ويهوه، بصفته خالق اسرائيل وفاديها، سيُرجِع شعبه بسلامة الى ارضهم. وكل العوائق، كالمياه والانهار الفائضة والصحاري اللاذعة، لن تقف في طريقهم او تؤذيهم، تماما كما ان امورا مماثلة لم تُعِق تقدُّم آبائهم في طريقهم الى ارض الموعد قبل الف سنة.
٥ (أ) كيف تعزِّي كلمات يهوه اسرائيل الروحي؟ (ب) مَن هم رفقاء اسرائيل الروحي، وبمَن يُرمز اليهم؟
٥ وتعزِّي كلمات يهوه ايضا بقية اسرائيل الروحي العصري، الذي يشكّل اعضاؤه «خليقة جديدة» مولودة من الروح. (٢ كورنثوس ٥:١٧) وإذ يقفون بجرأة امام «مياه» الجنس البشري، يتمتعون بحماية اللّٰه الحبية عندما يتعرَّضون لفيضانات مجازية. والنار التي تنبعث من اعدائهم لا تؤذيهم، بل تساعد على تمحيصهم. (زكريا ١٣:٩؛ كشف ١٢:١٥-١٧) وتشمل عناية يهوه ‹الجمع الكثير› من ‹الخراف الاخر› الذين انضموا الى امة اللّٰه الروحية. (كشف ٧:٩؛ يوحنا ١٠:١٦) وقد رُمز اليهم ‹باللفيف الكثير› الذي خرج من مصر مع الاسرائيليين وأيضا بغير اليهود الذين رجعوا من بابل مع المسبيين المحرَّرين. — خروج ١٢:٣٨؛ عزرا ٢:١، ٤٣، ٥٥، ٥٨.
٦ كيف يُظهر يهوه انه اله عادل في ما يتعلق بافتداء (أ) اسرائيل الجسدي؟ (ب) اسرائيل الروحي؟
٦ يعد يهوه بإنقاذ شعبه من بابل بواسطة جيوش مادي وفارس. (اشعياء ١٣:١٧-١٩؛ ٢١:٢، ٩؛ ٤٤:٢٨؛ دانيال ٥:٢٨) وبما ان يهوه اله عادل، فسيدفع «لأُجَرائه» الماديين والفرس فدية مناسبة عوض اسرائيل. «جعلتُ مصر فديتك كوش وسبا عوضك. اذ صرتَ عزيزا في عينيَّ مكرَّما وأنا قد احببتك اعطي اناسا عوضك وشعوبا عوض نفسك». (اشعياء ٤٣:٣ب، ٤) يؤكد التاريخ ان الامبراطورية الفارسية اخضعت مصر وكوش وسبا المجاورة، تماما كما انبأ اللّٰه. (امثال ٢١:١٨) وفي سنة ١٩١٩، اطلق يهوه ايضا بقية اسرائيل الروحي من الاسر بواسطة يسوع المسيح. لكنَّ يسوع لم يكن بحاجة الى مكافأة لقاء خدماته. فهو ليس حاكما وثنيا، وقد كان يحرِّر اخوته الروحيين. وبالاضافة الى ذلك، كان يهوه قد سبق وأعطاه في سنة ١٩١٤ ‹الامم ميراثا له وأقاصي الارض مُلكا له›. — مزمور ٢:٨.
٧ كيف يشعر يهوه نحو شعبه في الماضي وفي الحاضر؟
٧ لاحظوا كيف يعبِّر يهوه بصراحة عن مشاعره الرقيقة تجاه المسبيين المفديين. فهو يقول لهم انهم ‹اعزّاء› و ‹مكرَّمون› في عينيه، وإنه ‹يحبهم›. (ارميا ٣١:٣) وعند اللّٰه الشعور نفسه — إن لم يكن اقوى — نحو خدامه الاولياء اليوم. والعلاقة التي تربط المسيحيين الممسوحين باللّٰه ليست ناجمة عن تحدُّرهم، بل عن عمل روح اللّٰه القدس بعد انتذارهم الشخصي لخالقهم. وقد اجتذب يهوه هؤلاء الى ابنه وإلى نفسه وكتب شرائعه ومبادئه على قلوبهم المتقبِّلة. — ارميا ٣١:٣١-٣٤؛ يوحنا ٦:٤٤.
٨ بمَ يطمئن يهوه المسبيين، وماذا سيكون شعورهم حيال عمل انقاذهم؟
٨ يتابع يهوه طمأنته للمسبيين ويقول: «لا تخف فإني معك. من المشرق آتي بنسلك ومن المغرب اجمعك. اقول للشمال اعطِ وللجنوب لا تمنع. ايتِ ببنيَّ من بعيد وببناتي من اقصى الارض. بكل مَن دعي باسمي ولمجدي خلقتُه وجبلتُه وصنعتُه». (اشعياء ٤٣:٥-٧) حتى لو كان بنو اللّٰه وبناته في اقصى اقصاء الارض، فلن يعسر على يهوه ان يحرِّرهم عندما يحين الوقت ويعيدهم الى ارضهم المحبوبة. (ارميا ٣٠:١٠، ١١) ولا شك انهم سيعتبرون هذا التحرير اعظم من انقاذ الامة السابق من مصر. — ارميا ١٦:١٤، ١٥.
٩ بأية طريقتين يربط يهوه اسمه بأعماله الانقاذية؟
٩ عندما يذكّر يهوه شعبه بأنهم دُعوا باسمه، يؤكد صدق وعده بإنقاذ اسرائيل. (اشعياء ٥٤:٥، ٦) بالاضافة الى ذلك، يربط يهوه اسمه بوعود التحرير التي يقطعها. وهكذا يضمن انه سينال هو المجد حين تتم كلمته النبوية. حتى فاتح بابل لن يُعطى الاكرام الذي لا يليق إلا بالاله الحي الوحيد.
الآلهة تحاكَم
١٠ امام ايّ تحدٍّ يضع يهوه الامم وآلهتها؟
١٠ يجعل يهوه الآن وعده بتحرير اسرائيل الاساس لدعوى قضائية كونية يحاكِم فيها آلهة الامم. نقرأ: «اجتمعوا يا كل الامم معا ولتلتئم القبائل. مَن مِن [آلهتهم] يخبر بهذا ويعلِمنا بالاوليات. ليقدِّم [آلهتُهم] شهودَهم ويتبرروا. او ليسمعوا فيقولوا صدق». (اشعياء ٤٣:٩) يضع يهوه امم العالم امام تحدٍّ كبير. فكما لو انه يقول: ‹لتثبت آلهتكم انها فعلا آلهة وتنبئ بالمستقبل بشكل دقيق›. وبما ان الاله الحقيقي هو وحده القادر على التنبؤ دون فشل، فسيفضح هذا الامتحان كل الدجالين. (اشعياء ٤٨:٥) لكنَّ القادر على كل شيء يضيف شرطا قانونيا آخر: كل مَن يدّعون انهم آلهة حقيقيون يجب ان يقدّموا شهودا على تنبؤاتهم وكذلك على اتمام هذه التنبؤات. ومن الطبيعي ألا يستثني يهوه نفسه من هذا المطلب القانوني.
١١ ايّ تفويض يعطيه يهوه لعبده، وماذا يكشف يهوه بشأن ألوهيته؟
١١ لا يمكن للآلهة الباطلة العاجزة ان تقدِّم شهودا. لذلك تبقى منصة الشهود خالية بشكل محرج. ولكن يأتي الآن دور يهوه ليثبت ألوهيته. فينظر الى شعبه ويقول: «انتم شهودي . . . وعبدي الذي اخترته لكي تعرفوا وتؤمنوا بي وتفهموا اني انا هو. قبلي لم يصوَّر اله وبعدي لا يكون. انا انا الرب وليس غيري مخلّص. انا اخبرت وخلصت وأعلمت وليس بينكم [«اله»، عج] غريب. وأنتم شهودي . . . وأنا اللّٰه. ايضا من اليوم انا هو ولا منقذ من يدي. أفعل ومَن يرد [يدي]». — اشعياء ٤٣:١٠-١٣.
١٢، ١٣ (أ) اية شهادة وافرة يجب ان يقدّمها شعب يهوه؟ (ب) كيف برز اسم يهوه في الازمنة العصرية؟
١٢ تجاوبا مع كلمات يهوه، تكتظ منصة الشهود بأعداد كبيرة من الشهود الفرحين. ويقدّم هؤلاء شهادة واضحة لا تُدحض. وكيشوع، يشهدون ان ‹كل ما تكلم به يهوه صار. لم تسقط كلمة واحدة›. (يشوع ٢٣:١٤) ولا يزال شعب يهوه يذكرون كلمات اشعيا وإرميا وحزقيال وأنبياء آخرين تنبأوا، كما بصوت واحد، بسبي يهوذا وإنقاذهم العجائبي من السبي. (ارميا ٢٥:١١، ١٢) وذُكر كورش، منقذ يهوذا، بالاسم قبل وقت طويل من ولادته! — اشعياء ٤٤:٢٦–٤٥:١.
١٣ نظرا الى كل هذه الادلة الغامرة، مَن يمكنه ان ينكر بعد ان يهوه هو الاله الحقيقي الوحيد؟ فيهوه وحده غير مخلوق، بخلاف الآلهة الوثنية؛ وهو وحده الاله الحقيقي.a لذلك يتمتع الشعب الحامل اسم يهوه بامتياز فريد ومثير: إخبار الاجيال المقبلة، وكل مَن يستعلم عن يهوه، بأعماله العجيبة. (مزمور ٧٨:٥-٧) كذلك يملك شهود يهوه العصريون امتياز اعلان اسم يهوه في كل الارض. ففي عشرينات القرن العشرين، صار تلاميذ الكتاب المقدس يعون اكثر فأكثر اهمية اسم اللّٰه، يهوه. وبعد ذلك، في ٢٦ تموز (يوليو) ١٩٣١، في محفل عُقد في مدينة كولومبس بولاية أوهايو الاميركية، عرض رئيس الجمعية جوزيف ف. رذرفورد قرارا بعنوان «اسم جديد». وهلّل المجتمعون هناك عندما سمعوا الكلمات: «نرغب في ان نُعرَف ونُدعى بالاسم، اي شهود يهوه»، ووافقوا على القرار بقول «نعم» مدوّية. ومنذ ذلك الحين برز اسم يهوه عالميا. — مزمور ٨٣:١٨.
١٤ بمَ يذكّر يهوه الاسرائيليين، ولماذا يأتي هذا التذكير في وقته؟
١٤ يهتم يهوه بالذين يحملون اسمه بشكل لائق، ويعتبرهم «كحدقة عينه». ويذكّر الاسرائيليين بذلك، مخبرا اياهم كيف انقذهم من مصر وقادهم بأمان في البرية. (تثنية ٣٢:١٠، ١٢) في ذلك الوقت لم يكن هنالك اله غريب بينهم، لأنهم رأوا بأم عينهم الاذلال الشديد الذي عانته كل آلهة مصر. نعم، لقد عجزت كل الآلهة المصرية عن حماية مصر وعن منع اسرائيل من الرحيل. (خروج ١٢:١٢) وبابل الجبارة، التي ينتشر في ارجاء عاصمتها ٥٠ معبدا على الاقل للآلهة الباطلة، لن تتمكن من رد يد القادر على كل شيء حين يحرِّر شعبه. فمن الواضح انه «لا منقذ» غير يهوه.
خيول الحرب تسقط، والسجون تنفتح
١٥ ماذا يتنبأ يهوه عن بابل؟
١٥ «هكذا يقول الرب فاديكم قدوس اسرائيل. لأجلكم ارسلت الى بابل وألقيت المغاليق كلها والكلدانيين في سفن ترنمهم. انا الرب قدوسكم خالق اسرائيل ملككم. هكذا يقول الرب الجاعل في البحر طريقا وفي المياه القوية مسلكا. المخرج المركبة والفرس الجيش والعز. يضطجعون معا لا يقومون. قد خمدوا. كفتيلة انطفأوا». — اشعياء ٤٣:١٤-١٧.
١٦ ماذا سيحلّ ببابل، التجار الكلدانيين، وأيّ مدافعين محتمَلين عن بابل؟
١٦ بابل هي كالسجن بالنسبة الى المسبيين، لأنها تحُول دون عودتهم الى اورشليم. لكنَّ دفاعات بابل لا تقف عائقا امام القادر على كل شيء، ذاك الذي جعل قبلا «في البحر [الاحمر] طريقا وفي المياه القوية مسلكا» — اشارة الى مياه الاردن كما يَظهر. (خروج ١٤:١٦؛ يشوع ٣:١٣) وكذلك سيجعل كورش، الاداة التي يستخدمها يهوه، مياه الفرات تتراجع، مما يتيح لمحاربيه دخول المدينة. أما التجار الكلدانيون المتنقّلون عبر قنوات بابل — مجارٍ مائية تجوبها آلاف السفن التجارية والمراكب التي تحمل الآلهة البابلية — فسينوحون عندما تسقط عاصمتهم الجبارة. وكمركبات فرعون في البحر الاحمر، لن تنفع مركبات بابل السريعة في شيء. وهي لن تنقذهم. وستُطفأ حياة ايّ مدافعين محتمَلين بالسهولة نفسها التي تُطفأ بها فتيلة القنديل.
يهوه يحمي شعبه العائد
١٧، ١٨ (أ) ايّ امر «جديد» يتنبأ يهوه به؟ (ب) بأيّ معنى يلزم ألا يذكر الشعب الاوليات، ولماذا؟
١٧ يقول يهوه، مقارنا اعماله الانقاذية السابقة بما ينوي فعله: «لا تذكروا الاوليات. والقديمات لا تتأملوا بها. هأنذا صانع امرا جديدا. الآن ينبت. ألا تعرفونه. أجعل في البرية طريقا في القفر انهارا. يمجدني حيوان الصحراء الذئاب وبنات النعام لأني جعلت في البرية ماء انهارا في القفر لأسقي شعبي مختاري. هذا الشعب جبلته لنفسي. يحدِّث بتسبيحي». — اشعياء ٤٣:١٨-٢١.
١٨ عندما يقول يهوه «لا تذكروا الاوليات»، لا يطلب من خدامه ان يمحوا من ذاكرتهم اعماله الانقاذية السابقة. فالكثير من هذه الاعمال هو جزء من تاريخ اسرائيل الموحى به من اللّٰه، وقد امر يهوه بأن يتذكروا خروجهم من مصر كل سنة عند الاحتفال بالفصح. (لاويين ٢٣:٥؛ تثنية ١٦:١-٤) لكنَّ يهوه يريد الآن من شعبه ان يمجّده ‹لأمر جديد› — امر سيرونه بأم عينهم. ولا يشتمل ذلك على انقاذهم من بابل فحسب، بل ايضا على رحلة عودتهم العجائبية، ربما عبر طريق الصحراء الاقصر. ففي تلك الارض القاحلة، سيجعل يهوه لهم «طريقا» ويقوم بعجائب تذكّر بما فعله من اجل الاسرائيليين في ايام موسى، اذ سيُطعم العائدين في الصحراء ويطفئ ظمأهم بأنهار حقيقية. وستكون تدابير يهوه سخية جدا حتى ان الحيوانات البرية ستمجّد اللّٰه ولن تهاجم الشعب.
١٩ كيف يسلك اعضاء بقية اسرائيل الروحي ورفقاؤهم في «الطريق المقدسة»؟
١٩ وبشكل مماثل، تحرَّرت بقية اسرائيل الروحي من الاسر البابلي سنة ١٩١٩، وشرعوا يسلكون في طريق اعدَّها لهم يهوه، «الطريق المقدسة». (اشعياء ٣٥:٨) لم يضطر هؤلاء الى السير في صحراء حارقة من موقع جغرافي الى آخر، كما فعل الاسرائيليون، ولم تنتهِ رحلتهم بالوصول الى اورشليم بعد بضعة اشهر. لكنَّ «الطريق المقدسة» قادت بقية المسيحيين الممسوحين الى فردوس روحي. وهم لا يزالون في تلك «الطريق المقدسة»، لأنهم لا بد ان يعبروا نظام الاشياء هذا بعد. وما داموا في السكة — اي ما داموا يحفظون مقاييس اللّٰه المتعلقة بالطهارة والقداسة — يبقون في الفردوس الروحي. وكم يفرحون بانضمام جمع كثير من الرفقاء «غير الاسرائيليين» اليهم! وفي تباين حاد مع الذين يعتمدون على نظام الشيطان، يستمر اعضاء البقية ورفقاؤهم في التمتع بوليمة روحية غنية من يد يهوه. (اشعياء ٢٥:٦؛ ٦٥:١٣، ١٤) وكثيرون من الاشخاص المشبَّهين بالوحوش، حين يرون بركات يهوه على شعبه، يغيِّرون طرقهم ويمجِّدون الاله الحقيقي. — اشعياء ١١:٦-٩.
يهوه يكشف عن تضايقه
٢٠ كيف خذلت اسرائيل يهوه في ايام اشعيا؟
٢٠ ان البقية المستردة من اسرائيل في الماضي مختلفون عن الجيل الشرير في ايام اشعيا. يقول يهوه عن ذلك الجيل الشرير: «انت لم تدعُني يا يعقوب حتى تتعب من اجلي [«بل سئمت مني»، تف] يا اسرائيل. لم تحضر لي شاةَ محرقتك وبذبائحك لم تكرمني. لم استخدمك [«انا ما ألزمتُك»، جد] بتقدمة ولا اتعبتُك بلُبان. لم تشترِ لي بفضة قصبا وبشحم ذبائحك لم تُرْوِني. لكن استخدمتَني بخطاياك [«جعلتني اخدمك بسبب خطاياك»، عج] وأتعبتَني بآثامك». — اشعياء ٤٣:٢٢-٢٤.
٢١، ٢٢ (أ) لماذا يمكن القول ان مطالب يهوه ليست ثقيلة؟ (ب) بأيّ معنى يُلزم الشعب يهوه بأن يخدمهم؟
٢١ عندما يقول يهوه: ‹ما ألزمتُك بتقدمة ولا اتعبتُك بلُبان›، لا يقصد ان التقدمة واللبان (احد مكوِّنات البخور المقدس) ليسا مفروضَين عليهم. فهما جزء لا يتجزأ من العبادة الحقة تحت عهد الشريعة. ويصح الامر نفسه في ‹القصب›، الذي يشير الى قصب الذَّريرة العطر، وهو احد المكوِّنات الطيبة الرائحة لدهن المسحة المقدس. فالاسرائيليون يتجاهلون استعمال هذه الاشياء في خدمة الهيكل. ولكن هل هذه المطالب ثقيلة؟ كلا! فمطالب يهوه خفيفة مقارنةً بما تطلبه الآلهة الباطلة. مثلا، اقتضت عبادة الاله الباطل مولك تقديم الاولاد ذبائح — شيء لم يأمر به يهوه قط! — تثنية ٣٠:١١؛ ميخا ٦:٣، ٤، ٨.
٢٢ لو كان عند الاسرائيليين ادراك روحي، لَما ‹سئموا قط من يهوه›. فبفحص شريعته، كانوا سيرون مدى عمق محبته لهم، وكانوا سيقدّمون له ‹الشحم› — افضل اجزاء ذبائحهم — عن طيب نفس. لكنهم أبقوا الشحم لأنفسهم بجشع. (لاويين ٣:٩-١١، ١٦) وكم ارهقت هذه الامة الشريرة يهوه بخطاياها، ملزمةً اياه بأن يخدمها. — نحميا ٩:٢٨-٣٠.
التأديب يثمر
٢٣ (أ) لماذا التأديب الذي يمنحه يهوه يستأهله نائلوه؟ (ب) على ماذا يشتمل تأديب اللّٰه لإسرائيل؟
٢٣ مع ان تأديب يهوه شديد — وهم يستأهلونه — فهو يحقق الغايات المنشودة، وهذا ما يجعل اظهار الرحمة ممكنا. «انا انا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي وخطاياك لا اذكرها. ذكِّرني فنتحاكم معا. حدِّث لكي تتبرر. ابوك الاول اخطأ ووسطاؤك عصوا عليَّ. فدنستُ رؤساء القدس ودفعتُ يعقوب الى اللعن وإسرائيل الى الشتائم». (اشعياء ٤٣:٢٥-٢٨) تحدَّرت اسرائيل، كجميع امم العالم، من «الاول»، آدم. لذلك لا يستطيع ايّ اسرائيلي ان ‹يتبرر›. حتى وسطاء اسرائيل — معلّمو او مفسِّرو شريعتها — اخطأوا الى يهوه وعلّموا الاكاذيب. وبالمقابل، سيسلّم يهوه كامل امته الى «اللعن» و «الشتائم». وسيدنّس ايضا كل اصحاب المسؤوليات في ‹مقدسه›.
٢٤ لأيّ سبب رئيسي يغفر يهوه لشعبه — القديم والعصري على السواء — ومع ذلك بماذا يشعر نحوهم؟
٢٤ ولكن لاحظوا ان الرحمة الالهية لن يُعرب عنها لمجرد ان اسرائيل ندمت، بل لأجل يهوه. نعم، فاسمه مشمول بالامر. فإذا ترك اسرائيل مسبيَّة الى الابد، عيَّر الناظرون اسمه. (مزمور ٧٩:٩؛ حزقيال ٢٠:٨-١٠) واليوم ايضا، يحتل خلاص البشر المرتبة الثانية بعد تقديس اسم يهوه وتبرئة سلطانه. لكنَّ يهوه يحب الذين يقبلون تأديبه دون تحفُّظ ويعبدونه بالروح والحق. وهو يعرب عن محبته لهؤلاء — سواء أكانوا ممسوحين ام من الخراف الاخر — بمحو تعدّياتهم على اساس ذبيحة يسوع المسيح. — يوحنا ٣:١٦؛ ٤:٢٣، ٢٤.
٢٥ اية امور مدهشة سيقوم بها يهوه في المستقبل القريب، وكيف يمكننا إظهار تقديرنا الآن؟
٢٥ وعلاوة على ذلك، سيعرب يهوه قريبا عن محبته لجمع كثير من عبّاده الاولياء حين يصنع شيئا جديدا من اجلهم وينقذهم من «الضيق العظيم» ويُدخلهم الى ‹ارض جديدة› مطهَّرة. (كشف ٧:١٤؛ ٢ بطرس ٣:١٣) فسيشاهدون كيف سيعبّر يهوه عن قوته بأروع طريقة رآها البشر. والتوقع الاكيد لهذا الحدث يجعل البقية الممسوحة وجميع الذين سيؤلفون الجمع الكثير يبتهجون ويعيشون كل يوم من حياتهم بانسجام مع هذا التفويض السامي: «انتم شهودي». — اشعياء ٤٣:١٠.
[الحاشية]
a الكثير من الآلهة، في اساطير الامم، «مولودة» ولها «اولاد».
[الصورة في الصفحتين ٤٨ و ٤٩]
يدعم يهوه اليهود في طريق عودتهم الى اورشليم
[الصور في الصفحة ٥٢]
يتحدى يهوه الامم ان يأتوا بشهود لآلهتهم
١- تمثال برونزي لبعل ٢- تماثيل صلصالية صغيرة لعَشْتورة ٣- الثالوث المصري المؤلف من حورس وأوزيريس وإيزيس ٤- الإلاهتان اليونانيتان اثينا (الى اليسار) وأفروديت
[الصور في الصفحة ٥٨]
«انتم شهودي». — اشعياء ٤٣:١٠
-
-
الاله الحقيقي ينبئ بالإنقاذنبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل الخامس
الاله الحقيقي ينبئ بالإنقاذ
١، ٢ (أ) اية مسألة يثيرها يهوه؟ (ب) كيف سيثبت يهوه انه وحده الاله الحقيقي؟
‹مَن هو الاله الحقيقي؟›. كثيرا ما طُرح هذا السؤال على مرّ القرون. وكم هو مدهش ان يثير يهوه نفسه هذه المسألة في سفر اشعياء! فهو يدعو البشر الى التفكير في هذا الامر: هل يهوه هو الاله الحقيقي الوحيد؟ أم ان هنالك الها آخر يمكن ان يتحدّاه في مركزه؟ وبعد البدء بالمناقشة، يضع يهوه معايير منطقية لبتّ مسألة الالوهية. والتحليل المقدَّم هنا يوصل مستقيمي القلوب الى استنتاج واحد لا غير.
٢ تنتشر عبادة التماثيل على نطاق واسع في ايام اشعيا. وكم تبدو عبادة التماثيل باطلة في المناقشة الصريحة والواضحة المسجلة في سفر اشعياء النبوي الاصحاح ٤٤! لكنَّ شعب اللّٰه سقطوا في فخ عبادة الاصنام. لذلك سيؤدَّب الاسرائيليون تأديبا شديدا، كما يُذكر في الاصحاحات السابقة من سفر اشعياء. ومع ذلك، يؤكد يهوه للامة بمحبة انه رغم سماحه للبابليين بأخذ شعبه الى السبي، سينقذهم في وقته المعين. وإتمام نبوتَي الانقاذ من الاسر ورد العبادة النقية سيُثبِت، بشكل لا يرقى اليه الشك، ان يهوه وحده هو الاله الحقيقي، خزيًا لكل الذين يعبدون آلهة الامم العديمة الحياة.
٣ كيف تساعد كلمات اشعيا النبوية المسيحيين اليوم؟
٣ ان النبوات المسجلة في هذا الجزء من سفر اشعياء وإتمامها في الازمنة القديمة يقوّيان ايمان المسيحيين اليوم. كذلك تشهد كلمات اشعيا النبوية اتماما في ايامنا وفي المستقبل. وتشتمل الاحداث على شخص منقذ وعلى عمل انقاذي اعظم بكثير مما كان ينتظر شعب اللّٰه قديما.
رجاء لمَن هم ليهوه
٤ كيف يشجع يهوه اسرائيل؟
٤ يُستهل الاصحاح ٤٤ بملاحظة ايجابية تذكّر بأن اسرائيل اختاره اللّٰه، اذ فرزه من بين الامم المحيطة ليصير عبدا له. تقول النبوة: «والآن اسمع يا يعقوب عبدي وإسرائيل الذي اخترته. هكذا يقول الرب صانعك وجابلك من الرحم معينك. لا تخف يا عبدي يعقوب ويا يشورون الذي اخترته». (اشعياء ٤٤:١، ٢) يهتم يهوه بإسرائيل من رحم امه، اذا جاز التعبير، اي منذ صار اسرائيل امة بعد الخروج من مصر. ويدعو شعبه جماعيا «يشورون»، اي «مستقيم»، لقب يعبِّر عن المودة والحنان. ويذكّر هذا الاسم الاسرائيليين ايضا بأنهم يجب ان يبقوا مستقيمين، الامر الذي غالبا ما لم يفعلوه.
٥، ٦ اية تدابير منعشة يزوِّدها يهوه لإسرائيل، وبأية نتيجة؟
٥ كم هي مبهجة ومنعشة كلمات يهوه التالية! فهو يقول: «اسكب ماء على العطشان وسيولا على اليابسة. اسكب روحي على نسلك وبركتي على ذريتك. فينبتون بين العشب مثل الصفصاف على مجاري المياه». (اشعياء ٤٤:٣، ٤) يمكن ان تنمو الاشجار بجانب مصادر المياه حتى في الارض الحارة والجافة. وعندما يزوّد يهوه مياه الحق المانحة الحياة ويسكب روحه القدس، سينمو اسرائيل بقوة كالاشجار المغروسة على طول قنوات الري. (مزمور ١:٣؛ ارميا ١٧:٧، ٨) وسيمنح يهوه شعبه القوة ليقوموا بدورهم كشهود على ألوهيته.
٦ احدى نتائج هذا السكب للروح القدس هي ان بعض الافراد سيتجدد تقديرهم للعلاقة التي تربط اسرائيل بيهوه. وهكذا نقرأ: «هذا يقول انا للرب وهذا يكنّي باسم يعقوب وهذا يكتب بيده للرب وباسم اسرائيل يلقِّب». (اشعياء ٤٤:٥) نعم، سيكون حمل اسم يهوه امرا مشرِّفا، لأنه سيتبيَّن انه هو الاله الحقيقي الوحيد.
تحدٍّ للآلهة
٧، ٨ كيف يتحدى يهوه آلهة الامم؟
٧ تحت الشريعة الموسوية، كان يوجد وليّ — وهو عادةً النسيب الذكر الاقرب — يستطيع ان يفكّ اسر المرء او يفتديه، محرِّرا اياه. (لاويين ٢٥:٤٧-٥٤؛ راعوث ٢:٢٠) هنا يقول يهوه عن نفسه انه فادي اسرائيل، الوليّ الذي يفدي الامة، خزيًا لبابل وكل آلهتها. (ارميا ٥٠:٣٤) وهو يواجه الآلهة الباطلة وعبّادها، قائلا: «هكذا يقول الرب ملك اسرائيل وفاديه رب الجنود. انا الاول وأنا الآخِر ولا اله غيري. ومَن مثلي ينادي فليخبر به ويعرضه لي منذ وضعتُ الشعب القديم. والمستقبِلات وما سيأتي ليخبروهم بها. لا ترتعبوا ولا ترتاعوا. أمَا أعلمتُك منذ القديم وأخبرتك. فأنتم شهودي. هل يوجد اله غيري. ولا صخرة. لا اعلم بها». — اشعياء ٤٤:٦-٨.
٨ يتحدى يهوه الآلهة ان تقدّم إثباتاتها. هل يمكنها ان تدعو الاشياء غير الموجودة كأنها موجودة، اي ان تنبئ بأحداث مستقبلية بدرجة فائقة من الدقة بحيث يبدو وكأنها تحصل حاليا؟ وحده ‹الاول والآخِر›، الذي هو موجود قبلما فكّر احد في الآلهة الباطلة وسيبقى موجودا حتى بعد ان تكون قد نُسيت، قادر على فعل ذلك. ويلزم ألا يخاف شعبه من ان يشهدوا لهذه الحقيقة، لأن يهوه يدعمهم، وإلههم ثابت وراسخ كصخرة كبيرة! — تثنية ٣٢:٤؛ ٢ صموئيل ٢٢:٣١، ٣٢.
عبادة التماثيل باطلة
٩ هل كان خطأ ان يصنع الاسرائيليون ايّ شكل لمخلوق حي؟ اوضحوا.
٩ ان تحدّي يهوه للآلهة الباطلة يذكّر بالوصية الثانية من الوصايا العشر. تذكر هذه الوصية بوضوح: «لا تصنع لك تمثالا منحوتا ولا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الارض من تحت وما في الماء من تحت الارض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن». (خروج ٢٠:٤، ٥) لم يعنِ هذا التحريم طبعا انه ما كان الاسرائيليون ليصنعوا اشكالا تمثِّل اشياء محددة بهدف الزينة. فيهوه نفسه امر بأن توضع اشكال تمثِّل نباتات وكروبيم في المقدس. (خروج ٢٥:١٨، ٣٣؛ ٢٦:٣١) ولكن لم توضع هذه الاشياء لتكرَّم او تُعبد. فلا احد كان سيصلّي او يقدّم الذبائح لها. لقد حرَّمت الوصية الموحى بها من اللّٰه صنع ايّ صورة او تمثال بهدف العبادة. وعبادة التماثيل او السجود امامها بتوقير هو عمل صنمية. — ١ يوحنا ٥:٢١.
١٠، ١١ لماذا يعتبر يهوه التماثيل مخزية؟
١٠ يصف اشعيا الآن بُطل التماثيل العديمة الحياة والخزي الذي ينتظر صانعيها: «الذين يصوِّرون صنما كلهم باطل ومشتهياتهم لا تنفع وشهودهم هي. لا تبصر ولا تعرف حتى تخزى. مَن صوَّر الها وسبك صنما لغير نفع. ها كل اصحابه يخزون والصنَّاع هم من الناس. يجتمعون كلهم يقفون يرتعبون ويخزون معا». — اشعياء ٤٤:٩-١١.
١١ لماذا يعتبر يهوه هذه التماثيل مخزية الى هذا الحد؟ اولا، لأنه يستحيل تمثيل القادر على كل شيء تمثيلا دقيقا بأشياء مادية. (اعمال ١٧:٢٩) وكذلك تُعتبر عبادة الاشياء المصنوعة بدل الخالق تحدّيًا لألوهية يهوه. أوَلا يمس ذلك ايضا كرامة الانسان الذي خُلق «على صورة اللّٰه»؟ — تكوين ١:٢٧؛ روما ١:٢٣، ٢٥.
١٢، ١٣ لماذا لا يستطيع الانسان ان يصنع تمثالا جديرا بأن يُعبد؟
١٢ هل يمكن ان يكتسب شيء مادي صفة القداسة لأنه صُنع ليُعبد؟ يذكِّرنا اشعيا بأن صنع التماثيل هو عمل بشري ليس اكثر. فالادوات والاساليب التي يستعملها صانع التماثيل هي نفسها التي يستعملها ايّ حرفيّ آخر: «طَبَع الحديد قَدومًا وعمل في الفحم وبالمطارق يصوِّره فيصنعه بذراع قوته. يجوع ايضا فليس له قوة. لم يشرب ماء وقد تعب. نجَّر خشبا. مدَّ الخيط. بالمخرز يعلّمه يصنعه بالازاميل وبالدوَّارة يرسمه. فيصنعه كشَبَه رجل كجَمال انسان ليسكن في البيت». — اشعياء ٤٤:١٢، ١٣.
١٣ الاله الحقيقي هو الذي صنع كل المخلوقات الحية على هذه الارض، بما فيها الانسان. والحياة الواعية هي شهادة رائعة على ألوهية يهوه، لكنَّ كل ما خلقه يهوه هو طبعا ادنى منه. فهل يعقل ان يتحلى الانسان بقدرة اعظم من يهوه؟ هل بإمكانه ان يصنع شيئا اسمى من نفسه حتى يستحق تعبُّده؟ عندما يصنع الانسان تمثالا، يشعر بالتعب والجوع والعطش. انها حدود الانسان، لكنها تُظهر على الاقل ان الانسان حي. صحيح ان التمثال الذي يصنعه يشبه الانسان. وقد يكون جميلا ايضا. لكنه في النهاية عديم الحياة. فلا يمكن ان تكون للتماثيل طبيعة اسمى من طبيعة البشر. كذلك لم يحدث قط ان ‹سقط تمثال من السماء›، فالتماثيل لا تنشأ إلا من الانسان الفاني. — اعمال ١٩:٣٥.
١٤ كيف يعتمد صانعو التماثيل كليا على يهوه؟
١٤ يمضي اشعيا مُظهرا ان صانعي التماثيل يعتمدون كليا على العمليات الطبيعية وعلى المواد التي خلقها يهوه: «قطع لنفسه ارزا وأخذ سنديانا وبلوطا واختار لنفسه من اشجار الوعر. غرس سنوبرا والمطر ينميه. فيصير للناس للايقاد. ويأخذ منه ويتدفأ. يشعل ايضا ويخبز خبزا ثم يصنع الها فيسجد. قد صنعه صنما وخرَّ له. نصفه احرقه بالنار. على نصفه يأكل لحما. يشوي مشويًّا ويشبع. يتدفأ ايضا ويقول بَخ قد تدفَّأت رأيت نارا. وبقيَّته قد صنعها الها صنما لنفسه. يخرّ له ويسجد ويصلي اليه ويقول نجِّني لأنك انت الهي». — اشعياء ٤٤:١٤-١٧.
١٥ ايّ انعدام مطبِق للفهم يُعرب عنه صانع التماثيل؟
١٥ هل يمكن لقطعة خشب غير محترقة ان تنجّي احدا؟ طبعا لا. فالاله الحقيقي وحده قادر على الانقاذ. ولكن كيف يمكن للناس ان يؤلّهوا اشياء جامدة؟ يُظهر اشعيا ان المشكلة الحقيقية تكمن في قلب الشخص: «لا يعرفون ولا يفهمون لأنه قد طمست عيونهم عن الابصار وقلوبهم عن التعقل. ولا يردد في قلبه وليس له معرفة ولا فهم حتى يقول نصفه قد احرقتُ بالنار وخبزتُ ايضا على جمره خبزا شويتُ لحما وأكلت. أفأصنع بقيَّته رجسا ولساق شجرة أخرّ. يرعى رمادا. قلب مخدوع قد اضله فلا ينجّي نفسه ولا يقول أليس كذب في يميني». (اشعياء ٤٤:١٨-٢٠) نعم، القول ان الصنمية يمكن ان تمنح ايّ خير روحي يشبه اكل الرماد بدلا من تناول الطعام المغذي.
١٦ كيف نشأت الصنمية، وماذا يمكن ان يُوقع المرء فيها؟
١٦ كانت بداية الصنمية في السماء حين صار المخلوق الروحاني القوي، الذي اصبح الشيطان، يطمع بالعبادة التي لا تليق الا بيهوه. ومن فرط ما كانت رغبة الشيطان قوية، ابتعد عن اللّٰه. كانت تلك بداية الصنمية، لأن الرسول بولس قال ان الطمع هو صنمية. (اشعياء ١٤:١٢-١٤؛ حزقيال ٢٨:١٣-١٥، ١٧؛ كولوسي ٣:٥) ودفع الشيطان الزوجين البشريين الاولين الى التأمل في افكار انانية. فقد طمعت حواء بما عرضه الشيطان عليها: «تنفتح اعينكما وتكونان كاللّٰه عارفين الخير والشر». وذكر يسوع ان الطمع يخرج من القلب. (تكوين ٣:٥؛ مرقس ٧:٢٠-٢٣) ويمكن ان يقع المرء في الصنمية حين يفسد القلب. فكم هو مهم ان ‹نحفظ قلبنا› جميعا، غير سامحين لأحد او لشيء بأن يشغل مكان يهوه فيه! — امثال ٤:٢٣؛ يعقوب ١:١٤.
يهوه يناشد القلوب
١٧ ماذا ينبغي ان يتذكر اسرائيل؟
١٧ بعد ذلك يناشد يهوه الاسرائيليين ان يتذكروا انهم في مركز رفيع ينطوي على مسؤولية. فهم شهوده! يقول: «اذكر هذه يا يعقوب. يا اسرائيل فإنك انت عبدي. قد جبلتُك. عبد لي انت. يا اسرائيل لا تُنسى مني. قد محوت كغيم ذنوبك وكسحابة خطاياك. ارجع اليَّ لأني فديتك. ترنمي ايتها السموات لأن الرب قد فعل. اهتفي يا اسافل الارض اشيدي ايتها الجبال ترنُّما الوعر وكل شجرة فيه لأن الرب قد فدى يعقوب وفي اسرائيل تمجد». — اشعياء ٤٤:٢١-٢٣.
١٨ (أ) لأيّ سبب يجب ان يفرح اسرائيل؟ (ب) كيف يمكن لخدام يهوه اليوم ان يتمثلوا برحمته؟
١٨ لم يجبل اسرائيل يهوه. فهو ليس الها من صنع البشر. انما يهوه هو الذي جبلَ اسرائيل ليكون عبده المختار. وسيثبت ألوهيته من جديد حين ينجّي الامة. وهو يخاطب شعبه برقة، مؤكدا لهم انهم اذا تابوا، فسيغطي خطاياهم كاملا ويخفي تعدياتهم كما لو انها خلف سُحُب لا تُخترق. ما اعظم هذا السبب ليفرح اسرائيل! ومثال يهوه يدفع خدامه العصريين الى التمثل برحمته. ويمكنهم فعل ذلك بمساعدة الضالين، محاولين إن امكن اعادة تقويتهم روحيا. — غلاطية ٦:١، ٢.
ذروة امتحان الالوهية
١٩، ٢٠ (أ) كيف يأتي يهوه بإثباتاته الى الذروة؟ (ب) اية امور مبهجة يتنبأ بها يهوه عن شعبه، ومَن سيستخدم ليحقق هذه الامور؟
١٩ يأتي يهوه الآن بإثباتاته القانونية الى ذروة عظيمة. فهو يوشك ان يقدّم جوابه عن اقسى امتحان للألوهية: القدرة على الإنباء بالمستقبل بشكل دقيق. يدعو احد علماء الكتاب المقدس الاعداد الخمسة التالية من اشعياء الاصحاح ٤٤ «قصيدة تعالي اله اسرائيل»، الخالق الوحيد، الذي لا احد غيره يكشف المستقبل ويعطي اسرائيل املا بالانقاذ. وتتصاعد الاثارة في هذه الآيات حتى تبلغ ذروتها بإعلان اسم الرجل الذي سيحرر الامة من بابل.
٢٠ «هكذا يقول الرب فاديكَ وجابلك من البطن. انا الرب صانع كل شيء ناشر السموات وحدي باسط الارض. مَن معي. مبطّل آيات المخادعين ومحمّق العرّافين. مرجّع الحكماء الى الوراء ومجهّل معرفتهم. مقيم كلمة عبده ومتمّم رأي رسله. القائل عن اورشليم ستُعمر ولمدن يهوذا ستُبنَين وخِرَبها اقيم. القائل للجة انشفي وأنهارك اجفف القائل عن كورش راعيَّ فكل مسرتي يتمّم ويقول عن اورشليم ستُبنى وللهيكل ستؤسَّس». — اشعياء ٤٤:٢٤-٢٨.
٢١ اية ضمانة تعطيها كلمات يهوه؟
٢١ نعم، لا يملك يهوه القدرة على الانباء بالمستقبل فحسب، بل يملك القدرة ايضا على تحقيق قصده المعلن بالتمام. وسيعطي هذا الاعلان اسرائيل الامل. فمع ان الجيوش البابلية ستخرب الارض، سيكون كلامه ضمانة ان اورشليم والمدن التابعة لها ستعمر من جديد وستعود العبادة الحقة الى هناك. ولكن كيف؟
٢٢ صفوا كيف نشف نهر الفرات.
٢٢ لا يجرؤ العرّافون عادةً على تحديد التفاصيل بدقة خوفا من ان يثبت مرور الزمن انهم على خطإ. وبالتباين، يكشف يهوه بواسطة اشعيا اسم الرجل الذي سيستخدمه ليحرّر شعبه من الاسر حتى يعودوا الى ارضهم ويعيدوا بناء اورشليم والهيكل. واسم هذا الرجل كورش، ويُعرف بكورش الكبير ملك فارس. كما ان يهوه يذكر تفاصيل الاستراتيجية التي سيستخدمها كورش ليخترق نظام بابل الدفاعي الضخم والمتقن. صحيح ان بابل ستكون محميَّة بأسوار عالية ومجارٍ مائية تخرق المدينة وتلتفّ حولها. لكنَّ كورش سيستغل العنصر البارز في هذا النظام الدفاعي — نهر الفرات — لمصلحته. فبحسب المؤرخَين القديمَين هيرودوتُس وزينوفون، قام كورش بتحويل مجرى الفرات قبل ان يصل الى بابل، وهكذا انخفض مستوى النهر بحيث صار بإمكان جنوده ان يخوضوا الماء. لقد نشف نهر الفرات العظيم بحيث عجز عن حماية بابل.
٢٣ ماذا يخبر السجل عن إتمام النبوة القائلة ان كورش سيحرّر اسرائيل؟
٢٣ وماذا عن الوعد بأن كورش سيطلق سراح شعب اللّٰه ويحرص ان يُعاد بناء اورشليم وهيكلها؟ يعلن كورش نفسه، في بلاغ رسمي محفوظ في الكتاب المقدس: «هكذا قال كورش ملك فارس. جميع ممالك الارض دفعها لي الرب اله السماء وهو اوصاني ان ابني له بيتا في اورشليم التي في يهوذا. مَن منكم من كل شعبه ليكن الهه معه ويصعد الى اورشليم التي في يهوذا فيبني بيت الرب اله اسرائيل. هو الاله. الذي في اورشليم». (عزرا ١:٢، ٣) وبهذا يتم كلام يهوه بواسطة اشعيا بحذافيره!
اشعيا، كورش، والمسيحيون اليوم
٢٤ اية علاقة توجد بين خروج الامر من قِبل ارتحشستا ‹بتجديد اورشليم وبنائها› ومجيء المسيا؟
٢٤ ان الاصحاح ٤٤ من سفر اشعيا يعظّم يهوه بصفته الاله الحقيقي الوحيد ومنقذ شعبه القديم. وكذلك تحمل النبوة معاني عميقة لنا جميعا اليوم. فمرسوم كورش القاضي بإعادة بناء هيكل اورشليم، الذي صدر في ٥٣٨/٥٣٧ قم، استهل سلسلة من الاحداث بلغت ذروتها في إتمام نبوة بارزة اخرى. فمرسوم كورش تبعه مرسوم اصدره حاكم آخر يدعى ارتحشستا، وهو الذي امر بإعادة بناء مدينة اورشليم. وكشف سفر دانيال انه «من خروج الامر لتجديد اورشليم وبنائها [سنة ٤٥٥ قم] الى المسيح الرئيس»، سيمرّ ٦٩ «اسبوعا» بحيث يتألف كل اسبوع من ٧ سنين. (دانيال ٩:٢٤، ٢٥) وهذه النبوة تحققت هي ايضا. ففي الوقت المحدد، في سنة ٢٩ بم، بعد ٤٨٣ سنة من سريان مفعول مرسوم ارتحشستا في ارض الموعد، اعتمد يسوع وبدأ خدمته الارضية.a
٢٥ الى ماذا يشير سقوط بابل على يد كورش في الازمنة العصرية؟
٢٥ ان اطلاق سراح اليهود الاولياء من بابل، الذي صار ممكنا بعد سقوط بابل، يناظره اطلاق سراح المسيحيين الممسوحين من السبي الروحي سنة ١٩١٩. فقد كان خروجهم هذا دليلا على ان بابلًا اخرى، موصوفة بعاهرة تدعى بابل العظيمة ترمز الى اديان العالم الباطلة جمعاء، سقطت هي ايضا. وكما هو مسجل في سفر الكشف، انبأ الرسول يوحنا مسبقا بسقوطها. (كشف ١٤:٨) وأنبأ ايضا بدمارها المفاجئ. ووصْف يوحنا لدمار هذه الامبراطورية العالمية المليئة بالاصنام يشبه في بعض الاوجه وصْف اشعيا لغزوة كورش الناجحة لمدينة بابل القديمة. فكما ان المجاري المائية الدفاعية في بابل لم تنقذها من كورش، كذلك ‹سيجف ماء› البشرية التي تدعم وتحمي بابل العظيمة قبل ان تلقى مصيرها العادل وتدمَّر. — كشف ١٦:١٢.b
٢٦ كيف تقوّي نبوة اشعيا وإتمامها ايماننا؟
٢٦ واليوم، بعد اكثر من ألفين وخمسمئة سنة من تفوُّه اشعيا بنبوته، نرى ان اللّٰه ‹يتمم فعلا رأي رسله›. (اشعياء ٤٤:٢٦) وهكذا يكون اتمام نبوة اشعيا مثالا بارزا لصحة كل النبوات المسجلة في الاسفار المقدسة.
[الحاشيتان]
a انظروا الفصل ١١ من كتاب انتبهوا لنبوة دانيال!، اصدار جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس في نيويورك.
b انظروا الفصلين ٣٥ و ٣٦ من كتاب الرؤيا — ذروتها العظمى قريبة!، اصدار جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس في نيويورك.
[الصورة في الصفحة ٦٣]
هل يمكن لقطعة خشب غير محترقة ان تنجّي احدا؟
[الصورة في الصفحة ٧٥]
يتمم كورش النبوة بتحويل مياه الفرات
-
-
يهوه — «اله بار ومخلّص»نبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل السادس
يهوه — «اله بار ومخلّص»
١، ٢ اية وعود مطَمئنة ترد في الاصحاح ٤٥ من سفر اشعياء، وأية اسئلة سيجري التأمل فيها؟
وعود يهوه يُعتمد عليها. انه كاشف المستقبل وخالق الاشياء. وقد بيَّن مرة بعد اخرى انه اله بار ومخلّص لأناس من كل الامم. هذه بعض الوعود المبهجة المطَمئنة التي نجدها في الاصحاح ٤٥ من سفر اشعياء.
٢ وكذلك يحتوي الاصحاح ٤٥ على مثال بارز لقدرة يهوه على التنبؤ. فروح اللّٰه يمكّن اشعيا من مراقبة البلدان البعيدة ورؤية الاحداث قبل قرون من وقوعها، ويدفعه الى وصف حادثة لا احد غير يهوه، اله النبوة الحقيقية، قادر على الانباء بها بهذه الدقة. فما هي هذه الحادثة؟ كيف تؤثر في شعب اللّٰه في ايام اشعيا؟ وما مغزاها لنا اليوم؟ دعونا نتأمل في كلمات النبي.
وحي يهوه من جهة بابل
٣ بأية تعابير حية تصف اشعياء ٤٥:١-٣ أ غزوة كورش؟
٣ «هكذا يقول الرب لمسيحه لكورش الذي امسكت بيمينه لأدوس امامه امما وأحقاء ملوك احلّ لأفتح امامه المصراعَين والابواب لا تُغلَق. انا اسير قدامك والهضاب امهِّد. اكسِّر مصراعَي النحاس ومغاليق الحديد اقصف. وأعطيك ذخائر الظلمة وكنوز المخابئ». — اشعياء ٤٥:١-٣ أ.
٤ (أ) لماذا يدعو يهوه كورش ‹مسيحه›؟ (ب) كيف سيضمن يهوه انتصار كورش؟
٤ يتحدث يهوه، بواسطة اشعيا، الى كورش كما لو انه حيّ، مع ان كورش لم يكن قد وُلد بعدُ في ايام اشعيا. (روما ٤:١٧) وبما ان يهوه عيَّن كورش مسبقا ليقوم بمهمة محددة، يمكن القول عن كورش انه «مسيح» اللّٰه. وبتوجيه الهي سيدوس امما، مضعِفا قوة الملوك وجاعلا اياهم عاجزين عن المقاومة. وبعد ذلك، حين يهاجم كورش بابل، سيحرص يهوه على ان تكون ابواب المدينة مفتوحة، وهكذا لن تفيد شيئا — كما لو انها محطمة. وسيسير امام كورش، ممهِّدا كل العوائق في طريقه. ثم سيجتاح جيش كورش المدينة ويستولي على ‹كنوزها›، ثرواتها المخزونة في سراديبها المظلمة. هذا ما ينبئ به اشعيا؟ فهل تتحقق كلماته؟
٥، ٦ متى وكيف تتحقق النبوة المتعلقة بسقوط بابل؟
٥ في سنة ٥٣٩ قم — بعد نحو ٢٠٠ سنة من تسجيل اشعيا لهذه النبوة — وصل كورش بالفعل الى اسوار بابل ليهاجم المدينة. (ارميا ٥١:١١، ١٢) لكنَّ ذلك لم يقلق البابليين. فقد شعروا بأن مدينتهم لا تُقهر. فأسوارها العالية تشمخ فوق خنادق عميقة مليئة بالماء من نهر الفرات، الذي يشكّل جزءا من نظام المدينة الدفاعي. ولأكثر من مئة سنة، لم يتمكن ايّ عدو من احتلال المدينة بهجوم مباغت! وحاكم بابل المقيم فيها، بيلشاصر، يشعر بالامان حتى انه يعدّ وليمة ليتمتع مع شخصيات البلاط. (دانيال ٥:١) وفي تلك الليلة، ليلة ٥/٦ تشرين الاول (اكتوبر)، ينفّذ كورش خطة عسكرية بارعة.
٦ فإلى الشمال من بابل، كان مهندسو كورش قد شقّوا مسربا في ضفة نهر الفرات، محوِّلين مياهه بحيث لا تعود تجري جنوبا نحو المدينة. ولا يمضي وقت طويل حتى ينخفض منسوب مياه النهر في بابل وحولها بشكل يسمح لجنود كورش بخوض مجرى النهر والتوجّه نحو قلب المدينة. (اشعياء ٤٤:٢٧؛ ارميا ٥٠:٣٨) والمدهش ان البوابات على طول النهر مفتوحة، كما انبأ اشعيا. فتدخل قوات كورش بابل، تحتل القصر، وتقتل الملك بيلشاصر. (دانيال ٥:٣٠) وهكذا يتمّ الاجتياح في ليلة واحدة. ها قد سقطت بابل، وتمَّت النبوة بحذافيرها.
٧ كيف يتقوّى المسيحيون بالاتمام المذهل لنبوة اشعيا المتعلقة بكورش؟
٧ ان الاتمام الدقيق لهذه النبوة يقوِّي ايمان المسيحيين اليوم. فهو يعطيهم سببا قويا ليؤمنوا بأن نبوات الكتاب المقدس، التي لم تتم بعد، يُعتمد عليها هي ايضا. (٢ بطرس ١:٢٠، ٢١) يعرف عبّاد يهوه ان ما رمز اليه سقوط بابل سنة ٥٣٩ قم، اي سقوط «بابل العظيمة»، حدث في سنة ١٩١٩. لكنهم يتطلعون الى دمار هذه الهيئة الدينية العصرية وزوال النظام السياسي الذي يسيطر عليه الشيطان، الى إلقاء الشيطان في المهواة، وإلى حلول سموات جديدة وأرض جديدة. (كشف ١٨:٢، ٢١؛ ١٩:١٩-٢١؛ ٢٠:١-٣، ١٢، ١٣؛ ٢١:١-٤) وهم يعرفون ان نبوات يهوه ليست وعودا فارغة، بل وصف لأحداث مستقبلية اكيدة. وتتقوى ثقة المسيحيين الحقيقيين حين يتذكرون اتمام جميع التفاصيل في نبوة اشعيا بشأن سقوط بابل. فهم يعرفون ان يهوه يتمم دائما ما يقوله.
لماذا سيدعم يهوه كورش
٨ ما هو احد الاسباب التي جعلت يهوه يمنح كورش الغلبة على بابل؟
٨ بعد ان يذكر يهوه مَن سيغزو بابل وكيف سيحصل ذلك، يمضي موضحا احد الاسباب التي من اجلها ستُمنح الغلبة لكورش. فيقول يهوه، وهو يتكلم نبويا الى كورش، انه «لكي تعرف اني انا الرب الذي يدعوك باسمك اله اسرائيل». (اشعياء ٤٥:٣ ب) من المناسب ان يعرف حاكم الدولة العالمية الرابعة في تاريخ الكتاب المقدس ان الفضل في اعظم انتصاراته يعود الى دعم مَن هو اعظم منه — يهوه، المتسلط الكوني. وينبغي ان يعترف كورش ان مَن يدعوه، او يفوِّضه، هو يهوه اله اسرائيل. ويُظهر سجل الكتاب المقدس ان كورش اعترف فعلا بأن انتصاره العظيم اتى من يهوه. — عزرا ١:٢، ٣.
٩ لأيّ سبب آخر يجلب يهوه كورش ليغزو بابل؟
٩ يوضح يهوه السبب الثاني لجلبه كورش ليغزو بابل: «لأجل عبدي يعقوب وإسرائيل مختاري دعوتُك باسمك. لقبتُك وأنت لست تعرفني». (اشعياء ٤٥:٤) ان انتصار كورش على بابل انجاز عظيم. فهو يسم سقوط دولة عالمية وارتقاء اخرى، ويترك اثره في التاريخ على مدى اجيال. لكنَّ سكان الامم المحيطة، الذين يراقبون باهتمام بالغ ما يحدث، سيندهشون على الارجح حين يعلمون ان كل ذلك يحدث من اجل آلاف قليلة من المسبيين «العديمي الشأن»: اليهود، المتحدرين من يعقوب. لكنَّ هؤلاء الباقين من امة اسرائيل القديمة ليسوا ابدا عديمي الشأن في نظر يهوه. فهم ‹عبده›. وهم شعبه ‹المختار› من بين كل امم الارض. ومع ان كورش لم يكن يعرف يهوه، فقد جعله يهوه مسيحه ليقلب المدينة التي رفضت اطلاق اسراها. فليس قصد اللّٰه ان يبقى شعبه المختار الى الابد في ارض اجنبية.
١٠ ما هو اهم سبب لاستخدام يهوه كورش لكي يقضي على الدولة العالمية البابلية؟
١٠ هنالك ايضا سبب ثالث بالغ الاهمية يجعل يهوه يستخدم كورش ليقلب بابل. يقول يهوه: «انا الرب وليس آخر. لا اله سواي. نطَّقتك وأنت لم تعرفني. لكي يعلموا من مشرق الشمس ومن مغربها ان ليس غيري. انا الرب وليس آخر». (اشعياء ٤٥:٥، ٦) نعم، فسقوط الدولة العالمية البابلية هو دليل ساطع على ألوهية يهوه، وبرهان للجميع انه هو وحده يستحق العبادة. وبما ان شعب اللّٰه قد أُطلق سراحه، فسيعترف افراد من امم كثيرة — من الشرق الى الغرب — ان يهوه هو الاله الحقيقي الوحيد. — ملاخي ١:١١.
١١ كيف يوضح يهوه ان له القدرة على اتمام قصده تجاه بابل؟
١١ تذكروا ان نبوة اشعيا هذه سُجِّلت قبل ٢٠٠ سنة تقريبا من وقوع هذه الحادثة. وربما تساءل البعض، حين سمعوا هذه النبوة: ‹هل يملك يهوه القدرة فعلا على اتمامها؟›. يشهد التاريخ ان الجواب هو نعم. ويوضح يهوه لماذا من المنطقي الاعتقاد انه قادر على تحقيق ما يقوله: «مصوِّر النور وخالق الظلمة صانع السلام وخالق الشر [«الشقاء»، يج]. انا الرب صانع كل هذه». (اشعياء ٤٥:٧) كل شيء في الخليقة — من النور الى الظلمة — وكل شيء في التاريخ — من السلام الى الشقاء — خاضع لسيطرة يهوه. فكما خلق النور للنهار والظلمة لليل، كذلك سيجعل السلام لإسرائيل والشقاء لبابل. ويهوه له القدرة على خلق الكون، وله القدرة ايضا على اتمام نبواته. وهذا الامر يطمئن المسيحيين اليوم، الذين يدرسون كلمته النبوية بتمعُّن.
١٢ (أ) ماذا يجعل يهوه السموات والارض المجازية تنتج؟ (ب) ايّ وعد معزٍّ تتضمنه كلمات اشعياء ٤٥:٨ للمسيحيين اليوم؟
١٢ ثم يستخدم يهوه امورا تحصل بشكل مألوف في الخليقة ليصوِّر ما ينتظر الاسرى اليهود: «اقطري ايتها السموات من فوق وليُنزل الجو بِرا. لتنفتح الارض فيثمر الخلاص ولتنبت بِرا معا. انا الرب قد خلقته». (اشعياء ٤٥:٨) فكما ان السموات الحرفية تجعل المطر المنعش ينهمر، كذلك سيجعل يهوه التأثيرات البارة تنهمر على شعبه من السموات المجازية. وكما ان الارض الحرفية تنفتح لتنتج اثمارا كثيرة، كذلك سيجعل يهوه الارض المجازية تنتج احداثا تنسجم مع قصده البار — وخصوصا خلاص شعبه الاسير في بابل. وفي سنة ١٩١٩، جعل يهوه ‹السماء› و «الارض» تنتج احداثا مماثلة لكي يتحرر شعبه. والمسيحيون اليوم يفرحون برؤية هذه الامور. ولماذا؟ لأن هذه الاحداث تقوّي ايمانهم فيما يتطلعون الى الوقت الذي فيه تجلب السموات المجازية، ملكوت اللّٰه، البركات على ارض بارة. وفي ذلك الوقت سينتشر البر والخلاص النابعان من السموات والارض المجازية على نطاق اوسع بكثير مما كان عندما قُلبت بابل القديمة. فما امجد هذا الاتمام النهائي لكلمات اشعيا! — ٢ بطرس ٣:١٣؛ كشف ٢١:١.
البركات الناجمة من الاعتراف بسلطان يهوه
١٣ لماذا من السُّخف ان يتحدى البشر مقاصد يهوه؟
١٣ بعد هذا الوصف للبركات المستقبلية المبهجة، يتغير اسلوب النبوة بشكل مفاجئ، اذ يتفوَّه اشعيا بويل مزدوج: «ويل لمَن يخاصم جابله. خزف بين اخزاف الارض. هل يقول الطين لجابله ماذا تصنع. او يقول عملك ليس له يدان. ويل للذي يقول لأبيه ماذا تلد وللمرأة ماذا تلدين». (اشعياء ٤٥:٩، ١٠) كما يَظهر، يعترض بنو اسرائيل على ما ينبئ به يهوه. فهم ربما لا يصدّقون ان يهوه سيسمح بأن يُسبى شعبه. او ربما ينتقدون القول ان ملكا من امة وثنية، وليس ملكا من بيت داود، سيحرر اسرائيل. ولكي يصوِّر اشعيا مدى سُخف هذه الاعتراضات، يشبّه المعترضين بكتل طين وقطع خزف مرمية تجرؤ على الشك في حكمة جابلها. وهذا المجبول يقول ان الخزّاف ليس له يدان او قدرة على الجبْل. فما اغبى ذلك! والمعترضون هم كأولاد صغار يجرؤون على انتقاد سلطة والديهم.
١٤، ١٥ ماذا تكشف الكلمتان «قدوس» و «جابل» عن يهوه؟
١٤ يورد اشعيا ردّ يهوه على هؤلاء المعترضين: «هكذا يقول الرب قدوس اسرائيل وجابله. اسألوني عن الآتيات. من جهة بَنِيَّ ومن جهة عمل يدي اوصوني. انا صنعت الارض وخلقت الانسان عليها. يداي انا نشرتا السموات وكل جندها انا امرت. انا قد انهضته بالنصر وكل طرقه اسهّل. هو يبني مدينتي ويطلق سبيي لا بثمن ولا بهدية قال رب الجنود». — اشعياء ٤٥:١١-١٣.
١٥ عندما يوصف يهوه ‹بالقدوس›، يشدَّد على قداسته. وعندما يُدعى ‹جابلا›، يركَّز على حقِّه كخالق في تقرير تطوُّر الامور. ويهوه قادر على إخبار بني اسرائيل بالآتيات والاعتناء بعمل يديه، اي شعبه. ومرة اخرى يَظهر ارتباط عنصرَي الخلق والكشف في المسألة. فيهوه، بصفته خالق كل الكون، له الحق في توجيه الاحداث بالطريقة التي يقرِّرها هو. (١ أخبار الايام ٢٩:١١، ١٢) وفي هذه الحالة التي تُناقش الآن، قرَّر الحاكم المتسلط ان يقيم كورش الوثني ليحرِّر اسرائيل. ومجيء كورش، مع انه سيحدث في المستقبل، هو امر اكيد كما ان وجود السماء والارض اكيد. فمَن من بني اسرائيل يجرؤ على انتقاد الأب، ‹يهوه الجنود›؟!
١٦ لماذا ينبغي ان يخضع خدام يهوه له؟
١٦ تحتوي هذه الاعداد من سفر اشعياء سببا آخر يحمل خدام اللّٰه على الخضوع له. فقراراته تصبّ دائما في مصلحة خدامه. (ايوب ٣٦:٣) وقد وضع الشرائع لكي ينتفع منها شعبه. (اشعياء ٤٨:١٧) ويجد اليهود في ايام كورش، الذين يعترفون بسلطان يهوه، ان هذا صحيح. فكورش، الذي يتصرف بحسب بر يهوه، يرسلهم من بابل الى ارضهم لكي يعيدوا بناء الهيكل. (عزرا ٦:٣-٥) واليوم ايضا، يتمتع بالبركات مَن يطبقون شرائع اللّٰه في حياتهم اليومية ويخضعون لسلطانه. — مزمور ١:١-٣؛ ١٩:٧؛ ١١٩:١٠٥؛ يوحنا ٨:٣١، ٣٢.
بركات للامم الاخرى
١٧ مَن غير اسرائيل سيستفيدون من اعمال يهوه الانقاذية، وكيف؟
١٧ لن تكون اسرائيل الامة الوحيدة التي تستفيد من سقوط بابل. يقول اشعيا: «هكذا قال الرب تعب مصر [«عمّال مصر المسخَّرون»، عج] وتجارة [«تجار»، عج] كوش والسبئيون ذوو القامة اليكِ يعبرون ولك يكونون. خلفك يمشون. بالقيود يمرون ولك يسجدون. اليك يتضرعون قائلين فيك وحدك اللّٰه وليس آخر. ليس اله». (اشعياء ٤٥:١٤) في ايام موسى، عند خروج الاسرائيليين من مصر، رافقهم «لفيف كثير» من غير الاسرائيليين. (خروج ١٢:٣٧، ٣٨) وكذلك سيرافق اشخاص غرباء المسبيين اليهود العائدين الى ارضهم من بابل. ولن يُجبَر غير اليهود هؤلاء على الرحيل بل ‹سيعبرون› بمحض اختيارهم. وعندما يقول يهوه: «لك يسجدون» و «اليك يتضرعون»، يشير الى الخضوع والولاء الطوعيين اللذين يُظهرهما هؤلاء الغرباء نحو اسرائيل. ووضعهم قيودا، ينقل معنى الطوعية، اذ انهم مستعدون ليخدموا شعب عهد اللّٰه قائلين لهم: «فيك وحدك اللّٰه». وسيعبدون يهوه كدخلاء، حسب شروط عهده مع اسرائيل. — اشعياء ٥٦:٦.
١٨ مَن استفادوا اليوم من تحرير يهوه ‹لإسرائيل اللّٰه›، وبأية طرائق؟
١٨ منذ أُطلق سراح «اسرائيل اللّٰه» من الاسر الروحي سنة ١٩١٩، تشهد كلمات اشعيا اتماما اكبر منه في ايام كورش. فملايين الاشخاص حول العالم يبدون استعدادهم لخدمة يهوه. (غلاطية ٦:١٦؛ زكريا ٨:٢٣) و ‹كالعمّال› و ‹التجار› الذين ذكرهم اشعيا، يقدّمون بفرح قوتهم الجسدية ومواردهم المالية لدعم العبادة الحقة. (متى ٢٥:٣٤-٤٠؛ مرقس ١٢:٣٠) وينذرون انفسهم للّٰه ويسيرون في سبله، صائرين عبيدا له بكل سرور. (لوقا ٩:٢٣) ولا يعبدون إلا يهوه، متمتعين بفوائد معاشرة ‹عبد يهوه الامين الفطين›، الذين هم في علاقة عهد مميزة مع اللّٰه. (متى ٢٤:٤٥-٤٧؛ ٢٦:٢٨؛ عبرانيين ٨:٨-١٣) ومع ان هؤلاء ‹العمّال› و ‹التجار› ليسوا طرفا في هذا العهد، فهم يستفيدون منه ويطيعون الشرائع المتعلقة به، معلنين بجرأة: ‹ليس اله آخر›. فكم هو مثير ان نكون اليوم شهود عيان على الزيادة الضخمة في عدد هؤلاء الداعمين الطوعيين للعبادة الحقة! — اشعياء ٦٠:٢٢.
١٩ ماذا سيحلّ بالذين يصرّون على عبادة الاصنام؟
١٩ بعد الكشف ان اناسا من الامم سينضمون الى عبادة يهوه، يهتف النبي: «حقا انت اله محتجب يا اله اسرائيل المخلّص»! (اشعياء ٤٥:١٥) ومع ان يهوه يمتنع عن إظهار قوته في الوقت الحاضر، لن يُبقي نفسه محتجبا في المستقبل، بل سيُظهر انه اله اسرائيل، مخلّص شعبه. أما المتكلون على الاصنام فلن يخلّصهم يهوه. يقول اشعيا عن هؤلاء: «قد خزوا وخجلوا كلهم. مضوا بالخجل جميعا الصانعون التماثيل». (اشعياء ٤٥:١٦) وسيكون خزيهم اكثر من مجرد شعور وقتي بالذل والعار. فسيعني الموت لهم — بعكس ما يعد به يهوه اسرائيل بعد ذلك.
٢٠ بأية طريقة سينال اسرائيل «خلاصا ابديا»؟
٢٠ «اما اسرائيل فيخلُص بالرب [«في اتحاد بيهوه»، عج] خلاصا ابديا. لا تخزون ولا تخجلون الى دهور الابد». (اشعياء ٤٥:١٧) يعد يهوه بخلاص ابدي لإسرائيل، لكنه خلاص مشروط. فيجب ان يبقى اسرائيل «في اتحاد بيهوه». وعندما ينقض اسرائيل هذا الاتحاد بعدم الاعتراف بيسوع بصفته مسيّا، ستخسر الامة امل ‹الخلاص الابدي›. لكنَّ البعض في اسرائيل سيمارسون الايمان بيسوع، وسيصير هؤلاء نواة اسرائيل اللّٰه الذي سيحل محل اسرائيل الجسدي. (متى ٢١:٤٣؛ غلاطية ٣:٢٨، ٢٩؛ ١ بطرس ٢:٩) ولن يخزى اسرائيل الروحي على الاطلاق؛ بل سيُدخَل في «عهد ابدي». — عبرانيين ١٣:٢٠.
في الخلق وفي الكشف، يهوه يُعتمد عليه
٢١ كيف يُظهر يهوه انه يمكن الاعتماد عليه كاملا في الخلق وفي الكشف؟
٢١ هل يمكن لليهود الاعتماد على وعد يهوه بالخلاص الابدي لإسرائيل؟ يجيب اشعيا: «هكذا قال الرب خالق السموات هو اللّٰه. مصوِّر الارض وصانعها. هو قرَّرها. لم يخلقها باطلا. للسكن صوَّرها. انا الرب وليس آخر. لم اتكلم بالخفاء في مكان من الارض مظلم. لم اقل لنسل يعقوب باطلا اطلبوني. انا الرب متكلم بالصدق مخبر بالاستقامة». (اشعياء ٤٥:١٨، ١٩) للمرة الرابعة والاخيرة في هذا الاصحاح، يستهل اشعيا رسالة نبوية مهمة بعبارة: «هكذا قال الرب». (اشعياء ٤٥:١، ١١، ١٤) فماذا يقول الرب؟ انه يمكن الاعتماد عليه في الخلق والكشف على السواء. فهو لم يخلق الارض «باطلا». وكذلك لا يطلب من شعبه، اسرائيل، ان يطلبوه «باطلا». فكما ان قصد اللّٰه نحو الارض سيتحقق، كذلك سيتحقق قصد اللّٰه نحو شعبه المختار. وبالتباين مع الكلام الغامض الذي يتفوَّه به مَن يخدمون الآلهة الباطلة، تُعلَن كلمات يهوه على الملإ. وكلامه صحيح، ولا شك البتة في انه سيتحقق. والذين يخدمونه لا يخدمونه عبثا.
٢٢ (أ) ممَّ يمكن ان يتيقَّن اليهود المسبيون في بابل؟ (ب) بمَ يُطمأن المسيحيون اليوم؟
٢٢ تطمئن هذه الكلمات شعب اللّٰه المسبي في بابل بأن ارض الموعد لن تبقى خربة، بل ستعمر من جديد. ووعود يهوه لهم تتحقق. وكذلك تطمئن هذه الكلمات شعب اللّٰه اليوم بأن الارض لن تخرب — اذ تحرقها النار كما يعتقد البعض، او تدمرها القنابل النووية كما يخشى آخرون. فقصْد اللّٰه هو ان تبقى الارض الى الابد، مكسوَّة بجمال فردوسي ويعيش عليها اناس ابرار. (مزمور ٣٧:١١، ٢٩؛ ١١٥:١٦؛ متى ٦:٩، ١٠؛ كشف ٢١:٣، ٤) نعم، كما في حالة اسرائيل، سيتبيَّن انه يمكن الاعتماد على كلمات يهوه.
يهوه يوسّع رحمته
٢٣ ما هي النتيجة للذين يعبدون الاصنام، وما هو وضع الذين يعبدون يهوه؟
٢٣ تركّز كلمات يهوه التالية على خلاص اسرائيل: «اجتمعوا وهلموا تقدموا معا ايها الناجون من الامم. لا يعلم الحاملون خشب صنمهم والمصلّون الى اله لا يخلّص. اخبروا قدموا وليتشاوروا معا. مَن اعلم بهذه منذ القديم اخبر بها منذ زمان. أليس انا الرب ولا اله آخر غيري. اله بار ومخلّص. ليس سواي». (اشعياء ٤٥:٢٠، ٢١) يدعو يهوه ‹الناجين› الى مقارنة خلاصهم بما يحدث للذين يعبدون الاصنام. (تثنية ٣٠:٣؛ ارميا ٢٩:١٤؛ ٥٠:٢٨) ‹فلا عِلم› لعبدة الاصنام ما داموا يصلّون ويخدمون آلهة عاجزة عن انقاذهم. وعبادتهم باطلة، ولن تجديهم نفعا. أما الذين يعبدون يهوه، فيجدون انه يملك القدرة على تحقيق الامور التي انبأ بها «منذ القديم»، بما في ذلك خلاص شعبه المسبي في بابل. وهذه القدرة والبصيرة عند يهوه تميِّزانه من كل الآلهة الاخرى. انه فعلا «اله بار ومخلّص».
«مدينون بالخلاص لإلهنا»
٢٤، ٢٥ (أ) اية دعوة يوجّهها يهوه، ولماذا سيتم وعده دون ايّ شك؟ (ب) ماذا من حقّ يهوه ان يطلب؟
٢٤ ان رحمة يهوه تدفعه الى توجيه هذه الدعوة: «التفتوا اليَّ واخلصوا يا جميع اقاصي الارض لأني انا اللّٰه وليس آخر. بذاتي اقسمت خرج من فمي الصدق كلمة لا ترجع انه لي تجثو كل ركبة يحلف كل لسان. قال لي انما بالرب [«كل»، عج] البر والقوة. اليه يأتي ويخزى جميع المغتاظين عليه. بالرب يتبرر ويفتخر كل نسل اسرائيل». — اشعياء ٤٥:٢٢-٢٥.
٢٥ يعد يهوه اسرائيل بأنه سيخلّص مَن يلتفتون اليه في بابل. ويستحيل ألا تتحقق نبوته، لأن يهوه قادر وراغب على السواء ان ينقذ شعبه. (اشعياء ٥٥:١١) صحيح ان كلمات يهوه بحدّ ذاتها يُعتمد عليها، لكنها تتثبَّت اكثر حين يضيف يهوه قَسمه. (عبرانيين ٦:١٣) ومن حقِّه ان يطلب من الذين يرغبون في حيازة رضاه الخضوع («تجثو كل ركبة») والالتزام («يحلف كل لسان»). والاسرائيليون الذين يواظبون على عبادة يهوه سيخلصون. وسيتمكنون من الافتخار بما يفعله يهوه من اجلهم. — ٢ كورنثوس ١٠:١٧.
٢٦ كيف يتجاوب «جمع كثير» من كل الامم مع دعوة يهوه الى الالتفات اليه؟
٢٦ لكنَّ دعوة اللّٰه الى الالتفات اليه لا تقتصر على المسبيين في بابل القديمة. (اعمال ١٤:١٤، ١٥؛ ١٥:١٩؛ ١ تيموثاوس ٢:٣، ٤) فلا تزال دعوته قائمة، ويتجاوب «جمع كثير . . . من كل الامم» ويعلنون: «نحن مدينون بالخلاص لإلهنا . . . وللحمل [يسوع]». (كشف ٧:٩، ١٠؛ ١٥:٤) وكل سنة يزداد عدد الجمع الكثير حين يلتفت مئات الآلاف الى اللّٰه، معترفين كاملا بسلطانه ومعلنين جهرا ولاءهم له. كما انهم يدعمون بولاء اسرائيل الروحي، «نسل إبراهيم». (غلاطية ٣:٢٩) ويعبِّرون عن محبتهم لحكم يهوه البار بالمجاهرة حول العالم: ‹انما بالرب كل البر والقوة›.a والرسول بولس، في رسالته الى اهل روما، اقتبس اشعياء ٤٥:٢٣ كما تنقلها الترجمة السبعينية ليُظهر ان كل شخص على قيد الحياة سيعترف في النهاية بسلطان يهوه ويسبِّح اسمه على الدوام. — روما ١٤:١١؛ فيلبي ٢:٩-١١؛ كشف ٢١:٢٢-٢٧.
٢٧ لماذا يملك المسيحيون اليوم ثقة مطلقة بوعود يهوه؟
٢٧ ولماذا اعضاء الجمع الكثير هم على ثقة من ان الالتفات الى اللّٰه يؤدي الى الخلاص؟ لأن وعود يهوه يُعتمد عليها، كما تُظهر بوضوح الكلمات النبوية في اشعياء الاصحاح ٤٥. فكما ان يهوه يملك القدرة والحكمة ليخلق السموات والارض، كذلك يملك القدرة والحكمة ليجعل نبواته تتحقق. وكما حرص على ان تتم النبوة المتعلقة بكورش، كذلك سيتمم اية نبوة اخرى في الكتاب المقدس. لذلك فإن عبّاد يهوه على ثقة من ان يهوه سيكون من جديد ‹الها بارا ومخلّصا›.
[الحاشية]
a تستخدم ترجمة العالم الجديد (بالانكليزية) عبارة «كل البر» لأن كلمة «بر» في النص العبراني هي في صيغة الجمع. ويُستعمل الجمع هنا للتعبير عن جزيل بر يهوه.
[الصورتان في الصفحتين ٨٠ و ٨١]
بإمكان يهوه، مصوِّر النور وخالق الظلمة، ان يصنع السلام ويخلق الشقاء
[الصورة في الصفحة ٨٣]
سيجعل يهوه «السموات» تمطر بركات و «الارض» تخرج خلاصا
[الصورة في الصفحة ٨٤]
هل يعقل ان تشك قطع الخزف المرمية في حكمة جابلها؟
[الصورة في الصفحة ٨٩]
لم يخلق يهوه الارض باطلا
-
-
العودة الى عبادة يهوهنبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل السابع
العودة الى عبادة يهوه
١ ما هو اسم اثنين من الآلهة الرئيسية في بابل، وماذا يُنبَأ عنهما؟
عندما تُسبى اسرائيل الى بابل، ستجد نفسها محاطة بالعبادة الباطلة. وفي ايام اشعيا، لا يزال شعب يهوه في ارضهم وعندهم الهيكل والكهنوت. ولكن يقع كثيرون من هذه الامة المنتذرة للّٰه في فخ الصنمية. لذلك من الضروري إعدادهم مسبقا لكي لا ينبهروا بآلهة بابل الباطلة ويُغَرّوا بخدمتها. لذلك يقول اشعيا، متحدِّثا نبويا عن اثنين من آلهة بابل الرئيسية: «قد جثا بيل انحنى نبو. صارت تماثيلهما على الحيوانات والبهائم. محمولاتكم محمَّلة حملا للمعيي [«للحيوانات التعبة»، عج]». (اشعياء ٤٦:١) بيل هو كبير الآلهة الصنمية عند الكلدانيين. ويُعتبر نبو اله الحكمة والعِلم. والاحترام الذي يكنّه كثيرون لهذين الالهين يُرى في ادماج اسمهما في عدد من الاسماء البابلية الشخصية، مثل بيلشاصر، نبوپولاسَّر، نبوخذنصر، و نبوزرادان، بالاضافة الى اسماء اخرى كثيرة.
٢ كيف يشدَّد على مدى عجز آلهة بابل؟
٢ يقول اشعيا ان بيل «جثا» ونبو «انحنى». فهذان الالهان الباطلان سيلاقيان الإذلال، لأنه عندما ينفذ يهوه احكامه في بابل، لن يتمكن هذان الالهان من مساعدة عبَدتهما. حتى انهما لن يتمكنا من انقاذ انفسهما! ولن يُحمل بيل ونبو في مواكب تكريمية، كما يحصل خلال عيد رأس السنة البابلي. بل سيضطر عبَدتهما الى وضعهما على العربات كأيّ متاع عادي. وستحلّ السخرية والازدراء محل التسبيح والعبادة.
٣ (أ) اية صدمة سيتلقاها البابليون؟ (ب) ماذا يمكن تعلمه اليوم مما حل بآلهة بابل؟
٣ يا لها من صدمة للبابليين حين يدركون ان اصنامهم العزيزة ليست سوى حمل تنقله البهائم التعبة! وكذلك اليوم، ليست آلهة العالم — الامور التي يتكل عليها الناس ويصرفون طاقتهم عليها، حتى انهم يموتون من اجلها — سوى وهم. فالغنى، التسلح، الملذات، الحكام، الاوطان او رموزها، وأشياء كثيرة اخرى صارت محط تعبُّد الناس. لكنَّ بُطل هذه الآلهة سيشهَّر في وقت يهوه المعين. — دانيال ١١:٣٨؛ متى ٦:٢٤؛ اعمال ١٢:٢٢؛ فيلبي ٣:١٩؛ كولوسي ٣:٥؛ كشف ١٣:١٤، ١٥.
٤ بأيّ معنى ‹تنحني وتجثو› آلهة بابل؟
٤ تمضي النبوة متابعة إلقاء الضوء على فشل آلهة بابل الذريع، فتقول: «قد انحنت جثت معا لم تقدر ان تنجّي الحِمل وهي نفسها قد مضت في السبي». (اشعياء ٤٦:٢) يبدو ان آلهة بابل ‹تنحني› و ‹تجثو› كما لو انها جريحة في المعركة او عاجزة بسبب تقدّم السن. حتى انها غير قادرة على تخفيف الحمل او تنجية البهائم الوضيعة التي تحملها. لذلك هل يليق بشعب عهد يهوه، مع انهم اسرى في بابل، ان يكرموا ايًّا منها؟ كلا! وكذلك لم يكرم خدام يهوه الممسوحون، حتى خلال اسرهم الروحي، آلهة «بابل العظيمة» الباطلة التي لم تستطع ان تحُول دون سقوطها سنة ١٩١٩، والتي لن تستطيع ان تنقذها من الكارثة التي ستحلّ بها خلال ‹الضيق العظيم›. — كشف ١٨:٢، ٢١؛ متى ٢٤:٢١.
٥ كيف يتجنب المسيحيون اليوم تكرار اخطاء البابليين عابدي الاصنام؟
٥ لا ينحني المسيحيون الحقيقيون اليوم امام ايّ نوع من الاصنام. (١ يوحنا ٥:٢١) والصلبان والسُّبحات وصور القديسين لا تسهّل الاقتراب الى الخالق. ولا يمكن ان تتشفع فينا. لقد علّم يسوع في القرن الاول تلاميذه الطريقة الملائمة لعبادة اللّٰه حين قال: «أنا الطريق والحق والحياة. لا يأتي أحد إلى الآب إلا بي. إن سألتم شيئا باسمي، فإني أفعله». — يوحنا ١٤:٦، ١٤.
‹محمولون من الرحم›
٦ كيف يختلف يهوه عن آلهة الامم؟
٦ بعد ان شهَّر يهوه بُطل عبادة آلهة بابل الصنمية، يقول لشعبه: «اسمعوا لي يا بيت يعقوب وكل بقية بيت اسرائيل المحمَّلين عليَّ من البطن المحمولين من الرحم». (اشعياء ٤٦:٣) يا لهذا الفرق الشاسع بين يهوه ومنحوتات بابل! فآلهة بابل لا تستطيع ان تفعل شيئا من اجل عبَدتها. ولكي تتحرك، يجب ان تُحمل على ظهر بهيمة. أما يهوه فهو الذي يحمل شعبه. وهو يعولهم «من الرحم»، اي من وقت تأسيس الامة. والذكريات الحميمة عن حمل يهوه لليهود ينبغي ان تشجّعهم على تجنب العبادة الصنمية والاتكال عليه كأب وصديق لهم.
٧ كيف تكون عناية يهوه الرقيقة بعبّاده اعظم من عناية الوالدين البشر بأولادهم؟
٧ عند يهوه كلمات رقيقة اخرى ليقولها لشعبه: «الى الشيخوخة انا هو وإلى الشيبة انا احمل. قد فعلتُ وأنا ارفع وأنا احمل وأنجّي». (اشعياء ٤٦:٤) لا مثيل للعناية التي يوليها يهوه لشعبه، حتى مقارنةً بأحنّ الوالدين على اولادهم. فعندما يكبر الاولاد، قد يشعر الوالدون بأن مسؤوليتهم تجاههم تقل. وغالبا ما يهتم الاولاد بذويهم عندما يشيخون. لكنَّ الامر ليس كذلك مع يهوه. فهو لا يتوقف ابدا عن الاعتناء بأولاده البشر، حتى في شيخوختهم. وعبّاد اللّٰه اليوم يثقون بخالقهم ويحبونه، ويتعزون كثيرا بكلمات نبوة اشعيا. ولا يقلقون بشأن ايامهم او سنيهم الباقية في نظام الاشياء هذا. فيهوه يعد بأن ‹يحمل› المتقدمين في السن، مانحا اياهم القدرة على الاحتمال والبقاء امناء. نعم، سيحملهم يهوه ويقوّيهم وينجّيهم. — عبرانيين ٦:١٠.
احذروا من الاصنام العصرية
٨ اية خطية لا يمكن تبريرها ارتكبها بعض مواطني اشعيا؟
٨ تخيَّلوا الخيبة التي تنتظر البابليين المتكلين على الاصنام التي لن تنفعهم البتة! أفيعقل ان تؤمن اسرائيل بأن هذه الآلهة تضاهي يهوه؟ طبعا لا. يسأل يهوه بالصواب: «بمَن تشبِّهونني وتسوُّونني وتمثِّلونني لنتشابه». (اشعياء ٤٦:٥) فلا يمكن تبرير البعض من مواطني اشعيا الذين لجأوا الى عبادة التماثيل البكماء والعاجزة والعديمة الحياة! ومن الغباء ان تتكل امة تعرف يهوه على تماثيل عاجزة عديمة الحياة صنعتها ايدٍ بشرية.
٩ صفوا التفكير السخيف عند بعض عبدة الاصنام.
٩ تأملوا في هذا التفكير السخيف عند عبدة الاصنام. تمضي النبوة قائلة: «يفرغون الذهب من الكيس والفضة بالميزان يزِنون يستأجرون صائغا ليصنعها الها يخرّون ويسجدون». (اشعياء ٤٦:٦) فهم يعتقدون ان الصنم الغالي الثمن له قدرة اكبر على الانقاذ من الصنم المصنوع من خشب، لذلك لا يترددون في انفاق مبالغ طائلة لصنع معبودهم. ولكن مهما بُذل من جهد لصنع التمثال ومهما كلّفت المواد، يبقى الصنم العديم الحياة صنما عديم الحياة، لا اكثر.
١٠ كيف يوصف البُطل الشديد لعبادة الاصنام؟
١٠ وتمضي النبوة في تشديدها على حماقة عبادة الاصنام قائلة: «يرفعونه على الكتف. يحملونه ويضعونه في مكانه ليقف. من موضعه لا يبرح. يزعق احد اليه فلا يجيب. من شدته لا يخلّصه». (اشعياء ٤٦:٧) فما اسخف الصلاة لصنم لا يقدر ان يسمع او يفعل شيئا! ويبرع صاحب المزمور في وصف عدم نفع هذه المعبودات: «اصنامهم فضة وذهب عمل ايدي الناس. لها افواه ولا تتكلم. لها اعين ولا تبصر. لها آذان ولا تسمع. لها مناخر ولا تشم. لها ايد ولا تلمس. لها ارجل ولا تمشي ولا تنطق بحناجرها. مثلها يكون صانعوها بل كل مَن يتكل عليها». — مزمور ١١٥:٤-٨.
‹استجماع الشجاعة›
١١ ماذا سيساعد المتردِّدين على ‹استجماع الشجاعة›؟
١١ بعد ان اظهر يهوه بُطل عبادة الاصنام، يذكر لشعبه الاسباب التي تدفعهم الى خدمته: «اذكروا هذا وكونوا رجالا [«كي تستجمعوا الشجاعة»، عج]. رددوه في قلوبكم ايها العصاة. اذكروا الاوليات منذ القديم لأني انا اللّٰه وليس آخر. الاله وليس مثلي». (اشعياء ٤٦:٨، ٩) فينبغي للذين يترددون بين العبادة الحقة والصنمية ان يتذكروا الماضي. وينبغي ألا يغيب عن بالهم ما فعله يهوه. وهذا ما سيساعدهم على استجماع شجاعتهم وفعل الصواب. وسيساعدهم ايضا ان يعودوا الى عبادة يهوه.
١٢، ١٣ ما هي الصراعات التي ينهمك فيها المسيحيون، وكيف يمكن ان يخرجوا منتصرين؟
١٢ لا تزال هنالك حاجة اليوم الى هذا التشجيع. فكالاسرائيليين، يجب على المسيحيين المخلصين ان يحاربوا الاغراءات ونقائصهم ايضا. (روما ٧:٢١-٢٤) وهم ايضا في صراع روحي مع عدو غير منظور ولكن فائق القوة. يقول الرسول بولس: «مصارعتنا ليست ضد دم ولحم، بل ضد الرئاسات، ضد السلاطين، ضد ولاة العالم على هذه الظلمة، ضد القوى الروحية الشريرة في الأماكن السماوية». — افسس ٦:١٢.
١٣ سيجرب الشيطان وأبالسته كل ما هو ممكن ليبعدوا المسيحيين عن العبادة الحقة. ولكي ينجح المسيحيون في حربهم، يلزم ان يتبعوا مشورة يهوه ويستجمعوا الشجاعة. كيف؟ يوضح الرسول بولس: «البسوا سلاح اللّٰه الكامل لكي تقدروا ان تثبتوا ضد مكايد إبليس». لا يرسل يهوه خدامه الى ساحة المعركة دون ان يجهّزهم جيدا. فسلاحهم الروحي يشمل ‹ترس الإيمان الكبير، الذي به يقدرون أن يطفئوا جميع قذائف الشرير المشتعلة›. (افسس ٦:١١، ١٦) كان الاسرائيليون عصاة لأنهم تجاهلوا تدابير يهوه الروحية من اجلهم. فلو تأملوا في الاعمال الجبارة التي صنعها يهوه مرارا عديدة من اجلهم، لَما تحوَّلوا الى عبادة الاصنام المثيرة للاشمئزاز. فلنتعلم من مثالهم ولا نتردد ابدا في صراعنا لفعل الصواب. — ١ كورنثوس ١٠:١١.
١٤ اية قدرة يشير اليها يهوه ليُظهر انه هو الاله الحقيقي الوحيد؟
١٤ يهوه هو «مخبر منذ البدء بالاخير ومنذ القديم بما لم يُفعل قائلا رأيي يقوم وأفعل كل مسرتي». (اشعياء ٤٦:١٠) وأيّ اله يضاهي يهوه في هذا الشأن؟! فالقدرة على الانباء بالمستقبل هي دليل بارز على الوهية الخالق. ولكن يلزم اكثر من بُعد النظر لضمان اتمام الاشياء المنبإ بها. فالكلمتان «رأيي يقوم» تُظهران ان قصد اللّٰه الثابت غير قابل للتغيُّر. وبما ان يهوه يملك قدرة غير محدودة، فلا شيء في الكون يمكن ان يمنعه من تحقيق مشيئته. (دانيال ٤:٣٥) لذلك يمكن ان نكون على ثقة من ان اية نبوات لم تتم بعد ستتحقق بالتأكيد في وقت اللّٰه المعين. — اشعياء ٥٥:١١.
١٥ ايّ مثال بارز لقدرة يهوه على الانباء بالمستقبل يُلفَت انتباهنا اليه؟
١٥ والمثال البارز لقدرة يهوه على الانباء بالمستقبل ثم جعل كلماته تتم هو ما تلفت كلمات نبوة اشعيا التالية الانتباه اليه: «داعٍ من المشرق الكاسر. من ارض بعيدة رجل مشورتي. قد تكلمت فأجريه. قضيت فأفعله». (اشعياء ٤٦:١١) بما ان يهوه اللّٰه هو ‹المخبر منذ البدء بالاخير›، فسيصوغ الاوضاع البشرية بشكل يجعل قصده يتحقق. فسيدعو كورش «من المشرق»، او فارس في الشرق، حيث ستقع پاسارْڠاديه، عاصمة كورش المفضلة. وسيكون كورش كطير «كاسر» ينقضّ على بابل فجأة ودون ايّ سابق انذار.
١٦ كيف يؤكد يهوه يقين نبوته المتعلقة ببابل؟
١٦ ان ما ينبئ به يهوه بشأن بابل سيتحقق لا محالة، وهذا ما تؤكده الكلمات التالية: «قد تكلمت فأجريه». يميل الانسان الناقص الى قطع وعود متهورة، لكنَّ الخالق لا يفشل ابدا في اتمام كلمته. وبما ان يهوه اله «لا يمكن ان يكذب»، يمكن ان نكون على ثقة من انه اذا ‹قضى›، ‹يفعل›. — تيطس ١:٢.
قلوب غير امينة
١٧، ١٨ مَن يمكن وصفهم بـ «اشداء القلوب» (أ) في الماضي؟ (ب) اليوم؟
١٧ مرة اخرى يوجه يهوه انتباهه نبويا الى البابليين ويقول: «اسمعوا لي يا اشداء القلوب البعيدين عن البر». (اشعياء ٤٦:١٢) تصف عبارة «اشداء القلوب» الاشخاص المعاندين والمصمِّمين على مقاومة مشيئة اللّٰه. ولا شك ان البابليين بعيدون جدا عن اللّٰه. وبغضهم ليهوه ولشعبه يدفعهم الى تدمير اورشليم وهيكلها وأخذ سكانها اسرى.
١٨ واليوم، يوجد اشخاص قلوبهم متشككة وغير مؤمنة يرفضون بعناد الاستماع الى رسالة الملكوت التي يُكرز بها في كل المسكونة. (متى ٢٤:١٤) فهم لا يريدون ان يعترفوا بيهوه كمتسلط شرعي. (مزمور ٨٣:١٨؛ كشف ٤:١١) وبقلوب ‹بعيدة عن البر› يقاومون مشيئته ويعارضونها. (٢ تيموثاوس ٣:١-٥) انهم كالبابليين يرفضون الاستماع الى يهوه.
خلاص يهوه لن يتأخر
١٩ بأية طريقة سيصنع يهوه عملا بارا من اجل اسرائيل؟
١٩ تشدد الكلمات الختامية للاصحاح ٤٦ من سفر اشعياء على اوجه من شخصية يهوه: «قد قرَّبتُ بري. لا يبعد وخلاصي لا يتأخر. وأجعل في صهيون خلاصا. لإسرائيل جلالي». (اشعياء ٤٦:١٣) سيكون تحرير اللّٰه لإسرائيل عملا بارا. وهو لن يسمح بأن يبقى شعبه مسبيا امدًا طويلا. فخلاص صهيون سيأتي في الوقت المناسب، ولن «يتأخر». وبعد اطلاق الاسرائيليين من الاسر، سيصيرون مشهدا للامم حولهم. فإنقاذ يهوه لأمته سيكون شاهدا لقدرته على الانقاذ. وسيرى الجميع عدم نفع الالهين البابليين بيل ونبو، وسيُفضح عجزهما. — ١ ملوك ١٨:٣٩، ٤٠.
٢٠ كيف يمكن ان يتيقن المسيحيون ان ‹خلاص يهوه لن يتأخر›؟
٢٠ في سنة ١٩١٩، جعل يهوه شعبه يتحررون من الاسر الروحي. ولم يتأخر في ذلك. ونحن اليوم نتشجع بهذه الحادثة وبالحوادث القديمة المتعلقة بسقوط بابل امام كورش. فقد وعد يهوه بوضع حد لنظام الاشياء الشرير هذا، بما في ذلك عبادته الباطلة. (كشف ١٩:١، ٢، ١٧-٢١) قد يشعر بعض المسيحيين، اذا تطلعوا الى الامور من وجهة نظر بشرية، بأن خلاصهم تأخر. لكنَّ صبر يهوه، الى ان يحين وقته المعين لاتمام هذا الوعد، هو عمل بار. فيهوه «لا يرغب أن يهلك أحد، بل أن يبلغ الجميع إلى التوبة». (٢ بطرس ٣:٩) لذلك تأكدوا ان ‹الخلاص لا يتأخر›، تماما كما حصل في ايام اسرائيل القديمة. وباقتراب يوم الخلاص، يستمر يهوه بمحبة في توجيه الدعوة: «اطلبوا الرب ما دام يوجد ادعوه وهو قريب. ليترك الشرير طريقه ورجل الاثم افكاره وليتب الى الرب فيرحمه وإلى الهنا لأنه يكثر الغفران». — اشعياء ٥٥:٦، ٧.
[الصورتان في الصفحة ٩٤]
آلهة بابل لا تحميها من الدمار
[الصور في الصفحة ٩٨]
يجب ان يحذر المسيحيون اليوم من الاصنام العصرية
[الصورتان في الصفحة ١٠١]
استجمعوا الشجاعة لفعل الصواب
-
-
الدين الباطل — الإنباء بنهايته المفاجئةنبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل الثامن
الدين الباطل — الإنباء بنهايته المفاجئة
١، ٢ (أ) لماذا يستبعد البعض الفكرة القائلة ان الجو الديني حول العالم سيشهد قريبا تغيُّرا جذريا؟ (ب) كيف نعرف ان كلمات اشعياء الاصحاح ٤٧ لها انطباق مستقبلي؟ (ج) لماذا عبارة «بابل العظيمة» هي تسمية ملائمة لكل دين باطل؟
«الاهتمام بالدين يتجدد»، هذا ما ذكرته مقالة صادرة في ذا نيويورك تايمز ماڠازين (بالانكليزية). وأشارت المقالة الى انه لا يزال للدين كما يبدو تأثير كبير في قلوب وعقول ملايين الناس. لذلك قد يبدو من الصعب الاعتقاد ان الجو الديني حول العالم سيشهد تغيُّرا جذريا. لكنَّ هذا التغيير يشار اليه في الاصحاح ٤٧ من سفر اشعياء.
٢ صحيح ان كلمات اشعيا تمَّت قبل اكثر من ٥٠٠,٢ سنة. لكنَّ الكلمات المسجلة في اشعياء ٤٧:٨ مقتبسة في سفر الكشف ولها انطباق مستقبلي. ففي هذا السفر ينبئ الكتاب المقدس بنهاية هيئة مشبهة بعاهرة تدعى «بابل العظيمة» — الامبراطورية العالمية للدين الباطل. (كشف ١٦:١٩) ومن المناسب اطلاق الاسم «بابل» على اديان العالم الباطلة، فمن بابل القديمة عرف الدين الباطل بدايته. ومن هناك انتشر الى اربع زوايا الارض. (تكوين ١١:١-٩) والعقائد الدينية التي نشأت في بابل، كخلود النفس ونار الهاوية وعبادة آلهة ثالوثية، موجودة في كل الاديان تقريبا، بما فيها العالم المسيحي.a فهل تلقي نبوة اشعيا ايّ ضوء على مستقبل الدين؟
بابل تُحَط الى التراب
٣ صفوا عظمة الدولة العالمية البابلية.
٣ اصغوا الى هذا الاعلان الالهي المثير: «انزلي واجلسي على التراب ايتها العذراء ابنة بابل اجلسي على الارض بلا كرسي يا ابنة الكلدانيين لأنك لا تعودين تدعين ناعمة ومترفهة». (اشعياء ٤٧:١) لقد تربَّعت بابل طوال سنوات على عرش العالم. وكانت «بهاء الممالك»، مركزا دينيا وتجاريا وعسكريا مزدهرا. (اشعياء ١٣:١٩) وعندما بلغت الامبراطورية البابلية اوجها، امتد سلطانها جنوبا حتى حدود مصر. وحين هزمت اورشليم سنة ٦٠٧ قم، بدا ان اللّٰه نفسه عاجز عن وقف فتوحاتها! وهكذا حسبت بابل نفسها ‹ابنة عذراء›، لن تتعرَّض ابدا لأيّ غزو من قوة اجنبية.b
٤ ماذا سيحلّ ببابل؟
٤ لكنَّ هذه «العذراء» المتعالية ستُخلع عن عرش السيادة العالمية وتُجبَر على ‹الجلوس على التراب› اذلالا لها. (اشعياء ٢٦:٥) ولن يُنظر اليها في ما بعد كملكة مدلَّلة «ناعمة ومترفهة». وهكذا يأمر يهوه: «خذي الرحى واطحني دقيقا. اكشفي نقابك شمري الذيل. اكشفي الساق. اعبري الانهار». (اشعياء ٤٧:٢) ان بابل، بعدما استعبدت كامل أُمَّة يهوذا، ستُعامل الآن كما تعامَل الأَمَة! فالماديون والفرس، الذين يزيحونها عن مركزها العالمي، سيجبرونها على القيام بأعمال مذلّة من اجلهم.
٥ (أ) كيف ستجرَّد بابل من ‹نقابها وذيلها›؟ (ب) ماذا يمكن ان يعني امرها ‹بعبور الانهار›؟
٥ وهكذا ستجرَّد بابل من ‹النقاب والذيل›، فاقدةً كل ابّهة عظمتها وعزّتها السابقتين. وسيأمرها مسخِّروها قائلين: «اعبري الانهار». فربما يُفرض على بعض البابليين انجاز اعمال يقوم بها العبيد عادةً خارج البيوت. او قد تشير النبوة الى ان البعض سيُجبَرون حرفيا على عبور الانهار خلال سبيهم. على اية حال، لن تعود بابل تتنقل من مكان الى آخر كملكة جليلة تُحمل فوق المياه على كرسي او عربة. بل ستكون كالأَمَة التي تضطر الى التخلي عن احتشامها برفع ذيل لباسها وكشف ساقيها كي تعبر نهرا. فيا له من اذلال!
٦ (أ) بأيّ معنى ستنكشف عورة بابل؟ (ب) كيف ‹لا يلاقي اللّٰه رجلا›؟ (انظروا الحاشية.)
٦ ويتابع يهوه تعييره قائلا: «تنكشف عورتك وتُرى معاريك. آخذ نقمة ولا اصالح احدا [«لن ألاقي رجلا»، شد]». (اشعياء ٤٧:٣)c نعم، ستواجه بابل العار والاذلال. وسيشهَّر علنا الشر والوحشية اللذان ترتكبهما في حق شعب اللّٰه. ولا يستطيع ايّ انسان ان يردّ نقمة اللّٰه!
٧ (أ) كيف سيتجاوب المسبيون اليهود مع خبر سقوط بابل؟ (ب) بأية طريقة سيفدي يهوه شعبه؟
٧ ان شعب اللّٰه، بعدما بقوا ٧٠ سنة اسرى في بابل الجبارة، سيبتهجون كثيرا بسقوطها. وسيهتفون قائلين: «فادينا رب الجنود اسمه. قدوس اسرائيل». (اشعياء ٤٧:٤) حسب الشريعة الموسوية، اذا باع اسرائيلي نفسه للعبودية لكي يسدّد ديونه، يمكن لوليّ (احد اقرباء الدم) ان يشتريه، او يفكّه ويفديه من عبوديته. (لاويين ٢٥:٤٧-٥٤) وبما ان اليهود سيُباعون عبيدا لبابل، فسيحتاجون الى مَن يفكّهم ويفديهم لكي يتحرروا. صحيح ان الغزو لا يعني عادةً للعبيد سوى الانتقال من رحمة سيّد الى رحمة سيّد آخر، لكنَّ يهوه سيدفع الملك الغازي كورش الى اطلاق سراح اليهود وتحريرهم من عبوديتهم. وستُعطى مصر وكوش وسبا «فدية» لكورش مكان اليهود. (اشعياء ٤٣:٣) ومن الملائم ان يدعى فادي اسرائيل «رب الجنود». فقوة بابل العسكرية، التي تبدو خارقة، انما هي كلا شيء مقارنةً بحشود يهوه الملائكية غير المنظورة.
ثمن الوحشية
٨ بأيّ معنى ‹ستدخل بابل في الظلام›؟
٨ يتابع يهوه ادانته النبوية لبابل قائلا: «اجلسي صامتة وادخلي في الظلام يا ابنة الكلدانيين لأنك لا تعودين تدعين سيدة الممالك». (اشعياء ٤٧:٥) لا ينتظر بابل سوى الظلام والغم. فهي لن تبقى سيدة وحشية تسيطر على الممالك الاخرى. — اشعياء ١٤:٤.
٩ لماذا يغضب يهوه على اليهود؟
٩ ولكن لماذا سُمح لبابل من البداية بأن تسيء الى شعب اللّٰه؟ يوضح يهوه: «غضبت على شعبي دنَّست ميراثي ودفعتهم الى يدك». (اشعياء ٤٧:٦ أ) يغضب يهوه على اليهود لسبب وجيه. فقد سبق وحذَّرهم من ان عدم اطاعة شريعته سيؤدي الى طردهم من الارض. (تثنية ٢٨:٦٤) وعندما سقطوا في شرك الصنمية والفساد الادبي الجنسي، ارسل يهوه بمحبة انبياءه ليساعدهم على العودة الى العبادة النقية. لكنهم استمروا «يهزأون برسل اللّٰه ورذلوا كلامه وتهاونوا بأنبيائه حتى ثار غضب الرب على شعبه حتى لم يكن شفاء». (٢ أخبار الايام ٣٦:١٦) لذلك سمح يهوه بتدنيس ميراثه، يهوذا، حين اجتاحت بابل الارض ونجّست هيكله المقدس. — مزمور ٧٩:١؛ حزقيال ٢٤:٢١.
١٠، ١١ لماذا يغضب يهوه على بابل مع ان مشيئته تقضي بأن تغزو شعبه؟
١٠ نظرا الى كل هذا، ألا تنفِّذ بابل مشيئة اللّٰه حين تستعبد اليهود؟ كلا، لأن اللّٰه يقول: «لم تصنعي لهم رحمة. على الشيخ ثقَّلت نيرك جدا. وقلت الى الابد اكون سيدة حتى لم تضعي هذه في قلبك لم تذكري آخرتها». (اشعياء ٤٧:٦ب، ٧) لم يأمر اللّٰه بابل ان تتصرف بوحشية بالغة، فهي لم تترأف حتى «على الشيوخ». (مراثي ارميا ٤:١٦؛ ٥:١٢) ولا طلب منها ان تتلذذ بالهزء من اسراها اليهود. — مزمور ١٣٧:٣.
١١ لا تفهم بابل ان سيطرتها على اليهود انما هي وقتية. فقد تجاهلت تحذيرات اشعيا الذي قال ان يهوه سيحرّر شعبه في النهاية. وهي تتصرف كما لو ان لها الحق في السيطرة على اليهود الى الابد وسيادة الامم الخاضعة لها الى ما لا نهاية. انها لا تصغي الى الرسالة التي تنبِّهها الى وجود «آخرة» لحكمها الظالم!
الإنباء بسقوط بابل
١٢ لماذا يقال عن بابل انها «غارقة في الملذات»؟
١٢ يعلن يهوه: «فالآن اسمعي هذا ايتها المتنعمة [«الغارقة في الملذات»، جد] الجالسة بالطمأنينة القائلة في قلبها انا وليس غيري. لا اقعد ارملة ولا اعرف الثكل». (اشعياء ٤٧:٨) يُعرف عن بابل سعيها الحثيث وراء الملذات. فالمؤرخ هيرودوتُس، الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، يتحدث عن «عادة مخجلة جدا» عند البابليين، وهي انه كان يُفرض على كل النساء ممارسة البغاء اكراما لإلاهة الحب عندهم. وقال ايضا المؤرخ القديم كورتيوس: «ما من انحلال يضاهي انحلال الاخلاق في هذه المدينة؛ وما من فساد منظم فيه اغراءات وجواذب الى الخلاعة اكثر من فسادها».
١٣ كيف سيُسرِع ولع بابل بالملذات بسقوطها؟
١٣ وولع بابل هذا بالملذات سيُسرِع بسقوطها. ففي ليلة سقوطها، سيكون الملك وعظماؤه في وليمة يشربون الخمر حتى يَخدَروا. ولذلك لن يشعروا بالجيوش المادية والفارسية التي تجتاح المدينة. (دانيال ٥:١-٤) ولأنها «جالسة بالطمأنينة»، ستتخيل بابل ان خندقها المائي وأسوارها، التي لا تُخرق في نظرها، ستحميها من العدوان. وتقول لنفسها انه ‹ليس احد غيرها› قادرا ان يشغل مركزها السامي. وهي لا تتصور نفسها تتحول الى «ارملة» بموت حاكمها الملك، ولا ‹ثكلى› فقدت اولادها، اي العامة. ومع ذلك، لا يمكن لأيّ سور ان يحميها من ذراع يهوه اللّٰه المنتقمة! يقول يهوه لاحقا: «لو صعدت بابل الى السموات ولو حصَّنت عَلياء عزِّها فمن عندي يأتي عليها الناهبون». — ارميا ٥١:٥٣.
١٤ بأية طرائق سيأتي على بابل «الثكل والترمل»؟
١٤ وماذا سيحلّ ببابل؟ يمضي يهوه قائلا: «فيأتي عليك هذان الاثنان بغتة في يوم واحد الثكل والترمل. بالتمام قد اتيا عليك مع كثرة سحورك مع وفور رقاك جدا». (اشعياء ٤٧:٩) نعم، لن تبقى بابل دائما على عرش السيادة العالمية، بل ستشهد نهاية مفاجئة. كان الترمل والثكل اسوأ المصائب عند المرأة في بلاد الشرق القديم. ولا نعرف كم ولدا تفقد بابل ليلة سقوطها.d لكنَّ هذه المدينة ستخلو تماما من سكانها في الوقت المعين. (ارميا ٥١:٢٩) وستترمل ايضا لأن ملوكها سيُخلعون عن عروشهم.
١٥ بالاضافة الى وحشية بابل تجاه اليهود، لأيّ سبب آخر يغضب يهوه عليها؟
١٥ ولكنّ اساءة بابل معاملة اليهود ليست السبب الوحيد لغضب يهوه. ‹فكثرة سحورها› تثير حنقه ايضا. تدين شريعة اللّٰه المعطاة لاسرائيل ممارسة الارواحية، أما بابل فعندها اهتمام شديد بعلوم الغيب. (تثنية ١٨:١٠-١٢؛ حزقيال ٢١:٢١) ويقول كتاب الحياة الاجتماعية عند الاشوريين والبابليين (بالانكليزية) ان البابليين كانوا «يعيشون دائما في خوف من الشياطين الكثيرة التي كانوا يعتقدون انها تحيط بهم».
الاطمئنان في الشر
١٦، ١٧ (أ) كيف ‹تطمئن بابل في الشر›؟ (ب) لماذا لا يمكن تجنيب بابل النهاية التي تنتظرها؟
١٦ هل ينقذ بابلَ عرّافوها؟ يجيب يهوه: «وأنتِ اطمأننت في شرك. قلت ليس مَن يراني. حكمتك ومعرفتك هما أفتَناكِ فقلت في قلبك انا وليس غيري». (اشعياء ٤٧:١٠) تظن بابل انه بواسطة حكمتها الدنيوية والدينية، جبروتها العسكري، ووحشيتها الماكرة، يمكنها الاحتفاظ بمركزها كدولة عالمية. وهي تشعر بأن لا احد يقدر ان ‹يراها›، اي ان يحاسبها على اعمالها الشريرة. ولا ترى في الافق وصول منافس لها، بل تقول لنفسها: «انا وليس وغيري».
١٧ لكنَّ يهوه يحذّر، بواسطة نبي آخر: «اذا اختبأ انسان في اماكن مستترة أفما اراه انا». (ارميا ٢٣:٢٤؛ عبرانيين ٤:١٣) لذلك يعلن يهوه: «يأتي عليك شر لا تعرفين فجره [«رقية له»، عج] وتقع عليك مصيبة لا تقدرين ان تصديها وتأتي عليك بغتة تهلكة لا تعرفين بها». (اشعياء ٤٧:١١) فلا آلهة بابل ولا اية «رقية» يصنعها ممارسو الارواحية يمكن ان تجنِّبها الشر الآتي، شرّا لم يسبق ان شهدت له مثيلا!
مشيرو بابل يفشلون
١٨، ١٩ كيف سيؤدي اعتماد بابل على مشيريها الى كارثة؟
١٨ يأمر يهوه الآن، بسخرية لاذعة: «قفي في رقاك وفي كثرة سحورك التي فيها تعبتِ منذ صباك. ربما يمكنك ان تنفعي. ربما تُرعِبين». (اشعياء ٤٧:١٢) يجري تحدّي بابل ان ‹تقف›، اي ان تستمر في اعتمادها على السحر. فقد تعبت كثيرا كأمة في تطوير فنونها السحرية منذ ‹صباها›.
١٩ لكنَّ يهوه يهزأ بها، قائلا: «قد ضعفتِ من كثرة مشوراتك [«مشيريك»، عج]. ليقف قاسمو السماء الراصدون النجوم المعرِّفون عند رؤوس الشهور ويخلّصوك مما يأتي عليك». (اشعياء ٤٧:١٣)e سيفشل مشيرو بابل فشلا ذريعا. صحيح ان قرونا من الارصاد الفلكية ستنصبُّ كلها في تطوير التنجيم البابلي. ولكن في ليلة سقوطها، سيفضح فشل المنجمين المخزي بُطل العرافة. — دانيال ٥:٧، ٨.
٢٠ ماذا سيحصل لمشيري بابل؟
٢٠ يختتم يهوه هذا الجزء من النبوة بالقول: «ها انهم قد صاروا كالقش. احرقتهم النار. لا ينجّون انفسهم من يد اللهيب. ليس هو جمرا للاستدفاء ولا نارا للجلوس تجاهها. هكذا صار لك الذين تعبت فيهم. تجارك [«سَحَرَتك»، يج] منذ صباك قد شردوا كل واحد على وجهه وليس مَن يخلّصك». (اشعياء ٤٧:١٤، ١٥) نعم، سيمرّ هؤلاء المشيرون الباطلون بأوقات عنيفة متأججة كالنار. ولن تكون نارا تبعث الدفء في نفس الملتفين حولها، بل نارا آكلة مهلكة لا يصمد امامها المشيرون الباطلون، كما ان القش لا يصمد امام النار. لذلك لا عجب ان يفرّ مشيرو بابل مذعورين! لقد زال عماد بابل الاخير، وليس مَن يخلّصها. فسيصيبها تماما ما فعلته بأورشليم. — ارميا ١١:١٢.
٢١ كيف ومتى تتحقق كلمات اشعيا النبوية؟
٢١ يبدأ اتمام هذه الكلمات الملهمة في سنة ٥٣٩ قم. فجيوش مادي وفارس، بقيادة كورش، يحتلون المدينة ويقتلون ملكها المقيم بيلشاصر. (دانيال ٥:١-٤، ٣٠) وفي ليلة واحدة تُخلَع بابل عن عرش الهيمنة العالمية. وهكذا تنتهي قرون من التفوق الساميّ، ويخضع العالم الآن للسيطرة الآرية. وتبدأ فترة انحطاط بابل التي تدوم قرونا طويلة. وبحلول القرن الرابع الميلادي، تصير مجرد «كوم» من الحجارة. (ارميا ٥١:٣٧) وهكذا تتم نبوة اشعيا بحذافيرها.
بابل عصرية
٢٢ ايّ درس عن الكبرياء نتعلمه من سقوط بابل؟
٢٢ تدفعنا نبوة اشعيا الى التأمل في امور عديدة. فهي تلقي الضوء مثلا على مخاطر الكبرياء والتشامخ. ويبيِّن سقوط بابل المتكبّرة صحة المثل الوارد في الكتاب المقدس: «قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح». (امثال ١٦:١٨) صحيح ان الكبرياء تسيطر احيانا على طباعنا الناقصة، لكنَّ ‹الانتفاخ بالكبرياء› يمكن ان يؤدي الى السقوط «في تعيير وفي شرك لإبليس». (١ تيموثاوس ٣:٦، ٧) لذلك يحسن بنا ان نصغي الى نصيحة يعقوب: «تواضعوا في عيني يهوه فيرفعكم». — يعقوب ٤:١٠.
٢٣ اية ثقة تساعدنا نبوة اشعيا على امتلاكها؟
٢٣ تساعدنا هذه الكلمات النبوية ايضا على الوثوق بيهوه، الذي هو اقوى من جميع مقاوميه. (مزمور ٢٤:٨؛ ٣٤:٧؛ ٥٠:١٥؛ ٩١:١٤، ١٥) ويتعزّى المرء حين يتذكر هذا الامر في هذه الايام الصعبة. فالثقة بيهوه تقوّي تصميمنا على البقاء بلا لوم في عينيه، عالمين ان «مستقبل الانسان [الذي بلا لوم] سيكون سلميا». (مزمور ٣٧:٣٧، ٣٨، عج) لذلك من الحكمة دائما الاعتماد على يهوه وعدم الاتكال على وسائلنا الخاصة في وجه «مكايد» الشيطان. — افسس ٦:١٠-١٣.
٢٤، ٢٥ (أ) لماذا التنجيم امر غير منطقي، ولكن لماذا يلتفت اليه العديدون؟ (ب) ما هي بعض الاسباب التي تدفع المسيحيين الى تجنب المعتقدات الخرافية؟
٢٤ لاحظوا اننا نحذَّر من الممارسات الارواحية، وخصوصا التنجيم. (غلاطية ٥:٢٠، ٢١) فعندما سقطت بابل، بقي التنجيم يؤثر في الناس. ومن المثير للاهتمام ان كتاب المدن العظيمة للعالم القديم (بالانكليزية) يذكر ان الكوكبات التي وضع البابليون خرائط لها «لم تَعُد» في مواقعها القديمة، «مما يجعل فكرة [التنجيم] سخيفة». ومع ذلك، لا يزال التنجيم يزدهر، والكثير من الصحف يحتوي على اعمدة مخصصة للأبراج يطالعها قراؤها.
٢٥ وماذا يجعل الناس — مع ان كثيرين منهم مثقَّفون جيدا — يرجعون الى النجوم او يقومون بممارسات خرافية وغير منطقية؟ تقول دائرة معارف الكتاب العالمي (بالانكليزية): «على الارجح سيكون للخرافات دور في الحياة ما دام الناس يخافون بعضهم بعضا ولديهم شكوك بشأن المستقبل». فالخوف والشك قد يدفعان الناس الى الايمان بالخرافات. لكنَّ المسيحيين يتجنبون المعتقدات الخرافية. فليس عندهم خوف الانسان لأن يهوه متَّكلهم. (مزمور ٦:٤-١٠) وليست عندهم شكوك بشأن المستقبل؛ فهم يعرفون مقاصد يهوه المعلَنة ومتيقِّنون ان «مشورته تثبت الى الابد». (مزمور ٣٣:١١، جد) وإذا عشنا حياتنا بانسجام مع مشورة يهوه، فلا شك ان مستقبلنا سيكون سعيدا ومديدا.
٢٦ كيف تبيَّن ان «افكار الحكماء باطلة»؟
٢٦ في السنوات الاخيرة حاول البعض ان يتبيَّنوا المستقبل بطرائق «علمية» اكثر. حتى ان هنالك فرعا من فروع المعرفة يدعى «علم المستقبل»، ويعرَّف بأنه «دراسة تتناول الاحتمالات المستقبلية على اساس الاتجاهات الحالية». مثلا، في سنة ١٩٧٢ توقعت مجموعة من الاكاديميين ورجال الاعمال تُعرف باسم «نادي روما» انه بحلول عام ١٩٩٢، سينفد احتياطي كل العالم من الذهب والزئبق والزنك والنفط. صحيح ان العالم واجه مشاكل مريعة منذ سنة ١٩٧٢، لكنَّ هذا التوقُّع كان خاطئا على كل المستويات. فلا يزال في الارض احتياطي من الذهب والزئبق والزنك والنفط. نعم، لقد ارهق الانسان نفسه وهو يحاول توقُّع المستقبل، لكنَّ تخميناته لا يُعتمد عليها اطلاقا. حقا، ان «أفكار الحكماء باطلة». — ١ كورنثوس ٣:٢٠.
النهاية القريبة لبابل العظيمة
٢٧ متى وبأية طريقة عانت بابل العظيمة سقوطا مماثلا لسقوط بابل سنة ٥٣٩ قم؟
٢٧ نشرت الاديان العصرية الكثير من عقائد بابل القديمة. لذلك تستحق الامبراطورية العالمية للدين الباطل ان تُدعى بابل العظيمة. (كشف ١٧:٥) لقد سبق ان تعرَّض هذا التجمُّع الديني العالمي لسقوط مماثل لسقوط بابل القديمة سنة ٥٣٩ قم. (كشف ١٤:٨؛ ١٨:٢) ففي سنة ١٩١٩، خرجت البقية من اخوة المسيح من الاسر الروحي وتخلصوا من النفوذ الديني للعالم المسيحي، جزء بارز من بابل العظيمة. ومنذ ذلك الوقت فقدَ العالم المسيحي الكثير من نفوذه في بلدان عديدة حيث كان قويا في الماضي.
٢٨ بماذا تتباهى بابل العظيمة، ولكن ماذا ينتظرها؟
٢٨ لكنَّ هذا السقوط ليس إلّا الخطوة الاولى التي تسبق الدمار الشامل للدين الباطل. ومن المثير للاهتمام ان نبوة سفر الكشف عن دمار بابل العظيمة تذكّرنا بالكلمات النبوية المسجلة في اشعياء ٤٧:٨، ٩. فبابل العظيمة العصرية، شأنها في ذلك شأن بابل القديمة، تقول: «إني جالسة ملكة، ولست أرملة، ولن أرى نوحا أبدا». ولكن «في يوم واحد ستأتي ضرباتها، موت ونوح ومجاعة، وستحترق كاملا بالنار، لأن يهوه اللّٰه الذي دانها قوي». لذلك فإن الكلمات النبوية المسجلة في اشعياء الاصحاح ٤٧ تشكّل تحذيرا للذين لا يزالون ينتمون الى الدين الباطل. وإذا ارادوا ألا يهلكوا معها، فليصغوا الى الوصية الملهمة: «اخرجوا منها». — كشف ١٨:٤، ٧، ٨.
[الحواشي]
a للحصول على معلومات مفصَّلة حول تطوُّر العقائد الدينية الباطلة، انظروا كتاب بحث الجنس البشري عن اللّٰه، اصدار جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس في نيويورك.
b «العذراء ابنة بابل» هي بالعبرانية مصطلح يشير الى بابل او الى سكان بابل. وهي «عذراء» لأن غازيًا لم ينهبها منذ صارت دولة عالمية.
c وصف العلماء العبارة العبرانية المنقولة حرفيا «لن ألاقي رجلا» بأنها «صعبة الترجمة للغاية». وتضيف اليها ترجمة العالم الجديد (بالانكليزية) كلمة «بلطف» للتعبير عن الفكرة انه لن يُسمح لأيّ غريب بالمجيء لإنقاذ بابل. وثمة ترجمة اصدرتها جمعية النشر اليهودية تنقل العبارة الى: «لن . . . ادع انسانا يتوسَّط».
d يذكر كتاب نبونيد وبيلشاصر (بالانكليزية)، بقلم رايموند فيليپ داورتي، انه في حين تدّعي تواريخ نبونيد ان غزاة بابل دخلوها «دون قتال»، يشير المؤرخ اليوناني زينوفون الى انه ربما حصل الكثير من سفك الدم.
e ربما تشير عبارة «قاسمو السماء» الى ممارسة تقسيم السماء الى نطاقات مختلفة لقراءة الابراج.
[الصورتان في الصفحة ١١١]
بابل الساعية وراء الملذات ستُحَط الى التراب
[الصورة في الصفحة ١١٤]
لن يتمكن منجمو بابل من التنبؤ بسقوطها
[الصورة في الصفحة ١١٦]
روزنامة بابلية تُستعمل في التنجيم، الالف الاول قبل الميلاد
[الصور في الصفحة ١١٩]
قريبا لن توجد بابل العصرية في ما بعد
-
-
يهوه يعلّمنا من اجل مصلحتنانبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل التاسع
يهوه يعلّمنا من اجل مصلحتنا
١ كيف يتجاوب الحكماء مع كلام يهوه؟
عندما ينطق يهوه، يصغي الحكماء بإجلال ويتجاوبون مع كلامه. وكل ما يقوله يهوه هو لمنفعتنا، لأنه يهتم اهتماما شديدا بخيرنا. مثلا، كم نتأثر عندما نرى كيف خاطب يهوه شعب عهده القديم، حين قال: «ليتك تنتبه انتباها لوصاياي!». (اشعيا ٤٨:١٨، عج) وبما ان لتعاليم اللّٰه فائدة، كما تؤكد التجربة، ينبغي ان يدفعنا ذلك الى الانتباه لما يقوله واتِّباع ارشاده. وسجل النبوة المتمَّمة يبدِّد ايّ شك في تصميم يهوه على اتمام وعوده.
٢ لمَن سُجِّلت الكلمات في اشعياء ٤٨، ومَن غيرهم يمكن ان يستفيدوا منها؟
٢ من الواضح ان كلمات الاصحاح ٤٨ من سفر اشعياء كُتبت من اجل اليهود الذين سيكونون مسبيين في بابل. لكن تحتوي هذه الكلمات ايضا على رسالة لا يمكن للمسيحيين اليوم ان يتجاهلوها. ففي اشعياء الاصحاح ٤٧، انبأ الكتاب المقدس بسقوط بابل. والآن يصف يهوه ما ينوي فعله من اجل اليهود المسبيين في هذه المدينة. يحزن يهوه بسبب رياء شعبه المختار ورفضهم تصديق وعوده. ومع ذلك، يريد ان يعلّمهم من اجل مصلحتهم. وهو يتنبأ بفترة تمحيص تؤدي الى رد بقية امينة الى ارضهم.
٣ ماذا كان الخطأ في عبادة يهوذا؟
٣ كم انحرف شعب يهوه عن العبادة الحقة! تأملوا في كلمات اشعيا الافتتاحية: «اسمعوا هذا يا بيت يعقوب المدعوين باسم اسرائيل الذين خرجوا من مياه يهوذا الحالفين باسم الرب والذين يذكرون اله اسرائيل ليس بالصدق ولا بالحق. فإنهم يسمَّون من مدينة القدس ويُسنَدون الى اله اسرائيل. رب الجنود اسمه». (اشعياء ٤٨:١، ٢) يا لهذا الرياء! فمن الواضح ان ‹الحلف باسم يهوه› لا يتعدى كونه استعمالا شكليا لاسم اللّٰه. (صفنيا ١:٥) واليهود، قبل سبيهم الى بابل، عبدوا يهوه في اورشليم، «مدينة القدس». لكنَّ عبادتهم لم تكن مخلصة. فقد كانت قلوبهم بعيدة جدا عن اللّٰه، ولم تكن عباداتهم «بالصدق ولا بالحق». ولم يمتلكوا ايمان الآباء الاجلاء. — ملاخي ٣:٧.
٤ ما نوع العبادة التي ترضي يهوه؟
٤ تذكّرنا كلمات يهوه بأن عبادتنا ينبغي ألا تكون آلية، بل يجب ان تنبع من القلب. فالخدمة الشكلية — التي تؤدَّى لمجرد ارضاء الغير او إثارة اعجابهم — ليست من ‹أعمال التعبُّد للّٰه›. (٢ بطرس ٣:١١) ودعوة الشخص نفسه مسيحيا لا تجعل عبادته مقبولة امام اللّٰه تلقائيا. (٢ تيموثاوس ٣:٥) صحيح ان الاعتراف بوجود يهوه ضروري، لكنه ليس سوى نقطة البداية. فيهوه يريد ان نعبده من كل النفس وبدافع المحبة والتقدير العميقين. — كولوسي ٣:٢٣.
الإنباء بالحديثات
٥ ما هي بعض «الاوليات» التي انبأ بها يهوه؟
٥ ربما يحتاج اليهود في بابل الى انعاش ذاكرتهم. لذلك يذكّرهم يهوه من جديد انه اله النبوة الحقة: «بالاوليات منذ زمان اخبرت ومن فمي خرجَت وأنبأتُ بها. بغتة صنعتُها فأتت». (اشعياء ٤٨:٣) «الاوليات» هي اشياء سبق ان فعلها اللّٰه، كتحرير الاسرائيليين من مصر وإعطائهم ارض الموعد ميراثا لهم. (تكوين ١٣:١٤، ١٥؛ ١٥:١٣، ١٤) وتخرج هذه التنبؤات من فم اللّٰه، اي انها من مصدر الهي. ويجعل اللّٰه البشر يسمعون احكامه، وما يسمعونه ينبغي ان يدفعهم الى الطاعة. (تثنية ٢٨:١٥) وهو بغتةً يصنع ما ينبئ به. وبما ان يهوه هو القادر على كل شيء، فهذا يضمن ان قصده يتم. — يشوع ٢١:٤٥؛ ٢٣:١٤.
٦ الى ايّ حد صار الشعب اليهودي «عنيدا متمردا»؟
٦ صار شعب يهوه «عنيدا متمردا». (مزمور ٧٨:٨، تف) يقول يهوه بصراحة: «انك قاسٍ وعضل من حديد عنقك وجبهتك نحاس». (اشعياء ٤٨:٤) فاليهود هم كالمعادن — متصلِّبون لا يلينون. وهذا احد الاسباب التي تجعل يهوه يكشف امورا قبل ان تحصل. وإلا فسيقول شعبه عن الاشياء التي يفعلها يهوه: «صنمي قد صنعها ومنحوتي ومسبوكي امر بها». (اشعياء ٤٨:٥) وهل يؤثر ما يقوله يهوه الآن في اليهود غير الامناء؟ يقول اللّٰه: «قد سمعتَ فانظر كلها. وأنتم ألا تخبرون. قد انبأتُك بحديثات منذ الآن وبمخفيَّات لم تعرفها. الآن خُلِقَت وليس منذ زمان وقبل اليوم لم تسمع بها لئلا تقول هأنذا قد عرفتها». — اشعياء ٤٨:٦، ٧.
٧ بماذا سيضطر اليهود المسبيون ان يعترفوا، وماذا يمكن ان يتوقعوا؟
٧ سجَّل اشعيا نبوة سقوط بابل قبل وقوع هذا الحدث بزمن طويل. والآن يؤمَر نبويا اليهود المسبيون في بابل بأن يتأملوا في اتمام هذه النبوة. هل يمكنهم الانكار ان يهوه هو اله النبوة المتمَّمة؟ وبما ان سكان يهوذا رأوا وسمعوا ان يهوه اله حق، أفلا يجب ان يعلنوا ايضا هذا الحق للآخرين؟ ان هذا الكشف لكلام يهوه ينبئ بحديثات لم تحصل بعد، كغزو كورش لبابل وإطلاق سراح اليهود. (اشعياء ٤٨:١٤-١٦) ويبدو ان هذه الاحداث المفاجئة تأتي من المجهول. فلم يكن بإمكان احد ان يتوقع حصولها بمجرد التأمل في تطوُّر الشؤون العالمية. فهي تحصل كما لو انها خُلقت من العدم. ومَن يسبِّب ظهورها؟ بما ان يهوه ينبئ بها قبل ٢٠٠ سنة، لا يبقى هنالك شك في هوية المسبِّب.
٨ اية حديثات يرجوها المسيحيون اليوم، ولماذا لهم ملء الثقة بكلمة يهوه النبوية؟
٨ كذلك يحقق يهوه كلمته حسب جدوله الزمني الخاص. والنبوات المتمَّمة لا تؤكد ألوهية يهوه لليهود القدماء فقط، بل ايضا للمسيحيين اليوم. فالسجل الحافل بالنبوات التي تمَّت في الماضي — «الاوليات» — يؤكد ان الحديثات التي يعد بها يهوه — «الضيق العظيم» المقبل، نجاة «جمع كثير» من هذا الضيق، ‹الارض الجديدة› واشياء كثيرة غيرها — ستتحقق. (كشف ٧:٩، ١٤، ١٥؛ ٢١:٤، ٥؛ ٢ بطرس ٣:١٣) وهذا التأكيد يدفع المستقيمي القلوب اليوم الى الإخبار عن يهوه بغيرة. وهم يضمّون صوتهم الى صوت صاحب المزمور الذي قال: «بشَّرتُ ببر في جماعة عظيمة. هوذا شفتاي لم امنعهما». — مزمور ٤٠:٩.
يهوه يمارس ضبط النفس
٩ كيف كانت امة اسرائيل ‹متعدِّية من البطن›؟
٩ ان عدم ايمان اليهود بنبوات يهوه منعهم من الانتباه لتحذيراته. لهذا السبب يمضي قائلا لهم: «لم تسمع ولم تعرف ومنذ زمان لم تنفتح اذنك فإني علمت انك تغدر غدرا ومن البطن سُمِّيتَ عاصيا [«ودعيتَ ‹متعدِّيا من البطن›، عج]». (اشعياء ٤٨:٨) سدَّ يهوذا اذنيه عن سماع بشائر يهوه. (اشعياء ٢٩:١٠) وطريقة تصرف شعب عهد اللّٰه تُظهر ان الامة ‹متعدِّية من البطن›. فأمة اسرائيل، من ولادتها وخلال كامل تاريخها، تميَّزت بكثرة تمردها. ولم يعد الغدر والتعدِّي مجرد خطيتين عابرتين يقع فيهما الشعب بل صارا عادة عندهم. — مزمور ٩٥:١٠؛ ملاخي ٢:١١.
١٠ لماذا سيمسك يهوه عن شعبه؟
١٠ ولكن هل فُقد الامل؟ كلا. فمع ان يهوذا تمرَّدت وغدرت، يبقى يهوه دائما صادقا وأمينا. وإكراما لاسمه العظيم، سيقلّل من سكب جام غضبه. يقول: «من اجل اسمي ابطِّئ غضبي ومن اجل فخري امسك عنك حتى لا اقطعك». (اشعياء ٤٨:٩) فيا له من تباين! لم يسلك شعب يهوه، اسرائيل ويهوذا على السواء، بأمانة معه. لكنَّ يهوه سيقدِّس اسمه ويتصرَّف بطريقة تجلب التسبيح والإكرام لهذا الاسم. وهذا ما يجعله يمتنع عن قطع شعبه المختار. — يوئيل ٢:١٣، ١٤.
١١ لماذا لن يسمح اللّٰه بأن يُقضى على شعبه كليا؟
١١ يتنبَّه الافراد المستقيمو القلوب بين اليهود المسبيين لتوبيخات اللّٰه ويعقدون العزم على الاصغاء الى تعاليمه. وتُوَجَّه الى هؤلاء هذه الكلمات المطمئنة جدا: «هأنذا قد نقَّيتُك وليس بفضة. اخترتُك في كور المشقة. من اجل نفسي من اجل نفسي افعل. لأنه كيف يدنَّس اسمي. وكرامتي لا اعطيها لآخر». (اشعياء ٤٨:١٠، ١١) فالمحن الصعبة التي سمح يهوه بأن تأتي على شعبه، كما لو انهم في «كور المشقة»، امتحنتهم ومحَّصتهم، كاشفةً عما في قلوبهم. وكان قد حدث شيء مماثل قبل قرون حين قال موسى لأسلافهم: «سار بك الرب الهك هذه الاربعين سنة في القفر لكي يذلك ويجربك ليعرف ما في قلبك». (تثنية ٨:٢) ورغم تمردهم، لم يهلك يهوه الامة آنذاك، ولن يقضي على الامة كليا الآن. وهكذا يرتفع اسمه وتسمو كرامته. فلو كان البابليون سيبيدون شعبه، لصار اللّٰه خائنا لعهده وتدنَّس اسمه. ولَظهر ان اله اسرائيل عاجز عن انقاذ شعبه. — حزقيال ٢٠:٩.
١٢ كيف تمحَّص المسيحيون الحقيقيون خلال الحرب العالمية الاولى؟
١٢ وفي الازمنة العصرية ايضا، احتاج شعب يهوه الى التمحيص. ففي اوائل القرن الـ ٢٠، كان كثيرون من الفريق الصغير من تلاميذ الكتاب المقدس يخدمون اللّٰه برغبة مخلصة في ارضائه، ولكن كانت لدى البعض دوافع خاطئة، كالرغبة في البروز. وقبل ان يتمكن هذا الفريق الصغير من الشروع في حملة الكرازة العالمية بالبشارة المنبإ بها لوقت النهاية، لزم ان يتطهروا. (متى ٢٤:١٤) وقد تنبأ النبي ملاخي بأن اجراء هذا التمحيص سيرتبط بمجيء يهوه الى هيكله. (ملاخي ٣:١-٤) وتمَّت كلماته في سنة ١٩١٨. فقد مرَّ المسيحيون الحقيقيون بفترة امتحان ناري في وطيس الحرب العالمية الاولى، وبلغ هذا الامتحان ذروته عندما سُجن جوزيف ف. رذرفورد، رئيس جمعية برج المراقبة آنذاك، وبعض المسؤولين في الجمعية. لكنَّ هؤلاء المسيحيين المخلصين استفادوا من عملية تمحيصهم. فبعد الحرب العالمية الاولى، زاد تصميمهم على خدمة الههم العظيم بالطريقة التي يريدها.
١٣ كيف تجاوب شعب يهوه مع الاضطهاد في السنوات التي اعقبت الحرب العالمية الاولى؟
١٣ ومنذ تلك الايام، يواجه شهود يهوه مرة تلو مرة ابشع اشكال الاضطهاد. لكنَّ ذلك لم يجعلهم يشكّون في كلام خالقهم، بل أصغوا الى كلمات الرسول بطرس الموجَّهة الى المسيحيين المضطهَدين في ايامه: «[انتم] تحزنون . . . بمحن متنوعة، لكي توجد نوعية إيمانكم الممتحنة . . . مدعاة للمدح والمجد والكرامة عند الكشف عن يسوع المسيح». (١ بطرس ١:٦، ٧) فالاضطهاد الشديد لا يقضي على استقامة المسيحيين الحقيقيين، بل يكشف نقاوة دوافعهم. ويجعل نوعية ايمانهم ممتحنة ويُظهر مدى عمق تعبُّدهم ومحبتهم. — امثال ١٧:٣.
«انا الاول وأنا الآخِر»
١٤ (أ) كيف يكون يهوه «الاول» و «الآخِر»؟ (ب) اية اعمال خارقة انجزها يهوه بواسطة ‹يده›؟
١٤ الآن يناشد يهوه شعب عهده بحرارة: «اسمع لي يا يعقوب وإسرائيل الذي دعوته. انا هو. انا الاول وأنا الآخِر ويدي اسست الارض ويميني نشرت السموات. انا ادعوهن فيقفن معا». (اشعياء ٤٨:١٢، ١٣) فاللّٰه، بخلاف البشر، سرمدي ولا يتغير. (ملاخي ٣:٦) وفي سفر الكشف يعلن يهوه: «أنا هو الألف والياء، الأول والآخِر، البداية والنهاية». (كشف ٢٢:١٣) فقبل يهوه لم يوجد اله قادر على كل شيء، ولن يوجد بعده ايضا. انه الاله السامي والسرمدي، الخالق العظيم. و ‹يده› — قوته المستخدمة بطريقة عملية — اسست الارض ونشرت السموات المرصَّعة بالنجوم. (ايوب ٣٨:٤؛ مزمور ١٠٢:٢٥) وعندما يدعو خلائقه، تقف استعدادا لخدمته. — مزمور ١٤٧:٤.
١٥ بأية طريقة ولأيّ هدف «احب» يهوه كورش؟
١٥ ثم تُوَجَّه دعوة هامة الى اليهود وغير اليهود على السواء: «اجتمعوا كلكم واسمعوا. مَن منهم اخبر بهذه. قد احبه الرب. يصنع مسرته ببابل ويكون ذراعه على الكلدانيين. انا انا تكلمت ودعوته. اتيت به فينجح طريقه». (اشعياء ٤٨:١٤، ١٥) يهوه وحده كلي القدرة وقادر على التنبؤ بالاحداث بدقة. فلا احد «منهم»، الاصنام العديمة القيمة، قادر على الإنباء بهذه الامور. ويهوه لا الاصنام «احبه»، اي كورش، بمعنى ان يهوه اختاره لقصد محدد. (اشعياء ٤١:٢؛ ٤٤:٢٨؛ ٤٥:١، ١٣؛ ٤٦:١١) وقد رأى مسبقا ظهور كورش على المسرح العالمي وخصَّه بامتياز احتلال بابل في المستقبل.
١٦، ١٧ (أ) لماذا يمكن القول ان اللّٰه لم يعطِ تنبؤاته خفيةً؟ (ب) كيف يعلن يهوه مقاصده اليوم؟
١٦ وبأسلوب جذاب يمضي يهوه قائلا: «تقدموا اليَّ اسمعوا هذا. لم اتكلم من البدء في الخفاء. منذ وجوده انا هناك». (اشعياء ٤٨:١٦ أ) لم تُعطَ التنبؤات التي صدرت من يهوه خفيةً، ولم تعلَن لأشخاص قليلين مميَّزين فقط. فقد كان انبياء يهوه يتكلمون باسم اللّٰه جهرا. (اشعياء ٦١:١) وأعلنوا للملإ مشيئة اللّٰه. مثلا، لم تكن الاحداث المرتبطة بكورش جديدة على اللّٰه او لم يرها مسبقا. فقبل نحو ٢٠٠ سنة من وقوعها، انبأ اللّٰه بها وأعلنها بواسطة اشعيا.
١٧ واليوم ايضا ليس يهوه متكتما بشأن مقاصده. فملايين الاشخاص في مئات البلدان وجزر البحار يعلنون من بيت الى بيت، في الشوارع، وحيثما امكن، التحذير بشأن اقتراب نهاية نظام الاشياء هذا وبشارة البركات التي ستأتي في ظل ملكوت اللّٰه. نعم، يهوه اله لا يحتفظ بمقاصده لنفسه.
‹انتبهوا لوصاياي!›
١٨ ماذا يريد يهوه لشعبه؟
١٨ يعلن النبي، بدعم من روح يهوه: «السيد الرب ارسلني وروحه. هكذا يقول الرب فاديك قدوس اسرائيل. انا الرب الهك معلمك لتنتفع وأمشّيك في طريق تسلك فيه». (اشعياء ٤٨:١٦ ب، ١٧) ان هذا التعبير الحبي عن عناية يهوه ينبغي ان يؤكد لأمة اسرائيل ان اللّٰه سينقذهم من بابل. فهو فاديهم ووليهم. (اشعياء ٥٤:٥) ويريد يهوه من كل قلبه ان يسترد الاسرائيليون علاقتهم الحميمة به وينتبهوا لوصاياه. فالعبادة الحقة تقوم على اطاعة الارشادات الالهية. لذلك لن يتمكن الاسرائيليون من السير في طريق الصواب إلا اذا تعلَّموا ‹الطريق الذي يجب ان يسلكوا فيه›.
١٩ اية مناشدة رقيقة يذكرها يهوه؟
١٩ ثم يعبَّر بأسلوب جميل عن رغبة يهوه في ألا يتعرض شعبه للمصائب بل ان يتمتعوا بالحياة: «ليتك تنتبه انتباها لوصاياي! فيكون سلامك كنهر، وبرُّك كأمواج البحر». (اشعيا ٤٨:١٨، عج) ما ارقّ هذه المناشدة من الخالق القادر على كل شيء! (تثنية ٥:٢٩؛ مزمور ٨١:١٣) فبإمكان الاسرائيليين، بدلا من الذهاب الى السبي، ان يتمتعوا بسلام جزيل كالمياه المتدفقة في نهر. (مزمور ١١٩:١٦٥) ويمكن ان تكثر اعمال برهم بحيث لا تُحصى، كأمواج البحر. (عاموس ٥:٢٤) ولأن يهوه مهتم بهم اهتماما شديدا، يوجِّه اليهم هذه المناشدة، مُظهرا لهم بمحبة الطريق الذي ينبغي ان يسلكوا فيه. فيا ليتهم يصغون!
٢٠ (أ) ما هي رغبة اللّٰه حيال اسرائيل رغم تمرُّدهم؟ (ب) ماذا نتعلم عن يهوه من تعاملاته مع شعبه؟ (انظروا الاطار في الصفحة ١٣٣.)
٢٠ وأية بركات تأتي اذا تاب اسرائيل؟ يقول يهوه انه يكون «كالرمل نسلك وذرية احشائك كأحشائه [«كعدد حبَّاته»، تف]. لا ينقطع ولا يباد اسمه من امامي». (اشعياء ٤٨:١٩) يذكّر يهوه الشعب بوعده ان يكثِّر نسل ابراهيم، «كنجوم السماء وكالرمل الذي على شاطئ البحر». (تكوين ٢٢:١٧؛ ٣٢:١٢) لكنَّ هؤلاء المتحدِّرين من ابراهيم متمرِّدون، ولا يحق لهم ان ينالوا اتمام الوعد. فسجلهم حافل بالشر حتى انهم يستحقون ان ينقطع اسمهم كأمة، وفقا لشريعة يهوه. (تثنية ٢٨:٤٥) ومع ذلك، لا يرغب يهوه في ان يباد شعبه، ولا يريد ان يتركهم كليا.
٢١ اية بركات يمكن ان ننالها اليوم اذا سعينا الى التعلم من يهوه؟
٢١ تنطبق المبادئ المشمولة بهذه الرسالة القوية على عبّاد يهوه اليوم. فيهوه ينبوع الحياة، ويعرف افضل من ايّ كائن آخر كيف يجب ان نستخدم حياتنا. (مزمور ٣٦:٩) ولم يعطنا الارشادات ليسلبنا متعة الحياة، بل لنستفيد. ويتجاوب المسيحيون الحقيقيون بسعيهم الى التعلم من يهوه. (ميخا ٤:٢) وتحمي توجيهاته روحياتنا وعلاقتنا به، وتردّ عنا تأثير الشيطان المفسد. وعندما نقدِّر المبادئ التي نستخلصها من شرائع اللّٰه، نجد ان يهوه يعلّمنا من اجل مصلحتنا. وندرك ان «وصاياه لا تشكل عبئا». وهكذا لن ننقطع ابدا. — ١ يوحنا ٢:١٧؛ ٥:٣.
«اخرجوا من بابل»
٢٢ ماذا يُحَثّ اليهود الامناء على فعله، وأية تأكيدات يُعطَون؟
٢٢ عندما تسقط بابل، هل سيمتلك ايٌّ من اليهود الموقف القلبي الصائب؟ وهل سيستفيدون من إنقاذ يهوه لهم ويعودون الى ارضهم ويؤسسون العبادة النقية من جديد؟ نعم. وتُظهر كلمات يهوه التالية ثقته بأن هذا ما سيحدث. «اخرجوا من بابل اهربوا من ارض الكلدانيين. بصوت الترنم اخبروا نادوا بهذا. شيِّعوه الى اقصى الارض. قولوا قد فدى الرب عبده يعقوب. ولم يعطشوا في القفار التي سيَّرهم فيها. اجرى لهم من الصخر ماء وشق الصخر ففاضت المياه». (اشعياء ٤٨:٢٠، ٢١) يُحَثّ شعب يهوه نبويا ان يغادروا بابل دون تأخير. (ارميا ٥٠:٨) ويجب ان يُعرف فداؤهم الى اقصى الارض. (ارميا ٣١:١٠) بعد الخروج من مصر، امَّن يهوه حاجات شعبه فيما كانوا يسيرون في الاراضي الصحراوية. والآن ايضا سيعيل شعبه في طريق عودتهم الى ارضهم من بابل. — تثنية ٨:١٥، ١٦.
٢٣ مَن لن يتمتعوا بالسلام الالهي؟
٢٣ هنالك مبدأ هام آخر يجب ان يتذكره اليهود بشأن اعمال يهوه الانقاذية. حتى لو تألم الميالون الى البر بسبب خطاياهم، لن يكون مصيرهم الفناء. وهم بذلك يختلفون عن الاثمة. «لا سلام قال الرب للاشرار». (اشعياء ٤٨:٢٢) فالخطاة غير التائبين لن يتمتعوا بالسلام الذي يحفظه اللّٰه للذين يحبونه. والاعمال الانقاذية ليست معدّة للاشرار العنيدين او الاشخاص غير المؤمنين. انها فقط للذين يملكون الايمان. (تيطس ١:١٥، ١٦؛ كشف ٢٢:١٤، ١٥) أما الاشرار فلن يحصلوا على سلام من اللّٰه.
٢٤ ماذا جعل شعب اللّٰه يتهللون في الازمنة العصرية؟
٢٤ في سنة ٥٣٧ قم، ابتهج الاسرائيليون الامناء حين سنحت لهم الفرصة ان يغادروا بابل. وفي سنة ١٩١٩، تهلل شعب اللّٰه حين أُطلق سراحهم من الاسر البابلي. (كشف ١١:١١، ١٢) فقد طفحت قلوبهم بالامل، وانتهزوا الفرصة ليوسّعوا دائرة نشاطهم. صحيح ان الاستفادة من الامكانيات الجديدة للكرازة في عالم عدائي تطلبت من هذا الفريق الصغير من المسيحيين اظهار الشجاعة. ولكن بمساعدة يهوه، انهمكوا في عمل الكرازة بالبشارة. ويشهد التاريخ ان يهوه باركهم.
٢٥ لماذا من المهم الانتباه جيدا لأحكام اللّٰه البارة؟
٢٥ يشدّد هذا الجزء من نبوة اشعيا على ان يهوه يعلّمنا من اجل مصلحتنا. فمن المهم الانتباه جيدا لأحكام اللّٰه البارة. (كشف ١٥:٢-٤) وإذا بقينا نذكّر انفسنا بأن اللّٰه حكيم ومحب، يساعدنا ذلك على اطاعة ما يقول يهوه انه صواب. فجميع اوامره هي لفائدتنا. — اشعياء ٤٨:١٧، ١٨.
[الاطار/الصورتان في الصفحة ١٣٣]
اللّٰه القادر على كل شيء يكبح غضبه
قال يهوه للاسرائيليين المرتدين: ‹ابطِّئ غضبي وأمسك عنك›. (اشعياء ٤٨:٩) تساعدنا هذه الكلمات ان نرى ان اللّٰه يرسم مثالا ممتازا لعدم اساءة استعمال السلطة. لا شك انه لا يوجد احد يفوق اللّٰه قوة. ولهذا السبب نشير اليه بالقادر على كل شيء. وهو يطلق على نفسه باستحقاق لقب «القدير». (تكوين ١٧:١) وبالاضافة الى القوة التي لا تُحَدّ، يتمتع ايضا بسلطة مطلقة لأنه الرب المتسلط على الكون الذي خلقه. لذلك لا يجرؤ احد ان يمنع يده او يقول له: «ماذا تفعل». — دانيال ٤:٣٥.
لكنَّ اللّٰه بطيء الغضب، حتى حين تدعو الحاجة الى اظهار قوته ضد اعدائه. (ناحوم ١:٣) ويمكن القول عن يهوه انه ‹يبطِّئ غضبه› لأن المحبة — لا الغضب — هي الصفة البارزة عنده. فغضبه بار دائما، مبرَّر دائما، ومضبوط دائما. — خروج ٣٤:٦؛ ١ يوحنا ٤:٨.
ولماذا يتصرف يهوه بهذه الطريقة؟ لأنه يوازن بدقة بين قدرته العظيمة وصفاته الرئيسية الاخرى: الحكمة، العدل، والمحبة. فاستخدامه للقوة يتناسب دائما مع هذه الصفات الثلاث الاخرى.
[الصورة في الصفحة ١٢٢]
رسالة الرد التي يتفوَّه بها اشعيا تعطي بصيص امل لليهود الامناء في السبي
[الصور في الصفحة ١٢٤]
كان عند اليهود ميل الى نسب اعمال يهوه الى الاصنام
١- عشتار ٢- زخرف من الآجرّ المزجَّج من شارع المواكب في بابل ٣- تنين يرمز الى مردوخ
[الصورة في الصفحة ١٢٧]
يمكن لـ «كور المشقة» ان يكشف هل دوافعنا الى خدمة يهوه نقية ام لا
[الصور في الصفحة ١٢٨]
واجه المسيحيون الحقيقيون اقسى اشكال الاضطهاد
-
-
«وقت القبول»نبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل العاشر
«وقت القبول»
١، ٢ (أ) اية بركة تمتع بها اشعيا؟ (ب) مَن هم المشمولون بالكلمات النبوية المسجَّلة في النصف الاول من اشعياء الاصحاح ٤٩؟
لطالما تمتع جميع البشر الامناء برضى اللّٰه وحمايته. لكنَّ يهوه لا يمنح رضاه عشوائيا. فيجب ان يتأهل الشخص ليحصل على هذه البركة الفريدة. كان اشعيا احد الاشخاص الذين حصلوا عليها. فقد نال حظوة لدى اللّٰه، واستخدمه يهوه لإخبار الآخرين بمشيئته. وأحد الامثلة لنيل حظوة كهذه مسجَّل في النصف الاول من الاصحاح ٤٩ من نبوة اشعيا.
٢ هذه الكلمات موجَّهة نبويا الى نسل ابراهيم. وفي الاتمام الاولي، هذا النسل هو امة اسرائيل التي تحدَّرت من ابراهيم. ولكن من الواضح ان الكثير من التعابير ينطبق على نسل ابراهيم الذي طال انتظاره: المسيَّا الموعود به. وتنطبق الكلمات الملهمة ايضا على اخوة المسيَّا الروحيين، الذين صاروا جزءا من نسل ابراهيم الروحي ومن «اسرائيل اللّٰه». (غلاطية ٣:٧، ١٦، ٢٩؛ ٦:١٦) وهذا الجزء من نبوة اشعيا يصف خصوصا العلاقة المميزة التي تربط يهوه بابنه الحبيب يسوع المسيح. — اشعياء ٤٩:٢٦.
معيَّن ومحميّ من يهوه
٣، ٤ (أ) ايّ دعم يلاقيه المسيَّا؟ (ب) الى مَن يتحدث المسيَّا؟
٣ يحظى المسيَّا بقبول اللّٰه او رضاه. ويعطيه يهوه السلطة وأوراق الاعتماد اللازمة ليتمِّم مهمته. لذلك من الملائم ان يقول المسيَّا المستقبلي: «اسمعي لي ايتها الجزائر واصغوا ايها الامم من بعيد. الرب من البطن دعاني. من احشاء امي ذكر اسمي». — اشعياء ٤٩:١.
٤ هنا يوجِّه المسيَّا ملاحظاته الى شعوب من «بعيد». فمع ان الشعب اليهودي هو مَن وُعد بالمسيَّا، ستتبارك بخدمته جميع الامم. (متى ٢٥:٣١-٣٣) وينبغي ‹للجزائر والامم›، مع انها ليست في عهد مع يهوه، ان تصغي الى مسيَّا اسرائيل لأنه أُرسل لخلاص جميع البشر.
٥ كيف يسمّى المسيَّا حتى قبل ولادته كإنسان؟
٥ تقول النبوة ان يهوه سيسمِّي المسيَّا قبل ولادته كإنسان. (متى ١:٢١؛ لوقا ١:٣١) ويسوع، قبل وقت طويل من ولادته، دعي اسمه «عجيبا مشيرا الها قديرا ابا ابديا رئيس السلام». (اشعياء ٩:٦) ويتبيَّن ايضا ان الاسم عمانوئيل، على الارجح اسم ابنٍ لإشعيا، هو اسم نبوي للمسيَّا. (اشعياء ٧:١٤؛ متى ١:٢١-٢٣) حتى الاسم الذي سيُعرف به المسيَّا — يسوع — يُنبَأ به قبل ولادته. (لوقا ١:٣٠، ٣١) وهذا الاسم يُشتق من كلمة عبرانية تعني «يهوه خلاص». فمن الواضح ان يسوع لم يعيِّن نفسه مسيحا.
٦ بأية طريقة يكون فم المسيَّا كسيف حاد، وكيف يُخفى المسيَّا او يخبَّأ؟
٦ تمضي كلمات المسيَّا النبوية قائلة: «وجعل فمي كسيف حاد. في ظل يده خبَّأني وجعلني سهما مبريًّا. في كِنانته اخفاني». (اشعياء ٤٩:٢) عندما يبدأ مسيَّا يهوه، يسوع، بخدمته الارضية سنة ٢٩ بم، يتبيَّن فعلا ان كلماته وأعماله هي كالاسلحة الحادة والمبريّة، اذ انها قادرة على التأثير في قلوب سامعيه تأثيرا قويا. (لوقا ٤:٣١، ٣٢) وتثير كلماته وأعماله غضب عدو يهوه الكبير، الشيطان، وعملائه. ومن وقت ولادة يسوع يحاول الشيطان قتله، لكنَّ يسوع هو كالسهم المخفى في كِنانة يهوه، اي جعبة سهامه.a فيمكنه ان يعتمد على حماية ابيه الاكيدة. (مزمور ٩١:١؛ لوقا ١:٣٥) وفي الوقت المعيَّن، يبذل يسوع حياته من اجل الجنس البشري. ولكن سيحين الوقت الذي يخرج فيه يسوع كمحارب سماوي جبار مسلَّح بمعنى مختلف: سيف ماضٍ يخرج من فمه. وهذه المرة يمثِّل السيف الماضي سلطة يسوع ان يتلفظ بالاحكام ضد اعداء يهوه وينفذها. — كشف ١:١٦.
جهود خادم اللّٰه لا تذهب سدى
٧ على مَن تنطبق كلمات يهوه في اشعياء ٤٩:٣، ولماذا؟
٧ والآن يتفوَّه يهوه بهذه الكلمات النبوية: «انت عبدي [«خادمي»، عج] اسرائيل الذي به اتمجد». (اشعياء ٤٩:٣) يشير يهوه الى امة اسرائيل بصفتها عبده او خادمه. (اشعياء ٤١:٨) لكنَّ يسوع المسيح هو خادم اللّٰه الابرز. (اعمال ٣:١٣) ولا احد من مخلوقات اللّٰه يقدر ان يعكس ‹مجد› يهوه افضل من يسوع. لذلك، مع ان هذه الكلمات موجَّهة حرفيا الى اسرائيل، فانطباقها الاساسي هو على يسوع. — يوحنا ١٤:٩؛ كولوسي ١:١٥.
٨ كيف يتجاوب شعب المسيَّا معه، ولكن الى مَن يتطلع المسيَّا للحكم بمسألة نجاحه؟
٨ ولكن أليس صحيحا ان يسوع احتقره ورفضه معظم شعبه؟ بلى. فغالبية امة اسرائيل لا تعترف بيسوع خادما معيَّنا من اللّٰه. (يوحنا ١:١١) وكل ما يفعله يسوع على الارض قد يبدو تافها او عديم القيمة في نظر معاصريه. وهذا الفشل الظاهري في خدمته تلمِّح اليه الكلمات التالية التي يتفوَّه بها المسيَّا: «عبثا تعبتُ باطلا وفارغا افنيتُ قدرتي». (اشعياء ٤٩:٤ أ) لكنَّ المسيَّا لا يقول ذلك لأنه تثبَّط. تأملوا في ما يقوله بعد ذلك: «لكنَّ حقي [«حكمي»، يس] عند الرب وعملي [«أجري»، يج] عند الهي». (اشعياء ٤٩:٤ ب) فاللّٰه، لا البشر، هو الذي يحكم بمسألة نجاح المسيَّا.
٩، ١٠ (أ) ما هو تفويض يهوه الى المسيَّا، وأية نتائج يحققها؟ (ب) كيف يمكن ان يتشجع المسيحيون اليوم باختبارات المسيَّا؟
٩ يهتم يسوع خصوصا بحيازة رضى اللّٰه، اي قبوله. ففي النبوة يقول المسيَّا: «والآن قال الرب جابلي من البطن عبدا له لإرجاع يعقوب اليه فينضم اليه اسرائيل فأتمجد في عيني الرب وإلهي يصير قوتي». (اشعياء ٤٩:٥) يأتي المسيَّا ليعيد قلوب بني اسرائيل الى ابيهم السماوي. ولا يتجاوب إلا القليل منهم. لكنَّ اجره الحقيقي عند يهوه اللّٰه. فنجاحه لا يقاس حسب شروط البشر، بل حسب معايير يهوه.
١٠ واليوم، قد يشعر أتباع يسوع احيانا بأنهم يتعبون عبثا. فقد تبدو نتائج خدمتهم في بعض الاماكن ضئيلة مقارنةً بمقدار العمل والجهد المبذول. ومع ذلك يحتملون، متشجعين بمثال يسوع. ويتقوون ايضا بكلمات الرسول بولس الذي كتب: «إذًا، يا إخوتي الأحباء، كونوا راسخين، غير متزعزعين، مشغولين جدا بعمل الرب كل حين، عالمين أن كدكم ليس عبثا في الرب». — ١ كورنثوس ١٥:٥٨.
‹نور للامم›
١١، ١٢ كيف كان المسيَّا «نورا للامم»؟
١١ في نبوة اشعيا، يشجِّع يهوه المسيَّا بتذكيره ان كونه خادما للّٰه ‹ليس امرا تافها› (ع ج). فيجب على يسوع ان ‹يقيم اسباط يعقوب ويرد محفوظي اسرائيل›. ويمضي يهوه موضحا: «جعلتك نورا للامم لتكون خلاصي الى اقصى الارض». (اشعياء ٤٩:٦) فكيف يكون يسوع نورا للشعوب «الى اقصى الارض» فيما اقتصرت خدمته الارضية على اسرائيل؟
١٢ يُظهر سجل الكتاب المقدس ان ‹نور اللّٰه للامم› لم ينطفئ برحيل يسوع عن المسرح الارضي. فبعد نحو ١٥ سنة من موت يسوع، اقتبس المرسَلان بولس وبرنابا كلمات النبوة في اشعياء ٤٩:٦ وطبَّقاها على تلاميذ يسوع، اخوته الروحيين. اوضحا قائلَين: «بهذه الكلمات أوصانا يهوه: ‹قد أقمتك نورا للأمم، لتكون خلاصا إلى أقصى الأرض›». (اعمال ١٣:٤٧) ورأى بولس، قبل موته، بشارة الخلاص متوفرة لا لليهود فقط، بل ايضا لـ «كل الخليقة التي تحت السماء». (كولوسي ١:٦، ٢٣) واليوم، تواصل بقية اخوة المسيح الممسوحين هذا العمل. وبدعم «جمع كثير» يبلغ عددهم الملايين، يخدمون ‹كنور للامم› في اكثر من ٢٣٠ بلدا حول العالم. — كشف ٧:٩.
١٣، ١٤ (أ) ايّ رد فعل للعمل الكرازي واجهه المسيَّا وأتباعه؟ (ب) ايّ تغيُّر في الاوضاع حدث؟
١٣ لقد كان يهوه فعلا مانح القوة الداعمة لخادمه المسيَّا، اخوة المسيَّا الممسوحين، وجميع افراد الجمع الكثير الذين يواصلون معهم عمل الكرازة بالبشارة. حقا، ان تلاميذ يسوع تعرَّضوا كسيدهم للاستهزاء والمقاومة. (يوحنا ١٥:٢٠) لكنَّ يهوه، في وقته المعين، يجعل دائما الاوضاع تتغير ليخلّص خدامه الاولياء ويكافئهم. وعن المسيَّا، الذي هو «مهان النفس» و «مكروه الامة»، يعد يهوه: «ينظر ملوك فيقومون. رؤساء فيسجدون. لأجل الرب الذي هو امين وقدوس اسرائيل الذي قد اختارك». — اشعياء ٤٩:٧.
١٤ كتب الرسول بولس لاحقا الى المسيحيين في فيلبي عن هذا التغيُّر المنبإ به في الاوضاع. فقد قال عن يسوع انه أُذلّ على خشبة آلام، لكنَّ اللّٰه رفَّعه لاحقا. وأعطى يهوه خادمه ‹مركزا أعلى وأنعم عليه بالاسم الذي يعلو كل اسم آخر، لكي تنحني باسم يسوع كل ركبة›. (فيلبي ٢:٨-١١) وحُذِّر أتباع المسيح الامناء من اضطهادات ستأتي عليهم هم ايضا. لكنهم كالمسيَّا متيقنون من حيازتهم قبول يهوه. — متى ٥:١٠-١٢؛ ٢٤:٩-١٣؛ مرقس ١٠:٢٩، ٣٠.
«الوقت المقبول خصوصا»
١٥ ايّ «وقت» خصوصي يؤتى على ذكره في نبوة اشعيا، وإلى ماذا يشير ضمنا؟
١٥ بعد ذلك تذكر نبوة اشعيا هذا الكلام البالغ الاهمية. يقول يهوه للمسيَّا: «في وقت القبول استجبتك وفي يوم الخلاص اعنتك. فأحفظك وأجعلك عهدا للشعب». (اشعياء ٤٩:٨ أ) هنالك نبوة مماثلة مسجلة في المزمور ٦٩:١٣-١٨. ويشير صاحب المزمور الى ‹وقت قبول› باستعمال عبارة «وقت رضى». وتشير هاتان العبارتان ضمنا الى ان قبول يهوه وحمايته يُمنَحان بطريقة خصوصية، انما فقط خلال فترة محددة ووقتية.
١٦ ماذا كان وقت قبول يهوه بالنسبة الى اسرائيل القديمة؟
١٦ ومتى كان وقت القبول هذا؟ كانت هاتان الكلمتان في الاصل جزءا من نبوة ردّ، وأنبأتا بعودة اليهود من السبي. وقد شهدت امة اسرائيل وقت قبول حين تمكنوا من ‹استرداد الارض› وإعادة تملُّك ما لهم من ‹املاك داهمها الدمار›. (اشعياء ٤٩:٨ ب، تف) فلم يعودوا «اسرى» في بابل. وخلال رحلة العودة الى موطنهم، حرص يهوه ألا ‹يجوعوا› او ‹يعطشوا› او «يضربهم حر ولا شمس». وجرى الاسرائيليون المشتَّتون العائدون الى موطنهم «من بعيد . . . من الشمال ومن المغرب». (اشعياء ٤٩:٩-١٢) ولكن رغم هذا الاتمام الاولي المذهل، يُظهر الكتاب المقدس ان هنالك انطباقات واسعة لهذه النبوة.
١٧، ١٨ ايّ وقت قبول عيَّنه يهوه في القرن الاول؟
١٧ اولا، في وقت ولادة يسوع، هتف ملائكة بالسلام وبرضى يهوه نحو الناس. (لوقا ٢:١٣، ١٤) ولم يُمنح هذا الرضى للناس عموما، بل فقط للذين مارسوا الايمان بيسوع. ولاحقا، قرأ يسوع علنا النبوة في اشعياء ٦١:١، ٢ وطبَّقها على نفسه كمنادٍ «بسنة يهوه المقبولة». (لوقا ٤:١٧-٢١) وقال الرسول بولس عن المسيح انه نال حماية خصوصية من يهوه في ايام جسده. (عبرانيين ٥:٧-٩) اذًا ينطبق وقت القبول هذا على رضى يهوه على يسوع خلال حياته كإنسان.
١٨ ولكن هنالك انطباق آخر لهذه النبوة. فبعدما اقتبس بولس كلمات اشعيا بشأن وقت القبول، مضى قائلا: «هوذا الآن الوقت المقبول خصوصا. هوذا الآن يوم الخلاص». (٢ كورنثوس ٦:٢) كتب بولس هذه الكلمات بعد ٢٢ سنة من موت يسوع. ومن الواضح ان يهوه، بولادة الجماعة المسيحية في يوم الخمسين من سنة ٣٣ بم، اطال سنة القبول هذه لتشمل أتباع المسيح الممسوحين.
١٩ كيف يمكن ان يستفيد المسيحيون اليوم من وقت قبول يهوه؟
١٩ وماذا عن أتباع يسوع اليوم الذين ليسوا ممسوحين كورثة لملكوت اللّٰه السماوي؟ هل بإمكان هؤلاء، ذوي الرجاء الارضي، ان يستفيدوا من هذا الوقت المقبول؟ نعم. فسفر الكشف في الكتاب المقدس يُظهر انه الآن وقت قبول ورضى من جهة يهوه نحو الجمع الكثير الذين سيأتون «من الضيق العظيم» ليتمتعوا بالحياة على ارض فردوسية. (كشف ٧:١٣-١٧) اذًا بإمكان جميع المسيحيين ان يستفيدوا من هذه الفترة المحدودة التي فيها يعرب يهوه عن رضاه وقبوله للبشر الناقصين.
٢٠ كيف يمكن للمسيحيين ان يتجنبوا إخطاء القصد من نعمة يهوه؟
٢٠ ثمة تحذير ذكره الرسول بولس قبل اعلان وقت يهوه المقبول. فقد ناشد المسيحيين ‹ألا يقبلوا نعمة اللّٰه ويخطئوا القصد منها›. (٢ كورنثوس ٦:١) لذلك يستفيد المسيحيون من كل فرصة سانحة لإرضاء اللّٰه وفعل مشيئته. (افسس ٥:١٥، ١٦) ويحسن بهم اتِّباع تحذير بولس: «احترزوا، أيها الإخوة، لئلا ينشأ في أحدكم قلب شرير عديم الإيمان بالابتعاد عن اللّٰه الحي؛ بل واظبوا على حث بعضكم بعضا كل يوم، ما دام يدعى ‹اليوم›، لئلا يقسى أحد منكم بالقوة الخادعة للخطية». — عبرانيين ٣:١٢، ١٣.
٢١ بأيّ كلام مفرح يُختتم الجزء الاول من اشعياء الاصحاح ٤٩؟
٢١ مع انتهاء العبارات النبوية بين يهوه ومسيَّاه، يتلفظ اشعيا بكلام مفرح: «ترنمي ايتها السموات وابتهجي ايتها الارض لِتُشِد الجبال بالترنم لأن الرب قد عزَّى شعبه وعلى بائسيه يترحم». (اشعياء ٤٩:١٣) فما اجمل كلمات التعزية هذه للاسرائيليين القدماء ولخادم يهوه العظيم، يسوع المسيح، وكذلك لخدام يهوه الممسوحين ورفقائهم ‹الخراف الاخر› اليوم! — يوحنا ١٠:١٦ .
يهوه لا ينسى شعبه
٢٢ كيف يؤكد يهوه انه لن ينسى شعبه ابدا؟
٢٢ يتابع اشعيا الآن سرد اعلانات يهوه. وينبئ بأن الاسرائيليين المسبيين سيبتدئون يعيون ويفقدون الامل تقريبا. يقول اشعيا: «قالت صهيون قد تركني الرب وسيدي نسيني». (اشعياء ٤٩:١٤) ولكن هل هذا صحيح؟ هل هجر يهوه شعبه ونسيهم؟ يمضي اشعيا قائلا، كناطق باسم يهوه: «هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها. حتى هؤلاء ينسَين وأنا لا انساك». (اشعياء ٤٩:١٥) ما ارقّ هذا الجواب من يهوه! فمحبة اللّٰه لشعبه اعظم من محبة الام لولدها. وهو يفكّر دائما في اوليائه. ويتذكرهم كما لو ان اسماءهم منقوشة على يديه: «هوذا على كفَّيَّ نقشتُك. اسوارك امامي دائما». — اشعياء ٤٩:١٦.
٢٣ كيف شجع بولس المسيحيين على الثقة بأن يهوه لا ينساهم؟
٢٣ ناشد الرسول بولس المسيحيين في رسالته الى اهل غلاطية: «لا يفتر عزمنا في فعل ما هو حسن، لأننا سنحصد في وقته إن كنا لا نعيي». (غلاطية ٦:٩) وإلى العبرانيين كتب هذه الكلمات المشجعة: «اللّٰه ليس فيه إثم حتى ينسى عملكم والمحبة التي أظهرتموها نحو اسمه». (عبرانيين ٦:١٠) فلا ينبغي ان نشعر بأن يهوه نسي شعبه. وعند المسيحيين سبب وجيه ليفرحوا وينتظروا يهوه بصبر، كما كانت الحال مع صهيون القديمة. فهو يلتزم بشروط عهده وبوعوده.
٢٤ بأية طريقة ستُردّ صهيون، وأية اسئلة ستطرحها؟
٢٤ يقدِّم يهوه بواسطة اشعيا تعزية اضافية. فـ «هادمو» صهيون، سواء أكانوا البابليين ام اليهود المرتدّين، لا يشكّلون خطرا في ما بعد. و «قد اسرع بنو» صهيون، اليهود المسبيون الذين بقوا اولياء ليهوه. والهدف هو ‹الاجتماع› معا. وسيكون اليهود العائدون، المسرعون في الرجوع الى اورشليم، زينةً لعاصمتهم، «كعروس» مزدانة بما تلبسه من «حُلِيّ». (اشعياء ٤٩:١٧، ١٨) لكنَّ صهيون صارت ‹خِرَبًا›. فتخيَّلوا دهشتها حين تصير فجأة مأهولة بعدد كبير من العائدين بحيث يبدو وكأنها تضيق بالسكان. (اقرأوا اشعياء ٤٩:١٩، ٢٠.) ومن الطبيعي ان تسأل من اين اتى كل هؤلاء الاولاد: «تقولين في قلبك مَن ولد لي هؤلاء وأنا ثكلى وعاقر منفية ومطرودة. وهؤلاء مَن رباهم. هأنذا كنت متروكة وحدي. هؤلاء اين كانوا». (اشعياء ٤٩:٢١) فما اسعد تلك اللحظات لصهيون التي كانت عاقرا!
٢٥ ايّ ردّ شهده اسرائيل الروحي في الازمنة العصرية؟
٢٥ لهذه الكلمات اتمام عصري. فخلال سنوات الحرب العالمية الاولى الصعبة، مرَّ اسرائيل الروحي بفترة من الإقفار والاسر. لكنه رُدَّ وصار في فردوس روحي. (اشعياء ٣٥:١-١٠) وابتهج — اذا جاز التعبير — حين وجد نفسه يعجّ بعبّاد ليهوه فرحين ونشاطى، كالمدينة الخارجة من دمارها التي وصفها اشعيا.
«راية للشعوب»
٢٦ ايّ توجيه يعطيه يهوه لشعبه المحرَّر؟
٢٦ والآن يأخذ يهوه اشعيا نبويا الى الزمن الذي يُطلق فيه شعبه من بابل. فهل سينالون ايّ توجيه الهي؟ يجيب يهوه: «ها اني ارفع الى الامم يدي وإلى الشعوب اقيم رايتي. فيأتون بأولادك في الاحضان وبناتك على الاكتاف يُحمَلن». (اشعياء ٤٩:٢٢) في الاتمام الاصلي تصير اورشليم، التي كانت مقر الحكومة وموقع الهيكل، «راية» يهوه. حتى الشخصيات البارزة ذات النفوذ من الامم الاخرى، «الملوك» و «سيداتهم»، يساعدون الاسرائيليين في رحلة العودة الى هناك. (اشعياء ٤٩:٢٣ أ) والملكان الفارسيان كورش وأرتحشستا الطويل اليد وبيتهما هم بين مَن ساعدوا. (عزرا ٥:١٣؛ ٧:١١-٢٦) ولكلمات اشعيا انطباق آخر.
٢٧ (أ) في الاتمام الاعظم، الى اية «راية» ستجري الشعوب؟ (ب) ماذا ستكون النتيجة حين تُجبَر كل الامم على الخضوع لحكم المسيَّا؟
٢٧ تتحدث اشعياء ١١:١٠ عن «راية للشعوب». وطبَّق الرسول بولس هذه الكلمات على المسيح يسوع. (روما ١٥:٨-١٢) وهكذا، في الاتمام الاعظم، يكون يسوع والحكام المعاونون الممسوحون بالروح «راية» يهوه التي تجري اليها الشعوب. (كشف ١٤:١) وفي الوقت المعيَّن ستضطر كل شعوب الارض — حتى الطبقات الحاكمة اليوم — الى الخضوع لحكم المسيَّا. (مزمور ٢:١٠، ١١؛ دانيال ٢:٤٤) والنتيجة؟ يقول يهوه: «تعلمين اني انا الرب الذي لا يخزى منتظروه». — اشعياء ٤٩:٢٣ ب.
«خلاصنا الآن اقرب»
٢٨ (أ) بأية كلمات يؤكد يهوه لشعبه من جديد انهم سيُطلَقون؟ (ب) ايّ التزام لا يزال يهوه يأخذه على نفسه بشأن شعبه؟
٢٨ قد يتساءل بعض المسبيين في بابل: ‹هل من الممكن فعلا اطلاق اسرائيل؟›. يأخذ يهوه بعين الاعتبار هذا السؤال بطرح سؤال آخر: «هل تُسلب من الجبار غنيمة وهل يفلت سبي المنصور». (اشعياء ٤٩:٢٤) والجواب هو نعم. فيهوه يؤكد لهم قائلا: «حتى سبي الجبار يُسلب وغنيمة العاتي تفلت». (اشعياء ٤٩:٢٥ أ) فيا لها من كلمات مطمئنة! كذلك يترافق رضى يهوه على شعبه مع التزام من جهته بحمايتهم. فهو يقول جازما: «انا اخاصم مخاصمك وأخلّص اولادك». (اشعياء ٤٩:٢٥ ب) ولا يزال هذا الالتزام قائما. يقول يهوه لشعبه، كما هو مسجل في زكريا ٢:٨: «مَن يمسكم يمس حدقة عينه [«عيني»، عج]». صحيح اننا نتمتع الآن بفترة رضى وقبول تسنح فيها الفرصة لجميع شعوب الارض ان يجروا الى صهيون الروحية، لكنَّ هذه الفترة ستنتهي.
٢٩ اية عاقبة مخيفة تنتظر الذين يرفضون اطاعة يهوه؟
٢٩ وماذا سيحلّ بالذين يرفضون بعناد اطاعة يهوه ويضطهدون عبّاده؟ يقول: «أطعم ظالميك لحم انفسهم ويسكرون بدمهم كما من سُلاف». (اشعياء ٤٩:٢٦ أ) يا لها من عاقبة مخيفة! فلن ينعم هؤلاء المقاومون العُنُد بمستقبل مديد، بل سيهلكون لا محالة. وهكذا، بإنقاذ شعبه وبإهلاك اعدائه، سيُنظر الى يهوه كمخلِّص. «يعلم كل بشر اني انا الرب مخلّصك وفاديك عزيز يعقوب». — اشعياء ٤٩:٢٦ ب.
٣٠ اية اعمال إنقاذية قام بها يهوه من اجل شعبه، وماذا سيفعل بعد؟
٣٠ انطبقت هذه الكلمات اولا حين استخدم يهوه كورش ليحرر شعبه من العبودية البابلية. وانطبقت ايضا سنة ١٩١٩ حين استخدم يهوه ملكه المتوَّج، يسوع المسيح، لإطلاق شعبه من العبودية الروحية. لذلك يطبِّق الكتاب المقدس كلمة مخلِّص على يهوه ويسوع على السواء. (تيطس ٢:١١-١٣؛ ٣:٤-٦) فيهوه مخلِّصنا؛ ويسوع، المسيَّا، ‹وكيله الرئيسي›. (اعمال ٥:٣١) وأعمال اللّٰه الانقاذية بواسطة يسوع المسيح مدهشة فعلا. فمن خلال البشارة، يحرِّر يهوه المستقيمي القلوب من العبودية للدين الباطل. وبواسطة الذبيحة الفدائية، ينقذهم من العبودية للخطية والموت. وفي سنة ١٩١٩، أنقذ اخوةَ يسوع من العبودية الروحية. وفي حرب هرمجدون التي تقترب بسرعة، سينقذ جمعا كثيرا من البشر الامناء من الهلاك الذي سيحلّ بالخطاة.
٣١ كيف ينبغي ان يتجاوب المسيحيون مع تنعمهم برضى اللّٰه؟
٣١ فيا له من امتياز ان ننعم برضى اللّٰه! فلنستفد جميعا من هذا الوقت المقبول بحكمة. ولنعمل بانسجام مع إلحاح ازمنتنا، مصغين الى كلمات بولس الى اهل روما: «انكم تعرفون الوقت، انها الآن الساعة لتستيقظوا من النوم، فخلاصنا الآن أقرب مما كان حين صرنا مؤمنين. قد تناهى الليل واقترب النهار. فلنخلع إذًا أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور. لنسر بلياقة كما في النهار، لا في القصف وحفلات السكر، لا في المضاجعة المحرمة والانحلال الخلقي، لا في النزاع والغيرة. بل البسوا الرب يسوع المسيح، ولا يكن عندكم سابق تخطيط لشهوات الجسد». — روما ١٣:١١-١٤.
٣٢ بماذا يوعَد شعب اللّٰه؟
٣٢ سينال المصغون الى مشورة يهوه دائما حظوة لديه. وسيعطيهم القدرة والمهارات اللازمة لينجزوا عمل الكرازة بالبشارة. (٢ كورنثوس ٤:٧) وسيستخدم يهوه خدامه كما يستخدم قائدهم يسوع. فسيجعل فمهم «كسيف حاد» لكي يوصلوا رسالة البشارة الى قلوب الودعاء. (متى ٢٨:١٩، ٢٠) وسيحمي شعبه «في ظل يده». و ‹كسهم مبريّ› يُخفَون «في كِنانته». نعم، لن ينسى يهوه شعبه ابدا! — مزمور ٩٤:١٤؛ اشعياء ٤٩:٢، ١٥.
[الحاشية]
a «لا شك ان الشيطان كان يعرف ان يسوع هو ابن اللّٰه ومَن أُنبئ عنه بأنه سيسحق رأسه (تكوين ٣:١٥)، لذلك فعل كل ما في وسعه لإهلاك يسوع. لكنَّ الملاك جبرائيل قال لمريم حين اخبرها بحبلها بيسوع: ‹روح قدس يأتي عليك، وقدرة العلي تظللك. لذلك أيضا يدعى المولود قدوسا، ابن اللّٰه›. (لوقا ١:٣٥) وقد حفظ يهوه ابنه. فالجهود التي بُذلت لإهلاك يسوع عندما كان طفلا باءت بالفشل». — بصيرة في الاسفار المقدسة (بالانكليزية)، المجلد ٢، الصفحة ٨٦٨، اصدار جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس في نيويورك.
[الصورة في الصفحة ١٣٩]
المسيَّا هو ‹كسهم مبري› في كِنانة يهوه
[الصورة في الصفحة ١٤١]
كان المسيَّا «نورا للامم»
[الصورة في الصفحة ١٤٧]
محبة اللّٰه لشعبه اعظم من محبة الام لولدها
-
-
«لا تتكلوا على الرؤساء»نبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل الحادي عشر
«لا تتكلوا على الرؤساء»
١، ٢ (أ) اية مشورة ملهمة لا يصغي اليها اليهود، وبأية نتيجة؟ (ب) لماذا يسأل يهوه: ‹اين كتاب الطلاق›؟
«لا تتكلوا على الرؤساء ولا على ابن آدم حيث لا خلاص عنده. . . . طوبى لمَن اله يعقوب معينه ورجاؤه على الرب الهه الصانع السموات والارض». (مزمور ١٤٦:٣-٦) ليت اليهود العائشين في ايام اشعيا يعملون بحسب مشورة صاحب المزمور! وليتهم يُولُون «اله يعقوب» ثقتهم، بدلا من الثقة بمصر او اية امة وثنية اخرى! فعندئذ يتدخل يهوه ليحمي يهوذا حين يهاجمها اعداؤها. لكنَّ يهوذا رفضت طلب المساعدة من يهوه. لذلك سيسمح يهوه بأن تدمَّر اورشليم ويؤخذ سكانها الى السبي في بابل.
٢ لا يمكن ليهوذا إلا ان تلوم نفسها على ذلك. فلا يمكنها ان تدَّعي بحق ان دمارها حلَّ لأن يهوه غدر بها او لأنه اهمل عهده مع الامة. فالخالق لا ينقض عهوده. (ارميا ٣١:٣٢؛ دانيال ٩:٢٧؛ كشف ١٥:٤) ويؤكد يهوه هذا الواقع حين يسأل اليهود: «اين كتاب طلاق امكم التي طلَّقتُها». (اشعياء ٥٠:١ أ) كانت الشريعة الموسوية تتطلب من الرجل الذي يطلّق زوجته ان يعطيها كتاب طلاق. وهكذا تصبح حرة لتصير لرجل آخر. (تثنية ٢٤:١، ٢) وبمعنى مجازي اعطى يهوه اخت يهوذا، مملكة اسرائيل، كتابا كهذا، لكنه لم يعطه لمملكة يهوذا.a فهو لا يزال ‹بعلها›. (ارميا ٣:٨، ١٤، يس) وليست يهوذا حرة طبعا ان ترتبط بأمم وثنية. فعلاقة يهوه بها ستستمر الى ان «يأتي شيلون [المسيَّا]». — تكوين ٤٩:١٠.
٣ لأيّ سبب ‹يبيع› يهوه شعبه؟
٣ ويسأل يهوه يهوذا ايضا: «مَن هو من غرمائي [«دائنيَّ»، تف] الذي بعتُه اياكم». (اشعياء ٥٠:١ ب) لن يُرسَل اليهود الى الاسر البابلي كغطاء لدَين اوقع يهوه نفسه فيه. فيهوه ليس كالاسرائيلي الفقير الذي يضطر الى بيع اولاده للدائن كي يصفّي حساباته معه. (خروج ٢١:٧) يشير يهوه الى السبب الحقيقي الذي من اجله يُستعبد شعبه: «هوذا من اجل آثامكم قد بُعتم ومن اجل ذنوبكم طُلِّقت امكم». (اشعياء ٥٠:١ ج) ان اليهود هم الذين هجروا يهوه؛ فهو لم يهجرهم.
٤، ٥ كيف يعرب يهوه عن محبته لشعبه، ولكن كيف تتجاوب يهوذا؟
٤ يبرز سؤال يهوه التالي مدى محبته لشعبه: «لماذا جئتُ وليس انسان. ناديتُ وليس مجيب». (اشعياء ٥٠:٢ أ) فبواسطة خدامه الانبياء، جاء يهوه، اذا جاز التعبير، الى موطن شعبه ليطلب منهم بحرارة ان يرجعوا اليه بكل قلوبهم. ولكن لا مجيب له. فاليهود يفضِّلون ان يعتمدوا على الدعم البشري، حتى انهم احيانا يلجأون الى مصر. — اشعياء ٣٠:٢؛ ٣١:١-٣؛ ارميا ٣٧:٥-٧.
٥ ولكن هل مصر مصدر خلاص افضل من يهوه؟ يبدو ان هؤلاء اليهود غير الامناء نسوا الاحداث التي ادَّت الى ولادة امتهم قبل قرون. يسألهم يهوه: «هل قصرت يدي عن الفداء وهل ليس فيَّ قدرة للانقاذ. هوذا بزجرتي انشّف البحر. اجعل الانهار قفرا. ينتن سمكها من عدم الماء ويموت بالعطش. أُلبس السموات ظلاما وأجعل المسح غطاءها». — اشعياء ٥٠:٢ب، ٣.
٦، ٧ كيف اظهر يهوه قدرته على الانقاذ في وجه الخطر المصري؟
٦ في سنة ١٥١٣ قم، كانت مصر تؤدي دور الظالم — لا المنقذ المنتظر — لشعب اللّٰه. فقد كان الاسرائيليون عبيدا في تلك الارض الوثنية. لكنَّ يهوه انقذهم، وما كان اروع هذا الانقاذ! اولا، جلب عشر ضربات على الارض. وبعد الضربة العاشرة التي تميَّزت بقوتها، طلب فرعون مصر من الاسرائيليين ان يغادروا البلد. (خروج ٧:١٤–١٢:٣١) ولكن بُعيد رحيلهم، تغيَّر قلب فرعون. فجمع جنوده وانطلق وراء الاسرائيليين ليجبرهم على العودة الى مصر. (خروج ١٤:٥-٩) وعندما صار الجنود المصريون وراءهم والبحر الاحمر قدامهم، شعر الاسرائيليون بأنهم عالقون! لكنَّ يهوه كان سيحارب عنهم.
٧ منع يهوه تقدُّم المصريين بوضع عمود سحاب بينهم وبين الاسرائيليين. وساد الظلام عند الجانب المصري من السحاب، أما عند الجانب الاسرائيلي فأضاء الليل. (خروج ١٤:٢٠) وفيما الجيوش المصرية واقفة تلازم مكانها، «اجرى الرب البحر بريح شرقية شديدة كل الليل وجعل البحر يابسة وانشق الماء». (خروج ١٤:٢١) وعندما انشق الماء، صار بإمكان جميع الشعب — الرجال والنساء والاولاد — ان يعبروا البحر الاحمر الى بَرّ الامان. وبعد ذلك، حين بدأ الشعب يقترب من الشاطئ المقابل، رفع يهوه السحاب. فاستأنف المصريون مطاردتهم المحمومة ودخلوا دون تفكير في قاع البحر. وعندما وصل الشعب الى الشاطئ بأمان، اطلق يهوه المياه وأغرق فرعون وجيوشه. وهكذا حارب يهوه عن شعبه. فيا له من تشجيع للمسيحيين اليوم! — خروج ١٤:٢٣-٢٨.
٨ بسبب تجاهل اية تحذيرات يؤخذ سكان يهوذا الى السبي في النهاية؟
٨ في ايام اشعيا، كانت قد مرَّت سبعمئة سنة منذ ذلك الانتصار الالهي. ويهوذا هي الآن امة مستقلة. تدخل يهوذا احيانا في مفاوضات دبلوماسية مع الحكومات الاجنبية، كأشور ومصر. ولكن لا يمكن الوثوق بقادة هذه الامم الوثنية. فهم يضعون دائما مصالحهم الخاصة قبل اية اتفاقيات يعقدونها مع يهوذا. والانبياء، الذين يتكلمون باسم يهوه، يحذِّرون الشعب من مغبة الوثوق بهؤلاء، لكنَّ كلمات الانبياء تلاقي آذانا صمَّاء. وفي النهاية يُسبى اليهود الى بابل ليُستعبدوا هناك ٧٠ سنة. (ارميا ٢٥:١١) لكنَّ يهوه لن ينسى شعبه، ولن يرفضهم الى الابد. ففي الوقت المعين، سيتذكرهم ويفتح الطريق امامهم ليرجعوا الى ارضهم ويردّوا العبادة النقية. ولأيّ هدف؟ للإعداد لإتيان شيلون، الذي له يكون خضوع جميع الشعب!
شيلون يأتي
٩ مَن هو شيلون، وأيّ نوع من المعلمين هو؟
٩ تمرُّ القرون. ويجيء «تمام الزمان» ويَظهر شيلون، الرب يسوع المسيح، على المسرح الارضي. (غلاطية ٤:٤؛ عبرانيين ١:١، ٢) وتتجلى محبة يهوه لشعبه بجعل احمّ عشرائه ناطقا بلسانه امام اليهود. فأيّ نوع من الناطقين بلسان اللّٰه يكون يسوع؟ مِن أرْقاهم! فيسوع هو اكثر من مجرد ناطق بلسان يهوه؛ انه معلم، ومن افضل المعلمين. ولا عجب في ذلك، فمعلمه لا مثيل له: يهوه اللّٰه نفسه. (يوحنا ٥:٣٠؛ ٦:٤٥؛ ٧:١٥، ١٦، ٤٦؛ ٨:٢٦) ويؤكد ذلك ما يقوله يسوع نبويا بواسطة اشعيا: «اعطاني السيد الرب لسان المتعلمين لأعرف ان اغيث المعيي بكلمة. يوقظ كل صباح. يوقظ لي اذنا لأسمع كالمتعلمين». — اشعياء ٥٠:٤.b
١٠ كيف يعكس يسوع محبة يهوه لشعبه، وأيّ تجاوب يلقاه يسوع؟
١٠ قبل ان يأتي يسوع الى الارض، كان يعمل الى جانب ابيه في السماء. والعلاقة الحميمة التي تربط الآب بالابن موصوفة بأسلوب شعري في الامثال ٨:٣٠: «كنت عند [يهوه] صانعا . . . [فرِحًا] دائما قدامه». كان يسوع يفرح كثيرا بالاستماع الى ابيه. وشاطر اباه محبته لـ «بني آدم». (امثال ٨:٣١) وعندما يأتي يسوع الى الارض، يغيث «المعيي بكلمة». فهو يستهل خدمته بقراءة آيات معزية من نبوة اشعيا: «روح يهوه عليَّ، لأنه مسحني لأبشِّر الفقراء، . . . لأصرف المسحوقين مطلَقي السراح». (لوقا ٤:١٨؛ اشعياء ٦١:١) بشارة للفقراء! انتعاش للمتعَبين! كم ينبغي ان يُفرح هذا الاعلان الشعب! ان البعض يفرحون، ولكن ليس الجميع. ففي النهاية يرفض كثيرون الاعتراف بأوراق اعتماد يسوع كشخص متعلم من يهوه.
١١ مَن يحملون النير مع يسوع، وبمَ يشعرون؟
١١ لكنَّ البعض يريدون ان يسمعوا المزيد. فيتجاوبون بسرور مع دعوة يسوع القلبية: «تعالوا إلي يا جميع المتعبين والمثقلين، وأنا أنعشكم. احملوا نيري عليكم وتعلموا مني، لأني وديع ومتضع القلب، فتجدوا انتعاشا لنفوسكم». (متى ١١:٢٨، ٢٩) والرجال الذين يصيرون رسل يسوع هم بين الاشخاص الذين يقتربون منه. ويعرف هؤلاء ان حمل النير مع يسوع يعني العمل بكد. فهذا العمل يشمل، بين امور اخرى، الكرازة ببشارة الملكوت الى اطراف الارض. (متى ٢٤:١٤) وعندما ينهمك الرسل والتلاميذ الآخرون في هذا العمل، يجدون انه يجلب فعلا انتعاشا لنفوسهم. وهذا العمل نفسه ينجزه المسيحيون الامناء اليوم، والاشتراك فيه يجلب لهم افراحا مماثلة.
ليس معاندا
١٢ بأية طرائق يُظهر يسوع انه يطيع اباه السماوي؟
١٢ لا ينسى يسوع ابدا الهدف من مجيئه الى الارض: فعل مشيئة اللّٰه. وقد أُنبئ مسبقا بنظرته هذه: «السيد الرب فتح لي اذنا وأنا لم اعاند. الى الوراء لم ارتد». (اشعياء ٥٠:٥) لا يكفّ يسوع ابدا عن اطاعة اللّٰه. حتى انه يقول: «لا يقدر الابن أن يعمل شيئا من تلقاء ذاته، إلا ما يرى الآب يعمله». (يوحنا ٥:١٩) فيسوع، خلال وجوده السابق لبشريته، عمل الى جانب ابيه على الارجح طوال ملايين او حتى بلايين السنين. وبعد مجيئه الى الارض، يستمر في اتِّباع ارشادات يهوه. فكم بالاحرى ينبغي لنا نحن، أتباع المسيح الناقصين، ان نحرص على فعل ما يأمر به يهوه!
١٣ ماذا ينتظر يسوع، ولكن كيف يعرب عن شجاعته؟
١٣ ان بعض الذين يرفضون ابنَ يهوه المولودَ الوحيد يضطهدونه، وهذا ايضا أُنبئ به مسبقا: «بذلتُ ظهري للضاربين وخدَّيَّ للناتفين. وجهي لم استر عن العار والبصق». (اشعياء ٥٠:٦) بحسب النبوة، سيقاسي المسيَّا الالم والإذلال على يد مقاوميه. ويسوع يعرف ذلك. ويعرف ايضا الى ايّ حد سيصل هذا الاضطهاد. لكنه لا يخاف عندما تدنو نهاية حياته على الارض. فبتصميم صلب كالصوان، ينطلق يسوع الى اورشليم حيث ستنتهي حياته البشرية. وفي الطريق الى هناك، يخبر تلاميذه: «ها نحن صاعدون الى أورشليم، وابن الانسان سيسلم الى كبار الكهنة وإلى الكتبة، فيحكمون عليه بالموت ويسلمونه الى أناس من الأمم، فيهزأون به ويبصقون عليه ويجلدونه ويقتلونه، وبعد ثلاثة ايام يقوم». (مرقس ١٠:٣٣، ٣٤) وكل هذه المعاملة السيئة ستكون بتحريض من اشخاص هم ادرى الناس بالنبوات: كبار الكهنة والكتبة.
١٤، ١٥ كيف تمَّت كلمات اشعيا القائلة ان يسوع سيُضرب ويُذَل؟
١٤ في ليلة ١٤ نيسان القمري سنة ٣٣ بم، يذهب يسوع الى بستان جتسيماني مع بعض أتباعه. ويبقى هناك ويصلي. فجأة، يَظهر جمع من الرعاع ويعتقله. لكنه لا يخاف. فهو يعرف ان يهوه معه. ويؤكد يسوع لرسله الخائفين ان بإمكانه، لو اراد، ان يلتمس من ابيه ان يرسل اكثر من اثني عشر فيلقا من الملائكة لإنقاذه، لكنه يضيف: «كيف تتم [عندئذ] الاسفار المقدسة؟». — متى ٢٦:٣٦، ٤٧، ٥٣، ٥٤.
١٥ لقد تمَّ كل ما أُنبئ به عن محن المسيَّا وموته. فبعد محاكمة مزيفة امام السنهدريم، يستجوب بنطيوس بيلاطس يسوع، ثم يأمر بجلده. وكان الجنود الرومان «يضربونه على رأسه بقصبة ويبصقون عليه». وهكذا تمَّت كلمات اشعيا. (مرقس ١٤:٦٥؛ ١٥:١٩؛ متى ٢٦:٦٧، ٦٨) ومع ان الكتاب المقدس لا يذكر ان بعض شعر لحية يسوع نُتف حرفيا — معاملة في غاية الاذلال — فلا بد ان هذا ما حدث، كما انبأ اشعيا.c — نحميا ١٣:٢٥.
١٦ كيف يتصرف يسوع في وجه الضغط الشديد، ولماذا لا يشعر بالخزي؟
١٦ عندما يقف يسوع امام بيلاطس، لا يتوسل اليه ان يستبقي حياته، بل يبقى هادئا لأنه يعلم انه يجب ان يموت لكي تتم الاسفار المقدسة. وعندما يقول هذا الحاكم الروماني ان له سلطة ان يحكم على يسوع بالموت او ان يطلق سراحه، يجيب يسوع دون خوف: «لم تكن لك علي سلطة ألبتة لو لم تكن قد أعطيت لك من فوق». (يوحنا ١٩:١١) ويعامل جنود بيلاطس يسوع معاملة لاإنسانية، ولكنهم يفشلون في جعله يشعر بالخزي. ولِمَ الشعور بالخزي؟! فهو لا يعاقَب لأنه ارتكب خطأ خطيرا، بل يُضطهد من اجل البر. وهنا ايضا تتم كلمات اشعيا النبوية التالية: «السيد الرب يعينني لذلك لا اخجل. لذلك جعلتُ وجهي كالصوان وعرفت اني لا اخزى». — اشعياء ٥٠:٧.
١٧ بأية طرائق وقف يهوه الى جانب يسوع طوال فترة خدمته؟
١٧ تنبع شجاعة يسوع من ثقته الكاملة بيهوه. ويدل مسلكه انه على توافق تام مع كلمات اشعيا: «قريب هو الذي يبرِّرني. مَن يخاصمني. لنتواقف. مَن هو صاحب دعوى معي. ليتقدم اليَّ. هوذا السيد الرب يعينني. مَن هو الذي يحكم عليَّ. هوذا كلهم كالثوب يبلون يأكلهم العث». (اشعياء ٥٠:٨، ٩) يبرِّر يهوه يسوع يوم معموديته كابن روحي له. وفي الواقع، يُسمَع صوت اللّٰه يقول في تلك المناسبة: «هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت». (متى ٣:١٧) ونحو نهاية خدمته الارضية، فيما يسوع جاثٍ يصلي في بستان جتسيماني، ‹يتراءى له ملاك من السماء ويقويه›. (لوقا ٢٢:٤١-٤٣) اذًا يعرف يسوع ان اباه راضٍ عن مسلك حياته. فابن اللّٰه الكامل هذا لم يرتكب خطية. (١ بطرس ٢:٢٢) صحيح ان اعداء يسوع يتهمونه زورا بأنه ناقض سبت وسكّير وبأن به شيطانا، لكنَّ اكاذيبهم لا تُخزيه. ان اللّٰه معه، فمن يكون عليه؟! — لوقا ٧:٣٤؛ يوحنا ٥:١٨؛ ٧:٢٠؛ روما ٨:٣١؛ عبرانيين ١٢:٣.
١٨، ١٩ بأية اختبارات مماثلة لاختبارات يسوع يمرّ المسيحيون الممسوحون؟
١٨ يحذر يسوع تلاميذه: «إن كانوا قد اضطهدوني، فسيضطهدونكم أيضا». (يوحنا ١٥:٢٠) وسرعان ما تتبيَّن صحة هذه الكلمات. ففي يوم الخمسين من سنة ٣٣ بم، يحل الروح القدس على تلاميذ يسوع الامناء، وهكذا تولَد الجماعة المسيحية. وبُعيد ذلك مباشرةً، يحاول القادة الدينيون ان يقمعوا عمل الكرازة الذي يقوم به هؤلاء الرجال والنساء الامناء، الذين صاروا مرتبطين بيسوع كجزء من «نسل ابراهيم» ومتبنَّين كأولاد روحيين للّٰه. (غلاطية ٣:٢٦، ٢٩؛ ٤:٥، ٦) ومن القرن الاول حتى اليوم، يضطر المسيحيون الممسوحون ان يواجهوا الدعاية الكاذبة والاضطهاد المرير على يد اعداء يسوع، محافظين في الوقت نفسه على موقف ثابت الى جانب البر.
١٩ لكنهم لا ينسون كلمات يسوع المشجعة: «سعداء أنتم متى عيَّروكم واضطهدوكم وقالوا عليكم شتى الشرور من أجلي كاذبين. افرحوا واطفروا من الفرح، فإن مكافأتكم عظيمة في السموات». (متى ٥:١١، ١٢) لذلك يرفع المسيحيون الممسوحون رؤوسهم عاليا حتى تحت اقسى الهجمات. ومهما قال مقاوموهم، يعرفون ان اللّٰه برَّرهم. وهم في نظره ‹بلا شائبة ولا سبيل عليهم لتهمة›. — كولوسي ١:٢١، ٢٢.
٢٠ (أ) مَن يدعمون المسيحيين الممسوحين، وماذا يعانون هم ايضا؟ (ب) كيف يصير لدى المسيحيين الممسوحين و ‹الخراف الاخر› لسان المتعلمين؟
٢٠ وفي الازمنة العصرية ينال المسيحيون الممسوحون الدعم من «جمع كثير» من ‹الخراف الاخر›. وهؤلاء ايضا يتخذون موقفهم الى جانب البر. لذلك يعانون ما يعانيه اخوتهم الممسوحون، وهم ايضا ‹يغسلون حللهم ويبيِّضونها بدم الحمل›. ويبرِّرهم يهوه بهدف النجاة من «الضيق العظيم». (كشف ٧:٩، ١٤، ١٥؛ يوحنا ١٠:١٦؛ يعقوب ٢:٢٣) حتى لو بدا مقاوموهم اقوياء الآن، تذكر نبوة اشعيا ان هؤلاء المقاومين، في وقت اللّٰه المعين، سيصيرون كثوب اكله العث مصيره الرمي. وحتى ذلك الوقت، يبقى المسيحيون الممسوحون و ‹الخراف الاخر› اقوياء بالصلاة المنتظمة، درس كلمة اللّٰه، وحضور الاجتماعات بهدف العبادة. وهكذا يتعلمون من يهوه ويتعلمون التكلم بلسان المتعلمين.
اتكِلوا على اسم يهوه
٢١ (أ) مَن الذين يسلكون في النور، وماذا ينتظرهم؟ (ب) ماذا يحل بالذين يسلكون في الظلمة؟
٢١ لاحظوا الآن هذا التباين الشديد: «مَن منكم خائف الرب سامع لصوت عبده [«خادمه»، عج]. مَن الذي يسلك في الظلمات ولا نور له. فليتكل على اسم الرب ويستند الى الهه». (اشعياء ٥٠:١٠) ان الذين يسمعون لصوت خادم اللّٰه، يسوع المسيح، يسلكون في النور. (يوحنا ٣:٢١) وهم لا يستعملون الاسم الالهي يهوه فحسب، بل يتكلون ايضا على حامل هذا الاسم. حتى لو كانوا قد سلكوا في الظلمة، لا يخافون الانسان الآن. فهم يستندون الى اللّٰه. لكنَّ الذين يستمرون في السلوك في الظلمة يستحوذ عليهم خوف الانسان. وهذا ما يحدث مع بنطيوس بيلاطس. فمع انه يعرف ان يسوع بريء من التهم الباطلة الموجَّهة اليه، يمنع الخوف هذا المسؤول الروماني من اطلاق يسوع. فيقتل الجنود الرومان ابن اللّٰه، لكنَّ يهوه يقيمه ويتوِّجه بالمجد والكرامة. وماذا عن بيلاطس؟ بحسب المؤرخ اليهودي فلاڤيوس يوسيفوس، بعد اربع سنوات فقط من موت يسوع، شغل شخص آخر مركز بيلاطس كحاكم روماني، وأُمر بيلاطس بالعودة الى روما للرد على اتهامات بارتكاب مخالفات خطيرة. وماذا عن اليهود الذين تسببوا بموت يسوع؟ بعد اقل من اربعة عقود، دمرت جيوش روما اورشليم وقتلت سكانها او استعبدتهم. فلا نور ساطعا للذين يفضِّلون الظلمة! — يوحنا ٣:١٩.
٢٢ لماذا الاتكال على البشر من اجل الخلاص هو غاية في الحماقة؟
٢٢ ان الاتكال على البشر من اجل الخلاص هو غاية في الحماقة. وتوضح نبوة اشعيا السبب: «يا هؤلاء جميعكم القادحين نارا المتنطّقين بشَرار اسلكوا بنور ناركم وبالشرار الذي اوقدتموه. من يدي صار لكم هذا. في الوجع تضطجعون». (اشعياء ٥٠:١١) لا يبقى القادة البشر في مناصبهم الى الابد. صحيح ان الشخص الذي يتمتع بجاذبية تستميل الجماهير قد يخلب لبَّهم لبعض الوقت، ولكن حتى اصدق البشر محدود بما يمكنه انجازه. وبدلا من إضرام نار متأججة، كما يتوقع مؤيدوه، قد لا ينجح إلا في اشعال بعض ‹الشَّرار› الذي لا يعطي سوى القليل من النور والحرارة ثم لا يلبث ان يخمد. أما الذين يتكلون على شيلون، مسيَّا اللّٰه الموعود به، فلن يخيبوا ابدا.
[الحواشي]
a في الاعداد الثلاثة الاولى من اشعياء الاصحاح ٥٠، يعتبر يهوه امة يهوذا ككل زوجةً له وسكانها الافراد أولادا لها.
b من العدد ٤ حتى آخر الاصحاح، يبدو ان الكاتب يتحدث عن نفسه. فربما عانى اشعيا بعض المحن التي يأتي على ذكرها في هذه الآيات. لكنَّ النبوة تتم بالمعنى الاكمل في يسوع المسيح.
c من المثير للاهتمام ان اشعياء ٥٠:٦ تذكر حسب السبعينية: «بذلتُ ظهري للسِّياط وخدَّيَّ للضربات».
[الصورة في الصفحة ١٥٥]
يعتمد اليهود على حكام بشر لا على يهوه
[الصورة في الصفحتين ١٥٦ و ١٥٧]
عند البحر الاحمر، حمى يهوه شعبه بوضع عمود سحاب بينهم وبين المصريين
-
-
تعزية لشعب اللّٰهنبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل الثاني عشر
تعزية لشعب اللّٰه
١ ايّ مستقبل قاتم ينتظر اورشليم وسكانها، ولكن ايّ امل يوجد؟
سبعون سنة — معدل عمر الانسان — هو طول الفترة التي ستبقى فيها امة يهوذا اسيرة في بابل. (مزمور ٩٠:١٠؛ ارميا ٢٥:١١؛ ٢٩:١٠) ومعظم الاسرائيليين المسبيين سيشيخون ويموتون هناك. فكروا في الاذلال الذي سيشعرون به الناجم عن سخرية اعدائهم واستهزائهم. فكروا ايضا في التعيير الذي سيتكوَّم على اسم الههم يهوه حين تخرب المدينة، التي جعل اسمه عليها، وقتا طويلا. (نحميا ١:٩؛ مزمور ١٣٢:١٣؛ ١٣٧:١-٣) والهيكل العزيز، الذي امتلأ بمجد اللّٰه حين دشنه سليمان، لن يعود له وجود. (٢ أخبار الايام ٧:١-٣) فيا لهذا المستقبل القاتم! لكنَّ يهوه، من خلال اشعيا، يتنبأ بردّ. (اشعياء ٤٣:١٤؛ ٤٤:٢٦-٢٨) وفي الاصحاح ٥١ من سفر اشعياء، نجد نبوات اخرى عن هذا الموضوع الذي يتناول التعزية والتشجيع.
٢ (أ) الى مَن يوجِّه يهوه، من خلال اشعيا، رسالته المعزِّية؟ (ب) كيف ‹يتبع› اليهود الامناء «البر»؟
٢ يقول يهوه للذين يُميلون قلوبهم اليه من سكان يهوذا: «اسمعوا لي ايها التابعون البر الطالبون الرب». (اشعياء ٥١:١ أ) تنطوي عبارة «التابعون البر» على فكرة العمل. فالذين ‹يتبعون البر› لا يكتفون بالقول انهم شعب اللّٰه، بل يسعون بغيرة ان يكونوا ابرارا ويعيشوا بانسجام مع مشيئة اللّٰه. (مزمور ٣٤:١٥، عج؛ امثال ٢١:٢١، عج) وسيتطلع هؤلاء الى يهوه بصفته المصدر الوحيد للبر، ‹وسيطلبون الرب›. (مزمور ١١:٧ عج؛ مزمور ١٤٥:١٧) لا يعني ذلك انهم في الاصل لا يعرفون اللّٰه او لا يعرفون كيف يقتربون اليه بالصلاة. بل يعني انهم يجاهدون ليتقرَّبوا اليه اكثر، عابدينه ومصلّين له وطالبين توجيهه في كل ما يفعلونه.
٣، ٤ (أ) مَن هو «الصخر» الذي قُطع منه اليهود، ومَن هي «نقرة الجب» التي منها حُفروا؟ (ب) لماذا سيتعزى اليهود حين يتذكرون جذورهم؟
٣ لكنَّ عدد الذين يتبعون البر فعلا في يهوذا قليل نسبيا، وربما يثبِّطهم ذلك ويجعلهم يخورون في نفوسهم. لذلك يعطيهم يهوه هذا التشجيع باستخدام تشبيه مقلع الحجارة: «انظروا الى الصخر الذي منه قُطعتم وإلى نقرة الجب التي منها حُفرتم. انظروا الى ابراهيم ابيكم وإلى سارة التي ولدتكم. لأني دعوته وهو واحد وباركته وأكثرته». (اشعياء ٥١:١ ب، ٢) «الصخر» الذي منه قُطع اليهود هو ابراهيم، شخصية تاريخية بارزة تفتخر بها امة اسرائيل كثيرا. (متى ٣:٩؛ يوحنا ٨:٣٣، ٣٩) فهو جدّهم الاعلى، الاصل البشري للامة. و «نقرة الجب» هي سارة، التي من رحمها خرج اسحاق، احد اسلاف اسرائيل.
٤ كان ابراهيم وسارة قد تجاوزا سنّ الانجاب دون ان يولد لهما ولد. لكنَّ يهوه وعد بمباركة ابراهيم و ‹إكثاره›. (تكوين ١٧:١-٦، ١٥-١٧) وبالردّ الالهي لقواهما التناسلية، انجب ابراهيم وسارة ولدًا في شيخوختهما، ومنه خرج شعب عهد اللّٰه. وهكذا جعل يهوه هذا الرجل ابا لأمة عظيمة لا تُعدّ ولا تُحصى كنجوم السموات. (تكوين ١٥:٥؛ اعمال ٧:٥) وإذا كان يهوه قادرا على اخذ ابراهيم من ارض بعيدة وجعله امة قوية، يمكنه بالتأكيد ان يحقق وعده بتحرير بقية امينة من العبودية في بابل وردّهم الى ارضهم وجعلهم امة عظيمة من جديد. لقد تمَّ وعد يهوه لإبراهيم، ووعْده لهؤلاء اليهود الاسرى سيتحقق ايضا.
٥ (أ) مَن يمثِّل ابراهيم وسارة؟ اوضحوا. (ب) في الاتمام الاخير، مَن يرجع اصلهم الى «الصخر»؟
٥ ان هذا القلع الرمزي للحجارة، كما هو مذكور في اشعياء ٥١:١، ٢، له على الارجح انطباق اضافي. فالتثنية ٣٢:١٨ تدعو يهوه «الصخر» الذي ولد اسرائيل والذي ‹ابدأه›. في العبارة الاخيرة، يُستعمل نفس الفعل العبراني الذي يظهر في اشعياء ٥١:٢ ويتعلق بولادة سارة لإسرائيل. وهكذا يكون ابراهيم رمزا نبويا الى يهوه، ابراهيم الاعظم. وتمثِّل سارة، زوجة ابراهيم، هيئة يهوه السماوية الكونية من المخلوقات الروحانية، المشبَّهة في الاسفار المقدسة بزوجة اللّٰه، او امرأته. (تكوين ٣:١٥؛ كشف ١٢:١، ٥) وفي الاتمام الاخير لهذه الكلمات من نبوة اشعيا، الامة التي تخرج من «الصخر» هي «اسرائيل اللّٰه»، جماعة المسيحيين الممسوحين بالروح التي وُلدت في يوم الخمسين سنة ٣٣ بم. وكما نوقش في فصول سابقة من هذا الكتاب، وقعت هذه الامة في الاسر البابلي سنة ١٩١٨، لكنها رُدَّت سنة ١٩١٩ الى حالة ازدهار روحي. — غلاطية ٣:٢٦-٢٩؛ ٤:٢٨؛ ٦:١٦.
٦ (أ) ماذا ينتظر ارض يهوذا، وأيّ ردّ سيلزم؟ (ب) بأيّ ردّ عصري تذكّرنا اشعياء ٥١:٣؟
٦ لا تشتمل تعزية يهوه لصهيون، او اورشليم، على مجرد وعد بجعل الامة كثيرة السكان. نقرأ: «الرب قد عزى صهيون. عزى كل خربها ويجعل بريتها كعدن وباديتها كجنة الرب. الفرح والابتهاج يوجدان فيها. الحمد وصوت الترنم». (اشعياء ٥١:٣) خلال فترة الخراب التي ستدوم ٧٠ سنة، ستتحول ارض يهوذا الى برية يكتسحها الشوك والعوسج والنباتات البرية الاخرى. (اشعياء ٦٤:١٠؛ ارميا ٤:٢٦؛ ٩:١٠-١٢) لذلك بالاضافة الى صيرورة يهوذا آهلة بالسكان من جديد، سيشتمل الردّ على إصلاح الارض، مما يعني انها ستتحول الى حديقة مثل جنة عدن، بحقول خصبة مروية وبساتين مثمرة. وسيبدو كما لو ان الارض تبتهج. فهي ستكون كالفردوس مقارنةً بحالتها المقفرة خلال السبي. أما البقية الممسوحة من اسرائيل اللّٰه، فقد دخلوا فردوسا كهذا بمعنى روحي سنة ١٩١٩. — اشعياء ١١:٦-٩؛ ٣٥:١-٧.
اسباب للوثوق بيهوه
٧، ٨ (أ) ماذا تعني دعوة اللّٰه الى الاصغاء اليه؟ (ب) لماذا من المهم ان تلتفت يهوذا الى يهوه؟
٧ يدعو يهوه الى الانصات اليه من جديد، قائلا: «انصتوا اليَّ يا شعبي ويا امّتي اصغي اليَّ. لأن شريعة من عندي تخرج وحقي [«حكمي»، يس] اثبِّته نورا للشعوب. قريب بري. قد برز خلاصي وذراعاي يقضيان للشعوب. اياي ترجو الجزائر وتنتظر ذراعي». — اشعياء ٥١:٤، ٥.
٨ ان دعوة يهوه الى الاصغاء تعني اكثر من مجرد سماع رسالته. انها تعني الانتباه بهدف العمل بحسب ما يُسمع. (مزمور ٤٩:١؛ ٧٨:١) فيجب ان تدرك الامة ان من يهوه التعليم والعدل والخلاص. وأنه وحده مصدر الإنارة الروحية. (٢ كورنثوس ٤:٦) وهو القاضي الاخير للجنس البشري. والشرائع والاحكام التي تصدر من يهوه هي نور للذين يستهدون منها. — مزمور ٤٣:٣؛ ١١٩:١٠٥؛ امثال ٦:٢٣.
٩ مَن غير شعب عهد اللّٰه سيستفيدون من اعمال يهوه الانقاذية؟
٩ لا يصحّ كل ذلك فقط في شعب عهد اللّٰه بل ايضا في ذوي الميل الصائب في كل مكان، حتى في ابعد جزر البحار. فلن تخيب ثقتهم باللّٰه وبقدرته على مساندة خدامه الامناء وإنقاذهم. وجبروته، او قدرته الممثَّلة بذراعه، ثابت لا يتزعزع؛ ولا يمكن لأحد ان يصدَّه. (اشعياء ٤٠:١٠؛ لوقا ١:٥١، ٥٢) واليوم ايضا، نتيجة العمل الكرازي الغيور الذي يقوم به الاعضاء الباقون من اسرائيل اللّٰه، صار الملايين، كثيرون منهم من جزر البحار البعيدة، يلتفتون الى يهوه ويؤمنون به.
١٠ (أ) اية حقيقة سيُجبَر الملك نبوخذنصر على تعلمها؟ (ب) اية «سموات» و «ارض» ستأتي نهايتها؟
١٠ بعد ذلك يشير يهوه الى حقيقة سيتعلمها نبوخذنصر ملك بابل. فلا شيء في السماء او على الارض يمنع يهوه من تنفيذ مشيئته. (دانيال ٤:٣٤، ٣٥) نقرأ: «ارفعوا الى السموات عيونكم وانظروا الى الارض من تحت. فإن السموات كالدخان تضمحل والارض كالثوب تبلى وسكانها كالبعوض يموتون. اما خلاصي فإلى الابد يكون وبري لا يُنقض». (اشعياء ٥١:٦) مع ان السماح للاسرى بالعودة الى اوطانهم يخالف سياسة الحكام البابليين، لن يمنع ذلك يهوه من تخليص شعبه. (اشعياء ١٤:١٦، ١٧) فإن «السموات» البابلية، او القوى الحاكمة، ستنكسر مهزومة. و «الارض» البابلية، رعايا هذه القوى الحاكمة، ستنتهي تدريجيا. نعم، حتى اعظم قوة في ذلك الوقت لن تستطيع ان تقف في وجه جبروت يهوه او تمنعه من ان يقوم بالانقاذ.
١١ لماذا يتشجع المسيحيون اليوم حين يرون ان النبوة عن نهاية «السموات» و «الارض» البابلية تمَّت اتماما كاملا؟
١١ كم يتشجع المسيحيون اليوم حين يعرفون ان هذه الكلمات النبوية تمَّت بشكل كامل! ولماذا؟ لأن الرسول بطرس استخدم تعابير مماثلة في معرض حديثه عن حدث مستقبلي. فقد تكلم عن يوم يهوه المقترب بسرعة، «الذي به تنحل السموات محترقة وتذوب العناصر حامية!». وبعد ذلك قال: «ننتظر بحسب وعده سموات جديدة وأرضا جديدة، فيها يسكن البر». (٢ بطرس ٣:١٢، ١٣؛ اشعياء ٣٤:٤؛ كشف ٦:١٢-١٤) ومع ان الامم الجبارة وحكامها المستعلين كالنجوم قد يتحدّون يهوه، فسيبادون في وقته المعيَّن ويُسحقون بسهولة كما تُسحق البعوضة. (مزمور ٢:١-٩) وحكومة اللّٰه البارة وحدها ستحكم الى الابد على مجتمع بشري بار. — دانيال ٢:٤٤؛ كشف ٢١:١-٤.
١٢ لماذا ينبغي ألا يخاف خدام اللّٰه عندما يهينهم مقاومون بشر؟
١٢ يقول يهوه الآن، مخاطبا ‹التابعين البر›: «اسمعوا لي يا عارفي البر الشعب الذي شريعتي في قلبه. لا تخافوا من تعيير الناس [«المائتين»، عج] ومن شتائمهم لا ترتاعوا. لأنه كالثوب يأكلهم العث وكالصوف يأكلهم السوس اما بري فإلى الابد يكون وخلاصي الى دور الادوار». (اشعياء ٥١:٧، ٨) سيُهان ويعيَّر الواثقون بيهوه بسبب موقفهم الشجاع، ولكن يجب ألا يخافوا. فالمعيِّرون ليسوا سوى اناس مائتين، ‹فسيؤكلون› كما يأكل العث الثوب المصنوع من الصوف.a وكاليهود الامناء قديما، لا سبب ليخاف المسيحيون اليوم من مقاوميهم. فيهوه، الاله السرمدي، هو خلاصهم. (مزمور ٣٧:١، ٢) والتعيير من اعداء اللّٰه هو دليل على ان روح يهوه حالٌّ على شعبه. — متى ٥:١١، ١٢؛ ١٠:٢٤-٣١.
١٣، ١٤ ماذا يمثّل التعبيران «رهب» و «التنين»، وكيف ‹تقطع› و ‹تُطعن›؟
١٣ يقول اشعيا، كما لو انه يدعو يهوه في ذلك الى التدخل من اجل شعبه المأسور: «استيقظي استيقظي البسي قوة يا ذراع الرب. استيقظي كما في ايام القدم كما في الادوار القديمة. ألستِ انت القاطعة رهب الطاعنة التنين. ألستِ انت هي المنشِّفة البحر مياه الغمر العظيم الجاعلة اعماق البحر طريقا لعبور المفديين». — اشعياء ٥١:٩، ١٠.
١٤ يحسن اشعيا اختيار الامثلة التاريخية التي يتحدث عنها. فكل اسرائيلي يعرف عن إنقاذ الامة من مصر وعبور البحر الاحمر. (خروج ١٢:٢٤-٢٧؛ ١٤:٢٦-٣١) يشير التعبيران «رهب» و «التنين» الى مصر تحت حكم فرعونها، الذي عارض خروج اسرائيل من مصر. (مزمور ٧٤:١٣؛ ٨٧:٤؛ اشعياء ٣٠:٧) فقد كانت مصر القديمة تشبه حية هائلة رأسها عند دلتا النيل وجسمها الطويل ممتد مئات الكيلومترات على طول وادي النيل الخصيب. (حزقيال ٢٩:٣) لكنَّ هذا التنين قُطع عندما سكب يهوه الضربات العشر عليه. وطُعن وجُرح جروحا بالغة وتلاشت قواه حين هلك جيشه في مياه البحر الاحمر. نعم، اظهر يهوه قوة ذراعه في تعاملاته مع مصر. فهل يتردد في المحاربة عن شعبه المسبي في بابل؟!
١٥ (أ) متى وكيف سيهرب حزن صهيون وتنهدها؟ (ب) متى هرب الحزن والتنهد بالنسبة الى اسرائيل اللّٰه في الازمنة العصرية؟
١٥ تقول النبوة الآن، متناولةً انقاذ اسرائيل من بابل: «مفديو الرب يرجعون ويأتون الى صهيون بالترنم وعلى رؤوسهم فرح ابدي. ابتهاج وفرح يدركانهم. يهرب الحزن والتنهد». (اشعياء ٥١:١١) عند طالبي بر يهوه في بابل آمال مجيدة، مهما كانت حالتهم محزنة هناك. فسيأتي وقت يزول فيه الحزن والتنهد. وسيُسمع الترنم والابتهاج والفرح من افواه المفديين. وفي الاتمام العصري لهذه الكلمات النبوية، أُطلق اسرائيل اللّٰه من الاسر البابلي سنة ١٩١٩. وعادوا الى حالتهم الروحية المزدهرة بفرح عظيم، فرح لا يزالون يتمتعون به حتى يومنا هذا.
١٦ ايّ ثمن يُدفع لفداء اليهود؟
١٦ وماذا سيكون ثمن فداء اليهود؟ لقد سبق ان كشفت نبوة اشعيا ان يهوه يجعل «مصر فديتك كوش وسبا عوضك». (اشعياء ٤٣:١-٤) وهذا ما سيحدث لاحقا. فبعد غزو بابل وإطلاق اليهود الاسرى، ستجتاح الامبراطورية الفارسية مصر وكوش وسبا. وسيُعطى هؤلاء مكان انفس الاسرائيليين. وينسجم ذلك مع المبدإ المذكور في الامثال ٢١:١٨: «الشرير فدية الصدِّيق ومكان المستقيمين الغادر».
المزيد من الطمأنة
١٧ لماذا لا يلزم ان يخاف اليهود من غضب بابل؟
١٧ يطمئن يهوه شعبه ايضا: «انا انا هو معزيكم. مَن انتِ حتى تخافي من انسان يموت ومن ابن الانسان الذي يُجعل كالعشب. وتنسى الرب صانعكَ باسط السموات ومؤسس الارض وتفزع دائما كل يوم من غضب المضايق عندما هيأ للاهلاك. وأين غضب المضايق». (اشعياء ٥١:١٢، ١٣) صحيح ان سنين من السبي تنتظرهم. ولكن لا سبب للخوف من غضب بابل. ومع ان هذه الامة، الدولة العالمية الثالثة في سجل الكتاب المقدس، ستغزو شعب اللّٰه وتحاول ‹مضايقتهم›، او اعتراض سبيل هروبهم، يعلم اليهود الامناء ان يهوه انبأ بسقوط بابل بيد كورش. (اشعياء ٤٤:٨، ٢٤-٢٨) وبالتباين مع الخالق — الاله السرمدي يهوه — سيفنى سكان بابل كالعشب الذي تُذويه اشعة الشمس الحارة في فصل الجفاف. وعندئذ ماذا يحل بتهديداتهم وغضبهم؟! فمن غير الحكمة الاستسلام لخوف الانسان ونسيان يهوه، صانع السماء والارض!
١٨ مع ان شعب يهوه سيبقون اسرى مدة من الزمن، بماذا يطمئنهم؟
١٨ مع ان شعب يهوه سيبقون اسرى مدة من الزمن، ‹منحنين› في الاغلال اذا جاز التعبير، فسيكون اطلاقهم مفاجئا. ولن يفنوا في بابل او يموتوا جوعا كأسرى — صائرين بلا حياة في شيول، الجب. (مزمور ٣٠:٣؛ ٨٨:٣-٥) يطمئنهم يهوه قائلا: «سريعا يُطلق المنحني ولا يموت في الجب ولا يُعدَم خبزه». — اشعياء ٥١:١٤.
١٩ لماذا يمكن ان يكون لليهود الامناء ملء الثقة بكلمات يهوه؟
١٩ يتابع يهوه تعزيته لصهيون قائلا: «انا الرب الهكَ مزعج البحر فتعج لججه. رب الجنود اسمه. وقد جعلت اقوالي في فمكَ وبظل يدي سترتُك لغرس السموات وتأسيس الارض ولتقول لصهيون انتِ شعبي». (اشعياء ٥١:١٥، ١٦) يتحدث الكتاب المقدس مرارا عن قدرة اللّٰه ان يبسط قوته على البحر ويسيطر عليه. (ايوب ٢٦:١٢؛ مزمور ٨٩:٩؛ ارميا ٣١:٣٥) وهو يسيطر كليا على قوى الطبيعة، وقد تجلى ذلك حين انقذ شعبه من مصر. فمَن مثل «رب الجنود»، حتى في الامور الاصغر بكثير؟! — مزمور ٢٤:١٠.
٢٠ اية «سموات» و «ارض» ستأتي الى الوجود حين يردّ يهوه صهيون، وأية كلمتين معزيتين سيقولهما؟
٢٠ يظل اليهود شعب عهد اللّٰه، ويؤكد لهم يهوه انهم سيعودون الى ارضهم ليعيشوا مرة اخرى حسب شريعته. وهناك سيعيدون بناء اورشليم والهيكل ويستأنفون انجاز مسؤولياتهم بموجب العهد الذي قطعه معهم بواسطة موسى. وعندما يبدأ الاسرائيليون العائدون وبهائمهم بالسكن في الارض، تأتي ‹ارض جديدة› الى الوجود. وستُقام عليها «سموات جديدة»، نظام حكومي جديد. (اشعياء ٦٥:١٧-١٩؛ حجي ١:١، ١٤) وسيقول يهوه لصهيون من جديد: «انتِ شعبي».
دعوة الى العمل
٢١ اية دعوة الى العمل يوجِّهها يهوه؟
٢١ بعدما طمأن يهوه صهيون، يوجِّه هذه الدعوة الى العمل. فيقول كما لو انها بلغت نهاية عذاباتها: «انهضي انهضي قومي يا اورشليم التي شربتِ من يد الرب كأس غضبه ثفل كأس الترنح شربتِ مصصتِ [«افرغتِ»، عج]». (اشعياء ٥١:١٧) نعم، يجب ان تنهض اورشليم من حالتها الصعبة وتستعيد مكانتها وبهاءها السابقين. وسيأتي الوقت الذي فيه تكون قد افرغت الكأس المجازية للعقاب الالهي. فلن يبقى شيء من غضب اللّٰه عليها.
٢٢، ٢٣ ماذا سيحل بأورشليم حين تشرب كأس غضب يهوه؟
٢٢ ولكن، فيما اورشليم تعاقَب، لن يتمكن احد من سكانها، او ‹بنيها›، من منع ما يحصل. (اشعياء ٤٣:٥-٧؛ ارميا ٣:١٤) تقول النبوة: «ليس لها مَن يقودها [«يرشدها»، يج] من جميع البنين الذين ولدتهم وليس مَن يمسك بيدها من جميع البنين الذين ربَّتهم». (اشعياء ٥١:١٨) وكم ستكون معاناتها كبيرة على يد البابليين! «اثنان هما ملاقياكِ. مَن يرثي لك. الخراب والانسحاق والجوع والسيف. بمَن اعزيك. بنوك قد اعيوا اضطجعوا في رأس كل زقاق كالوعل في شبكة. الملآنون من غضب الرب من زجرة الهك». — اشعياء ٥١:١٩، ٢٠.
٢٣ مسكينة اورشليم! فستعاني «الخراب والانسحاق» وكذلك «الجوع والسيف». أما ‹بنوها›، غير القادرين ان يرشدوها ويسندوها، فيتنحَّون جانبا بسبب عجزهم وهزالهم، اذ لا قوة لهم على طرد الغزاة البابليين. وسيُرى هؤلاء بوضوح، في رأس الازقّة او زواياها، وقد اضطجعوا على الارض مغشيًّا عليهم من الضعف والاعياء. (مراثي ارميا ٢:١٩؛ ٤:١، ٢) وسيشربون كأس غضب اللّٰه ولن يتمكنوا من فعل شيء، كالحيوانات العالقة في شبكة.
٢٤، ٢٥ (أ) ماذا لن يتكرر على اورشليم؟ (ب) مَن سيشربون من كأس غضب يهوه بعد اورشليم؟
٢٤ لكنَّ هذا الوضع المأساوي لن يستمر الى الابد. يقول اشعيا معزِّيا: «لذلك اسمعي هذا ايتها البائسة والسكرى وليس بالخمر. هكذا قال سيدك الرب وإلهك الذي يحاكم لشعبه. هأنذا قد اخذت من يدك كأس الترنح ثفل كأس غضبي. لا تعودين تشربينها في ما بعد. وأضعها في يد معذبيك الذين قالوا لنفسك انحني لنعبر فوضعت كالارض ظهرك وكالزقاق للعابرين». (اشعياء ٥١:٢١-٢٣) فبعد تأديب اورشليم، لا يتردد يهوه في الاعراب عن الشفقة وعن روح غفورة نحوها.
٢٥ والآن سيحوِّل يهوه غضبه عن اورشليم ويوجِّهه الى بابل. صحيح ان بابل ستكون قد دمرت اورشليم وأذلتها. (مزمور ١٣٧:٧-٩) لكنَّ اورشليم لن تضطر في ما بعد الى الشرب من كأس كهذه على يد بابل او حلفائها. فستؤخذ الكأس من يد اورشليم وتعطى للذين فرحوا بخزيها. (مراثي ارميا ٤:٢١، ٢٢) وستسقط بابل من فرط سكرها. (ارميا ٥١:٦-٨) وفي اثناء ذلك سترتفع صهيون! فيا له من تحوُّل جذري! نعم، يمكن ان تتعزى صهيون بهذا الامل! ويمكن ان يتعزى خدام يهوه بأن اسمه سيتقدس من خلال اعماله الانقاذية.
[الحاشية]
a يَظهر ان العث المشار اليه هنا هو ما يسمى «قوبعة الصوف»، وخصوصا في طور اليرقة حين تقوم بإتلاف الثياب.
[الصورة في الصفحة ١٦٧]
يهوه، ابراهيم الاعظم، هو «الصخر» الذي قُطع منه شعبه
[الصورة في الصفحة ١٧٠]
سيتلاشى مقاومو شعب اللّٰه كثوب اكله العث
[الصورة في الصفحتين ١٧٦ و ١٧٧]
اظهر يهوه انه قادر على السيطرة على العوامل الطبيعية
[الصورة في الصفحة ١٧٨]
الكأس التي تشرب منها اورشليم ستعطى لبابل وحلفائها
-
-
‹ترنَّموا معا›!نبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل الثالث عشر
‹ترنَّموا معا›!
١ ماذا يجعل الكلمات النبوية في اشعياء الاصحاح ٥٢ مصدر فرح، وأيّ اتمامَين لها؟
التحرير! هل من شيء مفرِّح اكثر ينتظره الشعب المأسور؟ بما ان التحرير والردّ يشكّلان محورا رئيسيا في سفر اشعياء، فليس مدهشا ان يحتوي هذا السفر على تعابير فرح اكثر من ايّ سفر آخر في الكتاب المقدس ما عدا المزامير. ويُظهر الاصحاح ٥٢ من اشعياء لماذا يجب ان يفرح شعب اللّٰه. فقد تمَّت كلماته النبوية في اورشليم سنة ٥٣٧ قم. ولهذه الكلمات اتمام اعظم يرتبط بـ «اورشليم العليا»، هيئة يهوه السماوية المؤلفة من مخلوقات روحانية، والتي توصف احيانا بأمّ وزوجة. — غلاطية ٤:٢٦؛ كشف ١٢:١.
«البسي عزَّك يا صهيون»
٢ متى تستيقظ صهيون، وكيف يحدث ذلك؟
٢ بواسطة اشعيا، يدعو يهوه مدينته المحبوبة صهيون: «استيقظي استيقظي البسي عزَّك يا صهيون البسي ثياب جمالك يا اورشليم المدينة المقدسة لأنه لا يعود يدخلك في ما بعد اغلف ولا نجس. انتفضي من التراب قومي اجلسي يا اورشليم انحلّي من رُبط عنقك ايتها المسبية ابنة صهيون». (اشعياء ٥٢:١، ٢) بما ان سكان اورشليم اغضبوا يهوه، بقيت المدينة مقفرة ٧٠ سنة. (٢ ملوك ٢٤:٤؛ ٢ أخبار الايام ٣٦:١٥-٢١؛ ارميا ٢٥:٨-١١؛ دانيال ٩:٢) والآن هو الوقت لتستيقظ من خمولها الطويل وتتسربل بثياب الحرية الجميلة. فقد دفع يهوه قلب كورش الى تحرير «المسبية ابنة صهيون»، وهكذا يتمكن سكان اورشليم السابقون وذريتهم من مغادرة بابل والعودة الى اورشليم وردّ العبادة الحقة. ولن يوجد في اورشليم اشخاص غُلف او نجسون. — عزرا ١:١-٤.
٣ لماذا يمكن ان تدعى جماعة المسيحيين الممسوحين «ابنة صهيون»، وبأيّ معنى تحرَّروا؟
٣ تتمّ كلمات اشعيا ايضا في الجماعة المسيحية. فمن الممكن وصف جماعة المسيحيين الممسوحين بـ «ابنة صهيون» عصرية لأن «اورشليم العليا» هي امّهم.a وهؤلاء الممسوحون، بتحرُّرهم من التعاليم الوثنية والعقائد المرتدة، يجب ان يحافظوا على موقف طاهر امام يهوه، ولا يكون ذلك بختان الجسد بل بختان قلوبهم. (ارميا ٣١:٣٣؛ روما ٢:٢٥-٢٩) ويشمل ذلك المحافظة على طهارة روحية وعقلية وأدبية امام يهوه. — ١ كورنثوس ٧:١٩؛ افسس ٢:٣.
٤ مع ان «اورشليم العليا» لم تعصِ يهوه قط، اية احوال عاشها ممثِّلوها على الارض تعكس ما حدث مع سكان اورشليم قديما؟
٤ صحيح ان «اورشليم العليا» لم تعصِ يهوه قط. ولكن خلال الحرب العالمية الاولى، خالف ممثِّلوها — المسيحيون الممسوحون — عن غير قصد شريعة يهوه لأنهم لم يفهموا الحياد المسيحي الحقيقي بشكل صحيح. وبفقدانهم الرضى الالهي، صاروا في اسر روحي في «بابل العظيمة»، الامبراطورية العالمية للدين الباطل. (كشف ١٧:٥) وبلغ استعبادهم ذروته في حزيران (يونيو) ١٩١٨ حين سُجن ثمانية من المسؤولين في جمعية برج المراقبة بتهم باطلة، بما فيها التآمر. عندئذ توقفت تقريبا الكرازة المنظمة بالبشارة. ولكن في سنة ١٩١٩، أُطلق نفير الاستيقاظ الروحي. وبدأ المسيحيون الممسوحون يفرزون انفسهم اكثر فأكثر من نجاسة بابل العظيمة الادبية والروحية. وهكذا انتفضوا من تراب الاسر، وأشرقت «اورشليم العليا» ‹كمدينة مقدسة› لا يُسمح بأن توجد فيها اية نجاسة روحية.
٥ لماذا ليهوه كل الحق في فك شعبه دون اعطاء تعويض لآسريهم؟
٥ سواء في سنة ٥٣٧ قم او في سنة ١٩١٩ بم، كان ليهوه كل الحق في تحرير شعبه. يوضح اشعيا: «هكذا قال الرب مجانا بُعتم وبلا فضة تُفَكّون». (اشعياء ٥٢:٣) فلا بابل القديمة ولا بابل العظيمة دفعت شيئا حين تملَّكت شعب عهد يهوه كعبيد لها. وبما انه لم تُعقد صفقة مالية، كان يهوه لا يزال المالك الشرعي لشعبه. وهل كان ينبغي ان يشعر بأنه مديون لأحد؟ طبعا لا. ففي كلتا الحالتين، كان يحق ليهوه ان يفك عبّاده دون ان يعوِّض على آسريهم بشيء. — اشعياء ٤٥:١٣.
٦ ايّ درسَين من التاريخ لم يتعلمهما اعداء يهوه؟
٦ لم يتعلم اعداء يهوه اية دروس من التاريخ. نقرأ: «هكذا قال السيد الرب. الى مصر نزل شعبي اولا ليتغرب هناك. ثم ظلمه اشور بلا سبب». (اشعياء ٥٢:٤) استعبد فرعون مصر الاسرائيليين، علما بأنهم دعوا قبلا الى ارضه ليقيموا بها كضيوف. لكنَّ يهوه اغرق فرعون وجيشه في البحر الاحمر. (خروج ١:١١-١٤؛ ١٤:٢٧، ٢٨) وعندما هدَّد سنحاريب ملك اشور اورشليم، قتل ملاك يهوه ٠٠٠,١٨٥ شخص من جنود الملك. (اشعياء ٣٧:٣٣-٣٧) هكذا ايضا لا يمكن لبابل القديمة او بابل العظيمة ان تنجو من عواقب ظلمها لشعب اللّٰه.
«يعرف شعبي اسمي»
٧ ماذا كان اثر استعباد شعب يهوه في اسمه؟
٧ تُظهر النبوة ان اسر شعب يهوه يؤثر في اسمه: «الآن ماذا لي هنا يقول الرب حتى أُخذ شعبي مجانا. المتسلطون عليه يصيحون يقول الرب ودائما كل يوم اسمي يهان. لذلك يعرف شعبي اسمي. لذلك في ذلك اليوم يعرفون اني انا هو المتكلم. هأنذا». (اشعياء ٥٢:٥، ٦) لماذا يهتم يهوه بالوضع؟ ماذا يهمّه إن استُعبدت اسرائيل في بابل؟ يجب ان يتدخل يهوه لأن بابل اخذت شعبه اسرى وأخذت تصيح عليهم صياح الانتصار. وموقف بابل المتبجح هذا جعلها تزدري باسم يهوه. (حزقيال ٣٦:٢٠، ٢١) فهي لم تعترف بأن خراب اورشليم ناتج من عدم رضى يهوه عن شعبه، بل اعتبرت استعباد اليهود دليلا على ضعف الههم. حتى ان الملك بيلشاصر، الشريك في الحكم على بابل، سخر من يهوه حين استعمل الآنية المجلوبة من هيكله في وليمة صُنعت تكريما للآلهة البابلية. — دانيال ٥:١-٤.
٨ اية معاملة لقيها اسم يهوه بعد موت الرسل؟
٨ وكيف ينطبق كل ذلك على «اورشليم العليا»؟ منذ تأصَّل الارتداد بين المسيحيين المزعومين، يمكن القول ان «اسم اللّٰه يجدَّف عليه بسبب [هؤلاء] بين الأمم». (روما ٢:٢٤؛ اعمال ٢٠:٢٩، ٣٠) يضاف الى ذلك ان اليهود، بسبب نشوء معتقد خرافي، صاروا في النهاية يتجنبون استعمال الاسم الالهي. وبُعيد موت الرسل، حذا المسيحيون المرتدّون حذوهم وتوقفوا عن استعمال اسم اللّٰه الخاص. ومن الارتداد نشأ العالم المسيحي الذي يؤلف جزءا بارزا من بابل العظيمة. (٢ تسالونيكي ٢:٣، ٧؛ كشف ١٧:٥) والفساد الادبي الفاحش في العالم المسيحي وذنبه الفاضح بسفك الدم انعكسا سلبا على اسم يهوه. — ٢ بطرس ٢:١، ٢.
٩، ١٠ ايّ فهم اعمق لمقاييس يهوه واسمه امتلكه شعب عهد اللّٰه في الازمنة العصرية؟
٩ عندما حرَّر كورش الاعظم، يسوع المسيح، شعب عهد اللّٰه من الاسر في بابل العظيمة سنة ١٩١٩، صار عندهم فهم افضل لمطالب يهوه. لقد سبق ان طهَّروا انفسهم من تعاليم كثيرة للعالم المسيحي يعود اصلها الى الزمن الوثني لما قبل المسيحية، مثل الثالوث وخلود النفس والعذاب الابدي في هاوية نارية. أما الآن فقد شرعوا يزيلون كل آثار النفوذ البابلي. وصاروا يعرفون ايضا اهمية المحافظة على موقف حيادي صارم من الشؤون التحزُّبية لهذا العالم. حتى انهم ارادوا تطهير انفسهم من ايّ ذنب بسفك الدم ربما تورَّط بعضهم فيه.
١٠ وكذلك صار عند خدام اللّٰه العصريين فهم اعمق لأهمية اسم يهوه. ففي سنة ١٩٣١ تبنَّوا الاسم شهود يهوه، مصرِّحين على رؤوس الملإ بتأييدهم ليهوه ولاسمه. وبالاضافة الى ذلك، من خلال اصدار ترجمة العالم الجديد منذ سنة ١٩٥٠، ردّ شهود يهوه الاسم الالهي الى مكانه اللائق في الكتاب المقدس. نعم، لقد نما عندهم التقدير لاسم يهوه، وهم يجعلونه معروفا الى اقاصي الارض.
«المبشِّر»
١١ على اساس الاحداث التي وقعت سنة ٥٣٧ قم، لماذا الهتاف «قد ملَك الهك» هو في محله؟
١١ يعود الكلام الآن الى صهيون وهي لا تزال مقفرة. فثمة رسول يقترب حاملا بشارة: «ما اجمل على الجبال قدمَي المبشِّر المخبر بالسلام المبشِّر بالخير المخبر بالخلاص القائل لصهيون قد ملَك الهك». (اشعياء ٥٢:٧) كيف يمكن ان يقال في سنة ٥٣٧ قم ان اله صهيون قد ملَك؟ أليس يهوه الملِك على الدوام؟ بلى، فهو «ملِك الأبدية». (كشف ١٥:٣) لكنَّ الهتاف «قد ملَك الهك» في محله لأن مُلك يهوه يتجلّى بتعبير جديد من خلال سقوط بابل وإعطاء الامر الملكي بإعادة بناء الهيكل في اورشليم وردّ العبادة النقية الى هناك. — مزمور ٩٧:١.
١٢ مَن اخذ القيادة في ‹التبشير›، وكيف؟
١٢ في ايام اشعيا، لم تُحدَّد هوية فرد او مجموعة افراد انهم «المبشِّر». أما اليوم، فهوية المبشِّر معروفة. فيسوع المسيح هو اعظم رسول سلام وُجد على الاطلاق. وعندما كان على الارض، بشَّر بإطلاق من كل تأثيرات الخطية الموروثة من آدم، بما فيها المرض والموت. (متى ٩:٣٥) ورسم يسوع مثالا غيورا حين بشَّر بالخير، بشيء افضل، منتهزا كل فرصة ليعلّم الناس عن ملكوت اللّٰه. (متى ٥:١، ٢؛ مرقس ٦:٣٤؛ لوقا ١٩:١-١٠؛ يوحنا ٤:٥-٢٦) وقد اتَّبع تلاميذه مثاله.
١٣ (أ) كيف يوسِّع الرسول بولس معنى العبارة «ما اجمل على الجبال قدمَي المبشِّر»؟ (ب) لماذا يمكن القول ان اقدام المبشرين ‹جميلة›؟
١٣ يقتبس الرسول بولس، في رسالته الى اهل روما، كلمات اشعياء ٥٢:٧ ليشدِّد على اهمية عمل الكرازة بالبشارة. ويطرح سلسلة من الاسئلة التي تثير التفكير، مثل: ‹كيف يسمع الناس بلا كارز؟›. ثم يقول: ‹كما هو مكتوب: «ما أحلى أقدام المبشِّرين بالخيرات!»›. (روما ١٠:١٤، ١٥) وهكذا يوسِّع بولس انطباق اشعياء ٥٢:٧ اذ يستعمل الجمع «المبشِّرين» بدلا من المفرد «المبشِّر» الذي يَظهر في النص الاصلي لسفر اشعياء. فتمثُّلا بيسوع المسيح، جميع المسيحيين هم رسل بشارة السلام. ولكن كيف تكون اقدامهم ‹جميلة›؟ يتحدث اشعيا كما لو ان البشير يقترب الى اورشليم من جبال يهوذا المجاورة. ومن المستحيل ان تُرى قدمَا الرسول من هذه المسافة البعيدة. فالتركيز هنا هو على الرسول، اذ تمثِّل القدمان الرسول نفسه. وكما كان يسوع وتلاميذه منظرا جميلا في عيون الودعاء في القرن الاول، كذلك فإن منظر شهود يهوه في هذه الايام هو سبب للسرور في نظر المتواضعين الذين ينتبهون لرسالة البشارة المنقذة لحياتهم.
١٤ كيف ملَك يهوه في الازمنة العصرية، ومنذ متى يُعلَن ذلك للناس؟
١٤ منذ متى يُسمع في الازمنة العصرية الهتاف «قد ملَك الهك»؟ منذ سنة ١٩١٩. ففي تلك السنة، في محفل عُقد في سيدر پوينت بولاية أوهايو الاميركية، اثار ج. ف. رذرفورد، رئيس جمعية برج المراقبة آنذاك، حماس مستمعيه بخطاب يحمل العنوان «خطاب للعمال المساعدين». وهذا الخطاب، المؤسس على اشعياء ٥٢:٧ وكشف ١٥:٢، شجَّع جميع الحاضرين على الانخراط في العمل الكرازي. وهكذا بدأت ‹اقدام جميلة› تَظهر على «الجبال». وبدأ المسيحيون الممسوحون اولا، ثم رفقاؤهم ‹الخراف الاخر›، يبشِّرون بغيرة ان يهوه قد ملَك. (يوحنا ١٠:١٦) فبأيّ معنى ملَك يهوه؟ لقد تجلّى مُلكه بتعبير جديد سنة ١٩١٤ حين نصَّب ابنه، يسوع المسيح، ملِكا في الملكوت السماوي المؤسس حديثا. وتجلّى مُلك يهوه بتعبير آخر ايضا سنة ١٩١٩ حين حرَّر «اسرائيل اللّٰه» من بابل العظيمة. — غلاطية ٦:١٦؛ مزمور ٤٧:٨؛ كشف ١١:١٥، ١٧؛ ١٩:٦.
‹رقباؤك يرفعون صوتهم›
١٥ مَن هم ‹الرقباء› الذين يرفعون صوتهم سنة ٥٣٧ قم؟
١٥ ولكن هل هنالك مَن يستجيبون للهتاف «قد ملَك الهك»؟ نعم. يسجّل اشعيا هذه الكلمات: «صوت مراقبيكِ [‹رقبائك›، يس]. يرفعون صوتهم يترنَّمون معا لأنهم يبصرون عينا لعين عند رجوع الرب الى صهيون». (اشعياء ٥٢:٨) لا يوجد رقباء حرفيون على ابراجهم في اورشليم سنة ٥٣٧ قم ليرحِّبوا بأول المسبيِّين العائدين. فالمدينة بقيت خربة ٧٠ سنة. (ارميا ٢٥:١١، ١٢) لذلك لا بد ان ‹الرقباء› الرافعين صوتهم يمثِّلون الاسرائيليين الذين يصلهم قبل غيرهم خبر ردّ صهيون، فتقع عليهم مسؤولية نقل الخبر الى باقي اولاد صهيون. وعندما يرى الرقباء ان يهوه سلّم بابل ليد كورش سنة ٥٣٩ قم، لا شك انهم يستنتجون ان يهوه يحرِّر شعبه. ويواصل الرقباء الترنم برفقة الذين يتجاوبون مع هتافهم، وذلك معا باتحاد، حتى يسمع الآخرون هذه البشرى.
١٦ مَن يبصره ‹الرقباء› «عينا لعين»، وبأيّ معنى؟
١٦ لدى الرقباء المتيقظين علاقة شخصية حميمة بيهوه، اذ يبصرونه «عينا لعين»، او وجها لوجه، اذا جاز التعبير. (عدد ١٤:١٤) وعلاقتهم الحميمة بيهوه ومعاشرتهم اللصيقة واحدهم للآخر تؤكدان انهم متّحدون وأنهم يحملون رسالة مفرحة. — ١ كورنثوس ١:١٠.
١٧، ١٨ (أ) كيف يرفع الرقيب العصري صوته؟ (ب) بأيّ معنى يشارك صف الرقيب في اعلان الرسالة باتحاد؟
١٧ في الاتمام العصري، لا يكتفي صف الرقيب، «العبد الامين الفطين»، برفع صوته من اجل الموجودين ضمن هيئة اللّٰه المنظورة، بل يرفعه ايضا من اجل الذين هم من خارج. (متى ٢٤:٤٥-٤٧) فقد خرجت دعوة لتجميع بقية الممسوحين سنة ١٩١٩، وفي سنة ١٩٢٢ اشتدّت الدعوة في محفل سيدر پوينت، أوهايو، حين جرت مناشدة الحضور: «أعلنوا، أعلنوا، أعلنوا الملك وملكوته». ومنذ سنة ١٩٣٥، بدأ التركيز على تجميع جمع كثير من الخراف الاخر. (كشف ٧:٩، ١٠) وفي السنوات الاخيرة صار الاعلان عن مُلك يهوه مدوّيا اكثر. كيف؟ في سنة ٢٠٠٠، شارك نحو ستة ملايين شخص في الإخبار عن مُلك يهوه في اكثر من ٢٣٠ بلدا ومقاطعة. كما ان مجلة برج المراقبة، ابرز اداة يستعملها صف الرقيب، تنشر هذه الرسالة المفرحة بأكثر من ١٣٠ لغة.
١٨ تستلزم المشاركة في هذا العمل الموحِّد التواضع والمحبة الاخوية. ولتكون هذه الدعوة فعّالة، يجب ان يكرز جميع المشاركين برسالة واحدة، مشدِّدين على اسم يهوه وتدبير الفدية الذي زوَّده وعلى حكمته ومحبته وملكوته. وحين يعمل المسيحيون في كل العالم كتفا الى كتف، تقوى علاقتهم الشخصية بيهوه، وهكذا يعلنون هذه البشارة معا باتحاد.
١٩ (أ) كيف تُشيد «خرب اورشليم» بابتهاج؟ (ب) بأيّ معنى ‹شمَّر يهوه عن ذراع قدسه›؟
١٩ حين يترنَّم شعب اللّٰه، يبدو حتى المكان الذي يسكنون فيه وكأنه يشيد بابتهاج. تمضي النبوة قائلة: «اشيدي ترنَّمي معا يا خرب اورشليم لأن الرب قد عزَّى شعبه فدى اورشليم. قد شمَّر الرب عن ذراع قدسه امام عيون كل الامم فترى كل اطراف الارض خلاص الهنا». (اشعياء ٥٢:٩، ١٠) بوصول العائدين من بابل، ترتدي الاماكن الكئيبة المنظر في اورشليم الخربة ابهى حلّة لأنه صار ممكنا ردّ عبادة يهوه النقية اليها. (اشعياء ٣٥:١، ٢) ومن الواضح ان ليهوه يدا في الامر. فقد «شمَّر . . . عن ذراع قدسه»، كمَن يتهيأ للعمل، ليشرع في مهمة إنقاذ شعبه. — عزرا ١:٢، ٣.
٢٠ ماذا نتج وسينتج من تشمير يهوه عن ذراع قدسه في الازمنة العصرية؟
٢٠ في هذه «الايام الاخيرة»، شمَّر يهوه عن ذراع قدسه ليحيي من جديد البقية الممسوحة، ‹الشاهدَين› المذكورَين في سفر الكشف. (٢ تيموثاوس ٣:١؛ كشف ١١:٣، ٧-١٣) ومنذ سنة ١٩١٩ أُتي بهؤلاء الى فردوس روحي، الحالة الروحية التي يتمتعون بها مع ملايين الاشخاص من عشرائهم، الخراف الاخر. وفي النهاية سيشمِّر يهوه عن ذراع قدسه ليخلّص شعبه في «هرمجدون». (كشف ١٦:١٤، ١٦) وبعد ذلك «ترى كل اطراف الارض خلاص الهنا».
مطلب ملحّ
٢١ (أ) ما المطلوب من «حاملي آنية الرب»؟ (ب) لماذا لا يوجد سبب ليخرج اليهود من بابل في هلع؟
٢١ ثمة مطلب يجب ان يبلغه الخارجون من بابل ليعودوا الى اورشليم. يكتب اشعيا: «اعتزلوا اعتزلوا اخرجوا من هناك لا تمسوا نجسا. اخرجوا من وسطها. تطهَّروا يا حاملي آنية الرب. لأنكم لا تخرجون بالعجلة [«في هلع»، عج] ولا تذهبون هاربين. لأن الرب سائر امامكم وإله اسرائيل يجمع ساقتكم [«يحرس مؤخرة قافلتكم»، تف]». (اشعياء ٥٢:١١، ١٢) فيجب على الاسرائيليين المغادرين ان يتركوا وراءهم في بابل كل ما له ادنى ارتباط بعبادة بابل الباطلة. وبما انهم يحملون آنية يهوه التي كانت قبلا في هيكل اورشليم، فلا يلزم ان يكونوا اطهارا فقط من الناحية الخارجية الطقسية، بل ايضا في قلوبهم، وهذا الاهم. (٢ ملوك ٢٤:١١-١٣؛ عزرا ١:٧) وكذلك ما من سبب ليخرجوا في هلع، لأن يهوه سائر امامهم. وما من سبب ليهربوا وهم يركضون بجنون، كما لو ان اعداء متعطشين الى الدم يطاردونهم وعلى وشك ان يمسكوهم. فإله اسرائيل يحرس مؤخرة قافلتهم. — عزرا ٨:٢١-٢٣.
٢٢ كيف يشدِّد بولس على اهمية الطهارة بين المسيحيين الممسوحين؟
٢٢ انطبقت كلمات اشعيا عن البقاء اطهارا بشكل بارز على ذرية «اورشليم العليا». فعندما حذّر بولس المسيحيين في كورنثوس من الصيرورة تحت نير لا تكافؤ فيه مع غير المؤمنين، اقتبس كلمات اشعياء ٥٢:١١ وقال: «‹لذلك اخرجوا من بينهم، وافترزوا›، يقول يهوه، ‹ولا تمسوا النجس بعد›». (٢ كورنثوس ٦:١٤-١٧) فكالاسرائيليين العائدين الى موطنهم من بابل، يجب ان يتجنب المسيحيون العبادة البابلية الباطلة.
٢٣ بأية طرائق يسعى خدام يهوه اليوم ان يحفظوا انفسهم اطهارا؟
٢٣ وانطبقت هذه الكلمات بشكل خصوصي على أتباع يسوع المسيح الممسوحين الذين هربوا من بابل العظيمة سنة ١٩١٩. فقد طهَّروا انفسهم تدريجيا من كل آثار العبادة الباطلة. (اشعياء ٨:١٩، ٢٠؛ روما ١٥:٤) وصاروا يعون اكثر فأكثر اهمية الطهارة الادبية. فمع ان شهود يهوه تمسكوا دائما بمقاييس ادبية سامية، احتوت مجلة برج المراقبة في سنة ١٩٥٢ على مقالات تشدِّد على ضرورة تأديب الفاسدين ادبيا لكي تبقى الجماعة طاهرة. كما ان هذا الاجراء التأديبي يساعد مرتكب الخطإ على ادراك ضرورة التوبة المخلصة. — ١ كورنثوس ٥:٦، ٧، ٩-١٣؛ ٢ كورنثوس ٧:٨-١٠؛ ٢ يوحنا ١٠، ١١.
٢٤ (أ) ما هي «آنية الرب» في الازمنة العصرية؟ (ب) لماذا يثق المسيحيون اليوم بأن يهوه سيسير دائما امامهم ويحرس مؤخرة قافلتهم؟
٢٤ يعقد المسيحيون الممسوحون العزم، مع الجمع الكثير من الخراف الاخر، ألا يمسّوا ايّ شيء نجس روحيا. وحالتهم النقية المطهَّرة تؤهلهم ليحملوا «آنية الرب» — التدابير الثمينة التي يهيِّئها اللّٰه من اجل الخدمة المقدسة من بيت الى بيت ودروس الكتاب المقدس، بالاضافة الى الاشكال الاخرى للنشاط المسيحي. وبالمحافظة على موقف طاهر، يمكن ان يثق شعب اللّٰه اليوم بأن يهوه سيسير دائما امامهم ويحرس مؤخرة قافلتهم. وكشعب طاهر يحمل اسم اللّٰه، لا تنعدم الاسباب التي تجعلهم «يترنَّمون معا» باتحاد.
[الحاشية]
a انظروا الفصل ١٥ من هذا الكتاب من اجل مناقشة اشمل حول العلاقة بين «اورشليم العليا» وأولادها الارضيين الممسوحين.
[الصورة في الصفحة ١٨٣]
ستُحرَّر صهيون من الاسر
[الصورة في الصفحة ١٨٦]
ابتداء من سنة ١٩١٩، عادت ‹اقدام جميلة› تَظهر على «الجبال»
[الصورة في الصفحة ١٨٩]
شهود يهوه يتكلمون باتحاد
[الصورة في الصفحة ١٩٢]
يجب على «حاملي آنية الرب» ان يكونوا اطهارا ادبيا وروحيا
-
-
يهوه يرفِّع عبده المسيَّانينبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل الرابع عشر
يهوه يرفِّع عبده المسيَّاني
١، ٢ (أ) اوضحوا الحالة التي واجهها يهود كثيرون في اوائل القرن الاول الميلادي. (ب) ايّ تدبير كان يهوه قد صنعه ليساعد اليهود الامناء على معرفة المسيَّا؟
تخيَّلوا انكم على موعد مع شخصية بارزة. وقد تحدَّد زمان اللقاء ومكانه. ولكن ثمة مشكلة: فأنتم لا تعرفون شكل هذا الشخص، ولن يصل بشكل يلفت الانظار. فكيف ستميّزونه؟ اذا تمكنتم من معرفة اوصافه بشكل دقيق، فستُحلّ المشكلة.
٢ في اوائل القرن الاول الميلادي، واجه يهود كثيرون حالة مماثلة. فقد كانوا في انتظار المسيَّا — اهم انسان كان سيعيش على الاطلاق. (دانيال ٩:٢٤-٢٧؛ لوقا ٣:١٥) ولكن كيف كان اليهود الامناء سيعرفونه؟ كان يهوه، بواسطة الانبياء العبرانيين، قد اعطى وصفا خطيا مفصَّلا للأحداث المتعلقة بالمسيَّا، وهذا ما كان سيمكّن ذوي التمييز من معرفته دون التباس.
٣ ايّ وصف للمسيَّا نجده في اشعياء ٥٢:١٣–٥٣:١٢؟
٣ ربما لا تزوِّد اية نبوة، بين كل النبوات العبرانية المتعلقة بالمسيَّا، صورة واضحة عن المسيَّا كما تزوِّدها النبوة المسجلة في اشعياء ٥٢:١٣–٥٣:١٢. فقبل اكثر من ٧٠٠ سنة، اعطى اشعيا تفاصيل اهم بكثير من الشكل الخارجي للمسيَّا، اذ تناول القصد من تألمه وطريقة حدوث ذلك، بالاضافة الى معلومات محددة عن موته ودفنه وترفيعه. وستتشجَّع قلوبنا ويقوى ايماننا حين نتأمل في هذه النبوة وفي اتمامها.
مَن هو «عبدي»؟
٤ ايّ رأيَين بشأن هوية ‹العبد› ذكرهما بعض العلماء اليهود، ولكن لماذا لا ينسجمان مع نبوة اشعيا؟
٤ كان اشعيا قد تحدَّث عن اطلاق اليهود من الاسر في بابل. أما الآن فهو يسجِّل كلمات يهوه وهو يفكر في حدث اعظم بكثير: «هوذا عبدي يعقل [«يعمل ببصيرة»، عج] يتعالى ويرتقي ويتسامى جدا». (اشعياء ٥٢:١٣) فمَن هو هذا ‹العبد›؟ تباينت على مرّ السنين آراء العلماء اليهود حول هوية هذا العبد. فقد ادّعى البعض انه يمثّل كامل امة اسرائيل خلال سبيها البابلي. لكنَّ هذا التفسير لا ينسجم مع النبوة. فعبد اللّٰه يتألم طوعا. ويتألم عن خطايا الآخرين مع انه هو نفسه بريء. ولا ينطبق ذلك على الامة اليهودية التي سُبيت بسبب مسلكها الخاطئ. (٢ ملوك ٢١:١١-١٥؛ ارميا ٢٥:٨-١١) وادّعى البعض الآخر ان العبد يمثّل النخبة التقية في اسرائيل، وقد تألم هؤلاء عن الاسرائيليين الخاطئين. ولكن خلال الفترات الصعبة التي مرَّت بها اسرائيل، لم تتألم اية فئة معيَّنة عن مجموعة اخرى.
٥ (أ) على مَن طبَّق بعض العلماء اليهود هوية العبد في نبوة اشعيا؟ (انظروا الحاشية.) (ب) اية هوية واضحة يعطيها سفر الاعمال في الكتاب المقدس لهذا العبد؟
٥ قبل مجيء المسيحية، وكذلك خلال القرون الاولى من العصر الميلادي، طبَّق عدد قليل من العلماء اليهود هذه النبوة على المسيَّا. وتؤكد الاسفار اليونانية المسيحية صحة هذا الانطباق. فسفر الاعمال يخبر انه عندما قال الخصي الحبشي انه لا يعرف هوية العبد في نبوة اشعيا، «بشَّره [فيلبس] بيسوع». (اعمال ٨:٢٦-٤٠؛ اشعياء ٥٣:٧، ٨) وكذلك تعتبر اسفار اخرى في الكتاب المقدس يسوع المسيح العبد المسيَّاني في نبوة اشعيا.a وفيما نناقش هذه النبوة، سنرى التشابهات التي لا تُدحض بين مَن يدعوه يهوه «عبدي» وبين يسوع الناصري.
٦ كيف تشير نبوة اشعيا الى ان المسيَّا سينجح في تنفيذ المشيئة الالهية؟
٦ تبدأ النبوة بوصف النجاح الذي حققه المسيَّا اخيرا في تنفيذ المشيئة الالهية. وتشير كلمة «عبد» الى انه سيخضع لمشيئة اللّٰه كما يخضع العبد لمشيئة سيده. وبخضوعه «يعمل ببصيرة». البصيرة هي قوة النظر النافذ الى الامور. والعمل ببصيرة يعني العمل بفطنة. يقول احد المراجع عن الفعل العبراني المستعمل هنا: «تحمل [الكلمة] في جوهرها فكرة العمل بفطنة وحكمة. ومَن يعمل بحكمة ينجح». وما يؤكد ان المسيَّا سينجح هو قول النبوة انه سوف «يرتقي ويتسامى جدا».
٧ كيف عمل يسوع المسيح «ببصيرة»، وكيف ‹ارتقى وتسامى جدا›؟
٧ ‹عمل يسوع ببصيرة› فعلا، اذ اعرب عن فهم لنبوات الكتاب المقدس التي تنطبق عليه، واسترشد بها ليتمكن من فعل مشيئة ابيه. (يوحنا ١٧:٤؛ ١٩:٣٠) وماذا كانت النتيجة؟ بعد قيامة يسوع وصعوده الى السماء، «رفَّعه اللّٰه إلى مركز أعلى وأنعم عليه بالاسم الذي يعلو كل اسم آخر». (فيلبي ٢:٩؛ اعمال ٢:٣٤-٣٦) وفي سنة ١٩١٤ تسامى يسوع الممجَّد اكثر. فقد رفَّعه يهوه الى عرش الملكوت المسيَّاني. (كشف ١٢:١-٥) نعم، ‹ارتقى وتسامى جدا›.
‹اندهش منه كثيرون›
٨، ٩ عندما يأتي يسوع الممجَّد لينفذ الدينونة، كيف سيتجاوب الحكام الارضيون، ولماذا؟
٨ كيف ستتجاوب الامم وحكامها مع ترفيع المسيَّا؟ دعونا نتخطى وقتيا الجملة الاعتراضية في الجزء الثاني من العدد ١٤ ونقرأ ما تقوله النبوة: «كما دُهش منه كثيرون . . . فإنه هكذا يُذهل امما عديدة فَيَكُمُّ ملوكٌ افواههم امامه، اذ شهدوا ما لم يُخبَروا به، وأدركوا ما لم يسمعوه». (اشعياء ٥٢:١٤أ، ١٥، تف) لا يصف اشعيا بهذه الكلمات ظهور المسيَّا الاول بل مواجهته الاخيرة مع الحكام الارضيين.
٩ عندما يأتي يسوع المرفَّع لينفذ الدينونة في نظام الاشياء الشرير هذا، ‹سيُدهش منه› الحكام الارضيون. صحيح ان الحكام البشر لن يروا يسوع الممجَّد حرفيا، لكنهم سيرون الادلة المنظورة على قوته كمحارب سماوي عن يهوه. (متى ٢٤:٣٠) وسيُجبَرون على ادراك ما لم يسمعوه من القادة الدينيين: أن يسوع هو منفذ احكام اللّٰه! فالعبد الممجَّد الذي سيواجهونه سيتصرَّف بشكل لا يتوقعونه.
١٠، ١١ بأيّ معنى يمكن القول ان يسوع تشوَّه منظره في القرن الاول، وكيف يحدث ذلك اليوم؟
١٠ بحسب الجملة الاعتراضية في العدد ١٤، يقول اشعيا: «تشوَّه منظره اكثر من ايّ رجل، وصورته اكثر من بني البشر». (اشعياء ٥٢:١٤ ب، تف) فهل حدث ان تشوَّه منظر يسوع جسديا؟ كلا. ومع ان الكتاب المقدس لا يعطي تفاصيل عن شكل يسوع، فلا شك ان ابن اللّٰه الكامل كان حسن المظهر والوجه. ولكن يتضح ان كلمات اشعيا تشير الى الاذلال الذي تعرَّض له يسوع. فقد شهَّر بجرأة القادة الدينيين في ايامه ودعاهم مرائين وكذبة وقتلة؛ وردًّا على ذلك قاموا بشتمه. (١ بطرس ٢:٢٢، ٢٣) واتّهموه بأنه منتهك للشريعة، مجدِّف، مخادع، محرِّض على الفتنة ضد روما. وهكذا كوَّنت هذه التهم الباطلة صورة مشوَّهة كليا عن يسوع.
١١ وحتى اليوم يستمر تشويه صورة يسوع. فمعظم الناس يصوِّرون يسوع طفلا في مذود او شخصا بائسا مسمَّرا على صليب وقسَمات وجهه تتلوّى ألما بسبب اكليل الشوك على رأسه. وقد شجَّع رجال الدين في العالم المسيحي على تكوين هذه الآراء. انهم لا يصوِّرون يسوع بمظهر الملك السماوي الجبار الذي سيحاسب الامم. فعندما يواجه الحكام البشر يسوعَ المرفَّع في المستقبل القريب، سيعاقبهم مسيّا له «كل سلطة في السماء وعلى الأرض». — متى ٢٨:١٨.
مَن سيؤمن بهذه البشارة؟
١٢ ايّ سؤالَين هامَّين تثيرهما كلمات اشعيا ٥٣:١؟
١٢ بعد وصف التحوُّل المذهل الذي يشهده المسيَّا — من ‹مشوَّه› الى ‹متسامٍ جدا› — يسأل اشعيا: «من الذي آمن بما سَمع منا ولمَن كُشفت ذراع الرب؟». (اشعيا ٥٣:١، يج) تثير كلمات اشعيا هذه سؤالَين هامَّين: هل تتم هذه النبوة؟ وهل تنكشف «ذراع الرب»، التي تمثّل قدرته على ممارسة القوة، وتجعل هذه الكلمات تتحقق؟
١٣ كيف اظهر بولس ان نبوة اشعيا تمت في يسوع، وأيّ تجاوب لاقته؟
١٣ لا مجال للشك في ان الجواب هو نعم! فبولس، في رسالته الى اهل روما، اقتبس كلمات اشعيا ليُظهر ان النبوة التي سمعها اشعيا وسجَّلها تمّت في يسوع. لقد كان تمجيد يسوع بعد تألمه على الارض بشارة. لكنَّ اليهود غير المؤمنين، كما ذكر بولس، «لم يطيعوا كلهم البشارة. لأن اشعيا يقول: ‹يا يهوه، من آمن بما سُمع منا؟›. إذًا، الإيمان يلي السماع. والسماع هو بالكلمة عن المسيح». (روما ١٠:١٦، ١٧) والمؤسف ان قليلين في ايام بولس آمنوا بالبشارة عن عبد اللّٰه. ولماذا؟
١٤، ١٥ ايّ وضع سيعيشه المسيَّا على المسرح الارضي؟
١٤ توضح النبوة بعد ذلك للاسرائيليين اسباب اثارة السؤالَين في العدد ١، وهي تُظهر بذلك لماذا لن يعترف كثيرون بالمسيَّا: «نبت [«ينبت»، يس] قدام [ناظره] كفرخ وكعِرق من ارض يابسة لا صورة له ولا جمال فننظر اليه ولا منظر فنشتهيه». (اشعياء ٥٣:٢) نرى هنا الوضع الذي سيعيشه المسيَّا على المسرح الارضي. فستكون له بداية وضيعة، ولن يكون ذا شأن في اعين ناظريه. كما انه سيكون كمجرد فرخ رخص طالع على جذع او غصن شجرة. وسيكون ايضا كعِرق، او جذر، متعطش الى الماء في تربة جافة وقاحلة. ولن يأتي بأبهة وفخفخة ملكية؛ فلا ملابس فاخرة ولا اكاليل برّاقة. ان بدايته ستكون متواضعة وبسيطة.
١٥ كم تنطبق هذه الكلمات على بداية يسوع الوضيعة كإنسان! فالعذراء اليهودية مريم ولدته في اسطبل في بلدة صغيرة تدعى بيت لحم.b (لوقا ٢:٧؛ يوحنا ٧:٤٢) وكانت مريم وزوجها يوسف فقيرَين. فبعد نحو ٤٠ يوما من ولادة يسوع، جلبا معهما ذبيحة الخطية التي يقدِّمها الفقراء: «زوج ترغل أو فرخَي يمام». (لوقا ٢:٢٤؛ لاويين ١٢:٦-٨) ثم عاش مريم ويوسف في الناصرة، حيث ترعرع يسوع في عائلة كبيرة، وعلى الارجح بمستوى معيشي متواضع. — متى ١٣:٥٥، ٥٦.
١٦ كيف يصح القول ان يسوع لم تكن له «صورة» ولا «جمال»؟
١٦ لقد بدا ان يسوع، عندما كان بشرا، لم تكن عروقه ممتدة في التربة المناسبة. (يوحنا ١:٤٦؛ ٧:٤١، ٥٢) ومع انه كان انسانا كاملا ومتحدِّرا من الملك داود، لم تُضفِ عليه ظروفه المتواضعة اية «صورة» جليلة او «جمال» أبَّهيّ، على الاقل في نظر الذين كانوا ينتظرون قدوم المسيَّا من خلفية ابرز. وبتحريض من القادة الدينيين اليهود، لم يُقِم له الكثيرون اعتبارا، حتى انه احتُقر. وفي النهاية لم ترَ الجموع في ابن اللّٰه الكامل شيئا يُشتهى. — متى ٢٧:١١-٢٦.
«محتقَر ومخذول من الناس»
١٧ (أ) عمَّ يبدأ اشعيا يتحدَّث، ولماذا يكتب بصيغة الماضي؟ (ب) مَن ‹احتقروا› يسوع و ‹تجنبوه›، وكيف فعلوا ذلك؟
١٧ يتحدَّث اشعيا الآن بتفصيل عمَّا ستكون عليه النظرة الى المسيَّا وطريقة معاملته: «محتقَر ومخذول من الناس [«احتقره الناس وتجنَّبوه»، عج] رجل اوجاع ومختبر الحزن [«المرض»، عج] وكمستَّر عنه وجوهنا [«وكمستَّر وجهه عنا»، عج] محتقَر فلم نعتدَّ به». (اشعياء ٥٣:٣) يكتب اشعيا كلماته بصيغة الماضي، كما لو انه متأكد انها ستتحقق. فهل احتقر الناس فعلا يسوع المسيح وتجنبوه؟ نعم! فقد اعتبره القادة الدينيون ذوو البر الذاتي وأتباعهم ارذل الناس. وقالوا عنه انه صديق لجباة الضرائب والعاهرات. (لوقا ٧:٣٤، ٣٧-٣٩) وبصقوا في وجهه، ولكموه وشتموه، وسخروا منه وهزئوا به. (متى ٢٦:٦٧) وبتأثير من اعداء الحق هؤلاء، ‹لم يقبله قومه›. — يوحنا ١:١٠، ١١.
١٨ بما ان يسوع لم يمرض قط، كيف كان ‹رجل اوجاع ومختبرا المرض›؟
١٨ كان يسوع انسانا كاملا، لذا لم يمرض قط. ومع ذلك كان ‹رجل اوجاع ومختبرا المرض›. لم تكن هذه الاوجاع والامراض لتصيبه هو. لكنّ يسوع اتى من السماء الى عالم مريض. لقد عاش وسط العذاب والالم، الّا انه لم يتجنَّب المرضى، سواء جسديا او روحيا. فكالطبيب المحب، تعرَّف جيدا بآلام الناس حوله. وفضلا عن ذلك، تمكّن من فعل ما يعجز الطبيب البشري العادي عن فعله. — لوقا ٥:٢٧-٣٢.
١٩ وجه مَن كان ‹مستَّرا›، وكيف اظهر اعداء يسوع انهم ‹لا يعتدّون به›؟
١٩ ومع ذلك كان يسوع في اعين اعدائه هو المريض، ولم يلقَ منهم نظرة استحسان. وكان وجهه ‹مستَّرا› عن الانظار، انما ليس لأنه كان يخفي وجهه عن الآخرين. فإشعياء ٥٣:٣ تقول حسب الكتاب المقدس الانكليزي الجديد: «ما يشيح الناس وجوههم عنه». فقد كان يسوع في اعين مقاوميه منفِّرا جدا حتى انهم كانوا يشيحون وجوههم عنه كما لو انه كريه المنظر. وقيمته في نظرهم لم تزد على ثمن عبد. (خروج ٢١:٣٢؛ متى ٢٦:١٤-١٦) فقد كانوا يكنّون للقاتل باراباس اعتبارا اكثر منه. (لوقا ٢٣:١٨-٢٥) وماذا كان يمكن ان يفعلوا بعد ليُظهروا مدى احتقارهم ليسوع؟!
٢٠ اية تعزية تمنحها كلمات اشعيا لشعب يهوه اليوم؟
٢٠ يمكن لخدام يهوه اليوم ان يستمدّوا تعزية كبيرة من كلمات اشعيا. ففي بعض الاحيان قد يهزأ المقاومون من عبّاد يهوه الامناء او يعاملونهم كما لو انهم لا يُعتدّ بهم. ولكن، كما كانت الحال مع يسوع، ما يهمّ فعلا هو نظرة يهوه اللّٰه الينا. فمع ان الناس ‹لم يعتدُّوا بيسوع›، بقيت له قيمة كبيرة في عينَي اللّٰه.
«مجروح لأجل معاصينا»
٢١، ٢٢ (أ) ماذا حمل وتحمَّل المسيَّا عن الآخرين؟ (ب) كيف نظر كثيرون الى المسيَّا، وماذا كانت ذروة آلامه؟
٢١ لماذا لزم ان يتألم المسيَّا ويموت؟ يوضح اشعيا: «لكنَّ احزاننا [«امراضنا»، عج] حملها وأوجاعنا تحمَّلها ونحن حسبناه مصابا مضروبا من اللّٰه ومذلولا. وهو مجروح [«طُعن»، يج] لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحُبُره [«جراحه»، عج] شفينا. كلنا كغنم ضللنا مِلْنا كل واحد الى طريقه والرب وضع عليه اثم جميعنا». — اشعياء ٥٣:٤-٦.
٢٢ حمل المسيَّا امراض الآخرين وتحمَّل اوجاعهم. وإذا جاز التعبير، رفع اثقالهم ووضعها على كتفيه وحملها. وبما ان المرض والوجع ناجمان عن حالة الجنس البشري الخاطئة، فقد حمل المسيَّا خطايا الآخرين. كثيرون لم يفهموا لماذا يتألم كل هذا الالم، وحسبوا ان اللّٰه يعاقبه وقد اصابه بمرض كريه.c وبلغت آلام المسيَّا ذروتها حين طُعن وسُحق وجُرح — كلمات قوية تشير الى ميتة عنيفة ومؤلمة. لكنَّ موته كان كفّاريا، اذ يزوّد الاساس لإعادة الذين يضلّون في الاثم والخطية، مساعدا اياهم على ايجاد السلام مع اللّٰه.
٢٣ بأية طريقة تحمَّل يسوع آلام الآخرين؟
٢٣ وكيف تحمَّل يسوع آلام الآخرين؟ يقول انجيل متى، مقتبسا من اشعياء ٥٣:٤: «أحضر إليه الناس كثيرين ممن تسيطر عليهم الشياطين؛ فكان يخرج الأرواح بكلمة، وأبرأ كل من كان به سوء؛ ليتم ما قيل بإشعيا النبي القائل: ‹هو أخذ أمراضنا وحمل عللنا›». (متى ٨:١٦، ١٧) وبشفاء المصابين بشتى الامراض الذين اتوا اليه، كان يسوع يأخذ ألمهم ويضعه على نفسه. وكانت اعمال الشفاء هذه تأخذ من حيويته. (لوقا ٨:٤٣-٤٨) لقد برهنت قدرته على شفاء كل انواع الامراض — الجسدية والروحية — انه مُنح السلطة ليطّهر البشر من الخطية. — متى ٩:٢-٨.
٢٤ (أ) لماذا بدا لكثيرين ان ما ‹يصيب› يسوع هو من اللّٰه؟ (ب) لماذا تألم يسوع ومات؟
٢٤ ولكن بدا لكثيرين ان ما ‹يصيب› يسوع هو من اللّٰه، اذ تألم بتحريض من القادة الدينيين المحترمين. ولكن لا ننسَ انه لم يتألم بسبب خطايا ارتكبها هو. يقول بطرس: «المسيح تألم لأجلكم، تاركا لكم قدوة لتتبعوا خطواته بدقة. لم يرتكب خطية، ولا وجد في فمه خداع. حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة، لكي نتخلص من الخطايا ونحيا للبر. و ‹بجراحه شفيتم›». (١ بطرس ٢:٢١، ٢٢، ٢٤) لقد كنا جميعا تائهين بسبب الخطية، «كالخراف شاردين». (١ بطرس ٢:٢٥) لكنَّ يهوه، بواسطة يسوع، زوَّد الفداء من حالتنا الخاطئة. فقد «وضع على» يسوع اثمنا. وقبِل يسوع، الخالي من الخطية، ان يتحمَّل طوعا جزاء خطايانا. وبمعاناته على خشبة موتا مخزيا لا يستحقه، فسح المجال لنا ان نتصالح مع اللّٰه.
«تذلَّل»
٢٥ كيف نعرف ان المسيَّا كان مستعدا ليتألم ويموت؟
٢٥ وهل كان المسيَّا مستعدا ليتألم ويموت؟ يقول اشعيا: «ظُلم أما هو فتذلَّل ولم يفتح فاه كشاة تُساق الى الذبح وكنعجة صامتة امام جازّيها فلم يفتح فاه». (اشعياء ٥٣:٧) كان بإمكان يسوع، في ليلته الاخيرة، ان يستدعي «اكثر من اثني عشر فيلقا من الملائكة» ليساعدوه. إنما قال: «ولكن كيف تتم الأسفار المقدسة، أنه هكذا لا بد أن يكون؟». (متى ٢٦:٥٣، ٥٤) لذلك لم يُبدِ «حمل اللّٰه» اية مقاومة. (يوحنا ١:٢٩) وحين اتَّهمه كبار الكهنة والشيوخ زورا امام بيلاطس، «لم يُجب بشيء». (متى ٢٧:١١-١٤) فلم يرد ان يقول شيئا يمكن ان يعيق تنفيذ مشيئة اللّٰه نحوه. لقد كان يسوع مستعدا ليموت كحمل فدائي، عالما تماما ان موته سيفدي البشر الطائعين من الخطية والمرض والموت.
٢٦ ايّ «ردع» فعله مقاومو يسوع؟
٢٦ يعطي اشعيا الآن تفاصيل اضافية عن معاناة المسيَّا وإذلاله. يكتب النبي: «بسبب الردع والقضاء أُخذ؛ ومَن يهتم بتفاصيل جيله؟ لأنه قُطع من ارض الاحياء. وبسبب تعدِّي شعبي كانت الضربة له». (اشعيا ٥٣:٨، عج) عندما ألقى اعداء يسوع القبض عليه وأخذوه، استعمل هؤلاء المقاومون الدينيون «الردع» في طريقة تعاملهم معه. لا يعني ذلك انهم ردعوا انفسهم وامتنعوا عن التعبير عن بغضهم له، بل ردعوا العدل، او خنقوه. وبدلا من كلمة «ردع»، تستعمل الترجمة السبعينية اليونانية كلمة «ذُل» في اشعياء ٥٣:٨. فأعداء يسوع أذلوه بحرمانه معاملة عادلة كانت تحقّ حتى للمجرم. لقد كانت محاكمة يسوع تشويها للعدالة. كيف؟
٢٧ عندما كان القادة الدينيون اليهود يحاكمون يسوع، اية قواعد ضربوا بها عرض الحائط، ومن اية نواحٍ انتهكوا شريعة اللّٰه؟
٢٧ خرق القادة الدينيون اليهود قوانينهم الخاصة ليتخلصوا من يسوع بأية طريقة. فبحسب التقليد، لم يكن السنهدريم ينظر في قضية عقوبتها الموت إلا في القاعة التي تدعى البلاط الواقعة في محيط ارض الهيكل، وليس في بيت رئيس الكهنة. ولزم ان تُجرى محاكمة كهذه خلال النهار، وليس بعد غروب الشمس. وإذا كانت القضية عقوبتها الموت، وجب اعلان القرار بالادانة في اليوم الذي يلي ختام جلسة الاستماع. ولهذا السبب لم تكن تُجرى اية محاكمات في اليوم الذي يسبق سبتا او عيدا. ولكن ضُرب بكل هذه القواعد عرض الحائط عند محاكمة يسوع. (متى ٢٦:٥٧-٦٨) والاسوأ من ذلك هو ان القادة الدينيين انتهكوا شريعة اللّٰه بشكل فاضح عند معالجتهم لهذه القضية. مثلا، لجأوا الى الرشوة للايقاع بيسوع. (تثنية ١٦:١٩؛ لوقا ٢٢:٢-٦) واستمعوا الى شهادة شهود زور. (خروج ٢٠:١٦؛ مرقس ١٤:٥٥، ٥٦) وتآمروا ان يطلقوا سراح قاتل، جالبين على انفسهم وعلى ارضهم ذنب سفك الدم. (عدد ٣٥:٣١-٣٤؛ تثنية ١٩:١١-١٣؛ لوقا ٢٣:١٦-٢٥) وهكذا لم يجرِ «قضاء»، اي لم تجرِ محاكمة عادلة يصدر عنها حكم قويم وغير متحيِّز.
٢٨ بماذا لم يكترث اعداء يسوع؟
٢٨ وهل تحقَّق اعداء يسوع من هوية هذا الرجل الذي يحاكَم امامهم؟ طرح اشعيا سؤالا مماثلا: «مَن يهتم بتفاصيل جيله؟». يمكن ان تشير كلمة «جيل» الى النَّسَب او الخلفية. فعندما كان يسوع يحاكَم امام السنهدريم، لم يكترث اعضاء المجلس بخلفيته — أنه تمَّم الشروط المطلوبة التي تحدّد هوية المسيَّا الموعود به. لكنهم اتهموه بالتجديف وحكموا بأنه مستوجب الموت. (مرقس ١٤:٦٤) وبعد ذلك استسلم الحاكم الروماني بنطيوس بيلاطس للضغوط وأمر بتعليق يسوع على خشبة. (لوقا ٢٣:١٣-٢٥) وهكذا «قُطع» او قُتل يسوع في مقتبل العمر، بالغا ٣٣ سنة ونصفا فقط.
٢٩ كيف كان قبر يسوع «مع الاشرار» و «مع غني»؟
٢٩ وبعد ذلك يكتب اشعيا عن موت المسيَّا ودفنه: «جُعل مع الاشرار قبره ومع غني عند موته. على انه لم يعمل ظلما ولم يكن في فمه غش». (اشعياء ٥٣:٩) فكيف كان يسوع، عند موته ودفنه، مع الاشرار والغني؟ في ١٤ نيسان القمري ٣٣ بم، مات على خشبة الاعدام خارج اسوار اورشليم. وبما انه عُلِّق بين فاعلَي سوء، فكأنما كان قبره مع الاشرار. (لوقا ٢٣:٣٣) ولكن بعدما مات يسوع، استجمع يوسف، رجل غني من أريماتية، شجاعته ليطلب من بيلاطس السماح بأخذ جسد يسوع ودفنه. وقام هو ونيقوديموس بتهيئة الجسد للدفن، ثم وضعه في قبر يخصُّه محفور حديثا. (متى ٢٧:٥٧-٦٠؛ يوحنا ١٩:٣٨-٤٢) وهكذا كان قبر يسوع مع غني ايضا.
‹يهوه سُرَّ بأن يسحقه›
٣٠ بأيّ معنى سُرَّ يهوه بسحق يسوع؟
٣٠ بعد ذلك يقول اشعيا شيئا مفاجئا: «أما الرب فسُرَّ بأن يسحقه بالحزن. إن جعل نفسه ذبيحة اثم يرى نسلا تطول ايامه ومسرة الرب بيده تنجح. من تعب نفسه يرى ويشبع. وعبدي البار بمعرفته يبرِّر كثيرين وآثامهم هو يحملها». (اشعياء ٥٣:١٠، ١١) كيف يمكن ان يُسرّ يهوه برؤية عبده الامين يُسحق؟ لم يكن يهوه طبعا مَن انزل العذاب بابنه الحبيب. فقد كان اعداء يسوع مسؤولين كاملا عمَّا فعلوه به. لكنَّ يهوه سمح لهم بأن يتصرفوا بوحشية. (يوحنا ١٩:١١) ولأيّ سبب؟ لا شك ان اله التعاطف والحنان تألم حين رأى ابنه البريء يتعذب. (اشعياء ٦٣:٩؛ لوقا ١:٧٧، ٧٨) طبعا، لم يكن مستاء البتة من يسوع. ومع ذلك، سُرَّ يهوه باستعداد ابنه للتألم من اجل كل البركات التي ستنتج من ذلك.
٣١ (أ) بأية طريقة جعل يهوه نفس يسوع «ذبيحة اثم»؟ (ب) بعد كل المشقة التي كابدها يسوع كإنسان، ماذا سرَّه خصوصا؟
٣١ احدى هذه البركات هي ان يهوه جعل نفس يسوع «ذبيحة اثم». وهكذا، عندما صعد يسوع الى السماء، دخل الى حضرة يهوه حاملا استحقاق حياته البشرية المقدَّمة ذبيحة اثم، وسُرَّ يهوه بأن يقبلها من اجل كل الجنس البشري. (عبرانيين ٩:٢٤؛ ١٠:٥-١٤) ومن خلال ذبيحة الاثم هذه، صار ليسوع «نسل». فبوصفه «ابا ابديا»، صار بإمكانه منح الحياة — الحياة الابدية — للذين يمارسون الايمان بدمه المسفوك. (اشعياء ٩:٦) وبعد كل المشقة التي كابدها يسوع كنفس بشرية، كم سُرَّ دون شك بأن يصير في مقدوره انقاذ الجنس البشري من الخطية والموت! طبعا، لا بد انه سُرَّ اكثر حين علم ان استقامته اعطت اباه السماوي جوابا على تعييرات خصمه، الشيطان ابليس. — امثال ٢٧:١١.
٣٢ بواسطة اية «معرفة» ‹يبرِّر يسوع كثيرين›، ومَن ينعمون بهذا الموقف؟
٣٢ والبركة الاخرى الناجمة عن موت يسوع هي انه «يبرِّر كثيرين»، حتى في هذا الوقت. وهو يفعل ذلك، كما يقول اشعيا، «بمعرفته». يتضح ان هذه المعرفة اكتسبها يسوع بصيرورته انسانا وتألُّمه ظلما، اطاعةً للّٰه. (عبرانيين ٤:١٥) ويسوع، بتألمه حتى الموت، تمكّن من تزويد الذبيحة اللازمة لمساعدة الآخرين على حيازة موقف بار. ومَن ينعمون بهذا الموقف البار؟ اولا، أتباعه الممسوحون. فلأنهم يمارسون الايمان بذبيحة يسوع، يبرِّرهم يهوه حتى يتبنّاهم ويجعلهم ورثة مع يسوع. (روما ٥:١٩؛ ٨:١٦، ١٧) وكذلك يمارس ‹جمع كثير› من ‹الخراف الاخر› الايمان بدم يسوع المسفوك ويتمتعون بموقف بار على امل ان يصيروا اصدقاء اللّٰه وينجوا من هرمجدون. — كشف ٧:٩؛ ١٦:١٤، ١٦؛ يوحنا ١٠:١٦؛ يعقوب ٢:٢٣، ٢٥.
٣٣، ٣٤ (أ) ايّ امر نتعلمه عن يهوه يبهج قلوبنا؟ (ب) مَن هم ‹الكثيرون› الذين ينال العبد المسيَّاني «نصيبا» معهم؟
٣٣ وفي النهاية يصف اشعيا انتصارات المسيَّا: «لذلك أقسم له بين الاعزاء [«نصيبا مع الكثيرين»، شد] ومع العظماء يقسم غنيمة من اجل انه سكب للموت نفسه وأُحصي مع اثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين». — اشعياء ٥٣:١٢.
٣٤ من الكلمات الختامية لهذا الجزء من نبوة اشعيا نتعلم شيئا يبهج القلب عن يهوه: انه يعزّ مَن يبقون اولياء له. ويُرى ذلك من الوعد بأن ‹يقسم› للعبد المسيَّاني «نصيبا مع الكثيرين». يتضح ان هذه الكلمات ترتبط بعادة تقسيم الغنائم في الحرب. فيهوه يقدِّر ولاء الامناء «الكثيرين» الذين عاشوا قديما، مثل نوح وإبراهيم وأيوب، وقد حفظ لهم «نصيبا» في عالمه الجديد القادم. (عبرانيين ١١:١٣-١٦) وهو سيقسم نصيبا ايضا لعبده المسيَّاني. نعم، لا يمكن ألا يكافئ يهوه يسوع على استقامته. ونحن ايضا يمكن ان نتيقَّن ان يهوه لن ‹ينسى عملنا والمحبة التي نُظهرها نحو اسمه›. — عبرانيين ٦:١٠.
٣٥ مَن هم «العظماء» الذين يقسم يسوع معهم الغنائم، وما هي هذه الغنائم؟
٣٥ سيحصل عبد اللّٰه ايضا على غنائم حرب بالانتصار على اعدائه. وسيقسم هذه الغنائم مع «العظماء». فمَن هم «العظماء» في الاتمام؟ انهم اول التلاميذ الذين غلبوا العالم كما غلبه يسوع — المواطنون الـ ٠٠٠,١٤٤ الذين يؤلفون «اسرائيل اللّٰه». (غلاطية ٦:١٦؛ يوحنا ١٦:٣٣؛ كشف ٣:٢١؛ ١٤:١) وما هي الغنائم اذًا؟ يتضح انها تشمل ‹العطايا في رجال›، الذين انتزعهم يسوع من قبضة الشيطان، اذا جاز التعبير، وأعطاهم للجماعة المسيحية. (افسس ٤:٨-١٢) ويُعطى «العظماء» الـ ٠٠٠,١٤٤ ايضا نصيبا من غنيمة اخرى. فلأنهم غلبوا العالم، ينتزعون من الشيطان ايّ سبب لتعيير اللّٰه. وتعبُّدهم غير المنثلم ليهوه يرفِّعهم، وهذا ما يفرِّح قلبه.
٣٦ هل كان يسوع يعرف انه يتمم النبوة المتعلقة بعبد اللّٰه؟ اوضحوا.
٣٦ كان يسوع يعرف انه يتمم النبوة المتعلقة بعبد اللّٰه. ففي الليلة التي اعتُقل فيها، اقتبس الكلمات المسجلة في اشعياء ٥٣:١٢ وطبَّقها على نفسه: «أقول لكم إنه لا بد أن يتم فيَّ هذا المكتوب، أي: ‹وأحصي مع المتعدِّين على الشريعة›. لأن ما يختص بي آخذ في التمام». (لوقا ٢٢:٣٦، ٣٧) والمحزن ان يسوع عومل فعلا كمتعدٍّ على الشريعة. فقد أُعدم معلَّقا بين لصَّين كمنتهك للشريعة. (مرقس ١٥:٢٧) لكنه احتمل طوعا هذا التعيير، عالما كل العلم انه بذلك يشفع فينا. فكما لو انه وقف بين الخطاة وبين ضربة عقوبة الموت، فتلقّى هو الضربة عنهم.
٣٧ (أ) السجل التاريخي لحياة يسوع وموته يساعدنا ان نجزم بماذا؟ (ب) لماذا ينبغي ان نكون شاكرين ليهوه اللّٰه وعبده المرفَّع، يسوع المسيح؟
٣٧ ان السجل التاريخي لحياة يسوع وموته يساعدنا على الجزم ان يسوع المسيح هو العبد المسيَّاني في نبوة اشعيا. فكم ينبغي ان نكون شاكرين لأن يهوه سمح بأن يتمم ابنه العزيز دور العبد النبوي، بحيث تألم ومات لكي نُفتدى من الخطية والموت! وبهذا اعرب يهوه عن محبة فائقة لنا. تقول روما ٥:٨: «أما اللّٰه فيبيِّن لنا فضل محبته بأنه إذ كنا بعد خطاة مات المسيح عنا». وكم ينبغي ان نكون شاكرين ليسوع المسيح، العبد المرفَّع، الذي سكب للموت نفسه طوعا!
[الحواشي]
a يذكر ترجوم يوناثان بن عُزِّيئيل (القرن الاول الميلادي)، ترجمة ج. ف. ستينينڠ، في نقله للآية في اشعياء ٥٢:١٣: «هوذا عبدي الممسوح (او المسيَّا) يزدهر». وكذلك يقول التلمود البابلي (نحو القرن الثالث الميلادي): «المسيَّا — ما اسمه؟ . . . [؛ اولئك] الذين هم من بيت الرابّي [يقولون، المريض]، كما يقال ‹حمل بالتأكيد امراضنا›». — السنهدرين ٩٨ ب؛ اشعياء ٥٣:٤.
b قال النبي ميخا عن بيت لحم انها ‹صغيرة ان تكون بين الوف يهوذا›. (ميخا ٥:٢) ولكن كان لبيت لحم الصغيرة شرف الصيرورة مسقط رأس المسيَّا.
c ان الكلمة العبرانية المنقولة «مصابا» تُستعمل ايضا للاشارة الى البرص. (٢ ملوك ١٥:٥) وبحسب بعض العلماء، استنتج بعض اليهود من الكلمات في اشعياء ٥٣:٤ ان المسيَّا سيكون ابرص. ويطبِّق التلمود البابلي هذه الآية على المسيَّا ويدعوه «العالِم الابرص». وتعكس ترجمة دواي الكاثوليكية (بالانكليزية) كلمات الڤولڠات اللاتينية وتنقل هذا العدد الى: «حسبناه ذا برص».
[الجدول في الصفحة ٢١٢]
عبد يهوه
كيف تمَّم يسوع الدور
النبوة
الحادثة
الإتمام
ارتقى وتسامى
اعمال ٢:٣٤-٣٦؛ فيلبي ٢:٨-١١؛ ١ بطرس ٣:٢٢
شُوِّهت صورته وسمعته
متى ١١:١٩؛ ٢٧:٣٩-٤٤، ٦٣، ٦٤؛ يوحنا ٨:٤٨؛ ١٠:٢٠
أذهل امما عديدة
متى ٢٤:٣٠؛ ٢ تسالونيكي ١:٦-١٠؛ كشف ١:٧
لا يؤمَن به
يوحنا ١٢:٣٧، ٣٨؛ روما ١٠:١١، ١٦، ١٧
بداية بشرية متواضعة وبسيطة
محتقَر ومرفوض
متى ٢٦:٦٧؛ لوقا ٢٣:١٨-٢٥؛ يوحنا ١:١٠، ١١
حملَ امراضنا
متى ٨:١٦، ١٧؛ لوقا ٨:٤٣-٤٨
طُعن
تألم من اجل آثام الآخرين
صمت ولم يتذمر امام متَّهِميه
متى ٢٧:١١-١٤؛ مرقس ١٤:٦٠، ٦١؛ اعمال ٨:٣٢، ٣٥
حوكِم وأُدين ظلما
متى ٢٦:٥٧-٦٨؛ ٢٧:١، ٢، ١١-٢٦؛ يوحنا ١٨:١٢-١٤، ١٩-٢٤، ٢٨-٤٠
دُفن مع غني
متى ٢٧:٥٧-٦٠؛ يوحنا ١٩:٣٨-٤٢
جُعلت نفسه ذبيحة اثم
فسحَ المجال امام كثيرين ليحرزوا موقفا بارا
روما ٥:١٨، ١٩؛ ١ بطرس ٢:٢٤؛ كشف ٧:١٤
أُحصي مع اثمة
متى ٢٦:٥٥، ٥٦؛ ٢٧:٣٨؛ لوقا ٢٢:٣٦، ٣٧
[الصورة في الصفحة ٢٠٣]
‹احتقره الناس›
[الصورة في الصفحة ٢٠٦]
«لم يفتح فاه»
[مصدر الصورة]
جزء من لوحة «هوذا الانسان» بريشة انطونيو تشيسَري
[الصورة في الصفحة ٢١١]
«سكب للموت نفسه»
-
-
العاقر تبتهجنبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل الخامس عشر
العاقر تبتهج
١ لماذا ارادت سارة كثيرا ان تنجب اولادا، وماذا كان اختبارها في هذا الشأن؟
ارادت سارة كثيرا ان تنجب اولادا. لكنها كانت عاقرا، وهذا ما آلمها للغاية. كان العقم في ايامها يُعتبر عارا، ولكن ليس هذا وحده ما آلم سارة. فكانت تتوق الى رؤية وعد اللّٰه لزوجها يتم. فقد وُعد ابراهيم ان ينجب نسلا يكون بركة لجميع قبائل الارض. (تكوين ١٢:١-٣) ولكن بعد عقود من قطع اللّٰه لهذا الوعد، لم يولد لهما ابن. وشاخت سارة دون اولاد. وربما تساءلت في بعض الاحيان هل تذهب آمالها ادراج الرياح. ولكن، في احد الايام، تحوَّل يأسها الى فرح!
٢ لماذا ينبغي ان تهمَّنا النبوة المسجلة في اشعياء الاصحاح ٥٤؟
٢ تساعدنا مشكلة سارة ان نفهم النبوة المسجلة في اشعياء الاصحاح ٥٤. فهناك تُخاطَب اورشليم كما لو انها امرأة عاقر تتهلل فرحا لأنه صار عندها اولاد كثيرون. ويعرب يهوه عن رقة شعوره نحو شعبه القديم بتشبيههم جماعيا بزوجة له. ويساعدنا هذا الاصحاح من سفر اشعياء على كشف جانب مهم مما يدعوه الكتاب المقدس ‹سرًّا مقدسا›. (روما ١٦:٢٥، ٢٦) وهوية هذه ‹المرأة›، بالاضافة الى الامور التي تنبئ هذه النبوة بأنها ستحدث لها، تلقي ضوءا ساطعا على العبادة النقية اليوم.
تحديد هوية ‹المرأة›
٣ لأيّ سبب ستفرح ‹المرأة› العاقر؟
٣ يُستهل الاصحاح ٥٤ بانطباع سعيد: «ترنمي ايتها العاقر التي لم تلد اشيدي بالترنم ايتها التي لم تمخض لأن بني المستوحشة اكثر من بني ذات البعل قال الرب». (اشعياء ٥٤:١) كم كان اشعيا سعيدا دون شك وهو يتفوَّه بهذه الكلمات! ويا للتعزية التي يجلبها اتمامها لليهود المسبيين في بابل! ففي ذلك الوقت ستكون اورشليم خربة بعد. ومن وجهة النظر البشرية، سيبدو انه لا امل في ان تُسكن من جديد، كما ان العاقر لا تأمل عادةً ان تنجب اولادا في شيخوختها. ولكن تنتظر هذه ‹المرأة› بركة كبيرة في المستقبل، لأنه سيصير عندها نسل. وأورشليم ستطير فرحا. فسيكثر فيها ‹البنون›، او السكان.
٤ (أ) كيف يوضح لنا الرسول بولس ان الاصحاح ٥٤ من اشعياء له اتمام اعظم من اتمامه في سنة ٥٣٧ قم؟ (ب) ما هي «اورشليم العليا»؟
٤ يَخفى على اشعيا ان لهذه النبوة اكثر من اتمام. فالرسول بولس يقتبس من اشعياء الاصحاح ٥٤ ويوضح ان ‹المرأة› تشير الى شيء اهم بكثير من مدينة اورشليم الارضية. يكتب: «أما أورشليم العليا فهي حرة، وهي أمنا». (غلاطية ٤:٢٦) فما هي «اورشليم العليا» هذه؟ من الواضح انها ليست مدينة اورشليم في ارض الموعد. فتلك المدينة ارضية، وليست «عليا» في الحيّز السماوي. ان «اورشليم العليا» هي «امرأة» اللّٰه السماوية، هيئته المؤلفة من مخلوقات روحانية جبارة.
٥ في الرواية النبوية الموجزة في غلاطية ٤:٢٢-٣١، مَن يمثِّل (أ) ابراهيم؟ (ب) سارة؟ (ج) اسحاق؟ (د) هاجر؟ (ه) اسماعيل؟
٥ ولكن كيف يكون ليهوه امرأتان رمزيتان — الواحدة سماوية والاخرى ارضية؟ هل ثمة تضارب في ذلك؟ كلا! فالرسول بولس يُظهر ان الجواب يكمن في النموذج النبوي لعائلة ابراهيم. (غلاطية ٤:٢٢-٣١؛ انظروا «عائلة ابراهيم — نموذج نبوي» في الصفحة ٢١٨.) تمثِّل سارة، «الحرة» وزوجة ابراهيم، هيئة يهوه المشبَّهة بزوجة والمؤلفة من مخلوقات روحانية. أما هاجر، سرية ابراهيم، فتمثِّل اورشليم الارضية.
٦ بأيّ معنى مرَّت هيئة اللّٰه السماوية بفترة طويلة من العقم؟
٦ بالنظر الى هذه الخلفية، نبتدئ بفهم المغزى العميق لإشعياء ٥٤:١. فبعد عشرات السنين من العقم، انجبت سارة اسحاق عندما كانت في الـ ٩٠ من العمر. وكذلك مرَّت هيئة يهوه السماوية بمرحلة طويلة من العقم. فمن ايام جنة عدن، وعد يهوه بأن تنتج هذه «المرأة» ‹النسل›. (تكوين ٣:١٥) وبعد اكثر من ٠٠٠,٢ سنة، قطع يهوه عهده مع ابراهيم بشأن نسل الموعد. ولكن كان على «امرأة» اللّٰه السماوية ان تنتظر ايضا قرونا كثيرة قبل ان تنتج هذا النسل. وفي النهاية صار لهذه «العاقر» اولاد اكثر من اولاد اسرائيل الجسدي. ويساعدنا ايضاح المرأة العاقر ان نرى لماذا تاق الملائكة جدا الى رؤية مجيء النسل الموعود به. (١ بطرس ١:١٢) فمتى حدث ذلك اخيرا؟
٧ في اية مناسبة ابتهجت «اورشليم العليا»، كما انبأت اشعياء ٥٤:١، ولماذا تجيبون كذلك؟
٧ دون شك كانت ولادة يسوع كإنسان مناسبة ليبتهج الملائكة. (لوقا ٢:٩-١٤) ولكن ليس هذا ما أُنبئ به في اشعياء ٥٤:١. فيسوع لم يصر ابنا روحيا ‹لأورشليم العليا› إلا عندما وُلد من الروح القدس في سنة ٢٩ بم، حين اعترف به اللّٰه نفسه بصفته ‹ابنه الحبيب›. (مرقس ١:١٠، ١١؛ عبرانيين ١:٥؛ ٥:٤، ٥) وكان في ذلك الوقت ان ابتهجت «امرأة» اللّٰه السماوية، اتماما لاشعياء ٥٤:١. لقد انتجت اخيرا نسل الموعد، المسيَّا! وانتهى عقمها الذي دام قرونا. لكنَّ ابتهاجها لم ينتهِ هنا.
للعاقر اولاد كثيرون
٨ لماذا ابتهجت «امرأة» اللّٰه السماوية بعدما انتجت نسل الموعد؟
٨ بعد موت يسوع وقيامته، ابتهجت «امرأة» اللّٰه السماوية حين استقبلت هذا الابن العزيز ‹بكرا من الاموات›. (كولوسي ١:١٨) وبعد ذلك بدأت تنتج بنين روحيين اكثر. ففي يوم الخمسين سنة ٣٣ بم، مُسح نحو ١٢٠ شخصا من أتباع يسوع بالروح القدس، وهكذا جرى تبنِّيهم كورثة مع المسيح. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم أُضيف ٠٠٠,٣ شخص. (يوحنا ١:١٢؛ اعمال ١:١٣-١٥؛ ٢:١-٤، ٤١؛ روما ٨:١٤-١٦) واستمرت هذه المجموعة من البنين بالازدياد. وخلال القرون الباكرة للارتداد في العالم المسيحي، كان الازدياد بطيئا جدا. لكنَّ الوضع تغيَّر في القرن الـ ٢٠.
٩، ١٠ ماذا يعني الامر «اوسعي مكان خيمتك» لامرأة تعيش في الخِيَم في الماضي، ولماذا هذه مناسبة مفرحة لتلك المرأة؟
٩ ويمضي اشعيا متنبئا عن فترة نمو كبير: «اوسعي مكان خيمتك ولتُبسط شُقَق مساكنك. لا تمسكي. اطيلي اطنابك وشددي اوتادك. لأنك تمتدين الى اليمين وإلى اليسار ويرث نسلك امما ويُعمِر مدنا خربة. لا تخافي لأنك لا تخزين. ولا تخجلي لأنك لا تستحين. فإنك تنسين خزي صباك وعار ترمُّلك لا تذكرينه بعد». — اشعياء ٥٤:٢-٤.
١٠ تخاطَب اورشليم هنا كما لو انها زوجة وأمّ تعيش في خِيَم، مثل سارة. عندما تُبارَك الامّ بعائلة اكبر، تحرص على توسيع بيتها. فهي بحاجة الى شقق (قطع قماش خِيَم) اكبر وأطناب (حبال) اطول، ويلزمها ان تثبِّت الاوتاد في اماكن جديدة. يولّد هذا العمل في نفسها السعادة، ومن السهل في فترة انشغالها ان تنسى سنوات الهمّ التي قضتها تتساءل: هل يأتي يوم تنجب فيه اولادا يحملون اسم العائلة؟
١١ (أ) كيف تَباركت «امرأة» اللّٰه السماوية سنة ١٩١٤؟ (انظروا الحاشية.) (ب) اية بركة شهدها الممسوحون على الارض من سنة ١٩١٩ فصاعدا؟
١١ بوركت اورشليم الارضية بزمن تجديد بعد السبي البابلي. وتَباركت «اورشليم العليا» ببركة اكبر ايضا.a فخصوصا منذ سنة ١٩١٩، ازدهر ‹نسلها› الممسوح في حالتهم الروحية المستردَّة حديثا. (اشعياء ٦١:٤؛ ٦٦:٨) و ‹ورثوا الامم› بمعنى انهم انتشروا في بلدان كثيرة بحثا عن جميع الذين ينضمون الى عائلتهم الروحية. وبسبب ذلك شهد تجميع البنين الممسوحين نموًّا هائلا. ويبدو ان عددهم الختامي، ٠٠٠,١٤٤، كمل في وقت ما من اواسط ثلاثينات القرن العشرين. (كشف ١٤:٣) ومنذ ذلك الوقت لم يعد العمل الكرازي يركّز على تجميع الممسوحين، إلا ان التوسُّع لم ينتهِ بتجميعهم.
١٢ بالاضافة الى الممسوحين، مَن أُتي بهم الى الجماعة المسيحية منذ ثلاثينات القرن العشرين؟
١٢ انبأ يسوع نفسه بأن له ‹خرافا اخر› غير «القطيع الصغير» المؤلف من اخوته الممسوحين، ويجب ان يأتي بهؤلاء الخراف الى حظيرة المسيحيين الحقيقيين. (لوقا ١٢:٣٢؛ يوحنا ١٠:١٦) ومع ان هؤلاء الرفقاء الامناء للممسوحين ليسوا من بني «اورشليم العليا» الممسوحين، فهم يؤدّون دورا هاما أُنبئ به منذ زمن طويل. (زكريا ٨:٢٣) ومن ثلاثينات القرن العشرين يُجمع «جمع كثير» منهم، وهذا ما يجعل الجماعة المسيحية تتوسَّع بشكل لم يسبق له مثيل. (كشف ٧:٩، ١٠) واليوم تبلغ اعداد هذا الجمع الكثير في الواقع الملايين. وبسبب هذا التوسُّع تنشأ حاجة ملحة الى بناء المزيد من قاعات الملكوت وقاعات المحافل ومجمَّعات الفروع. وهذا ما يجعل كلمات اشعيا مناسبة اكثر لأيامنا. فيا له من امتياز ان نكون جزءا من هذا التوسُّع المنبإ به!
أمّ تهتم لأمر نسلها
١٣، ١٤ (أ) ايّ شيء يَظهر صعب الفهم بشأن بعض التعابير الموجَّهة الى «امرأة» اللّٰه السماوية؟ (ب) ماذا نفهم من استخدام اللّٰه تشابيه تتعلق بالحياة العائلية؟
١٣ رأينا ان ‹المرأة› في الاتمام الاعظم للنبوة تمثِّل هيئة يهوه السماوية. ولكن بعد قراءة اشعياء ٥٤:٤، قد نتساءل كيف عانت هذه الهيئة من المخلوقات الروحانية الخزي او العار. وتقول الاعداد التالية ان «امرأة» اللّٰه ستُرذَل وتُذَل وتُهاجَم. حتى انها ستثير غضب اللّٰه. فكيف يمكن ان ينطبق ذلك على هيئة من مخلوقات روحانية كاملة لم تخطئ قط؟ يكمن الجواب في طبيعة العلاقات العائلية.
١٤ يستخدم يهوه العلاقات العائلية — بين الزوج والزوجة، بين الامّ وأولادها — ليُظهر حقائق روحية هامة، لأن لهذه العلاقات معنى عميقا عند البشر. وبصرف النظر عن الاوضاع العائلية التي نعيشها، نعرف على الارجح ماذا يجعل الزواج ناجحا او العلاقة بين الوالدين والاولاد طيبة. فما اروع هذا الاسلوب الذي يعلّمنا به يهوه انه تربطه بحشود خدامه الروحانيين علاقة حميمة وقوية قائمة على الثقة! وما اجمل هذه الطريقة التي يعلّمنا بها ان هيئته السماوية تهتم بنسلها الممسوح بالروح على الارض! فعندما يتألم الخدام البشر، يتألم ايضا الخدام السماويون الامناء، «اورشليم العليا». لذلك قال يسوع: «بمقدار ما فعلتم ذلك بأحد إخوتي [الممسوحين بالروح] هؤلاء الأصاغر، فبي فعلتم». — متى ٢٥:٤٠.
١٥، ١٦ ما هو الاتمام الاولي والاتمام الاعظم لإشعياء ٥٤:٥، ٦؟
١٥ لذلك لا يُستغرب ان يعكس الكثير مما يقال ‹لامرأة› يهوه السماوية اختبارات اولادها على الارض. تأملوا في هذه الكلمات: «لأن بعلك هو صانعك رب الجنود اسمه ووليك قدوس اسرائيل اله كل الارض يدعى. لأنه كامرأة مهجورة ومحزونة الروح دعاك الرب وكزوجة الصبا اذا رُذلَت قال الهك». — اشعياء ٥٤:٥، ٦.
١٦ مَن هي الزوجة المخاطَبة هنا؟ انها اورشليم في الاتمام الاولي، وهي تمثِّل شعب اللّٰه. فخلال سنوات السبي الـ ٧٠ في بابل، سيشعرون كما لو ان يهوه رذلهم وتركهم. وفي الاتمام الاعظم، تشير الكلمات الى «اورشليم العليا» وإنتاجها اخيرا ‹النسل› الذي يتمم التكوين ٣:١٥.
تأديب وقتي، بركات ابدية
١٧ (أ) كيف ستتعرَّض اورشليم الارضية ‹لفيضان› من الغضب الالهي؟ (ب) ايّ «فيضان» تعرَّض له ابناء «اورشليم العليا»؟
١٧ تمضي النبوة قائلة: «لحيظة تركتُكِ وبمراحم عظيمة سأجمعك. بفيضان الغضب حجبت وجهي عنك لحظة وبإحسان ابدي ارحمك قال وليك الرب». (اشعياء ٥٤:٧، ٨) يغمر اورشليم الارضية «فيضان» غضب اللّٰه حين تهاجمها القوات البابلية سنة ٦٠٧ قم. وقد تبدو ٧٠ سنة من السبي فترة طويلة. لكنَّ هذه المحن لا تدوم سوى «لحظة» مقارنةً بالبركات الابدية التي تنتظر مَن يتجاوبون بشكل ايجابي مع التأديب. وكذلك شعر بنو «اورشليم العليا» الممسوحون كما لو ان «فيضان» السخط الالهي يغمرهم، وذلك عندما سمح يهوه بأن تهاجمهم العناصر السياسية بتحريض من بابل العظيمة. ولكن كم بدا هذا الاجراء التأديبي قصيرا بعد حين، بالمقارنة مع فترة البركات الروحية الطويلة التي تَلَته منذ سنة ١٩١٩!
١٨ ايّ مبدإ مهم نستشفُّه بشأن سخط يهوه على شعبه، وكيف يمكن ان يؤثر ذلك فينا شخصيا؟
١٨ تكشف هاتان الآيتان عن حقيقة هامة اخرى: سخط اللّٰه لا يستمر طويلا، أما رحمته فتدوم الى الابد. وهو يثور غضبا على الاثم المرتكَب، لكنَّ غضبه مضبوط في كل حين، ويوجد دائما قصد منه. وإذا قبلنا تأديب يهوه، لا يدوم غضبه سوى «لحظة»، ثم يخمد. وتحلّ محلّه «مراحم عظيمة» — غفرانه وإحسانه. وهذه المراحم تدوم ‹الى الابد›. لذلك يجب ألا نتردد ابدا، عندما نرتكب خطية، في التوبة والسعي الى اصلاح الوضع مع اللّٰه. وإذا كانت الخطية خطيرة، ينبغي ان نقترب من شيوخ الجماعة على الفور. (يعقوب ٥:١٤) صحيح انه قد يلزم تأديبنا، وقد يصعب علينا تقبُّله. (عبرانيين ١٢:١١) لكنه سيكون قصيرا اذا ما قورن بالبركات الابدية التي تأتي من نيل غفران يهوه اللّٰه!
١٩، ٢٠ (أ) ما هو عهد قوس قزح، وما علاقته بالمسبيين في بابل؟ (ب) ماذا يؤكد ‹عهد السلام› للمسيحيين الممسوحين اليوم؟
١٩ يطَمئن يهوه شعبه الآن بهذه الكلمات المعزية: «لأنه كمياه نُوح هذه لي. كما حلفتُ ان لا تعبر بعد مياه نُوح على الارض هكذا حلفت ان لا اغضب عليك ولا ازجرك. فإن الجبال تزول والآكام تتزعزع أما احساني فلا يزول عنك وعهد سلامي لا يتزعزع قال راحمك الرب». (اشعياء ٥٤:٩، ١٠) بعد الطوفان قطع اللّٰه عهدا — يدعى احيانا عهد قوس قزح — مع نوح وكل نفس حية. وبحسبه وعد يهوه بأنه لن يدمّر الارض بطوفان عالمي مرة اخرى. (تكوين ٩:٨-١٧) فماذا يعني ذلك لإشعيا وشعبه؟
٢٠ انهم يتعزَّون حين يعرفون ان العقاب الذي ينتظرهم — السبي ٧٠ سنة في بابل — لن يحدث إلا مرة واحدة. فعندما تمر هذه الفترة، لن تتكرر من جديد. وبعد مرورها يصير «عهد سلام» اللّٰه ساري المفعول. ان الكلمة العبرانية المترجمة «سلام» لا تعني فقط عدم وجود حرب، بل ايضا الخير في كل اوجهه. وهذا العهد دائم من طرف اللّٰه. وزوال التلال والجبال اهون من زوال احسان اللّٰه نحو شعبه الامين. ولكن من المؤسف ان امته الارضية لن تلتزم في النهاية بالشروط المطلوبة منها في هذا العهد، بل ستخرب سلامها برفضها المسيَّا. أما بنو «اورشليم العليا» فلا يفعلون ذلك. فبعد انتهاء فترة تأديبهم الصعبة، كانوا على يقين من انهم يتمتعون بالحماية الالهية.
الامن الروحي لشعب اللّٰه
٢١، ٢٢ (أ) لماذا يقال ان «اورشليم العليا» ذليلة ومضطربة؟ (ب) ماذا تعني البركة التي تنعم بها «امرأة» اللّٰه السماوية في ما يتعلق ‹بنسلها› على الارض؟
٢١ بعد ذلك ينبئ يهوه بأن شعبه الامين سيعيش في امن: «ايتها الذليلة المضطربة غير المتعزية هأنذا ابني بالاثمد حجارتك وبالياقوت الازرق اؤسسك وأجعل شُرَفك ياقوتا وأبوابك حجارة بَهْرَمانية وكل تخومك حجارة كريمة وكل بنيك تلاميذ الرب [«يكونون متعلِّمين من يهوه»، عج] وسلام بنيك كثيرا. بالبر تُثبَّتين بعيدة عن الظلم فلا تخافين وعن الارتعاب فلا يدنو منك. ها انهم يجتمعون اجتماعا [«إن هُجم عليك»، يج] ليس من عندي. مَن اجتمع عليك فإليك يسقط». — اشعياء ٥٤:١١-١٥.
٢٢ طبعا، لم تتعرض «امرأة» يهوه في الحيِّز الروحي للإذلال والاضطراب بشكل مباشر. لكنها تألمت حين تألم ‹نسلها› الممسوح على الارض، وخصوصا حينما كانوا في الاسر الروحي خلال الفترة ١٩١٨-١٩١٩. ولكن عندما يحدث عكس ذلك، اي عندما تبتهج ‹المرأة› السماوية، فهذا يعني ان حالةً مماثلة تسود بين نسلها. تأملوا في الوصف البهيج ‹لأورشليم العليا›. فالحجارة الكريمة على الابواب، «الاثمد» الكثير الثمن، الاساسات، حتى التخوم تشير كما يقول احد المراجع الى «الجمال، العظمة، النقاوة، القوة، والصلابة». فماذا يجعل المسيحيين الممسوحين ينعمون بهذا الامن وهذه البركة؟
٢٣ (أ) كيف يؤثر ‹التعلُّم من يهوه› في المسيحيين الممسوحين في الايام الاخيرة؟ (ب) بأيّ معنى تَبارَك شعب اللّٰه ‹بتخوم من حجارة كريمة›؟
٢٣ نجد الجواب في العدد ١٣ من الاصحاح ٥٤: سيكون الجميع «متعلِّمين من يهوه». ويسوع نفسه طبَّق كلمات هذه الآية على أتباعه الممسوحين. (يوحنا ٦:٤٥) وأنبأ النبي دانيال انه خلال «وقت النهاية» هذا، سيبارَك الممسوحون بوفرة من المعرفة الحقيقية والبصيرة الروحية. (دانيال ١٢:٣، ٤) وقد مكَّنتهم هذه البصيرة من الشروع في اعظم حملة تعليمية في التاريخ، اذ نشروا التعليم الالهي في كل الارض. (متى ٢٤:١٤) وفي الوقت نفسه، ساعدتهم هذه البصيرة على رؤية الفرق بين الدين الحقيقي والباطل. فإشعياء ٥٤:١٢ تتحدث عن ‹تخوم من حجارة كريمة›. ومنذ سنة ١٩١٩، يمنح يهوه الممسوحين فهما اوضح للتخوم — الحدود الروحية — التي تفصلهم عن الدين الباطل والفجور في العالم. (حزقيال ٤٤:٢٣؛ يوحنا ١٧:١٤؛ يعقوب ١:٢٧) وهكذا ينفرزون بصفتهم شعب اللّٰه الخاص. — ١ بطرس ٢:٩.
٢٤ كيف نتأكد اننا نتعلم من يهوه؟
٢٤ لذلك يحسن بكل واحد منا ان يسأل نفسه: ‹هل انا متعلم من يهوه؟›. نحن لا نحصل على هذا التعليم بطريقة تلقائية، بل يجب ان نبذل الجهد. فإذا قرأنا كلمة اللّٰه بانتظام وتأملنا فيها، وفهمنا الارشاد بقراءة المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس التي ينشرها «العبد الامين الفطين» والاستعداد للاجتماعات المسيحية وحضورها، نكون عندئذ متعلِّمين من يهوه. (متى ٢٤:٤٥-٤٧) وإذا جاهدنا لنطبِّق ما نتعلَّمه وبقينا مستيقظين وساهرين روحيا، فسيفرزنا التعليم الالهي من الناس الآخرين في هذا العالم العديم الايمان. (١ بطرس ٥:٨، ٩) والأهم من ذلك انه سيساعدنا على ‹الاقتراب الى اللّٰه›. — يعقوب ١:٢٢-٢٥؛ ٤:٨.
٢٥ ماذا يعني وعد اللّٰه بالسلام لشعبه في الازمنة العصرية؟
٢٥ تُظهر نبوة اشعيا ايضا ان الممسوحين مبارَكون بسلام جزيل. ولكن هل يعني ذلك انهم لن يتعرَّضوا لأيّ هجوم؟ كلا، لكنَّ اللّٰه يعد بأنه لن يأمر بأيّ هجوم عليهم وكذلك لن يسمح لأيّ هجوم عليهم بأن ينجح. نقرأ: «هأنذا قد خلقت الحداد الذي ينفخ الفحم في النار ويُخرج آلة لعمله وأنا خلقت المهلك ليخرب. كل آلة صُوِّرت ضدكِ لا تنجح وكل لسان يقوم عليك في القضاء تحكمين عليه. هذا هو ميراث عبيد الرب وبرهم من عندي يقول الرب». — اشعياء ٥٤:١٦، ١٧.
٢٦ لماذا الادراك ان يهوه هو خالق كل البشر يمنح الطمأنينة؟
٢٦ للمرة الثانية في هذا الاصحاح من سفر اشعياء، يذكّر يهوه عبيده بأنه الخالق. فهو يقول قبلا لزوجته الرمزية انه هو ‹صانعها›. والآن يقول انه خالق كل البشر. يصف العدد ١٦ حدَّادا ينفخ الجمر في اتونه وهو يصنع اسلحة الهلاك، ويتحدث ايضا عن محارب — رجل «مهلك ليخرب». يكوِّن هذان الشخصان صورة مخيفة في ذهن الناس، ولكن ايّ امل لهما في التغلب على خالقهما؟! كذلك اليوم، حتى حين تهاجم اعظم قوى هذا العالم شعب يهوه، لن تتمكن ابدا من احراز النجاح. كيف؟
٢٧، ٢٨ ممَّ يمكننا ان نتيقن خلال هذه الازمنة الصعبة، ولماذا نحن نعرف ان هجمات الشيطان علينا لن تجدي نفعا؟
٢٧ لقد انقضت الفترة التي تعرَّض فيها شعب اللّٰه وعبادتهم بالروح والحق لهجوم مدمِّر. (يوحنا ٤:٢٣، ٢٤) فقد سمح يهوه لبابل العظيمة ان تقوم بهجوم واحد نجحت فيه وقتيا. وللحيظة رأت «اورشليم العليا» نسلها يُبكَم تقريبا حين كاد العمل الكرازي على الارض يتوقف كليا. لكنَّ هذا لن يتكرر! فهي الآن تبتهج ببنيها لأنهم صاروا لا يُقهرون، بالمعنى الروحي. (يوحنا ١٦:٣٣؛ ١ يوحنا ٥:٤) صحيح ان آلات هجومية صُوِّرت ضدهم، وسيُصَّور المزيد منها ايضا. (كشف ١٢:١٧) لكنها لم ولن تنجح. فالشيطان لا يملك سلاحا يغلب ايمان الممسوحين ورفقائهم ويُخمِد غيرتهم المتَّقدة. فسلامهم الروحي «ميراث عبيد الرب»، ولن يتمكن احد من سلبهم اياه بالقوة. — مزمور ١١٨:٦؛ روما ٨:٣٨، ٣٩.
٢٨ لا، لن يتمكن عالم الشيطان من فعل ايّ شيء يوقف عمل عبيد اللّٰه المنتذرين ويقضي على عبادتهم النقية المستمرة. ويتعزَّى نسل «اورشليم العليا» الممسوح كثيرا بهذه الكلمات المطَمئنة. وكذلك يتعزَّى افراد الجمع الكثير. وكلما زادت معرفتنا عن هيئة يهوه السماوية وتعاملاته مع عبّاده على الارض، قوي ايماننا اكثر. وما دام ايماننا قويا، لن تنفع اسلحة الشيطان في الحرب الموجَّهة ضدنا!
[الحاشية]
a بحسب الكشف ١٢:١-١٧، بوركت «امرأة» اللّٰه كثيرا بولادتها ‹نسلا› فائق الاهمية — ليس ابنا روحانيا فرديا، بل الملكوت المسيَّاني في السماء. وحدثت هذه الولادة سنة ١٩١٤. (انظروا الرؤيا — ذروتها العظمى قريبة!، الصفحات ١٧٧-١٨٦.) أما نبوة اشعيا فتشدِّد على الفرح الذي تشعر به بسبب بركة اللّٰه على بنيها الممسوحين على الارض.
[الاطار في الصفحتين ٢١٨ و ٢١٩]
عائلة ابراهيم — نموذج نبوي
اوضح الرسول بولس ان عائلة ابراهيم هي رمز او نموذج نبوي للعلاقة التي تربط يهوه بهيئته السماوية وبأمة اسرائيل الارضية في ظل عهد الشريعة الموسوية. — غلاطية ٤:٢٢-٣١.
يمثِّل ابراهيم، كرأس للعائلة، يهوه اللّٰه. واستعداد ابراهيم لتقديم ابنه العزيز اسحاق ذبيحة يناظر استعداد يهوه لتقديم ابنه الحبيب ذبيحة عن خطايا الجنس البشري. — تكوين ٢٢:١-١٣؛ يوحنا ٣:١٦.
تمثِّل سارة «زوجة» اللّٰه السماوية، هيئته المؤلفة من كائنات روحانية. وحسنا توصف هذه الهيئة السماوية بزوجة يهوه بسبب عشرتها اللصيقة له، خضوعها لرئاسته، وتعاونها الكامل في اتمام مقاصده. وتدعى ايضا «اورشليم العليا». (غلاطية ٤:٢٦) وتُذكر «المرأة» نفسها في التكوين ٣:١٥ وتوصف في احدى الرؤى في الكشف ١٢:١-٦، ١٣-١٧.
يرمز اسحاق الى النسل الروحي لامرأة اللّٰه. وهذا النسل هو يسوع المسيح بشكل رئيسي. ولكن صار هذا النسل يشمل ايضا اخوة المسيح الممسوحين، الذين جرى تبنِّيهم كأبناء روحيين وصاروا ورثة مع المسيح. — روما ٨:١٥-١٧؛ غلاطية ٣:١٦، ٢٩.
كانت هاجر سرية لإبراهيم. وهي تمثِّل اورشليم الارضية حيث كانت الشريعة الموسوية مفروضة، مشهِّرةً كل أتباعها كعبيد للخطية والموت. وقال بولس ان «هاجر هذه تمثل سيناء، جبل في بلاد العرب»، لأن عهد الشريعة تأسس هناك. — غلاطية ٣:١٠، ١٣؛ ٤:٢٥.
يمثِّل اسماعيل، ابن هاجر، اليهود في القرن الاول، ابناء اورشليم الذين بقوا مستعبَدين للشريعة الموسوية. وكما اضطهد اسماعيل اسحاق، كذلك اضطهد هؤلاء اليهود المسيحيين الذين كانوا ابناء ممسوحين لسارة الرمزية، «اورشليم العليا». وكما ان ابراهيم طرد هاجر وإسماعيل، كذلك تخلى يهوه في النهاية عن اورشليم وأبنائها المتمردين. — متى ٢٣:٣٧، ٣٨.
[الصورة في الصفحة ٢٢٠]
مُسح يسوع بعد معموديته بالروح القدس، وبدأ عندئذ اهم اتمام لإشعياء ٥٤:١
[الصورة في الصفحة ٢٢٥]
حجب يهوه وجهه عن اورشليم «لحظة» فقط
[الصورتان في الصفحة ٢٣١]
هل يمكن ان يتغلب محارب وحدَّاد على خالقهما؟
-
-
رسالة امل للاسرى الحزانىنبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل السادس عشر
رسالة امل للاسرى الحزانى
١ صفوا حالة اليهود الاسرى في بابل.
كانت فترةً حالكة من تاريخ يهوذا. فقد كان شعب عهد اللّٰه يذوي في بابل بعدما أُجبروا على مغادرة ارضهم مسبيِّين. صحيح انهم أُعطوا قدرا من الحرية ليهتموا بشؤونهم اليومية. (ارميا ٢٩:٤-٧) حتى ان البعض احترفوا مهنًا او انخرطوا في اعمال تجارية.a (نحميا ٣:٨، ٣١، ٣٢) لكنَّ الحياة لم تكن سهلة بالنسبة الى الاسرى اليهود. فقد كانوا في عبودية، عبودية حرفية وروحية على السواء. فلنرَ كيف.
٢، ٣ كيف اثَّر السبي في عبادة اليهود ليهوه؟
٢ عندما دمرت الجيوش البابلية اورشليم سنة ٦٠٧ قم، لم يقضوا على امة وحسب، بل وجَّهوا ضربة قاسية ايضا الى العبادة الحقة. فقد أفرغوا هيكل يهوه من محتوياته ودمروه، وشلّوا ترتيب الكهنوت بأسر بعض ابناء سبط لاوي وقتل آخرين. وبعدم وجود بيت للعبادة ومذبح وكهنوت منظم، استحال على اليهود ان يقدموا ذبائح للاله الحقيقي كما امرت الشريعة.
٣ كان بإمكان اليهود الامناء ان يحافظوا على هويتهم الدينية بممارسة الختان واتِّباع الشريعة الى الحد الممكن. مثلا، كان بإمكانهم الامتناع عن الاطعمة المحرمة وحفظ السبت. ولكنهم بذلك كانوا يعرِّضون انفسهم لهزء آسريهم، لأن البابليين اعتبروا الشعائر اليهودية سخيفة. ويمكن ان تُرى حالة الحزن التي عاشها المسبيون في كلمات صاحب المزمور التالية: «على انهار بابل هناك جلسنا. بكينا ايضا عندما تذكرنا صهيون. على الصفصاف في وسطها علَّقنا اعوادنا. لأنه هناك سألَنا الذين سبونا كلام ترنيمة ومعذِّبونا [«والساخرون منا»، عج] سألونا فرحا قائلين رنِّموا لنا من ترنيمات صهيون». — مزمور ١٣٧:١-٣.
٤ لماذا لا جدوى من ان يعتمد اليهود على الامم الاخرى لينقذوهم، ولكن الى مَن يمكن ان يلتفتوا لنيل المساعدة؟
٤ فإلى مَن يمكن ان يلتفت الاسرى اليهود طلبا للتعزية؟ من اين سيأتي خلاصهم؟ ليس طبعا من اية من الامم المحيطة! فكلها وقفت عاجزة امام الجيوش البابلية، وكثير منها كان معاديا لليهود. لكنَّ الوضع ليس ميؤوسا منه. فيهوه، الذي تمرَّدوا عليه حين كانوا شعبا حرًّا، وجَّه اليهم برحمة دعوة مشجعة مع انهم كانوا مسبيين.
«هلموا الى المياه»
٥ ما هو معنى الكلمات «هلموا الى المياه»؟
٥ بواسطة اشعيا، يتكلم يهوه نبويا الى الاسرى اليهود في بابل: «ايها العطاش جميعا هلموا الى المياه والذي ليس له فضة تعالوا اشتروا وكلوا هلموا اشتروا بلا فضة وبلا ثمن خمرا ولبنا». (اشعياء ٥٥:١) هذه الكلمات غنية بالرموز. تأملوا مثلا في الدعوة: «هلموا الى المياه». ان الحياة بدون ماء مستحيلة. فبدون هذا السائل الثمين، لا يعيش البشر اكثر من اسبوع. لذلك كان ملائما ان يستخدم يهوه الماء كاستعارة ليعبِّر عن التأثير الذي سيكون لكلماته في الاسرى اليهود. فرسالته ستنعشهم كماء بارد في يوم حار. وسترفعهم من حالة يأسهم، اذ تروي عطشهم الى الحق والبر. وستفجِّر في انفسهم امل التحرُّر من الاسر. ولكن، لكي يستفيد الاسرى اليهود، عليهم ان يَنْهَلوا من رسالة اللّٰه وينتبهوا لها ويعملوا بحسب ما تأمر به.
٦ كيف سيستفيد اليهود اذا اشتروا «خمرا ولبنا»؟
٦ ان يهوه يقدِّم ايضا «خمرا ولبنا». يقوِّي اللبن (الحليب) الاجسام الفتية ويساعد الاولاد على النمو. وبشكل مماثل، ستقوِّي كلمات يهوه شعبه روحيا وتمكِّنهم من توطيد علاقتهم به. وماذا عن الخمر؟ غالبا ما يُستخدم الخمر في الاحتفالات. ويرتبط في الكتاب المقدس بالازدهار والفرح. (مزمور ١٠٤:١٥) وعندما يقول يهوه لشعبه ان ‹يشتروا خمرا›، يؤكد لهم ان الرجوع من كل القلب الى العبادة الحقة لن يجعلهم ‹الا فرحين›. — تثنية ١٦:١٥؛ مزمور ١٩:٨؛ امثال ١٠:٢٢.
٧ لماذا رأفة يهوه حيال المسبيين لافتة للنظر، وماذا يعلِّمنا ذلك عنه؟
٧ ما ارحم يهوه حين يعرض انعاشا روحيا كهذا على اليهود المسبيين! وتصير رأفته لافتة اكثر للنظر حين نتذكر تاريخ اليهود المتسم بالعصيان والتمرد. لا تعني مبادرة يهوه انهم يستحقون رضاه. لكنَّ المرنم الملهم داود كتب قبل قرون: «الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة. لا يحاكم الى الابد ولا يحقد الى الدهر». (مزمور ١٠٣:٨، ٩) فيهوه لا يقطع علاقته بشعبه، بل يقوم بالخطوة الاولى نحو المصالحة. انه فعلا اله «يُسر بالرأفة». — ميخا ٧:١٨.
ثقة في غير محلها
٨ بمَن وثق كثيرون من اليهود، ورغم ايّ تحذير؟
٨ حتى هذا الوقت ليس عند يهود كثيرين ملء الثقة بأن يهوه سيجلب الخلاص. فقبل سقوط اورشليم، مثلا، اعتمد حكامها على دعم الامم القوية، ممارسين الزنا، اذا جاز التعبير، مع مصر وبابل على السواء. (حزقيال ١٦:٢٦-٢٩؛ ٢٣:١٤) لذلك كان ارميا محقا حين حذرهم قائلا: «ملعون الرجل الذي يتكل على الانسان ويجعل البشر ذراعه وعن الرب يحيد قلبه». (ارميا ١٧:٥) ولكن هذا تماما ما فعله شعب اللّٰه!
٩ كيف ربما يزِن يهود كثيرون «فضة لغير خبز»؟
٩ وها هم الآن مستعبَدون لإحدى الامم التي اتكلوا عليها. فهل تعلَّموا درسا من ذلك؟ ربما لم يتعلم كثيرون، لأن يهوه يسأل: «لماذا تزِنون فضة لغير خبز وتعبكم لغير شبع». (اشعياء ٥٥:٢ أ) اذا كان اليهود الاسرى يتكلون على احد غير يهوه، فهم «يزِنون فضة لغير خبز». فمن المؤكد ان بابل لن تطلق سراحهم لأن سياستها لا تجيز عودة الاسرى الى ارضهم. نعم، ليس لدى بابل، بنزعتها الاستعمارية والتجارية وعبادتها الباطلة، ما تقدِّمه لليهود المسبيين.
١٠ (أ) كيف سيكافئ يهوه اليهود المسبيين اذا استمعوا له؟ (ب) ايّ عهد كان يهوه قد قطعه مع داود؟
١٠ يناشد يهوه شعبه: «استمعوا لي استماعا وكلوا الطيِّب ولتتلذذ بالدسم انفسكم. اميلوا آذانكم وهلموا اليَّ. اسمعوا فتحيا انفسكم وأقطع لكم عهدا ابديا مراحم داود الصادقة». (اشعياء ٥٥:٢ب، ٣) فيهوه، الذي يتكلم اليهم الآن نبويا من خلال اشعيا، هو الامل الوحيد لهؤلاء الذين يعانون سوء تغذية روحيا. وحياتهم تعتمد على استماعهم لرسالة اللّٰه، لأنه يقول ان ‹انفسهم تحيا› اذا سمعوا. ولكن ما هو ‹العهد الابدي› الذي سيقطعه يهوه مع الذين يتجاوبون مع كلامه؟ يتعلق هذا العهد بـ «مراحم داود الصادقة». وقبل قرون، وعد يهوه داود ان كرسيه سيصير «ثابتا الى الابد». (٢ صموئيل ٧:١٦) وهكذا يرتبط ‹العهد الابدي› المذكور هنا بالحكم.
وارث دائم لمملكة ابدية
١١ لماذا ربما يبدو اتمام وعد اللّٰه لداود مستحيلا في اعين المسبيين في بابل؟
١١ لا يُنكر ان فكرة تسلُّم فرد من سلالة داود زمام الحكم ربما تبدو مستحيلة في اعين اليهود المسبيين. فقد خسروا ارضهم، حتى انهم خسروا هويتهم كأمة! ولكنّ هذا امر وقتي. فيهوه لم ينسَ عهده مع داود. وقصْد اللّٰه بشأن مملكة ابدية من سلالة داود سينجح دون شك، مهما بدا الامر مستحيلا عند البشر. ولكن كيف ومتى؟ في سنة ٥٣٧ قم، يطلق يهوه شعبه من الاسر البابلي ويردّهم الى ارضهم. فهل يؤدي ذلك الى تأسيس مملكة ابدية؟ كلا، لأنهم يبقون خاضعين لإمبراطورية وثنية اخرى: مادي وفارس. و «الازمنة المعينة» لحكم الامم لم تنتهِ بعد. (لوقا ٢١:٢٤) وبعدم وجود ملك في اسرائيل، سيبقى وعد يهوه لداود غير متمَّم طوال قرون.
١٢ اية خطوة قام بها يهوه لإتمام عهد الملكوت الذي قطعه مع داود؟
١٢ بعد اكثر من ٥٠٠ سنة من اطلاق اسرائيل من الاسر البابلي، قام يهوه بخطوة كبيرة نحو اتمام عهد الملكوت عندما نقل حياة ابنه البكر، اول اعماله الخلقية، من المجد السماوي الى رحم العذراء اليهودية مريم. (كولوسي ١:١٥-١٧) قال ملاك يهوه لمريم وهو يخبرها بذلك: «هذا يكون عظيما ويدعى ابن العلي؛ ويعطيه يهوه اللّٰه عرش داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لمملكته نهاية». (لوقا ١:٣٢، ٣٣) لذلك وُلد يسوع في سلالة داود الملكية وورث الحق في الحكم. وعند تتويجه ملكا، كان سيحكم «الى الابد». (اشعياء ٩:٧؛ دانيال ٧:١٤) وبهذه الطريقة فُتح الطريق الآن ليتم وعد يهوه، الذي قُطع قبل قرون، بإعطاء الملك داود وارثا دائما.
‹آمر للشعوب›
١٣ كيف كان يسوع «شاهدا للشعوب» خلال خدمته وبعد صعوده على السواء؟
١٣ ماذا سيفعل هذا الملك المستقبلي؟ يقول يهوه: «هاءنذا جعلته للشعوب شاهدا للشعوب قائدا وآمرا». (اشعيا ٥٥:٤، يج) عندما كبر يسوع، صار ممثِّل يهوه على الارض، شاهد اللّٰه للامم. صحيح ان خدمته خلال حياته البشرية كانت موجَّهة الى «خراف بيت اسرائيل الضائعة»، ولكن قُبيل صعوده الى السماء قال لأتباعه: «اذهبوا وتلمذوا أناسا من جميع الأمم . . . وها أنا معكم كل الأيام إلى اختتام نظام الأشياء». (متى ١٠:٥، ٦؛ ١٥:٢٤؛ ٢٨:١٩، ٢٠) وهكذا، في الوقت المعين، وصلت رسالة الملكوت الى غير اليهود، وشارك بعضهم في اتمام العهد الذي قُطع مع داود. (اعمال ١٣:٤٦) وبهذه الطريقة بقي يسوع، حتى بعد موته وقيامته وصعوده الى السماء، ‹شاهد يهوه للشعوب›.
١٤، ١٥ (أ) كيف برهن يسوع انه ‹قائد وآمر›؟ (ب) ماذا كان رجاء أتباع يسوع في القرن الاول؟
١٤ لزم ان يكون يسوع ايضا «قائدا وآمرا». وطبقا لهذا الوصف النبوي، قبِل يسوع، عندما كان على الارض، كل مسؤوليات رئاسته وأخَذ القيادة، جاذبا جموعا ضخمة ومعلِّما اياهم كلام الحق ومشيرا الى فوائد اتِّباع رئاسته. (متى ٤:٢٤؛ ٧:٢٨، ٢٩؛ ١١:٥) ودرَّب تلاميذه جيدا، معدًّا اياهم للحملة الكرازية التي تنتظرهم. (لوقا ١٠:١-١٢؛ اعمال ١:٨؛ كولوسي ١:٢٣) وفي ثلاث سنوات ونصف فقط، وضع يسوع الاساس لجماعة موحَّدة عالمية مؤلفة من آلاف الاعضاء من مختلف العروق! ولا احد غير ‹القائد والآمر› الحقيقي قادر على انجاز هذه المهمة الضخمة.b
١٥ ان الذين انضموا الى الجماعة المسيحية في القرن الاول كانوا ممسوحين بروح اللّٰه القدس، وكان رجاؤهم ان يحكموا مع يسوع في ملكوته السماوي. (كشف ١٤:١) لكنَّ نبوة اشعيا تمتد الى ما بعد ايام المسيحية الباكرة. فالادلة تُظهر ان يسوع المسيح لم يبدأ حكمه كملك ملكوت اللّٰه حتى سنة ١٩١٤. وبُعيد ذلك نشأت حالة بين المسيحيين الممسوحين على الارض كانت لها تناظرات كثيرة مع ما حدث لليهود المسبيين في القرن السادس قبل الميلاد. حتى انه يمكن القول ان ما حدث لهؤلاء المسيحيين يشكّل اتماما اعظم لنبوة اشعيا.
الاسر والاطلاق العصريان
١٦ اية شدَّة تلت تتويج يسوع سنة ١٩١٤؟
١٦ اتَّسم تتويج يسوع ملكا سنة ١٩١٤ بشدَّة عالمية لم يسبق لها مثيل. ولماذا؟ لأن يسوع، عندما ملكَ، طرد الشيطان والمخلوقات الروحانية الشريرة الاخرى من السماء. وعندما حُصرت تحركات الشيطان في الارض، بدأ يشن حربا على القديسين الباقين، بقية المسيحيين الممسوحين. (كشف ١٢:٧-١٢، ١٧) وأتت الذروة سنة ١٩١٨ عندما توقف العمل الكرازي العلني كاملا تقريبا وسُجن مسؤولون في جمعية برج المراقبة بتهمة باطلة هي التحريض على الفتنة. وبهذه الطريقة أُخذ خدام يهوه العصريون الى اسر روحي، الامر الذي يذكّر بالاسر الحرفي لليهود القدماء. وكان سيف التعيير مُصلَتا عليهم.
١٧ كيف تغيَّرت حالة الممسوحين سنة ١٩١٩، وكيف تقوَّوا آنذاك؟
١٧ لكنَّ حالة الاسر التي عاشها خدام اللّٰه الممسوحون لم تدم طويلا. ففي ٢٦ آذار (مارس) ١٩١٩، أُطلق سراح المسؤولين المسجونين، وبعد ذلك أُسقطت كل التهم الموجَّهة اليهم. وسكب يهوه روحه القدس على شعبه المحرَّر، مقوِّيا اياهم للعمل الذي ينتظرهم. فتجاوبوا بفرح مع الدعوة ان يأخذوا «ماء الحياة مجانا». (كشف ٢٢:١٧) لقد اشتروا «بلا فضة وبلا ثمن خمرا ولبنا»، وتقوَّوا روحيا استعدادا لتوسُّع مستقبلي رائع، توسُّع لم تتوقَّعه البقية الممسوحة.
جمع كثير يركض الى ممسوحي اللّٰه
١٨ من ايّ فريقين يتألف تلاميذ يسوع المسيح، وماذا يشكِّلان اليوم؟
١٨ يملك تلاميذ يسوع واحدا من هذين الرجاءين. اولا، جرى تجميع ‹قطيع صغير› من ٠٠٠,١٤٤ شخص — مسيحيين ممسوحين من خلفيات يهودية وأممية هم «اسرائيل اللّٰه»، ولهؤلاء رجاء الحكم مع يسوع في ملكوته السماوي. (لوقا ١٢:٣٢؛ غلاطية ٦:١٦؛ كشف ١٤:١) ثانيا، ظهر في الايام الاخيرة «جمع كثير» من ‹الخراف الاخر›. ويملك هؤلاء رجاء العيش الى الابد على ارض فردوسية. وقبل اندلاع الضيق العظيم، يشارك هذا الجمع — الذي لم يحدَّد عدد افراده مسبقا — القطيع الصغير في خدمته، ويشكِّل الفريقان كلاهما «رعية واحدة» تحت إمرة «راعٍ واحد». — كشف ٧:٩، ١٠؛ يوحنا ١٠:١٦.
١٩ كيف تجاوبت «امة»، لم يسبق لإسرائيل اللّٰه ان عرفها، مع دعوة هذه الامة الروحية؟
١٩ يمكن تبيُّن تجميع هذا الجمع الكثير في الكلمات التالية لنبوة اشعيا: «ها امة لا تعرفها تدعوها وأمة لم تعرفك تركض اليك من اجل الرب الهك وقدوس اسرائيل لأنه قد مجَّدك». (اشعياء ٥٥:٥) في السنوات التي تلت اطلاقهم من الاسر الروحي، لم تفهم البقية الممسوحة في البداية ان يهوه سيستخدمهم قبل هرمجدون لدعوة «امة» كبيرة الى عبادته. ولكن، على مر الوقت، بدأ كثيرون من مستقيمي القلوب، ممَّن لم يكن رجاؤهم سماويا، يعاشرون الممسوحين ويخدمون يهوه بنفس غيرة الممسوحين. فقد لاحظ هؤلاء الوافدون الجدد الحالة المجيدة لشعب اللّٰه، وأدركوا ان يهوه معهم. (زكريا ٨:٢٣) وفي ثلاثينات القرن العشرين، فهمت البقية الهوية الحقيقية لهذا الفريق الذي كانت اعداد افراده تتزايد في وسطهم. فأدركوا ان عمل تجميع عظيما يكمن امامهم. وكان الجمع الكثير «يركض» ليقترن بشعب عهد اللّٰه، وذلك لسبب وجيه.
٢٠ (أ) لماذا من الملح في ايامنا ان ‹نطلب يهوه›، وكيف يجري ذلك؟ (ب) كيف سيتجاوب يهوه مع الذين يطلبونه؟
٢٠ في ايام اشعيا خرجت الدعوة: «اطلبوا الرب ما دام يوجد ادعوه وهو قريب». (اشعياء ٥٥:٦) تصحُّ هذه الكلمات في ايامنا، سواء بالنسبة الى الذين يؤلفون اسرائيل اللّٰه او بالنسبة الى الجمع الكثير المتزايد عدده. لكنَّ بركة يهوه ليست غير مشروطة، ولا يبسط دعوته الى ما لا نهاية. فالآن هو الوقت لطلب رضى اللّٰه. لأنه عندما يحين الوقت المعين لدينونة يهوه، سيكون الاوان قد فات. لذلك يقول اشعيا: «ليترك الشرير طريقه ورجل الاثم افكاره وليتب [«وليرجع»، يج] الى الرب فيرحمه وإلى الهنا لأنه يكثر الغفران». — اشعياء ٥٥:٧.
٢١ كيف خانت امة اسرائيل عهد آبائهم؟
٢١ تدل عبارة ‹ليرجع الى الرب› ضمنا ان الاشخاص الذين يلزم ان يتوبوا كانت عندهم علاقة باللّٰه. وتذكِّرنا العبارة بأن اوجها عديدة من هذا الجزء من نبوة اشعيا لها انطباق اولي على الاسرى اليهود في بابل. فقبل قرون، اعلن آباء هؤلاء الاسرى تصميمَهم على اطاعة يهوه حين قالوا: «حاشا لنا ان نترك الرب لنعبد آلهة اخرى». (يشوع ٢٤:١٦) ويُظهر التاريخ ان ما قالوا عنه «حاشا» فعلوه — وأكثر من مرة! وبسبب عدم ايمان شعب اللّٰه صاروا مسبيين في بابل.
٢٢ لماذا يقول يهوه ان افكاره وطرقه اعلى من افكار الانسان وطرقه؟
٢٢ وماذا سيحدث اذا تابوا؟ يعد يهوه بواسطة اشعيا انه سوف «يكثر الغفران». ويضيف: «لأن افكاري ليست افكاركم ولا طرقكم طرقي يقول الرب. لأنه كما علت السموات عن الارض هكذا علت طرقي عن طرقكم وأفكاري عن افكاركم». (اشعياء ٥٥:٨، ٩) يهوه كامل، وأفكاره وطرقه عالية ولا يمكن بلوغها. حتى رحمته اعلى من ان يرجو البشر بلوغها. فكروا في هذا: عندما نغفر لأخينا الانسان، ففي هذه الحالة يغفر خاطئ لخاطئ مثله. ونعرف اننا عاجلا او آجلا سنحتاج الى ان يغفر لنا انسان آخر. (متى ٦:١٢) أما يهوه، مع انه لا يحتاج ابدا الى ان يُغفر له، فيَغفر و «يكثر» الغفران! انه فعلا اله فائق اللطف الحبي. ويهوه، برحمته، يفتح كوى السموات، مغدقا وابلا من البركات على الذين يرجعون اليه من كل قلوبهم. — ملاخي ٣:١٠.
بركات تنتظر الراجعين الى يهوه
٢٣ كيف يوضح يهوه عدم وجود ادنى شك في اتمام كلمته؟
٢٣ يعد يهوه شعبه: «كما ينزل المطر والثلج من السماء ولا يرجعان الى هناك بل يرويان الارض ويجعلانها تلد وتنبت وتعطي زرعا للزارع وخبزا للآكل هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي. لا ترجع اليَّ فارغة بل تعمل ما سررتُ به وتنجح في ما ارسلتُها له». (اشعياء ٥٥:١٠، ١١) كل ما يقوله يهوه سيتمّ لا محالة. فكما ان المطر والثلج المتساقطَين من السماء ينجزان قصدهما، اذ يرويان الارض ويجعلانها تثمر، كذلك كلمة يهوه التي تخرج من فمه يُعتمد عليها كل الاعتماد. فما يعد به سوف يتم دون ادنى شك. — عدد ٢٣:١٩.
٢٤، ٢٥ اية بركات تنتظر المسبيين اليهود الذين يطيعون رسالة يهوه بواسطة اشعيا؟
٢٤ وهكذا اذا اصغى اليهود الى الكلمات النبوية الموجَّهة اليهم بواسطة اشعيا، فسينالون دون شك الخلاص الذي يعد به يهوه. ونتيجةً لذلك سيختبرون فرحا عظيما. يذكر يهوه: «لأنكم بفرح تخرجون وبسلام تُحضَرون. الجبال والآكام تُشيد امامكم ترنُّما وكل شجر الحقل تصفق بالايادي. عوضا عن الشوك ينبت سرو وعوضا عن القَرِيس يطلع آس. ويكون للرب اسما علامة ابدية لا تنقطع.». — اشعياء ٥٥:١٢، ١٣.
٢٥ في سنة ٥٣٧ قم، يخرج اليهود المسبيون فعلا من بابل بفرح. (مزمور ١٢٦:١، ٢) وعندما يصلون الى اورشليم، يجدون ارضا يكثر فيها الشوك والقَرِيس، اذ ان الارض بقيت مقفرة عشرات السنين. ولكن بإمكان شعب اللّٰه العائد ان يساهم الآن في تغيير الوضع الى الاحسن! فالاشجار السامقة، كالسرو والآس، ستحل محل الشوك والقَرِيس. وتَظهر بركة يهوه على الفور اذ يخدمه شعبه ‹بترنم›. فكما لو ان الارض نفسها فرحت.
٢٦ اية حالة يُنعَم بها على شعب اللّٰه اليوم؟
٢٦ في سنة ١٩١٩ تحرَّرت بقية المسيحيين الممسوحين من الاسر الروحي. (اشعياء ٦٦:٨) وهم الآن يخدمون اللّٰه، مع الجمع الكثير من الخراف الاخر، بفرح في فردوس روحي. وبما ان التأثير البابلي لا يلطخ عبادتهم، فهُم في مركز حظوة، وصار ذلك ليهوه ‹اسما›، او جعله معروفا. فازدهارهم الروحي يمجِّد اسمه ويرفِّعه بصفته اله النبوة الصادقة. وما انجزه يهوه من اجلهم يؤكد ألوهيته، وهو دليل على التزامه بكلامه وعلى رحمته نحو التائبين. فليفرح جميع الذين يستمرون في ‹شراء الخمر واللبن بلا فضة وبلا ثمن› بخدمتهم له الى الابد!
[الحاشيتان]
a وُجدت اسماء يهودية عديدة في السجلات التجارية البابلية القديمة.
b لا يزال يسوع يشرف على عمل التلمذة. (كشف ١٤:١٤-١٦) واليوم، يعتبر الرجال والنساء المسيحيون يسوع رأس الجماعة. (١ كورنثوس ١١:٣) وفي وقت اللّٰه المعين، سيلعب يسوع دوره ‹كقائد وآمر› بطريقة اخرى، حين يقود المعركة الحاسمة ضد اعداء اللّٰه في حرب هرمجدون. — كشف ١٩:١٩-٢١.
[الصورة في الصفحة ٢٣٤]
يدعى اليهود العطاش روحيا «الى المياه» وإلى ‹شراء خمر ولبن›
[الصورة في الصفحة ٢٣٩]
اظهر يسوع انه ‹قائد وآمر› الشعوب
[الصور في الصفحتين ٢٤٤ و ٢٤٥]
«ليترك الشرير طريقه»
-
-
ابناء الغريب يُجمَعون الى بيت صلاة اللّٰهنبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل السابع عشر
ابناء الغريب يُجمَعون الى بيت صلاة اللّٰه
١، ٢ ايّ اعلان مثير ذُكر سنة ١٩٣٥، وممَّ كان ذلك جزءا؟
يوم الجمعة في ٣١ ايار (مايو) ١٩٣٥، كان جوزيف ف. رذرفورد يخطب امام حضور محفل يُعقد في العاصمة واشنطن. وكان يناقش هوية ‹الجمع الكثير› الذين رآهم الرسول يوحنا في احدى رؤاه. وفي ذروة الخطاب سأل الاخ رذرفورد: «هل يمكن ان يتفضَّل جميع الذين لديهم رجاء العيش الى الابد على الارض بالوقوف؟». وبحسب قول احد الحاضرين، «وقف اكثر من نصف الحضور». ثم قال الخطيب: «انظروا! الجمع الكثير!». تتذكر امرأة كانت بين الحاضرين: «كان هنالك في البداية سكون، ثم صرخة ابتهاج، وكان الهتاف عاليا وطويلا». — كشف ٧:٩.
٢ تلك كانت لحظة مميَّزة في الاتمام المتواصل لنبوة سُجِّلت قبل نحو ٧٠٠,٢ سنة، ومكانُها في اشعياء الاصحاح ٥٦ من كتبنا المقدسة. وهذه النبوة، كغيرها من النبوات الكثيرة في سفر اشعياء، تحتوي على وعود معزِّية وتحذيرات شديدة على السواء. وهي تتوجَّه في انطباقها الاول الى شعب عهد اللّٰه في ايام اشعيا، لكنَّ اتمامها يمتد قرونا عديدة الى ايامنا.
ما يستلزمه الخلاص
٣ اذا طلب اليهود الخلاص من اللّٰه، فماذا يجب ان يفعلوا؟
٣ يُستهل الاصحاح ٥٦ من سفر اشعياء بمناشدة لليهود. ولكن ينبغي لكل العبّاد الحقيقيين ان ينتبهوا لما يكتبه النبي. يُذكر هناك: «هكذا قال الرب. احفظوا الحق وأجروا العدل. لأنه قريب مجيء خلاصي واستعلان بري. طوبى للانسان الذي يعمل هذا ولابن الانسان الذي يتمسك به الحافظ السبت لئلا ينجسه والحافظ يده من كل عمل شر». (اشعياء ٥٦:١، ٢) يجب على سكان يهوذا الذين يطلبون الخلاص من اللّٰه ان يطيعوا الشريعة الموسوية، مُجرِين العدل وعائشين حياة بارة. ولماذا؟ لأن يهوه بار. والذين يسعون في اثر البر يتمتعون بالسعادة التي تأتي من نيل رضى يهوه. — مزمور ١٤٤:١٥ ب.
٤ لماذا حفظ السبت مهم في اسرائيل؟
٤ تُبرز النبوة مسألة حفظ السبت لأن السبت هو احد الاوجه البارزة للشريعة الموسوية. وفي الواقع، ان اهمال سكان يهوذا لمطلب السبت هو احد الاسباب التي ستجعلهم يُسبَون. (لاويين ٢٦:٣٤، ٣٥؛ ٢ أخبار الايام ٣٦:٢٠، ٢١) فالسبت هو علامة للعلاقة الخصوصية بين يهوه واليهود، والذين يحفظون السبت يُظهرون انهم يقدِّرون هذه العلاقة. (خروج ٣١:١٣) كذلك كان حفظ السبت سينبِّه معاصري اشعيا الى ان يهوه هو الخالق، كما انه كان سيذكِّرهم بمراحمه تجاههم. (خروج ٢٠:٨-١١؛ تثنية ٥:١٢-١٥) وأخيرا، كان حفظ السبت سيمنحهم نظاما ثابتا لعبادة يهوه. فالاستراحة يوما واحدا في الاسبوع من العمل العادي تتيح لسكان يهوذا الفرصة للصلاة والدرس والتأمل.
٥ من حيث المبدأ، كيف يمكن ان يطبِّق المسيحيون المشورة بشأن حفظ السبت؟
٥ ولكن ماذا عن المسيحيين؟ هل ينطبق عليهم هذا التشجيع على حفظ السبت؟ لا ينطبق بطريقة مباشرة، لأن المسيحيين ليسوا تحت الشريعة الموسوية، ولذلك ليس مطلوبا منهم حفظ السبت. (كولوسي ٢:١٦، ١٧) لكنَّ الرسول بولس اوضح ان هنالك «راحة سبت» للمسيحيين الامناء. وتستلزم ‹راحة السبت› هذه الايمان بذبيحة يسوع الفدائية لنيل الخلاص والكف عن الاتكال على الاعمال وحدها. (عبرانيين ٤:٦-١٠) لذلك تذكِّر كلمات نبوة اشعيا حول السبت خدامَ يهوه اليوم بضرورة امتلاك الايمان بترتيب اللّٰه للخلاص. وهي مذكِّر جيد ايضا بالحاجة الى تنمية علاقة حميمة بيهوه وعبادته بطريقة منتظمة وثابتة.
تعزية لابن الغريب والخَصيّ
٦ ايّ فريقين يُركَّز عليهما الاهتمام الآن؟
٦ يخاطب يهوه الآن فريقين من الناس يريدان ان يخدماه لكنَّ الشريعة الموسوية حرَّمت عليهما الانضمام الى الجماعة اليهودية. يذكر السجل: «لا يقل ابن الغريب الذي انضم الى الرب: ‹ان الرب يفصلني عن شعبه› ولا يقل الخَصيّ: ‹ها انا شجرة يابسة›». (اشعياء ٥٦:٣، يج) يخشى ابن الغريب ان يُبعد عن اسرائيل. ويقلق الخَصيّ ألا يتمكن ابدا من انجاب الاولاد ليُحفظ اسمه. ولكن ينبغي لكلا الفريقين ان يتشجعا. وقبل ان نرى لماذا، لنتأمل في وضعهما تحت الشريعة الموسوية ضمن امة اسرائيل.
٧ اية قيود وضعتها الشريعة الموسوية على ابناء الغريب في اسرائيل؟
٧ يُمنع ابناء الغريب، او الاجانب، غير المختونين من مشاركة اسرائيل في عبادتهم. مثلا، لم يُسمح لهم بالاكل من خروف الفصح. (خروج ١٢:٤٣) وأبناء الغريب الذين لا ينتهكون قوانين البلد بشكل فاضح يتمتعون بالعدالة والضيافة، ولكن لا تجمعهم بالامة روابط دائمة. طبعا، يعترف البعض اعترافا كاملا بالشريعة، وكدليل على ذلك يُختتن الرجال. وهكذا يصيرون متهوِّدين، متمتعين بامتياز عبادة يهوه في دار بيته ومعتبَرين جزءا من جماعة اسرائيل. (لاويين ١٧:١٠-١٤؛ ٢٠:٢؛ ٢٤:٢٢) ولكن حتى المتهوِّدون لا يشاركون كاملا في عهد يهوه مع اسرائيل، ولا تُعطى لهم ارض ميراثا في ارض الموعد. وقد يصلي اجانب آخرون ووجههم نحو الهيكل، وكما يَظهر قد يقدِّمون الذبائح بواسطة الكهنوت ما دامت الذبائح منسجمة مع الشريعة. (لاويين ٢٢:٢٥؛ ١ ملوك ٨:٤١-٤٣، يج) لكنَّ الاسرائيليين لا يعاشرونهم معاشرة لصيقة.
الخصيان يُعطَون اسما ابديا
٨ (أ) كيف كان يُنظر الى الخصيان بحسب الشريعة؟ (ب) كيف كان الخصيان يُستخدمون في الامم الوثنية، وإلى ماذا يمكن ان تشير كلمة «خَصيّ» احيانا؟
٨ حتى لو كان الخصيان ابناء والدين يهود، يُحرَمون من العضوية الكاملة في امة اسرائيل.a (تثنية ٢٣:١) أما بين بعض الامم الوثنية في ازمنة الكتاب المقدس، فكان الخصيان يتمتعون بمكانة خصوصية، وجرت العادة ان يُخصى بعض الاولاد المأسورين في الحرب. وكان الخصيان يعيَّنون كرسميين في بلاط الملوك. فكان يمكن ان يشغل الرجل المخصيّ مركز «حارس النساء» او «حارس السراري» او خادم الملكة. (استير ٢:٣، ١٢-١٥؛ ٤:٤-٦، ٩) ولا يوجد دليل على ان الاسرائيليين اتَّبعوا هذه الممارسات او كانوا يبحثون عن الخصيان لتشغيلهم في خدمة الملوك الاسرائيليين.b
٩ بأية كلمات معزِّية يخاطب يهوه الخصيان الحرفيين؟
٩ ان الخصيان الحرفيين في اسرائيل، بالاضافة الى عدم تمكُّنهم من المشاركة في عبادة اللّٰه الا جزئيا، يشعرون بإذلال كبير لأنهم غير قادرين على انجاب اولاد يحملون اسم العائلة. فكم تعزِّيهم الكلمات التالية في النبوة! يُذكر هناك: «هكذا قال الرب للخصيان الذين يحفظون سبوتي ويختارون ما يسرني ويتمسكون بعهدي. اني اعطيهم في بيتي وفي اسواري نُصُبا واسما افضل من البنين والبنات. اعطيهم اسما ابديا لا ينقطع». — اشعياء ٥٦:٤، ٥.
١٠ متى تغيَّر وضع الخصيان، وأيّ امتياز انفتح امامهم مذّاك؟
١٠ نعم، سيحين الوقت الذي فيه حتى الخَصيّ حرفيا سيُعترف به كاملا كخادم ليهوه. وإذا كان هؤلاء الخصيان طائعين، فسيكون لهم «نُصُب»، او مكان، في بيت يهوه، وكذلك «اسم» افضل من البنين والبنات. فمتى يحدث ذلك؟ ليس قبل موت يسوع المسيح. فبعدئذ حل العهد الجديد محل عهد الشريعة، وحل «اسرائيل اللّٰه» محل اسرائيل الجسدي. (غلاطية ٦:١٦) ومنذ ذلك الوقت، صار بإمكان جميع الذين يمارسون الايمان ان يؤدوا للّٰه عبادة مقبولة. ولم تعد الفروق الجسدية والحالة الجسمانية تهمّ. والذين يحتملون بأمانة، بغض النظر عن حالتهم الجسدية، سيكون لهم ‹اسم ابدي لا ينقطع›. ولن ينساهم يهوه. فستُكتب اسماؤهم في ‹سفر تذكرته›، وفي وقت اللّٰه المعين سينالون الحياة الابدية. — ملاخي ٣:١٦؛ امثال ٢٢:١؛ ١ يوحنا ٢:١٧.
ابناء الغريب يشاركون شعب اللّٰه في العبادة
١١ ماذا يشجَّع ابناء الغريب على فعله لنيل البركات؟
١١ ولكن ماذا عن ابناء الغريب؟ تعود النبوة الى ذكر هؤلاء، ولدى يهوه كلمات معزِّية جدا لهم. يكتب اشعيا: «ابناء الغريب الذين يقترنون بالرب ليخدموه وليحبوا اسم الرب ليكونوا له عبيدا كل الذين يحفظون السبت لئلا ينجسوه ويتمسكون بعهدي آتي بهم الى جبل قدسي وأفرِّحهم في بيت صلاتي وتكون محرقاتهم وذبائحهم مقبولة على مذبحي لأن بيتي بيت الصلاة يدعى لكل الشعوب». — اشعياء ٥٦:٦، ٧.
١٢ كيف كانت تُفهم نبوة يسوع عن ‹الخراف الاخر›؟
١٢ حدث ظهور «ابناء الغريب» في ايامنا بشكل تدريجي. فقبل الحرب العالمية الاولى، فُهِمَ ان عدد الذين سينالون الخلاص هو اكبر من عدد الذين يملكون رجاء الحكم في السماء مع يسوع — الذين نقرنهم اليوم بإسرائيل اللّٰه. وكان تلاميذ الكتاب المقدس يعون كلمات يسوع المسجَّلة في يوحنا ١٠:١٦: «لي خراف أخر ليست من هذه الحظيرة؛ لا بد لي أن آتي بتلك أيضا، فتسمع صوتي، فتكون رعية واحدة، وراع واحد». وفُهِم ان هؤلاء ‹الخراف الاخر› هم صف ارضي. لكنَّ معظم تلاميذ الكتاب المقدس اعتقدوا ان الخراف الاخر سيَظهرون خلال الحكم الالفي ليسوع المسيح.
١٣ لماذا استُنتج ان الخراف في متى الاصحاح ٢٥ يجب ان يَظهروا في الايام الختامية لنظام الاشياء هذا؟
١٣ وفي النهاية أُحرز تقدُّم في فهم آيات تتعلق بهذه المسألة وتتحدث عن الخراف. ففي متى الاصحاح ٢٥ يرِد مثل يسوع عن الخراف والجداء. بحسب هذا المثل، يحصل الخراف على الحياة الابدية لأنهم ساعدوا اخوة يسوع. وهذا ما يجعلهم صفًّا منفصلا ومتميِّزا عن اخوة المسيح الممسوحين. وفي سنة ١٩٢٣، خلال محفل عُقد في لوس انجلوس، كاليفورنيا، الولايات المتحدة الاميركية، أُوضح ان هؤلاء الخراف لا يَظهرون خلال الحكم الالفي بل خلال الايام الختامية لنظام الاشياء هذا. ولماذا؟ لأن يسوع ذكر هذا المثل وهو يجيب عن السؤال: «متى يكون هذا، وماذا تكون علامة حضورك واختتام نظام الأشياء؟». — متى ٢٤:٣.
١٤، ١٥ كيف أُحرز تقدُّم في فهم وضع الخراف الاخر في وقت النهاية؟
١٤ خلال عشرينات القرن العشرين، صار بعض الافراد الذين يقترنون بتلاميذ الكتاب المقدس يشعرون بأن روح يهوه لا يشهد لهم بأن دعوتهم سماوية. ومع ذلك كانوا خداما غيورين في خدمة اللّٰه العلي. وفي سنة ١٩٣١ فُهِم بشكل افضل وضع هؤلاء عندما صدر كتاب التبرئة. فكجزء من مناقشة لسفر حزقيال عددا فعددا، شرح الكتاب رؤيا «الرجل» الحامل دواة الكاتب. (حزقيال ٩:١-١١) فهذا «الرجل» يجول في اورشليم ويسم سمة على جباه الذين يئنون ويتنهدون على الرجاسات المرتكبة فيها. يمثِّل «الرجل» اخوة يسوع، بقية المسيحيين الممسوحين الاحياء على الارض خلال وقت دينونة العالم المسيحي، الذي ترمز اليه اورشليم. أما الموسومون فهم الخراف الاخر العائشون في ذلك الوقت. وفي الرؤيا ينجون من الموت حين يجلب منفِّذو احكام يهوه النقمة الالهية على المدينة المرتدَّة.
١٥ وفي سنة ١٩٣٢ أُحرز فهم اعمق للقصة النبوية عن ياهو ملك اسرائيل ويوناداب (يهوناداب)، رجل غير اسرائيلي كان داعما له. وقد اظهر هذا الفهم كيف يدعم هؤلاء الخراف الاخر اخوة المسيح الممسوحين تماما كما ذهب يوناداب مع ياهو ودعمه في القضاء على عبادة البعل. وأخيرا، في سنة ١٩٣٥، أُدرك ان الخراف الاخر العائشين في وقت نهاية نظام الاشياء هذا هم الجمع الكثير الذي رآه الرسول يوحنا في احدى الرؤى. وشُرح ذلك اول مرة في المحفل المذكور آنفا الذي عُقد في العاصمة واشنطن، عندما اشار جوزيف ف. رذرفورد الى ذوي الرجاء الارضي بأنهم «الجمع الكثير».
١٦ اية امتيازات ومسؤوليات يتمتع بها «ابناء الغريب»؟
١٦ وهكذا فُهم تدريجيا انه لدى «ابناء الغريب» دور كبير ليلعبوه في مقاصد يهوه خلال هذه الايام الاخيرة. فهم يأتون الى اسرائيل اللّٰه ليعبدوا يهوه. (زكريا ٨:٢٣) وهم يقدِّمون للّٰه مع تلك الامة الروحية ذبائح مقبولة ويدخلون راحة السبت. (عبرانيين ١٣:١٥، ١٦) كما انهم يؤدون عبادتهم في هيكل اللّٰه الروحي الذي هو «بيت صلاة لجميع الأمم»، شأنه في ذلك شأن الهيكل في اورشليم. (مرقس ١١:١٧) ويمارسون الايمان بذبيحة يسوع المسيح الفدائية، ‹غاسلين حُللهم ومبيِّضينها بدم الحمل›. وهم يخدمون يهوه بشكل متواصل، مؤدِّين «له خدمة مقدسة نهارا وليلا». — كشف ٧:١٤، ١٥.
١٧ كيف يتمسك ابناء الغريب العصريون بالعهد الجديد؟
١٧ ان ابناء الغريب العصريين هؤلاء يتمسكون بالعهد الجديد بمعنى انهم، باقترانهم بإسرائيل اللّٰه، يتمتعون بالفوائد والبركات التي يجلبها العهد الجديد. وفي حين انهم ليسوا مشاركين في هذا العهد، يخضعون من كل قلوبهم للشرائع المرتبطة به. وهكذا تكون شريعة يهوه في قلوبهم ويعرفون يهوه بصفته أبا سماويا لهم والمتسلط الاسمى. — ارميا ٣١:٣٣، ٣٤؛ متى ٦:٩؛ يوحنا ١٧:٣.
١٨ ايّ عمل تجميع يُنجز خلال وقت النهاية؟
١٨ تمضي نبوة اشعيا قائلة: «يقول السيد الرب الذي يجمع منفيِّي اسرائيل: سأجمع آخرين ايضا الى مجموعيه». (اشعيا ٥٦:٨، يج) خلال وقت النهاية، جمع يهوه «منفيي اسرائيل»، افراد البقية الممسوحة. وهو ايضا يجمع آخرين، افراد الجمع الكثير. وكلا الفريقين يعبدانه بسلام وانسجام تحت اشراف يهوه وملكه المتوَّج يسوع المسيح. وبسبب ولائهم لحكومة يهوه برئاسة المسيح، جعلهم الراعي الفاضل رعية متَّحدة فرحانة.
رقباء عمي، كلاب بُكم
١٩ اية دعوة تُوَجَّه الى وحوش البَر والوعر؟
١٩ بعد هذه التعابير الرقيقة والبناءة، يتَّخذ الكلام منحى معاكسا مخيفا. رأينا ان يهوه مستعد ليرحم ابناء الغريب والخصيان. لكنَّ كثيرين ممَّن يدَّعون انهم اعضاء في جماعة اللّٰه تُوَجَّه اليهم كلمات ادانة، وستُنفَّذ فيهم الدينونة. يضاف الى ذلك انهم لا يستحقون دفنا لائقا، بل يستأهلون ان تأكلهم الحيوانات الضارية. وهكذا نقرأ: «يا جميع وحوش البَر تعالي. للاكل يا جميع الوحوش التي في الوعر». (اشعياء ٥٦:٩) فماذا ستأكل هذه الوحوش؟ ستعطي النبوة الجواب. وقد تذكِّرنا عندئذ بالمصير الذي ينتظر مقاومي اللّٰه في حرب هرمجدون القادمة، الذين ستُترك جثثهم طعاما لطيور السماء. — كشف ١٩:١٧، ١٨.
٢٠، ٢١ اية امور يفشل فيها القادة الدينيون تجعلهم غير نافعين كمرشِدين دينيين؟
٢٠ وتمضي النبوة قائلة: «مراقبوه [‹رقباؤه›، يج] عُمي كلهم. لا يعرفون. كلهم كلاب بُكم لا تقدر ان تنبح. حالمون مضطجعون محبو النوم. والكلاب شرهة لا تعرف الشبع. وهم رعاة لا يعرفون الفهم. التفَتوا جميعا الى طرقهم كل واحد الى الربح عن اقصى. هلموا آخذ خمرا ولنشتفَّ مُسكرا ويكون الغد كهذا اليوم عظيما بل ازْيَد جدا». — اشعياء ٥٦:١٠-١٢.
٢١ يزعم قادة يهوذا الدينيون انهم يعبدون يهوه. ويدَّعون انهم ‹رقباؤه›. لكنهم عُمي وبُكم ونِعاس روحيا. فما الفائدة منهم إذا كانوا لا يستطيعون السهر وإطلاق نفير التحذير عند الخطر؟! وهؤلاء الرقباء الدينيون بلا فهم، غير مؤهلين ليعطوا الناس المشبَّهين بالخراف ارشادا روحيا. يضاف الى ذلك انهم فاسدون. فعندهم رغبات انانية لا تشبع. وبدلا من اتِّباع توجيه يهوه، يسلكون في طرقهم الخاصة، يسعون وراء الربح عن طريق الظلم، يفرطون في شرب المُسكر، ويشجِّعون الآخرين على ذلك ايضا. ومن فرط ما هم غافلون عن دينونة اللّٰه الوشيكة، يقولون للناس ان كل شيء يجري على ما يرام.
٢٢ لماذا القادة الدينيون في ايام يسوع مثل القادة الدينيين في يهوذا القديمة؟
٢٢ سبق لإشعيا في نبوته ان استخدم مجازا مماثلا ليصف قادة يهوذا الدينيين غير الامناء، قائلا انهم، بمعنى روحي، سكارى ونِعاس وعديمو الفهم. فقد أثقلوا الشعب بتقاليد البشر، تكلموا بأكاذيب دينية، اتكلوا على مساعدة اشور ولم يعتمدوا على اللّٰه. (٢ ملوك ١٦:٥-٩؛ اشعياء ٢٩:١، ٩-١٤) فمن الواضح انهم لم يتعلموا شيئا. ومن المؤسف ان هذا النوع نفسه من القادة وُجد في القرن الاول. فبدلا من اعتناق البشارة التي جلبها لهم ابن اللّٰه، رفضوا يسوع وتآمروا ليقتلوه. فدعاهم يسوع بصراحة ‹قادة عميانا›، مضيفا انه «اذا كان أعمى يقود أعمى، فكلاهما يسقطان في حفرة». — متى ١٥:١٤.
الرقباء اليوم
٢٣ اية نبوة ذكرها بطرس عن القادة الدينيين شهدت اتمامها؟
٢٣ حذَّر الرسول بطرس من ان معلِّمين دجَّالين سيَظهرون ليضلوا المسيحيين. كتب: «كان ايضا بين الشعب [شعب اسرائيل] انبياء دجالون، كما سيكون ايضا بينكم معلمون دجالون. هؤلاء انفسهم سيدسون بدعا مهلكة وينكرون كليا حتى المالك الذي اشتراهم، جالبين على انفسهم هلاكا سريعا». (٢ بطرس ٢:١) وماذا كانت نتيجة التعاليم الباطلة والطائفية التي زرعها هؤلاء المعلِّمون الدجَّالون؟ كانت النتيجة عالما مسيحيا يصلّي فيه القادة الدينيون اليوم لبركة اللّٰه على اصدقائهم السياسيين ثم يعدون بمستقبل ساطع. لقد برهن القادة الدينيون في العالم المسيحي انهم عُمي، بُكم، ونِعاس من جهة الامور الروحية.
٢٤ اية وحدة توجد بين اسرائيل الروحي وأبناء الغريب؟
٢٤ لكنَّ يهوه يأتي بملايين من ابناء الغريب ليعبدوه مع آخر اعداد اسرائيل اللّٰه في بيت صلاته الروحي العظيم. ومع ان ابناء الغريب هؤلاء يأتون من امم وأعراق وألسنة كثيرة، فهُم متَّحدون معا ومع اسرائيل اللّٰه. وهم مقتنعون بأن الخلاص لا يأتي الا من اللّٰه بواسطة يسوع المسيح. ولأنهم يحبون يهوه، يضمُّون صوتهم الى صوت اخوة المسيح الممسوحين في التعبير عن ايمانهم. ويتعزَّون كثيرا بكلمات الرسول الملهمة الذي كتب: «إن أعلنتَ جهرا تلك ‹الكلمة بفمك›، أن يسوع رب، ومارستَ الإيمان بقلبك أن اللّٰه أقامه من الأموات، تخلُص». — روما ١٠:٩.
[الحاشيتان]
a صارت كلمة «خَصيّ» تشير ايضا الى رسمي بلاط، دون اشارة الى تشويه الاعضاء التناسلية. وبما ان الحبشي الذي عمَّده فيلبس كان متهوِّدا كما يَظهر، اذ اعتمد قبل ان يُفتح الطريق امام الامميين غير المختونين، فلا بد انه كان خصيًّا بهذا المعنى. — اعمال ٨:٢٧-٣٩.
b يُطلق على عبد ملك، الذي ساعد ارميا وكان بإمكانه التقرُّب مباشرة من الملك صدقيا، صفة خَصيّ. ويبدو ان هذه اشارة الى كونه رسمي بلاط لا مشوَّها جسديا. — ارميا ٣٨:٧-١٣.
[الصورة في الصفحة ٢٥٠]
كان السبت سيتيح الفرصة للصلاة والدرس والتأمل
[الصورتان في الصفحة ٢٥٦]
شُرح وضع الخراف الاخر بوضوح في محفل عُقد في العاصمة واشنطن سنة ١٩٣٥ (صورة المعمودية الى اسفل، والبرنامج الى اليمين)
[الصورة في الصفحة ٢٥٩]
الوحوش تُدعى الى الاكل
[الصور في الصفحة ٢٦١]
ابناء الغريب وإسرائيل اللّٰه متَّحدون معا
-
-
يهوه يحيي روح المتواضعيننبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل الثامن عشر
يهوه يحيي روح المتواضعين
١ ماذا وعَد يهوه مطمئنا، وأيّ سؤالين تثيرهما كلماته؟
«هكذا قال العلي المرتفع ساكن الابد القدوس اسمه. في الموضع المرتفع المقدس اسكن ومع المنسحق والمتواضع الروح لأحيي روح المتواضعين ولأحيي قلب المنسحقين». (اشعياء ٥٧:١٥) هذا ما كتبه النبي اشعيا في القرن الثامن قبل الميلاد. فماذا كان يحصل في يهوذا مما جعل هذه الرسالة مشجِّعة جدا؟ وكيف تساعد هذه الكلمات الملهمة المسيحيين اليوم؟ سنجد الجواب عن هذين السؤالين بتأملنا في الاصحاح ٥٧ من سفر اشعياء؟
‹تقدَّموا انتم الى هنا›
٢ (أ) متى تنطبق كلمات اشعياء الاصحاح ٥٧ كما يبدو؟ (ب) ما حالة الابرار في ايام اشعيا؟
٢ يبدو ان هذا الجزء من نبوة اشعيا ينطبق في ايامه. انظروا كم اصبح الشر متأصلا: «باد الصدِّيق وليس احد يضع ذلك في قلبه ورجال الاحسان يُضمُّون وليس مَن يفطن بأنه من وجه الشر يُضمُّ الصدِّيق. يدخل السلامَ. يستريحون في مضاجعهم. السالك بالاستقامة». (اشعياء ٥٧:١، ٢) اذا سقط انسان بار، فلا احد يهتم. فلن يلاحظ احد انه مات قبل اوانه. لكنَّ الرقاد في الموت يجلب له السلام ويحرِّره من الالم الذي يسبِّبه الاشرار وينجِّيه من الشر. لقد صارت امة اللّٰه المختارة في حالة يرثى لها. ولكن كم يتشجَّع الذين يبقون امناء دون شك حين يعلمون ان يهوه لا يرى ما يحصل فحسب، بل يمنحهم الدعم ايضا!
٣ كيف يخاطب يهوه جيل يهوذا الشرير، ولماذا؟
٣ يستدعي يهوه جيل يهوذا الشرير ويقول: «اما انتم فتقدموا الى هنا يا بني الساحرة نسل الفاسق والزانية». (اشعياء ٥٧:٣) لقد كانوا يستحقون فعلا هذه الاوصاف الشائنة: بنو الساحرة ونسل الفاسق والزانية. فالعبادة الباطلة التي لجأوا اليها تضمَّنت ممارسات صنمية وأرواحية مثيرة للاشمئزاز بالاضافة الى الفساد الادبي الجنسي. لذلك يسأل يهوه هؤلاء الخطاة: «بمَن تسخرون [«على مَن تتلهّون»، شد] وعلى مَن تفغرون الفم وتدلعون اللسان. أمَا انتم اولاد المعصية نسل الكذب. المتوقدون الى الاصنام تحت كل شجرة خضراء القاتلون الاولاد في الاودية تحت شقوق المعاقل». — اشعياء ٥٧:٤، ٥.
٤ بمَ اشرار يهوذا مذنبون؟
٤ يمارس الاشرار في يهوذا عبادتهم الوثنية الفظيعة علنا، ‹متلهّين› ومتسلين بها. ويزدرون بأنبياء اللّٰه الذين ارسلهم ليقوِّموهم، مادِّين لسانهم بحركة وقحة قليلة الاحترام. ومع انهم اولاد ابراهيم، يُثبت تمرُّدهم انهم اولاد المعصية ونسل الكذب. (اشعياء ١:٤؛ ٣٠:٩؛ يوحنا ٨:٣٩، ٤٤) وبين الاشجار الضخمة في الارياف، يثيرون الحماسة الدينية في عبادتهم الصنمية. ويا لها من عبادة وحشية! فقد بلغ بهم الامر الى حد قتل اولادهم، مثل الامم الذين دفعت ارجاسهم يهوه الى طردهم من الارض! — ١ ملوك ١٤:٢٣؛ ٢ ملوك ١٦:٣، ٤؛ اشعياء ١:٢٩.
سكْب السكيب لحجارة
٥، ٦ (أ) ماذا فضَّل سكان يهوذا فعله على عبادة يهوه؟ (ب) كم كانت عبادة الاصنام فاضحة ومنتشرة في يهوذا؟
٥ انظروا كم سكان يهوذا منغمسون في الصنمية: «في حجارة الوادي الملس نصيبكِ. تلك هي قرعتك. لتلك سكبتِ سكيبا وأصعدتِ تقدمة. أعَنْ هذه اتعزى». (اشعياء ٥٧:٦) مع ان اليهود شعب عهد اللّٰه، فهم لا يعبدونه، بل ينتقون حجارة من قاع النهر الجاري في اسفل الوادي ويصنعون منها آلهة. ذكر داود ان يهوه نصيبه، لكنَّ هؤلاء الخطاة اختاروا ان تكون قرعتهم اصناما حجرية عديمة الحياة، وسكبوا سكيبا لها. (مزمور ١٦:٥؛ حبقوق ٢:١٩) فأية تعزية يجدها يهوه في ضلال شعبه الحامل اسمه عن العبادة الحقة؟!
٦ تمارس يهوذا الصنمية في كل مكان: تحت الاشجار الضخمة، في الاودية، على التلال، وفي مدنهم. لكنَّ يهوه يرى كل ذلك، ويشهِّر فسادها بواسطة اشعيا قائلا: «على جبل عالٍ ومرتفع وضعتِ مضجعك وإلى هناك صعدتِ لتذبحي ذبيحة. وراء الباب والقائمة وضعتِ تذكارك». (اشعياء ٥٧:٧، ٨ أ) على المرتفعات تُعِدُّ يهوذا مضجع نجاستها الروحية، وهناك تقدِّم ذبائحها للآلهة الاجنبية.a حتى في البيوت الخاصة هنالك اصنام وراء الابواب والقوائم.
٧ بأية روح تنغمس يهوذا في العبادة الفاسدة ادبيا؟
٧ قد يتساءل البعض لماذا صارت يهوذا منغمسة الى هذا الحد في العبادة النجسة. هل اجبرتها قوة اعظم على ترك يهوه؟ الجواب هو لا. فهي تفعل ذلك طوعا وباندفاع. يذكر يهوه: «لأنك لغيري كشفتِ وصعدتِ. اوسعتِ مضجعك وقطعتِ لنفسك عهدا معهم. احببتِ مضجعهم. نظرتِ فرصة [«عورتهم»، جد]». (اشعياء ٥٧:٨ ب) لقد قطعت يهوذا عهدا مع آلهتها الباطلة، وهي تحب علاقتها المحرَّمة بها. وتحب خصوصا الممارسات الجنسية الفاسدة ادبيا — الشاملة على الارجح استعمال رموز الى القضيب الذكري — التي تتميَّز بها عبادة هذه الآلهة!
٨ في ظل حكم ايّ ملك خصوصا تكثر الصنمية في يهوذا؟
٨ ان هذا الوصف للعبادة الصنمية الوحشية والفاسدة بشكل صارخ يتطابق مع ما نعرفه عن عدد من ملوك يهوذا الاشرار. مثلا، بنى منسى المرتفعات وأقام مذابح للبعل ووضع مذابح دينية باطلة في دارَي الهيكل. وعبَّر ابناءه في النار ومارس السحر والعرافة وروَّج الممارسات الارواحية. كما وضع الملك منسى في هيكل يهوه تمثال السارية التي عمل.b وأضلَّ يهوذا ليعملوا «ما هو اقبح من الامم الذين طردهم الرب». (٢ ملوك ٢١:٢-٩) ويعتقد البعض ان منسى قتل اشعيا، مع ان اسم منسى لا يَظهر في اشعياء ١:١.
«أرسلتِ رسلك»
٩ لماذا ترسل يهوذا رسلا «الى بُعد»؟
٩ ان معصية يهوذا تتجاوز خدمة الآلهة الباطلة. يقول يهوه، مستخدما اشعيا كناطق بلسانه: «سرتِ الى الملك بالدهن وأكثرت اطيابك وأرسلت رسلك الى بُعد ونزلتِ حتى الى الهاوية». (اشعياء ٥٧:٩) تذهب امة يهوذا غير الامينة الى «الملك» — على الارجح الى ملك دولة اجنبية — مقدِّمةً له هدايا ثمينة وجذابة يُرمز اليها هنا بالدهن والاطياب. وترسل يهوذا ايضا مبعوثين الى اماكن بعيدة. ولماذا؟ لإقناع الامم بعقد تحالفات سياسية معها. لقد ادارت ظهرها ليهوه واتكلت على الملوك الاجنبيين.
١٠ (أ) كيف يسعى الملك آحاز الى التحالف مع ملك اشور؟ (ب) بأيّ معنى ‹تنزل يهوذا الى الهاوية›؟
١٠ احد الامثلة لذلك هو ما يحصل في ايام الملك آحاز. فملك يهوذا غير الامين هذا يشعر بالخطر من جراء تحالف اسرائيل وأرام، فيرسل رسلا الى تغلث فلاسر الثالث ملك اشور قائلا: «انا عبدك وابنك. اصعد وخلصني من يد ملك ارام ومن يد ملك اسرائيل القائمَين عليَّ». ويرسل آحاز فضة وذهبا كهدية الى ملك اشور، فيتجاوب الملك ويجتاح ارام. (٢ ملوك ١٦:٧-٩) لكنَّ يهوذا، بتعاملاتها مع الامم، تنزل «الى الهاوية». فبسبب هذه التعاملات ستموت، او ستكفّ عن الوجود كأمة مستقلة لها ملك على رأسها.
١١ ايّ شعور زائف بالامن تعرب عنه يهوذا؟
١١ يتابع يهوه مخاطبا يهوذا: «لكثرة سيرك [«طرقك»، عج] اعييتِ ولم تقولي: ‹يئست›. استعدتِ قوة يدك لذلك لم تضعفي». (اشعيا ٥٧:١٠، يج) نعم، تعبت الامة كثيرا في طرقها المرتدَّة، ولا ترى انه لا امل في كل مساعيها. بل بالعكس، تخدع نفسها بالقول انها تنجح بقوَّتها. فتشعر بالانتعاش والتجدُّد. فيا لهذه الحماقة!
١٢ اية احوال في العالم المسيحي تناظر الاحوال في يهوذا؟
١٢ واليوم هنالك هيئة يذكِّر سلوكها بسلوك يهوذا في ايام اشعيا. فالعالم المسيحي يستخدم اسم يسوع، لكنه يسعى الى التحالف مع الامم، وقد ملأ اماكن عبادته بالاصنام. حتى ان أتباعه يضعون تماثيل صنمية في بيوتهم الخاصة. وقدَّم العالم المسيحي شبابه ذبائح على مذبح حروب الامم. فكم هذا مهين للاله الحقيقي الذي يأمر المسيحيين: «اهربوا من الصنمية»! (١ كورنثوس ١٠:١٤) والعالم المسيحي، بانهماكه في السياسة، ‹ارتكب العهارة مع ملوك الارض›. (كشف ١٧:١، ٢) وهو مؤيد رئيسي للامم المتحدة. فماذا ينتظر هذه العاهرة الدينية؟ ماذا يقول يهوه ليهوذا غير الامينة، التي ترمز الى العالم المسيحي، وخصوصا كما تُمثَّل بعاصمتها اورشليم؟
‹جموعك لن ينقذوك›
١٣ كيف ‹تخون› يهوذا، وكيف تنظر الى صبر يهوه؟
١٣ يسأل يهوه: «ممَّن خشيتِ وخفت حتى خنت». انه لَسؤال وجيه! فليس عند يهوذا بالتأكيد خوف سليم من يهوه وهي لا تتقيه. وإلا لَما صارت امة من الخونة عابدي الآلهة الباطلة. ويمضي يهوه قائلا: «إياي لم تذكري ولا وضعتِ في قلبك. أمَا انا ساكت وذلك منذ القديم فإياي لم تخافي». (اشعياء ٥٧:١١) بقي يهوه ساكتا ولم يعاقب يهوذا عقابا فوريا. فهل تقدِّر يهوذا ذلك؟ كلا، بل تعتبر اناة اللّٰه لامبالاة من جهته. فلم يعد لديها ادنى احساس بالخوف منه.
١٤، ١٥ ماذا يقول يهوه عن اعمال يهوذا و ‹جموعها›؟
١٤ لكنَّ صبر اللّٰه سينفد. وعن ذلك الوقت يعلن يهوه: «انا اخبر ببرك وبأعمالك فلا تفيدك. اذ تصرخين فلينقذك جموعك. ولكن الريح تحملهم كلهم. تأخذهم نفخة». (اشعياء ٥٧:١٢، ١٣ أ) سيشهِّر يهوه بر يهوذا الزائف. وأعمالها الريائية لن تفيدها. ولن تنقذها ‹جموعها›، او مجموعات الاصنام لديها. وعندما تحلّ البلية، ستطير الآلهة التي تتكل عليها بمجرد هبوب النسيم.
١٥ تتم كلمات يهوه في سنة ٦٠٧ قم. وذلك عندما يدمر الملك البابلي نبوخذنصر اورشليم ويحرق الهيكل ويأسر معظم الشعب. ‹فيُسبى يهوذا من ارضه›. — ٢ ملوك ٢٥:١-٢١.
١٦ ماذا ينتظر العالم المسيحي وباقي «بابل العظيمة»؟
١٦ كذلك فإن المجموعات الكبيرة من الاصنام في العالم المسيحي لن تنقذه في يوم غضب يهوه. (اشعياء ٢:١٩-٢٢؛ ٢ تسالونيكي ١:٦-١٠) وسيباد العالم المسيحي هو وباقي «بابل العظيمة»، الامبراطورية العالمية للدين الباطل. فالوحش الرمزي القرمزي اللون وقرونه العشرة سيجعلون بابل العظيمة «خربة وعريانة، ويأكلون لحومها ويحرقونها كاملا بنار». (كشف ١٧:٣، ١٦، ١٧) فكم نفرح لأننا اطعنا الوصية: «اخرجوا منها، يا شعبي، لئلا تشتركوا معها في خطاياها، ولئلا تنالوا جزءا من ضرباتها». (كشف ١٨:٤، ٥) فلا نعد ابدا اليها او الى طرقها!
‹المتوكل عليَّ يملك الارض›
١٧ بماذا يوعَد ‹المتكل على يهوه›، ومتى يتحقق ذلك؟
١٧ ولكن ماذا عن الكلمات التالية في نبوة اشعيا؟ «اما المتوكل عليَّ فيملك الارض ويرث جبل قدسي». (اشعياء ٥٧:١٣ ب) مَن يخاطب يهوه الآن؟ انه ينظر الى ما بعد الدمار الآتي وينبئ بتحرير شعبه من بابل ورد العبادة النقية في جبل قدسه، اورشليم. (اشعياء ٦٦:٢٠؛ دانيال ٩:١٦) وكم يتشَّجع بهذه الكلمات كل يهودي يبقى امينا! كذلك يقول يهوه: «يقال آنئذ: مهِّدوا! مهِّدوا السبيل، أزيلوا كل معثرة من طريق شعبي». (اشعياء ٥٧:١٤، تف) فعندما يحين الوقت لينقذ اللّٰه شعبه، ستُعدّ الطريق امامهم وتُزال كل المعاثر والعوائق. — ٢ أخبار الايام ٣٦:٢٢، ٢٣.
١٨ كيف يوصف سمو يهوه، وأيّ اهتمام حبي يعرب عنه؟
١٨ هنا يذكر اشعيا الكلمات المقتبسة في المقدمة: «هكذا قال العلي المرتفع ساكن الابد القدوس اسمه. في الموضع المرتفع المقدس اسكن ومع المنسحق والمتواضع الروح لأحيي روح المتواضعين ولأحيي قلب المنسحقين». (اشعياء ٥٧:١٥) عرش يهوه في اعلى السموات. ولا يوجد مركز اعلى او ارفع منه. فكم يتعزى المرء حين يعرف انه يرى من هناك كل شيء — ليس فقط خطايا الاشرار بل ايضا بر الذين يحاولون خدمته! (مزمور ١٠٢:١٩؛ ١٠٣:٦) كما انه يسمع أنَّات المظلومين ويحيي قلوب المنسحقين. ولا بد ان هذه الكلمات مسَّت قلوب اليهود التائبين في الازمنة القديمة. وهي تمسُّ بالتأكيد قلوبنا اليوم.
١٩ متى يتوقف سخط يهوه؟
١٩ وكلمات يهوه التالية تعزِّي هي ايضا: «اني لا اخاصم الى الابد ولا اغضب الى الدهر. لأن الروح يُغشى عليها امامي والنسمات التي صنعتُها». (اشعياء ٥٧:١٦) لا احد من مخلوقات اللّٰه يبقى حيا اذا كان غضب يهوه دائما وبلا نهاية. ولكن من المفرح ان سخط اللّٰه ليس إلا لوقت محدَّد. فعندما يحقق السخط قصده، يتوقف. ويساعدنا هذا الفهم الملهم ان ننمي تقديرا عميقا لمحبة يهوه لخليقته.
٢٠ (أ) كيف يتعامل يهوه مع فاعل السوء غير التائب؟ (ب) بأية طرائق يعزِّي يهوه النادم؟
٢٠ ننال المزيد من الفهم من كلمات يهوه التالية. يقول اولا: «من اجل اثم مكسبه غضبتُ وضربته. استترتُ وغضبت فذهب عاصيا في طريق قلبه». (اشعياء ٥٧:١٧) ان الاخطاء المرتكبة بسبب الجشع تؤدي الى حلول سخط اللّٰه. ويبقى اللّٰه غاضبا ما دام الشخص عاصيا في قلبه. ولكن ماذا يحصل اذا تجاوب العاصي مع التأديب؟ عندئذ يُظهر يهوه كيف تدفعه محبته ورأفته الى العمل: «رأيتُ طرقه وسأشفيه وأقوده وأردُّ تعزيات له ولنائحيه». (اشعياء ٥٧:١٨) فبعد الاجراء التأديبي، يشفي يهوه النادم ويعزِّيه هو والنائحين معه. ولهذا السبب تمكَّن اليهود من العودة الى موطنهم سنة ٥٣٧ قم. صحيح ان يهوذا لم تعد مملكة مستقلة يحكمها ملك من سلالة داود، لكنَّ الهيكل في اورشليم أُعيد بناؤه، والعبادة الحقة رُدَّت.
٢١ (أ) كيف أحيا يهوه روح المسيحيين الممسوحين سنة ١٩١٩؟ (ب) اية صفة يحسن بنا كأفراد ان ننميها؟
٢١ اظهر ايضا «العلي المرتفع» يهوه اهتماما بخير البقية الممسوحة سنة ١٩١٩. فبسبب روحهم النادمة والمتواضعة التفت يهوه، الاله العظيم، الى مَذلَّتهم وأنقذهم من الاسر البابلي. وأزال كل المعاثر واقتادهم الى الحرية لكي يعبدوه عبادة نقية. وهكذا كان لكلمات يهوه بواسطة اشعيا اتمام آنذاك. وكذلك تنطوي هذه الكلمات على مبادئ ابدية تنطبق على كل واحد منا. فيهوه لا يقبل العبادة الا من المتواضعي الفكر. وإذا اخطأ احد خدام اللّٰه، فعليه ان يعترف فورا بخطئه ويقبل التوبيخ ويقوِّم طرقه. ولا ننسَ ابدا ان يهوه يشفي ويعزِّي المتواضعين وإنما ‹يقاوم المتكبِّرين›. — يعقوب ٤:٦.
‹سلام للبعيد والقريب›
٢٢ ايّ مستقبل ينبئ به يهوه (أ) للتائب؟ (ب) للشرير؟
٢٢ يقول يهوه، مجريا تباينا بين مستقبل التائبين ومستقبل الذين يواصلون السير في طرقهم الشريرة: ‹انا خالق ثمر الشفتين. سلام سلام للبعيد وللقريب . . . وسأشفيه. اما الاشرار فكالبحر المضطرب لأنه لا يستطيع ان يهدأ وتقذف مياهه حمأة وطينا. ليس سلام . . . للاشرار›. — اشعياء ٥٧:١٩-٢١.
٢٣ ما هو ثمر الشفتين، وبأية طريقة ‹يخلق› يهوه هذا الثمر؟
٢٣ ثمر الشفتين هو ذبيحة التسبيح المقدَّمة للّٰه — اعلان اسمه جهرا. (عبرانيين ١٣:١٥) فكيف ‹يخلق› يهوه هذا الاعلان الجهري؟ لتقديم ذبيحة التسبيح، يجب على الفرد ان يتعلم عن اللّٰه ثم يؤمن به. والايمان — احدى ثمار روح اللّٰه — يدفع هذا الشخص الى إخبار الآخرين بما يسمعه. وبكلمات اخرى، يصنع اعلانا جهريا. (روما ١٠:١٣-١٥؛ غلاطية ٥:٢٢) وينبغي التذكُّر ايضا ان يهوه هو في النهاية مَن يأمر خدامه بأن ينشروا تسبيحه. ويهوه هو الذي يحرِّر شعبه، مما يتيح لهم تقديم ذبائح التسبيح هذه. (١ بطرس ٢:٩) لذلك يمكن القول ان يهوه هو خالق ثمر الشفتين هذا.
٢٤ (أ) مَن يعرفون سلام اللّٰه، وبأية نتيجة؟ (ب) مَن لا يعرفون السلام، وما النتيجة بالنسبة اليهم؟
٢٤ ما اروع ثمر الشفتين الذي يقدِّمه اليهود دون شك عندما يرجعون الى موطنهم وهم يرنمون تسابيح ليهوه! ويسرُّهم دون شك ان يعرفوا سلام اللّٰه، سواء أكانوا في «البعيد» — بعيدا عن يهوذا وبانتظار العودة — ام في «القريب» — في ارض موطنهم. وكم تتباين حالتهم مع حالة الاشرار! فلا سلام لكل مَن لا يتجاوب مع تأديب يهوه — الاشرار أيًّا كانوا وأينما وُجدوا. وحين يُزبِدون كالبحر المضطرب، لا ينتجون ثمر الشفتين بل «حمأة وطينا»، كل ما هو نجس.
٢٥ كيف يعرف السلامَ كثيرون في البعيد والقريب؟
٢٥ واليوم ايضا، يعلن عبّاد يهوه في كل مكان بشارة ملكوت اللّٰه. والمسيحيون في البعيد والقريب، في اكثر من ٢٣٠ بلدا، يقدِّمون ثمر شفاههم، مسبِّحين الاله الحقيقي الوحيد. فالتسابيح التي يرنِّمونها تُسمع «من اقصى الارض». (اشعياء ٤٢:١٠-١٢) والذين يسمعون اقوالهم ويتجاوبون يعتنقون حق كلمة اللّٰه، الكتاب المقدس. وهؤلاء الاشخاص يعرفون السلام، السلام الذي يأتي من خدمة «اللّٰه معطي السلام». — روما ١٦:٢٠.
٢٦ (أ) ايّ مستقبل ينتظر الاشرار؟ (ب) ايّ وعد عظيم يُقطع للودعاء، وماذا ينبغي ان نحرص عليه؟
٢٦ صحيح ان الاشرار لا يعيرون رسالة الملكوت اهتماما، ولكن بعد قليل لن يُسمح لهم بتعكير سلام الابرار. يعد يهوه: «بعد قليل لا يكون الشرير». وسيرث المتوكلون على يهوه الارض بطريقة رائعة. «اما الودعاء فيرثون الارض ويتلذذون في كثرة السلامة». (مزمور ٣٧:١٠، ١١، ٢٩) وكم ستصير ارضنا مكانا رائعا! فلنحرص جميعا على عدم خسارة سلام اللّٰه، وهكذا نتمكن من ترنيم تسابيح للّٰه الى الابد.
[الحاشيتان]
a يُحتمل ان تشير كلمة «مضجع» الى المذبح او الى موقع العبادة الوثنية. وإطلاق كلمة مضجع عليه يذكِّر بأن هذا النوع من العبادة هو زنا روحي.
b ربما مثَّلت السواري العنصر الانثوي فيما كانت الانصاب رموزا الى القضيب. وكلاهما استخدمهما سكان يهوذا غير الامناء. — ٢ ملوك ١٨:٤، عج؛ ٢٣:١٤، عج.
[الصورة في الصفحة ٢٦٣]
تمارس يهوذا عبادة فاسدة ادبيا تحت كل شجرة خضراء
[الصورة في الصفحة ٢٦٧]
تبني يهوذا مذابح في كل الارض
[الصورة في الصفحة ٢٧٥]
‹انا خالق ثمر الشفتين›
-
-
الرياء يشهَّر!نبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل التاسع عشر
الرياء يشهَّر!
١ كيف ينظر يهوه ويسوع الى الرياء، وأيّ شكل يتخذه الرياء في ايام اشعيا؟
قال يسوع للقادة الدينيين في ايامه: «من خارج تظهرون للناس أبرارا، ولكنكم في الداخل مملوؤون رياء وتعدِّيًا على الشريعة». (متى ٢٣:٢٨) تعكس ادانة يسوع للرياء وجهة نظر ابيه السماوي. ويركز الاصحاح ٥٨ من سفر اشعياء الانتباه خصوصا على الرياء المتفشي في يهوذا. فالبلاد يعمّها النزاع والظلم والعنف، وصار حفظ السبت مجرد طقس لا معنى له. ولا يؤدي الشعب ليهوه سوى خدمة شكلية، ويتظاهرون بالتقوى بصومهم صوما لا اخلاص فيه. فلا عجب ان يشهِّرهم يهوه بما هم عليه!
‹أَخبِر الشعب بخطاياهم›
٢ اية روح يعرب اشعيا عنها فيما يعلن رسالة اللّٰه، ومَن مثله اليوم؟
٢ مع ان يهوه مشمئز من سلوك يهوذا، تتضمن كلماته دعوة قلبية الى الامة ليتوبوا. ومع ذلك لا يريد يهوه ان يكون توبيخه مطموسا. لذلك يأمر اللّٰه اشعيا: «نادِ بصوت عال. لا تمسك. ارفع صوتكَ كبوق وأخبر شعبي بتعدِّيهم وبيت يعقوب بخطاياهم». (اشعياء ٥٨:١) قد يعادي الشعبُ اشعيا لأنه يعلن كلام يهوه بجرأة، لكنَّ ذلك لا يجعله يتقاعس. فلا تزال عنده روح التفاني التي اعرب عنها حين قال: «هأنذا ارسلني». (اشعياء ٦:٨) فيا لَإشعيا من مثال جيد للاحتمال يتعلم منه شهود يهوه العصريون المأمورون ايضا ان يكرزوا بكلمة اللّٰه ويشهِّروا الرياء الديني! — مزمور ١١٨:٦؛ ٢ تيموثاوس ٤:١-٥.
٣، ٤ (أ) ايّ مظهر زائف يتخذه الناس في ايام اشعيا؟ (ب) ما هي حقيقة الوضع في يهوذا؟
٣ ظاهريا، يطلب الناس في ايام اشعيا يهوه ويسرّون بأحكامه البارة. يقول يهوه: «إياي يطلبون يوما فيوما ويسرّون بمعرفة طرقي كأمة عملت برا ولم تترك قضاء الهها. يسألونني عن احكام البر. يسرّون بالتقرُّب الى اللّٰه». (اشعياء ٥٨:٢) فهل هذه المسرّة بطرق يهوه اصيلة؟ كلا. انهم «كأمة عملت برا»، إنما بشكل ظاهري فقط. فهذه الامة في الحقيقة ‹تركت قضاء الهها›.
٤ هذا الوضع يشبه كثيرا ما كُشف لاحقا للنبي حزقيال. قال يهوه لحزقيال ان اليهود يقولون بعضهم لبعض: «هلم اسمعوا ما هو الكلام الخارج من عند الرب». لكنَّ اللّٰه حذر حزقيال من عدم صدقهم: «يأتون اليك . . . ويسمعون كلامك ولا يعملون به لأنهم بأفواههم يُظهرون اشواقا وقلبهم ذاهب وراء كسبهم. وها انت لهم كشِعر اشواق لجميل الصوت يحسن العزف فيسمعون كلامك ولا يعملون به». (حزقيال ٣٣:٣٠-٣٢) ويدَّعي معاصرو اشعيا ايضا انهم يطلبون يهوه على الدوام، لكنهم لا يطيعون كلامه.
صوم ريائي
٥ كيف يحاول اليهود ان يكسبوا الرضا الالهي، وما هو رد فعل يهوه؟
٥ يصوم اليهود في محاولة لكسب الرضا الالهي، لكنَّ تقواهم المزعومة تبعدهم اكثر عن يهوه. فيسألون وكأنهم حائرون: «لماذا صمنا ولم تنظر. ذلَّلنا انفسنا ولم تلاحظ». فيجيب يهوه بصراحة: «ها انكم في يوم صومكم توجدون مسرّة وبكل اشغالكم تسخِّرون. ها انكم للخصومة والنزاع تصومون ولتضربوا بلكمة الشر. لستم تصومون كما اليوم لتسميع صوتكم في العلاء. أمثل هذا يكون صوم اختاره. يوما يذلِّل الانسان فيه نفسه يُحني كالاسلة رأسه ويفرش تحته مسحا ورمادا. هل تسمي هذا صوما ويوما مقبولا للرب». — اشعياء ٥٨:٣-٥.
٦ ماذا يفعل اليهود مما يُظهر ان صومهم ريائي؟
٦ فيما يصوم الشعب ويتظاهرون بالبر ويطلبون ايضا احكام يهوه البارة، يسعون وراء الملذات الانانية والمصالح التجارية. وينهمكون في النزاع والظلم والعنف. وفي محاولة لتمويه سلوكهم الرديء، يتظاهرون بأنهم ينوحون — مُحنِين رؤوسهم كنبات الأسَل وجالسين في المسح والرماد — كما لو انهم تائبون عن خطاياهم. ولكن ما قيمة كل ذلك اذا استمروا في العصيان؟ فهُم لا يعربون عن ذرَّة حزن وتوبة حقيقيَّين، صفتان ينبغي ان ترافقا الاصوام الصادقة. ومع ان صوت نحيبهم قوي، فهو لا يُسمع في السماء.
٧ كيف تصرَّف اليهود في ايام يسوع برياء، وكيف يعمل كثيرون اليوم الامر ذاته؟
٧ كان اليهود ايام يسوع يلتزمون ايضا بصوم طقسي شكلي، وكان البعض يقوم بذلك مرتين في الاسبوع! (متى ٦:١٦-١٨؛ لوقا ١٨:١١، ١٢) وكثيرون من القادة الدينيين فعلوا مثل جيل اشعيا وأعربوا عن قساوة واستبداد. لذلك شهَّر يسوع بشجاعة هؤلاء المرائين الدينيين، قائلا لهم ان العبادة التي يؤدّونها بهذا الشكل غير مجدية. (متى ١٥:٧-٩) واليوم ايضا، يعلن الملايين «جهرا أنهم يعرفون اللّٰه، لكنهم بأعمالهم ينكرونه كليا، لأنهم كريهون وعصاة وغير مرضي عنهم من جهة أي عمل صالح». (تيطس ١:١٦) ومع ان هؤلاء ربما يرجون رحمة اللّٰه، يُظهر سلوكهم عدم اخلاصهم. وبالتباين، يعرب شهود يهوه عن تعبُّد حقيقي للّٰه ومحبة اخوية اصيلة. — يوحنا ١٣:٣٥.
ما تتطلبه التوبة الحقيقية
٨، ٩ اية اعمال ايجابية يجب ان ترافق التوبة المخلصة؟
٨ يريد يهوه من شعبه ان يفعلوا اكثر من الصوم من اجل خطاياهم، فهو يريد منهم ان يتوبوا. وعندئذ ينالون رضاه. (حزقيال ١٨:٢٣، ٣٢) ويوضح انه لكي يكون الصوم مقبولا، يجب ان يرافقه تصحيح للخطايا الماضية. تأملوا في السؤال العميق الذي يطرحه يهوه: «أليس هذا صوما اختاره حل قيود الشر. فك عقد النير وإطلاق المسحوقين احرارا وقطع كل نير». — اشعياء ٥٨:٦.
٩ القيود والنير رمزان مناسبان الى الاستعباد القاسي. لذلك بدلا من الصوم وفي نفس الوقت معاملة الرفقاء المؤمنين بظلم، يجب على الشعب ان يطيع الوصية: «تحب قريبك كنفسك». (لاويين ١٩:١٨) فينبغي ان يطلقوا كل الذين يقمعونهم ويستعبدونهم ظلما.a والممارسات الدينية الجارية من اجل المظاهر، كالصوم، ليست بديلا للتعبُّد الحقيقي للّٰه وللأعمال التي تدل على محبة اخوية. يكتب النبي ميخا، وهو معاصر لإشعيا: «ماذا يطلبه منك الرب إلا ان تصنع الحق [«العدل»، عج] وتحب الرحمة وتسلك متواضعا مع الهك». — ميخا ٦:٨.
١٠، ١١ (أ) ما الافضل من الصوم بالنسبة الى اليهود؟ (ب) كيف يمكن ان يطبق المسيحيون اليوم مشورة يهوه لليهود؟
١٠ ان العدل والرحمة والتواضع تستلزم فعل الخير للآخرين، وهذا جوهر شريعة يهوه. (متى ٧:١٢) والافضل من الصوم بكثير هو ان يشاركوا المحتاجين في الوفر الذي عندهم. يسأل يهوه: «أليس [الصوم الذي اختاره] ان تكسر للجائع خبزك وأن تُدخل المساكين التائهين الى بيتك. اذا رأيتَ عريانا ان تكسوه وأن لا تتغاضى عن لحمك». (اشعياء ٥٨:٧) نعم، بدلا من الصوم من اجل المظاهر، ينبغي لمَن في طاقتهم ان يؤمّنوا الطعام او اللباس او المسكن لإخوتهم المحتاجين من سكان يهوذا — لحمهم.
١١ هذه المبادئ الجميلة عن المحبة الاخوية والرأفة، كما يعبِّر عنها يهوه، لا تنطبق فقط على اليهود في ايام اشعيا. فهي ترشد المسيحيين ايضا. لذلك كتب الرسول بولس: «ما دامت لنا الفرصة، فلنصنع الصلاح الى الجميع، وخصوصا الى اهل الإيمان». (غلاطية ٦:١٠) فيجب ان تتسم الجماعة المسيحية بالمحبة والمودة الاخوية، وخصوصا في هذه الازمنة الحرجة التي نعيشها. — ٢ تيموثاوس ٣:١؛ يعقوب ١:٢٧.
الطاعة تجلب بركات غنية
١٢ ماذا سيفعل يهوه اذا اطاعه شعبه؟
١٢ ليت شعب يهوه يدركون اهمية الاصغاء الى توبيخه الحبي! يقول يهوه: «حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك وتنبت صحتك سريعا ويسير برك امامك ومجد الرب يجمع ساقتك. حينئذ تدعو فيجيب الرب. تستغيث فيقول هأنذا». (اشعياء ٥٨:٨، ٩ أ) يا لها من كلمات دافئة وجميلة! فيهوه يبارك ويحمي الذين يسرّون باللطف الحبي والبر. وإذا تاب شعب يهوه عن قساوتهم وريائهم وأطاعوه، فستُشرِق حياتهم. وسيمنح يهوه ‹الصحة›، الشفاء الروحي والجسدي، للامة. كما انه سيحفظهم كما حفظ آباءهم حين كانوا يغادرون مصر. وسيستجيب بسرعة نداءات الاستغاثة التي يطلقونها. — خروج ١٤:١٩، ٢٠، ٣١.
١٣ اية بركات تنتظر اليهود اذا تجاوبوا مع مناشدة يهوه؟
١٣ يكمل يهوه الآن مناشدته السابقة، قائلا: «إن نزعت من وسطك النير [الاستعباد القاسي والظالم] والايماء بالاصبع [ربما تعبيرا عن الاستهزاء او الاتهام الباطل] وكلام الاثم وأنفقت نفسك للجائع وأشبعت النفس الذليلة يشرق في الظلمة نورك ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر». (اشعياء ٥٨:٩ب، ١٠) الانانية والقساوة لا تنفعان صاحبهما بشيء، لا بل تجلبان سخط يهوه عليه. أما اللطف والسخاء، وخصوصا من اجل الجائع والذليل، فينتجان بركة غنية من اللّٰه. فليت اليهود يحملون هذه الحقائق محمل الجد! فحينئذ يتألق ازدهارهم الروحي كوضح النهار، طاردا ايّ اثر للظلمة. والاهم هو انهم حينئذ يكرّمون ويسبّحون يهوه، مصدر مجدهم وبركاتهم. — ١ ملوك ٨:٤١-٤٣.
أمة مستردة
١٤ (أ) كيف يتجاوب معاصرو اشعيا مع كلماته؟ (ب) ماذا يعطي يهوه رغم ذلك؟
١٤ ولكن من المؤسف ان الامة تتجاهل مناشدة يهوه وتنغمس اكثر في الشر. وفي النهاية يضطر يهوه الى سبيهم، كما سبق فحذَّر. (تثنية ٢٨:١٥، ٣٦، ٣٧، ٦٤، ٦٥) رغم ذلك، تحمل كلمات يهوه التالية بواسطة اشعيا بصيص امل. فيهوه ينبئ بأن بقية نادمة مؤدَّبة ستعود الى ارض يهوذا بفرح، مع ان الارض ستكون مقفرة.
١٥ ايّ رد مفرح ينبئ به يهوه؟
١٥ يقول يهوه بواسطة اشعيا، في اشارة الى رد شعبه سنة ٥٣٧ قم: «يقودك الرب على الدوام ويشبع في الجدوب نفسك وينشِّط عظامك فتصير كجنة ريَّا وكنبع مياه لا تنقطع مياهه». (اشعياء ٥٨:١١) سيحوِّل يهوه موطن اسرائيل من ارض محروقة الى ارض خصبة منتجة. والاروع من ذلك هو انه سيبارك شعبه التائب، منشِّطا ‹عظامهم› اذ يرفعهم من حالة الموت الروحي الى ذروة الحيوية. (حزقيال ٣٧:١-١٤) وسيصير الشعب «جنة ريا» مليئة بالثمار الروحية.
١٦ كيف ستُرد الارض؟
١٦ سيشمل الرد اعادة بناء المدن التي دمرها الغزاة البابليون سنة ٦٠٧ قم. «منك تُبنى الخرب القديمة. تقيم اساسات دور فدور فيسمّونك مرمِّم الثغرة مُرجِع المسالك للسكنى». (اشعياء ٥٨:١٢) تُظهر العبارتان المتشابهتان «الخرب القديمة» و «اساسات دور فدور» (اي الاساسات التي بقيت خربة اجيالا) ان البقية العائدة ستعيد بناء مدن يهوذا الخربة، وخصوصا اورشليم. (نحميا ٢:٥؛ ١٢:٢٧؛ اشعياء ٤٤:٢٨) فسيرمِّمون «الثغرة» — كلمة مستعملة هنا للاشارة الى الصدوع في اسوار اورشليم ودون شك في اسوار المدن الاخرى ايضا. — ارميا ٣١:٣٨-٤٠؛ عاموس ٩:١٤.
بركات تنجم عن حفظ السبت بأمانة
١٧ كيف يناشد يهوه شعبه ان يطيعوا شرائع السبت؟
١٧ كان السبت تعبيرا عن اهتمام اللّٰه العميق بخير شعبه الجسدي والروحي. قال يسوع: «السبت وُجد لأجل الإنسان». (مرقس ٢:٢٧) فهذا اليوم الذي قدَّسه يهوه اتاح للاسرائيليين الفرصة الخصوصية ليعبِّروا عن محبتهم للّٰه. ولكن من المؤسف ان هذا اليوم، بحلول زمن اشعيا، صار يوما لحفظ الشعائر الفارغة والانغماس في الشهوات الانانية. وهذه المرة ايضا، صار عند يهوه سبب ليؤنب شعبه. ومرة اخرى، يحاول ان يبلغ قلوبهم. يقول: «إن رددتَ عن السبت رِجلك عن عمل مسرتك يوم قدسي ودعوت السبت لذة ومقدَّس الرب مكرما وأكرمته عن عمل طرقك وعن ايجاد مسرتك والتكلم بكلامك فإنك حينئذ تتلذذ بالرب وأركِّبك على مرتفعات الارض وأطعمك ميراث يعقوب ابيك لأن فم الرب تكلم». — اشعياء ٥٨:١٣، ١٤.
١٨ ماذا سينتج من عدم حفظ يهوذا للسبت؟
١٨ السبت هو يوم للتأمل الروحي والصلاة وعبادة اللّٰه كعائلة. وينبغي ان يساعد اليهود على التأمل في عجائب يهوه من اجلهم وفي العدل والمحبة الظاهرَين في شريعته. وهكذا ينبغي ان يساعد حفظ هذا اليوم المقدَّس بأمانة الشعب على الاقتراب اكثر الى الههم. لكنهم يشوِّهون الهدف من السبت، وبسبب ذلك هم في خطر ان يقطع يهوه بركته عنهم. — لاويين ٢٦:٣٤؛ ٢ أخبار الايام ٣٦:٢١.
١٩ اية بركات غنية تنتظر شعب اللّٰه اذا عادوا وحفظوا السبت؟
١٩ ومع ذلك، اذا تعلَّم اليهود من التأديب وحفظوا ترتيب السبت، فسينالون بركات غنية. والتأثيرات الجيدة للعبادة الحقة ولاحترام السبت ستنعكس ايجابا على كل اوجه حياتهم. (تثنية ٢٨:١-١٣؛ مزمور ١٩:٧-١١) مثلا، ‹سيركِّب› يهوه شعبه «على مرتفعات الارض». وهذه العبارة تعني الامن وقهر الاعداء. فمَن يسيطر على المرتفعات — التلال والجبال — يسيطر على الارض. (تثنية ٣٢:١٣؛ ٣٣:٢٩) وقد سبق ان اطاعت اسرائيل اللّٰه، وتمتعت بحمايته، وكانت الامم الاخرى تحترمها، لا بل تخشاها. (يشوع ٢:٩-١١؛ ١ ملوك ٤:٢٠، ٢١) فإذا عادوا وأطاعوا يهوه، يرجع اليهم بعض من ذلك المجد السابق. وسيعطي يهوه شعبه نصيبا كاملا في «ميراث يعقوب» — البركات التي يعد بها عهد اللّٰه مع آبائهم، وخصوصا بركات امتلاك ارض الموعد والعيش بأمان فيها. — مزمور ١٠٥:٨-١١.
٢٠ اية «راحة سبت» تبقى للمسيحيين؟
٢٠ وهل من درس يتعلمه المسيحيون من ذلك؟ عندما مات يسوع المسيح، أُزيلت الشريعة الموسوية بما فيها مطلب السبت. (كولوسي ٢:١٦، ١٧) لكنَّ الروح التي شجَّع عليها حفظ السبت في يهوذا — وضع المصالح الروحية اولا والاقتراب الى اللّٰه — لا تزال مهمة لعبّاد يهوه. (متى ٦:٣٣؛ يعقوب ٤:٨) وبالاضافة الى ذلك، يقول بولس في رسالته الى العبرانيين: «تبقى راحة سبت لشعب اللّٰه». فالمسيحيون يدخلون ‹راحة السبت› هذه بإطاعة يهوه والسعي في اثر البر المؤسس على الايمان بدم يسوع المسيح المسفوك. (عبرانيين ٣:١٢، ١٨، ١٩؛ ٤:٦، ٩-١١، ١٤-١٦) وبالنسبة الى المسيحيين، لا يُحفظ هذا النوع من السبوت يوما واحدا في الاسبوع بل كل يوم. — كولوسي ٣:٢٣، ٢٤.
اسرائيل الروحي ‹يركب على مرتفعات الارض›
٢١، ٢٢ بأية طريقة ‹يركّب› يهوه اسرائيل اللّٰه «على مرتفعات الارض»؟
٢١ يحفظ المسيحيون الممسوحون بأمانة ما يرمز اليه السبت منذ اطلاقهم من الاسر البابلي سنة ١٩١٩. ونتيجةً لذلك ‹ركَّبهم يهوه على مرتفعات الارض›. بأيّ معنى؟ في سنة ١٥١٣ قم، قطع يهوه عهدا مع المتحدِّرين من ابراهيم ان يصيروا مملكة كهنة وأمة مقدسة بشرط ان يطيعوه. (خروج ١٩:٥، ٦) وطوال الـ ٤٠ سنة في البرية، حملهم يهوه بأمان كما يحمل النسر فراخه، وباركهم بوفرة من ضرورات الحياة. (تثنية ٣٢:١٠-١٢) لكنَّ الامة كانت عديمة الايمان، وخسرت في النهاية كل الامتيازات التي كان يمكن ان تحصل عليها. ومع ذلك، لدى يهوه اليوم مملكة من الكهنة. انها اسرائيل اللّٰه الروحي. — غلاطية ٦:١٦؛ ١ بطرس ٢:٩.
٢٢ خلال «وقت النهاية»، فعلت هذه الامة الروحية ما لم تفعله اسرائيل القديمة. لقد حافظت على الايمان بيهوه. (دانيال ٨:١٧، عج) وبما ان اعضاءها يحفظون مقاييس يهوه الرفيعة وطرقه السامية بدقة، يرفعهم يهوه الى العلاء بمعنى روحي. (امثال ٤:٤، ٥، ٨؛ كشف ١١:١٢) فهم يتمتعون بنمط حياة رفيع اذ صاروا محميِّين من النجاسة المحيطة بهم، وبدلا من اصرارهم على السير في طرقهم الخاصة، ‹يتلذذون بيهوه› وكلمته. (مزمور ٣٧:٤) وقد حفظهم يهوه آمنين روحيا في وجه المقاومة العنيدة حول العالم. فمنذ سنة ١٩١٩ لم تُخترق ‹ارضهم› الروحية. (اشعياء ٦٦:٨، عج) ولا يزالون شعبا لاسمه الرفيع الذي يعلنونه بفرح حول العالم. (تثنية ٣٢:٣؛ اعمال ١٥:١٤) كما ان عددا متزايدا من الودعاء من كل الامم يشاركونهم اليوم في امتياز تعلُّم طرق يهوه ويساعَدون على السير في سبله.
٢٣ كيف «اطعم» يهوه خدامه الممسوحين «ميراث يعقوب»؟
٢٣ كما ان يهوه «اطعم» خدامه الممسوحين «ميراث يعقوب». عندما بارك اسحاق يعقوب بدلا من عيسو، انبأت كلمات هذا الاب الجليل بالبركات على كل مَن يمارس الايمان بنسل ابراهيم الموعود به. (تكوين ٢٧:٢٧-٢٩؛ غلاطية ٣:١٦، ١٧) والمسيحيون الممسوحون ورفقاؤهم — مثل يعقوب وبعكس عيسو — ‹يقدِّرون الامور المقدسة›، وخصوصا الطعام الروحي الذي يزوِّده اللّٰه بوفرة. (عبرانيين ١٢:١٦، ١٧؛ متى ٤:٤) وهذا الطعام الروحي — الذي يشمل معرفة ما ينجزه يهوه من خلال النسل الموعود به وعشراء هذا النسل — هو طعام مقوٍّ ومنشِّط وضروري لحياتهم الروحية. لذلك من المهم ان يتناولوا باستمرار هذا الغذاء الروحي بقراءة كلمة اللّٰه والتأمل فيها. (مزمور ١:١-٣) ومن الضروري جدا ان يعاشروا الرفقاء المؤمنين في الاجتماعات المسيحية. ويلزم ان يؤيدوا المقاييس الرفيعة للعبادة الحقة فيما يشاركون الآخرين في هذا الغذاء بفرح.
٢٤ كيف يتصرَّف المسيحيون الحقيقيون اليوم؟
٢٤ فليستمر المسيحيون الحقيقيون في رفض الرياء بكل انواعه، منتظرين بتوق اتمام وعود يهوه. وبالتغذي بـ «ميراث يعقوب»، ليستمروا في التمتع بالامان الروحي على «مرتفعات الارض».
[الحاشية]
a رتَّب يهوه ان يبيع افرادُ شعبه الذين يقعون في الدَّين انفسَهم للعبودية — كما لو انهم يصيرون عمالا مأجورين — ليسدِّدوا دَينهم. (لاويين ٢٥:٣٩-٤٣) لكنَّ الشريعة الموسوية فرضت معاملة العبيد بلطف. والعبيد الذين يعامَلون بوحشية يُطلَقون احرارا. — خروج ٢١:٢، ٣، ٢٦، ٢٧؛ تثنية ١٥:١٢-١٥.
[الصورة في الصفحة ٢٧٨]
صام اليهود وأحنوا رؤوسهم متظاهرين بالتوبة — لكنهم لم يغيِّروا طرقهم
[الصورة في الصفحة ٢٨٣]
الذين في طاقتهم تقديم المساعدة يؤمّنون المسكن او اللباس او الطعام للمحتاجين
[الصورة في الصفحة ٢٨٦]
اذا تابت يهوذا، فستعيد بناء مدنها الخربة
-
-
يد يهوه لم تقصُرنبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل العشرون
يد يهوه لم تقصُر
١ ايّ وضع سائد في يهوذا، وماذا يتساءل كثيرون؟
تدَّعي امة يهوذا انها في علاقة عهد بيهوه. لكنَّ المشاكل تعمّ البلاد. كما ان العدل مفقود والجريمة والظلم متفشيان، والآمال بتحسُّن الاوضاع لا تتحقق. فثمة شيء خطير يجري. وكثيرون يتساءلون هل سيقوِّم يهوه الامور ام لا. هذه هي الحالة في ايام اشعيا. لكنَّ رواية اشعيا عن ايامه ليست مجرد تاريخ قديم. فكلماته تحتوي على تحذيرات نبوية موجَّهة الى كل مَن يدَّعي عبادة اللّٰه ولكنه يتجاهل شرائعه. وتمنح النبوة الملهمة المسجلة في سفر اشعياء الاصحاح ٥٩ تشجيعا لطيفا لجميع الذين يجاهدون ليخدموا يهوه رغم عيشهم في ازمنة صعبة وخطرة.
مبتعدون عن الاله الحقيقي
٢، ٣ لماذا لا يحمي يهوه يهوذا؟
٢ تخيلوا هذا: شعب عهد يهوه اصبح مرتدًّا! وهم يديرون ظهرهم لصانعهم، الامر الذي يبعدهم عن حِمى يده. وبسبب ذلك يعانون ضيقا شديدا. فهل يلومون يهوه ربما على الاوقات الصعبة التي يمرون بها؟ يقول لهم اشعيا: «ها ان يد الرب لم تقصُر عن ان تخلّص ولم تثقل اذنه عن ان تسمع. بل آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين الهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع». — اشعياء ٥٩:١، ٢.
٣ انها لَكلمات قوية، لكنها تعبِّر عن الحقيقة. فلا يزال يهوه اله الخلاص. وبصفته «سامع الصلاة»، يستمع الى صلوات خدامه الامناء. (مزمور ٦٥:٢) لكنه لا يبارك فاعلي الاثم. والشعب انفسهم هم المسؤولون عن ابتعادهم عن يهوه. فشرُّهم هو الذي يجعله يستر وجهه عنهم.
٤ اية تهم وُجهت الى يهوذا؟
٤ ان سجل يهوذا حافل فعلا بأشياء فظيعة. وتعدِّد نبوة اشعيا بعض التهم الموجهة اليهم: «ايديكم قد تنجست بالدم وأصابعكم بالاثم. شفاهكم تكلمت بالكذب ولسانكم يلهج بالشر [«بالاثم»، يج]». (اشعياء ٥٩:٣) فالشعب يكذبون ويتفوَّهون بأمور اثيمة. وتشير عبارة «ايديكم قد تنجست بالدم» الى ان البعض ارتكبوا جرائم قتل. فيا للعار الذي يجلبه ذلك على اللّٰه، الذي لم تحرِّم شريعته القتل فحسب بل امرت ‹بعدم بغض الاخ في القلب›! (لاويين ١٩:١٧) ان جماح شر سكان يهوذا والنتيجة الحتمية لذلك ينبغي ان يذكّرا كل واحد منا اليوم بأهمية كبح الافكار والمشاعر الخاطئة. وإلا انتهى بنا الامر الى ارتكاب الاعمال الشريرة التي تفصلنا عن اللّٰه. — روما ١٢:٩؛ غلاطية ٥:١٥؛ يعقوب ١:١٤، ١٥.
٥ الى ايّ حد وصل فساد يهوذا؟
٥ لقد انتقلت عدوى الخطية الى كل الامة. تقول النبوة: «ليس مَن يدعو بالعدل [«بالبر»، يج] وليس مَن يحاكم بالحق. يتكلون على الباطل ويتكلمون بالكذب. قد حبلوا بتعب وولدوا اثما». (اشعياء ٥٩:٤) لا احد ينطق بالبر. حتى في محاكم العدل، نادرا ما يمكن ايجاد شخص امين يمكن الوثوق به. لقد ادارت يهوذا ظهرها ليهوه واتكلت على تحالفاتها مع الامم وعلى اصنام لا حياة فيها. كل ذلك «باطل»، بلا اية قيمة. (اشعياء ٤٠:١٧، ٢٣؛ ٤١:٢٩) لذلك تدور مناقشات كثيرة، لكنَّ كل ذلك لا ينفع. فالخطط توضع، ولكنها لا تؤدي الا الى مزيد من الاتعاب والاثم.
٦ كيف يماثل سجل العالم المسيحي سجل يهوذا؟
٦ هنالك تشابه مدهش في الاثم والعنف بين يهوذا والعالم المسيحي. (انظروا «اورشليم المرتدة — تشابُه مع العالم المسيحي» في الصفحة ٢٩٤.) فقد اندلعت حربان عالميتان ضاريتان شملتا دولا تدَّعي المسيحية. ولم يزل دين العالم المسيحي عاجزا حتى اليوم عن ايقاف التطهير العرقي والمذابح القبلية بين اعضائه. (٢ تيموثاوس ٣:٥) ومع ان يسوع علَّم أتباعه ان يثقوا بملكوت اللّٰه، تستمر دول العالم المسيحي في الاتكال على الترسانات الحربية والتحالفات السياسية لتحقيق الامن. (متى ٦:١٠) حتى ان معظم كبار منتجي الاسلحة في العالم موجودون ضمن دول العالم المسيحي! نعم، عندما يتكل العالم المسيحي على الجهود والمؤسسات البشرية لتحقيق مستقبل آمن، يكون اتكاله هو ايضا على «الباطل».
حصاد مُر
٧ لماذا لا تجلب مخططات يهوذا الا الضرر؟
٧ لا يمكن ان يتأسس مجتمع سليم على الصنمية والكذب. وبما ان اليهود غير الامناء يلجأون اليهما، فهم يحصدون الشقاء الذي زرعوه بأيديهم. نقرأ: «فقسوا بيض افعى ونسجوا خيوط العنكبوت. الآكل من بيضهم يموت والتي تُكسر تُخرج افعى». (اشعياء ٥٩:٥) فمخططات يهوذا، من لحظة التفكير فيها الى تنفيذها، لا تنتج شيئا معتبَرا. ولا يؤدي تفكيرهم الخاطئ الا الى الشر، كما ان بيض الافعى السامة لا يفقس الا افاعي سامة. وبسبب ذلك تعاني الامة الامرَّين.
٨ ما الذي يُظهر التفكير الخاطئ عند يهوذا؟
٨ ربما يلجأ بعض سكان يهوذا الى العنف لكي يحموا انفسهم، لكنهم سيفشلون. فالقوة الجسدية لا يمكن ان تحل محل الثقة بيهوه وأعمال البر، وهي لا تزود الحماية كما ان نسيج خيوط العنكبوت لا يمكن ان يُستخدم مكان القماش للحماية من الطقس العاصف. يعلن اشعيا: «خيوطهم لا تصير ثوبا ولا يكتسون بأعمالهم. اعمالهم اعمال اثم وفعل الظلم [«العنف»، عج] في ايديهم. ارجلهم الى الشر تجري وتسرع الى سفك الدم الزكي. افكارهم افكار اثم. في طرقهم اغتصاب وسحق». (اشعياء ٥٩:٦، ٧) ليس تفكير يهوذا صحيحا. فباللجوء الى العنف كمحاولة لحل مشاكلها، تُظهر موقفا لا ينسجم مع الشريعة الالهية. فلا يهمُّها ان كثيرين من ضحاياها ابرياء وأن بعضهم خدام حقيقيون للّٰه.
٩ لماذا لن يحصل قادة العالم المسيحي على السلام الحقيقي؟
٩ تذكّرنا هذه الكلمات الملهمة بسجل العالم المسيحي الحافل بسفك الدم. ولا شك ان يهوه سيحاسبه على تشويهه المريع للمسيحية! فكاليهود في ايام اشعيا، سار العالم المسيحي في طريق ملتو ادبيا لأن قادته رأوا انه الطريق العملي الوحيد. وفيما يتكلمون عن السلام، تمتلئ ايديهم ظلما. فيا لهذا النفاق! ولكن بما ان قادة العالم المسيحي يستخدمون هذا الاسلوب، فلن يحصلوا ابدا على السلام الحقيقي. فكما تمضي النبوة قائلة: «طريق السلام لم يعرفوه وليس في مسالكهم عدل. جعلوا لأنفسهم سبلا معْوَجَّة. كل مَن يسير فيها لا يعرف سلاما». — اشعياء ٥٩:٨.
التيهان في ظلام روحي
١٠ بماذا يعترف اشعيا باسم يهوذا؟
١٠ لا يمكن ان يبارك يهوه طرق يهوذا الملتوية والمهلكة. (مزمور ١١:٥) لذلك يعترف اشعيا بذنب يهوذا، متكلما بلسان كامل الامة: «من اجل ذلك ابتعد الحق عنا ولم يدركنا العدل. ننتظر نورا فإذا ظلام. ضياء فنسير في ظلام دامس. نتلمس الحائط كعمي وكالذي بلا اعين نتجسس. قد عثرنا في الظهر كما في العتمة. في الضباب كموتى. نزأر كلنا كدُبَّة وكحمام هدرا نهدر». (اشعياء ٥٩:٩-١١ أ) لم يجعل اليهود كلمة اللّٰه سراجا لأرجلهم ونورا لسبيلهم. (مزمور ١١٩:١٠٥) لذلك تَسْوَدُّ الامور امامهم. حتى وقت الظهر يتلمسون طريقهم كما لو ان الظلام قد حلّ. انهم اشبه بالموتى. ومن شدة توقهم الى الراحة، يزأرون كدببة جائعة او جريحة. وبعضهم يهدر بطريقة تثير الشفقة، كالحمام المتوحِّد.
١١ لماذا آمال يهوذا بتحقيق العدل والخلاص هي دون جدوى؟
١١ يعرف اشعيا جيدا ان سبب مصيبة يهوذا هو العصيان على اللّٰه. يقول: «ننتظر عدلا وليس هو وخلاصا فيبتعد عنا. لأن معاصينا كثرت امامك وخطايانا تشهد علينا لأن معاصينا معنا وآثامنا نعرفها. تعدَّينا وكذبنا على الرب وحِدْنا من وراء الهنا. تكلمنا بالظلم والمعصية حبلنا ولهجنا من القلب بكلام الكذب». (اشعياء ٥٩:١١ب-١٣) بما ان سكان يهوذا لم يتوبوا، فلا تزال خطاياهم تُحتسب عليهم. لقد هجر العدل الارض لأن الشعب هجروا يهوه. وتبيَّن مرة بعد اخرى انهم كاذبون، حتى انهم ظلموا اخوتهم. فكم يوجد اشخاص مثلهم في العالم المسيحي اليوم! فلا يكتفي كثيرون بتجاهل العدل بل يضطهدون بشدة ايضا شهود يهوه الامناء الذين يطلبون فعل مشيئة اللّٰه.
يهوه ينفذ دينونته
١٢ ما هو موقف المسؤولين عن اجراء العدل في يهوذا؟
١٢ يبدو انه لا عدل ولا بر ولا حق في يهوذا. «ارتدَّ الحق [«العدل»، عج] الى الوراء والعدل [«البر»، عج] يقف بعيدا. لأن الصدق [«الحق»، عج] سقط في الشارع [«الساحة العامة»، عج] والاستقامة لا تستطيع الدخول». (اشعياء ٥٩:١٤) خلف بوابات المدن في يهوذا، هنالك ساحات عامة يجتمع فيها الشيوخ للنظر في المسائل القضائية. (راعوث ٤:١، ٢، ١١) وينبغي ان يقضي هؤلاء الرجال بالبر ويُجروا العدل، ولا يقبلوا اية رشوة. (تثنية ١٦:١٨-٢٠) لكنهم يقضون بحسب افكارهم الانانية الخاصة. والاسوأ هو انهم يعتبرون كل مَن يحاول بإخلاص فعلَ الخير فريسة سهلة لهم. نقرأ: «صار الصدق معدوما والحائد عن الشر يُسلَب». — اشعياء ٥٩:١٥ أ.
١٣ ماذا سيفعل يهوه بما ان قضاة يهوذا متقاعسون عن اداء واجباتهم؟
١٣ ان الذين لا يستنكرون هذا الانحراف الادبي ينسون ان اللّٰه ليس اعمى او جاهلا او عاجزا. يكتب اشعيا: «رأى الرب وساء في عينيه انه ليس عدل. فرأى انه ليس انسان وتحير من انه ليس شفيع. فخلّصت ذراعه لنفسه وبره هو عضده». (اشعياء ٥٩:١٥ب، ١٦) فبما ان القضاة المعيَّنين يتقاعسون عن اداء واجباتهم، فسيتدخل يهوه نفسه. وعندما يفعل ذلك، سيتخذ اجراء بارا وقويا.
١٤ (أ) ما هو موقف كثيرين اليوم؟ (ب) كيف يتهيأ يهوه للتدخل؟
١٤ هنالك حالة مماثلة اليوم. فنحن نعيش في عالم فقد فيه كثيرون «كل حس ادبي». (افسس ٤:١٩) وقليلون يؤمنون بأن يهوه سيتدخل ليزيل الشر من الارض. لكنَّ نبوة اشعيا تُظهر ان يهوه يراقب الشؤون البشرية عن كثب. وهو يُصدر الاحكام، وفي وقته المعيَّن يتخذ الاجراء الذي يتناسب مع هذه الاحكام. فهل احكامه عادلة؟ يُظهر اشعيا انها كذلك. ففي حالة امة يهوذا يكتب: «لبس [يهوه] البر كدرع وخوذة الخلاص على رأسه. ولبس ثياب الانتقام كلباس واكتسى بالغيرة كرداء». (اشعياء ٥٩:١٧) تصوِّر هذه الكلمات النبوية يهوه كمحارب يتهيأ للقتال. وتفكيره مركّز على الخلاص الذي تزوده قضيته. وهو واثق من بره المطلق الذي لا شك فيه. وسيكون غيورا في تنفيذ احكامه بكل شجاعة. فلا بد ان الحق سيسود.
١٥ (أ) ماذا سيفعل المسيحيون الحقيقيون حين ينفِّذ يهوه دينونته؟ (ب) ماذا يمكن القول عن احكام يهوه؟
١٥ في بعض البلدان اليوم، يحاول اعداء الحق اعاقة عمل خدام يهوه بنشر دعاية كاذبة وافترائية. ان المسيحيين الحقيقيين لا يترددون في الدفاع عن الحق، لكنهم لا يسعون ابدا الى الانتقام شخصيا. (روما ١٢:١٩) حتى عندما يحسم يهوه الامور مع العالم المسيحي المرتد، لن يشترك عبّاده على الارض في تدميرهم. فهم يعرفون ان يهوه احتفظ لنفسه بالانتقام وأنه سيتخذ الاجراء الملائم في الوقت المناسب. تؤكد لنا النبوة: «حسب الاعمال هكذا يجازي مبغضيه سخطا وأعداءه عقابا. جزاء يجازي الجزائر». (اشعياء ٥٩:١٨) فكما في ايام اشعيا، لن تكون احكام اللّٰه عادلة فحسب بل ايضا شاملة. فستبلغ حتى «الجزائر»، او الاماكن البعيدة. ولن يكون احد بعيدا او منعزلا اكثر من ان تدركه دينونة يهوه.
١٦ مَن سينجون من دينونة يهوه، وماذا سيتعلمون من نجاتهم؟
١٦ ان الذين يجاهدون لفعل البر يجازيهم يهوه جزاء بارا. وينبئ اشعيا انه من اقصاء الارض الى اقصائها — في كل ارجاء المعمورة — سينجو هؤلاء الاشخاص. ونيلهم الحماية من يهوه سيعمِّق جدا احترامهم وتوقيرهم له. (ملاخي ١:١١) نقرأ: «يخشون من المغرب اسم الرب ومن مشرق الشمس مجده فإنه يأتي كنهر منحصر تدفعه ريح [«روح»، عج] الرب». (اشعيا ٥٩:١٩، يج) فكالريح العاصفة التي تدفع امامها سيلا من المياه وتجرف كل ما في طريقها، سيزيل روح يهوه كل ما يعيق اتمام مشيئته. وروحه اشد من اية قوة يملكها الانسان. وعندما يستخدم روحه لتنفيذ دينونته في البشر والامم، سيلاقي نجاحا ساحقا وأكيدا.
رجاء وبركة للتائبين
١٧ مَن هو فادي صهيون، ومتى يفدي صهيون؟
١٧ بحسب شريعة موسى، اذا باع اسرائيلي نفسه للعبودية، يمكن ان يقوم ولي بفكّه او فدائه. وقد سبق ان وُصف يهوه في السفر النبوي الذي كتبه اشعيا بأنه فادي الاشخاص التائبين. (اشعياء ٤٨:١٧) وهنا ايضا يوصَف بأنه فادي التائبين. يسجل اشعيا وعد يهوه القائل: «يأتي الفادي الى صهيون وإلى التائبين عن المعصية في يعقوب يقول الرب». (اشعياء ٥٩:٢٠) يتم هذا الوعد المطَمئن سنة ٥٣٧ قم. ولكن له اتمام اضافي. فالرسول بولس اقتبس هذه الكلمات من الترجمة السبعينية وطبقها على المسيحيين. كتب: «بهذه الطريقة سوف يخلُص جميع إسرائيل. كما هو مكتوب: ‹سيأتي المنقذ من صهيون ويرد ممارسات الكُفر عن يعقوب. وهذا هو العهد من قِبَلي معهم حين أنزع خطاياهم›». (روما ١١:٢٦، ٢٧) نعم، لنبوة اشعيا انطباق اوسع بكثير — انطباق يمتد الى ايامنا ويتعداها. كيف؟
١٨ متى وكيف اوجد يهوه «اسرائيل اللّٰه»؟
١٨ في القرن الاول، اعترفت بقية صغيرة من امة اسرائيل بيسوع على انه المسيَّا. (روما ٩:٢٧؛ ١١:٥) وفي يوم الخمسين سنة ٣٣ بم، سكب يهوه روحه القدس على نحو ١٢٠ شخصا من هؤلاء المؤمنين وأدخلهم في عهده الجديد الذي وسيطه يسوع المسيح. (ارميا ٣١:٣١-٣٣؛ عبرانيين ٩:١٥) في ذلك اليوم اتى «اسرائيل اللّٰه» الى الوجود، امة جديدة يتميز اعضاؤها بولادتهم بواسطة روح اللّٰه لا بتحدُّرهم الجسدي من ابراهيم. (غلاطية ٦:١٦) وابتداء من كرنيليوس، صارت الامة الجديدة تشمل الامم غير المختونين. (اعمال ١٠:٢٤-٤٨؛ كشف ٥:٩، ١٠) وهكذا تبنَّاهم يهوه اللّٰه وجعلهم اولاده الروحيين، شركاء يسوع في الميراث. — روما ٨:١٦، ١٧.
١٩ ايّ عهد يقطعه يهوه مع اسرائيل اللّٰه؟
١٩ يقطع يهوه الآن عهدا مع اسرائيل اللّٰه. نقرأ: «اما انا فهذا عهدي معهم قال الرب. روحي الذي عليكَ وكلامي الذي وضعتُه في فمك لا يزول من فمك ولا من فم نسلك ولا من فم نسل نسلك قال الرب من الآن وإلى الابد». (اشعياء ٥٩:٢١) سواء انطبقت هذه الكلمات على اشعيا نفسه او لا، فقد تمَّت في يسوع بالتأكيد، اذ أُكِّد له ان ‹سيرى نسله›. (اشعياء ٥٣:١٠) لقد تفوَّه يسوع بكلمات تعلَّمها من يهوه، وكان روح يهوه عليه. (يوحنا ١:١٨؛ ٧:١٦) ومن الملائم ان ينال اخوته وشركاؤه في الميراث، اعضاء اسرائيل اللّٰه، روح يهوه القدس هم ايضا ويكرزوا برسالة تعلَّموها من ابيهم السماوي. فهم جميعا ‹اشخاص متعلمون من يهوه›. (اشعيا ٥٤:١٣، عج؛ لوقا ١٢:١٢؛ اعمال ٢:٣٨) وسواء بواسطة اشعيا او بواسطة يسوع، الذي يمثِّله اشعيا نبويا، يتعهد يهوه الآن ألا يستبدلهم بتاتا بل ان يستخدمهم كشهود له الى الابد. (اشعياء ٤٣:١٠) ولكن مَن هم ‹نسلهم› الذين يستفيدون ايضا من هذا العهد؟
٢٠ كيف تمَّ وعد يهوه لإبراهيم في القرن الاول؟
٢٠ في الماضي وعد يهوه ابراهيم قائلا: «يتبارك في نسلك جميع امم الارض». (تكوين ٢٢:١٨) وانسجاما مع ذلك، خرجت البقية الصغيرة من الاسرائيليين الطبيعيين، التي اعترفت بالمسيَّا، لتكرز بالبشارة عن المسيح في امم كثيرة. وابتداء من كرنيليوس «تَبارك» امميون كثيرون غير مختونين في يسوع، نسل ابراهيم. وصاروا جزءا من اسرائيل اللّٰه وجزءا ثانويا من نسل ابراهيم. انهم جزء من ‹امة يهوه المقدسة›، التي فُوِّض اليها ‹اعلان فضائل الذي دعاهم من الظلمة إلى نوره العجيب›. — ١ بطرس ٢:٩؛ غلاطية ٣:٧-٩، ١٤، ٢٦-٢٩.
٢١ (أ) ايّ «نسل» انتجه اسرائيل اللّٰه في الازمنة العصرية؟ (ب) كيف يتعزى ‹النسل› بالعهد الذي قطعه يهوه مع اسرائيل اللّٰه؟
٢١ يبدو اليوم ان كامل عدد اسرائيل اللّٰه قد جُمع. لكنَّ الامم لا تزال تُبارَك — وعلى نطاق واسع. كيف؟ الجواب هو ان اسرائيل اللّٰه عنده «نسل»، تلاميذ ليسوع يرجون العيش الى الابد على ارض فردوسية. (مزمور ٣٧:١١، ٢٩) وهذا ‹النسل› متعلم ايضا من يهوه ومن طرقه. (اشعياء ٢:٢-٤) ومع انهم غير معتمدين بالروح القدس ولا يُعتبرون شركاء في العهد الجديد، يقوِّيهم روح يهوه القدس ليتغلبوا على كل العوائق التي يضعها الشيطان في طريق عملهم الكرازي. (اشعياء ٤٠:٢٨-٣١) انهم يُعدّون اليوم بالملايين، وهم يستمرون في الازدياد فيما ينتجون نسلهم الخاص. وعهد يهوه مع الممسوحين يعطي هذا ‹النسل› الثقة بأن يهوه سيستمر في استخدامهم هم ايضا كناطقين باسمه الى الابد. — كشف ٢١:٣، ٤، ٧.
٢٢ ممَّ نحن على ثقة بشأن يهوه، وكيف ينبغي ان يؤثر ذلك فينا؟
٢٢ فلنحافظ جميعا على ايماننا بيهوه. انه يرغب في انقاذنا، وهو قادر على ذلك! ولن تقصُر يده ابدا؛ فسيقوم دائما بإنقاذ شعبه الامين. وجميع الذين يثقون به يُبقون كلامه الصالح في افواههم «من الآن وإلى الابد».
[الاطار في الصفحة ٢٩٤]
اورشليم المرتدة — تشابُه مع العالم المسيحي
تمثِّل اورشليم، عاصمة امة اللّٰه المختارة، هيئة اللّٰه السماوية المؤلفة من مخلوقات روحانية وكذلك مجموعة المسيحيين الممسوحين المقامين الى السماء كعروس المسيح. (غلاطية ٤:٢٥، ٢٦؛ كشف ٢١:٢) ولكن كثيرا ما خان سكان اورشليم يهوه، ووُصفت المدينة بالزانية والفاسقة. (حزقيال ١٦:٣، ١٥، ٣٠-٤٢) وفي هذه الحالة كانت اورشليم نموذجا ملائما للعالم المسيحي المرتد.
دعا يسوع اورشليم «قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين اليها». (لوقا ١٣:٣٤؛ متى ١٦:٢١) وكأورشليم الخائنة، يدَّعي العالم المسيحي انه يخدم الاله الحقيقي ولكنه مبتعد جدا عن طرقه البارة. ونحن على ثقة من ان يهوه سيدين العالم المسيحي بحسب المقاييس البارة نفسها التي دان بها اورشليم المرتدة.
[الصورة في الصفحة ٢٩٦]
ينبغي ان يقضي القاضي بالبر، يُجري العدل، ويرفض اية رشوة
[الصورة في الصفحة ٢٩٨]
كالنهر الفائض، ستزيل احكام يهوه كل العوائق امام تحقيق مشيئته
[الصورة في الصفحة ٣٠٢]
يتعهد يهوه ألا يخسر شعبه ابدا امتياز كونهم شهودا له
-
-
العبادة الحقة تتوسع عالميانبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل الحادي والعشرون
العبادة الحقة تتوسع عالميا
١ اية رسالة مشجعة يتضمنها الاصحاح ٦٠ من سفر اشعياء؟
الاصحاح الستون من سفر اشعياء مكتوب بأسلوب مسرحي يلهب المشاعر. ففي الاعداد الافتتاحية يأسر انتباهَنا مشهد مؤثر. وتتتابع سلسلة من الاحداث بشكل سريع الى ان نصل الى خاتمة آسرة. يصف الاصحاح بتعابير شيقة رد العبادة الحقة الى اورشليم القديمة والتوسع العالمي للعبادة الحقة اليوم. ويشير كذلك الى البركات الابدية التي تنتظر كل عبّاد اللّٰه الاولياء. ويمكن لكل واحد منا ان يساهم في اتمام هذا الجزء الرائع من نبوة اشعيا. فلنتأمل فيه باعتناء.
نور يشرق في الظلام
٢ ماذا تؤمَر امرأة قابعة في الظلام، ولماذا من الملح ان تطيع الامر؟
٢ ان الكلمات الافتتاحية لهذا الاصحاح من سفر اشعياء موجَّهة الى امرأة تعاني ظروفا صعبة. وهي كما يَظهر منطرحة على الارض في الظلام. وفجأة، يخرق نورٌ العتمة حين يدعو يهوه، بواسطة اشعيا: «قومي استنيري [«انيري»، شد] لأنه قد جاء نورك ومجد الرب اشرق عليك». (اشعياء ٦٠:١) نعم، ينبغي ان تقف ‹المرأة› على قدميها وتعكس مجد اللّٰه! ولماذا المسألة ملحة الى هذا الحد؟ تمضي النبوة قائلة: «لأنه ها هي الظلمة تغطي الارض والظلام الدامس الامم. اما عليك فيشرق الرب ومجده عليك يُرى». (اشعياء ٦٠:٢) فلفائدة الاشخاص الذين حولها، الذين لا يزالون يتلمسون طريقهم في الظلام، يجب على ‹المرأة› ان ‹تُنير›. وماذا ستكون النتيجة؟ «تسير الامم في نورك والملوك في ضياء اشراقك». (اشعياء ٦٠:٣) تزوِّد هذه الكلمات الافتتاحية الاساس لما سيُشرَح بتفصيل اكبر في الاعداد التالية — وجوب توسُّع العبادة الحقة عالميا!
٣ (أ) مَن هي ‹المرأة›؟ (ب) لماذا كانت ‹المرأة› قابعة في الظلام؟
٣ مع ان يهوه يتحدث عن احداث مستقبلية، فهو يخبر ‹المرأة› ان نورها «قد جاء». ويُظهر ذلك ان النبوة ستتم حتما. ان ‹المرأة› المخاطَبة في هذه الآيات بصيغة المؤنث هي صهيون، او اورشليم عاصمة يهوذا. (اشعياء ٥٢:١، ٢؛ ٦٠:١٤) والمدينة تمثِّل كامل الامة. في زمن الاتمام الاول لهذه النبوة، نجد ‹المرأة› قابعة في الظلام، وقد كانت كذلك منذ دُمِّرت اورشليم سنة ٦٠٧ قم. ولكن، في سنة ٥٣٧ قم، تعود بقية امينة من اليهود المسبيين الى اورشليم وتعيد العبادة النقية. وأخيرا يشرق يهوه بنوره على هذه ‹المرأة› ويصير شعبه المسترد مصدرا للنور وسط الامم المظلمة روحيا.
اتمام اعظم
٤ مَن اليوم على الارض يمثِّلون ‹المرأة›، وعلى مَن تنطبق الكلمات النبوية انطباقا موسَّعا؟
٤ ان اهتمامنا بهذه الكلمات النبوية لا يقتصر على اتمامها في اورشليم القديمة. فاليوم يمثِّل «اسرائيلُ اللّٰه» على الارض ‹امرأة› يهوه السماوية. (غلاطية ٦:١٦) وقد بلغ مجموع اعضاء هذه الامة الروحية، خلال فترة وجودها من يوم الخمسين سنة ٣٣ بم حتى اليوم، ٠٠٠,١٤٤ مسيحي ممسوح «اشتُروا من الارض» ليحكموا مع المسيح في السماء. (كشف ١٤:١، ٣) والاتمام العصري للاصحاح ٦٠ من سفر اشعياء يركّز على الافراد من الـ ٠٠٠,١٤٤ الذين يعيشون على الارض خلال «الايام الاخيرة». (٢ تيموثاوس ٣:١) وتتعلق النبوة ايضا برفقاء هؤلاء المسيحيين الممسوحين، ‹الجمع الكثير› من ‹الخراف الاخر›. — كشف ٧:٩؛ يوحنا ١٠:١١، ١٦.
٥ متى وجد الاعضاء الباقون على قيد الحياة من اسرائيل اللّٰه انفسهم قابعين في الظلام، ومتى اشرق يهوه بنوره عليهم؟
٥ خلال فترة قصيرة في اوائل القرن العشرين، وجد اعضاء اسرائيل اللّٰه الذين لا يزالون على الارض انفسهم منطرحين في الظلام، اذا جاز التعبير. ومع نهاية الحرب العالمية الاولى، كانوا في حالة يورد سفر الكشف وصفا مجازيا لها: جثتان مطروحتان «على الشارع الرئيسي للمدينة العظيمة التي تدعى بطريقة روحية سدوم ومصر». (كشف ١١:٨) لكنَّ يهوه اشرق بنوره عليهم سنة ١٩١٩. وتجاوبا مع ذلك، وقفوا وعكسوا نور اللّٰه، معلنين بشارة ملكوت اللّٰه بلا خوف. — متى ٥:١٤-١٦؛ ٢٤:١٤.
٦ كيف تجاوب العالم عموما مع اعلان حضور يسوع الملكي، ولكن مَن اجتذبهم نور يهوه؟
٦ بتأثير من الشيطان، رئيس «ولاة العالم على هذه الظلمة»، رفض الجنس البشري عموما اعلان الحضور الملكي ليسوع المسيح، «نور العالم». (افسس ٦:١٢؛ يوحنا ٨:١٢؛ ٢ كورنثوس ٤:٣، ٤) لكنَّ ملايين الاشخاص اجتذبهم نور يهوه، بمن فيهم «ملوك» (الذين يصيرون وارثين ممسوحين للملكوت السماوي) و «امم» (الجمع الكثير من الخراف الاخر).
التوسع يولّد فرحا قلبيا
٧ ايّ مشهد مؤثر تراه ‹المرأة›؟
٧ تطويرا للمحور المرسوم في اشعياء ٦٠:٣، يأمر يهوه ‹المرأة› من جديد: «ارفعي عينيك حواليك وانظري». وعندما تفعل ‹المرأة› ذلك، ترى امامها مشهدا يملأها فرحا: اولادها يعودون الى ارضهم! «قد اجتمعوا كلهم. جاءوا اليك. يأتي بنوك من بعيد وتُحمل بناتك على الايدي». (اشعياء ٦٠:٤) ان المناداة العالمية بالملكوت التي بدأت سنة ١٩١٩ ادت الى انضمام آلاف اضافية من ‹البنين› و ‹البنات› الممسوحين الى اسرائيل اللّٰه. وبهذه الطريقة اتخذ يهوه الخطوات اللازمة لإكمال الـ ٠٠٠,١٤٤ المنبإ عنهم مسبقا، والذين سيحكمون مع المسيح. — كشف ٥:٩، ١٠.
٨ ما سبب سعادة اسرائيل اللّٰه منذ سنة ١٩١٩؟
٨ وهذه الزيادة تولّد الفرح. «حينئذ تنظرين وتنيرين ويخفق قلبك ويتسع لأنه تتحول اليك ثروة البحر ويأتي اليك غنى الامم». (اشعياء ٦٠:٥) فرح اسرائيل اللّٰه كثيرا بتجميع الممسوحين خلال العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين. ولكن هنالك سبب اضافي ليفرحوا. فمن اواسط الثلاثينات بشكل خصوصي، خرج اناس — من كل الامم — من «بحر» البشرية المبتعد عن اللّٰه وأتوا ليعبدوه مع اسرائيل اللّٰه. (اشعياء ٥٧:٢٠؛ حجي ٢:٧) لا يخرج هؤلاء الاشخاص ليخدموا اللّٰه كلٌّ حسبما يحلو له، بل يأتون الى ‹امرأة› اللّٰه ويصيرون جزءا من رعية اللّٰه المتحدة. ونتيجةً لذلك يشارك جميع خدام اللّٰه في توسُّع العبادة الحقة.
الامم تتقاطر على اورشليم
٩، ١٠ مَن يُرَون يتقاطرون على اورشليم، وكيف يستقبلهم يهوه؟
٩ يصف يهوه هذا التوسُّع مستخدما ايضاحات مألوفة لمعاصري اشعيا. ففي البداية تقوم ‹المرأة›، من موقعها على جبل صهيون، بمراقبة الافق الشرقي. فماذا ترى؟ «تغطيك كثرة الجِمال بُكران مديان وعيفة كلها تأتي من شبا. تحمل ذهبا ولُبانا وتبشِّر بتسابيح الرب». (اشعياء ٦٠:٦) فقوافل الجِمال التي يستخدمها التجار المسافرون لمختلف القبائل تسير على طول الطرقات المؤدية الى اورشليم. (تكوين ٣٧:٢٥، ٢٨؛ قضاة ٦:١، ٥؛ ١ ملوك ١٠:١، ٢) والجِمال في كل مكان، كما لو انها فيضان يغطي الارض! وتحمل القوافل معها هدايا قيِّمة، مما يدل على ان التجار آتون بنوايا سلمية. فهم يريدون ان يعبدوا يهوه ويعطوه افضل ما يمكنهم تقديمه.
١٠ ليس هؤلاء التجار وحدهم الآتين. «كل غنم قيدار تجتمع اليك. كِباش نبايوت تخدمك». نعم، فقبائل الرعيان تسافر ايضا الى اورشليم. وهم يأتون حاملين هدايا من اثمن ما عندهم — قطعان الغنم — ويقدِّمون انفسهم للخدمة. فكيف سيستقبلهم يهوه؟ يقول: «تصعد مقبولة على مذبحي وأزين بيت جَمالي». (اشعياء ٦٠:٧) فيهوه يقبل هداياهم التي ستُستخدم في العبادة النقية. — اشعياء ٥٦:٧؛ ارميا ٤٩:٢٨، ٢٩.
١١، ١٢ (أ) ايّ منظر تراه ‹المرأة› وهي تحدِّق غربا؟ (ب) لماذا يسرع كثيرون الى اورشليم؟
١١ يأمر يهوه ‹المرأة› الآن ان تنظر نحو الافق الغربي، ويسأل: «مَن هؤلاء الطائرون كسحاب وكالحمام الى بيوتها». ويجيب يهوه بنفسه: «ان الجزائر تنتظرني وسفن ترشيش في الاول لتأتي ببنيك من بعيد وفضتهم وذهبهم معهم لاسم الرب الهك وقدوس اسرائيل لأنه قد مجَّدك». — اشعياء ٦٠:٨، ٩.
١٢ تخيَّلوا انكم واقفون مع هذه ‹المرأة› وتنظرون غربا نحو البحر الكبير. فماذا ترون؟ تجمُّعا كسحابة بعيدة من النقاط البيض ينساب على سطح المياه. انها تبدو كالطيور، ولكن عندما تقترب اكثر، ترون انها في الواقع سفن ترفع اشرعتها. لقد اتت «من بعيد».a (اشعياء ٤٩:١٢) وهذه السفن المسرعة الى صهيون تبدو لكثرتها كسرب من الحمام المتجه نحو بيوته. وما الداعي الى هذه العجلة؟ انها تواقة الى تسليم حمولتها المؤلفة من عبّاد ليهوه آتين من الموانئ البعيدة. نعم، فجميع الوافدين الجدد — اسرائيليين وغرباء، من الشرق او الغرب ومن الاراضي المجاورة او البعيدة — يسرعون الى اورشليم لينذروا انفسهم وكل ما يملكونه لاسم يهوه الههم. — اشعياء ٥٥:٥.
١٣ مَن هم ‹البنون› و ‹البنات› في الازمنة العصرية، ومَن هم «غنى الامم»؟
١٣ ما اجمل الصورة التي ترسمها اشعياء ٦٠:٤-٩ للتوسع العالمي الذي حصل منذ بدأت ‹المرأة› تنير وسط ظلمة هذا العالم! لقد اتى اولا «بنو» و «بنات» صهيون السماوية، الذين صاروا مسيحيين ممسوحين. وفي سنة ١٩٣١ نادوا علنا انهم شهود يهوه. وبعد ذلك اخذت سحابة من الودعاء، «غنى الامم» و «ثروة البحر»، تسرع لتنضم الى بقية اخوة المسيح.b واليوم فإن جميع خدام يهوه هؤلاء الآتين من اربع زوايا الارض ومن كل مسالك الحياة ينضمون الى اسرائيل اللّٰه في تسبيح السيد الرب، يهوه، وترفيع اسمه بوصفه اعظم اسم في كل الكون.
١٤ كيف ‹يصعد› الوافدون الجدد «على مذبح» اللّٰه؟
١٤ ولكن ماذا يعني القول ان هؤلاء الوافدين الجدد من الامم ‹يصعدون على مذبح› اللّٰه؟ توضع الذبيحة على المذبح. وقد استخدم الرسول بولس عبارة تشمل كلمة ذبيحة حين كتب: «أناشدكم . . . ان تقرِّبوا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مقبولة عند اللّٰه، خدمة مقدسة بقوتكم العقلية». (روما ١٢:١) فالمسيحيون الحقيقيون مستعدون لبذل انفسهم. (لوقا ٩:٢٣، ٢٤) وهم يخصصون وقتهم وطاقتهم ومهاراتهم لترويج العبادة النقية. (روما ٦:١٣) وبذلك يقدِّمون للّٰه ذبائح تسبيح مقبولة. (عبرانيين ١٣:١٥) فكم هو مفرح ان ملايين من عبّاد يهوه اليوم، صغارا وكبارا على السواء، وضعوا مصالح ملكوت اللّٰه قبل رغباتهم الشخصية! وهكذا يعربون عن روح اصيلة تقوم على التضحية بالذات. — متى ٦:٣٣؛ ٢ كورنثوس ٥:١٥.
الوافدون الجدد يشاركون في التوسُّع
١٥ (أ) كيف تجلّت رحمة يهوه نحو الغرباء في الازمنة القديمة؟ (ب) كيف يشارك «بنو الغريب» في الازمنة العصرية في ‹بناء› العبادة الحقة؟
١٥ يقدِّم الوافدون الجدد ممتلكاتهم وقوَّتهم على السواء لدعم ‹امرأة› يهوه. «بنو الغريب يبنون اسوارك وملوكهم يخدمونك. لأني بغضبي ضربتك وبرضواني رحمتك». (اشعياء ٦٠:١٠) تجلّت رحمة يهوه في القرن السادس قبل الميلاد عندما ساهم غرباء في عمل البناء في اورشليم. (عزرا ٣:٧؛ نحميا ٣:٢٦) وفي الاتمام العصري الاوسع، يدعم «بنو الغريب»، الجمع الكثير، البقية الممسوحة في ‹بناء› العبادة الحقة. فهم يساعدون على بناء الصفات المسيحية في تلاميذ الكتاب المقدس، وهكذا يبنون الجماعات المسيحية ويقوّون «اسوار» هيئة يهوه المشبَّهة بمدينة. (١ كورنثوس ٣:١٠-١٥) كما انهم يبنون بمعنى حرفي، اذ يعملون على بناء قاعات الملكوت وقاعات المحافل وفروع بيوت ايل. وهكذا يشاركون اخوتهم الممسوحين في الاهتمام بحاجات هيئة يهوه المتوسعة. — اشعياء ٦١:٥.
١٦، ١٧ (أ) كيف أُبقيت «ابواب» هيئة اللّٰه مفتوحة؟ (ب) كيف خدم «ملوك» صهيون؟ (ج) ماذا سيحدث للذين يحاولون اغلاق ‹الابواب› التي يريد يهوه ابقاءها مفتوحة؟
١٦ كل سنة، ونتيجةً لبرنامج البناء الروحي، يبدأ مئات الآلاف من ‹بني الغريب› بالاقتران بهيئة يهوه، ولا يزال المجال مفتوحا امام كثيرين بعد. يقول يهوه: «تنفتح ابوابك دائما. نهارا وليلا لا تُغلق. ليؤتى اليك بغنى الامم وتقاد ملوكهم [«وملوكهم يأخذون القيادة»، عج]». (اشعياء ٦٠:١١) ولكن مَن هم ‹الملوك› الذين يأخذون القيادة في جلب غنى الامم الى صهيون؟ في الازمنة القديمة، دفع يهوه قلوب بعض الحكام الى ان ‹يخدموا› صهيون. مثلا، اخذ كورش المبادرة وأعاد اليهود الى اورشليم لإعادة بناء الهيكل. وفي وقت لاحق، قدم ارتحشستا الموارد اللازمة وأرسل نحميا لإعادة بناء اسوار اورشليم. (عزرا ١:٢، ٣؛ نحميا ٢:١-٨) حقا، «قلب الملك في يد الرب كجداول مياه». (امثال ٢١:١) فباستطاعة الهنا ان يدفع حتى الحكام الاقوياء ليعملوا حسب مشيئته.
١٧ في الازمنة العصرية، حاول «ملوك»، او سلطات دنيوية، كثيرون اغلاق «ابواب» هيئة يهوه. لكنَّ آخرين خدموا صهيون باتخاذ قرارات ساعدت على ابقاء ‹الابواب› مفتوحة. (روما ١٣:٤) ففي سنة ١٩١٩، اطلقت السلطات الدنيوية سراح جوزيف ف. رذرفورد ورفاقه بعدما سُجنوا ظلما. (كشف ١١:١٣) و «ابتلعت» الحكومات البشرية نهر الاضطهاد الذي اطلقه الشيطان بعد سقوطه من السماء. (كشف ١٢:١٦) وعززت بعض الحكومات التسامح الديني، وأحيانا من اجل شهود يهوه خصوصا. هذا النوع من الخدمة سهَّل على جموع الودعاء المرور عبر ‹الابواب› المفتوحة والدخول الى هيئة يهوه. ولكن ماذا عن المقاومين الذين يحاولون اغلاق ‹الابواب›؟ هؤلاء لن ينجحوا ابدا. يقول يهوه عنهم: «الامة والمملكة التي لا تخدمك تبيد وخرابا تُخرب الامم.» (اشعياء ٦٠:١٢) فكل الذين يحاربون ‹امرأة› اللّٰه — سواء كانوا افرادا او هيئات — سيبيدون في حرب هرمجدون الآتية كحد اقصى. — كشف ١٦:١٤، ١٦.
١٨ (أ) ماذا يُقصد بالوعد ان الاشجار ستزدهر في اسرائيل؟ (ب) ما هو «موضع رجلَي» يهوه اليوم؟
١٨ بعد هذا التحذير من الدينونة، تعود النبوة الى الوعود بالترفيع والازدهار. يذكر يهوه، متحدثا الى ‹امرأته›: «مجد لبنان اليك يأتي السرو والسنديان والشربين معا لزينة مكان مقدسي وأمجد موضع رجليَّ». (اشعياء ٦٠:١٣) ترمز الاشجار الوارفة الى الجَمال والإثمار. (اشعياء ٤١:١٩؛ ٥٥:١٣) وتشير عبارتا «مقدسي» و «موضع رجليَّ» في هذه الآية الى هيكل اورشليم. (١ أخبار الايام ٢٨:٢؛ مزمور ٩٩:٥) لكنَّ الرسول بولس اوضح ان الهيكل في اورشليم هو صورة رمزية تمثِّل هيكلا روحيا اعظم: ترتيب الاقتراب الى يهوه في العبادة على اساس ذبيحة المسيح. (عبرانيين ٨:١-٥؛ ٩:٢-١٠، ٢٣) واليوم يمجِّد يهوه ‹موضع رجليه›، الديار الارضية لهيكله الروحي العظيم. ومن شدة روعتها تجتذب اناسا من كل الامم ليشاركوا في العبادة الحقة هناك. — اشعياء ٢:١-٤؛ حجي ٢:٧.
١٩ ماذا سيُجبَر المقاومون على الاعتراف به، ومتى سيفعلون ذلك كحد اقصى؟
١٩ والآن يقول يهوه، لافتا انتباهه من جديد الى المقاومين: «بنو الذين قهروك يسيرون اليك خاضعين وكل الذين اهانوك يسجدون لدى باطن قدميك ويدعونك مدينة الرب صهيون قدوس اسرائيل». (اشعياء ٦٠:١٤) نعم، فحين يرى بعض المقاومين الزيادات الكبيرة وطريقة العيش السامية التي تجلبها بركة اللّٰه على شعبه، يندفعون الى الخضوع ‹للمرأة›، اذا جاز التعبير. ومعنى ذلك هو انهم سيُجبَرون على الاعتراف — في هرمجدون كحد اقصى — بأن البقية الممسوحة ورفقاءهم يمثِّلون فعلا هيئة اللّٰه السماوية، «مدينة الرب صهيون قدوس اسرائيل».
استخدام الموارد المتوفرة
٢٠ ايّ تغيُّر عظيم في الاوضاع تشهده ‹المرأة›؟
٢٠ ما اعظم التغيُّر الذي تشهده ‹امرأة› يهوه في اوضاعها! يقول يهوه: «عوضا عن كونك مهجورة ومبغَضة بلا عابر بك اجعلك فخرا ابديا فرحَ دورٍ فدور. وترضعين لبن الامم وترضعين ثدي ملوك وتعرفين اني انا الرب مخلّصك ووليك عزيز يعقوب». — اشعياء ٦٠:١٥، ١٦.
٢١ (أ) كيف صارت اورشليم القديمة «فخرا»؟ (ب) اية بركة يتمتع بها خدام يهوه الممسوحون منذ سنة ١٩١٩، وكيف رضعوا «لبن الامم»؟
٢١ بقي اسم اورشليم طوال ٧٠ سنة ممحوًّا من الخرائط، اذا جاز التعبير، «بلا عابر» بها. ولكن ابتداء من سنة ٥٣٧ قم، صيّر يهوه المدينة آهلة بالسكان، جاعلا اياها «فخرا». وكذلك، نحو نهاية الحرب العالمية الاولى، شهد اسرائيل اللّٰه فترة خراب شعروا خلالها بأنهم ‹مهجورون›. ولكن في سنة ١٩١٩، فدى يهوه خدامه الممسوحين من الاسر، وهو يباركهم منذ ذلك الوقت بتوسُّع وازدهار روحي لم يسبق لهما مثيل. وقد رضع شعبه «لبن الامم»، مستخدمين موارد الامم لتقدُّم العبادة الحقة. مثلا، بالاستعمال الحكيم للتكنولوجيا العصرية صار ممكنا ترجمة ونشر الكتب المقدسة والمطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس بمئات اللغات. ونتيجةً لذلك يدرس مئات الآلاف من الاشخاص كل سنة الكتاب المقدس مع شهود يهوه ويتعلمون ان يهوه، بواسطة المسيح، هو مخلّصهم ووليهم. — اعمال ٥:٣١؛ ١ يوحنا ٤:١٤.
تقدُّم تنظيمي
٢٢ ايّ نوع خصوصي من التقدُّم يعد به يهوه؟
٢٢ ان الزيادة في عدد شعب يهوه يرافقها تقدُّم تنظيمي. يذكر يهوه: «عوضا عن النحاس آتي بالذهب وعوضا عن الحديد آتي بالفضة وعوضا عن الخشب بالنحاس وعوضا عن الحجارة بالحديد وأجعل وكلاءك سلاما وولاتك برا». (اشعياء ٦٠:١٧) يُعتبر استبدال النحاس بالذهب تحسُّنا، ويصح الامر عينه في المواد الاخرى المذكورة هنا. وانسجاما مع ذلك، عرف شعب يهوه تحسينات في ترتيباته التنظيمية طوال الايام الاخيرة.
٢٣، ٢٤ اية تحسينات في الترتيبات التنظيمية شهدها شعب يهوه منذ سنة ١٩١٩؟
٢٣ قبل سنة ١٩١٩، كان لدى الجماعات شيوخ وشمامسة يُنتخبون بطريقة ديموقراطية. وابتداء من تلك السنة، صار مدير خدمة يعيَّن ثيوقراطيا ليشرف على نشاطات خدمة الحقل في الجماعة، ولكن في بعض الحالات كان بعض الشيوخ المنتخَبين يعارضون مدير الخدمة. إلا ان الامور تبدلت في سنة ١٩٣٢. فقد طُلب من الجماعات، من خلال مجلة برج المراقبة، ان تتوقف عن انتخاب الشيوخ والشمامسة. وعوضا عن ذلك، لزم ان ينتخبوا لجنة خدمة تعمل مع مدير الخدمة. وكان هذا تحسُّنا كبيرا.
٢٤ في سنة ١٩٣٨ أُتي بالمزيد من «الذهب» عندما تقرَّر تعيين جميع الخدام في الجماعة ثيوقراطيا. وصار الاهتمام بإدارة الجماعة من مسؤولية خادم الفرقة (دعي لاحقا خادم الجماعة) ومختلف الخدام الذين يساعدونه، وجميعهم يعيَّنون بإشراف «العبد الامين الفطين».c (متى ٢٤:٤٥-٤٧) ولكن في سنة ١٩٧٢، فُهم ان الاشراف على الجماعة بحسب الاسفار المقدسة هو بواسطة هيئة شيوخ لا رجل واحد. (فيلبي ١:١) وكذلك أُجريت تغييرات اخرى على مستوى الجماعة وعلى مستوى الهيئة الحاكمة. ومثالا للحالة الاخيرة، حدث في ٧ تشرين الاول (اكتوبر) ٢٠٠٠ ان أُعلن ان اعضاء الهيئة الحاكمة الذين كانوا مديري جمعية برج المراقبة في پنسلڤانيا والمؤسسات التابعة لها، قد استقالوا طوعا من مراكزهم. وبهذه الطريقة تتمكن الهيئة الحاكمة، ممثِّلةً العبد الامين الفطين، من الاهتمام اكثر بالاشراف الروحي على «جماعة اللّٰه» وعشرائها الخراف الاخر. (اعمال ٢٠:٢٨) وكانت كل هذه الترتيبات تحسينات. وقد قوَّت هيئة يهوه وزوَّدت عبَّاده بالبركة.
٢٥ مَن كان وراء التقدُّم التنظيمي لشعب يهوه، وأية فوائد حُصدت؟
٢٥ ومَن كان وراء هذه التحسينات؟ هل كان مردُّها الى القدرة التنظيمية او العبقرية عند بعض البشر؟ كلا، لأن يهوه ذكر: «آتي بالذهب». فكل هذا التقدُّم هو نتيجة الارشاد الالهي. ويحصد شعب يهوه الفوائد حين يخضعون لإرشاده ويُجرون التعديلات. فعندئذ يسود السلام بينهم، وتدفعهم محبة البر الى خدمته.
٢٦ اية سمة تميِّز المسيحيين الحقيقيين يلاحظها حتى المقاومون؟
٢٦ ان السلام الذي يمنحه اللّٰه يغيِّر الناس. يعد يهوه: «لا يُسمع بعد ظلم [«عنف»، عج] في ارضك ولا خراب او سحق في تخومك بل تسمين اسوارك خلاصا وأبوابك تسبيحا». (اشعياء ٦٠:١٨) ما اصح هذه الكلمات! حتى المقاومون يعترفون بأن المسيحيين الحقيقيين يتميزون بحالتهم السلمية. (ميخا ٤:٣) وهذا السلام مع اللّٰه وبين شهود يهوه انفسهم يجعل كل مكان اجتماع مسيحي واحة منعشة في عالم عنيف. (١ بطرس ٢:١٧) وهذا نموذج لوفرة السلام الذي سيحلّ حين يصير كل سكان الارض «اشخاصا متعلمين من يهوه». — اشعياء ١١:٩؛ ٥٤:١٣، عج.
النور المجيد للرضا الالهي
٢٧ ايّ نور دائم يشرق على ‹امرأة› يهوه؟
٢٧ يصف يهوه شدة النور الذي يشرق على اورشليم حين يقول: «لا تكون لك بعدُ الشمس نورا في النهار ولا القمر ينير لك مضيئا بل الرب يكون لك نورا ابديا وإلهك زينتك. لا تغيب بعدُ شمسك وقمرك لا ينقص لأن الرب يكون لك نورا ابديا وتكمل ايام نوحك». (اشعياء ٦٠:١٩، ٢٠) سيبقى يهوه «نورا ابديا» ‹لامرأته›. فلن ‹يغيب› كما تغيب الشمس او «ينقص» كما يحدث للقمر.d ونور رضاه الدائم يشرق على المسيحيين الممسوحين، الممثِّلين البشر ‹لامرأة› اللّٰه. وهم يتمتعون مع الجمع الكثير بنور روحي ساطع لا تستطيع اية ظلمة على المسرح السياسي او الاقتصادي في العالم ان تضعفه. وهم واثقون من المستقبل الساطع الذي اعدَّه يهوه لهم. — روما ٢:٧؛ كشف ٢١:٣-٥.
٢٨ (أ) ايّ وعد يُذكر بشأن سكان اورشليم العائدين؟ (ب) ماذا ورث المسيحيون الممسوحون سنة ١٩١٩؟ (ج) حتى متى سيرث الابرار الارض؟
٢٨ وعن سكان اورشليم يمضي يهوه قائلا: «شعبك كلهم ابرار. الى الابد [«وقت غير محدَّد»، عج] يرثون الارض غصن غرسي عمل يديَّ لأتمجد». (اشعياء ٦٠:٢١) ورث اسرائيل الطبيعي «الارض» عندما عادوا من بابل. ولكن في هذه الحالة، استمر هذا ‹الوقت غير المحدَّد› حتى القرن الاول بعد الميلاد، حين دمرت جيوش روما اورشليم والدولة اليهودية. وفي سنة ١٩١٩ خرجت بقية المسيحيين الممسوحين من الاسر الروحي وورثوا ارضا روحية. (اشعياء ٦٦:٨) وهذه الارض، او حيِّز النشاط، تتميَّز بازدهار روحي فردوسي لن يضمحل ابدا. وبخلاف اسرائيل قديما، سيحافظ اسرائيل الروحي كمجموعة على امانته. وكذلك ستشهد نبوة اشعيا اتماما ماديا عندما تصير الارض فردوسا حرفيا يتميَّز بـ «كثرة السلامة». وعندئذ سيرث الابرار، ذوو الرجاء الارضي، الارض الى الابد. — مزمور ٣٧:١١، ٢٩.
٢٩، ٣٠ كيف صار ‹الصغير الفا›؟
٢٩ في ختام الاصحاح ٦٠ من سفر اشعياء، نجد وعدا رسميا يضمنه يهوه باسمه. يقول: «الصغير يصير الفا والحقير امة قوية. انا الرب [«يهوه»، عج] في وقته أُسرع به». (اشعياء ٦٠:٢٢) عندما أُعيدت البقية المشتتة الى العمل سنة ١٩١٩، كانوا «الصغير».e لكنَّ عددهم تضاعف مع الاتيان بباقي الاسرائيليين الروحيين. وصارت الزيادة هائلة عندما بدأ تجميع الجمع الكثير.
٣٠ لم يمضِ وقت طويل حتى بدأ السلام والبر الموجودان بين شعب اللّٰه يجذبان كثيرين من مستقيمي القلوب، حتى ان «الحقير» صار حرفيا «امة قوية». واليوم تضم هذه الامة افرادا اكثر من سكان دول مستقلة عديدة في العالم. فمن الواضح ان يهوه، بواسطة يسوع المسيح، يوجِّه عمل الملكوت ويسرع به. وكم هي رائعة رؤية التوسُّع العالمي للعبادة الحقة والاشتراك فيه! نعم، من المفرح ان ندرك ان هذه الزيادة تمجِّد يهوه الذي سبق فأنبأ بهذه الامور قبل وقت طويل.
[الحواشي]
a يرجَّح ان ترشيش تقع في ما يُعرف اليوم باسپانيا. ولكن بحسب بعض المراجع، تشير عبارة «سفن ترشيش» الى نوع السفن — «السفن العالية السواري والجوّابة البحار» — التي كانت «مناسِبة للابحار الى ترشيش»، وبكلمات اخرى، الى سفن اعتُبرت مناسِبة للقيام برحلات طويلة الى موانئ بعيدة. — ١ ملوك ٢٢:٤٨.
b مع انه كان هنالك مسيحيون نشاطى وغيورون برجاء ارضي يقترنون بإسرائيل اللّٰه قبل سنة ١٩٣٠، فقد بدأت اعدادهم تتزايد بشكل ملحوظ في ثلاثينات القرن العشرين.
c في تلك الايام، كانت الجماعة المحلية تدعى فرقة.
d يستخدم الرسول يوحنا اسلوبا مماثلا عند وصفه «اورشليم الجديدة»، الـ ٠٠٠,١٤٤ في مجدهم السماوي. (كشف ٣:١٢؛ ٢١:١٠، ٢٢-٢٦) وهذا الوصف ملائم، لأن «اورشليم الجديدة» تمثِّل كل اعضاء اسرائيل اللّٰه بعد ان ينالوا المكافأة السماوية، صائرين مع يسوع المسيح الجزء البارز من ‹امرأة› اللّٰه، «اورشليم العليا». — غلاطية ٤:٢٦.
e في سنة ١٩١٨، كان معدل عدد الذين يشاركون كل شهر في الكرازة بالكلمة اقل من ٠٠٠,٤.
[الصورة في الصفحة ٣٠٥]
‹المرأة› تؤمر بأن ‹تقوم›
[الصورة في الصفحتين ٣١٢ و ٣١٣]
«سفن ترشيش» تنقل حمولتها من عبّاد يهوه
-
-
البر ينبت في صهيوننبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل الثاني والعشرون
البر ينبت في صهيون
١، ٢ ايّ تغيير ستشهده اسرائيل، ومَن سيسبِّبه؟
لتُعلَن الحرية! فقد صمَّم يهوه ان يحرِّر شعبه ويردَّهم الى ارض اجدادهم. وكالبزرة التي تنبت بعد رذاذ المطر، ستَظهر العبادة الحقة من جديد. وعندما يأتي هذا اليوم، سيزول اليأس ويحلّ محله التسبيح، والرؤوس التي كان رماد النَّوح يُذَرُّ عليها ستُكلَّل بالرضا الالهي.
٢ فمَن سيسبِّب هذا التحوُّل الرائع؟ يهوه وحده قادر على ذلك. (مزمور ٩:١٩، ٢٠؛ اشعياء ٤٠:٢٥) امر النبي صفنيا نبويا: «ترنمي يا ابنة صهيون اهتف يا اسرائيل افرحي وابتهجي بكل قلبك يا ابنة اورشليم. قد نزع الرب الاقضية عليك». (صفنيا ٣:١٤، ١٥) وكم سيكون هذا الوقت مفرحا! فعندما يجمع يهوه البقية المستردَّة من بابل سنة ٥٣٧ قم، سيكون الامر كما لو ان حلما تحقق. — مزمور ١٢٦:١.
٣ ما هي اتمامات الكلمات النبوية في الاصحاح ٦١ من سفر اشعياء؟
٣ هذا الرد منبأ به في الاصحاح ٦١ من سفر اشعياء. ومع انه من الواضح ان هذه النبوة شهدت اتماما سنة ٥٣٧ قم، فقد تمَّت بتفصيل اكبر في فترة لاحقة. ويشتمل الاتمام المفصَّل اكثر على يسوع وأتباعه في القرن الاول وشعب يهوه في الازمنة العصرية. وهذا ما يعطي هذه الكلمات الملهمة اهمية كبيرة.
«سنة مقبولة»
٤ مَن فُوِّض اليه التبشير في الاتمام الاول لإشعياء ٦١:١، ومَن هو في الاتمام الثاني؟
٤ يكتب اشعيا: «روح السيد الرب عليَّ لأن الرب مسحني لأبشِّر المساكين [«الودعاء»، شد] ارسلني لأعصب منكسري القلب لأنادي للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالاطلاق». (اشعياء ٦١:١) فمَن الذي فُوِّض اليه ان يبشِّر؟ من المرجح انه اشعيا في الحالة الاولى، لأن اللّٰه اوحى اليه ان يسجِّل بشارة للاسرى في بابل. لكنَّ يسوع اشار الى الاتمام الاهم عندما طبَّق كلمات اشعيا على نفسه. (لوقا ٤:١٦-٢١) نعم، أُرسل يسوع ليبشِّر الودعاء، ولهذه الغاية مُسح بالروح القدس عند معموديته. — متى ٣:١٦، ١٧.
٥ مَن يكرز بالبشارة طوال ٠٠٠,٢ سنة تقريبا؟
٥ وكذلك علَّم يسوع أتباعه ان يكرزوا، او يبشِّروا. وفي يوم الخمسين سنة ٣٣ بم، مُسح نحو ١٢٠ منهم بالروح القدس وصاروا ابناء روحيين للّٰه. (اعمال ٢:١-٤، ١٤-٤٢؛ روما ٨:١٤-١٦) وقد فُوِّض اليهم هم ايضا تبشير الودعاء ومنكسري القلب. وكان هؤلاء الـ ١٢٠ اول الـ ٠٠٠,١٤٤ الذين يُمسحون بهذه الطريقة. ولا تزال بقية هذا الفريق ناشطة على الارض اليوم. وهكذا يشهد أتباع يسوع الممسوحون، طوال ٠٠٠,٢ سنة تقريبا، «بالتوبة إلى اللّٰه والإيمان بربنا يسوع». — اعمال ٢٠:٢١.
٦ مَن نالوا عزاء عندما سمعوا البشارة يُكرز بها في الازمنة القديمة، وماذا عن اليوم؟
٦ جلبت رسالة اشعيا الملهمة العزاء لليهود التائبين في بابل. وفي ايام يسوع وتلاميذه، جلبت العزاء لليهود الذين كانت قلوبهم منكسرة بسبب الشر في اسرائيل ويرزحون تحت وطأة العبودية للتقاليد الدينية الباطلة ليهودية القرن الاول. (متى ١٥:٣-٦) واليوم فإن ملايين الاشخاص العالقين في شرك العادات الوثنية والتقاليد المحقِّرة للّٰه في العالم المسيحي «يئنون ويتنهدون» بسبب الرجاسات المصنوعة في هذا النظام الديني. (حزقيال ٩:٤) والذين يتجاوبون مع البشارة يتحرَّرون من هذه الحالة المزرية. (متى ٩:٣٥-٣٨) وتنفتح جيدا عيون الفهم لديهم عندما يتعلمون عبادة يهوه «بالروح والحق». — يوحنا ٤:٢٤.
٧، ٨ (أ) ما هما ‹السنتان المقبولتان›؟ (ب) ما هما ‹يوما انتقام› يهوه؟
٧ هنالك جدول زمني للكرازة بالبشارة. فقد فُوِّض الى يسوع وأتباعه ان ‹ينادوا بسنة مقبولة للرب وبيوم انتقام لإلهنا ليعزّوا كل النائحين›. (اشعياء ٦١:٢) ان السنة فترة طويلة، ولكن لها بداية ولها نهاية. و ‹سنة يهوه المقبولة› هي الفترة التي تسنح فيها الفرصة للودعاء ان يتجاوبوا مع هذه المناداة بالحرية.
٨ في القرن الاول الميلادي، بدأت السنة المقبولة للامة اليهودية في ٢٩ بم عندما استهل يسوع خدمته الارضية. فكان يقول لليهود: «توبوا، فقد اقترب ملكوت السموات». (متى ٤:١٧) واستمرت هذه السنة المقبولة حتى «يوم انتقام» يهوه الذي بلغ ذروته سنة ٧٠ بم حين سمح يهوه للجيوش الرومانية بتدمير اورشليم وهيكلها. (متى ٢٤:٣-٢٢) واليوم نعيش في سنة مقبولة اخرى، سنة بدأت بتأسيس ملكوت اللّٰه في السموات عام ١٩١٤. وستنتهي هذه السنة المقبولة بيوم انتقام اكبر حين يهلك يهوه كامل نظام الاشياء العالمي هذا في ‹الضيق العظيم›. — متى ٢٤:٢١.
٩ مَن يستفيدون اليوم من سنة يهوه المقبولة؟
٩ ومَن يستفيدون اليوم من سنة اللّٰه المقبولة؟ الذين يقبلون الرسالة، ويعربون عن الوداعة، ويدعمون بغيرة المناداة بملكوت اللّٰه في «كل الامم». (مرقس ١٣:١٠) ويجد هؤلاء ان البشارة تجلب عزاء حقيقيا. أما الذين يرفضون الرسالة ويرفضون الاستفادة من سنة يهوه المقبولة، فسيواجهون قريبا يوم انتقامه الفعلي. — ٢ تسالونيكي ١:٦-٩.
ثمر روحي يمجِّد اللّٰه
١٠ كيف يتأثر اليهود العائدون من بابل بعمل يهوه العظيم من اجلهم؟
١٠ يدرك اليهود العائدون من بابل ان يهوه قام بعمل عظيم من اجلهم. فيتحوَّل نَوحهم كأسرى الى فرح وتسبيح لأنهم تحرَّروا اخيرا. وهكذا يتمِّم اشعيا تفويضه، اي ان ‹يجعل لنائحي صهيون ليعطيهم جَمالا عوضا عن الرماد ودهن فرح عوضا عن النوح ورداء تسبيح عوضا عن الروح اليائسة فيُدعون اشجار البر غرس الرب للتمجيد›. — اشعياء ٦١:٣.
١١ مَن في القرن الاول كان عندهم سبب وجيه ليسبِّحوا يهوه لعمله العظيم؟
١١ في القرن الاول، قام اليهود الذين قبلوا الاطلاق من عبودية الدين الباطل بتسبيح اللّٰه ايضا لعمله العظيم من اجلهم. وحلّ ‹رداء التسبيح› محل روحهم اليائسة عندما أُنقذوا من امة ميتة روحيا. كان تلاميذ يسوع اول مَن لمسوا هذا التغيير عندما تحوَّل نَوحهم على موته الى فرح اذ مسحهم ربُّهم المقام بالروح القدس. وبُعيد ذلك، لمس ٠٠٠,٣ شخص وديع تغييرا مماثلا عندما تجاوبوا مع كرازة المسيحيين الممسوحين حديثا واعتمدوا في يوم الخمسين سنة ٣٣ بم. (اعمال ٢:٤١) وما كان احلى شعور الواثقين بالحصول على بركة يهوه! فبدلا من ‹النَّوح على صهيون›، نالوا روحا قدسا وانتعشوا ‹بدهن الفرح›، او زيت الابتهاج، الذي يرمز الى فرح الذين يغدق يهوه بركته عليهم. — عبرانيين ١:٩.
١٢، ١٣ (أ) مَن كانوا «اشجار البر» بين اليهود العائدين سنة ٥٣٧ قم؟ (ب) مَن كانوا «اشجار البر» منذ يوم الخمسين سنة ٣٣ بم؟
١٢ يبارك يهوه شعبه بـ «اشجار البر». فمَن هم هؤلاء الاشجار؟ في الاعوام التي تلت سنة ٥٣٧ قم، كانوا افرادا يدرسون ويتأملون في كلمة اللّٰه ويُنمون مقاييس يهوه البارة. (مزمور ١:١-٣؛ اشعياء ٤٤:٢-٤؛ ارميا ١٧:٧، ٨) ومنهم عزرا، حجّاي، زكريا، ورئيس الكهنة يهوشع — ‹اشجار بر› بارزة ناصروا الحق ووقفوا في وجه التلوُّث الروحي في الامة.
١٣ ومن يوم الخمسين سنة ٣٣ بم فصاعدا، غرس اللّٰه ‹اشجار بر› مماثلة — مسيحيين ممسوحين شجعانا — في الارض الروحية لأمته الجديدة، «اسرائيل اللّٰه». (غلاطية ٦:١٦) وعلى مر القرون، بلغ عدد هذه ‹الاشجار› ٠٠٠,١٤٤، منتجين ثمرا بارا لتمجيد يهوه اللّٰه. (كشف ١٤:٣) والاعداد الاخيرة لهذه ‹الاشجار› الشامخة ازدهرت ابتداء من سنة ١٩١٩ فصاعدا، السنة التي فيها اخرج يهوه بقية اسرائيل اللّٰه من فترة خمولهم الوقتية. وبتزويدهم كمية وافرة من المياه الروحية، انتج يهوه غابة من الاشجار البارة المثمرة. — اشعياء ٢٧:٦.
١٤، ١٥ اية مشاريع اجراها عبّاد يهوه المحرَّرون سنة (أ) ٥٣٧ قم؟ (ب) ٣٣ بم؟ (ج) ١٩١٩؟
١٤ يتابع اشعيا، مركِّزا على عمل هذه ‹الاشجار›: «يبنون الخرب القديمة يقيمون الموحِشات الأُوَل ويجدِّدون المدن الخربة موحِشات دور فدور [«الخرب التي انقضت عليها اجيال»، تف]». (اشعياء ٦١:٤) فبحسب المرسوم الذي اصدره كورش ملك فارس، قام اليهود الامناء العائدون من بابل بإعادة بناء اورشليم وهيكلها، اللذين تُركا خرابا زمنا طويلا. وتتسم السنوات التي تلت ٣٣ بم و ١٩١٩ بمشاريع ردّ ايضا.
١٥ ففي سنة ٣٣ بم، كان تلاميذ يسوع حزانى جدا نتيجة اعتقاله ومحاكمته وقتله. (متى ٢٦:٣١) لكنَّ شعورهم تغيَّر حين ظهر لهم بعد قيامته. وعندما سُكب الروح القدس عليهم، انهمكوا في عمل الكرازة بالبشارة «في اورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى اقصى الارض». (اعمال ١:٨) وهكذا بدأوا بردّ العبادة النقية. وكذلك جعل يسوع المسيح، من سنة ١٩١٩ فصاعدا، بقية اخوته الممسوحين يعيدون بناء «الخرب التي انقضت عليها اجيال». فطوال قرون فشل رجال دين العالم المسيحي في منح معرفة يهوه، مستبدلين اياها بالتقاليد البشرية والعقائد غير المؤسسة على الاسفار المقدسة. فنقّى المسيحيون الممسوحون جماعاتهم من الممارسات الملطخة بالدين الباطل لكي يمضي ردّ العبادة الحقة قُدُما. وشرعوا في ما تبيَّن انه اعظم حملة شهادة جرت في العالم. — مرقس ١٣:١٠.
١٦ مَن يساعدون المسيحيين الممسوحين في عمل الردّ، وأية مهمات اؤتُمنوا عليها؟
١٦ وكان هذا التفويض هائلا. فكيف يمكن لبقية قليلة نسبيا من اسرائيل اللّٰه انجاز هذه المهمة؟ اوحى يهوه الى اشعيا ان يعلن: «يقف الاجانب ويرعون غنمكم ويكون بنو الغريب حراثيكم وكراميكم». (اشعياء ٦١:٥) تبيَّن ان الاجانب وبني الغريب الرمزيين هم «جمع كثير» من ‹خراف يسوع الاخر›.a (كشف ٧:٩؛ يوحنا ١٠:١١، ١٦) وهؤلاء ليسوا ممسوحين بالروح القدس كي ينالوا ميراثا سماويا، بل لديهم رجاء العيش الى الابد على ارض فردوسية. (كشف ٢١:٣، ٤) ومع ذلك يحبون يهوه، وقد اؤتُمنوا على مسؤوليات الرعي والحرث والاعتناء بالكرمة بمعنى روحي. وليست هذه الاعمال وضيعة. فتحت توجيه بقية اسرائيل اللّٰه، يساعد هؤلاء العمال على رعاية الناس وتغذيتهم وحصادهم. — لوقا ١٠:٢؛ اعمال ٢٠:٢٨؛ ١ بطرس ٥:٢؛ كشف ١٤:١٥، ١٦.
١٧ (أ) ماذا سيدعى اعضاء اسرائيل اللّٰه؟ (ب) ما هي الذبيحة الوحيدة اللازمة لغفران الخطايا؟
١٧ وماذا عن اسرائيل اللّٰه؟ يقول لهم يهوه بواسطة اشعيا: «اما انتم فتُدعون كهنة الرب تُسمون خدام الهنا. تأكلون ثروة الامم وعلى مجدهم تتأمرون». (اشعياء ٦١:٦) في اسرائيل القديمة، انشأ يهوه الكهنوت اللاوي لتقديم الذبائح من اجل الكهنة انفسهم ورفقائهم الاسرائيليين. لكن في سنة ٣٣ بم، كفَّ يهوه عن استخدام الكهنوت اللاوي واستهلَّ ترتيبا افضل. فقد قبِل حياة يسوع الكاملة كذبيحة عن خطايا الجنس البشري. ومنذ ذلك الوقت، لم تعد هنالك حاجة الى ذبيحة اخرى. فمفعول ذبيحة يسوع يسري في كل وقت. — يوحنا ١٤:٦؛ كولوسي ٢:١٣، ١٤؛ عبرانيين ٩:١١-١٤، ٢٤.
١٨ ايّ كهنوت يشكِّله اسرائيل اللّٰه، وما هي مهمتهم؟
١٨ فكيف يكون اعضاء اسرائيل اللّٰه «كهنة الرب»؟ قال الرسول بطرس في رسالة الى الرفقاء المسيحيين الممسوحين: «أما أنتم، ‹فجنس مختار، كهنوت ملكي، أمة مقدسة، شعب اقتناء، لتعلنوا فضائل› الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب». (١ بطرس ٢:٩) وهكذا يشكِّل المسيحيون الممسوحون كفريق كهنوتا بتفويض خاص: إخبار الامم بمجد يهوه. فيجب ان يكونوا شهودا له. (اشعياء ٤٣:١٠-١٢) وقد ادى المسيحيون الممسوحون هذه المهمة الحيوية بأمانة طوال الايام الاخيرة. ونتيجةً لذلك يشاركهم الملايين في عمل الشهادة عن ملكوت يهوه.
١٩ اية خدمة سيحظى المسيحيون الممسوحون بامتياز تأديتها؟
١٩ وكذلك ينتظر اعضاء اسرائيل اللّٰه ان يخدموا ككهنة بطريقة اخرى. فبعد موتهم يقامون الى حياة روحانية خالدة في السماء. وهناك لا يكونون فقط حكاما مع يسوع في ملكوته، بل ايضا كهنة اللّٰه. (كشف ٥:١٠؛ ٢٠:٦) وعندئذ سيحظون بامتياز تطبيق فوائد ذبيحة يسوع الفدائية على البشر الامناء على الارض. وفي رؤيا الرسول يوحنا المسجلة في الكشف الاصحاح ٢٢، يوصَف ايضا هؤلاء الكهنة ‹بالاشجار›. فجميع ‹الاشجار› الـ ٠٠٠,١٤٤ تُرى في السماء، وهي تنتج «اثنتي عشرة غلة من الثمر، وتعطي ثمارها كل شهر. وأوراق الاشجار لإبراء الامم». (كشف ٢٢:١، ٢) فما اروع هذه الخدمة الكهنوتية!
خزي وخجل، وبعد ذلك ابتهاج
٢٠ اية بركة ينتظرها الكهنوت الملوكي رغم المقاومة؟
٢٠ منذ سنة ١٩١٤، حين ابتدأت سنة يهوه المقبولة، يتعرض الكهنوت الملوكي لمقاومة مستمرة من رجال دين العالم المسيحي. (كشف ١٢:١٧) لكنَّ كل الجهود الهادفة الى وقف البشارة تبوء في النهاية بالفشل. وقد انبأت نبوة اشعيا بذلك، اذ ذكرت: «عوضا عن خزيكم ضعفان وعوضا عن الخجل يبتهجون بنصيبهم. لذلك يرثون في ارضهم ضعفين. بهجة ابدية تكون لهم». — اشعياء ٦١:٧.
٢١ كيف صار المسيحيون الممسوحون يتمتعون بضعفَين من البركات؟
٢١ خلال الحرب العالمية الاولى، عانت البقية الممسوحة الخزي والخجل على يد العالم المسيحي المشحون بالقومية. وكان اعضاء من رجال الدين بين الذين اتَّهموا باطلا ثمانية اخوة امناء من المركز الرئيسي في بروكلين بالتحريض على الفتنة. فسُجن هؤلاء الاخوة ظلما تسعة اشهر. وأخيرا، في ربيع سنة ١٩١٩، أُطلق سراحهم، وأُسقطت لاحقا كل التهم الموجهة اليهم. وهكذا فشل مخطَّط ايقاف عمل الكرازة وأنتج عكس ما كان مرجوًّا. فلم يسمح يهوه بأن يعاني عبّاده خزيا دائما، بل حرَّرهم وردَّهم الى «ارضهم»، حالتهم الروحية. وهناك نالوا ضعفَين من البركات. لقد اُنعم يهوه عليهم بركةً عوَّضت عن معاناتهم وفاضت. فما من سبب يمنعهم من الابتهاج!
٢٢، ٢٣ كيف تمثل المسيحيون الممسوحون بيهوه، وكيف كافأهم؟
٢٢ وما يقوله يهوه بعد ذلك يعطي المسيحيين اليوم سببا آخر للابتهاج: «انا الرب محب العدل مبغض المختلس بالظلم. وأجعل اجرتهم امينة وأقطع لهم عهدا ابديا». (اشعياء ٦١:٨) تعلمت البقية الممسوحة، من خلال درسهم الكتاب المقدس، ان يحبوا العدل ويبغضوا الشر. (امثال ٦:١٢-١٩؛ ١١:٢٠) وتعلموا ان ‹يطبعوا سيوفهم سككا›، محافظين على الحياد في حروب البشر واضطراباتهم السياسية. (اشعياء ٢:٤) وتخلّوا ايضا عن الممارسات التي تحقّر اللّٰه، كالافتراء والزنا والسرقة والسكر. — غلاطية ٥:١٩-٢١.
٢٣ ولأن المسيحيين الممسوحين مثل خالقهم يحبون العدل، اعطاهم يهوه «اجرتهم امينة». وأحد الامور التي تشملها هذه ‹الاجرة› هو عهد ابدي — العهد الجديد — اخبر يسوع أتباعه به في الليلة التي سبقت موته. وعلى اساس هذا العهد صاروا امة روحية، شعب يهوه المميَّز. (ارميا ٣١:٣١-٣٤؛ لوقا ٢٢:٢٠) وفي ظله سيطبِّق يهوه كل فوائد ذبيحة يسوع الفدائية، بما فيها غفران خطايا الممسوحين وجميع المؤمنين البشر الآخرين على السواء.
الابتهاج ببركات يهوه
٢٤ مَن بين الامم هم ‹النسل› الذين يبارَكون، وكيف صاروا ‹نسلا›؟
٢٤ يدرك بعض الاشخاص من الامم ان بركة يهوه حالّة على شعبه. وهذا ما انبأ به وعد يهوه: «يُعرف بين الامم نسلهم وذريتهم في وسط الشعوب. كل الذين يرونهم يعرفونهم أنهم نسل باركه الرب». (اشعياء ٦١:٩) ان اعضاء اسرائيل اللّٰه، المسيحيين الممسوحين، يعملون بنشاط بين الامم خلال سنة يهوه المقبولة. والذين تجاوبوا اليوم مع خدمتهم يصل عددهم الى الملايين. وبالعمل جنبا الى جنب مع اسرائيل اللّٰه، يتمتع هؤلاء الافراد من الامم بامتياز الصيرورة ‹نسلا باركه يهوه›. وحالة السعادة التي تسودهم ظاهرة لكل الناس.
٢٥، ٢٦ كيف يردد جميع المسيحيين الافكار المعبَّر عنها في اشعياء ٦١:١٠؟
٢٥ يتطلع جميع المسيحيين، سواء أكانوا ممسوحين ام من الخراف الاخر، الى تسبيح يهوه الى الابد. وهم يضمّون صوتهم الى صوت النبي اشعيا، الذي قال تحت الوحي: «فرحا افرح بالرب. تبتهج نفسي بإلهي لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص. كساني رداء البر مثل عريس يتزين بعمامة ومثل عروس تتزين بحليِّها». — اشعياء ٦١:١٠.
٢٦ يصمِّم المسيحيون الممسوحون، المكتسون ‹برداء البر›، على البقاء اطهارا وأنقياء في نظر يهوه. (٢ كورنثوس ١١:١، ٢) وإذ برَّرهم يهوه لكي يرثوا حياة سماوية، لن يعودوا البتة الى الحالة المقفرة التي تتميَّز بها بابل العظيمة بعدما تحرَّروا منها. (روما ٥:٩؛ ٨:٣٠) فثياب الخلاص عزيزة على قلوبهم. ورفقاؤهم الخراف الاخر مصمِّمون هم ايضا على حفظ المقاييس الرفيعة للعبادة الحقة كما رسمها يهوه اللّٰه. وإذ «غسلوا حُللهم وبيَّضوها بدم الحمل» تبرَّروا، وهم سينجون من «الضيق العظيم». (كشف ٧:١٤؛ يعقوب ٢:٢٣، ٢٥) وحتى ذلك الوقت، يتمثلون برفقائهم الممسوحين اذ يتجنبون ايّ تلوُّث من بابل العظيمة.
٢٧ (أ) ايّ ‹إنبات› مميَّز سيحدث خلال الحكم الالفي؟ (ب) كيف ينبت البر بين الجنس البشري؟
٢٧ يبتهج عبّاد يهوه اليوم بوجودهم في فردوس روحي. وسيتمتعون قريبا بالعيش في فردوس حرفي. ونحن نتطلع من كل قلوبنا الى هذا الوقت الذي تصفه الكلمات الختامية من الاصحاح ٦١ من سفر اشعياء بهذا الاسلوب الحي: «لأنه كما ان الارض تُخرج نباتها وكما ان الجنة تنبت مزروعاتها هكذا السيد الرب يُنبت برا وتسبيحا امام كل الامم». (اشعياء ٦١:١١) فخلال حكم المسيح الالفي، ‹سينبت البر› في الارض. وسيهتف البشر هتاف النصر، وسيمتد البر الى اقصاء الارض. (اشعياء ٢٦:٩، عج) ولكن لسنا مضطرين الى انتظار هذا اليوم المجيد لنسبِّح اللّٰه امام كل الامم. فالبر ينبت حاليا بين ملايين الاشخاص الذين يمجِّدون اله السماء ويعلنون بشارة ملكوته. ففي هذه الايام ايضا يعطينا ايماننا ورجاؤنا كل سبب لنبتهج ببركات الهنا.
[الحاشية]
a ربما شهدت اشعياء ٦١:٥ اتماما في الازمنة القديمة، لأن اشخاصا غير يهود رافقوا اليهود الطبيعيين عندما عادوا الى اورشليم وساهموا على الارجح في ردّ الارض. (عزرا ٢:٤٣-٥٨) ولكن ابتداء من العدد ٦ يبدو ان انطباق النبوة يقتصر على اسرائيل اللّٰه.
[الصورة في الصفحة ٣٢٣]
يحمل اشعيا بشارة ليعلنها لليهود الاسرى
[الصورة في الصفحة ٣٣١]
ابتداء من سنة ٣٣ بم، غرس يهوه ٠٠٠,١٤٤ ‹شجرة بر›
[الصورة في الصفحة ٣٣٤]
سوف تنبت الارض برا
-
-
«اسم جديد»نبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل الثالث والعشرون
«اسم جديد»
١ اية طمأنة مسجلة في الاصحاح ٦٢ من سفر اشعياء؟
الطمأنة، التعزية، الامل بالرد — هذا ما يحتاج اليه اليهود اليائسون في بابل. لقد مرَّت عشرات السنين منذ دُمِّرت اورشليم وهيكلها. ويهوذا، التي تبعد نحو ٨٠٠ كيلومتر عن بابل، ليست سوى ارض مقفرة، ويبدو ان يهوه نسي اليهود. فماذا يمكن ان يحسِّن وضعهم؟ الجواب هو وعود يهوه بأن يعيدهم الى موطنهم ويسمح لهم بردّ العبادة النقية. وعندئذ ستحل محل النعوت بكلمات مثل «مهجورة» او «موحشة» اسماء تدل على رضا اللّٰه. (اشعياء ٦٢:٤؛ زكريا ٢:١٢) والاصحاح ٦٢ من سفر اشعياء حافل بهذه الوعود. لكنَّ هذا الاصحاح، كغيره من نبوات الردّ، يتناول مسائل تتعدى تحرير اليهود من الاسر في بابل. فالاصحاح ٦٢، في اتمامه الرئيسي، يؤكد لنا ان خلاص امة يهوه الروحية، «اسرائيل اللّٰه»، هو اكيد. — غلاطية ٦:١٦.
يهوه لا يهدأ
٢ بأية طريقة يُعرب يهوه عن رضاه على صهيون من جديد؟
٢ يأتي سقوط بابل سنة ٥٣٩ قم. وبعد ذلك يصدر كورش ملك فارس مرسوما يسمح فيه لليهود الاتقياء بأن يعودوا الى اورشليم ويردّوا عبادة يهوه. (عزرا ١:٢-٤) وفي سنة ٥٣٧ قم يصل اول اليهود العائدين الى ارضهم. ويُعرب يهوه من جديد عن رضاه على اورشليم، كما ينعكس ذلك في دفء كلماته النبوية: «من اجل صهيون لا اسكت ومن اجل اورشليم لا اهدأ حتى يخرج برها كضياء وخلاصها كمصباح يتقد». — اشعياء ٦٢:١.
٣ (أ) لماذا يرفض يهوه صهيون الارضية في النهاية، ومَن يحلّ محلها؟ (ب) ايّ انحراف يحصل، ومتى؛ وفي اية فترة نعيش اليوم؟
٣ في سنة ٥٣٧ قم، تمَّم يهوه وعده بردّ صهيون، او اورشليم. فقد ذاق سكانها الخلاص بيده وأشرق ضياء برهم. لكنهم ابتعدوا لاحقا عن العبادة النقية من جديد. وفي النهاية رفضوا الاعتراف بأن يسوع هو المسيَّا، فهجرهم يهوه اخيرا ولم يعودوا شعبه المختار. (متى ٢١:٤٣؛ ٢٣:٣٨؛ يوحنا ١:٩-١٣) وجعل يهوه امة جديدة تولد: «اسرائيل اللّٰه». وصارت هذه الامة الجديدة شعبه المميَّز، وفي القرن الاول اخذ اعضاؤها يكرزون بالبشارة بغيرة في كل انحاء العالم المعروف آنذاك. (غلاطية ٦:١٦؛ كولوسي ١:٢٣) من المؤسف انه بعد موت الرسل، حصل انحراف عن العبادة الحقة. وبسبب ذلك تطوَّر شكل مرتدّ من المسيحية، كما نجده اليوم في العالم المسيحي. (متى ١٣:٢٤-٣٠، ٣٦-٤٣؛ اعمال ٢٠:٢٩، ٣٠) وطوال قرون، سُمح للعالم المسيحي بأن يجلب تعييرا كبيرا على اسم يهوه. ولكن بدأت اخيرا في عام ١٩١٤ ‹سنة يهوه المقبولة›، ورافقها الاتمام الرئيسي لهذا الجزء من نبوة اشعيا. — اشعياء ٦١:٢.
٤، ٥ (أ) الى مَن ترمز صهيون وأولادها اليوم؟ (ب) بأية طريقة استخدم يهوه صهيون لجعل «خلاصها كمصباح يتقد»؟
٤ ووعْد يهوه بشأن رد صهيون تمَّ اليوم في هيئته السماوية، «اورشليم العليا»، كما تُمثَّل على الارض بأولادها، المسيحيين الممسوحين بالروح. (غلاطية ٤:٢٦) وهيئة يهوه السماوية هي خير معين، لأنها مُحبَّة ويقِظة ومجتهدة. فكم كانت مناسبة مفرحة عندما وَلدت الملكوت المسيَّاني سنة ١٩١٤! (كشف ١٢:١-٥) ومن سنة ١٩١٩ خصوصا، كرز اولادها الارضيون للامم ببرها وخلاصها. وكما انبأ اشعيا، بدَّد هؤلاء الاولاد الظلمة كالمصباح اذ اضاء نورهم. — متى ٥:١٥، ١٦؛ فيلبي ٢:١٥.
٥ يهتم يهوه كثيرا بعبّاده، وهو لن يهدأ حتى يتمّم جميع الوعود التي قطعها لصهيون وأولادها. وترفض بقية الممسوحين البقاء ساكتة، وكذلك رفقاؤهم ‹الخراف الاخر›. (يوحنا ١٠:١٦) انهم يضجُّون بإرشاد الناس الى الطريق الوحيد للخلاص. — روما ١٠:١٠.
«اسم جديد» يعطيه يهوه
٦ ماذا ينوي يهوه لصهيون؟
٦ ماذا ينوي يهوه لصهيون، ‹امرأته› السماوية، الممثَّلة بأورشليم القديمة؟ يذكر: «ترى الامم بركِ وكل الملوك مجدك وتسمَّين باسم جديد يعيِّنه فم الرب». (اشعياء ٦٢:٢) عندما يسلك الاسرائيليون في طريق البر، لا تستطيع الامم ان تحجب انظارها عنهم. حتى الملوك يضطرون الى الاعتراف بأن يهوه يستخدم اورشليم وأن ايّ حكم يمارسونه لا يساوي شيئا مقارنةً بملكوت يهوه. — اشعياء ٤٩:٢٣.
٧ على ماذا يدل اسم صهيون الجديد؟
٧ يؤكد يهوه الآن تغيُّر الاحوال في صهيون بإعطائها اسما جديدا. يدل هذا الاسم الجديد على البركة والكرامة التي يتمتع بهما اولاد صهيون الارضيون ابتداء من سنة ٥٣٧ قم.a ويُظهر ان يهوه يعترف بأن صهيون له. واليوم، يبتهج اسرائيل اللّٰه بأن تكون مسرة يهوه عليهم بهذه الطريقة، ويفرح الخراف الاخر معهم ايضا.
٨ بأية طرائق كرَّم يهوه صهيون؟
٨ بعد اعطاء صهيون اسمها الجديد، يعد يهوه قائلا: «تكونين اكليل جمال بيد الرب وتاجا ملكيا بكف الهك». (اشعياء ٦٢:٣) فيهوه يرفع امرأته الرمزية، صهيون السماوية، ليُنظر اليها بإعجاب. (مزمور ٤٨:٢؛ ٥٠:٢) ويشير اكليل الجمال و ‹التاج الملكي› الى انها ممنوحة كرامةً وسلطة. (زكريا ٩:١٦) وإسرائيل اللّٰه الذي يمثِّل صهيون السماوية، او «اورشليم العليا»، هو نتاج رائع لعمل يد اللّٰه — قوته الموضوعة موضع تطبيق. (غلاطية ٤:٢٦) وبمعونة يهوه، كان لهذه الامة الروحية سجل حافل بالاستقامة والتعبُّد. فملايين الاشخاص، من الممسوحين والخراف الاخر على السواء، يتقوَّون ليعربوا عن ايمان ومحبة كبيرَين. وخلال الحكم الالفي للمسيح، سيكون الممسوحون، الذين نالوا مكافأتهم السماوية المجيدة، ادوات في يد يهوه لرفع الخليقة التي تئن الى الحياة الابدية. — روما ٨:٢١، ٢٢؛ كشف ٢٢:٢.
‹يهوه قد سر بك›
٩ صفوا التحوُّل الذي تشهده صهيون.
٩ ان اعطاء اسم جديد هو جزء من عملية التحوُّل الرائعة التي تشهدها صهيون السماوية الممثَّلة بأولادها الارضيين. نقرأ: «لا يقال بعد لك مهجورة ولا يقال بعد لأرضك موحشة بل تدعين حفصيبة [«مسرتي بها»، عج] وأرضك تدعى بعولة [«ممتلَكة كزوجة»، عج]. لأن الرب يسر بك وأرضك تصير ذات بعل [«ممتلَكة كزوجة»، عج]». (اشعياء ٦٢:٤) ان صهيون الارضية خربة منذ دمارها سنة ٦٠٧ قم. لكنَّ كلمات يهوه تؤكد لها ان ارضها ستُردّ وتصير عامرة بالسكان. فلن تبقى صهيون الخربة كامرأة مهجورة، ولن تبقى ارضها مقفرة. فردّ اورشليم سنة ٥٣٧ قم يعني تمتعها بحالة جديدة، بتباين شديد مع حالتها الخربة السابقة. لذلك يعلن يهوه ان صهيون ستدعى «مسرتي بها»، وستدعى ارضها «ممتلَكة كزوجة». — اشعياء ٥٤:١، ٥، ٦؛ ٦٦:٨؛ ارميا ٢٣:٥-٨؛ ٣٠:١٧؛ غلاطية ٤:٢٧-٣١.
١٠ (أ) كيف شهد اسرائيل اللّٰه تحوُّلا؟ (ب) ما هي «ارض» اسرائيل اللّٰه؟
١٠ ابتداء من سنة ١٩١٩ شهد اسرائيل اللّٰه تحوُّلا مماثلا. فخلال الحرب العالمية الاولى، بدا ان المسيحيين الممسوحين منبوذون من اللّٰه. ولكن في سنة ١٩١٩ استردوا حظوتهم وتطهَّرت طريقة عبادتهم. وأثر ذلك في تعاليمهم وتنظيمهم ونشاطهم. وهكذا عاد اسرائيل اللّٰه الى ‹ارضه›، اي حالته الروحية او حيِّز نشاطه. — اشعياء ٦٦:٧، ٨، ٢٠-٢٢.
١١ بأيّ معنى يمتلك اليهود امهم كزوجة؟
١١ يعلن يهوه، مشدِّدا اكثر على الوضع الجديد لشعبه ذي الحظوة لديه: «كما يتزوج [«يمتلك»، عج] الشاب عذراء [«زوجة له»، عج] يتزوجك [«يمتلكك» عج] بنوك. وكفرح العريس بالعروس يفرح بك الهك». (اشعياء ٦٢:٥) كيف يمكن لليهود، ‹بني› صهيون، ان يمتلكوا امهم كزوجة؟ بمعنى ان بني صهيون العائدين من السبي البابلي يمتلكون عاصمتهم القديمة ويستقرون فيها من جديد. وعندما يحدث ذلك، لا تعود صهيون مقفرة بل تمتلئ بالبنين. — ارميا ٣:١٤.
١٢ (أ) بأية طريقة اظهر يهوه ان المسيحيين الممسوحين هم جزء من الهيئة المرتبطة به برباط الزواج؟ (ب) كيف تزود تعاملات يهوه مع شعبه مثالا راقيا للزواج اليوم؟ (انظروا الاطار في الصفحة ٣٤٢.)
١٢ وكذلك يمتلك اولاد صهيون السماوية ارضهم، حالتهم الروحية، منذ سنة ١٩١٩، ولهذه الارض اسم نبوي هو «ممتلَكة كزوجة». وقد اظهر نشاطهم المسيحي في هذه الارض ان هؤلاء المسيحيين الممسوحين هم «شعب لاسم» يهوه. (اعمال ١٥:١٤) وبيَّن جلبهم ثمار الملكوت وإعلانهم اسم يهوه ان يهوه يسر بهؤلاء المسيحيين. وأظهر انهم جزء من الهيئة المرتبطة به بوحدة لا تنثلم. وبمسح هؤلاء المسيحيين بالروح القدس، تحريرهم من الاسر الروحي، واستخدامهم للكرازة برجاء الملكوت لكل الجنس البشري، اظهر يهوه انه يفرح بهم فرحَ العريس بالعروس. — ارميا ٣٢:٤١.
«لا تسكتوا»
١٣، ١٤ (أ) في الازمنة القديمة، كيف تصير اورشليم مدينة توفّر الامان؟ (ب) في الازمنة العصرية، كيف صارت صهيون «تسبيحة في الارض»؟
١٣ ان الاسم الرمزي الجديد الذي يعطيه يهوه يجعل شعبه يشعرون بالامان. فهم يعرفون انه يعترف بهم وأنهم مُلك له. والآن يستخدم يهوه ايضاحا مختلفا ويكلّم شعبه كما لو انه يكلّم مدينة مسوَّرة: «على اسوارك يا اورشليم اقمت حراسا [«رقباء»، عج] لا يسكتون كل النهار وكل الليل على الدوام. يا ذاكري الرب لا تسكتوا ولا تدعوه يسكت حتى يثبِّت ويجعل اورشليم تسبيحة في الارض». (اشعياء ٦٢:٦، ٧) ففي وقت يهوه المعيَّن، بعد عودة البقية الامينة من بابل، تصير اورشليم فعلا «تسبيحة في الارض» — مدينة مسوَّرة توفّر الامان لسكانها. ويبقى الرقباء على اسوارها مستيقظين نهارا وليلا ليصونوا امن المدينة ويرسلوا التحذيرات الى المواطنين. — نحميا ٦:١٥؛ ٧:٣؛ اشعياء ٥٢:٨.
١٤ في الازمنة العصرية يستخدم يهوه رقباءه الممسوحين ليدلوا الودعاء على طريق التحرر من عبودية الدين الباطل. ويُدعى هؤلاء الى الانضواء تحت لواء هيئته، حيث يَلقَون الحماية من التلوُّث الروحي، التأثيرات الفاسدة، وغضب يهوه. (ارميا ٣٣:٩؛ صفنيا ٣:١٩) ويلعب صف الرقيب، «العبد الامين الفطين»، دورا هاما في هذه الحماية اذ يمنح ‹الطعام الروحي في حينه›. (متى ٢٤:٤٥-٤٧) كما ان الجمع الكثير، العاملين مع صف الرقيب، يلعبون دورا بارزا في جعل صهيون «تسبيحة في الارض». — كشف ٧:٩.
١٥ كيف يخدم صف الرقيب ورفقاؤهم يهوه على الدوام؟
١٥ لا تزال الخدمة التي يؤديها صف الرقيب ورفقاؤهم مستمرة! ويُرى تفانيهم في النشاط الغيور الذي يقوم به ملايين الاشخاص الامناء بدعم من النظار الجائلين وزوجاتهم، المتطوِّعين في مختلف بيوت ايل ومطابع شهود يهوه، المرسَلين، والفاتحين الخصوصيين والقانونيين والاضافيين. كما انهم يعملون بجدّ في بناء قاعات ملكوت جديدة، زيارة المرضى، مساعدة الافراد الذين يواجهون حالات طبية صعبة، وتوفير الاغاثة لضحايا الكوارث والحوادث في حينها. وغالبا ما يخدم كثيرون من هؤلاء الافراد، الذين يتصفون بروح التضحية بالذات، «نهارا وليلا» حرفيا! — كشف ٧:١٤، ١٥.
١٦ ماذا يفعل خدام يهوه حتى ‹لا يدعوه يسكت›؟
١٦ يُشجَّع خدام يهوه على الصلاة بلا انقطاع، طالبين من اللّٰه ان ‹تكون مشيئته كما في السماء كذلك على الارض›. (متى ٦:٩، ١٠؛ ١ تسالونيكي ٥:١٧) ويؤمَرون ‹ألا يدعوا يهوه يسكت› او يتوقف، بل ان يواظبوا على الطلب حتى تتحقق الرغبات والآمال المتعلقة بردّ العبادة الحقة. وقد شدَّد يسوع على ضرورة المواظبة على الصلاة، حاثًّا أتباعه ان ‹يصرخوا الى اللّٰه نهارا وليلا›. — لوقا ١٨:١-٨.
خدمة اللّٰه تجلب المكافأة
١٧، ١٨ (أ) بأية طريقة يمكن ان يتوقع سكان صهيون التمتع بثمار عملهم؟ (ب) كيف يتمتع شعب يهوه اليوم بثمار عملهم؟
١٧ ان الاسم الجديد الذي يعطيه يهوه لشعبه يؤكد لهم ان جهودهم لا تذهب سدى. «حلف الرب بيمينه وبذراع عزته قائلا اني لا ادفع بعد قمحك مأكلا لأعدائك ولا يشرب بنو الغرباء خمرك التي تعبت فيها. بل يأكله الذين جنوه ويسبِّحون الرب ويشربه جامعوه في ديار قدسي». (اشعياء ٦٢:٨، ٩) ان يمين يهوه وذراع عزته هما رمزان الى قوته وقدرته. (تثنية ٣٢:٤٠؛ حزقيال ٢٠:٥) ويُظهر حلفه بهما انه مصمِّم على تغيير حالة صهيون. ففي سنة ٦٠٧ قم يسمح يهوه لأعداء صهيون ان ينهبوها ويسلبوها ممتلكاتها. (تثنية ٢٨:٣٣، ٥١) أما الآن فلن يتمتع بممتلكات صهيون الا مَن تحقّ لهم. — تثنية ١٤:٢٢-٢٧.
١٨ في الاتمام العصري لهذا الوعد، ينعم شعب يهوه المسترد بازدهار روحي كبير. وهم يتمتعون كاملا بثمار عملهم: عدد متزايد من التلاميذ المسيحيين ووفرة من الطعام الروحي. (اشعياء ٥٥:١، ٢؛ ٦٥:١٤) ولأن شعب يهوه امين، فهو لا يدع اعداءهم يعبثون بازدهارهم الروحي او يسلبونهم نتائج خدمتهم المقدَّمة من كل النفس. فلا عمل يُبذل في خدمة يهوه يذهب سدى. — ملاخي ٣:١٠-١٢؛ عبرانيين ٦:١٠.
١٩، ٢٠ (أ) كيف يُهيَّأ الطريق امام اليهود العائدين الى اورشليم؟ (ب) كيف يُهيَّأ الطريق في الازمنة العصرية امام الودعاء ليأتوا الى هيئة يهوه؟
١٩ وكذلك يجذب الاسم الجديد المستقيمي القلوب الى هيئة يهوه. فأعداد كبيرة تتقاطر عليها، ولا شيء يسد الطريق اليها. تذكر نبوة اشعيا: «اعبروا اعبروا بالابواب هيئوا طريق الشعب اعدّوا اعدّوا السبيل نقّوه من الحجارة ارفعوا الراية للشعب». (اشعياء ٦٢:١٠) في الحالة الاولى، تشير هذه الدعوة على الارجح الى عبور ابواب المدن في منطقة بابل للعودة الى اورشليم. فكان على العائدين ان يزيلوا الحجارة من الطريق لتسهيل الرحلة اكثر وأن يرفعوا راية تدل على الطريق. — اشعياء ١١:١٢.
٢٠ ومنذ سنة ١٩١٩، يُفرَز المسيحيون الممسوحون للخدمة الالهية، وهم يسيرون في «الطريق المقدسة». (اشعياء ٣٥:٨) وقد كانوا اول السالكين في السبيل الروحي للخروج من بابل العظيمة. (اشعياء ٤٠:٣؛ ٤٨:٢٠) وأعطاهم اللّٰه امتياز اخذ القيادة في اعلان اعماله الجبارة وإرشاد الآخرين الى هذا السبيل. وكان التخلص من الحجارة — او ازالة العقبات من الطريق — مفيدا لهم خصوصا. (اشعياء ٥٧:١٤) فقد لزمهم ان يروا مقاصد اللّٰه وتعاليمه بشكل واضح. فالمعتقدات الباطلة هي حجارة عثرة في طريق الحياة، لكنَّ كلمة اللّٰه «كمطرقة تحطم الصخر». وبها يسحق المسيحيون الممسوحون حجارة العثرة التي يمكن ان توقع مَن يريدون ان يخدموا يهوه. — ارميا ٢٣:٢٩.
٢١، ٢٢ اية راية جعلها يهوه للذين يهجرون الدين الباطل، وكيف نعرف ذلك؟
٢١ في سنة ٥٣٧ قم، صارت اورشليم الراية التي دعت البقية اليهودية الى العودة وإعادة بناء الهيكل. (اشعياء ٤٩:٢٢) وفي سنة ١٩١٩، عندما تحرَّرت البقية الممسوحة من عبودية الدين الباطل، لم يهيموا على وجوههم. فقد كانوا يعرفون وجهتهم، لأن يهوه جعل لهم راية تهديهم. فما هي هذه الراية؟ انها الراية نفسها التي تتحدث عنها اشعياء ١١:١٠، والتي تقول: «يكون في ذلك اليوم ان اصل يسى [يكون] القائم راية للشعوب». وطبق الرسول بولس هذه الكلمات على يسوع. (روما ١٥:٨، ١٢) نعم، الراية هي المسيح يسوع، الملك على جبل صهيون السماوي. — عبرانيين ١٢:٢٢؛ كشف ١٤:١.
٢٢ وحول يسوع المسيح، يجتمع المسيحيون الممسوحون والخراف الاخر على السواء لينهمكوا في العبادة الموحِّدة للّٰه العلي. وحكمُ يسوع يبرئ سلطان يهوه الكوني ويبارك المستقيمي القلوب من كل امم الارض. أفليس هذا سببا ليشارك كل واحد منا في ترفيعه بكلمات التسبيح؟
‹خلاصك آتٍ›!
٢٣، ٢٤ كيف يأتي الخلاص الذين يؤمنون باللّٰه؟
٢٣ ان الاسم الجديد، الذي يمنحه يهوه لهيئته المشبَّهة بزوجة، له ارتباط بالخلاص الابدي لأولادها. يكتب اشعيا: «هوذا الرب قد اخبر الى اقصى الارض قولوا لابنة صهيون هوذا مخلصك [«خلاصك»، يج] آتٍ ها اجرته معه وجزاؤه امامه». (اشعياء ٦٢:١١) اتى الخلاص اليهودَ عندما سقطت بابل وعادوا الى ارضهم. لكنَّ هذه الكلمات تشير الى شيء اعظم. فقول يهوه هذا يذكّر بنبوة زكريا المتعلقة بأورشليم: «ابتهجي جدا يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت اورشليم. هوذا ملكك يأتي اليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن اتان». — زكريا ٩:٩.
٢٤ بعد ثلاث سنين ونصف من معمودية يسوع في الماء ومسحه بروح اللّٰه، دخل اورشليم راكبا على بهيمة وطهَّر هيكلها. (متى ٢١:١-٥؛ يوحنا ١٢:١٤-١٦) واليوم يسوع المسيح هو الذي يأتي بالخلاص من يهوه لجميع الذين يؤمنون باللّٰه. ويسوع ايضا هو ديّان يهوه المعيَّن ومنفِّذ احكامه منذ تتويجه سنة ١٩١٤. وفي سنة ١٩١٨، بعد ثلاث سنين ونصف من تتويجه، طهَّر هيكل يهوه الروحي كما تمثِّله على الارض جماعة المسيحيين الممسوحين. (ملاخي ٣:١-٥) وقد وسم رفْعُه كراية بدايةَ عمل تجميع عظيم لأناس من كل انحاء الارض، دعما للملكوت المسيَّاني. وبحسب النموذج القديم، اتى ‹الخلاص› اسرائيلَ اللّٰه عندما تحرَّروا من بابل العظيمة سنة ١٩١٩. و ‹الاجرة› او ‹الجزاء› الذي ينتظر المشاركين في عمل الحصاد، الذين يتصفون بروح التضحية بالذات، هو إما الحياة الخالدة في السماء او الحياة الابدية على الارض. وبإمكان جميع الذين يبقون امناء ان يكونوا على ثقة من ان ‹كدهم ليس عبثا في الرب›. — ١ كورنثوس ١٥:٥٨.
٢٥ بماذا يُطَمْأن شعب يهوه؟
٢٥ ما اروع توقعات هيئة يهوه السماوية، ممثِّليها الممسوحين هنا على الارض، وكل مَن يقترن بهم بنشاط! (تثنية ٢٦:١٩) انبأ اشعيا: «يسمونهم شعبا مقدسا مفديي الرب وأنت تسمَّين المطلوبة المدينة غير المهجورة». (اشعياء ٦٢:١٢) لقد سبق ان شعرت «اورشليم العليا»، الممثَّلة بإسرائيل اللّٰه، بأنها مهجورة. لكنها لن تشعر بشيء كهذا في ما بعد. فسيبقى شعب يهوه الى الابد في حِمى يده، متمتعين بابتسامة رضاه الى ما لا نهاية.
[الحاشية]
a في نبوة الكتاب المقدس، يمكن ان يدل ‹الاسم الجديد› على مركز او امتياز جديد. — كشف ٢:١٧؛ ٣:١٢.
[الاطار في الصفحة ٣٤٢]
مثال راقٍ للزواج
عندما يتزوج الناس، تكون عندهم توقعاتهم الخاصة عن الرباط الزوجي. ولكن ما هي توقعات اللّٰه؟ انه مَن انشأ مؤسسة الزواج. فماذا كان قصده منه؟
احد الادلة على ما يريده اللّٰه من الزواج يُرى في علاقته بأمة اسرائيل. فإشعيا يشبِّه هذه العلاقة بالزواج. (اشعياء ٦٢:١-٥) لاحظوا ماذا يفعل يهوه اللّٰه، «كزوج»، من اجل «عروسه». انه يحميها ويقدسها. (اشعياء ٦٢:٦، ٧، ١٢) يكرِّمها ويحترمها. (اشعياء ٦٢:٣، ٨، ٩) وهو يسر بها، كما يتضح من الاسماء الجديدة التي يعطيها اياها. — اشعياء ٦٢:٤، ٥، ١٢.
في الاسفار اليونانية المسيحية، يردد بولس وصف اشعيا للعلاقة بين يهوه وإسرائيل عندما يشبِّه علاقة الزوج والزوجة بعلاقة المسيح وجماعة المسيحيين الممسوحين. — افسس ٥:٢١-٢٧.
شجَّع بولس المسيحيين ان يتمثَّلوا في زواجهم بالعلاقة التي تربط يسوع بالجماعة. ولا توجد محبة اعظم من المحبة التي اظهرها يهوه لإسرائيل والتي يُظهرها المسيح لجماعته. هاتان العلاقتان الرمزيتان هما مثال راقٍ للزواج السعيد والناجح بين المسيحيين. — افسس ٥:٢٨-٣٣.
[الصورة في الصفحة ٣٣٩]
سيطلق يهوه على صهيون السماوية اسما جديدا
[الصورتان في الصفحة ٣٤٧]
في الازمنة العصرية لم يبقَ صف الرقيب الذي أقامه يهوه ساكتا
-
-
يهوه يصنع لنفسه اسم مجدنبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل الرابع والعشرون
يهوه يصنع لنفسه اسم مجد
١، ٢ (أ) لماذا يهتم المسيحيون شخصيا بـ «يوم يهوه» المقبل؟ (ب) اية قضية سامية مشمولة بمجيء يوم يهوه؟
منذ ألفي سنة تقريبا، ‹ينتظر المسيحيون ويُبقون حضور يوم يهوه قريبا في الذهن›. (٢ بطرس ٣:١٢؛ تيطس ٢:١٣) ولا عجب انهم ينتظرون هذا اليوم على احر من الجمر. فهو يسم بداية راحتهم من ويلات النقص. (روما ٨:٢٢) ويعني ايضا نهاية الضغوط التي يواجهونها خلال هذه ‹الازمنة الحرجة›. — ٢ تيموثاوس ٣:١ .
٢ ولكن في حين ان يوم يهوه سيجلب الراحة للابرار، فهو سيجلب ايضا الهلاك للذين ‹لا يعرفون اللّٰه ولا يطيعون البشارة عن ربنا يسوع›. (٢ تسالونيكي ١:٧، ٨) يستحق هذا الامر ان نتأمل فيه. فهل يهلك اللّٰه حقا الاشرار لمجرد انه يريد انقاذ شعبه من الظروف الصعبة المحيطة بهم؟ يُظهر الاصحاح ٦٣ من سفر اشعياء ان قضية اسمى بكثير مشمولة بالامر: تقديس اسم اللّٰه.
تقدُّم المحارب الظافر
٣، ٤ (أ) ما هي خلفية النبوة في الاصحاح ٦٣ من سفر اشعياء؟ (ب) مَن يراه اشعيا يتقدم نحو اورشليم، وإلى مَن يشير هذا الشخص على حد قول بعض العلماء؟
٣ في الاصحاح ٦٢ من سفر اشعياء، قرأنا عن تحرير اليهود من الاسر في بابل وردهم الى ارضهم. ومن الطبيعي ان ينشأ السؤال: هل يلزم ان تخاف البقية المستردة من اليهود من اجتياح آخر تقوم به امم معادية اخرى؟ تهدِّئ رؤيا اشعيا من روعهم كثيرا. تبدأ النبوة قائلة: «مَن ذا الآتي من ادوم بثياب حمر من بُصرة هذا البهيّ بملابسه المتعظم بكثرة قوته». — اشعياء ٦٣:١ أ.
٤ يرى اشعيا محاربا متوقِّدا وظافرا يتقدم نحو اورشليم. وتشير ملابسه الفخمة الى انه يتبوأ مرتبة عالية جدا. وهو آتٍ من جهة بُصرة، ابرز مدن ادوم، مما يشير الى انه انتصر انتصارا عظيما على قوات تلك الارض المعادية. فمَن هو هذا المحارب؟ يقول بعض العلماء انه يشير الى يسوع المسيح. ويعتقد آخرون انه القائد العسكري اليهودي يهوذا المَكابيّ. لكنَّ المحارب نفسه يعرِّف عن نفسه حين يجيب عن السؤال الآنف الذكر بالقول: «انا المتكلم بالبر العظيمُ [«الكثير القوة»، عج] للخلاص». — اشعياء ٦٣:١ ب.
٥ مَن هو المحارب الذي يراه اشعيا، ولماذا تجيبون كذلك؟
٥ لا يوجد شك في ان هذا المحارب هو يهوه اللّٰه نفسه. فهو يوصف في آيات اخرى بأن له «كثرة القوة» وبأنه «المتكلم بالبر». (اشعياء ٤٠:٢٦؛ ٤٥:١٩، ٢٣، يج) وتذكّرنا ملابس المحارب الفخمة بكلمات صاحب المزمور: «يا رب الهي قد عظمتَ جدا مجدا وجلالا لبست». (مزمور ١٠٤:١) وفي حين ان يهوه هو اله المحبة، يُظهر الكتاب المقدس انه عند الضرورة يتخذ دور المحارب. — اشعياء ٣٤:٢؛ ١ يوحنا ٤:١٦ .
٦ لماذا يهوه عائد من معركة في ادوم؟
٦ ولكن لماذا يهوه عائد من معركة في ادوم؟ الادوميون هم لزمن طويل اعداء شعب عهد اللّٰه، وقد استمرت هذه العداوة من ايام ابيهم عيسو. (تكوين ٢٥:٢٤-٣٤؛ عدد ٢٠:١٤-٢١) وتجلى مدى بغض ادوم ليهوذا خصوصا خلال تدمير اورشليم، حين اخذ الادوميون يهتفون هتاف التشجيع للجنود البابليين. (مزمور ١٣٧:٧) ويعتبر يهوه هذه العداوة إهانة شخصية له. فلا عجب انه قرر ضرب ادوم بسيف انتقامه. — اشعياء ٣٤:٥-١٥؛ ارميا ٤٩:٧-٢٢ .
٧ (أ) كيف تمَّت النبوة ضد ادوم في البداية؟ (ب) الى ماذا ترمز ادوم؟
٧ لذلك فإن رؤيا اشعيا هي مصدر تشجيع كبير لليهود العائدين الى اورشليم. فهي تؤكد لهم ان بإمكانهم العيش في بيوتهم الجديدة آمنين. وفي الواقع، بحلول ايام النبي ملاخي، جعل اللّٰه «جبال [ادوم] خرابا وميراثه لذئاب البرية». (ملاخي ١:٣) فهل يعني ذلك ان نبوة اشعيا تمَّت اتماما كاملا بحلول ايام ملاخي؟ كلا، فقد بقيت ادوم مصمِّمة — على الرغم من دمارها — ان تعود وتبني خربها، واستمر ملاخي يدعو ادوم «تخوم الشر» و «الشعب الذي غضب عليه الرب الى الابد».a (ملاخي ١:٤، ٥) لكنَّ ادوم تشمل نبويا اكثر من المتحدِّرين من عيسو. فهي رمز الى جميع الامم المعادية لعبّاد يهوه. وأمم العالم المسيحي كانت بارزة في هذا المجال. فماذا سيحل بأدوم العصرية هذه؟
المعصرة
٨، ٩ (أ) ايّ عمل كان المحارب الذي رآه اشعيا يقوم به؟ (ب) متى وكيف تُداس المعصرة الرمزية؟
٨ يسأل اشعيا المحارب العائد: «ما بال لباسك مُحمَرٌّ وثيابك كدائس المعصرة». فيجيب يهوه: «قد دستُ المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي احد. فدستُهم بغضبي ووطئتهم بغيظي فرُشَّ عصيرهم على ثيابي فلطخت كل ملابسي». — اشعياء ٦٣:٢، ٣ .
٩ تصف هذه الكلمات القوية حمَّامَ دم. حتى ملابس اللّٰه الفخمة تلطخت وصارت كملابس دائس المعصرة! ترمز المعصرة بشكل ملائم الى ان اعداء يهوه اللّٰه سيجدون انفسهم عالقين حين يقوم ليهلكهم. ولكن متى ستُداس هذه المعصرة الرمزية؟ تتحدث نبوتا يوئيل والرسول يوحنا عن معصرة رمزية ايضا. والمعصرة في هاتين النبوتين تُداس حين يدوس يهوه اعداءه مهلكا اياهم في هرمجدون. (يوئيل ٣:١٣؛ كشف ١٤:١٨-٢٠؛ ١٦:١٦) وتشير المعصرة النبوية في سفر اشعياء مسبقا الى نفس الوقت.
١٠ لماذا يقول يهوه انه داس المعصرة وحده؟
١٠ ولكن لماذا يقول يهوه انه داس هذه المعصرة وحده، ولم يكن معه احد من الشعوب؟ ألن يأخذ يسوع المسيح، ممثِّلا اللّٰه، القيادة في دوس المعصرة؟ (كشف ١٩:١١-١٦) بلى، لكنَّ يهوه يشير الى البشر لا الى المخلوقات الروحانية. فهو يقول انه لا احد من البشر اهل ليخلّص الارض من أتباع الشيطان. (اشعياء ٥٩:١٥، ١٦) وهكذا يبقى ان يستمر اللّٰه القادر على كل شيء في دوسهم بغضبه الى ان يُسحقوا كليا.
١١ (أ) لماذا يجلب يهوه ‹يوم نقمة›؟ (ب) مَن كانوا ‹المفديين› في الماضي، ومَن هم اليوم؟
١١ يوضح يهوه ايضا لماذا يقوم بهذه المهمة شخصيا، اذ يقول: «لأن يوم النقمة في قلبي وسنة مفديِّيَّ قد اتت». (اشعياء ٦٣:٤)b فليهوه وحده الحق في الانتقام من الذين يؤذون شعبه. (تثنية ٣٢:٣٥) و ‹المفديون› في الماضي كانوا اليهود الذي تألموا بسبب البابليين. (اشعياء ٣٥:١٠؛ ٤٣:١؛ ٤٨:٢٠) اما في الازمنة العصرية فهم البقية الممسوحة. (كشف ١٢:١٧) وقد افتُدوا، كنظرائهم القدماء، من العبودية الدينية. وكهؤلاء اليهود في الماضي، وقع الممسوحون ورفقاؤهم ‹الخراف الاخر› ضحية الاضطهاد والمقاومة. (يوحنا ١٠:١٦) وهكذا تؤكد نبوة اشعيا للمسيحيين اليوم ان اللّٰه، في وقته المعيَّن، سيتدخل من اجلهم.
١٢، ١٣ (أ) بأيّ معنى لا يوجد معين ليهوه؟ (ب) كيف تخلُص ذراع يهوه له، وكيف يعضده غيظه؟
١٢ يمضي يهوه قائلا: «نظرت ولم يكن معين وتحيرت اذ لم يكن عاضد فخلَصَت لي ذراعي وغيظي عضدني. فدست شعوبا بغضبي وأسكرتهم بغيظي وأجريت على الارض عصيرهم». — اشعياء ٦٣:٥، ٦ .
١٣ لا يمكن لأيّ معين بشري ان ينسب الى نفسه الفضل في اليوم العظيم لنقمة يهوه. كما ان يهوه ليس بحاجة الى ايّ دعم بشري ليتمم مشيئته.c فذراع قوته القديرة للغاية كافية لإتمام هذا العمل. (مزمور ٤٤:٣؛ ٩٨:١؛ ارميا ٢٧:٥) كما ان غيظه يعضده. كيف؟ بمعنى ان غيظ اللّٰه ليس انفعالا غير مضبوط، بل هو غضب بار. وبما ان يهوه يتصرف دائما بشكل ينسجم مع مبادئه البارة، يعضده غيظه ويدفعه الى ان يُجري «على الارض عصير» اعدائه، إذلالا وهزيمة لهم. — مزمور ٧٥:٨؛ اشعياء ٢٥:١٠؛ ٢٦:٥ .
ألطاف اللّٰه الحبية
١٤ اية مذكّرات ملائمة يوردها اشعيا الآن؟
١٤ سرعان ما فقدَ اليهود في الماضي تقديرهم لما كان يهوه يفعله من اجلهم. لذلك من الملائم ان يذكّرهم اشعيا لماذا فعل يهوه هذه الامور. يذكر اشعيا: «احسانات الرب [«ألطاف يهوه الحبية»، عج] اذكر تسابيح الرب حسب كل ما كافأَنا به الرب والخير العظيم لبيت اسرائيل الذي كافأهم به حسب مراحمه وحسب كثرة احساناته [«ألطافه الحبية»، عج]. وقد قال حقا انهم شعبي بنون لا يخونون. فصار لهم مخلّصا. في كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلّصهم. بمحبته ورأفته هو فكّهم ورفعهم وحملهم كل الايام القديمة». — اشعياء ٦٣:٧-٩ .
١٥ كيف ولماذا اعرب يهوه عن لطفه الحبي حيال ذرية ابراهيم في مصر؟
١٥ ما اروع المثال الذي يرسمه يهوه من جهة الاعراب عن اللطف الحبي، او المحبة الولية! (مزمور ٣٦:٧، عج؛ مزمور ٦٢:١٢، عج) فقد كان عند يهوه تعلُّق حبي بإبراهيم. (ميخا ٧:٢٠، عج) ووعد هذا الاب الجليل انه في نسله تتبارك جميع امم الارض. (تكوين ٢٢:١٧، ١٨) والتزم يهوه بهذا الوعد، معطيا خيرا عظيما لبيت اسرائيل. وكان احد ابرز اعماله الولية إنقاذ ذرية ابراهيم من العبودية في مصر. — خروج ١٤:٣٠ .
١٦ (أ) كيف كان يهوه يفكر عندما قطع عهده مع اسرائيل؟ (ب) كيف يتعامل اللّٰه مع شعبه؟
١٦ بعد الخروج من مصر، اتى يهوه بإسرائيل الى جبل سيناء وقطع هذا العهد: «إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة . . . وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة». (خروج ١٩:٥، ٦) وهل كان يهوه يخادع عندما قدَّم هذا العرض؟ كلا، لأن اشعيا يكشف ما قال يهوه في نفسه: «حقا انهم شعبي بنون لا يخونون». يذكر احد العلماء: «لا تعني ‹حقا› هنا ان [اللّٰه، بصفته] المتسلط، هو الآمر بذلك او هو يعرف المستقبل، بل تعني انه بدافع محبته عنده امل فيهم وثقة بهم». نعم، قطع يهوه عهده بصدق، لأنه يريد بإخلاص ان ينجح شعبه. وعلى الرغم من تقصيراتهم الواضحة، أوْلاهم ثقته دون تردد. فكم هو رائع ان نعبد الها يثق بعبّاده ثقة كهذه! واليوم، يساهم الشيوخ كثيرا في تقوية الاشخاص المؤتمَنين على رعايتهم بإظهار ثقة مماثلة بأن شعب اللّٰه صالحون من حيث الجوهر. — ٢ تسالونيكي ٣:٤؛ عبرانيين ٦:٩، ١٠ .
١٧ (أ) ايّ دليل اظهره يهوه على محبته للاسرائيليين؟ (ب) بمَ يمكننا ان نثق اليوم؟
١٧ لكنَّ صاحب المزمور يقول عن الاسرائيليين: «نسوا اللّٰه مخلّصهم الصانع عظائم في مصر». (مزمور ١٠٦:٢١) فبسبب عصيانهم وصيرورتهم شعبا صلب الرقبة، غالبا ما وقعوا في مشاكل فظيعة. (تثنية ٩:٦) فهل كفَّ يهوه عن إظهار اللطف الحبي نحوهم؟ على العكس، فإشعيا يقول انه «في كل ضيقهم تضايق». فيا ليهوه من اله متعاطف! وكأيّ ابٍ محب، كان اللّٰه يتألم عند رؤية اولاده يتألمون، حتى لو كانوا يتألمون بسبب حماقتهم. وكما أُنبئ مسبقا، وتعبيرا عن محبته، ارسل «ملاك حضرته»، على الارجح يسوع خلال وجوده السابق لبشريته، ليقودهم الى ارض الموعد. (خروج ٢٣:٢٠) وهكذا رفع يهوه الامة وحملها، «كما يحمل الانسان ابنه». (تثنية ١:٣١؛ مزمور ١٠٦:١٠) واليوم يمكننا ان نثق بأن يهوه يعرف ايضا معاناتنا ويشاطرنا مشاعرنا عندما نقع في ضيق. فيمكننا بكل ثقة ان ‹نلقي كل همنا عليه لأنه يهتم بنا›. — ١ بطرس ٥:٧ .
اللّٰه يصير عدوًّا
١٨ لماذا صار يهوه عدوًّا لشعبه؟
١٨ ولكن لا ينبغي ابدا ان نستغل لطف اللّٰه الحبي. يمضي اشعيا قائلا: «لكنهم تمردوا وأحزنوا روح قدسه فتحوَّل لهم عدوًّا وهو حاربهم». (اشعياء ٦٣:١٠) فمع ان يهوه اله رحيم ورؤوف، حذّر من انه ‹لا يُعفي المذنب من العقاب›. (خروج ٣٤:٦، ٧، تف) وقد عرَّض الاسرائيليون انفسهم للعقاب عندما سلكوا مسلك التمرد. ذكّر موسى قائلا: «لا تنسَ كيف اسخطت الرب الهك في البرية. من اليوم الذي خرجت فيه من ارض مصر حتى اتيتم الى هذا المكان كنتم تقاومون الرب». (تثنية ٩:٧) وقد أحزنوا روح اللّٰه بمقاومتهم التأثيرات الايجابية التي يولّدها. (افسس ٤:٣٠) وهكذا اضطر يهوه ان يصير لهم عدوًّا. — لاويين ٢٦:١٧؛ تثنية ٢٨:٦٣ .
١٩، ٢٠ اية امور يتذكرها اليهود، ولماذا؟
١٩ وفي وسط هذه البلية، يبدأ بعض اليهود بالتأمل في الماضي. يقول اشعيا: «ثم ذكر [«احدٌ»، عج] الايام القديمة موسى وشعبه. اين الذي اصعدهم من البحر مع راعي [«رعاة»، يج] غنمه. اين الذي جعل في وسطهم روح قدسه الذي سيَّر ليمين موسى ذراع مجده الذي شق المياه قدامهم ليصنع لنفسه اسما ابديا الذي سيَّرهم في اللجج. كفرس في البرية فلم يعثروا. كبهائم تنزل الى وطاء روح الرب اراحهم». — اشعياء ٦٣:١١-١٤ أ.d
٢٠ نعم، يتوق اليهود الذين يعانون نتائج تمردهم الى الايام التي كان فيها يهوه منقذهم لا عدوهم. فيتذكرون كيف قادهم ‹رعاتهم›، اشارة الى موسى وهارون، بأمان في البحر الاحمر. (مزمور ٧٧:٢٠؛ اشعياء ٥١:١٠) ويتذكرون حين كان روح اللّٰه يقودهم، دون ان يُحزنوه، من خلال التوجيه الذي يعطيه موسى والشيوخ الآخرون المعيَّنون بالروح. (عدد ١١:١٦، ١٧) وهم ايضا يتذكرون رؤية «ذراع مجد» يهوه القوية تُستخدم لمصلحتهم بواسطة موسى! وفي النهاية اخرجهم اللّٰه من القفر العظيم المخوف وأدخلهم ارضا تفيض لبنا وعسلا — مكان راحة. (تثنية ١:١٩؛ يشوع ٥:٦؛ ٢٢:٤) أما الآن فيتألم الاسرائيليون لأنهم خسروا علاقتهم الجيدة باللّٰه!
‹اسم مجد لنفسه›
٢١ (أ) ايّ امتياز عظيم كان يمكن لإسرائيل ان تحظى به له علاقة باسم اللّٰه؟ (ب) لأيّ سبب رئيسي حرَّر اللّٰه المتحدِّرين من ابراهيم من مصر؟
٢١ رغم ذلك، ليست خسارة الاسرائيليين المادية مهمة بالمقارنة مع خسارة الامتياز الذي اهملوه: الاشتراك في تمجيد اسم اللّٰه. وعد موسى الاسرائيليين: «يقيمك الرب لنفسه شعبا مقدسا كما حلف لك اذا حفظت وصايا الرب الهك وسلكت في طرقه. فيرى جميع شعوب الارض ان اسم الرب قد سُمي عليك ويخافون منك». (تثنية ٢٨:٩، ١٠) فعندما دافع يهوه عن المتحدِّرين من ابراهيم، منقذا اياهم من العبودية في مصر، لم يفعل ذلك لمجرد جعل حياتهم مريحة اكثر او لإرضائهم. فقد فعل ذلك من اجل شيء اهم بكثير: اسمه. نعم، كان اللّٰه يحرص ان ‹يُخبَر باسمه في كل الارض›. (خروج ٩:١٥، ١٦) وعندما اظهر اللّٰه الرحمة بعد تمرد اسرائيل في البرية، لم تكن رقة الشعور السبب الوحيد لذلك. قال يهوه نفسه: «صنعتُ لأجل اسمي لكيلا يتنجس امام عيون الامم». — حزقيال ٢٠:٨-١٠ .
٢٢ (أ) لماذا سيحارب اللّٰه في المستقبل من اجل شعبه مرة اخرى؟ (ب) بأية طرائق تؤثر محبتنا لاسم اللّٰه في تصرفاتنا؟
٢٢ ما اقوى هذه الخاتمة التي يذكرها اشعيا بعد ذلك لنبوته! يقول: «هكذا قدتَ شعبك لتصنع لنفسك اسم مجد»! (اشعياء ٦٣:١٤ ب) يمكن ان يُرى الآن لماذا يحارب يهوه بشدة من اجل شعبه. فالسبب هو ان يصنع لنفسه اسم مجد. وهذا ما يجعل من نبوة اشعيا مذكّرا قويا بأن حمل اسم يهوه هو امتياز عظيم ومسؤولية كبيرة على السواء. والمسيحيون الحقيقيون اليوم يحبون اسم يهوه اكثر من حياتهم. (اشعياء ٥٦:٦؛ عبرانيين ٦:١٠) ويشمئزون من فعل ايّ شيء يمكن ان يجلب التعيير على هذا الاسم المقدس. وتجاوبا مع محبة اللّٰه الولية، يبقون اولياء له. ولأنهم يحبون اسم يهوه المجيد، يتوقون الى اليوم الذي فيه يدوس اعداءه في معصرة غضبه —ليس فقط لأن ذلك يريحهم بل ايضا لأنه يؤدي الى تمجيد اسم اللّٰه الذي يحبونه. — متى ٦:٩ .
[الحواشي]
a كانت اسرة الهيرودسيين في القرن الاول الميلادي ادومية.
b قد تشير عبارتا «سنة مفديِّيَّ» و «يوم النقمة» الى نفس الفترة. لاحظوا كيف تتناظر عبارتان مماثلتان في اشعياء ٣٤:٨ .
c يتحير يهوه اذ لم يكن عاضد. فربما هو محيِّر ان يستمر الاقوياء بين الجنس البشري، بعد ٠٠٠,٢ سنة تقريبا من موت يسوع، في مقاومة مشيئة اللّٰه. — مزمور ٢:٢-١٢؛ اشعياء ٥٩:١٦ .
d يمكن ايضا ان تبدأ هذه الآية بكلمة «ذكرَ» مع الفاعل كضمير مستتر. (اشعياء ٦٣:١١، حاشية عج بالانكليزية) لكنَّ هذا لا يعني بالضرورة ان يهوه هو الذي يذكر. فالكلمات التالية تعبِّر عن شعور شعب اللّٰه لا شعور يهوه نفسه. وتُنقل هذه الكلمات حسب الترجمة اليسوعية الجديدة: «ثم ذكر شعبه الايام القديمة».
[الصورة في الصفحة ٣٥٩]
كان يهوه يعقد آمالا كبيرة على شعبه
-
-
صلاة توبةنبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل الخامس والعشرون
صلاة توبة
١، ٢ (أ) ما هو القصد من التأديب الالهي؟ (ب) ايّ خيار سيواجهه اليهود بعدما يؤدبهم يهوه؟
كان دمار اورشليم وهيكلها سنة ٦٠٧ قم عملا تأديبيا من يهوه، تعبيرا عن عدم رضاه الشديد. فقد استحقت امة يهوذا المتمردة العقاب الصارم. لكنَّ يهوه لم ينوِ ابادة اليهود. وقد اشار الرسول بولس الى القصد من تأديب يهوه حين قال: «صحيح ان كل تأديب لا يبدو في الحاضر مفرحا، بل محزنا؛ ولكنه بعد ذلك يعطي من تدرَّب به ثمر سلام، اي برًّا». — عبرانيين ١٢:١١ .
٢ فكيف سيتجاوب اليهود مع هذه التجربة الصعبة؟ هل سيبغضون تأديب يهوه؟ (مزمور ٥٠:١٦، ١٧) أم سيقبلونه كتدريب لهم؟ هل سيتوبون ويُشفَون؟ (اشعياء ٥٧:١٨؛ حزقيال ١٨:٢٣) تشير نبوة اشعيا الى ان بعضا على الاقل من سكان يهوذا السابقين سيتجاوبون حسنا مع التأديب. فمن الاعداد الاخيرة للاصحاح ٦٣ وحتى آخر الاصحاح ٦٤، تُصوَّر امة يهوذا شعبا نادما يقترب الى يهوه بتضرعات نابعة من القلب. فالنبي اشعيا، نيابةً عن مواطني بلده في السبي المستقبلي، يتفوَّه بصلاة توبة. وفيها يتكلم عن الاحداث المقبلة كما لو انها حدثت امام عينيه.
ابٌ رؤوف
٣ (أ) كيف ترفِّع صلاة اشعيا النبوية يهوه؟ (ب) كيف تُظهر صلاة دانيال ان صلاة اشعيا النبوية تمثِّل افكار اليهود التائبين في بابل؟ (انظروا الاطار في الصفحة ٣٦٢ .)
٣ يصلّي اشعيا الى يهوه قائلا: «تطلَّع من السموات وانظر من مسكن قدسك ومجدك». يتحدث النبي عن السموات الروحية، حيث يسكن يهوه ومخلوقاته الروحانية غير المنظورة. ويمضي اشعيا قائلا، معبِّرا عن افكار اليهود المسبيين: «اين غيرتك وجبروتك. زفير احشائك ومراحمك نحوي امتنعت». (اشعياء ٦٣:١٥) لقد كبت يهوه قوته وضبط مشاعره العميقة — ‹زفير احشائه ومراحمه› — تجاه شعبه. لكنَّ يهوه هو «ابو» الامة اليهودية. صحيح ان ابراهيم وإسرائيل (يعقوب) هما جدَّاهم الطبيعيان، ولكن لو عادا الى الحياة لَكان محتملا جدا ان يرفضا ذريتهما المرتدَّة هذه. أما يهوه فرأفته اعظم. (مزمور ٢٧:١٠) يقول اشعيا شاكرا: «انت يا رب ابونا وليُّنا منذ الابد اسمك». — اشعياء ٦٣:١٦ .
٤، ٥ (أ) بأيّ معنى يُضل يهوه شعبه عن طرقه؟ (ب) ما نوع العبادة التي يطلبها يهوه؟
٤ يمضي اشعيا قائلا بتعبير مخلص: «لماذا اضللتنا يا رب عن طرقك. قسَّيت قلوبنا عن مخافتك. ارجع من اجل عبيدك اسباط ميراثك». (اشعياء ٦٣:١٧) نعم، يصلّي اشعيا ان يلتفت يهوه من جديد الى عبيده. ولكن بأيّ معنى اضلَّ يهوه اليهود عن طرقه؟ أَهوَ مسؤول عن تقسِّي قلوبهم الذي جعلهم لا يخافونه؟ كلا، لكنه يسمح به، واليهود — من فرط يأسهم — آسفون لأن يهوه اعطاهم هذه الحرية. (خروج ٤:٢١؛ نحميا ٩:١٦) فهم يودّون لو تدخَّل يهوه ومنعهم من فعل الخطإ.
٥ طبعا، لا يتعامل اللّٰه مع البشر بهذه الطريقة. فنحن نملك حرية الاختيار، ويسمح يهوه لنا بأن نقرِّر نحن بأنفسنا هل نطيعه ام لا. (تثنية ٣٠:١٥-١٩) يريد يهوه عبادة نابعة من قلوبٍ وعقول تدفعها المحبة الاصيلة. ولهذا السبب سمح لليهود بأن يمارسوا ارادتهم الحرة، رغم ان ذلك فسح لهم المجال ان يتمردوا عليه. بهذه الطريقة قسَّى قلوبهم. — ٢ أخبار الايام ٣٦:١٤-٢١ .
٦، ٧ (أ) ماذا ينتج من ترك اليهود طرق يهوه؟ (ب) اية امنية غير مجدية يتمنونها، ولكن ايّ شيء لا يملك اليهود الحق في توقعه؟
٦ وما هي النتيجة؟ يقول اشعيا نبويا: «الى قليل امتلك شعبُ قدسِك [«شعبك المقدَّس»، تف]. مضايقونا داسوا مقدسك. قد كنا منذ زمان كالذين لم تحكم عليهم ولم يُدعَ عليهم باسمك». (اشعياء ٦٣:١٨، ١٩) امتلك شعب يهوه مقدسه فترةً من الوقت. ثم سمح يهوه بأن يدمَّر مقدسه وتُسبى امته. وعندما حدث ذلك، بدا كما لو انه لم يكن هنالك عهد بينه وبين نسل ابراهيم، وكما لو ان اسمه لم يُدعَ عليهم قط. وها اليهود الآن اسرى في بابل، فيصرخون من شدة يأسهم: «ليتك تشق السموات وتنزل. من حضرتك تتزلزل الجبال. كما تشعل النار الهشيم وتجعل النار المياه تغلي لتعرِّف اعداءك اسمك لترتعد الامم من حضرتك». (اشعياء ٦٤:١، ٢) فيهوه قادر ان يخلّص. وبإمكانه دون شك ان ينزل ويحارب عن شعبه، ممزقا الانظمة الحكومية المشبهة بسموات ومحطما الامبراطوريات المشبهة بجبال. ويمكن ان يعرِّف يهوه اسمه بإظهار غيرته النارية من اجل شعبه.
٧ كان يهوه قد فعل امورا كهذه في الماضي. يروي اشعيا: «حين صنعت مخاوف لم ننتظرها نزلت تزلزلت الجبال من حضرتك». (اشعياء ٦٤:٣) هذه الاعمال العظيمة هي تأكيد على قدرة يهوه وألوهيته. ولكن لا يحق لليهود غير الامناء في ايام اشعيا ان يتوقعوا من يهوه فعل ذلك من اجلهم.
يهوه وحده قادر ان يخلّص
٨ (أ) ما هي احدى الطرائق التي يختلف بها يهوه عن آلهة الامم الباطلة؟ (ب) لماذا لا يتدخل يهوه ويخلّص شعبه، مع ان في مقدوره فعل ذلك؟ (ج) كيف يقتبس الرسول بولس اشعياء ٦٤:٤ ويطبقها؟ (انظروا الاطار في الصفحة ٣٦٦ .)
٨ لا تقوم الآلهة الباطلة بأعمال انقاذية عجائبية لتخلّص عبّادها. يكتب اشعيا: «منذ الازل لم يسمعوا ولم يصغوا. لم ترَ عين الها غيرك يصنع لمَن ينتظره. تلاقي الفرِح الصانع البر. الذين يذكرونك في طرقك». (اشعياء ٦٤:٤، ٥ أ) فيهوه وحده «يكافئ الذين يجدّون في طلبه». (عبرانيين ١١:٦) ويتدخل لحماية صانعي البر والذين يذكرونه. (اشعياء ٣٠:١٨) فهل هذا ما يفعله اليهود؟ كلا. يقول اشعيا ليهوه: «لَكَم سخطت علينا لأننا واظبنا على ارتكاب الآثام زمانا طويلا، فكيف لمِثلنا ان يخلُص؟» (اشعياء ٦٤:٥ ب، تف) فلأن شعب اللّٰه لهم سجل طويل من المواظبة على ارتكاب الآثام، لا يوجد سبب يجعل يهوه يكبت غضبه ويخلّصهم.
٩ ماذا يمكن ان يرجو اليهود التائبون، وماذا نتعلم من ذلك؟
٩ ليس بإمكان اليهود ان يغيِّروا الماضي، ولكن اذا تابوا ورجعوا الى العبادة النقية، يمكنهم ان يرجوا الغفران والتمتع بالبركات في المستقبل. وسيكافئ يهوه التائبين في وقته المعيَّن بإطلاقهم من الاسر البابلي. ولكن يلزم ان يصبروا. فمع انهم تابوا، لن يغيِّر يهوه برنامجه. ومع ذلك، فالتحرُّر اكيد في النهاية اذا بقوا ساهرين وتجاوبوا مع مشيئة يهوه. وكذلك اليوم يستمر المسيحيون في انتظار يهوه بصبر. (٢ بطرس ٣:١١، ١٢) فلنتذكر كلمات الرسول بولس الذي قال: «لا يفتر عزمنا في فعل ما هو حسن، لأننا سنحصد في وقته إن كنا لا نعيي». — غلاطية ٦:٩ .
١٠ ايّ عجز يُعترف به بصراحة في صلاة اشعيا؟
١٠ ان صلاة اشعيا النبوية هي اكثر من اعتراف رسمي بالخطية. انها تعبير عن اعتراف الامة الصادق بعجزها عن تخليص نفسها. يقول النبي: «قد صرنا كلنا كنجس وكثوب عِدَّة [«كثوب قذِر»، تف] كل اعمال برنا وقد ذبلنا كورقة وآثامنا كريح تحملنا». (اشعياء ٦٤:٦) لقد توقف اليهود التائبون، بحلول نهاية السبي، عن ممارسة الارتداد. والتفتوا الى يهوه بأعمال البر. لكنهم لا يزالون ناقصين. وأعمالهم الصالحة، وإن كانوا يُمدحون عليها، ليست افضل من ثياب قذرة من جهة التكفير عن الخطايا. فغفران يهوه هو هبة غير مستحقة تدفعها رحمته. وهو ليس شيئا يكتسبه المرء لأنه يستأهله. — روما ٣:٢٣، ٢٤ .
١١ (أ) اية حالة روحية سيئة قائمة بين معظم اليهود المسبيين، وما سبب ذلك على الارجح؟ (ب) مَن كانوا امثلة رائعة للايمان خلال السبي؟
١١ وماذا يرى اشعيا في نظرته الى المستقبل؟ يقول النبي: «ليس مَن يدعو باسمك او ينتبه ليتمسك بك لأنك حجبت وجهك عنا وأذبتنا بسبب آثامنا». (اشعياء ٦٤:٧) ان الحالة الروحية للامة مزرية للغاية. فالشعب لا يدعو باسم اللّٰه في الصلاة. ومع انهم غير مذنبين بعدُ بخطية الصنمية الفاضحة، فهُم كما يَظهر مهملون في عبادتهم، ولا احد «ينتبه ليتمسك» بيهوه. فمن الواضح انهم لا يتمتعون بعلاقة جيدة بالخالق. ربما يشعر البعض بأنهم لا يستحقون مخاطبة يهوه في الصلاة. وربما يعيشون حياتهم اليومية الروتينية دون التفكير فيه. طبعا، هنالك بين المسبيين اشخاص هم امثلة حسنة للايمان، مثل دانيال وحننيا وميشائيل وعزريا وحزقيال. (عبرانيين ١١:٣٣، ٣٤) وباقتراب الـ ٧٠ سنة من السبي من نهايتها، يتهيأ رجال مثل حجاي وزكريا وزربابل ورئيس الكهنة يهوشع لأخذ القيادة في الدعاء باسم يهوه بطريقة ممتازة. ولكن يبدو ان صلاة اشعيا النبوية تصف حالة اغلبية المسبيين.
«الاستماع افضل من الذبيحة»
١٢ كيف يعبِّر اشعيا عن استعداد اليهود التائبين لتغيير مسلكهم؟
١٢ يريد اليهود التائبون ان يتغيروا. يصلّي اشعيا الى يهوه، ممثِّلا اياهم: «والآن يا رب انت ابونا. نحن الطين وأنت جابلنا وكلنا عمل يديك». (اشعياء ٦٤:٨) تعترف هذه الكلمات من جديد بسلطة يهوه كأب، او معطي الحياة. (ايوب ١٠:٩) ويشبَّه اليهود الذين يتوبون بالطين الطري. فالذين يتجاوبون مع تأديب يهوه يمكن ان يُشكَّلوا، او يُكيَّفوا، حسب مقاييس اللّٰه. ولكن لا يمكن ان يتحقق ذلك إلا اذا منح يهوه — الذي هو الجابل — الغفران. وهكذا يناشده اشعيا مرة ثانية ان يتذكر ان اليهود شعبه: «لا تسخط كل السخط يا رب ولا تذكر الاثم الى الابد. ها انظر. شعبك كلنا». — اشعياء ٦٤:٩ .
١٣ ما هي حالة ارض اسرائيل خلال سبي شعب اللّٰه؟
١٣ خلال السبي، لا يعاني اليهود فقط آثار اسرهم في ارض وثنية. فخراب اورشليم وهيكلها يجلب التعيير على الههم وعليهم. وتورد صلاة توبة اشعيا بعض الامور التي تسبب هذا التعيير: «مدن قدسك صارت برية. صهيون صارت برية وأورشليم موحشة. بيت قدسنا وجمالنا حيث سبَّحك آباؤنا قد صار حريق نار وكل مشتهياتنا صارت خرابا». — اشعياء ٦٤:١٠، ١١ .
١٤ (أ) كيف سبق يهوه فحذَّر من الحالة القائمة حاليا؟ (ب) مع ان يهوه سُرَّ بهيكله والذبائح المقدَّمة هناك، ما هو الاهم في نظره؟
١٤ يعرف يهوه طبعا الوضع في ارض اليهود الموروثة عن اجدادهم. فقبل نحو ٤٢٠ سنة من دمار اورشليم، حذَّر شعبه من انهم اذا ابتعدوا عن وصاياه وخدموا آلهة اخرى، فإنه ‹يقطعهم عن وجه الارض› ويجعل الهيكل الجميل «عبرة [«خرابا»، يج]». (١ ملوك ٩:٦-٩) صحيح ان يهوه سُرَّ بالارض التي اعطاها لشعبه، والهيكل الرائع الذي بُني إكراما له، والذبائح التي قُدِّمت له. لكنَّ الولاء والطاعة اهم من الاشياء المادية والذبائح. قال النبي صموئيل للملك شاول: «هل مسرة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب. هوذا الاستماع افضل من الذبيحة والاصغاء افضل من شحم الكباش». — ١ صموئيل ١٥:٢٢ .
١٥ (أ) بماذا يناشد اشعيا يهوه نبويا، وكيف تُستجاب مناشدته؟ (ب) ماذا ادى الى رفض يهوه اسرائيل كأمة في النهاية؟
١٥ ولكن هل يعقل ان ينظر اله اسرائيل الى بلية شعبه التائب ولا يشفق؟ هذا هو السؤال الذي يختتم به اشعيا صلاته النبوية. فهو يناشد نيابة عن اليهود المسبيين قائلا: «هل بعد هذا كلِّه تسكت يا رب، وتعتصم بالصمت وتُنزِل بنا اشدَّ البلاء». (اشعياء ٦٤:١٢، تف) في النهاية يغفر يهوه لشعبه، وفي سنة ٥٣٧ قم يعيدهم الى ارضهم لكي يستأنفوا العبادة النقية هناك. (يوئيل ٢:١٣) ولكن بعد قرون، دُمِّرت اورشليم وهيكلها من جديد، اذ رفض اللّٰه امة عهده في آخِر الامر. ولماذا؟ لأن شعب يهوه كانوا قد ابتعدوا عن وصاياه ورفضوا المسيَّا. (يوحنا ١:١١؛ ٣:١٩، ٢٠) وعندما حدث ذلك، استبدل يهوه اسرائيل بأمة جديدة، امة روحية هي «اسرائيل اللّٰه». — غلاطية ٦:١٦؛ ١ بطرس ٢:٩ .
يهوه، «سامع الصلاة»
١٦ ماذا يعلّمنا الكتاب المقدس بشأن غفران يهوه؟
١٦ يمكننا تعلم دروس مهمة مما حدث لإسرائيل. فمن ذلك نرى ان يهوه «صالح وغفور وكثير الرحمة». (مزمور ٨٦:٥) وكمخلوقات ناقصة، نعتمد على رحمته وغفرانه لخلاصنا. فلا يمكن لأية اعمال نقوم بها ان تجعلنا نستحق هذه البركات. لكنَّ يهوه لا يمنح الغفران دون تمييز. فقط الذين يتوبون عن خطاياهم ويرجعون يمكنهم نيل الغفران الالهي. — اعمال ٣:١٩ .
١٧، ١٨ (أ) كيف نعرف ان يهوه يهتم اهتماما اصيلا بأفكارنا ومشاعرنا؟ (ب) لماذا يصبر يهوه على البشر الخاطئين؟
١٧ ونتعلم ايضا ان يهوه يهتم جدا بأفكارنا ومشاعرنا حين نعبِّر عنها في الصلاة له. فهو «سامع الصلاة». (مزمور ٦٥:٢، ٣) يؤكد لنا الرسول بطرس قائلا: «لأن عيني يهوه على الأبرار، وأذنيه إلى تضرعهم». (١ بطرس ٣:١٢) وكذلك نتعلم ان صلاة التوبة يجب ان تتضمن اعترافا متواضعا بالخطايا. (امثال ٢٨:١٣) ولكن لا يعني ذلك انه يمكننا استغلال رحمة اللّٰه. فالكتاب المقدس يحذر المسيحيين من ‹قبول نعمة اللّٰه وإخطاء القصد منها›. — ٢ كورنثوس ٦:١ .
١٨ ونتعلم اخيرا القصد من صبر اللّٰه نحو شعبه الخاطئ. فقد اوضح الرسول بطرس ان يهوه صبور «لأنه لا يرغب ان يهلك احد، بل ان يبلغ الجميع الى التوبة». (٢ بطرس ٣:٩) لكنَّ الذين يستمرون في استغلال صبر اللّٰه يعاقَبون لا محالة. وعن هذا الموضوع نقرأ: «سيجازي [يهوه] كل واحد حسب أعماله: أما الحياة الأبدية فللذين بالاحتمال في العمل الصالح يطلبون المجد والكرامة وعدم القابلية للفساد؛ وأما للمخاصمين والذين يعصون الحق ويطيعون الإثم فسخط وغضب». — روما ٢:٦-٨ .
١٩ اية صفات لا تتغير سيعرب عنها يهوه دائما؟
١٩ بهذه الطريقة تعاملَ اللّٰه مع اسرائيل القديمة. وعلاقتنا بيهوه اليوم تَسُوسها المبادئ نفسها لأنه لا يتغير. ومع انه لا يمتنع عن المعاقبة اذا كانت واجبة، فهو دائما «الرب [«يهوه»، عج] اله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الاحسان والوفاء. حافظ الاحسان الى ألوف. غافر الاثم والمعصية والخطية». — خروج ٣٤:٦، ٧ .
[الاطار/الصورتان في الصفحة ٣٦٢]
صلاة توبة بفم دانيال
عاش النبي دانيال في بابل طوال فترة الـ ٧٠ سنة من السبي اليهودي. وخلال السنة الـ ٦٨ من السبي، فهم دانيال من نبوة ارميا ان غُربة اسرائيل تقترب من نهايتها. (ارميا ٢٥:١١؛ ٢٩:١٠؛ دانيال ٩:١، ٢) فالتفت دانيال الى يهوه في الصلاة — صلاة توبة عن كامل الامة اليهودية. يروي دانيال: «وجَّهت وجهي الى اللّٰه السيد طالبا بالصلاة والتضرعات بالصوم والمسح والرماد. وصليت الى الرب الهي واعترفت». — دانيال ٩:٣، ٤ .
تفوَّه دانيال بصلاته بعد نحو مئتي سنة من كتابة اشعيا للصلاة النبوية الموجودة في الاصحاحين ٦٣ و ٦٤ من سفره. ولا شك ان كثيرين من اليهود المخلصين صلوا الى يهوه خلال سنوات السبي الصعبة. لكنَّ الكتاب المقدس يشدد على صلاة دانيال التي تمثِّل كما يَظهر مشاعر كثيرين من اليهود الامناء. وهكذا تُظهر صلاته ان المشاعر المعبَّر عنها في صلاة اشعيا النبوية كانت فعلا مشاعر اليهود الامناء في بابل.
لاحظوا بعض التشابهات بين صلاتَي دانيال وإشعيا:
اشعياء ٦٤:٤-٧ دانيال ٩:٤-٧
اشعياء ٦٤:١٠، ١١ دانيال ٩:١٦-١٨
[الاطار في الصفحة ٣٦٦]
«لم ترَ عين»
اقتبس الرسول بولس، في رسالته الى اهل كورنثوس، من سفر اشعياء حين كتب: «كما هو مكتوب: ‹لم تر عين، ولا سمعت أذن، ولا خُيِّل إلى قلب إنسان، ما هيأه اللّٰه للذين يحبونه›». (١ كورنثوس ٢:٩)a لا تشير كلمات بولس ولا كلمات اشعيا الى الاشياء التي هيأها يهوه لشعبه في ميراث سماوي او في فردوس ارضي مستقبلي. فبولس يطبق كلمات اشعيا على البركات التي كان المسيحيون في القرن الاول يتمتعون بها، كفهم اعماق اللّٰه ونيل التنور الروحي من يهوه.
لا يمكننا ان نفهم الامور الروحية العميقة الا عندما يحين وقت يهوه المعين لكشفها، ولا يمكننا ان نفهمها حتى في ذلك الوقت الا اذا كنا اشخاصا روحيين يتمتعون بعلاقة وثيقة بيهوه. وهكذا تنطبق كلمات بولس على الذين روحياتهم ضعيفة او لا روحيات لديهم. فلا يمكن لعينهم ان ترى، او تميِّز، الحقائق الروحية؛ ولا يمكن لأذنهم ان تسمعها او تفهمها. حتى ان معرفة ما هيأه اللّٰه للذين يحبونه لا يمكن ان تدخل قلوب اشخاص كهؤلاء. أما الذين هم منتذرون للّٰه، كما كان بولس، فقد كشف لهم اللّٰه هذه الامور بواسطة روحه. — ١ كورنثوس ٢:١-١٦ .
[الحاشية]
a ليست كلمات بولس موجودة في الاسفار العبرانية كما اقتبسها تماما. فيبدو انه جمع افكار اشعياء ٥٢:١٥؛ ٦٤:٤؛ و ٦٥:١٧ .
[الصورة في الصفحة ٣٦٧]
امتلك شعب اللّٰه اورشليم وهيكلها «الى قليل»
-
-
«ابتهجوا الى الابد في ما انا خالق»نبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل السادس والعشرون
«ابتهجوا الى الابد في ما انا خالق»
١ اية كلمات مطَمئِنة كتبها الرسول بطرس، وأيّ سؤال ينشأ؟
هل سنشهد يوما ما نهاية للآلام والمظالم؟ قبل اكثر من ٩٠٠,١ سنة، كتب الرسول بطرس هذه الكلمات المطَمئِنة: «ننتظر بحسب وعد [اللّٰه] سموات جديدة وأرضا جديدة، فيها يسكن البر». (٢ بطرس ٣:١٣) وقد تطلَّع بطرس، هو وكثيرون من خدام اللّٰه الامناء عبر العصور، الى اليوم العظيم الذي فيه يزول الظلم والعنف والتعدّي على الشريعة ويسود البر. فهل يمكننا ان نقول بكل ثقة ان هذا الوعد سيتم؟
٢ ايّ نبي تحدث قبلا عن ‹سموات جديدة وأرض جديدة›، وما هي اتمامات هذه النبوة القديمة؟
٢ طبعا، يمكننا ذلك! فعندما تحدث بطرس عن ‹سموات جديدة وأرض جديدة›، لم يأتِ بشيء جديد. فقبل ذلك بنحو ٨٠٠ سنة، تفوَّه يهوه بواسطة النبي اشعيا بكلمات مماثلة. كان لهذا الوعد الابكر اتمام على نطاق مصغر سنة ٥٣٧ قم حين أُطلق اليهود من الاسر البابلي وعادوا الى ارضهم. ولكن لنبوة اشعيا اتمام عظيم اليوم، ونحن نتطلع ايضا الى اتمام مثير اكثر في عالم اللّٰه الجديد المقبل. والنبوة المبهجة التي ذكرها اشعيا تزود لمحة عن البركات التي يخبئها اللّٰه للذين يحبونه.
يهوه يناشد ‹شعبا متمردا›
٣ ايّ سؤال نجد جوابا عنه في اشعياء الاصحاح ٦٥؟
٣ تذكروا ان اشعياء ٦٣:١٥–٦٤:١٢ تتضمن صلاة اشعيا النبوية نيابة عن اليهود المسبيين في بابل. وتوضح كلمات اشعيا ان كثيرين من اليهود لا يعبدون يهوه من كل النفس، لكنَّ البعض تابوا ورجعوا اليه. فهل يردّ يهوه الآن الامة من اجل تلك البقية النادمة؟ نجد الجواب في اشعياء الاصحاح ٦٥ . ولكن قبل التفوُّه بالوعد المتعلق بإنقاذ القليلين الامناء، يصف يهوه الدينونة التي تنتظر الكثيرين المجرَّدين من الايمان.
٤ (أ) مَن سيطلب يهوه، بالتباين مع شعبه العاصي؟ (ب) كيف طبَّق الرسول بولس اشعياء ٦٥:١، ٢؟
٤ لقد احتمل يهوه تمرد شعبه المستمر. ولكن سيأتي الوقت الذي يتركهم فيه ليد اعدائهم ويجلب بلطفه آخرين الى رضاه. يقول يهوه بواسطة اشعيا: «اصغيتُ الى الذين لم يسألوا. وُجدت من الذين لم يطلبوني. قلت هأنذا هأنذا لأمة لم تُسَمَّ باسمي». (اشعياء ٦٥:١) انه لَأمر مؤسف ان يقال هذا عن شعب عهد يهوه: ان افرادا من الامم سيأتون الى يهوه أما يهوذا المتمردة — كأمة — فسترفض فعل ذلك. وليس اشعيا النبيَّ الوحيد الذي ينبئ بأن اللّٰه سيختار في النهاية شعبا لم يُعرف من قبل. (هوشع ١:١٠؛ ٢:٢٣) وقد اقتبس الرسول بولس كلمات اشعياء ٦٥:١، ٢ من الترجمة السبعينية ليثبت ان اناسا من الامم ينالون «البر الذي يأتي من الإيمان» فيما يرفض اليهود الطبيعيون ذلك. — روما ٩:٣٠؛ ١٠:٢٠، ٢١ .
٥، ٦ (أ) عن اية رغبة شديدة عبَّر يهوه، ولكن كيف تجاوب شعبه؟ (ب) ماذا نتعلم من تعاملات يهوه مع يهوذا؟
٥ يوضح يهوه لماذا سيسمح بأن تحلّ الكارثة على شعبه: «بسطت يديَّ طول النهار الى شعب متمرد سائر في طريق غير صالح وراء افكاره». (اشعياء ٦٥:٢) يشير بسط اليدين الى دعوة او مناشدة. وقد بسط يهوه يديه، لا وقتا قصيرا، بل طول النهار. فهو يريد من كل قلبه ان ترجع يهوذا اليه. لكنَّ هذا الشعب المتمرد لا يتجاوب.
٦ يا للدرس المؤثر الذي نتعلمه من كلمات يهوه! فهو يريد ان نقترب اليه لأنه اله محب. (يعقوب ٤:٨) وتُظهر هذه الكلمات ايضا ان يهوه متواضع. (مزمور ١١٣:٥، ٦) وما زال باسطا يديه، مجازيا، مناشدا شعبه ان يرجعوا رغم ان تمردهم ‹احزنه›. (مزمور ٧٨:٤٠، ٤١) ولا يتركهم ليد اعدائهم الا بعدما استمر يناشدهم قرونا عديدة. حتى عندما يتركهم، لا يغلق الباب امام الافراد المتواضعين منهم.
٧، ٨ بأية طرائق اغاظ يهوهَ شعبُه المتمرد؟
٧ اثار اليهود المتمردون غضب يهوه مرارا بسلوكهم المخزي. ويصف يهوه اعمالهم الشائنة قائلا: «شعب يغيظني بوجهي دائما يذبح في الجنات ويبخِّر على الآجر. يجلس في القبور ويبيت في المدافن يأكل لحم الخنزير وفي آنيته مرق لحوم نجسة. يقول قف عندك. لا تدنُ مني لأني اقدس منك. هؤلاء دخان في انفي نار متقدة كل النهار». (اشعياء ٦٥:٣-٥) هؤلاء الاشخاص المدَّعون التقوى يغيظون يهوه ‹بوجهه› — كلمة يمكن ان تتضمن معنى الوقاحة وعدم الاحترام. حتى انهم لا يحاولون إخفاء اعمالهم الكريهة. أليس من الشائن خصوصا ارتكاب الخطايا في حضور الكائن الذي ينبغي ان يكرَّم ويطاع؟
٨ هؤلاء الخطاة ذوو البر الذاتي يقولون لليهود الآخرين: ‹لا تدنوا مني، لأني اقدس منكم›. يا للرياء! فهؤلاء «الاتقياء» يقدمون الذبائح ويحرقون البخور امام آلهة باطلة، الامر الذي تدينه شريعة اللّٰه. (خروج ٢٠:٢-٦) وهم يجلسون في المدافن، الامر الذي ينجّسهم حسب الناموس. (عدد ١٩:١٤-١٦) ويأكلون لحم حيوان نجس: الخنزير.a (لاويين ١١:٧) ومع ذلك تجعلهم نشاطاتهم الدينية يشعرون بأنهم اقدس من اليهود الآخرين، ولا يريدون ان يقترب منهم احد لكي لا يتقدَّس، اذا جاز التعبير، او يصير طاهرا بمجرد مرافقتهم. لكنَّ اللّٰه، الذي يتطلب «التعبد المطلق»، لا ينظر ابدا الى الامور بهذا الشكل! — تثنية ٤:٢٤، عج.
٩ كيف ينظر يهوه الى الخطاة ذوي البر الذاتي؟
٩ لا يعتبر يهوه ذوي البر الذاتي هؤلاء مقدَّسين، بل يقول: «هؤلاء دخان في انفي». ان الكلمة العبرانية التي تقابل «انف» او «منخر» تُستعمل غالبا بشكل مجازي للاشارة الى الغضب. ويرتبط الدخان ايضا باحتدام غضب يهوه. (تثنية ٢٩:٢٠) فالصنمية المثيرة للاشمئزاز التي وقع فيها شعب يهوه تثير غضبه الى اقصى حد.
١٠ كيف سيجازي يهوه سكان يهوذا على خطاياهم؟
١٠ تحقيقا للعدالة، لا يمكن ان يترك يهوه هؤلاء الخطاة العمديين بلا عقاب. يكتب اشعيا: «ها قد كُتب امامي. لا اسكت بل اجازي. اجازي في حضنهم. آثامكم وآثام آبائكم معا قال الرب الذين بخَّروا على الجبال وعيَّروني على الآكام فأكيل عملهم الاول في حضنهم». (اشعياء ٦٥:٦، ٧) لقد عيَّر هؤلاء اليهود يهوه بانغماسهم في العبادة الباطلة. وجعلوا عبادة الاله الحقيقي تبدو كما لو انها ليست افضل من عبادة آلهة الامم حولهم. وبسبب ‹آثامهم›، التي تشمل الصنمية والارواحية، سيجازيهم يهوه «في حضنهم». كما يَظهر، تشير كلمة «حضن»، او حِجر، الى طيّة متجمِّعة في اللباس الفوقاني تشكّل جَيبا يمكن ان يُفرِغ فيه الباعة كيلًا من المحصول. (لوقا ٦:٣٨) ان معنى ذلك واضح بالنسبة الى اليهود المرتدّين: سيكيل يهوه ‹مجازاتهم›، او عقابهم. فسيحرص اله العدل ان ينالوا جزاءهم. (مزمور ٧٩:١٢؛ ارميا ٣٢:١٨) وبما ان يهوه لا يتغير، يمكن ان نكون على ثقة من انه سيكيل، في وقته المعين، جزاء مماثلا ضد نظام الاشياء الشرير هذا. — ملاخي ٣:٦ .
«لأجل عبيدي»
١١ كيف يشير يهوه الى انه سينقذ بقية امينة؟
١١ هل سيرحم يهوه الاشخاص الامناء بين شعبه؟ يوضح اشعيا: «هكذا قال الرب. كما ان السلاف [«الخمرة»، جد] يوجد في العنقود فيقول قائل لا تهلكه لأن فيه بركة. هكذا اعمل لأجل عبيدي حتى لا اهلك الكل. بل أُخرج من يعقوب نسلا ومن يهوذا وارثا لجبالي فيرثها مختاريَّ وتسكن عبيدي هناك». (اشعياء ٦٥:٨، ٩) عندما يشبِّه يهوه شعبه بعنقود عنب، يستخدم تشبيها يمكنهم فهمه بسهولة. فالعنب وافر في الارض، والخمر المستخرجة من العنب بركة للانسان. (مزمور ١٠٤:١٥) ربما يصف هذا التشبيه عنقود عنب بعض الحبّات فيه جيدة ولكن ليس كلها. او ربما تشير الفكرة الى عنقود واحد جيد، فيما العناقيد الاخرى رديئة او لم تنضج بعد. في كلتا الحالتين، لن يتلف الكرّام العنب الجيد. وهكذا يطَمئِن يهوه شعبه انه لن يدمر الامة دمارا كليا بل سيبقي على بقية امينة. ويذكر ان هذه البقية ذات الحظوة ستملك ‹جباله›، اي اورشليم وأرض يهوذا، هذه المنطقة الكثيرة المرتفعات التي يعتبرها يهوه له.
١٢ اية بركات تنتظر البقية الامينة؟
١٢ وأية بركات تنتظر هذه البقية الامينة؟ يوضح يهوه: «يكون شارون مرعى غنم ووادي عخور مربض بقر لشعبي الذين طلبوني». (اشعياء ٦٥:١٠) تلعب الماشية دورا هاما في حياة يهود كثيرين، وفي زمن السلم تساهم وفرة المراعي في خلق جو من الازدهار. يشير يهوه الى موقعين في طرفَين من اطراف تلك البلاد ليصوِّر فكرة السلام والازدهار. فإلى الغرب يقع سهل شارون، المعروف بجماله وخصبه والممتد على طول ساحل البحر المتوسط. أما وادي عخور فيشكّل جزءا من الحدود الشمالية الشرقية للارض. (يشوع ١٥:٧) وخلال السبي المقبل ستقفر هاتان المنطقتان، شأنهما في ذلك شأن باقي الارض. لكنَّ يهوه يعد بأنهما ستصيران بعد السبي مراعي رائعة لقطعان البقية العائدة. — اشعياء ٣٥:٢؛ هوشع ٢:١٥ .
الوثوق ‹بإله الحظ السعيد›
١٣، ١٤ اية ممارسات تُظهر ان شعب اللّٰه تركوه، وماذا سيحل بهم نتيجة ذلك؟
١٣ تتناول نبوة اشعيا الآن الاشخاص الذين تركوا يهوه واستمروا في ممارسة الصنمية. تقول النبوة: «انتم الذين تركوا الرب ونسوا جبل قدسي ورتبوا للسعد الاكبر [«اله الحظ السعيد»، عج] مائدة وملأوا للسعد الاصغر [«اله النصيب»، عج] خمرا ممزوجة». (اشعياء ٦٥:١١) ان اليهود المرتدّين، بترتيبهم مائدة من الطعام والشراب امام «اله الحظ السعيد» و «اله النصيب»، سقطوا في فخ الممارسات الصنمية للامم الوثنية.b فماذا سيحل بكل مَن يثق بسذاجة بهذه الآلهة؟
١٤ يحذر يهوه هؤلاء بشكل مباشر قائلا: «اعيِّنكم للسيف [«اجعل السيف نصيبكم»، عج] وتجثون كلكم للذبح لأني دعوت فلم تجيبوا. تكلمت فلم تسمعوا بل عملتم الشر في عينيَّ واخترتم ما لم اسر به». (اشعياء ٦٥:١٢) يقول يهوه، بتلاعب لفظي باسم اله النصيب باللغة العبرانية في الاصل، ان الذين يعبدون هذا الاله الباطل ‹نصيبهم السيف›، اي الهلاك. ويهوه، من خلال انبيائه، دعا هؤلاء الاشخاص مرارا الى التوبة، لكنهم تجاهلوه واختاروا بعناد ما يعرفون انه شر في عينيه. فيا لهذا الازدراء باللّٰه! وإتماما لتحذير اللّٰه، ستعاني الامة كارثة عظيمة سنة ٦٠٧ قم حين يسمح يهوه للبابليين بتدمير اورشليم وهيكلها. وفي ذلك الوقت لن يحمي «اله الحظ السعيد» أتباعه في يهوذا وأورشليم. — ٢ أخبار الايام ٣٦:١٧ .
١٥ بأية طريقة ينتبه المسيحيون الحقيقيون اليوم للتحذير المسجل في اشعياء ٦٥:١١، ١٢؟
١٥ واليوم ينتبه المسيحيون الحقيقيون للتحذير المسجل في اشعياء ٦٥:١١، ١٢ . فهم لا يؤمنون بـ «الحظ السعيد»، كما لو انه قوة فوق الطبيعة البشرية قادرة على منح النِّعَم. ويتجنبون كل اشكال المقامرة، رافضين تبديد ممتلكاتهم المادية لإرضاء «اله الحظ السعيد». وهم مقتنعون بأن الذين يقفون حياتهم على خدمة هذا الاله سيخسرون في النهاية كل شيء، لأن يهوه يقول لهؤلاء: «اجعل السيف نصيبكم».
«هوذا عبيدي يفرحون»
١٦ بأية طرائق سيبارك يهوه خدامه الامناء، ولكن ماذا سيحل بالذين تركوه؟
١٦ تتابع النبوة توبيخ تاركي يهوه بإجراء مقارنة بين ما ينتظر الذين يعبدون اللّٰه بإخلاص وما ينتظر الذين يعبدونه برياء: «هكذا قال السيد الرب. هوذا عبيدي يأكلون وأنتم تجوعون. هوذا عبيدي يشربون وأنتم تعطشون. هوذا عبيدي يفرحون وأنتم تخزون. هوذا عبيدي يترنمون من طيبة القلب وأنتم تصرخون من كآبة القلب ومن انكسار الروح تولولون». (اشعياء ٦٥:١٣، ١٤) سيبارك يهوه خدامه الامناء. وبقلوب مفعمة بالفرح، سيندفعون الى الترنيم. تشير كلمات الاكل والشرب والفرح الى ان يهوه سيشبع حاجات عبّاده بوفرة. أما الذين اختاروا ترك يهوه فسيجوعون ويعطشون روحيا. ولن تُشبَع حاجاتهم اطلاقا، بل سيصرخون ويولولون بسبب الكرب والشدة اللذين سيحلان بهم.
١٧ لماذا يملك شعب اللّٰه اليوم سببا وجيها للترنم؟
١٧ تصف كلمات يهوه جيدا الحالة الروحية التي يعانيها اليوم مَن يكتفون بالادعاء انهم يخدمون اللّٰه. فالعالم المسيحي، بملايين أتباعه، يعاني انكسارا روحيا، فيما عبّاد يهوه يترنمون. ولديهم سبب وجيه ليفرحوا. فهم يأكلون روحيا حتى الشبع. ويهوه يزوّدهم بوفرة من الطعام الروحي من خلال المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس والتجمعات المسيحية. نعم، ان الحقائق البناءة والوعود المعزية في كلمة اللّٰه تعطينا ‹قلبا طيبا›!
١٨ ماذا سيبقى من الذين تركوا يهوه، وإلى ماذا يمكن ان يشير استعمال اسمهم في اللعن؟
١٨ يتابع يهوه كلامه الى الذين تركوه قائلا: «تُخلِفون اسمكم لعنة لمختاريَّ فيميتك السيد الرب ويسمي عبيده اسما آخر. فالذي يتبرك في الارض يتبرك بإله الحق والذي يحلف في الارض يحلف بإله الحق لأن الضيقات الاولى قد نسيت ولأنها استترت عن عينيَّ». (اشعياء ٦٥:١٥، ١٦) فكل ما سيبقى من الذين تركوا يهوه هو اسمهم، وهذا الاسم لن يُستعمل الا للَّعن. وربما يعني ذلك ان الذين يريدون ان يُلزموا انفسهم بشيء بواسطة قسم، سيقولون: ‹اذا لم أفِ بهذا الوعد، فليحل علي العقاب الذي حل بأولئك المرتدّين›. وربما يعني ايضا ان اسمهم سيُستعمل كرمز الى معاقبة اللّٰه للاشرار، كما هي الحال مع الاسمين سدوم وعمورة.
١٩ بأيّ معنى سيسمّى عبيد اللّٰه اسما آخر، ولماذا ستكون عندهم ثقة بإله الامانة؟ (انظروا الحاشية ايضا.)
١٩ كم سيكون الامر مختلفا بالنسبة الى عبيد اللّٰه! فهؤلاء سيسمَّون اسما آخر. ويشير ذلك الى حالة البركة والكرامة التي سيتمتعون بها في موطنهم. ولن يطلب هؤلاء البركة من ايّ اله باطل او يحلفوا بأيّ صنم عديم الحياة. بل عندما يتبركون او يحلفون، سيكون ذلك باسم اله الامانة. (اشعياء ٦٥:١٦، حاشية عج [بالانكليزية]) وسيكون عند سكان الارض سبب وجيه للثقة كاملا باللّٰه، لأنه يصدُق في وعوده.c وحين ينعم اليهود بالامان في ارضهم، سينسون تلك الضيقات الاولى.
«هأنذا خالق سموات جديدة وأرضا جديدة»
٢٠ كيف تم وعد يهوه ‹بسموات جديدة وأرض جديدة› سنة ٥٣٧ قم؟
٢٠ يتوسع يهوه الآن في وعده بتجديد الاوضاع بالنسبة الى بقية تائبة بعد عودتهم من السبي في بابل. يقول يهوه بواسطة اشعيا: «هأنذا خالق سموات جديدة وأرضا جديدة فلا تُذكر الاولى ولا تخطر على بال». (اشعياء ٦٥:١٧) ووعْد يهوه بالرد سيتم حتما حتى انه يتحدث عن الرد المستقبلي كما لو انه يحدث الآن. تمت هذه النبوة اولا سنة ٥٣٧ قم حين رُدَّت البقية اليهودية الى اورشليم. فممَّ تألفت ‹السموات الجديدة› في ذلك الوقت؟ لقد كانت ولايةَ زربابل المدعومة من رئيس الكهنة يشوع (يهوشع) والتي كان مركزها اورشليم. وشكلت البقية المستردة «ارضا جديدة»، مجتمعا مطهرا خضع لهذا الحكم وساهم في اعادة تأسيس العبادة النقية في الارض. (عزرا ٥:١، ٢) وفرحُ هذا الرد حجب كل المعاناة السابقة؛ فالضيقات الاولى لم تكن لتخطر على بال. — مزمور ١٢٦:١، ٢ .
٢١ اية سموات جديدة ظهرت سنة ١٩١٤؟
٢١ ولكن تذكروا ان بطرس ردد كلمات نبوة اشعيا وأظهر ان هنالك اتماما مستقبليا. كتب الرسول: «ننتظر بحسب وعده سموات جديدة وأرضا جديدة، فيها يسكن البر». (٢ بطرس ٣:١٣) في سنة ١٩١٤، ظهرت السموات الجديدة التي طال انتظارها. والملكوت المسيَّاني الذي وُلد في تلك السنة يحكم من السماء عينها، وقد اعطاه يهوه سلطانا على كل الارض. (مزمور ٢:٦-٨) وحكومة الملكوت هذه، برئاسة المسيح والحكام المعاونين الـ ٠٠٠,١٤٤، هي السموات الجديدة. — كشف ١٤:١ .
٢٢ ممَّن ستتألف الارض الجديدة، وكيف يتهيأ اناس اليوم ليصيروا نواة هذا الترتيب؟
٢٢ وماذا عن الارض الجديدة؟ بحسب نموذج الاتمام القديم، ستتألف الارض الجديدة من اشخاص يخضعون طوعا للحكومة السماوية الجديدة. حتى في ايامنا هذه يخضع ملايين الاشخاص ذوي الميل الصائب لهذه الحكومة ويجاهدون ليتبعوا شرائعها المسجلة في الكتاب المقدس. ويأتي هؤلاء من جميع الجنسيات واللغات والعروق، ويعملون معا في خدمة مصالح الملك المتوَّج يسوع المسيح. (ميخا ٤:١-٤) وبعد انقضاء نظام الاشياء الشرير، سيشكّل هذا الفريق نواة ارض جديدة ستصير في النهاية مجتمعا عالميا من البشر الاتقياء الذين يرثون الحيّز الارضي لملكوت اللّٰه. — متى ٢٥:٣٤ .
٢٣ اية معلومات نجدها في سفر الكشف بشأن ‹سموات جديدة وأرض جديدة›، وكيف ستتم هذه النبوة؟
٢٣ يصف سفر الكشف رؤيا رآها الرسول يوحنا عن يوم يهوه الآتي، حين يزول نظام الاشياء هذا. وبعد ذلك يُلقى الشيطان في المهواة. (كشف ١٩:١١–٢٠:٣) وبعد هذا الوصف، يردد يوحنا كلمات اشعيا النبوية ويكتب: «رأيت سماء جديدة وأرضا جديدة». وتتحدث الاعداد التالية لهذه الرؤيا المجيدة عن الوقت الذي فيه سيغير يهوه اللّٰه الاحوال على هذه الارض تغييرا جذريا وإلى الافضل. (كشف ٢١:١، ٣-٥) فمن الواضح ان الوعد في سفر اشعياء ‹بسموات جديدة وأرض جديدة› سيشهد اتماما رائعا في عالم اللّٰه الجديد! وفي ظل السموات الحكومية الجديدة، سيتمتع مجتمع ارضي جديد بفردوس روحي وحرفي على السواء. وكم هو معزٍّ الوعد بأن الامور ‹الاولى [المرض، الالم، والويلات الكثيرة الاخرى التي يواجهها البشر] لا تُذكر ولا تخطر على بال›! فكل ما يمكن ان نتذكره في ذلك الوقت لن يؤلمنا او يحزّ في قلبنا في ما بعد، كما يثقل كاهل كثيرين اليوم.
٢٤ لماذا سيفرح يهوه برد اورشليم، وماذا لن يُسمع في ما بعد في شوارع تلك المدينة؟
٢٤ تمضي نبوة اشعيا قائلة: «افرحوا وابتهجوا الى الابد في ما انا خالق لأني هأنذا خالق اورشليم بهجة وشعبها فرَحا. فأبتهج بأورشليم وأفرح بشعبي ولا يُسمع بعد فيها صوت بكاء ولا صوت صراخ». (اشعياء ٦٥:١٨، ١٩) لن يفرح اليهود وحدهم بردِّهم الى ارضهم، بل اللّٰه نفسه سيفرح ايضا لأنه سيجعل اورشليم زينة — مركز العبادة الحقة على الارض من جديد. ولن يُسمع في ما بعد صوت البكاء على المصيبة، ذاك الصوت الذي تردد في شوارع المدينة قبل عقود.
٢٥، ٢٦ (أ) كيف يجعل يهوه اورشليم «بهجة» في ايامنا؟ (ب) كيف سيستخدم يهوه اورشليم الجديدة، ولماذا يمكننا اليوم ان نبتهج؟
٢٥ واليوم ايضا يجعل يهوه اورشليم «بهجة». كيف؟ كما سبق ان رأينا، ان السموات الجديدة، التي ظهرت سنة ١٩١٤، ستشمل في النهاية ٠٠٠,١٤٤ من الكهنة المعاونين الذين سيكون لهم دور في الحكومة السماوية. ويوصف هؤلاء نبويا بـ «اورشليم الجديدة». (كشف ٢١:٢) وعندما يذكر يهوه: «هأنذا خالق اورشليم بهجة وشعبها فرَحا»، يكون لذلك علاقة بأورشليم الجديدة. فسيستخدم اللّٰه اورشليم الجديدة ليغدق بركات لا تحصى على الجنس البشري الطائع. ولن يُسمع في ما بعد صوت البكاء او الصراخ، لأن يهوه سيلبي ‹سؤل قلبنا›. — مزمور ٣٧:٣، ٤ .
٢٦ نعم، هنالك اسباب كثيرة لنبتهج اليوم! فقريبا سيقدّس يهوه اسمه المجيد بإهلاك كل المقاومين. (مزمور ٨٣:١٧، ١٨) وعندئذ ستُحكِم السموات الجديدة السيطرة على كل شيء. فما اروع هذه الاسباب لنفرح ونبتهج في ما اللّٰه خالق!
الوعد بمستقبل آمن
٢٧ بأية طريقة يصف اشعيا الامان الذي سينعم به اليهود العائدون في ارضهم؟
٢٧ في الاتمام الاول، كيف ستكون الحياة، بالنسبة الى اليهود العائدين، في ظل السموات الجديدة؟ يقول يهوه: «لا يكون بعد هناك طفل ايام ولا شيخ لم يكمل ايامه. لأن الصبي يموت ابن مئة سنة والخاطئ يُلعن ابن مئة سنة». (اشعياء ٦٥:٢٠) ما اجمل هذا الوصف للامان الذي سينعم به المسبيون العائدون في ارضهم المستردة! فالطفل الذي يبلغ من العمر اياما قليلة فقط لن يموت ميتة مبكّرة. ولن تكون هذه الميتة ايضا من نصيب الشيخ الذي لم يشبع اياما.d فكم تُطَمئن كلمات اشعيا اليهود الذين سيعودون الى يهوذا! فسيسكنون آمنين في ارضهم، دون ان يخشوا من هجوم للأعداء فيه يُخطَف اطفالهم او يُقتل رجالهم.
٢٨ ماذا نتعلم من كلمات يهوه عن الحياة في العالم الجديد في ظل ملكوته؟
٢٨ ماذا تخبرنا كلمات يهوه عن الحياة في العالم الجديد القادم؟ في ظل ملكوت اللّٰه، سيكون لكل طفل امل بمستقبل آمن. ولن يأخذ الموت انسانا تقيا في ريعان عمره. بل سيعيش البشر الطائعون في امن وسلام، مما يمكّنهم من التمتع بالحياة. وماذا عن الذين يختارون التمرد على اللّٰه؟ سيخسر هؤلاء امتياز الحياة. حتى لو كان الخاطئ المتمرد «ابن مئة سنة»، فسيموت. وفي هذه الحالة، سيكون مجرد «صبي» مقارنةً بما كان ممكنا ان يصير: رجلا يعيش حياة لا نهاية لها.
٢٩ (أ) اية افراح سيتمتع بها شعب اللّٰه الطائع في ارض يهوذا المستردة؟ (ب) لماذا تُعتبر الاشجار رمزا ملائما الى طول العمر؟ (انظروا الحاشية.)
٢٩ يتابع يهوه وصفه للاحوال التي ستسود في ارض يهوذا المستردة: «يبنون بيوتا ويسكنون فيها ويغرسون كروما ويأكلون اثمارها. لا يبنون وآخر يسكن ولا يغرسون وآخر يأكل. لأنه كأيام شجرة ايام شعبي ويستعمل مختاريَّ عمل ايديهم.» (اشعياء ٦٥:٢١، ٢٢) بعد العودة الى ارض يهوذا المقفرة، والخالية طبعا من البيوت والكروم، سيتمتع شعب اللّٰه الطائع بفرح العيش في بيوتهم الخاصة والاكل من نتاج كرومهم الخاصة. فسيبارك يهوه عملهم، وستكون حياتهم مديدة — كأيام شجرة — يتمتعون خلالها بثمار عملهم.e
٣٠ اية حالة سعيدة يتمتع بها خدام يهوه اليوم، وبماذا سيتمتعون في العالم الجديد؟
٣٠ يحدث في ايامنا هذه اتمام لهذه النبوة. فقد خرج شعب يهوه من الاسر الروحي سنة ١٩١٩ وبدأوا اعادة بناء «ارضهم»، او حيّز نشاطهم وعبادتهم. فبنوا الجماعات وقطفوا الثمار الروحية. ونتيجةً لذلك يتمتع شعب يهوه، حتى في هذا الوقت، بفردوس روحي وسلام الهي. ونحن على ثقة من ان هذا السلام سيستمر في الفردوس الحرفي. وما سينجزه يهوه بواسطة ايدي عبّاده وقلوبهم المتجاوبة في العالم الجديد سيفوق حقا تصورنا. فكم سيكون مفرحا ان تبنوا بيتكم الخاص وتسكنوا فيه! وفي ظل حكم الملكوت، لن تكون للعمل الممتع نهاية. فكم هو جميل ان ‹تروا› دائما «خيرا» من ثمار عمل ايديكم! (جامعة ٣:١٣) وهل سيكون عندنا الوقت الكافي للتمتع بعمل ايدينا كاملا؟ نعم، بالتأكيد! فحياة البشر الامناء التي لا تنتهي ستكون «كأيام شجرة» — بطول آلاف السنين وأكثر!
٣١، ٣٢ (أ) اية بركات سيتمتع بها المسبيون العائدون؟ (ب) ايّ رجاء سينعم به البشر الامناء في العالم الجديد؟
٣١ يتابع يهوه وصفه البركات التي تنتظر المسبيين العائدين: «لا يتعبون باطلا ولا يلدون للرعب لأنهم نسل مباركي الرب وذريتهم معهم». (اشعياء ٦٥:٢٣) سيبارك يهوه اليهود العائدين، ولذلك لن يضيع عملهم سدى. ولن ينجب الوالدون اولادا ليقاسوا موتا مبكّرا. فالمسبيون سابقا لن يتمتعوا ببركات الرد وحدهم، بل ستكون ذريتهم معهم. وسيكون اللّٰه تواقا جدا الى تلبية حاجات شعبه حتى انه يعد: «يكون أني قبلما يدعون انا اجيب وفيما هم يتكلمون بعد انا اسمع». — اشعياء ٦٥:٢٤ .
٣٢ وكيف سيتمم يهوه هذه الوعود في العالم الجديد القادم؟ ما علينا إلا ان ننتظر لنرى. فيهوه لم يذكر كل التفاصيل، ولكن بإمكاننا ان نثق بأن البشر الامناء لن ‹يتعبوا باطلا› في ما بعد. والجمع الكثير الناجون من هرمجدون والاولاد الذين يمكن ان يولدوا لهم سينعمون برجاء العيش حياة هنيئة طويلة جدا — حياة ابدية! والذين يقامون من الموت ويختارون العيش بانسجام مع مقاييس اللّٰه سيجدون الفرح ايضا في العالم الجديد. فسيسمع يهوه ويلبي حاجاتهم، حتى انه سيعرف مسبقا ما هم بحاجة اليه. نعم، سيبسط يهوه يده ويشبع «رغبة كل مخلوق حي». — مزمور ١٤٥:١٦، تف.
٣٣ عندما يعود اليهود الى ارضهم، بأيّ معنى ستكون الحيوانات في سلام؟
٣٣ وإلى ايّ حد سينتشر السلام والامن اللذان يعد بهما اللّٰه؟ يختم يهوه هذا الجزء من النبوة بالقول: «الذئب والحمل يرعيان معا والاسد يأكل التبن كالبقر. اما الحية فالتراب طعامها. لا يؤذون ولا يهلكون في كل جبل قدسي قال الرب [«يهوه»، عج]». (اشعياء ٦٥:٢٥) عندما تعود البقية اليهودية الامينة الى ارضهم، سيصيرون تحت رعاية يهوه. وسيكون كما لو ان الاسد سيأكل التبن كالبقر، لأن الاسد لن يؤذي اليهود ولا حيواناتهم الداجنة. وهذا الوعد اكيد، لأنه يُختتم بالكلمتين: ‹قال يهوه›. وكلامه يتحقق دائما! — اشعياء ٥٥:١٠، ١١ .
٣٤ ما هو الاتمام المثير لكلمات يهوه في ايامنا وفي العالم الجديد؟
٣٤ لكلمات يهوه اتمام مثير بين العبّاد الحقيقيين اليوم. فمنذ سنة ١٩١٩، يبارك اللّٰه الارض الروحية لشعبه، محوِّلا اياها الى فردوس روحي. والذين يأتون الى هذا الفردوس الروحي يقومون بتغييرات كبيرة في حياتهم. (افسس ٤:٢٢-٢٤) فبمساعدة الروح القدس، كل مَن كانت لهم شخصيات وحشية ذات مرة — اذ كانوا مثلا يستغلون رفيقهم الانسان او يسيئون معاملته — احرزوا تقدما في تذليل الصفات غير المرغوبة. وهكذا صاروا يتمتعون بالسلام ووحدة العبادة مع رفقائهم المؤمنين. والبركات التي يتمتع بها اليوم شعب يهوه في فردوسهم الروحي ستمتد الى الفردوس الحرفي، حيث سيرافق السلامَ السائد بين البشر سلامٌ مع الحيوانات. ويمكننا ان نثق بأن التفويض الاصلي الى الجنس البشري سيتحقق في وقت اللّٰه المعيَّن: «أخضعوا [الارض] وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الارض». — تكوين ١:٢٨ .
٣٥ لماذا عندنا اسباب كثيرة ‹لنبتهج الى الابد›؟
٣٥ كم نحن شاكرون على وعد يهوه بخلق ‹سموات جديدة وأرض جديد›! لقد شهد هذا الوعد اتماما سنة ٥٣٧ قم وله اتمام آخر اليوم. ويشير هذان الاتمامان الى مستقبل مجيد ينتظر البشر الطائعين. ومن لطف يهوه انه اعطانا، من خلال نبوة اشعيا، لمحة عما يخبئه للذين يحبونه. نعم، هنالك اسباب كثيرة تدفعنا الى الانتباه لكلمات يهوه: «ابتهجوا الى الابد في ما انا خالق». — اشعياء ٦٥:١٨ .
[الحواشي]
a يعتقد كثيرون ان هؤلاء الخطاة كانوا في المدافن يحاولون الاتصال بالاموات. وربما كان لأكلهم لحم الخنازير ارتباط بعبادة الاصنام.
b تعليقا على هذه الآية، يتحدث جيروم، احد تراجمة الكتاب المقدس (وُلد في القرن الرابع الميلادي)، عن عادة قديمة كان عبدة الاصنام يمارسونها في آخر يوم من آخر شهر في سنتهم. كتب: «كانوا يرتبون مائدة مفروشة بمختلف انواع الاطعمة مع كأس مملوءة خمرا حلوة كضمان للحظ السعيد في الخصب، إما من اجل السنة السابقة او من اجل السنة المقبلة».
c بحسب اشعياء ٦٥:١٦ في النص الماسوري العبراني، يهوه هو «اله الآمين». وتعني كلمة «آمين» «ليكن كذلك» او «حتما»، وهي تأكيد او ضمان ان الامر صحيح او سيتحقق لا محالة. ويهوه، بوفائه بكل ما يعد به، يُظهر ان ما يقوله هو حق.
d تُنقل اشعياء ٦٥:٢٠ حسب ترجمة تفسيرية: «لا يكون فيها بعدُ طفل لا يعيش سوى ايام قلائل، او شيخ لا يستوفي ايامه».
e تُعتبر الاشجار رمزا ملائما الى طول العمر، لأنها بين اكثر الاشياء الحية المعروفة التي تعمِّر طويلا. مثلا، تستمر شجرة الزيتون في انتاج الثمار طوال مئات السنين وقد تعيش حتى ألف سنة.
[الصورة في الصفحة ٣٨٩]
في عالم اللّٰه الجديد، سيكون عندنا متسع من الوقت للتمتع بعمل ايدينا
-
-
يهوه يبارك العبادة النقيةنبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل السابع والعشرون
يهوه يبارك العبادة النقية
١ اية محاور يشدَّد عليها في الاصحاح الاخير من سفر اشعياء، وأية اسئلة يُجاب عنها؟
في الاصحاح الاخير من سفر اشعياء، تبلغ بعض المحاور الرئيسية لهذا السفر النبوي حدًّا مثيرا ويُجاب عن عدد من الاسئلة المهمة. وبعض المحاور التي يشدَّد عليها تشمل: سمو يهوه، بغضه للرياء، عزمه على معاقبة الاشرار، ومحبته واهتمامه بالامناء. وكذلك يُجاب عن الاسئلة التالية: ماذا يميِّز العبادة الحقة من الباطلة؟ كيف نتأكد ان يهوه سيجازي المرائين الذين يدّعون القداسة فيما يظلمون شعب اللّٰه؟ وكيف سيبارك يهوه مَن يبقون امناء له؟
ما تستلزمه العبادة النقية
٢ ماذا يقول يهوه عن عظمته، وماذا لا يعنيه هذا القول؟
٢ في البداية، تشدد النبوة على عظمة يهوه: «هكذا قال الرب. السموات كرسيي والارض موطئ قدميَّ. اين البيت الذي تبنون لي وأين مكان راحتي». (اشعياء ٦٦:١) يعتقد البعض ان النبي يَثني اليهود عن اعادة بناء هيكل يهوه حين ترجع الامة الى ارضها. لكنَّ الامر ليس كذلك؛ اذ ان يهوه نفسه سيأمر بإعادة بناء الهيكل. (عزرا ١:١-٦؛ اشعياء ٦٠:١٣؛ حجي ١:٧، ٨) فماذا تعني هذه الآية اذًا؟
٣ لماذا من الملائم ان توصف الارض بأنها «موطئ قدمي» يهوه؟
٣ دعونا نرى اولا لماذا توصف الارض بأنها «موطئ قدمي» يهوه. هذه ليست عبارة ازدرائية. فبين بلايين الاجرام السماوية في الكون، لم تُطلق هذه التسمية المميزة الا على الارض. وستبقى ارضنا كوكبا فريدا الى الابد، لأنه عليها دفع الابن المولود الوحيد للّٰه الفدية، وعليها سيبرئ يهوه سلطانه بواسطة الملكوت المسيَّاني. فكم هو ملائم ان تُدعى الارض موطئ قدمي يهوه! والملك قد يستعمل موطئا ليصعد ويجلس على عرشه الرفيع وبعد ذلك يستخدم هذا الموطئ كمكان راحة لقدميه.
٤ (أ) لماذا يستحيل ان يكون ايّ بناء على الارض مكان راحة ليهوه اللّٰه؟ (ب) ماذا تعني عبارة «كل هذه»، وماذا يجب ان نستنتج بشأن عبادة يهوه؟
٤ طبعا، لا يجعل الملك سكناه على موطئ قدميه، وكذلك لا يجعل يهوه سكناه على هذه الارض. حتى السموات الحرفية الشاسعة لا تسعه! فكم بالاحرى بناء على الارض يُستعمل حرفيا كبيت ليهوه! (١ ملوك ٨:٢٧) ان كرسي يهوه ومكان راحته هما في الحيّز الروحاني، وهذا هو معنى كلمة «السموات» في اشعياء ٦٦:١ . ويساعدنا العدد التالي على فهم الفكرة بوضوح: «كل هذه صنعتها يدي فكانت كل هذه يقول الرب». (اشعياء ٦٦:٢ أ) تخيلوا يهوه يبسط ذراعه ويحركها بشكل دائري ليشير الى «كل هذه» — كل ما في السماء وعلى الارض. (اشعياء ٤٠:٢٦؛ كشف ١٠:٦) فبصفته الخالق العظيم لكل الكون، يستحق اكثر من مجرد بناء مكرَّس له. وكذلك يستحق اكثر من مجرد عبادة ظاهرية.
٥ كيف نُظهر اننا ‹بائسون ومنسحقو الروح›؟
٥ وما نوع العبادة التي تليق بسيد الكون؟ يقول هو بنفسه: «الى هذا أنظر الى المسكين [«البائس»، يس] والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي». (اشعياء ٦٦:٢ ب) نعم، الموقف القلبي الصائب من جهة العابد ضروري للعبادة النقية. (كشف ٤:١١) ويجب على عابد يهوه ان يكون ‹بائسا ومنسحق الروح›. فهل يعني هذا ان يهوه يريد ان نكون تعساء؟ كلا، فهو «الاله السعيد»، ويريد ان يكون عبّاده فرحين ايضا. (١ تيموثاوس ١:١١؛ فيلبي ٤:٤) لكننا جميعا نخطئ مرارا، ولا يجوز ان نستخف بأمر خطايانا. فينبغي ان ‹نبتئس›، ان نحزن لأننا لا نبلغ مقاييس يهوه البارة. (مزمور ٥١:١٧) ويلزم ان نُظهر اننا ‹منسحقو الروح› بالتوبة ومحاربة ميولنا الخاطئة والصلاة الى يهوه طلبا للغفران. — لوقا ١١:٤؛ ١ يوحنا ١:٨-١٠ .
٦ بأيّ معنى ينبغي ان ‹يرتعد› العبّاد الحقيقيون من ‹كلام اللّٰه›؟
٦ بالاضافة الى ذلك، ينظر يهوه الى ‹المرتعدين من كلامه›. فهل يعني هذا انه يريد ان نرتجف خوفا كلما قرأنا اعلاناته؟ كلا، بل يريد ان ننظر الى ما يقوله برهبة واحترام. فعلينا ان نجدّ في طلب مشورته، ونستخدمها لترشدنا في كل شؤون الحياة. (مزمور ١١٩:١٠٥) وقد ‹نرتعد› ايضا بمعنى اننا نخاف من مجرد فكرة التمرد على اللّٰه، او تلويث حقه بالتقاليد البشرية، او الاستخفاف بهذا الحق. وهذا الموقف المتواضع ضروري للعبادة النقية — ولكن من المؤسف انه نادر في عالم اليوم.
يهوه يكره العبادة الريائية
٧، ٨ كيف ينظر يهوه الى العبادة الشكلية للمرائين الدينيين؟
٧ فيما يتأمل اشعيا في معاصريه، يدرك ان قليلين لديهم الموقف الذي يريد يهوه ان ينمّيه عبّاده. لهذا السبب تستحق اورشليم المرتدّة دينونتها الوشيكة. لاحظوا كيف ينظر يهوه الى العبادة التي تجري فيها: «مَن يذبح ثورا فهو قاتل انسان. مَن يذبح شاة فهو ناحر كلب. مَن يُصعد تقدمة يُصعد دم خنزير. مَن احرق لبانا فهو مبارك وثنا. بل هم اختاروا طرقهم وبمكرهاتهم سرَّت انفسهم». — اشعياء ٦٦:٣ .
٨ تذكّرنا هذه الكلمات بكلمات يهوه المسجلة في الاصحاح الاول من سفر اشعياء. فهناك اخبر يهوه شعبه المعاند ان عبادتهم الشكلية، بالاضافة الى انها لا ترضيه، تجعل غضبه البار يشتعل لأن عبادتهم ريائية. (اشعياء ١:١١-١٧) وبشكل مماثل، يشبِّه يهوه الآن تقدماتهم بالجرائم الشنيعة. فتقديمهم ثورا غالي الثمن ذبيحة لا يرضيه كما ان قتل انسان لا يرضيه! وتُشبَّه تقدماتهم الاخرى بتقدمة كلب او خنزير، وهما حيوانان نجسان بحسب الشريعة الموسوية ولا يجوز مطلقا تقديمهما ذبيحة. (لاويين ١١:٧، ٢٧) فهل يسمح يهوه بأن يستمر هذا الرياء الديني دون عقاب؟
٩ كيف يتجاوب معظم اليهود مع مذكِّرات يهوه بواسطة اشعيا، وماذا ستكون النتيجة الحتمية؟
٩ يقول يهوه الآن: «انا ايضا اختار مصائبهم ومخاوفهم اجلبها عليهم. من اجل أني دعوت فلم يكن مجيب تكلمت فلم يسمعوا بل عملوا القبيح في عينيَّ واختاروا ما لم اسر به». (اشعياء ٦٦:٤) لا شك ان اشعيا قادر على التفوه بهذه الكلمات عن اقتناع شديد. فهو اداة يهوه منذ سنين طويلة، ‹داعيا› شعبه و ‹متكلما› اليهم. ويعرف هذا النبي جيدا ان لا احد عموما يسمع. ولأنهم يستمرون في عمل القبيح، سيأتي جزاؤهم لا محالة. وسيختار يهوه عقابهم ويجلب احداثا مريعة على شعبه المرتد.
١٠ ماذا نعرف عن نظرة يهوه الى العالم المسيحي من خلال تعاملاته مع يهوذا؟
١٠ ان العالم المسيحي العصري يمارس ايضا امورا لا يسر بها يهوه. فالصنمية تكثر في كنائسه، والفلسفات والتقاليد غير المؤسسة على الاسفار المقدسة تُمجَّد من منابره، والسعي وراء السلطة السياسية يجعله ينغمس اكثر فأكثر في الزنا الروحي مع امم العالم. (مرقس ٧:١٣؛ كشف ١٨:٤، ٥، ٩) وكما حدث مع اورشليم القديمة، سينال العالم المسيحي حتما جزاءه العادل حين تأتي عليه ‹المخاوف›. وأحد اسباب عقابه الاكيد هو طريقة معاملته لشعب اللّٰه.
١١ (أ) ماذا يجعل خطية المرتدّين في ايام اشعيا اكبر؟ (ب) بأيّ معنى يطرد معاصرو اشعيا الافراد الامناء ‹من اجل اسم اللّٰه›؟
١١ يمضي اشعيا قائلا: «اسمعوا كلام الرب ايها المرتعدون من كلامه. قال اخوتكم الذين ابغضوكم وطردوكم من اجل اسمي ليتمجد الرب [«يهوه»، عج]. فيَظهر لفرحكم وأما هم فيخزون». (اشعياء ٦٦:٥) هنالك مسؤولية الهية ملقاة على «اخوة» اشعيا، او مواطني منطقته، وهي ان يمثِّلوا يهوه اللّٰه ويخضعوا لسلطانه. وعدم فعلهم ذلك يُحسب لهم خطية خطيرة. لكنَّ ما يجعل خطيتهم اكبر هو انهم يبغضون الامناء والمتواضعين، بمن فيهم اشعيا. وهؤلاء المرتدّون يبغضون ويطردون الافراد الامناء لأنهم يمثِّلون يهوه اللّٰه بصدق. وبهذا المعنى يكون الطرد ‹من اجل اسم اللّٰه›. وفي الوقت نفسه يدَّعي خدام يهوه الباطلون هؤلاء انهم يمثِّلونه، مستعملين برياء عبارات دينية مثل ‹ليتمجد يهوه!›.a
١٢ ما هي بعض الامثلة لاضطهاد المرائين الدينيين لخدام يهوه الامناء؟
١٢ ان البغض الذي يكنّه الدين الباطل لأتباع العبادة النقية ليس بجديد. فهو اتمام اضافي للنبوة في تكوين ٣:١٥ التي انبأت بعداوة طويلة بين نسل الشيطان ونسل امرأة اللّٰه. وقال يسوع لأتباعه الممسوحين في القرن الاول انهم سيتألمون هم ايضا على ايدي مواطنيهم، اذ يُطردون من المجامع ويُضطهدون حتى الموت. (يوحنا ١٦:٢) وماذا عن الازمنة العصرية؟ عند ابتداء «الايام الاخيرة»، توقع شعب اللّٰه ان يحل بهم اضطهاد مماثل. (٢ تيموثاوس ٣:١) ففي سنة ١٩١٤، اقتبست برج المراقبة (بالانكليزية) كلمات اشعياء ٦٦:٥ وقالت: «كل الاضطهادات تقريبا التي حلت بشعب اللّٰه اتت من مسيحيين زائفين». وقالت المقالة نفسها ايضا: «لا نعرف هل سيبلغون حد التطرف في ايامنا — يقتلوننا بقطعنا عن المجتمع، يقتلوننا بحلّ الهيئة، وربما يقتلوننا حرفيا». وكم كانت هذه الكلمات صحيحة! فبعد وقت قصير من نشرها، بلغ الاضطهاد بتحريض من رجال الدين اشُدَّه خلال الحرب العالمية الاولى. لكنَّ العالم المسيحي خزي، تماما كما أُنبئ. كيف؟
رد سريع ومفاجئ
١٣ ما هو ‹صوت الضجيج من المدينة› في الاتمام الاولي؟
١٣ ينبئ اشعيا: «صوت ضجيج من المدينة صوت من الهيكل صوت الرب مجازيا اعداءه». (اشعياء ٦٦:٦) في الاتمام الاولي لهذه الكلمات، «المدينة» هي اورشليم حيث يقع هيكل يهوه. ويدل ‹صوت الضجيج› الى ضجيج الحرب الذي يُسمع في المدينة حين تهاجمها الجيوش البابلية الغازية سنة ٦٠٧ قم. ولكن ماذا عن الاتمام العصري؟
١٤ (أ) بماذا انبأ ملاخي عن مجيء يهوه الى هيكله؟ (ب) بحسب نبوة حزقيال، الى ماذا ادى مجيء يهوه الى هيكله؟ (ج) متى تفقَّد يهوه ويسوع الهيكل الروحي، وماذا كانت النتيجة بالنسبة الى كل مَن ادّعوا انهم يمثِّلون العبادة النقية؟
١٤ تنسجم هذه الكلمات في سفر اشعياء مع نبوتين اخريين، الاولى مسجلة في حزقيال ٤٣:٤، ٦-٩ والاخرى في ملاخي ٣:١-٥ . ينبئ حزقيال وملاخي كلاهما بوقت يأتي فيه يهوه اللّٰه الى هيكله. وتُظهر نبوة ملاخي ان يهوه يأتي ليتفقد بيت عبادته النقية وليمحِّص، رافضا الذين يسيئون تمثيله. وتصوِّر رؤيا حزقيال يهوه يدخل الهيكل ويأمر بإزالة كل آثار الفساد الادبي والصنمية.b في الاتمام العصري لهاتين النبوتين، حدث تطور روحي بارز سنة ١٩١٨ مرتبط بعبادة يهوه. فكما يَظهر تفقَّد يهوه ويسوع كل الذين يدّعون انهم يمثِّلون العبادة النقية. وأدى هذا التفقُّد الى الرفض النهائي للعالم المسيحي الفاسد. وبالنسبة الى أتباع المسيح الممسوحين، عنى هذا التفقُّد فترة وجيزة من التمحيص تلاها رد روحي سريع سنة ١٩١٩ . — ١ بطرس ٤:١٧ .
١٥ اية ولادة أُنبئ بها، وكيف تمت سنة ٥٣٧ قم؟
١٥ وهذا الرد موصوف في العددين التاليين من سفر اشعياء: «قبل ان يأخذها الطلق وَلدت. قبل ان يأتي عليها المخاض وَلدت ذكرا. مَن سمع مثل هذا. مَن رأى مثل هذه. هل تمخض بلاد [«ارض»، عج] في يوم واحد. او تولد امة دفعة واحدة. فقد مخضت صهيون بل وَلدت بنيها». (اشعياء ٦٦:٧، ٨) شهدت هذه الكلمات اتماما اوليا رائعا بالنسبة الى اليهود المسبيين في بابل. فصهيون، او اورشليم، تشبَّه من جديد بامرأة تلد، ولكن يا لها من ولادة غير عادية! فهي سريعة ومفاجئة جدا حتى انها تحصل قبل ان يبدأ المخاض! هذا التشبيه مناسب جدا. فولادة شعب اللّٰه من جديد كأمة مميزة سنة ٥٣٧ قم سريعة ومفاجئة جدا حتى انها تبدو عجائبية. فأشهر قليلة تفصل بين تحرير كورش لليهود من الاسر وعودة بقية امينة الى ارضهم! وكم يتباين ذلك مع الاحداث التي سبقت ولادة امة اسرائيل اول مرة! ففي سنة ٥٣٧ قم، لا حاجة الى التوسل الى حاكم مقاوم ان يحررهم، ولا حاجة الى الهرب من امام جيش معادٍ، ولا حاجة الى الإقامة وقتيا في البرية ٤٠ سنة.
١٦ في الاتمام العصري لإشعياء ٦٦:٧، ٨، ماذا تمثِّل صهيون، وكيف شهدت ذريتها ولادة من جديد؟
١٦ في الاتمام العصري، تمثِّل صهيون «امرأة» يهوه السماوية، هيئته السماوية المؤلفة من كائنات روحانية. ففي سنة ١٩١٩ فرحت «المرأة» برؤية ولادة ابنائها الممسوحين على الارض كشعب منظم، «امة». وكانت هذه الولادة من جديد سريعة ومفاجئة.c ففي غضون اشهر قليلة، تحوَّل الممسوحون كمجموعة من حالة خمول شبيهة بالموت الى حياة مفعمة بالنشاط في ‹ارضهم›، حيّز نشاطهم الروحي المعطى من اللّٰه. (كشف ١١:٨-١٢) حتى انهم اعلنوا في خريف سنة ١٩١٩ اصدار مجلة جديدة مرافقة لمجلة برج المراقبة. وكانت هذه المطبوعة الجديدة، التي دعيت العصر الذهبي (اليوم استيقظ!)، دليلا على ان شعب اللّٰه تنشطوا من جديد وأُعيد تنظيمهم للخدمة.
١٧ كيف يؤكد يهوه لشعبه ان لا شيء يمكن ان يمنعه من تحقيق قصده بشأن اسرائيل الروحي؟
١٧ لا تستطيع اية قوة في الكون ان تمنع هذه الولادة الروحية من ان تحدث من جديد. وهذا ما تذكره الآية التالية بأسلوب شيق: «هل انا امخض ولا اولّد يقول الرب. او انا المولّد هل اغلق الرحم قال الهك». (اشعياء ٦٦:٩) كما ان عملية الولادة محتومة عندما تبدأ، كذلك ولادة اسرائيل الروحي من جديد: عندما تبدأ، لا يمكن ايقافها. صحيح انه حدثت مقاومة، وعلى الارجح سينشأ المزيد من المقاومة في المستقبل. لكنَّ يهوه وحده قادر على ايقاف ما بدأه، وهذا ما لا يفعله ابدا! فكيف يعامل يهوه شعبه الذي استعاد نشاطه؟
رعاية يهوه الرقيقة
١٨، ١٩ (أ) ايّ مثَل مؤثر يستعمله يهوه، وكيف ينطبق على شعبه المسبي؟ (ب) كيف استفادت البقية الممسوحة اليوم من الغذاء والرعاية الحبيَّين؟
١٨ تورد الاعداد الاربعة التالية وصفا مؤثرا لرعاية يهوه الرقيقة. يقول اشعيا اولا: «افرحوا مع اورشليم وابتهجوا معها يا جميع محبيها. افرحوا معها فرحا يا جميع النائحين عليها لكي ترضعوا وتشبعوا من ثدي تعزياتها. لكي تعصروا وتتلذذوا من دِرَّة مجدها». (اشعياء ٦٦:١٠، ١١) يستخدم يهوه هنا مثَل المرأة التي ترضع طفلها. فعندما يشعر الطفل بالجوع، يبدأ بالبكاء دون توقف. ولكن عندما يقرَّب الى ثدي امه ليأكل، يتحول حزنه الى رضا واكتفاء سعيدين. كذلك ايضا، ستتحول بسرعة حالة النوح التي يعانيها اليهود الاسرى في بابل الى حالة فرح واكتفاء عندما يحين وقت الاطلاق والرد. فسيعمهم الفرح. وسيتجدد مجد اورشليم عندما تُبنى وتُسكن ثانيةً. ومجد المدينة سيشمل بدوره سكانها الامناء. ومرة اخرى، سيتغذون روحيا بواسطة كهنوت يقوم بمهامه. — حزقيال ٤٤:١٥، ٢٣ .
١٩ وكذلك بورك اسرائيل الروحي بوفرة من الغذاء بعد الرد سنة ١٩١٩ . ومنذ ذلك الوقت يستمر تدفق الطعام الروحي الذي يعطيه «العبد الامين الفطين» دون انقطاع. (متى ٢٤:٤٥-٤٧) لقد كانت فعلا فترة تعزية وفرح للبقية الممسوحة. ولكن هنالك بركات اخرى بعد.
٢٠ كيف بوركت اورشليم بـ «سيل جارف»، في الازمنة القديمة والعصرية على السواء؟
٢٠ تمضي النبوة قائلة: «هكذا قال الرب. هأنذا ادير عليها سلاما كنهر ومجد الامم كسيل جارف فترضعون وعلى الايدي [«الخاصرة»، عج] تُحملون وعلى الركبتين تدلَّلون». (اشعياء ٦٦:١٢) ترتبط هنا فكرة الرضاعة بفكرة الوفرة في البركات، وذلك من خلال التشبيهين «نهر» و «سيل جارف». فلن تُبارَك اورشليم فقط بوفرة السلام من يهوه بل ايضا بـ «مجد الامم» الذي يفيض نحو شعب اللّٰه ويباركهم. وهذا يعني ان اناسا من الامم سيتقاطرون وينضمون الى شعب يهوه. (حجي ٢:٧) في الاتمام القديم، انضم عدد من الاشخاص من مختلف الامم الى اسرائيل، صائرين من المتهوِّدين. لكنَّ اتماما اعظم بكثير حدث في ايامنا حين انضم «جمع كثير . . . من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة» — سيل جارف من البشر حقا — الى بقية اسرائيل الروحي. — كشف ٧:٩؛ زكريا ٨:٢٣ .
٢١ ايّ نوع من التعزية يُنبأ عنه باستخدام تشبيه جذاب؟
٢١ تتناول اشعياء ٦٦:١٢ ايضا تعابير تمثِّل محبة الام — تدليل الولد على الركبتين وحمله على الخاصرة. وفي العدد التالي يعبَّر عن فكرة مماثلة، وإنما من منظار آخر مميز. «كإنسان [«كرجل»، عج] تعزّيه امه هكذا اعزّيكم انا وفي اورشليم تُعَزَّون». (اشعياء ٦٦:١٣) لقد اصبح الولد ‹رجلا›، راشدا. لكن لا يزال عند امه الاستعداد لمنحه التعزية وقت الضيق.
٢٢ كيف يُظهر يهوه مدى رقة وشدة محبته؟
٢٢ بهذه الطريقة الجذابة يوضح يهوه مدى شدة ورقة محبته لشعبه. ومهما كانت محبة الام قوية، فلن تكون بقدر محبة يهوه العميقة لشعبه الامين. (اشعياء ٤٩:١٥) كم هو مهم ان يعكس جميع المسيحيين هذه الصفة التي يملكها ابوهم السماوي! وهذا ما فعله الرسول بولس، تاركا بالتالي مثالا حسنا للشيوخ في الجماعة المسيحية. (١ تسالونيكي ٢:٧) وقد قال يسوع ان المحبة الاخوية ستكون ابرز سمة تميّز أتباعه. — يوحنا ١٣:٣٤، ٣٥ .
٢٣ صفوا سعادة شعب يهوه المسترد.
٢٣ لا يعبّر يهوه عن محبته قولا فقط بل عملا ايضا. وهكذا يمضي قائلا: «ترون وتفرح قلوبكم وتزهو عظامكم كالعشب وتُعرف يد الرب عند عبيده ويحنق على اعدائه». (اشعياء ٦٦:١٤) يشير نحويّ متخصص في اللغة العبرانية ان كلمة «ترون» تدل ضمنا الى انه حيثما ينظر المسبيون العائدون في ارضهم المستردة، «لن يروا الا فرحا». انهم سيبتهجون دون شك، وستعجز الكلمات عن وصف فرح عودتهم الى موطنهم الحبيب. وسيشعرون بالتجدد، كما لو ان عظامهم قويت من جديد، وبالانتعاش كالعشب في الربيع. وسيعرف الجميع ان هذه النعمة لم تحل عليهم بجهد بشري، بل ‹بيد يهوه›.
٢٤ (أ) ماذا تستنتجون عندما تفكرون في الاحداث التي تتعلق بشعب يهوه اليوم؟ (ب) علامَ ينبغي ان نصمم؟
٢٤ هل تميزون يد يهوه وهي تفعل فعلها بين شعبه اليوم؟ فليس في وسع ايّ انسان ان يحدث هذا الرد للعبادة النقية. وليس في وسع ايّ انسان ان يجعل ملايين الافراد الاعزّاء من كل الامم ينضمون الى البقية الامينة في ارضهم الروحية. يهوه اللّٰه فقط قادر على فعل ذلك. ان هذه الطرائق التي يعبّر بها يهوه عن محبته تعطينا سببا وجيها للابتهاج. فلنقدِّر محبته لنا. ولنستمر في ‹الارتعاد من كلامه›. ولنصمم ان نعيش حسب مبادئ الكتاب المقدس ونجد المسرة في خدمة يهوه.
[الحواشي]
a يرفض اليوم كثيرون في العالم المسيحي استعمال اسم اللّٰه، حتى انه أُزيل من العديد من ترجمات الكتاب المقدس. كما ان البعض يزدرون بشعب اللّٰه بسبب استعمالهم اسمه. لكنَّ كثيرين منهم يستعملون برياء كلمة «هللويا» التي تعني «سبِّحوا ياه».
b ان عبارة «جثث ملوكهم» المستعملة في حزقيال ٤٣:٧، ٩ تشير الى الاصنام. فقد لوث قادة اورشليم المتمردون وشعبها هيكل اللّٰه بالاصنام، جاعلينها ملوكا عليهم.
c الولادة المنبأ بها هنا مختلفة عن الولادة المذكورة في كشف ١٢:١، ٢، ٥ . ففي هذا الاصحاح من سفر الكشف، يمثِّل ‹الابن الذكر› الملكوت المسيَّاني الذي تأسس سنة ١٩١٤ . أما ‹المرأة› فهي نفسها في كلتا النبوتين.
[الصورة في الصفحة ٣٩٥]
«كل هذه صنعتها يدي»
[الصورة في الصفحة ٤٠٢]
سيعطي يهوه صهيون «مجد الامم»
-
-
نورٌ للاممنبوة اشعيا — نور لكل الجنس البشري الجزء ٢
-
-
الفصل الثامن والعشرون
نورٌ للامم
١، ٢ ما هي اهمية الضوء، وأيّ نوع من الظلمة يغطي الارض اليوم؟
يهوه هو مصدر النور، «الجاعل الشمس للاضاءة نهارا وفرائض القمر والنجوم للاضاءة ليلا». (ارميا ٣١:٣٥) وهذا سبب كافٍ للاعتراف بأنه ينبوع الحياة، لأن النور يعني الحياة. فلو لم تكن الارض معرَّضة دائما لدفء الشمس وضوئها، لَكانت الحياة كما نعرفها مستحيلة. ولَكانت ارضنا كوكبا لا يمكن العيش فيه.
٢ لذلك يهمنا جدا ان نعرف ان يهوه انبأ بفترة ظلام لا نور في اشارة الى ايامنا. فقد كتب اشعيا بالوحي: «ها هي الظلمة تغطي الارض والظلام الدامس الامم». (اشعياء ٦٠:٢) طبعا، لا بد ان هذه الكلمات تشير الى ظلام روحي لا حرفي، لكنَّ ذلك لا يقلل من خطورتها. فالحياة لن تعود في النهاية ممكنة للذين لا ينعمون بنور روحي، تماما كما يحدث للذين لا يستفيدون من ضوء الشمس.
٣ في هذه الايام المظلمة، اين يمكن ان نجد النور؟
٣ في هذه الاوقات المظلمة، يجب ألا نتجاهل النور الروحي الذي يجعله يهوه متوفرا لنا. فمن المهم ان نعتمد على كلمة اللّٰه لتنير سبيلنا، قارئين الكتاب المقدس كل يوم اذا امكن. (مزمور ١١٩:١٠٥) وتزود الاجتماعات المسيحية فرصا لنا لتشجيع بعضنا بعضا على ملازمة «سبيل الصدّيقين». (امثال ٤:١٨؛ عبرانيين ١٠:٢٣-٢٥) والقوة التي نستمدها من الدرس الدؤوب للكتاب المقدس والمعاشرة المسيحية السليمة تحمينا من الغرق في ظلمة هذه «الايام الاخيرة»، التي ستبلغ ذروتها في «يوم سخط الرب» العظيم. (٢ تيموثاوس ٣:١؛ صفنيا ٢:٣) وهذا اليوم آتٍ سريعا! وإتيانه اكيد بقدر ما كان إتيان يوم مماثل على سكان اورشليم القديمة اكيدا.
يهوه «يعاقب»
٤، ٥ (أ) بأية طريقة يأتي يهوه على اورشليم؟ (ب) لماذا يمكننا الاستنتاج ان عددا قليلا نسبيا سينجون من دمار اورشليم سنة ٦٠٧ قم؟ (انظروا الحاشية.)
٤ في الاعداد الختامية من نبوة اشعيا المثيرة، يصف يهوه بأسلوب حي الاحداث التي ستسبق يوم سخطه. نقرأ: «هوذا الرب بالنار يأتي ومركباته كزوبعة ليرد بحموٍّ غضبَه وزجرَه بلهيب نار. لأن الرب بالنار يعاقب وبسيفه على كل بشر ويكثر قتلى الرب». — اشعياء ٦٦:١٥، ١٦ .
٥ ينبغي ان تساعد هذه الكلمات معاصري اشعيا على ادراك خطورة وضعهم. فقريبا سيأتي البابليون، ادوات يهوه لتنفيذ الحكم، على اورشليم فيما تثير مركباتهم سحبا من غبار كالزوبعة. وكم سيكون هذا المنظر مخيفا! فسيستخدم يهوه هؤلاء الغزاة لينفذ دينونته النارية في كل «بشر» من اليهود غير الامناء. وسيكون كما لو ان يهوه نفسه يحارب شعبه. فلن يقف شيء في طريق ‹حموّه›. وسيسقط يهود كثيرون «قتلى الرب». وفي سنة ٦٠٧ قم تشهد هذه النبوة الاتمام.a
٦ اية ممارسات شائنة تجري في يهوذا؟
٦ وهل يهوه مبرَّر ‹بمعاقبة› شعبه؟ طبعا هو مبرّر! فكثيرا ما رأينا، خلال مناقشتنا لسفر اشعياء، ان اليهود كانوا منغمسين جدا في العبادة الباطلة — رغم كونهم شعبا منتذرا ليهوه — ولم يكن يهوه غافلا عن اعمالهم. ونرى ذلك من جديد في الكلمات التالية للنبوة: «الذين يقدسون ويطهرون انفسهم في الجنات وراء واحد في الوسط آكلين لحم الخنزير والرجس والجُرَذ يفنون معا يقول الرب». (اشعياء ٦٦:١٧) هل يقوم هؤلاء اليهود بتقديس وتطهير انفسهم لأنهم يعدّون انفسهم للعبادة النقية؟ الجواب بوضوح هو لا. فهم ينهمكون في طقوس تطهير وثنية في جنات خصوصية. وبعد ذلك يلتهمون بنهم لحم الخنزير وحيوانات اخرى تعتبرها الشريعة الموسوية نجسة. — لاويين ١١:٧، ٢١-٢٣ .
٧ كيف يماثل العالم المسيحي يهوذا الصنمية؟
٧ كم تثير هذه الحالة الاشمئزاز، اذ تحدث في امة تربطها بالاله الحقيقي الوحيد علاقة عهد! ولكن تأملوا في هذا: توجد اليوم حالة مماثلة مثيرة للاشمئزاز بين اديان العالم المسيحي. فهم ايضا يدَّعون انهم يخدمون اللّٰه، وكثيرون من قادتهم يتصنعون التقوى. لكنهم ينجسون انفسهم بالتعاليم والتقاليد الوثنية، مظهرين انهم في ظلام روحي. فما اشد هذه الظلمة! — متى ٦:٢٣؛ يوحنا ٣:١٩، ٢٠ .
«يرون مجدي»
٨ (أ) ماذا سيحل بيهوذا والعالم المسيحي على السواء؟ (ب) بأيّ معنى ‹سترى› الامم ‹مجد يهوه›؟
٨ هل يرى يهوه اعمال العالم المسيحي الشائنة وتعاليمهم الباطلة؟ اقرأوا كلمات يهوه التالية، كما سجلها اشعيا، واستنتجوا انتم بأنفسكم: «انا اجازي اعمالهم وأفكارهم. حدثَ لجمع كل الامم والالسنة فيأتون ويرون مجدي». (اشعياء ٦٦:١٨) فيهوه عالم بما يجري، وهو مستعد ليدين، ليس فقط اعمال مَن يدّعون انهم خدامه، بل ايضا افكارهم. تدّعي يهوذا انها تؤمن بيهوه، لكنَّ اعمالها الصنمية وممارساتها الوثنية تفضح كذبها. وكل ‹التطهير› الذي يقوم به مواطنوها بحسب الطقوس الوثنية لا يجدي نفعا. فالامة ستُقطع، وسيحدث ذلك على مرأى جيرانها عبدة الاصنام. ‹وسيرى› هؤلاء ‹مجد يهوه› بمعنى انهم سيشهدون الاحداث ويُجبَرون على الاعتراف بأن ما تكلم به يهوه قد صار. وكيف ينطبق كل ذلك على العالم المسيحي؟ عندما تأتي نهايته، سيُجبَر كثيرون من اصدقائه وشركائه السابقين في الاعمال التجارية على الوقوف جانبا والتفرج دون التمكن من فعل شيء فيما يتمم يهوه كلمته. — ارميا ٢٥:٣١-٣٣؛ كشف ١٧:١٥-١٨؛ ١٨:٩-١٩ .
٩ اية بشارة يعلنها يهوه؟
٩ هل يعني دمار اورشليم سنة ٦٠٧ قم انه لن يعود ليهوه شهود على الارض؟ كلا. فالذين حافظوا على استقامتهم على نحو بارز، كدانيال وأصحابه الثلاثة، سيستمرون في خدمة يهوه حتى خلال سبيهم في بابل. (دانيال ١:٦، ٧) نعم، لن تنقطع سلسلة شهود يهوه الامناء، وعند نهاية الـ ٧٠ سنة، سيغادر الرجال والنساء الامناء بابل ويعودون الى يهوذا ليردوا العبادة النقية هناك. وهذا ما يلمح اليه يهوه في الكلمات التالية: «اجعل فيهم آية وأرسل منهم ناجين الى الامم الى ترشيش وفول ولود النازعين في القوس الى توبال وياوان الى الجزائر البعيدة التي لم تسمع خبري ولا رأت مجدي فيخبرون بمجدي بين الامم». — اشعياء ٦٦:١٩ .
١٠ (أ) بأيّ معنى يكون اليهود الامناء المحرَّرون من بابل آية؟ (ب) مَن هم اليوم آية؟
١٠ سيكون حشد الرجال والنساء الامناء، العائدين الى اورشليم سنة ٥٣٧ قم، آية مدهشة، دليلا على ان يهوه انقذ شعبه. فمَن كان يتخيل ان اليهود الاسرى سيتمكنون في يوم من الايام من استئناف العبادة النقية في هيكل يهوه؟! وبشكل مماثل، في القرن الاول، تمثّلت ‹الآيات والعجائب› بمسيحيين ممسوحين جرى اليهم الودعاء الذين يريدون ان يخدموا يهوه. (اشعياء ٨:١٨؛ عبرانيين ٢:١٣) والمسيحيون الممسوحون، المزدهرون في ارضهم الروحية المستردة، هم اليوم آية مدهشة في الارض. (اشعياء ٦٦:٨) انهم دليل حي على قدرة روح يهوه، اذ يجذبون الودعاء الذين تدفعهم قلوبهم الى خدمة يهوه.
١١ (أ) بعد الرد، كيف سيتعلم الافراد من الامم عن يهوه؟ (ب) كيف تمت زكريا ٨:٢٣ اتماما اوليا؟
١١ ولكن، بعد الرد سنة ٥٣٧ قم، كيف سيعرف يهوهَ الافرادُ من الامم الذين لم يسمعوا خبره؟ لن يرجع جميع اليهود الامناء الى اورشليم عند نهاية الاسر البابلي. فسيبقى البعض، كدانيال، في بابل. وسيتفرق آخرون الى زوايا الارض الاربع. فبحلول القرن الخامس قبل الميلاد، كان هنالك يهود في كل انحاء الامبراطورية الفارسية. (استير ١:١؛ ٣:٨) ولا شك ان بعضهم اخبروا جيرانهم الوثنيين عن يهوه، لأن كثيرين من هؤلاء الامم تهوَّدوا. وهذا ما جرى كما يَظهر مع الخصي الحبشي الذي كرز له التلميذ فيلبس في القرن الاول. (اعمال ٨:٢٦-٤٠) كل ذلك حدث كإتمام اولي لكلمات النبي زكريا: «في تلك الايام يمسك عشرة رجال من جميع ألسنة الامم يتمسكون بذيل رجل يهودي قائلين نذهب معكم لأننا سمعنا ان اللّٰه معكم». (زكريا ٨:٢٣) نعم، لقد ارسل يهوه نوره الى الامم! — مزمور ٤٣:٣ .
إحضار ‹تقدمة ليهوه›
١٢، ١٣ بأية طريقة سيُحضَر «اخوة» الى اورشليم ابتداء من سنة ٥٣٧ قم؟
١٢ بعد اعادة بناء اورشليم، ستكون المدينة وكهنوتها المسترد مركز العبادة النقية في نظر اليهود المنتشرين بعيدا جدا عن موطنهم. وسيقطع كثيرون منهم مسافات طويلة ليحضروا الاعياد السنوية هناك. يكتب اشعيا بالوحي: «يُحضِرون كلَّ اخوتكم من كل الامم تقدمةً للرب على خيل وبمركبات وبهوادج وبغال وهُجُن الى جبل قدسي اورشليم قال الرب كما يُحضِر بنو اسرائيل تقدمةً في اناء طاهر الى بيت الرب. وأتخذ ايضا منهم كهنة ولاويين». — اشعياء ٦٦:٢٠، ٢١ .
١٣ كان بعضٌ من هؤلاء ‹الاخوة من كل الامم› حاضرين يوم الخمسين حين سُكب الروح القدس على تلاميذ يسوع. يذكر السجل: «كان ساكنا في اورشليم يهود، رجال يخشون اللّٰه، من كل امة تحت السماء». (اعمال ٢:٥) فقد اتوا الى اورشليم ليقدموا العبادة حسب العادة اليهودية، ولكن عندما سمعوا البشارة عن يسوع المسيح، مارس كثيرون الايمان به واعتمدوا.
١٤، ١٥ (أ) كيف جمع المسيحيون الممسوحون المزيد من ‹اخوتهم› الروحيين بعد الحرب العالمية الاولى، وكيف أُحضر هؤلاء الى يهوه «تقدمة في اناء طاهر»؟ (ب) بأية طريقة اتخذ يهوه «منهم كهنة»؟ (ج) مَن هم بعض المسيحيين الممسوحين الذين اشتركوا في تجميع اخوتهم الروحيين؟ (انظروا الاطار في هذه الصفحة.)
١٤ وهل لهذه النبوة اتمام عصري؟ نعم، بالتأكيد. فبعد الحرب العالمية الاولى، فهم خدام يهوه الممسوحون من الاسفار المقدسة ان ملكوت اللّٰه تأسس في السماء سنة ١٩١٤ . وبالدرس الدقيق للكتاب المقدس، علموا انه سيجري تجميع «اخوة»، او ورثة اضافيين للملكوت. فذهب خدامٌ شجعان الى «اقصى الارض»، مستخدمين كل وسيلة نقل ممكنة بحثا عن اعضاء محتملين من البقية الممسوحة، ومعظم هؤلاء الاعضاء خرجوا من كنائس العالم المسيحي. وعندما وُجد هؤلاء، أُحضروا تقدمة ليهوه. — اعمال ١:٨ .
١٥ لم يتوقع الممسوحون الذين جُمعوا في تلك السنوات الباكرة ان يقبلهم يهوه كما كانوا عليه قبل تعرُّفهم بحق الكتاب المقدس. فاتخذوا الخطوات اللازمة ليطهّروا انفسهم من النجاسات الروحية والادبية، وهكذا يقدَّمون «تقدمة في اناء طاهر»، او كما ذكر الرسول بولس، «عذراء عفيفة الى المسيح». (٢ كورنثوس ١١:٢) وبالاضافة الى رفض الضلال العقائدي، لزم ان يتعلم الممسوحون كيف يحافظون على الحياد التام في شؤون هذا العالم السياسية. وفي سنة ١٩٣١، عندما طُهِّر خدام يهوه الى حد كافٍ، انعم يهوه عليهم بامتياز حمل اسمه كشهود له. (اشعياء ٤٣:١٠-١٢، عج) ولكن كيف يتخذ يهوه «منهم كهنة»؟ صار هؤلاء الممسوحون كمجموعة ‹كهنوتا ملكيا، امة مقدسة›، مقدمين ذبائح التسبيح للّٰه. — ١ بطرس ٢:٩؛ اشعياء ٥٤:١؛ عبرانيين ١٣:١٥ .
التجميع يتواصل
١٦، ١٧ مَن هم «نسلكم» بعد الحرب العالمية الاولى؟
١٦ يبلغ العدد الكامل لهذا ‹الكهنوت الملكي› ٠٠٠,١٤٤، وعلى مر الوقت اكتمل تجميعهم. (كشف ٧:١-٨؛ ١٤:١) فهل كان ذلك نهاية عمل التجميع؟ كلا. تمضي نبوة اشعيا قائلة: «كما ان السموات الجديدة والارض الجديدة التي انا صانع تثبت امامي يقول الرب هكذا يثبت نسلكم واسمكم». (اشعياء ٦٦:٢٢) في الاتمام الاولي لهذه الكلمات، سيبدأ اليهود العائدون من الاسر البابلي بتربية الاولاد. وهكذا تثبت البقية اليهودية المستردة، «الارض الجديدة»، في ظل ادارة يهودية جديدة، «السموات الجديدة». ولكن لهذه النبوة اتمام بارز جدا في ايامنا.
١٧ ان ‹النسل› الذي تجلبه امة الاخوة الروحيين هو ‹الجمع الكثير›، الذين يرجون العيش حياة ابدية على الارض. وهم يأتون «من كل الامم والقبائل والشعوب والالسنة»، ويقفون «امام العرش وأمام الحمل». وقد «غسلوا حُلَلهم وبيَّضوها بدم الحمل». (كشف ٧:٩-١٤؛ ٢٢:١٧) واليوم يبتعد ‹الجمع الكثير› عن الظلمة الروحية ويأتون الى النور الذي يزوده يهوه. ويمارسون الايمان بيسوع المسيح، ويجاهدون ليبقوا اطهارا روحيا وأدبيا كإخوتهم وأخواتهم الممسوحين. ويستمرون كمجموعة في الخدمة تحت توجيه المسيح، وهكذا ‹يثبتون› الى الابد! — مزمور ٣٧:١١، ٢٩ .
١٨ (أ) كيف فعل اعضاء الجمع الكثير مثل اخوتهم الممسوحين؟ (ب) كيف يعبد الممسوحون ورفقاؤهم يهوه «من هلال الى هلال ومن سبت الى سبت»؟
١٨ يعرف هؤلاء الرجال والنساء المجتهدون، ذوو الرجاء الارضي، انه رغم اهمية البقاء اطهارا ادبيا وروحيا، يلزم شيء آخر لإرضاء يهوه. فعمل التجميع يتقدم بزخم، وهم يريدون ان يشاركوا فيه. ينبئ عنهم سفر الكشف: «هم امام عرش اللّٰه؛ ويؤدون له خدمة مقدسة نهارا وليلا في هيكله». (كشف ٧:١٥) تذكِّرنا هذه الكلمات بالآية قبل الاخيرة في نبوة اشعيا: «يكون من هلال الى هلال ومن سبت الى سبت ان كل ذي جسد يأتي ليسجد امامي قال الرب». (اشعياء ٦٦:٢٣) وهذا ما يحدث اليوم. فمن «هلال الى هلال ومن سبت الى سبت» — اي بشكل منتظم، كل اسبوع من كل شهر — يلتقي المسيحيون الممسوحون ورفقاؤهم الجمع الكثير ليعبدوا يهوه. ويفعلون ذلك بحضور الاجتماعات المسيحية والاشتراك في الخدمة العامة وأمور اخرى. فهل انتم احد الذين ‹يأتون ليسجدوا امام يهوه› بانتظام؟ يجد شعب يهوه فرحا كبيرا في ذلك، ويتطلع اعضاء الجمع الكثير الى الوقت الذي فيه يخدم «كل ذي جسد» — جميع البشر الاحياء — يهوه «من هلال الى هلال ومن سبت الى سبت» الى الابد.
النهاية الاخيرة لأعداء اللّٰه
١٩، ٢٠ ماذا كانت جهنا في ازمنة الكتاب المقدس، وإلى ماذا ترمز؟
١٩ لا يزال هنالك عدد واحد من درسنا لنبوة اشعيا. يُختتم السفر بهذه الكلمات: «يخرجون ويرون جثث الناس الذين عصوا عليَّ لأن دودهم لا يموت ونارهم لا تُطفأ. ويكونون رذالة لكل ذي جسد». (اشعياء ٦٦:٢٤) ربما كان يسوع المسيح يفكر في هذه النبوة عندما شجع تلاميذه على تبسيط حياتهم وإعطاء الاولوية لمصالح الملكوت. قال: «إن اعثرتك عينك فألقِها عنك؛ خير لك ان تدخل ملكوت اللّٰه اعور من ان تكون لك عينان وتُرمى في جهنا، حيث يرقانهم لا يموت والنار لا تُطفأ». — مرقس ٩:٤٧، ٤٨؛ متى ٥:٢٩، ٣٠؛ ٦:٣٣ .
٢٠ ما هو هذا المكان المسمى جهنا؟ قبل عدة قرون، كتب العالم اليهودي داود كمحي: «هو مكان. . . متاخم لأورشليم، وهو مكان كريه، ويرمون فيه الاشياء النجسة والجثث. وأيضا كانت هناك نار دائمة لتحرق الاشياء النجسة وعظام الجثث. لذلك، تدعى دينونة الاشرار على سبيل المجاز جِهِينُّوم». فإذا كانت جهنا تُستعمل، كما يشير هذا العالم اليهودي، لرمي النفايات وجثث الذين لم يُعتبروا اهلا لأنْ يُدفنوا، تكون النار وسيلة ملائمة لإزالة هذه النفايات. وما لا تأكله النار يأكله الدود. فيا له من تشبيه ملائم للنهاية الاخيرة لأعداء اللّٰه!b
٢١ مَن يعتبرون آخر آية في سفر اشعياء خاتمة ايجابية، ولماذا؟
٢١ نظرا الى هذا الكلام عن الجثث والنار والدود، هل يمكن القول ان نبوة اشعيا المثيرة تُختتم بانطباع مخيف؟ لا شك ان هذا هو شعور اعداء اللّٰه. لكنَّ وصف اشعيا لهلاك الاشرار الابدي هو مصدر تشجيع كبير لأصدقاء اللّٰه. فشعب يهوه بحاجة الى التأكد ان اعداءهم لن يهيمنوا في ما بعد. وهؤلاء الاعداء، الذين سببوا لعبّاد اللّٰه الكثير من الالم وجلبوا الكثير من التعيير على اسمه، سيهلكون الى الابد. وعندئذ «لا يقوم الضيق مرتين». — ناحوم ١:٩ .
٢٢، ٢٣ (أ) اشرحوا بعض الطرائق التي استفدتم بها من درسكم لسفر اشعياء. (ب) بعدما درستم سفر اشعياء، ما هو تصميمكم، وما هو رجاؤكم؟
٢٢ فيما نختم درسنا لسفر اشعياء، كم نحن شاكرون ان هذا السفر ليس مجرد تاريخ ولّى. بل يحمل رسالة لنا اليوم. فعندما نفكر في الاوقات المظلمة التي عاش فيها اشعيا، يمكننا ان نرى التشابهات بين تلك الفترة وأيامنا. فقد اتسمت ايام اشعيا باضطراب سياسي، رياء ديني، فساد قضائي، وظلم للامناء والفقراء، وهذا ما يميّز ايامنا ايضا. ولا بد ان اليهود الامناء في القرن السادس قبل الميلاد كانوا شاكرين على نبوة اشعيا، ونحن اليوم نتعزى بها عندما ندرسها.
٢٣ في هذه الازمنة الحرجة، التي فيها تغطي الظلمة الارض والظلام الدامس الامم، نحن جميعا شاكرون لأن يهوه زوَّد نورا بواسطة اشعيا لكل الجنس البشري! وهذا النور الروحي يعني الحياة الابدية لجميع الذين يقبلونه بكل قلوبهم، بصرف النظر عن اصلهم القومي او خلفيتهم العرقية. (اعمال ١٠:٣٤، ٣٥) فلنستمر في السلوك في نور كلمة اللّٰه، وقراءتها يوميا، والتأمل فيها، وإعزاز رسالتها. وسيؤدي ذلك الى بركة ابدية لنا وإلى تسبيح اسم يهوه القدوس!
-